ﰡ
﴿سَبَّحَ للَّهِ﴾ جاء في بعض الفواتح سبح بلفظ الماضي وفي بعضها بلفظ المضارع وفي بني إسرائيل بلفظ المصدر وفي الأعلى بلفظ الأمر استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها هي أربع المصدر والماضي والمضارع والأمر وهذا الفعل قد عُدي باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله وتسبحوه وأصله التعدي بنفسه لأن معنى سبحته بعدته من السوء منقول من سبح إذ ذهب وبعد فاللام إما
أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له وإما أن يراد بسبح الله اكتسب التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصاً ﴿مَا فِى السماوات والارض﴾ ما يتأتى منه التسبيح ويصح ﴿وَهُوَ العزيز﴾ المنتقم من مكلف لم يسبح له عناداً ﴿الحكيم﴾ في مجازاة من سبح له انقيادا
﴿لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ لا لغيره وموضع ﴿يحيي﴾ رافع أي هو يحي الموتى ﴿وَيُمِيتُ﴾ الأحياء أو نصب أي له ملك السموات والأرض محيياً ومميتاً ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْء قدير﴾
﴿هُوَ الأول﴾ هو القديم الذي كان قبل كل شيء ﴿والآخر﴾ الذي يبقي
﴿هُوَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ عن الحسن من أيام الدنيا ولو أراد أن يجعلها في طرفة عين لفعل ولكن جعل الستة أصلاً ليكون عليها المدار ﴿ثُمَّ استوى﴾ استولى ﴿عَلَى العرش يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأرض﴾ ما يدخل في الأرض من البذر والقطر والكنوز والموتى ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ من النبات وغيره ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء﴾ من الملائكة والأمطار ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ من الأعمال والدعوات ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ بالعلم والقدرة عموماً وبالفضل والرحمة خصوصاً ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم على حسب اعمالكم
﴿لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾
﴿يولج الليل فِى النهار﴾ يدخل الليل في النهار بأن ينقص من الليل ويزيد من النهار ﴿ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور﴾
﴿آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا﴾ يحتمل الزكاة الانفاق في سبيل الله ﴿مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾
يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله
﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله﴾ هو حال من معنى الفعل في مَالَكُمْ كما تقول مالك قائماً بمعنى ما تصنع قائماً أي ومالكم كافرين بالله والواو في ﴿والرسول يَدْعُوكُمْ﴾ واو الحال فهما حالان متداخلتان والمعنى وأي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم ﴿لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم﴾ وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بقوله أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ أو بما ركب فيكم من العقول ومكنكم من النظر في الأدلة فإذا لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ لموجب ما فإن هذا الموجب لا مزيد عليه أُخِذَ ميثاقكم أبو عمرو
﴿هو الذي ينزل على عبده﴾ محمد ﷺ ﴿آيات بَيّنَاتٍ﴾ يعني القرآن ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ الله تعالى أو محمد بدعوته ﴿مِّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ﴿وَإِنَّ الله بكم لرؤوف﴾ بالمد والهمزة حجازي وشامي وحفص ﴿رَّحِيمٌ﴾ الرأفة أشد الرحمة
﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ﴾ في أن لا تنفقوا ﴿فِى سَبِيلِ الله وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض﴾ يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باقٍ لأحد من مال وغيره يعني وأي
﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا وَكُلاًّ﴾ أي كل واحد من الفريقين ﴿وَعَدَ الله الحسنى﴾ أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات وَكُلاًّ مفعول أول لوعد الحسنى مفعول ثانٍ وَكُلٌّ شامي أي وكل وعده الله الحسنى نزلت في أبي بكر رضي لأنه أول من أسلم وأول من أنفق في سبيل الله وفيه دليل على فضله وتقدمه ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فيجازيكم على قدر أعمالكم
﴿مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا﴾ بطيب نفسه والمراد الانفاق أضعافاً مضاعفة من فضله ﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه فيضعفه مكي فيضعفه شامي فيضعفه عاصم وسهل فيضاعفُهُ غيرهم فالنصب على جواب الاستفهام والرفع على فهو يضاعفه أو عطف على يقرض
﴿يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات﴾ ظرف لقوله وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ أو منصوب بإضمار اذكر تعظما لذلك اليوم ﴿يسعى﴾ يمضي ﴿نُورُهُم﴾ نور
﴿يَوْمَ يَقُولُ﴾ هو بدل من يَوْمَ تَرَى ﴿المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا﴾ أي انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة انظر ونا حمزة من النظرة وهي الامهال جعل انثادهم في المضي الى ان يحلقو بهم إنظاراً لهم ﴿نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيتسنيروا به ﴿قِيلَ ارجعوا وَرَاءكُمْ فالتمسوا نُوراً﴾ طرد لهم وتهكم بهم أي تقول لهم الملائكة اوالمؤمنون ارجعوا الى الموقت حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك فمن ثم يقتبس أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا بتحصيل سببه وهو الإيمان ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم﴾ بين المؤمنين والمنافقين ﴿بِسُورٍ﴾ بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار قيل هو الأعراف ﴿لَهُ﴾ لذلك السور ﴿بَابٍ﴾ لأهل الجنة يدخلون منه
﴿بَاطِنُهُ﴾ باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة أي النور أو الجنة ﴿وظاهره﴾ ما ظهر لأهل النار ﴿مِن قِبَلِهِ﴾ من عنده ومن جهته ﴿العذاب﴾ أي الظلمة والنار
﴿ينادونهم﴾ أي ينادي المنافقون المؤمنين ﴿أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾ يريدون مرافقتهم في الظاهر ﴿قَالُواْ﴾ أي المؤمنون ﴿بلى ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ محنتموها بالنفاق وأهلكتموها ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالمؤمنين الدوائر ﴿وارتبتم﴾ وشككتم في
﴿فاليوم لاَ يُؤْخَذُ﴾ وبالتاء شامي ﴿مّنكُمْ﴾ أيها المنافقون ﴿فِدْيَةٌ﴾ ما يفتدى به ﴿وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النار﴾ مرجعكم ﴿هِىَ مولاكم﴾ هي أولى بكم والحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال هو مثن للكرم أي مكان لقول القائل إنه لكريم ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ النار
﴿أَلَمْ يَأْنِ﴾ من أنى الأمر يأنى إذا جاءه انها أي وقته قيل كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت وعن مسعود رضي الله عنه ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية الا اربع سنين وعن ابي بكر رضي الله عنه إن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من اهل اليمامية فبكوا بكاء شديداً فنظر إليهم فقال هكذا كنا حتى قست القلوب ﴿للذين آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ من الحق﴾ القرآن لأنه جامع للأمرين للذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء ﴿وَلاَ يَكُونُواْ كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ﴾ القراءة بالياء عطف على تَخْشَعَ وبالتاء ورش على الالتفات ويجوز أن يكون نهياً لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبخوا ذلك بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم وإذا سمعوا التوراة
﴿وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات﴾
باتباع الشهوات وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴿فاسقون﴾ خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين أي وقليل منهم مؤمنون
﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ قيل هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض
﴿إِنَّ المصدقين والمصدقات﴾ بتشديد الدال وحده مكي وأبو بكر وهواسم قاعل من صدق وهم الذين صدقوا الله ورسوله يعني المؤمنين الباقون بتشديد الصاد والدال وهو اسم فاعل من تصدق فأدغمت التاء في الصادر وقرىء على الأصل ﴿وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ هو عطف على معنى الفعل في المصدقين لأن اللام بمعنى اللذين واسم الفاعل بمعنى الفعل وهو اصدقوا كأنه قيل ان الذين اصدقوا وأقرضوا القرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدق ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ﴾ يضعف مكي وشامي وَلَهُمْ أَجْرٌ كريم أي الجنة
﴿والذين آمنوا بالله وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون والشهداء عِندَ رَبّهِمْ﴾ يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ويجوز أن يكون والشهداء مبتدأ ولهم
﴿اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ﴾ كلعب الصبيان ﴿وَلَهْوٌ﴾ كلهو الفتيان ﴿وَزِينَةٌ﴾ كزينة النسوان ﴿وَتَفَاخُرٌ بينكم﴾ كتفاخر الأفران ﴿وتكاثر﴾ كنكاثر الدهقان ﴿فِى الأموال والأولاد﴾ أي مباهاة بهما والتكاثر ادعاء الاستكثار ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً﴾ بعد خضرته ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً﴾ متفتتاً شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قدلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاماً عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين وقيل الكفار الزراع
﴿وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع﴾
﴿وفي الآخرة عذاب شديد﴾ الكفار ﴿وَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله ورضوان﴾ للمؤمنين يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور وهي اللعب واللهو والزينة والتفاحر والتكاثر وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من الله الحميد والكاف في كَمَثَلِ غَيْثٍ في محل رفع على أنه خبر بعد خبر أي الحياة الدنيا مثل غيث ﴿وَما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ ان ركن إليها واعتمد عليها قال ذو النون يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها ولما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده عى الممارعة إلى نيل ما وعد ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة بقوله
﴿سَابِقُواْ﴾ أي بالأعمال الصالحة ﴿إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ﴾ وقيل سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض﴾ قال السدي كعرض سبع السموات وسبع الأرضين
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأرض﴾ من الجدب وآفات الزروع والثمار وقوله فِى الأرض في موضع الجراى ما أصاب من مصيبة ثابتة في الأرض ﴿وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ﴾ من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد ﴿إِلاَّ فِى كتاب﴾ في اللوح وهو موضع الحال أي إلا مكتوباً في اللوح ﴿مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ من قبل أن نخلق الأنفس ﴿إِنَّ ذلك﴾ إن تقدير ذلك وإثباته في كتاب ﴿عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ وإن كان عسيراً على العباد ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه بقوله
﴿لكي لا تَأْسَوْاْ﴾ تحزنوا حزناً يطغيكم ﴿على مَا فَاتَكُمْ﴾ من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها ﴿ولا تفرحوا﴾ فرح المختال الفخور ﴿بما آتاكم﴾ أعطاكم من الإيتاء أبو عمرو أتاكم أي جاءكم من الاتيان يعني أتاكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي لأن من علم أن ما
﴿والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن﴾
عنده مفقود لا مجالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه وظن نفسه على ذلك وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة
﴿الذين يَبْخَلُونَ﴾ خبر مبتدأ محذوف أو بدل من كل مختال فخور كان قال لا يحب الذين يبخلون يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالاً وحظاً من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به ﴿وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل﴾ ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الإمساك ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ يعرض عن الإنفاق أو عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي ﴿فَإِنَّ الله هُوَ الغنى﴾ عن جميع المخلوقات فكيف عنه ﴿الحميد﴾ في أفعاله فَإِنَّ الله الغني يترك هو مدني وشامي
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا﴾ يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء ﴿بالبينات﴾ بالحجج والمعجزات ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب﴾ أي الوحي وقيل الرسل الأنبياء والأول أولى لقوله مَعَهُمْ لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب ﴿والميزان﴾ رُوي أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال مرقومك يزنوا به ﴿لِيَقُومَ الناس﴾ ليتعاملوا بينهم إيفاء واستيفاء ﴿بالقسط﴾ بالعدل ولا يظلم أحدا أحداً ﴿وَأَنزْلْنَا الحديد﴾ قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والطرقة والابرة وروي ومعه المرو والمسحاق وعن الحسن وأنزلنا الحديد خلقناه ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ وهو القتال به ﴿ومنافع لِلنَّاسِ﴾ في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد ﴿وليعلم الله من ينصره ورسله﴾
اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعنَدَ ونزع عن صفقة الجماعة اليد وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وإبراهيم﴾ خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام ﴿وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا﴾ أولادهما ﴿النبوة والكتاب﴾ الوحي وعن ابن عباس رضي الله عنهما الخط بالقلم يقال كتب كتاباً وكتابة فَمِنْهُمْ فمن الذرية أو من المرسل إليهم قد دل عليهم ذكر الإرسال والمرسلين ﴿مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون﴾ هذا تفصيل لحالهم أي فمنهم من اهتدى باتباع الرسل ومنهم من فسق أي خرج عن الطاعة والغلبة للفساق
﴿ثم قفينا على آثارهم﴾ أي نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء ﴿برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً﴾ مودة وليناً ﴿وَرَحْمَةً﴾ تعطفاً على إخوانهم كما قال في صفة أصحاب النبي ﷺ رحماء بينهم وَرَهْبَانِيَّةً هي ترهبهم في
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ الخطاب لأهل الكتاب ﴿اتقوا الله وآمنوا برسوله﴾ محمد ﷺ ﴿يُؤْتِكُمْ﴾ الله ﴿كِفْلَيْنِ﴾ نصيبين ﴿مّن رَّحْمَتِهِ﴾ لإيمانكم بمحمد ﷺ وإيمانكم بمن قبله ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ﴾ يوم القيامة ﴿نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾ وهو النور المذكور في قوله يسعى نُورُهُم الآية ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ذنوبكم ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
﴿لّئَلاَّ يَعْلَمَ﴾ ليعلم ﴿أَهْلِ الكتاب﴾ الذين لم يسلموا ولا مزيدة ﴿أَلاَّ يَقْدِرُونَ﴾ أن مخففة من
الثقيلة أصله أنه لا يقدرون يعني أن الشأن لا يقدرون ﴿على شَىْءٍ مّن فَضْلِ الله﴾ أي لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضل الله من الكفلين والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول الله ﷺ فلم ينفعهم بايمانهم بمن قلهم ولم يكسبهم فضلاً قط ﴿وَأَنَّ الفضل﴾ عطف على أَن لا يَقْدِرُونَ ﴿بِيَدِ الله﴾ أي في ملكه وتصرفه ﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء﴾ من عباده ﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾ والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم