هي تسع وعشرون آية وهي مدنية
قال القرطبي : في قول الجميع قال ابن عباس : نزلت بالمدينة، وعن ابن الزبير مثله، وعليه الجمهور، وقال الزمخشري : إنها مكية، ويؤيده ما نقل في سبب إسلام عمر بن الخطاب أنه لما قرأ هذه الآيات إلى قوله :﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ وكانت مكتوبة في صحيفة عند أخته أسلم، فهذا يقتضي أن هذه الآيات مكية، فعلى هذا تستثنى على القول بأن السورة مدينة، تأمل.
" وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء وخلق الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء، أخرجه الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف.
وعن جابر مرفوعا لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت علي يوم الثلاثاء أخرجه الديلمي.
" وعن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال : أن فيهن آية أفضل من ألف آية، أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال معروف.
وأخرجه النسائي عن خالد بن معدان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر العرباض بن سارية فهو مرسل وأخرجه ابن الضريس.
" عن يحي بن أبي كثير قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات وكان يقول : إن فيهن آية أفضل من ألف آية " قال يحيى فنراها الآية التي في آخر الحشر " وقال ابن كثير في تفسيره والآية المشار إليها والله أعلم هي قوله :﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن ﴾ الآية والمسبحات هي الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.
ﰡ
وفعل التسبيح قد يتعدى بنفسه تارة كما في قوله: وسبحوه، وباللام أخرى كهذه الآية، وأصله أن يكون متعدياً بنفسه، لأن معنى سبحته بعدته عن السوء فإذا استعمل باللام فهي إما زائدة للتأكيد كما في شكرته وشكرت
وجاء هذا الفعل في بعض هذه الفواتح، كالحشر والصف ماضياً كهذه الفاتحة. وفي بعضها كالجمعة والتغابن مضارعاً، وفي بعضها كالأعلى أمراً، وفي بني إسرائيل بلفظ المصدر، استيعاباً واستيفاءً لهذه الكلمة من جميع جهاتها المشهورة، وللإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات، لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت بل هي مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة في المستقبل أبداً، وبدأ بالمصدر في الإسراء لأنه الأصل، وأبلغ من حيث إنه مشعر بإطلاقه عن التعرض للفاعل والزمان، ثم بالماضي لسبق زمنه. ثم بالمضارع لشموله الحال والإستقبال، ثم بالأمر لخصوصه بالإستقبال مع تأخره في النطق به في قولهم: فعل يفعل أفعل.
(وهو العزيز) أي القادر الغالب الذي لا ينازعه منازع ولا يمانعه ممانع كائناً ما كان، قرأ قالون وأبو عمرو بسكون الهاء والباقون بضمها (الحكيم) الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب.
(والباطن) أي العالم بما بطن، من قولهم: فلان يبطن أمر فلان، أي يعلم داخلة أمره، أو المعنى المحتجب حقيقة ذاته عن إدراك الأبصار والحواس والعقول، فلا تكتنهها الألباب والأحلام لا في الدنيا ولا في الآخرة فاضمحل ما في الكشاف من أن فيه حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة، وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعين المصير إلى ذلك كما أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي والبيهقي.
" عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى رسول الله ﷺ تسأله خادماً، فقال: قولي اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين واغننا من الفقر ".
وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة من وجه آخر مرفوعاً مثل هذا في الأربعة الأسماء المذكورة، وتفسيرها، وأخرج أبو الشيخ في العظمة.
" عن عمر وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيء،
وأخرج أبو داود.
" عن أبي زميل قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك قال: وضحك قال: ما تجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية قال: وقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاًً فقل: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم). لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات ".
" عن أبي هريرة قال: بينما النبي ﷺ جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذه العنان هذه روايا الأرض يسوقها الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال: هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الرقيع سقف محفوظ، وموج مكفوف، ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم، قال: بينكم وبينها خمسمائة سنة، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم، قال سماآن بعد ما بينهما خمسمائة سنة، حتى عد سبع سموات ما بين كل سماء كما بين السماء والأرض، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم، قال: فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما تحتكم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الأرض، ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإن تحتها أرض أخرى، بينهما مسيرة خمسائة سنة، حتى عد سبع أرضين
وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث: إنما أراد لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه، وعلم الله في كل مكان، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه، والعنان اسم للسحاب، ومعنى روايا الأرض الحوافل، والرقيع اسم لسماء الدنيا.
_________
(١) رواه الترمذي.
(ثم استوى على العرش) أي: الكرسي استواء يليق به، قاله المحلي، " وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت جالساً في البطحاء في عصابة ورسول الله ﷺ إذ مرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله ﷺ هل تدرون ما اسم هذه؟ قلنا: نعم، هذا السحاب، قال: والمزن، قالوا: والمزن، قال: والعنان، قالوا: والعنان، ثم قال لهم: هل تدرون كم ما بين السماء والأرض، قالوا لا والله ما ندري، قال فإن بعد ما بينهما إما قال واحدة وإما قال اثنتان، وإما ثلاث وسبعون سنة، وبعد التي فوقها كذلك، وكذلك حتى عدهن سبع سموات كذلك، ثم فوق السماء السابعة بحر أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، وفوق ذلك ثمانية أوعال بين
(يعلم ما يلج في الأرض) أي يدخل فيها من المطر والقطر والبذر والكنوز والموتى وغيرها (وما يخرج منها) من نبات ومعادن وغيرها (وما ينزل من السماء) من الملائكة والرحمة والعذاب والمطر وغيرها (وما يعرج فيها) أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد والدعوات، وقال المحلي كالأعمال الصالحة والسيئة، واعترضه القاري بأن الذي يرفع من الأعمال هو الصالح كما في قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقد تقدم تفسير هذا في سورة سبأ.
(وهو معكم أينما كنتم) بقدرته وسلطانه وعلمه عموماً، وبفضله ورحمته خصوصاً، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته به أينما كان من أرض أو سماء، بر أو بحر، وقيل هو معكم بالحفظ والحراسة، قال ابن عباس: عالم بكم، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم، أينما داروا في الأرض من بر وبحر (والله بما تعلمون بصير) لا يخفى عليه من أعمالكم شيء.
والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير وما يرضاه الله على العموم، وقيل هو خاص بالزكاة المفروضة، ولا وجه لهذا التخصيص، قال المحلي: نزل في غزوة العسرة، وهي غزوة تبوك، ويشكل هذا على القول بأن السورة مكية، وكذا على القول بأنها مدنية على استثناء هذه الآيات،
وكانت في السنة التاسعة بعد رجوعه ﷺ من الطائف، وهي آخر غزواته، ولم يقع فيها قتال، بل وقع الصلح على دفع الجزية، وإيضاح هذه القصة مذكور في سورة براءة فراجعها إن شئت.
ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله فقال: (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا) أي: الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، وبين الإنفاق في سبيل الله، وفيه إشارة إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، فإنه جهز في غزوة العسرة ثلثمائة بعير، بأقتابها وأحلاسها وأحمالها، وجاء بألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله ﷺ (لهم أجر كبير) وهو الجنة.
قرأ الجمهور قد أخذ مبنياً للفاعل، وهو الله سبحانه، لتقدم ذكره وقرىء على البناء للمفعول وهما سبعيتان (إن كنتم مؤمنين) بما أخذ عليكم من الميثاق أو بالحجج والدلائل، أو إن كنتم مؤمنين بسبب من الأسباب، فهذا من أعظم أسبابه وأوضح موجباته، لا مزيد عليه، وقيل: إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى، فإن شريعتهما تقتضي الإيمان بمحمد صلى الله عليه
(ولله ميراث السموات والأرض) أي والحال أن كل ما فيهما راجع إلى الله سبحانه بانقراض العالم كرجوع الميراث إلى الوارث، ولا يبقى لهم منه شيء، وهذا أدخل في التوبيخ، وأكمل في التقريع، فإن كون تلك الأمور تخرج عن أهلها وتصير لله سبحانه، ولا يبقى أحد من مالكيها أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من كونها لله في الحقيقة، وهم خلفاؤه في التصرف فيها.
ثم بين سبحانه فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله، وتفاوت درجات المنفقين فقال:
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) أي فتح مكة، وبه قال أكثر المفسرين، قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة من قبل فتح مكة أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك، وكذا قال مقاتل وغيره، وقال الشعبي والزهري: فتح الحديبية، وهو الراجح قاله الكرخي، وذكر القتال للإستطراد، وفي
وتقديم الإنفاق على القتال للإيذان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة، فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم ولا يجدون ما يجودون به من الأموال، وعطف القتال على الإنفاق للإيذان بأنه أهم مواد الإنفاق، مع كونه في نفسه من أفضل العبادات.
والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
(أولئك) إشارة إلى (من) باعتبار معناه، وهو مبتدأ وخبره قوله: (أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) أي أرفع منزلة، وأعلى رتبة، من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله من بعد الفتح، وقاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها، قال الزجاج: لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضاًً أنفذ.
" وقد أرشد ﷺ إلى هذه الفضيلة بقوله فيما صح عنه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وهذا خطاب منه ﷺ للمتأخرين صحبة، كما يرشد إلى ذلك السبب الذي ورد فيه هذا الحديث.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم.
" عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا: من هم يا رسول الله؟ أقريش؟ قال: لا، ولكنهم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، ألا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس، (لا
وأخرج أحمد.
" عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهباً ما بلغتم أعمالهم " والذي في الصحيح " عن رسول الله ﷺ بلفظ: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه (١) " وفي لفظ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري.
" وعن ابن عمر قال: لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره "، أخرجه ابن أبي شيبة.
(وَكُلًّا) أي كل واحد من الفريقين (وَعَدَ اللَّهُ) المثوبة (الْحُسْنَى) وهي الجنة، مع تفاوت درجاتهم فيها، قرأ الجمهور كُلاًّ على أنه مفعول مقدم وقرىء بالرفع على الابتداء أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، ومثل هذا قول الشاعر:
قد أصبحت أم الخيار تدعى | على ذنباً كله لم أصنع |
_________
(١) رواه مسلم والبخاري.
واستعير لفظ القرض ليدل على التزام الجزاء، وفيه استعارة تصريحية تبعية حيث شبه الإنفاق بالإقراض، والجامع إعطاء شيء بعوض، من حيث إن الله وعد به الجنة تشببها بالقرض لأن القرض إخراج المال لاسترداد البدل.
وقيل: القرض الحسن هو النفقة على الأهل. قاله زيد بن أسلم، وقال الحسن: هو التطوع بالعبادات وقيل: أنه العمل الخير، والعرب تقول: لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء، والأول أولى.
وقال بعض العلماء: القرض لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة، وهي أن يكون المال من الحلال، وأن يكون من أجود المال، وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه، وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها، وأن تكتم الصدقة ما أمكنك، وأن تتبعها بالمن والأذى، وأن تقصد بها وجه الله ولا ترائي به الناس، وأن تستحقر ما تعطي وإن كان كثيراً، وأن يكون من أحب أموالك إليك، وأن لا ترى عز نفسك وذل الفقير فهذه عشرة خصال إذا اجتمعت في الصدقة كانت قرضاً حسناً وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة.
(فيضاعفه له) أي يعطيه أجره على إنفاقه أضعافاً مضاعفة من فضله، قرأ أهل الكوفة والبصرة بالألف وتخفيف العين، وقرىء فيضعفه وعلى كل من القراءتين فالفعل إما مرفوع أو منصوب فالقراآت أربعة وكلها سبعية قال ابن عطية: الرفع هنا على العطف أو الإستئناف والنصب بالفاء على جواب الإستفهام (وله) مع المضاعفة (أجر كريم) وهو الجنة، والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات.
قال ابن مسعود في الآية: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، وأدناهم نوراً
(جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) أي دخول جنات، لأن البشارة تقع بالإحداث دون الجثث (ذلك هو الفوز العظيم) لا يقادر قدره، حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه والإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة، هذا إذا كان قوله: (ذلك هو الفوز العظيم) قول الله تعالى، لا من جملة مقول الملائكة، وإلا فالإشارة حينئذ إلى الجنة بتأويل ما ذكر، أو لكونها فوزاً ذكره الكرخي.
وقيل: معناه انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيستضيؤا بنورهم، وهذا أليق بقوله: (نقتبس من نوركم) أي نستضيء منه إلا أن الشيخ أبا حيان قال: إن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا
(فالتمسوا) أي اطلبوا هنالك (نوراً) لأنفسكم فإنه من هنالك يقتبس وقيل: المعنى إرجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة، وقيل: أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكماً بهم وعن ابن عباس قال: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلهم من الله إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا إلى النور اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ انظرونا نقتبس من نوركم، فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون ارجعوا وراءكم من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور.
وأخرج الطبراني وابن مردويه.
" عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوراً، وكل منافق نوراً فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون: (انظرونا نقتبس من نوركم) وقال المؤمنون: (ربنا أتمم لنا نورنا) فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً "، وفي الباب أحاديث وآثار.
(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) معطوف على ما قبله متفرع عليه. فإن المؤمنين أو الملائكة لما منعوا المنافقين عن اللحوق بهم والإستضاءة بأنوار معارفهم وأعمالهم، بقي المنافقون في ظلمة نفاقهم، فصاروا بذلك كأنه ضرب بينهم وبين النور الذي يؤديهم إلى الجنة سور، فعلى هذا يكون قوله (فضرب) الخ من قبيل الإستعارة التمثيلية، والسور هو الحاجز بين الشيئين والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار، أو بين أهل الجنة وأهل النار وقيل: هو الحائط بينهما
(له) أي: لذلك السور (باب باطنه) أي باطن ذلك السور وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة (فيه الرحمة) وهي الجنة أو النور (وظاهره) وهو الجانب الذي يلي أهل النار (من قبله) أي من قبل ذلك الظاهر ومن عنده ومن جهته (العذاب) أي الظلمة أو نار جهنم: وقيل إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور.
وقيل: إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين.
عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس، فبكى فقيل ما يبكيك؟ فقال: ههنا أخبرنا رسول الله ﷺ أنه رأى جهنم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله في القرآن (فضرب بينهم بسور) هو الذي ببيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة المسجد وظاهره من قبله العذاب يعني وادي جهنم وما يليه ولا يخفاك أن تفسير السور المذكور في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيه من الأشكال ما لا يدفعه مقال، ولا سيما بعد زيادة قوله (باطنه فيه الرحمة) المسجد، فإن هذا غير ما سيقت له الآية وغير ما دلت عليه، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين، وأي معنى لذكر مسجد بيت المقدس ههنا؟ فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس ويجعله في الدار الآخرة سوراً مضروباً بين المؤمنين والمنافقين فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد؟ وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد ويجعل المنافقين خارجه فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس.
ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك فقال:
(وتربصتم) بمحمد ﷺ وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر والدوائر وقيل: تربصتم بالتوبة، قاله ابن عباس والأول أولى (وارتبتم) أي: شككتم في أمر الدين، ولم تصدقوا ما أنزل الله من القرآن في التوحيد ولا بالمعجزات الظاهرة (وغرتكم الأماني) الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص وقيل: هي طول الأمل، والطمع في امتداد الأعمار وقيل: ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين، وقال قتادة: الأماني هنا غرور الشيطان وقيل: الدنيا وقيل: هو طمعهم في المغفرة وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأماني.
(النار هي مولاكم) أي هي أولى بكم، والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن يلازمه، وقيل: مولاكم مكانكم عن قرب من الولاء، وهو القرب، أو المعنى ذات ولايتكم، وهذا على أن المولى مصدر، قيل إن الله يركب في النار الحياة والعقل فهي تتميز غيظاً على الكفارة وقيل: المعنى هي ناصركم، على طريقة قول الشاعر:
تحية بينهم ضرب وجيع
والمعنى لا ناصر لكم إلا النار كما أن معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب، على التهكم والمراد نفي الناصر ونفي التحية (وبئس المصير) الذي تصيرون إليه النار.
والمعنى أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعاً ورقة، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر، ولا يخشع له.
" عن أنس عن النبي ﷺ قال: استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن، فأنزل الله: (ألم يأن) الآية " أخرجه ابن مردويه، وأخرج أيضاًً " عن عائشة قالت: خرج رسول الله ﷺ على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمراً وجهه فقال: أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم؟ ولقد أنزل عليّ في ضحككم آية (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)؟ قالوا يا رسول الله فما كفارة ذلك؟ قال: تبكون بقدر ما ضحكتم ".
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وغيرهم.
" عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (ألم يأن) الخ إلا أربع سنين ".
" وعنه قال: لما نزلت هذه الآية أقبل بعضنا على بعض، أي شيء أحدثنا أي شيء صنعنا ".
" وعن عبد العزيز ابن أبي دواد أن أصحاب النبي ﷺ ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت هذه الآية (ألم يأن) الخ ".
(وما نزل من الحق) والمراد به القرآن فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان أو خطور بالقلب وقيل: المراد بالذكر هو القرآن فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير أو باعتبار تغاير المفهومين قرأ الجمهور نزل مشدداً مبنياً للفاعل، وقرىء على البناء للمفعول وقرىء مخففاً مبنياً للفاعل وقرىء أنزل مبنياً للفاعل (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل) قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جرياً على ما تقدم، وقرىء على الخطاب التفاتاً، والمعنى النهي لهم أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى، الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن.
(فطال عليهم الأمد) أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم، قرأ الجمهور الأمد بتخفيف الدال، وقرىء بتشديدها، أي الزمن الطويل، وقيل: المراد به على الأولى الأجل والغاية، يقال أمد فلان كذا أي غايته (فقست قلوبهم) بذلك السبب فلذلك حرفوا وبدلوا فنهى الله سبحانه أمة محمد ﷺ أن يكونوا مثلهم، وعن أبي بكر أن هذه الآية قرئت بين يديه، وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديداً، فنظر إليهم فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب.
(وكثير منهم فاسقون) أي خارجون عن الطاعة الله، لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم، وحرفوا وبدلوا، ولم يؤمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم: وقيل: هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وقيل: هم الذين ابتدعوا الرهبانية وهم أصحاب الصوامع.
(يضاعف لهم) قرأ الجمهور بفتح العين على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل إما الجار والمجرور، أو ضمير يرجع إلى المصدقين على حذف مضاف، أي ثوابهم، وقرىء يضاعفه بكسر العين وزيادة الهاء، وقرىء يضعف بتشديد العين وفتحها، والمضاعفة هنا إن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (ولهم أجر كريم) وهو الجنة.
أخرج ابن جرير.
" عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول مؤمنو أمتي شهداء، ثم تلا هذه الآية "، وقال ابن مسعود: كل مؤمن صديق وشهيد، وعنه قال: إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد، ثم تلا هذه الآية، وعن أبي هريرة نحوه، وقال ابن عباس في الآية. هذه مفصولة،
ثم بين سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال:
(لهم أجرهم ونورهم) الضمير الأول راجع إلى الموصول، والضميران الآخران راجعان إلى الصديقين والشهداء، أي لهم مثل أجرهم ونورهم، وأما على قول من قال إن الذين آمنوا بالله ورسله هم نفس الصديقين والشهداء، فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد، والمعنى لهم الأجر والنور الموعودان لهم، ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ذكر حال الكافرين وعقابهم فقال:
(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) أي جمعوا بين الكفر والتكذيب (أولئك أصحاب الجحيم) يعذبون بها، ولا أجر لهم ولا نور، بل عذاب مقيم، وظلمة دائمة، ولما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني وما وقع منهم من الكفر والتكذيب، وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وتأثيرهم بيّن لهم حقارتها وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة فقال:
(وتكاثر) كتكاثر الدهقان، والتكاثر إدعاء الاستكثار (في الأموال والأولاد) أي يتكاثرون بأموالهم وأولادهم ويتطاولون بذلك على الفقراء، والمعنى أن التشاغل، وشغل البال بالحياة الدنيا، دائر بين هذه الأمور الخمسة اجتمعت أم لا، قال القشيري: وهذه الدنيا المذمومة هي ما يشغل العبد عن الآخرة فكل ما يشغله عن الآخرة فهو الدنيا، وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة.
وقال علي كرم الله وجهه لعمار بن ياسر: لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء وهو يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسيج دودة، وأفضل مشمومها المسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس، وعليها تقتل الرجال، وأما المنكوح فهو النساء وهن مبال في مبال.
ثم بين سبحانه لهذه الحياة شبهاً، وضرب لها مثلاً، فقال:
(كمثل غيث) أي مطر (أعجب الكفار) أي الزراع، لأنهم يكفرون البذر، أي يغطونه بالتراب كما يستر الكافر حقيقة أنوار الإيمان بما يحصل منه من الجحد والطغيان (نباته) الحاصل به (ثم يهيج) أي يجف بعد نضارته وخضرته، قاله أبو السعود، وقيل: ييبس وفيه تسامح فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له، فالمعنى يطول جداً (فتراه مصفراً) أي متغيراً عما كان عليه من الخضرة والرونق إلى لون الصفرة والذبول، وقرىء مصفاراً.
(ثم يكون حطاماً) أي متفتتاً هشيماً متكسراً متحطماً بعد يبسه، شبه
(وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ) أخبر بأن في الآخرة عذاباً شديداً، ومغفرة منه ورضواناً، وهذا معنى حسن، وهو أنه قابل العذاب بشيئين، بالمغفرة والرضوان، فهو من باب: لن يغلب عسر يسرين، والتنكير فيهما للتعظيم. قال قتادة: عذاب شديد لأعداء الله ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته، قال الفراء: التقدير في الآية إما عذاب شديد وإما مغفرة، فلا يوقف على شديد، ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا فقال:
(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) لمن اغتر بها وركن إليها، واعتمد عليها، وعمل لها، ولم يعمل للآخرة، أي هي في نفسها غرور لا حقيقة له، وهذا يقتضي أن الإضافة بيانية، والمعنى وما التمتع بالدنيا إلا متاع أي تمتع هو الغرور، أي الإغترار، قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة ومن اشتغل بطلبها فله متاع، بلاغ إلى ما هو خير منه، وهذه الجملة مقررة للمثل المقدم، ومؤكدة له، قال ذو النون: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها، فإن الزاد منها، والمعيل في غيرها ثم ندب عباده إلى المسابقة إلى ما يوجب المغفرة من التوبة والعمل الصالح، فإن ذلك سبب إلى الجنة فقال:
(وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) أي كعرضهما وإذا كان هذا قدر عرضها فما ظنك بطولها، قال الحسن يعني جميع السموات السبع والأرضين السبع مبسوطات، كل واحدة إلى صاحبتها، وقيل: المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض هي جنة كل واحد من أهل الجنة، وقال ابن كيسان: عنى به جنة واحدة من الجنات، والعرض أقل من الطول، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله، وقيل: المراد بالعرض السعة لا ضد الطول كما في قوله تعالى: (فذو دعاء عريض) وقيل: إن هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه، ويقع في نفوسهم وأفكارهم، والأول أولى، وقد مضى تفسير هذا في سورة آل عمران. ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى فقال:
(ذلك) أي ما وعد به سبحانه من المغفرة والجنة (فضل الله يؤتيه) أي يعطيه (من يشاء) إعطاءه إياه تفضلاً وإحساناً، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله لا بعمله (والله ذو الفضل العظيم) فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع؛ والخير كله بيده، وهو الكريم المطلق، والجواد الذي لا يبخل، فلا يبعد منه التفضل بذلك، وإن عظم قدره، ثم بين سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره، وثبت في أم الكتاب، فقال:
وقيل: موت الأولاد، واللفظ أوسع من ذلك (إلا في كتاب) أي إلا حال كونها مكتوبة في كتاب، وهو اللوح المحفوظ.
(من قبل أن نبرأها) أي نخلقها، والضمير عائد إلى المصيبة أو إلى الأنفس أو إلى الأرض أو إلى جميع ذلك، قاله المهدوي: وهو حسن، قال ابن عباس في الآية: هو شيء قد فرغ منه قبل أن تبرأ الأنفس (إن ذلك) أي إن إثباتها في الكتاب على كثرتها (على الله يسير) غير عسير.
قيل: والفرح والحزن المنهى عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز، وإلا
(والله لا يحب كل مختال فخور) أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار، قيل: هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر، وقيل: إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها، وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الإستحقار، والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله.
ويدل على الأول قوله: (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) أي ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه، محمود عند خلقه، لا يضره ذلك، قرأ الجمهور بإثبات ضمير الفصل وقرىء بحذفه قال سعيد بن جبير الذين يبخلون بالعلم ويأمرون الناس بالبخل لئلا يعلموا الناس شيئاًً وقال زيد بن أسلم إنه البخل بأداء حق الله، وقيل: إنه البخل بالصدقة، وقال طاوس: إنه البخل بما في يديه، وقيل: أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد ﷺ في كتبهم، لئلا يؤمن به الناس فتذهب مآكلهم، قاله السدي والكلبي.
(وأنزلنا الحديد) أي خلقناه كما في قوله: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وهذا قول الحسن، والمعنى أنه خلقه وأخرجه من المعادن، وعلم الناس صنعته، وقيل: إنه نزل مع آدم (فيه بأس شديد) لأنه تتخذ منه آلات الحرب، قال الزجاج: يمتنع به ويحارب، والمعنى أنه تتخذ منه آلة للدفع وآلة للضرب، قال مجاهد: فيه جنة وسلاح وقوة وشدة (ومنافع للناس) أي أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه، مثل السكين والفأس والإبرة وآلات الزراعة والتجارة والعمارة، قال البيضاوي: ما من صنعة إلا والحديد آلتها أي له دخل في آلتها، وهذا الحصر كلي كما هو مشاهد.
(وليعلم الله من ينصره ورسله) معطوف على قوله: ليقوم أي لقد أرسلنا رسلنا، وفعلنا كيت وكيت، ليقوم الناس، وليعلم الله علم مشاهدة
(إن الله قوي عزيز) أي قادر على كل شيء غالب لكل شيء، وليس له حاجة في أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين، قال أبو نصر العتبي: وقد كان يختلج في صدري معنى هذه الآية لجمعها بين الكتاب والميزان والحديد على تنافر ظاهرها في المناسبة، وبعدها قبل الروية والإستنباط، وسألت عدة من أعيان العلماء المذكورين بالتفسير، والمشهورين من بينهم بالتذكير فلم أحصل منهم على جواب، حتى أعملت التفكر، وأمعنت التدبر، فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد، ويفصل جمل الفرائض، فيرتهن مصالح الأبدان والنفوس، ويتضمن جوامع الأحكام والحدود، قد حظر فيه التعادي والتظالم، ورفض التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل في أقسام الأرزاق المخرجة لهم، بين رجع السماء وصدع الأرض، ليكون ما يصل منها إلى أهل الخطاب بحسب الاستحقاق بالتكسب، دون التغلب والتوثب، واحتاجوا في استدامة حياتهم بأقواتهم مع الصفة المندوب إليها إلى استعمال آلة للعدل، يقع بها التعامل، ويعم معها التساوي والتعادل فألهمهم الله تعالى اتخاذ الآلة التي هي الميزان، فيما يأخذونه ويعطونه، لئلا يتظالموا بمخالفته، فيهلكوا به إذ لم يكن ينتظم لهم العيش مع سوغ ظلم البعض منهم على البعض.
ويدل على هذا المعنى قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) وذلك أنه تعالى جعل السماء علة للأرزاق والأقوات من أنواع الحبوب والنبات، فكان ما يخرج منها من أغذية العباد، ومرافق حياتهم، مضطراً إلى أن يكون اقتسامه بينهم على الإنصاف دون الجزاف، ولم يكن يتم ذلك إلا بهذه الآلة المذكورة، فنبه
ثم إنه من المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية، والآلة الموضوعة للعامل بالسوية إنما يحفظ على إتباعهما ويضطر العالم إلى التزام أحكامهما بالسيف، الذي هو حجة الله تعالى على من جحد وعند، ونزع من صفة الجماعة اليد، وهو بارق سطوته، وشهاب نقمته، وجذوة عقابه، وعذبة عذابه، فهذا السيف هو الحديد، الذي وصفه الله تعالى بالبأس الشديد، فجمع بالقول الوجيز معاني كثيرة الشعوب، متدانية الجنوب، محكمة المطالع، مقومة المبادىء والمقاطع، فظهر بهذا التأويل معنى الآية، وبان أن السلطان خليفة الله على خلقه، وأمينه على رعاية حقه، بما قلده من سيفه، ومكن له في أرضه. انتهى المقصود منه.
ولما ذكر إرسال الرسل إجمالاً أشار هنا إلى نوع تفصيل، فذكر رسالته لنوح وإبراهيم فقال:
(فمنهم مهتد) أي: فمن الذرية من اهتدى بهدي نوح وإبراهيم وقيل: المعنى فمن المرسل إليهم من قوم الأنبياء مهتد بما جاء به الأنبياء من الهدى، والأول أولى، لتقدم ذكرهم لفظاً وأما الثاني فلدلالة أرسلنا والمرسلين عليه (وكثير منهم فاسقون) أي: خارجون عن الطاعة وقيل: المراد بالفاسق هنا الذي ارتكب الكبيرة سواء كان كافراً أو لم يكن لإطلاق هذا الإسم وهو يشمل الكافر وغيره، وقيل: المراد به هنا الكافر لأنه جعل الفساق ضد المهتدين.
(وآتيناه الإنجيل) وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه وقد تقدم ذكر إشتقاقه في سورة آل عمران قرأ الجمهور إنجيل بكسر الهمزة وقرىء بفتحها.
(وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه) على دينه، وهم الحواريون وأتباعهم (رأفة) أي مودة، فكان يود بعضهم بعضاً (ورحمة) يتراحمون بها، وقيل: هذا إشارة إلى أنهم أمروا في الإنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس، فألان الله قلوبهم لذلك، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وأصل الرأفة اللين، والرحمة الشفقة، وقيل: الرأفة أشد الرحمة.
(ما كتبناها عليهم) صفة ثانية لرهبانية أو مستأنفة مقررة، لكونها مبتدعة من جهة أنفسهم، والمعنى: ما فرضناها عليهم (إلا ابتغاء رضوان الله) الإستثناء منقطع، أي ما كتبناها نحن عليهم رأساً، ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وإلى هذا ذهب قتادة وجماعة، وقيل: متصل، أي ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا لابتغاء مرضاة الله، ويكون كتب بمعنى قضى، وهذا قول مجاهد، وقال الزجاج: معناه لم نكتب عليهم شيئاً البتة، قال: ويكون إلا ابتغاء رضوان الله بدلاً من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.
(فما رعوها حق رعايتها) أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم، وما قاموا بها حق القيام، بل ضيعوها، وكفروا بدين عيسى،
(وكثير منهم فاسقون) أي: خارجون عن الإيمان بما أمروا أن يؤمنوا به، ووجه الذم لهم على تقدير أن الإستثناء منقطع، أنهم قد كانوا ألزموا أنفسهم الرهبانية معتقدين أنها طاعة، وأن الله يرضاها، فكان تركها وعدم رعايتها حق الرعاية يدل على عدم مبالاتهم بما يعتقدونه ديناً، وأما على القول بأن الإستثناء متصل، وأن التقدير: ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا بها رضوان الله، بعد أن وفقناهم لإبتداعها، فوجه الذم ظاهر.
عن " ابن مسعود في الآية قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله قلت لبيك يا رسول الله ثلاث مرات، قال: هل تدري أي عرى الإسلام أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أفضل الناس أفضلهم عملاً إذا فقهوا في دينهم يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصراً بالعمل، وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث، وهلك سائرها، فرقة وازرت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم، وفرقة لم تكن لهم طاقة على موازرة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم، فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى، فقتلهم الملوك ونشرتهم المناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازرة الملوك ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال وترهبوا فيها، وهم الذين قال الله:
(ورهبانية ابتدعوها) إلى قوله: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ)، وهم الذين آمنوا بي وصدقوني، (وكثير منهم فاسقون)، هم الذين
" وعن ابن عباس قال: كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرأون التوراة والإنجيل، فقيل لملوكهم: ما نجد شيئاًً أشد من شتم يشتمنا هؤلاء إنهم يقرأون: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعوهم فليقرأوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم، وعرض عليهم القتل أو ليتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منهما، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك دعونا نحن نكفيكم أنفسنا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم اعطونا شيئاًً نرفع به طعامنا وشرابنا. ولا نرد عليكم، وقالت طائفة: دعونا نسبح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل الوحوش، ونشرب مما تشرب، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة منهم: ابنوا لنا دوراً في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم، ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك فأنزل الله (رهبانية ابتدعوها) الآية.
وقال الآخرون ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من فني منهم، قالوا: نتعبد كما تعبد فلان "، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين افتدوا بهم، فلما بعث الله النبي ﷺ ولم يبق منهم إلا قليل، انحط صاحب الصومعة من صومعته، وجاء السياح من سياحته وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) الآية " أخرجه النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم.
" وعن أنس أن النبي ﷺ قال: إن لكل أمة رهبانية،
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كفلين ضعفين؛ وهي بلسان الحبشة، وقال ابن عمر: الكفل ثلثمائة جزء وخمسون جزءاً من رحمة الله، " وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران؛ رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ﷺ والعبد المملوك الذي أدى حق مواليه وحق الله ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران " أخرجه الشيخان.
(ويجعل لكم نوراً تمشون به) يعني على الصراط، كما قال: (نورهم يسعى بين أيديهم)، وقيل: النور هو القرآن، وقيل: هو الهدى والبيان، أي يجعل لكم سبيلاً واضحاً في الدين تهتدون به (ويغفر لكم) ما سلف من ذنوبكم قبل الإيمان بمحمد ﷺ (والله غفور رحيم) أي بليغ المغفرة والرحمة.
(و) جملة (أن الفضل بيد الله) معطوفة على الجملة التي قبلها أي ليعلموا أنهم لا يقدرون، وليعلموا أن الفضل الخ (يؤتيه من يشاء) من عباده والظاهر أنه مستأنف، وقيل: هو خبر ثان عن الفضل (والله ذو الفضل العظيم) جملة مقررة لمضمون ما قبلها، والمراد بالفضل هنا ما تفضل به على الذين اتقوا وآمنوا برسوله من الأجر المضاعف، وقال الكلبي: هو رزق الله وقيل: نعم الله التي لا تحصى، وقيل هو الإسلام.
تم بعون الله تعالى الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر وأوله سورة المجادلة.
تفسِير سَلفي أثري خالٍ منَ الإِسرَائيليّاتِ والجَدليَّاتِ المذهبية والكلامية يغني عَن جميع التفاسِير وَلا تغني جميعُهَا عَنه
تأليف: السيد الإمام العلامة الملك المؤيد من الله الباري آبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسين القنوجي النجاري ١٢٤٨ - ١٣٠٧ هـ
عني بطبعهِ وقدّم له وراجعه: خادم العلم عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري
الجزء الرابع عشر
المَكتبة العصريَّة
صَيدَا - بَيروت
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
شركة أبناء شريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
الدار النموذجية ــ المكتبة العصرية
بَيروت - صَ. ب ٨٣٥٥ - تلكس LE ٢٠٤٣٧ SCS
صَيدَا - صَ. ب ٢٢١ - تلكس LE ٢٩١٩٨
بسم الله الرحمن الرحيم
ويحتوي على:- سورة المجادلة
- سورة الحشر
- سورة الممتحنة
- سورة الصف
- سورة الجمعة
- سورة المنافقون
- سورة التغابن
- سورة الطلاق
- سورة التحريم
- سورة الملك
- سورة القلم
- سورة الحاقة
- سورة المعارج
- سورة نوح
- سورة الجن
- سورة المزمل
- سورة المدثر
- سورة القيامة
- سورة الإنسان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سورة المجادلة(اثنتان وعشرون آية وهي مدنية)
قال القرطبي: في قول الجميع، إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني، وباقيها مكي، وقال الكلبي: نزلت جميعها بالمدينة غير قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) نزلت بمكة، وقال ابن عباس: نزلت بالمدينة وعن ابن الزبير مثله والمجادلة بكسر الدال كما ذكره السعد في حواشي الكشاف وفي الشهاب بفتح الدال وكسرها والثاني هو المعروف كما في الكشاف وهذه السورة أول النصف الثاني من القرآن، باعتبار عدد السور، فهي الثامنة والخمسون منها، وهي أول العشر الأخير من القرآن باعتبار عدد أجزائه، وليس فيها آية إلاَّ وفيها ذكر الجلالة مرة أو مرتين أو ثلاثاً وجملة ما فيها من الجلالات خمس وثلاثون.
بسم الله الرحمن الرحيم
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤)