ﰡ
﴿اقترب﴾ دنا ﴿للناس﴾ اللام صلة لاقترب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالناس المشركون لأن ما يتلوه من صفات المشركين ﴿حِسَابَهُمْ﴾ وقت محاسبة الله إياهم ومجازاته على أعمالهم يعني يوم القيامة وإنما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى ولأن كل آتٍ قريب ﴿وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ﴾ عن حسابهم وعما يفعل بهم ثم ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ عن التأهب لذلك اليوم فالاقتراب عام والغفلة والإعراض يتفاوتان بتفاوت المكلفين فرب غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه وإعراضه عن مولاه مورب غافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه وإعراضه عن دنياه فهو لا يفيق إلا برؤية المولى والأول انما يفيق في
الأنبياء (٥ - ٢)
عسكر الموتى فالواجب عليك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتتنبه للعرض قبل أن تنبه وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكري خالق الخلق أجمعين لنفوز بلقاء رب العالمين
﴿مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ﴾ شيء من القرآن ﴿مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ﴾ في التنزيل إتيانه مبتدأة تلاوته قريب عهده باستماعهم والمراد به الحروف المنظومة ولا خلاف في حدوثها ﴿إِلاَّ استمعوه﴾ من النبي ﷺ أو غيره ممن يتلوه ﴿وهم يلعبون﴾ يستهزؤون به
﴿لاهية﴾ حال من ضمير يعلبون أو وهم يلعبون ولاهية حالان من الضمير في اسمتعوه ومن قرأ لاهية بالرفع يكون خبر ابعد خبر لقوله وهم وارتفعت ﴿قلوبهم﴾ بلا هية وهي من لها عنه إذا ذهل وغفل والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها ومنها قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها ﴿وَأَسَرُّواْ﴾ وبالغوا في إخفاء ﴿النجوى﴾ وهي اسم من التناجي ثم أبدل ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ من واو وأسروا إيذاناً بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسروبا به أو جاء على لغة من قال أكلوني البراغيث أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلاً من الناس أو هو منصوب المحل على الذم أو هو مبتدأ خبرا أسروا النجوى فقدم عليه أي والذين ظلموا أسروا النجوى ﴿هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ هذا الكلام كله في محل نصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمراً والمعنى أنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون إلا ملكاً وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر فلذلك قالوا على سبيل الإنكار افتحضرون السحر وانتم تشاهدون تعاينون انه سحر
﴿قَالَ رَبّى﴾ حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى ﴿يَعْلَمُ القول فِى السماء والأرض﴾ أي يعلم قول كل قائل هو في السماء والارض سراً كان أو جهراً ﴿وَهُوَ السميع﴾ لأقوالهم ﴿العليم﴾ بما في ضمائرهم
﴿بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحياً من الله إليه ثم إلى
الأنبياء (١٢ - ٦)
ترى أنه لا فرق بين قولك أرسل محمد وبين قولك ان محمد بالمعجزة فرد الله عليهم قولهم بقوله
﴿ما آمنت قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ﴾ من أهل قرية ﴿أهلكناها﴾ صفة لقرية عند مجئ الآيات المقترحة لأنهم طلبوها نعتا ﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أيؤمن هؤال المقترحون مع انهم اعتى منهم والمعنى أن أهل القرى اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فاهلكم الله فلوا اعطيناه هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضاً
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً﴾ هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم ﴿نُّوحِى إِلَيْهِمْ﴾ نُوحِى حفص ﴿فاسألوا أَهْلَ الذكر﴾ العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم ﴿إِن كُنْتُم لاَ تعلمون﴾ ذلك
ثم بين كمن تقدمه من الأنبياء بقوله
﴿ثم صدقناهم الوعد﴾ بأبحاثهم والأصل في الوعد مثل واختار موسى قَوْمَهُ أي من قومه ﴿فأنجيناهم﴾ مما حل بقومهم ﴿وَمَن نَّشَاء﴾ هم المؤمنون ﴿وَأَهْلَكْنَا المسرفين﴾ المجاوزين الحد بالكفر ودل الاحبار بإهلاك المسرفين على ان من يشاء غيرهم
﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ يا معشر قريش ﴿كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ شرفكم إن عملتم به أو لأنه بلسانكم أو فيه موعظتكم أو فيه ذكر دينكم ودنياكم والجملة أي فيه ذكركم صفة لكتابا ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا
﴿وَكَمْ﴾ نصب بقوله ﴿قَصَمْنَا﴾ أي أهلكنا ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ أي أهلها بدليل قوله ﴿كَانَتْ ظالمة﴾ كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الاجزاء بخلاف المفصم فإنه كسر بلا إبانة ﴿وَأَنشَأْنَا﴾ خلقنا ﴿بَعْدَهَا قوما آخرين﴾ فسكنوا مساكنهم
﴿فَلَمَّا أَحَسُّواْ﴾ أي المهلكون ﴿بَأْسَنَا﴾ عذابنا أي علموا علم حسن ومشاهدة ﴿إذا هم منها﴾ من القرية وإذا للمفاجأة وهم مبتدأ والخبر ﴿يَرْكُضُونَ﴾ يهربون مسرعين والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب
الأنبياء (١٨ - ١٣)
أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراضين لدوابهم فقيل لهم
﴿لاَ تَرْكُضُواْ﴾ والقائل بعض الملائكة ﴿وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه ﴿ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ أي يقال لهم استهزاء بهم ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليك ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو اجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعمين المخدمين أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم وقال بعضهم لبعض لا تركضوا أو ارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون فنودي من السماء يالثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثم
﴿قالوا يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف
﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ﴾ هي إشارة إلى يا ويلنا ﴿دعواهم﴾ دعاءهم وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ودعواهم الخير ويجوز العكس ﴿حتى جعلناهم حَصِيداً﴾ مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر ﴿خامدين﴾ ميتين خمود النار وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك جعلته حلواً حامضاً أي جعلته جامعاً للطعمين
﴿وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ﴾ اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له ولاعبين حال من فاءل خلقنا والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبراه ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا
ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً﴾ أي ولداً أو امرأة كأنه رد على من قال عيسى ابنه ومريم صاحبته ﴿لاتخذناه مِن لَّدُنَّا﴾ من الولدان أو الحور ﴿إِن كُنَّا فاعلين﴾ أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا وقيل هو نفي كقوله وان أدري أي ما كنا فاعلين
﴿بَلْ نَقْذِفُ﴾ بل إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلط ﴿بالحق﴾ بالقرآن ﴿عَلَى الباطل﴾ الشيطان أو بالإسلام على الشرك أو بالجد على اللعب ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ فيكسره ويدحض الحق الباطل
الأنبياء (٢٣ - ١٨)
وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الاجسام ثم استيعر القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حتى والمستعار له عقلي فكأنه قيل بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف ﴿فَإِذَا هُوَ﴾ أي الباطل ﴿زَاهِقٌ﴾ هالك ذاهب ﴿وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ﴾ الله به من الولد ونحوه
﴿وَلَهُ مَن فِى السماوات والأرض﴾ خلقاً وملكاً فأبى يكون شيء منه ولداً له وبينهما تنافٍ ويوقف على الأرض لأن ﴿ومن عنده﴾ منزلة ومكانة لا منزلاً ولا مكاناً يعني الملائكة مبتدأ خبره ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ لا يتعظمون ﴿عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ﴾ ولا يعيون
﴿يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فتر بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جارٍ مجرى التنفس منا
ثم أضرب عن المشركين منكراً عليهم وموبخاً فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال ﴿أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ﴾ يحيون الموتى ومن الأرض صفة الآلهة لان آلهتهم كانتك متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك فلان من المدينة أي مدني أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وإن لم يدعوا أن أصنامهم تحي الموتى وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات انه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار لأن العاجز عنه لا يصح أن يكون إلهاً إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والإنشار من جملة المقدورات وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء وهما لغتان ابشر الله الموتى ونشرها أي أحياها
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله﴾ أي غير اله وصفت آلهة بالا كما وصتفت بغير لو قيل الهة غير الله ولا يجوز رفعه على البدل لأن لو بمنزلة إن في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى ولا يلتفت منك أحد الا امرأتك ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع إذا كان منكراً لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء والمعنى لو كان يدبر امر السموات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما ﴿لَفَسَدَتَا﴾ لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام ثم نزه ذاته فقال ﴿فسبحان الله رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من الولد والشريك
﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ لأنه المالك على الحقيقة ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجوز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي
الأنبياء (٢٩ - ٢٣)
لاستقبح ذلك وعد سفهاً فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه ﴿وهم يسألون﴾ لأنهم مملوكون خطاءون
﴿أم اتخذوا من دونه آلهة﴾ الإعادة لزيادة الإفادة فالأول للإنكار من حيث العقل والاثني من حيث النقل أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد ﴿قُلْ هَاتُواْ برهانكم﴾ حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر أو نقلي وهو الوحي وهو أيضاً يأباه فإنكم لا تجدون كتاباً من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الانذار ﴿هذا﴾ أي القرآن ﴿ذِكْرُ مَن مَّعِىَ﴾ يعني أمته ﴿وَذِكْرُ مَن قَبْلِى﴾ يعني أمم الأنبياء من قبلي وهو وراد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه معي حفص فلمالم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق﴾ أي القرآن وهو نصب بيعلمون وقرئ الحق أي هو الحق ﴿فهم﴾ أجل ذلك ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ عن النظر فيما يجب عليهم
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ﴾ إِلاَّ نُوحِى كوفي غير أبي بكر وحماد ﴿أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون﴾ وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد
﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ﴾ نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ العبودية تنافي الولادة
﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول﴾ أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الإضافة والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضاً مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إلا لمن ارتضى﴾ أي من رضي الله تعالى عنه الله عنه وقال لا إله إلا الله ﴿وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ خائفون
﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ من الملائكة ﴿إِنّى إله مّن دُونِهِ﴾ من دون الله إني مدني وأبو عمرو ﴿فَذَلِكَ﴾ مبتدأ أي فذلك القائل خيره ﴿نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ وهو جواب الشرط ﴿كذلك نَجْزِى الظالمين﴾
الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك قد تحقق الوعيد في إبليس فان ادعى الالهية لنفسه ودعا على طاعة نفسه وعبادته
﴿أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ﴾ ألم ير مكي ﴿أن السماوات والأرض كانتا﴾ أي جماعة السموات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن ﴿رَتْقاً﴾ بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين ﴿ففتقناهما﴾ فشققناهما والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق فإن قيل متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك قلنا إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو القديم
﴿وَجَعَلْنَا فِى الأرض رَوَاسِىَ﴾ جبالاً ثوابت من رسا إذا ثبت ﴿أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ لئلا تضطرب بهم فحذف لا واللام وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في لئلا يعلم أهل الكتاب ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً﴾ أي طرقاً واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من ﴿سُبُلاً﴾ متقدمة فإن قلت أي فرق بين قوله تعالى لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً وبين هذه قلت الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم ﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ ليهتدوا بها إلى البلاد المقصدوة
﴿وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ في موضعه عن السقوط كما قال وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ على الأرض بإذنه أو محفوظا بالهشب عن الشياطين كام قال وحفظناها من كل شيطان رجيم ﴿وهم﴾ أي الكفار ﴿عن آياتها﴾ عن الادلة التي فها كالشمس والقمر والنجوم ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ غير متفكرين فيها فيؤمنون
﴿وهو الذي خلق الليل﴾ لتسكنوا فيه ﴿والنهار﴾ لتتصرفوا
الأنبياء (٣٧ - ٣٣)
فيه ﴿والشمس﴾
﴿والشمس﴾ لتكون سراج النهار ﴿والقمر﴾ ليكون سراج الليل ﴿كُلٌّ﴾ التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي كلهم والضمير للشمس والقمر المراد
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد﴾ البقاء الدائم ﴿أفإن مِتَّ﴾ بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر ﴿فَهُمُ الخالدون﴾ والفاء الأول لعطف جملة على جملة والثاني لجزاء الشرط كانوا يقدرون أنه سيموت فنفى الله عنه الشماتة بهذا أي قضي الله أن لا يخلد في الدنيا بشرا فإن مت أنت أيبقى هؤلاء
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم﴾ ونختبركم سمي ابتلاء وإن كان عالماً بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار ﴿بالشر﴾ بالفقر والضر ﴿والخير﴾ الغني والنفع ﴿فتنة﴾ مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وعن ابن ذكوان ترجعون
﴿وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ﴾ ما يتخذونك ﴿إلا هزوا﴾ مفعول ثان ليتخذونك نزلت في أبي جهل مربه النبي ﷺ فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف ﴿أهذا الذي يذكر﴾ يعيب ﴿آلهتكم﴾ والذكر يكون بخير وبخلافه فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء وإن كان عدواً فذم ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن﴾ أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية ﴿هُمْ كافرون﴾ لا يصدقون به أصلافهم أحق أن يتخذوا هزواً منك فإنك محق وهم مبطلون وقيل بذكر الرحمن أي
﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ فسر بالجنس وقيل نزلت حين كان النضر بن الحرث يستعجل بالعذاب والعجل العجلة مصدران وهو تقديم الشيء على وقته والظاهر أن المراد الجنس وأنه ركب فيه العجلة فكأنه خلق من العجل ولأنه يكثر منه والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم فقدم أولاً ذم الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كانه قال ليس منه أن
الأنبياء (٤٣ - ٣٧)
يستعجل فانه مجبول على ذلك هو طبعه وسجيته فقد ركب فيه وقيل العجل الطين بلغه حمير قال شاعرهم والنخل ينبت بين الماء والعجل وإنما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ومن عجل حال أي عجلا ﴿سأريكم آياتي﴾ نقماتي ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾ بالإتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعياش في الوصل
﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد﴾ إتيان العذاب أو القيامة ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ قيل هو أحد وجهي استعجالهم
﴿لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هم ينصرون﴾ جواب لو محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت تحيط
﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ الساعة ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغليهم ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ فلا يقدرون على دفعها ﴿ولا هم ينظرون﴾ يمهلون
﴿ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق﴾ فحاق ونزل ﴿بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ﴾ جزاء ﴿مَّا كَانُواْ به يستهزؤون﴾ سلي رسول الله ﷺ عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا
﴿قل من يكلؤكم﴾ يحفظكم ﴿بالليل والنهار مِنَ الرحمن﴾ أي من عذابه إن أتاكم ليلاً أو نهاراً ﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكلي وصلحوا للسؤال عنه والمعنى أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالئ ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم ثم أضرب عن ذلك بقوله
﴿أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا﴾ لما في أم من معنى بل فقال ألهم الهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا ثم استأنف بقوله ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ولا هم منا يصحبون﴾ فبين ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره
الأنبياء (٤٧ - ٤٤)
وينصره
ثم قال
﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحى﴾ أخوفكم من العذاب بالقرآن ﴿وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء﴾ بفتح الياء والميم ورفع الصم ولا تسمع الصم شامي على خطاب النبي ﷺ ﴿إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ يخوفون واللام في الصم للعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين والأصل ولا يسمعون اذا ما ينرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم أسماعهم إذا ما أنذروا
﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ﴾ دفعة يسيرة ﴿مّنْ عَذَابِ ربك﴾ صفة لنفحة ﴿ليقولن يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على انفسه موأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حيث تصاموا وأعرضوا وقد بولغ حيث ذكر المس النفحة لأن النفح يدل على قلة يقال نفحه بعطية رضخه بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة يقال نفحه بعطية رضخه بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن المنفح في معنى القلة والنزراة يقال نفحته الدابة وهو رمح لين ونفحه بعطية رضخه وابناء للمر ة
﴿وَنَضَعُ الموازين﴾ جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته عن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وإنما جمع الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط أو على حذف المضاف أي ذوات القسط ﴿لِيَوْمِ القيامة﴾ لأهل يوم القيامة أي لأجلهم ﴿فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ من الظلم ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ وإن كان الشيء مثقال حبة مثقال بالرفع مدني وكذا في لقمان على كان التامة ﴿مّنْ خَرْدَلٍ﴾
الأنبياء (٥٥ - ٤٧)
صفة لحية ﴿أتينا بها﴾ احضرناها وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه ﴿وكفى بِنَا حاسبين﴾ عالمين حافظين عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن من حفظ شيئا حسبه وعلمه
﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْراً﴾ قيل هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى السبيل النجاة وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم ودخلت الواو على الصفات كما في قوله ويدا وحصورا ونبيا وتقول مررت بزيد الكريم والعالم والصالح ولم اانتفع بذلك المتقون خصهم بقوله ﴿لّلْمُتَّقِينَ﴾
ومحل ﴿الذين﴾ جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُم﴾ يخافون ﴿بالغيب﴾ حال أي يخافونه في الخلاء ﴿وَهُمْ من الساعة﴾ القيامة وأهو الها ﴿مشفقون﴾ خائفون
﴿وهذا﴾ القرآن ﴿ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ كثير الخير غزير النفع ﴿أنزلناه﴾ على محمد ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ استفهام توبيخ أي جادون أنه منزل من عند الله
﴿ولقد آتينا إبراهيم رُشْدَهُ﴾ هداه ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام ﴿وكنا به﴾ ابراهيم أو برشده ﴿عالمين﴾ أي علمنا أنه أهل لما آتيناه
﴿إذ﴾ اما ان تتعلق بآتينا أو برشده ﴿قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل﴾ أي الاصنام المصورة على صورة السباع والطيور والانسن وفيه تجاهل لهم ليحقوا آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها ﴿التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون﴾ أي لأجل عبادتها مقيمون فلما عجزوا عن الإتيان بالدليل على ذلك
﴿قالوا وجدنا آباءنا لَهَا عابدين﴾ فقلدناهم
﴿قَالَ﴾ إبراهيم ﴿لَقَدْ كُنتُمْ أنتم وآباؤكم فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عامل وأكد بأنتم ليصح العطف لأن العط فعلى ضميره وفي حكم بعض الفعل ممتنع
﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق﴾ بالجد ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين﴾ أي أجاد أنت فيما تقول أم لا عب استعظاماً منهم إنكاره عليهم واستبعاداً لأن يكون ما هم عليه ضلالاً
فثم أضرب عنهم مخبراً بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثتبا لربوبية
الأنبياء (٦٣ - ٥٦)
الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذى فطَرَهُنَّ﴾ أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق ﴿وَأَنَاْ على ذلكم﴾ المذكور من التوحيد شاهد ﴿من الشاهدين﴾
﴿وتالله﴾ أصله والله في التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمرود ﴿لاكِيدَنَّ أصنامكم﴾ لأكسرنها ﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم قال ذلك سراً من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله اني سقيم أي سأسقم ليتخلف فرجع إلى بيت الأصنام
﴿فجعلهم جذاذا﴾ قطعا من الجذو هو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزرجاج جذاذا بالكسر علي جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخاف ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ للأصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرا فعلق الفأس في عنقه ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ﴾ إلى الكبير ﴿يرجعون﴾ فيسألونه عن كاسرها فيتبين لهم عجزه أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم أو إلى الله لما رأوا عجز آلهتهم
﴿قَالُواْ﴾ أي الكفار حين رجعوا من عيدهم ورأوا ذلك ﴿من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين﴾ أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقية عندهم بالتوقير والتعظيم
﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم﴾ الجملتان صفتان لفتى إلا أن الأول وهو يذكرهم أي يعيبهم لا بد منه للسمع لأنك لا تقول سمعت زيداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما سيمع بخلاف الاثاني وارتفاع إبراهيم بأنه فاعل يقال فالمراد الاسم لا المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم
﴿قالوا﴾ أي نمرود وأشراف قومه ﴿فَأْتُواْ بِهِ﴾ أحضروا إبراهيم ﴿على أَعْيُنِ الناس﴾ في محل الحال بمعنى معايناً مشاهداً أي بمرأى منهم ومنظر ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ عليه بما سمع منه أو بما فعله كأنهم كرهوا
﴿قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قَالَ﴾ إبراهيم ﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ عن الكسائي إنه يقف عليه أي فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وأنه لا يجوز وجاز أن يكون الفاعل مسنداً إلى الفتى المذكور في قوله سمعنا فتى يذكرهم والي إبراهيم في قوله يا إبراهيم ثم قال ﴿كَبِيرُهُمْ هذا﴾ وهو مبتدأ وخبر والأكثر أنه لا وقف والفاعل كبيرم وهذا وصف أو بدل ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصده تقريره لنفسه واثباته لها على أسلونب تعريضي تبكيتا لهم وإلزاما للحجة
الأنبياء (٦٨ - ٦٣)
عليهم لأنهم إذا نظروا والنظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح إلهاً وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط شيق أنيق أأنت كتبت هذا وصاحبك أمي فقلت له بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي لأن إثباته للعاجز منكما والأمر كائن بينكما استهزاء به وإثبات للقادر ويمكن أن يقال غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاستند الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه ويجوز أن يكن حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبم كأنه قال لهم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من بعيد ويدعى إلهاً أن يقدر على هذا ويحكى أنه قال غضب أن تعبد هذه الصغار مه وهو أكبر منها فكسرهن أو هو متعلق بشرط لا يكون وهو نطق الأصنام فيكون نفياً للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون وقوله فَاسْئَلُوهُمْ اعتراض وقيل عرض بالكبير لنفسه انما اضاف نفسه اليهم لاشتراكهم في الحضور ﴿فاسألوهم﴾ عن حالهم ﴿إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ وأنتم تعلمون عجزهم عنه
﴿فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ﴾ فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما
﴿ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسَهُمْ﴾ قال أهل التفسير أجرى الله تعالى الحق على لسانهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم يقال نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ﴾ فكيف تأمرنا بسؤالها والجملة سدت مسد مفعولي علمت والمعنى لقد علمت عجزعم عن النطق فكيف نسألهم
﴿قَالَ﴾ محتجاً عليهم ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً﴾ هو في موضع المصدر أي نفعاً ﴿وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾ إن لم تعبدوه
﴿أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتأفف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف أف مدني وحفص أُفَّ مكي وشامي أُفِّ غيرهم ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلهاً فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب
﴿قَالُواْ حَرّقُوهُ﴾ بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وافظع ﴿وانصروا آلهتكم﴾ بالانتقام منه ﴿إِن كُنتُمْ فاعلين﴾ أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً فاختاروا له اهول
الأنبياء (٧٤ - ٦٩)
المعاقبات وهو الإحراق بالنار وإلا فرطتم في نصرتها
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً وسلاما﴾ أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كأن ذاتها بردا ولام ﴿على إبراهيم﴾ أراد بردى فيسلم منك ابراهيم وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها والمعنى أن الله تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليها من الحر والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق كما كانت هو على كل شيء قدير
﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً﴾ إحراقاً ﴿فجعلناهم الأخسرين﴾ فأرسل على نمرود وقومه البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت بعوضة في دماغ نمرود فاهلكته
﴿ونجيناه﴾ أي ابراهيم ﴿ولوطا﴾ ابن اخيه هارن من العراق ﴿إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين﴾ أي أرض الشام بركتها أن أكثر الأنبياء منها فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير وقيل ما من ماء عذب في الأرض إلا وينبع أصله من صخرة بيت المقدس روي أنه نزل بفلسطين ولوطا بالمؤتفكه بينهما مسيرة يوم وليلة وقال عليه السلام اناه ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس لي منهاجر ابراهيم
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ قيل هو مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق أي وهبنا له هبة وقيل هي ولد الولد وقد سأل ولداً فأعطيه وأعطي يعقوب نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال وهي حال من يعقوب ﴿وَكُلاًّ﴾ أي إبراهيم وإسحق ويعقوب وهو المفعول الأول لقوله ﴿جَعَلْنَا﴾ والثاني ﴿صالحين﴾ في الدين والنبوة
﴿وجعلناهم أَئِمَّةً﴾ يقتدى بهم في الدين ﴿يَهْدُونَ﴾ الناس ﴿بِأَمْرِنَا﴾ بوحينا ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات﴾ وهي جميع الأعمال الصالحة وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم فعل الخيرات وكذا قوله ﴿وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة﴾ والأصل وإقامة الصلاة إلا أن المضاف إليه جعل بدلاً من الهاء ﴿وَكَانُواْ لَنَا عابدين﴾ لا للإصنام فأنتم يا معشر العرب أولاد إبراهيم فاتبعوه في ذلك
﴿وَلُوطاً﴾ انتصب بفعل يفسره ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ حكمة وهي ما يجب فعله من العمل
الأنبياء (٧٩ - ٧٤)
أو فصلاً بين الخصوم أو نبوة ﴿وَعِلْماً﴾ فقهاً ﴿ونجيناه مِنَ القرية﴾ من أهلها وهي سدوم ﴿التي كانت تعمل الخبائث﴾ اللواطة والضراطة وحذف المارة بالحصى وغيرها ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فاسقين﴾ خارجين عن طاعة الله
﴿وأدخلناه فِى رَحْمَتِنَا﴾ في أهل رحمتنا أو في الجنة ﴿إِنَّهُ مِنَ الصالحين﴾ أي جزاء له على صلاحه كام أهلكنا قومه عقاباً على فسادهم
﴿وَنُوحاً﴾ أي واذكر نوحاً ﴿إِذْ نادى﴾ أي دعا على قومه بالهلاك ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل هؤلاء المذكورين ﴿فاستجبنا لَهُ﴾ أي دعاءه
﴿ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ منعناه منهم أي من أذاهم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فأغرقناهم أَجْمَعِينَ﴾ صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وانثاهم
﴿وداود وسليمان﴾ أي واذكرهما ﴿إِذْ﴾ بدل منهما ﴿يَحْكُمَانِ في الحرث﴾ في الرزع أو الكرم ﴿إذ﴾ ظرف ليحكمان ﴿نَفَشَتْ﴾ دخلت ﴿فِيهِ غَنَمُ القوم﴾ ليلاً فأكلته وأفسدته والنفش انتشار الغنم ليلاً بلا راع ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ﴾ أرادهما والمتحاكمين إليهما ﴿شاهدين﴾ أي كان ذلك بلعمنا ومرأى منا
﴿ففهمناها﴾ أي الحكوم أو الفتوى ﴿سليمان﴾ وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان صلوات الله عليه وقصته أن الغنم رعت الحرث وأفسدته بلا راع ليلا فتحا كما إلى داود فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما أي قيمة الغنم كانت على قدر النقصان من الحرث فقال سليمان هو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بالفريقين فعزم عليه ليحكمن فقال أي أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود كهيئة يوم أفسد ثم يترادان فقال القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك وكان ذلك باجتهاد منهما وهذا كان مع البهيمة سائق أو قائد وعند الشافعي رحمه الله يجب الضمان بالليل وقال الجصاص إنما ضمنوا لانهم أرسلوها أو نسخ الضمان بقوله عليه الصلاة
الأنبياء (٨٤ - ٧٩)
﴿وَعِلْماً﴾ معرفة بموجب الحكم ﴿وَسَخَّرْنَا﴾ وذللنا ﴿مَّعَ داود الجبال يُسَبّحْنَ﴾ وهو حال بمعنى مسبحات أو استئناف كأن قائلاً قال كيف سخرهن فقال يسبحن ﴿والطير﴾ معطوف على الجبال أو مفعول معه وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد روى أنه ان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه وقيل كانت تسير معه حيث سار ﴿وَكُنَّا فاعلين﴾ بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجباً عندكم
﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ﴾ أي عمل اللبوس والدروع واللبوس اللباس والمراد الدرع ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ شامي وحفص أي الصنعة وبالنون أبو بكر وحماد أي الله عز وجل وبالياء غيرهم أي اللبوس أو الله عز وجل ﴿مّن بَأْسِكُمْ﴾ من حرب عدوكم ﴿فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون﴾ استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا الله على ذلك
﴿ولسليمان الريح﴾ أي وسخرنا له الريح ﴿عَاصِفَةً﴾ حال أي شديدة الهبوب ووصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باحتياره فكانت في وقت رخاء وفي وقت عاصة لهبوبها على حكم إرادته ﴿تَجْرِى بِأَمْرِهِ﴾ بأمر سليمان ﴿إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا﴾ بكثرة الأنهار والأشجار والثمار والمراد الشام وكان منزله بها وتحمله الريح من نواحي الأرض إليها ﴿وَكُنَّا بِكُلّ شَىْء عالمين﴾ وقد أحاط علمنا بكل شيء فتجري الأشياء كلهاعلى ما يقتضيه علمنا
﴿وَمِنَ الشياطين﴾ أي وسخرنا منهم ﴿مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾ في البحار بأمره لاستخراج الدر وما يكون فيها ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك﴾ أي دون الغوص وهو بناء المحاريب والتماثيل والقصور والقدور والجفان ﴿وكنا لهم حافظين﴾ أي يزبغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم عناد فيما هم مسخرون فيه
﴿وَأَيُّوبَ﴾ أي واذكر أيوب ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى﴾ أي دعا بأني ﴿مَسَّنِىَ الضر﴾ الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال ﴿وَأَنتَ أرحم الراحمين﴾ ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ن وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضيم الذي مسه عن أنس رضي الله عنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشتك وكيف يشكون من قيل له إِنَّا وجدناه صَابِراً نّعْمَ العبد وقيل إنما شكا إليه تلذذا بالنجوة لا نمه تضرراً بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب كما أن الشكاية منه غاية البعد
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ أجبنا دعاءه ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ من ضر﴾ فكشفنا ضره نعاما عليه ﴿وآتيناه أهله ومثلهم معهم﴾
روي أن أيوب عليه السلام كان رومياً من ولد اسحق بن إبراهيم عليه السلام وله سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير وسبعة الاف شاة وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ونخيل فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو ثلاث سنين
﴿وإسماعيل﴾ بن ابراهيم ﴿وإدريس﴾ بن شيث بن آدم ﴿وَذَا الكفل﴾ أي اذكرهم وهو الياس أو زكريا أو يوشع بن نون وسمي به لأنه ذو الحظ من الله والكفل الحظ ﴿كُلٌّ مّنَ الصابرين﴾ أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر
﴿وأدخلناهم فِى رَحْمَتِنَا﴾ نبوتنا أو النعمة في الآخرة ﴿إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين﴾ أي ممن لا يشوب صالاحهم كدر الفساد
﴿وَذَا النون﴾ أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف إليه ﴿إِذ ذَّهَبَ مغاضبا﴾ حال أي مراغما لقومه ومعن مغاضبته لقومه أن أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها روي أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضباً لله وبغضاً للكفر وأهله وكان عليه ان يصابروا وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نقدر﴾ نضيق ﴿عليه﴾ وعنى ابن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوماً على معاوية فقال لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك قال وما هي يا معاوية فقرأ الآية فقال أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه قال هذا من القدر لا من القدرة ﴿فنادى فِى الظلمات﴾ أي في الظلمة الشديدة المتكائفة في بطن الحوت كقوله ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وتركهم في ظلمات أو ظلمة الليل والبحر بطن الحوت
﴿فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم﴾ غم الزلة والوحشة والوحدة ﴿وكذلك نُنجِى المؤمنين﴾ إذا دعونا واستغاثوا بنا نجى شامي وأبو بكر بإدغام
الأنبياء (٩٣ - ٨٩)
النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم وقيل تقديره النجاء للمؤمنين فسكن الياء تخفيفاً وأسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يحوز وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات وقيل أصله ننجى من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت إحدى التاءين في تَنَزَّلُ الملائكة
﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً﴾ سأل ربه أن يرزقه ولداً يرثه ولا يدعه وحيداً بلا وارث ثم رد أمره إلى الله مستسلماً فقال ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين﴾ أي فان لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث أي باق
﴿فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى﴾ ولداً ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي بعد عقرها أو حسنة وكانت سيئة الخلق ﴿إنهم﴾ أي الأنبياء المذكورين ﴿كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الخيرات﴾ أي أنهم إنما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها
﴿والتى﴾ أي واذكر التي ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظته من الحلال والحرام ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ أجرينا فيها روح المسيح أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها فأحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها وإضافة الروح إليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام ﴿وجعلناها وابنها آية﴾ مفعول ثان ﴿للعالمين﴾ وإنما لم يقل آيتين كما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين لأن حالهما بمجموعها آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل أو التقدير وجعلناها آية وابنها كذلك فآية مفعول المعطوفي عليه ويدل عليه قراءة من قرأ آيتين
﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة﴾ الأمة الملة وهذه إشارة إلى ملة الإسلام وهي ملة جميع الأنبياء وأمة واحدة حال أي متوحدة غير متفرقة والعامل ما دل عليه اسم الإشارة أي أن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة ﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون﴾ أي ربيتكم اختياراً فاعبدوني شكراً وافتخاراً والخطاب للناس كافة
﴿وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أصل الكلام وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة
الأنبياء (٩٨ - ٩٣)
الالتفات والمعنى وجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً وصاروا فرقاً وأحزاباً ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون﴾ فنجازيهم على أعمالهم
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات﴾ شيئاً ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي فإن سعيه مشكور مقبول والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه وقد نفى نفي الجنس ليكون أبلغ ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ للسعي أي الحفظة بأمرنا ﴿كاتبون﴾ في صحيفة عمله فنثيبه به
﴿وَحَرَامٌ﴾ وحرم كوفي غير حفص وخلف وهما لغتان كحل وحلال وزنا وضده ومعنى المراد بالحرام الممتنع وجوده ﴿على قَرْيَةٍ أهلكناها أَنَّهُمْ لا يرجعون﴾ والمعنى ممتنع على أو حكمنا بإهلاكهم ذلك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المذكور غير المكفور أنهم لا يرجعون من الكفر إلى الاسلام
﴿حتى﴾ هي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني ﴿إِذَا﴾ وما في حيزها ﴿فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ أي فتح سدهما فحذف المضاف كما حذف المضاف إلى قرية فتّحت شامي وهما قبيلتان من جنس الإنس يقال الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج ﴿وَهُمْ﴾ راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد ﴿مّن كُلّ حَدَبٍ﴾ نشز من الأرض أي ارتفاع ﴿يَنسِلُونَ﴾ يسرعون
﴿واقترب الوعد الحق﴾ أي القيامة وجواب إذا ﴿فَإِذَا هِىَ﴾ وهي إذا المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله إِذَا هم يقنطون فإذا جاءت الفاء معها تعاونتاً على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديداً
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ يعني الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم
الأنبياء (١٠٤ - ٩٨)
في حكم عبدتهم ﴿حصب﴾ حطب وقرئ حطب ﴿جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ فيها داخلون
﴿لو كان هؤلاء آلهة﴾ كما زعمتم ﴿مَّا وَرَدُوهَا﴾ ما دخلوا النار ﴿وَكُلٌّ﴾ أي العابد والمعبود ﴿فِيهَا﴾ في النار ﴿خالدون لَهُمْ﴾ للكفار
﴿فِيهَا زَفِيرٌ﴾ أنين وبكاء وعويل ﴿وَهُمْ فِيهَا لا يسمعون﴾ شيئا لأنهم صاروا صماً وفي السماع نوع أنس فلم يعطوه
﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى﴾ الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة نزلت جوابا بالقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إلى قوله خالدون أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة على أن قوله وما تعبدون لايتنا ولهم لأن مالمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد
﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ صوتها الذي يحس وحركة تلهبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها ﴿وَهُمْ فِى مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ﴾ من النعيم ﴿خالدون﴾ مقيمون والشهوة طلب النفس اللذة
﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ النفخة الأخيرة ﴿وتتلقاهم الملائكة﴾ أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون ﴿هذا يَوْمُكُمُ الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم في الدنيا
العامل في ﴿يَوْمَ نَطْوِى السماء﴾ لا يحزنهم أو تتلقاهم تطوى السماء يزيد وطيها تكوير نجومها ومحو رسومها أو هو ضد النشر نجمعها ونطويها ﴿كطي السجل﴾ أي الصحيفة ﴿لِلْكُتُبِ﴾ حمزة وعلي وحفص أي للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وغيرهم الكتاب أي كما يطوي الطومار للكتابة أي لما يكتب فيه لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب وقيل السجل ملك يطوي كتب بن آدمي إذا رفعت إليه وقيل كاتب لرسول الله ﷺ والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها والطي مضاف إلى الفاعل وعلى الأول إلى المفعول ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾
انتصب الكاف بفعل
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور﴾ كتاب داود عليه السلام ﴿مِن بَعْدِ الذكر﴾ التوراة ﴿أن الأرض﴾ أي الشام ﴿يَرِثُهَا عِبَادِىَ﴾ ساكنة الياء حمزة غيره بفتح الياء ﴿الصالحون﴾ أي أمة محمد عليه السلام أو الزبور بمعنى المزبور أي المكتوب يعني ما أنزال على الأنبياء من الكتب والذكر أم الكتاب يعني اللوح لأن الكل أخذوا منه ليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي على جمع الزبر بمعنى المزبور والأرض أرض الجنة
﴿إِنَّ فِى هذا﴾ أي القرآن أو في المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد الوعيد والمواعظ ﴿لبلاغا﴾ لكفاية واصله ما يبلغ به البغية ﴿لّقَوْمٍ عابدين﴾ موحدين وهم أمة محمد عليه السلام
﴿وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً﴾ قال عليه السلام إنما أنا رحمة مهداة ﴿للعالمين﴾ لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبع فانما أتى من عند
﴿قُلْ إِنَّمَا﴾ إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وفاعل ﴿يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ والتقدير يوحي إليَّ وحدانية إلهي ويجوز أن يكون المعنى أن الذي يوحي إليّ فتكون ما موصولة ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ استفهام بمعنى الأمر أي اسلموا
﴿فإن تولوا﴾ عن الاسلام ﴿فقل آذنتكم﴾ اعلمتكم ما امرت ﴿على سَوَاء﴾ حال أي مستوين في الإعلام به ولم أخصص بعضكم وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية ﴿وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ ما توعدون﴾
الأنبياء (١١٢ - ١١٠)
الحج (٢ - ١)
أي لا أدري متى يكون يوم القيامة لأن الله تعالى لم يطلعني عليه ولكني اعلم بانه كائن لا محالة ولا أدري متى يحل بكم العذاب إن لم تؤمنوا
﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تكتمون﴾ أي إنه عالم بكل شيء يعلم ما تجاهرونني به من الطعن في الإسلام وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين وهو مجازيكم عليه
﴿وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾ وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم لينظر كيف تعملون ﴿ومتاع إلى حِينٍ﴾ وتمتيع لكم إلى الموت ليكون ذلك حجة عليكم
﴿قَالَ رَبّ احكم بالحق﴾ اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل أو بما يحق عليهم من العذاب ولا تحابهم وشدد عليهم كما قال واشدد وطأتك على
بسم الله الرحمن الرحيم