تفسير سورة القمر

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة القمر من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة القمر خمس وخمسون آية مكية

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)
﴿اقتربت الساعة﴾ قربت القيامة ﴿وانشق القمر﴾ نصفين وقرىء وَقَدْ انشق أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كنما تقول أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه قال ابن مسعود رضى الله عنه رأيت حراء بين فلقتي القمر وقيل معناه ينق يوم القيامة والجمهور على الاول
﴿وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر﴾
وهو المروي في الصحيحين ولا يقال لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواتراً لأن الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)
﴿وإن يروا﴾ يعنى اهل مكة ﴿آية﴾ تدل على صدق محمد ﷺ ﴿يُعْرِضُواْ﴾ عن الإيمان به ﴿وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ محكم قوي من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)
﴿وكذبوا﴾ النبى ﷺ ﴿واتبعوا أهواءهم﴾ ومازين لهم لاشيطان من دفع الحق بعد ظهوره ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ﴾ وعدهم الله ﴿مُّسْتَقِرٌّ﴾ كائن في وقته وقيل كل ما قدر واقع وقيل كل أمر من أمرهم واقع مستقر
399
أي سيثبت ويستقر عند هرو العقاب والثواب
400
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)
﴿وَلَقَدْ جَاءهُمْ﴾ أهل مكة ﴿مّنَ الأنباء﴾ من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذا الكفار ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ ازدجار عن الكفر تقول زجرته وازجرته اى متعته وأصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالاً لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور فأبدل من التاء حرف مجهور وهو الدال لتناسبا وهذا فى آخر كتاب سبيويه
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥)
﴿حِكْمَةٌ﴾ بدل من ما أو على هو حكمة ﴿بالغة﴾ نهاية الصواب أو بالغة من اله لايهم ﴿فما تغن النذر﴾ ما نفى ووالنذر جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الإنذار
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦)
﴿فتول عنهم﴾ لعلمك ان الانذا رلا يغنى فيهم نصب ﴿يوم يدع الداع﴾ بيخرجون أو بإضمار اذكر الداعى إلى الداعى سهل ويعقوب ومكي فيهما وافق مدني وأبو عمرو في لاوصل ومن أسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها وحذف الواو تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول يوم قيامة نكر بالتخفيف مكى
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)
﴿خشعا أبصارهم﴾ عراقي غير عاصمٍ وهو حال من الخارجين وهو فعل للأبصار وذكر كما تقول يخشع أبصارهم غيرهم خشعاً على يخشعن أبصارهم وهي لغة من يقول اكلونى البراغيب ويجوز أن يكون في خُشَّعاً ضميرهم وتقع أبصارهم بدلاً عنه وخشوع الأبصار كناية عن الزلة لان تذلك الزليل وعزة العزيز تظهر ان في عيونهما ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث﴾ من
400
القبور ﴿كأنهم جراد منتشر﴾ في كثرتهم وتفرقم في كل جهة والجراد مثل في الكثرة والتمرج يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد
401
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ مسرعين مادي أعناقهم إليه ﴿يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ صعب
شديد
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩)
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل أهل مكة ﴿قَوْمُ نُوحٍ فكذبوا عبدنا﴾ نوحا عليه السلام معنى تكرار التكذيب أنهم كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لأنه من جملة الرسل ﴿وَقَالُواْ مَجْنُونٌ﴾ أي هو مجنون ﴿وازدجر﴾ زجر عن أداء الرسالة بالشتم وهدد بالقتل او هو من جملة الرسل ﴿وَقَالُواْ مَجْنُونٌ﴾ أي هو مجنون ﴿وازدجر﴾ الجن وتخبطته وذهب بلبه
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)
﴿فدعا ربه أني﴾ اى بأنى ﴿مغلوب﴾ غلبى قومى فلم يسمعوا منى ولتستحم اليأس من إجابتهم لي ﴿فانتصر﴾ فانتقم لي منهم بعذاب تبعثه عليهم
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)
﴿فَفَتَحْنَا أبواب السماء﴾ فَفَتَحْنَا شامي ويزيد وسهل ويعقوب ﴿بِمَاء مُّنْهَمِرٍ﴾ منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)
﴿وفجرنا الأرض عيونا﴾ ﴿فَالْتَقَى الماء﴾ أي مياه السماء والأرض وقرىء الماآن اى النوعان من الماء السماوى ولارضى ﴿على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ على حال قدرها الله كيف شاء أو على أمر قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
﴿وحملناه على ذات ألواح ودسر﴾ اراد السفنية وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه ولكن قميص مسرودة من حديدً أراد ولكن قميصي درع الا ترى انك لو جمعت بين لاسفينة وبينن هذه السفة لم يصلح وهذا من فصح الكلام وبديعه والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره اذ ادفعه لأنه يدسر به منفذه
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤)
﴿تجري بأعيننا﴾ بمرأى منا او بجمظنا أو بِأَعْيُنِنَا حال من الضمير في تَجْرِى أي محفوظة بنا ﴿جَزَاء﴾ مفعول له لما قدم من فتح ابواب السماء وا بعده اى فعلنا ذلك جزءا ﴿لمن كان كفر﴾ هو نوح عليه السلام وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى وماا ارسلناك الا رحمة لللعالمين فكان نوح نعمة مكفورة
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)
﴿ولقد تركناها﴾ اى السفينة اوالفعلة اى جعلناها ﴿آية﴾ يعتبر بها وعن قتادة ابقاها الله ارض الجزيرة وقيل على الجودي دهراً طويلاً حتى نظر اليها اوائل هذه الاله ﴿فهل من مدكر﴾ متعظ بتعظ ويتعبر وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الذال والذال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦)
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ جمع نذير وهو الإنذار ونذري يعقوب فيهما وافقه سهل في الوصل غيرهما بغير ياء على هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر﴾ سهلناه للاذكار والاتعاظ
﴿فهل من مدكر﴾ ﴿كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر﴾
بأن شحناه
402
بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من لاوعد ولاوعيد ﴿فهل من مدكر﴾ متظ يتعظ وقيل ولق سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه يروى أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها اهلها الا نظروا ولا يحفظونها ظاهراً كالقرآن
403
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨)
﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ أي وانذار اتى لهم بالعذاب قبل نزوله او وانذار انى في تعذيبهم لمن بعدهم
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ باردة أو شديدة الصوت ﴿فِى يَوْمِ نَحْسٍ﴾ شؤم ﴿مُّسْتَمِرٌّ﴾ دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في آخر الشهر
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠)
﴿تَنزِعُ الناس﴾ تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذاً بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم ﴿كأنهم أعجاز نخل منقعر﴾ اصول نخل منقلغ عن مغارسه وشبهوا باعجاز النخل لان لاريح كانت تقطع بؤسهم فتبقى اجسادا بلا رؤس فيتساقطون على الارض امواتا هم جثث طوال كأنهم أعجاز نخل وهي أصولها بلا فروع وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال كأنها اعجاز نخل خاوية
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١)
﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر}
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤)
﴿فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا واحدا﴾ انتصب بَشَرًا بفعل يفسره ﴿نَّتَّبِعُهُ﴾ تقديره أنتبع بشراً منا واحداً ﴿إِنَّا إِذاً لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ﴾ كأن يقول ان لم تتبعونى كنتم في ظلال عن الحق وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا ان اتبعناك كنا كما تقول وقيل الضلال الخطأ والبعد عن الصواب والسعر الجنون وقولهم أبشرا انكارا لأن يتبعوا
403
مثلهم في الجنسية وطلبوا أن يكون من الملائكة وقالوا منا لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى وقالوا واحدا انكارا لان تتبع الامة رجلا واحد او اراداوا واحا من أفنائهم ليس من أشرفهم وأفضلهم ويدل عليه قوله
404
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥)
﴿أؤلقي الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا﴾ أي أأنزل عليه الوحى بيننا وفينا من هـ أحق منه بالاختيار للنبوة ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ بطر متكبر حمله بطره وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦)
﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً﴾ عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة ﴿مَّنِ الكذاب الأشر﴾ أصالح أم من كذبه ستعلمون شامى حمزة على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم ام هو كلام الله على سبيل الالتفات
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧)
﴿إنا مرسلو الناقة﴾ باعثوها ومخرجوها
﴿فتنة لهم فارتقبهم واصطبر﴾
من الهضبة كما سألوا ﴿فِتْنَةً لَّهُمْ﴾ امتحاناً لهم وابتلاء وهو مفعول له أو حال ﴿فارتقبهم﴾ فانتظرهم وتبصر ماهم صانعون ﴿واصطبر﴾ على أذاهم ولا تعجل حتى ياتيك امرى
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)
﴿وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال بَيْنَهُمْ تغليباً للعقلاء ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ محضور يحضر القوم الشرب يوم ولهم شرب يوم وقال بَيْنَهُمْ تغليباً للعقلاء ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ محضور يحضر القوم الشرب يوماً وتحضر الناقة يوماً
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩)
﴿فَنَادَوْاْ صاحبهم﴾ قدار بن سالف أحيمر ثمود ﴿فتعاطى﴾ فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له ﴿فَعَقَرَ﴾ الناقة أو فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف وإنما قال فَعَقَرُواْ الناقة في آية أخرى لرضاهم به أو لأنه عقر بمعونتهم
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠)
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾ في اليوم الرابع من عقره ا ﴿صَيْحَةً واحدة﴾ صاح بهم جبريل عليه السلام ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتوطؤه البهئم فيتحطم ويتهشم وقرأ
404
الحسم بفتح الظاء وهو موضع الاحظار اى الحظيرة
405
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣)
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر﴾
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤)
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾ يعني على قوم لوط ﴿حاصبا﴾ ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم ﴿إِلا آل لُوطٍ﴾ ابنتيه ومن آمن معه ﴿نجيناهم بِسَحَرٍ﴾ من الاسحار ولدا صرفه ويقال لفيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه وقيل هم اسحران فالسحر الاعلى قبل انصداع الفجر والآخرة عند انصداعه
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)
﴿نِعْمَةً﴾ مفعول له أي إنعاماً ﴿مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ﴾ نعمة الله بإيمانه وطاعته
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦)
﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ﴾ لوط عليه السلام ﴿بَطْشَتَنَا﴾ أخذتنا بالعذاب ﴿فَتَمَارَوْاْ بالنذر﴾ فكذبوا بالنذر متشاكين
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧)
﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ﴾ طلبوا الفاحشة من أضيافه ﴿فطمسنا أعينهم﴾ اعميناهم وقيل مسحاها زجعلناها كسائر الوجه لا يرى له اشق رُوي أنهم لما عالجوا باب لوط عليه ليدخلوا قالت لاملائكة خلهم يدخلوا انا رسل ربك لن ليصلوااليك فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط ﴿فذوقوا﴾ فقلت لهم نوقوا على ألسنة الملائكة ﴿عَذَابِى وَنُذُرِ﴾
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)
﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً﴾ أول النهار ﴿عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾ ثابت قد استقر
عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الاخر وفائدة تكرير
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩)
﴿فذوقوا عذابي ونذر﴾
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الاولين اذكار او اتعاظا وان يستانفوا
405
تنبها واستقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه وهذا حكم التكرير في قوله فبأى آلاء ربكما تكذبان عند كل نعمة عدها وقوله ويل يؤمئذ للمكذبين عند كل آية اوردها وكذلك تكرير الانبياء والقصص في انفسها لنكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان
406
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١)
﴿ولقد جاء آل فِرْعَوْنَ النذر﴾ موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الإنذار
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢)
﴿كذبوا بآياتنا كُلَّهَا﴾ بالآيات التسع ﴿فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ﴾ لا يغالب ﴿مُّقْتَدِرٍ﴾ لا يعجزه شيء
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣)
﴿أكفاركم﴾ يا أهل مكة ﴿خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾ الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون أي أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفراً وعناداً يعني أن كفاركم مثل أولئك بل شر منهم ﴿أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى الزبر﴾ أم انلت عليكميا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة أن من كفر منكم وكذب لارسل كان آمناً من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤)
﴿أم يقولون نحن جميع﴾ جماعة تامرنا مجتمع ﴿مُّنتَصِرٌ﴾ ممتنع لا نرام ولا نضام
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)
﴿سَيُهْزَمُ الجمع﴾ جمع أهل مكة ﴿وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ أي الأدبار كما قال كلوا في بعض بطنك تعفّوا أي ينصرفون منهزمين يعني يوم بدر وهذه من علامات النبوة
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)
﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ موعد عذابهم بعد بدر ﴿والساعة أدهى﴾ أشد من
406
موقف بدر والداهية الامر النمنكر لاذى لا يهتدى لدائه ﴿وأمر﴾ مذاقا من عذاب الدنيا واشد من المرة
407
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
﴿إِنَّ المجرمين فِى ضلال﴾ عن الحق في الدنيا ﴿وسعر﴾ ونيران في الآخرة اوفى هلاك ونيران
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)
﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النار﴾ يجرون فيها ﴿على وُجُوهِهِمْ﴾ ويقال لهم ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ كقولك وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأن النار إذا أصابتهم بحرها فكأنها تمسهم مساً بذلك وسقر غير منصرف للتأنيث والتعريف لأنها علم لجهنم من سقرته النار إذا لوحته
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)
﴿إِنَّا كُلَّ شَىْء خلقناه بِقَدَرٍ﴾ كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر وقرى بالرفع شاذا والنصب اول لأنه لو رفع لأمكن أن يكون خلقناه في موضع الجر وصفا لشىء ويكون الخبر بقدر وتقديره ان كل شىء مخلوق لنا كأن بقدر ويحتمل أن يكون خلقناه هو الخبر وتقديره إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر فلما تردد
﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر {
سورة الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

{الرحمن﴾
﴿علم القرآن﴾ ﴿خلق الإنسان﴾ ﴿علمه البيان﴾
الأمر في الرفع عدل إلى النصب وتقديره انا خلنا كلى شيء بقدر فيكون الخلق عاماً لكل شيء وهو المراد بالآية ولا يجوز في النصب ان يكون خلقناه صفة لشىء لأنه تفسير الناصب والصفة لا تعمل في الموصوف والقدْر والقدَر التقدير أي بتقدير سابق أو خلقنا كل شيء مقدراً محكماً مرتباً على تحسب ما اقتضته الحكمة أو مقدراً مكتوباً في اللوح معلوما قبل كونه قد علما حاله ومانه قال ابو هريرة جاء مشركوا قريش الى النبى ﷺ يخاصمونه في القدر فنزلت الآية وكان عمر يحلف أنها نزلت في القدرية
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة﴾ إلا كلمة واحدة أي وما أمرنا لشيء نريد تكوينه إلا ان نقول له كن فيكون ﴿كلمح البصر﴾ على قدر ما يلمح أحدكم ببصره وقيل المراد بامرنا القيامة كقوله وما امر الساعة الا كلمح البصر
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم﴾ أشباهكم في الكفر من الأمم ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ متعظ
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
﴿وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ﴾ أي أولئك الكفار أي وكل شىءمفعول لهم ثابت ﴿فِى الزبر﴾ في دواوين الحفظة ففعلوه في موضع جر نعت لشىء وفي الزبر خبر لكل
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)
﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ﴾ من الأعمال ومن كل ما هو كائن ﴿مُّسْتَطَرٌ﴾ مسطور في اللوح
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤)
﴿إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَهَرٍ﴾ وأنهار اكتفى باسم الجنس وقيل هو السعة والضياء ومنه النهار
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ في مكان مرضي ﴿عِندَ مَلِيكٍ﴾ عندية منزلة وكرامة لا مسافة ومماسة ﴿مقتدر﴾ قادر وفائدة التنكير فيهاان يعلم أن لا شيء إلا هو تحت ملكه وقدرته وهو على كل شيء قدير
408
سورة الرحمن جل وعلا وهى ست وسبعون آية
بسم الله الرحم الرحيم
409
Icon