تفسير سورة القمر

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة القمر من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة القمر
سورة القمر مكية١
١ هي كذلك في تفسير القرطبي ١٧/١٢٥ وابن كثير ٤/٢٦١، والبرهان للزركشي ١/١٩٢ والدر المنثور ٧/٦٦٩. وعند ابن الجوزي في زاد المسير ٨/٨٧ "أنها مكية بإجماعهم، وقال مقاتل مكية غير آية (سيهزم الجمع) القمر: ٤٥، وحكي عنه أنه قال: إلا الثلاث آيات: أولها: (أم يقولون نحن جميع منتصر) إلى قوله: (أمر) القمر ٤٤- ٤٦"..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة القمر
سورة القمر مكية قوله تعالى ﴿اقتربت الساعة﴾.
معناه دنت القيامة وقربت.
روى أنس " أن النبي ﷺ خطب وقد كادت الشمس تغيب فقال ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثلاً ما [بقي] من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيراً ".
وقال كعب ووهب الدنيا ستة آلاف سنة. قال وهب قد مضى منها خمسة آلاف وستمائة، وهذا إنذار من الله بدنو القيامة وقرب فناء الدنيا.
وقوله: / ﴿وانشق القمر﴾ أي: انفلق وكان ذلك على عهد النبي ﷺ وهو بمكة قبل الهجرة، وذلك أن كفار قريش سألوه آية فأراهم انشقاق القمر، فدل على صحة قوله، فلما أراهم ذلك (أعرضوا وكذبوا). وقالوا هذا سحر مستمر سحرنا له محمد، ففي ذلك يقول الله جل ذكره.
ومعنى مستمر: أي: ذاهب. وقيل مستمر: شديد. وقيل معناه: يشبه بعضه بعضاً. قال أنس: انشق القمر فرقتين. وقال ابن مسعود انشق القمر ونحن مع النبي ﷺ حتى ذهبت فرقة منه خلف الجبل فقال رسول الله ﷺ أشهدوا.
قال: ﴿وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي: كذبت قريش واتبعت أهواءها. ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ أي: كل أمر يستقر إن خيراً في الجنة، وإن شراً ففي النار.
أي: ولقد جاء قريشاً من الأخبار والقصص والوعد والوعيد ما فيه متعظ لهم.
قال ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ يعني القرآن. ﴿فَمَا تُغْنِ النذر﴾ أي: فليست تغن النذر لإعراضهم عنها. والنذر جمع نذير أو بمعنى الإنذار، ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً. والمعنى فأي شيء يغني النذر عنهم وهم معرضون عنها.
ثم قال فتول عنهم يوم يدع الداع / إلى شيء نكر أي: فأعرض عنهم: تم الكلام
7185
على قوله ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾، ثم ابتدأ فقال ﴿يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾ أي: منكر يخرجون من الأجداث. " فيم " منصوب " بأذكر يوم تخرجون. والأجداث: القبور. ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ كأنهم في انتشارهم من القبور إلى موقف الحساب جراد منتشر.
وقوله ﴿خُشَّعاً أبصارهم﴾ حال من الضمير في (يخرجون من قبورهم) فينتشرون لموقف العرض يوم يد الداع خشعا إبصارهم، أي هي ذليلة خاضعة، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا، والإخبار بخشوع أبصارهم بعد بعثهم.
وقوله ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ وقال في موضع آخر ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث﴾ [القارعة: ٣] فذلك صنفان مختلفان، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها نشبههم عند
7186
ذلك بالفراش لأن الفراش لا جهة يقصدها، وإنما هي بعضها في بعض فلا يزال الناس كذلك حتى يسمعوا المنادي يدعوهم فيقصدونه، فتصير لهم وجهة يقصدونها، فشبههم في هذا الوقت بالجراد المنتشر، وهكذا الجراد لها (وجهة تقصدها) وهي منشرة.
ويروى أن مريم سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت: اللهم أعشها بغير رضاع (وتابع بنيها بغير شياع، أي: بغير دعاء بينها). ثم قال ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ قال قتادة: عامدين. وقال أبو عبيدة: مسرعين مقبلين خائفين. ولا يكون الإهطاع إلا مع خوف، ويقال: هطع وأهطع بمعنى أسرع مقبلاً خائفاً.
وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء. وقال ابن عباس ناظرين.
7187
ثم قال فتول عنهم يوم يدع /إلى شيء نكر أي : فأعرض عنهم. تم الكلام على قوله ﴿ فتول عنهم ﴾، ثم ابتدأ فقال ﴿ يوم يدع الداع إلى شيء نكر ﴾ [ ٦ ] أي : منكر يخرجون من الأجداث١. " فيوم " منصوب " بأذكر يوم تخرجون٢. والأجداث : القبور.
١ انظر: القطع ٦٩٤، والمكتفى ٥٤٥، والمقصد ٨٢، ومنار الهدى ٢٧٠ وتفسير الغريب ٤٣١..
٢ انظر: البحر المحيط ٨/١٧٥..
﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾ كأنهم في انتشارهم من القبور إلى موقف الحساب جراد منتشر.
وقوله ﴿ خشعا أبصارهم ﴾ حال من الضمير١ في ( يخرجون من قبورهم )٢ فينتشرون لموقف العرض يوم يدع الداع خشعا إبصارهم، أي٣ هي ذليلة خاضعة، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا، والإخبار بخشوع٤ أبصارهم بعد بعثهم٥.
وقوله ﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾ [ ٧ ] وقال في موضع آخر ﴿ يوم يكون٦ الناس كالفراش المبثوث٧ فذلك صنفان مختلفان، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها٨ نشبههم٩ عند ذلك بالفراش لأن١٠ الفراش لا جهة له يقصدها، وإنما هي بعضها في بعض فلا يزال الناس كذلك حتى يسمعوا١١ المنادي يدعوهم١٢ فيقصدونه، فتصير لهم وجهة يقصدونها، فشبههم في هذا الوقت بالجراد المنتشر، وهكذا الجراد ( وجهة تقصدها )١٣ وهي منشرة.
ويروى أن مريم سألت١٤ ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت : اللهم أعشها بغير رضاع ( وتابع بنيها بغير شياع، أي : بغير دعاء بينها )١٥.
١ انظر: التبيان في إعراب القرآن ٢/١١٩٣، و البحر المحيط ٨/١٧٥..
٢ ع: "يخرجون: أي: يخرجون من قبورهم"..
٣ ساقط من ع..
٤ ع: "مخشوع" وهو تحريف..
٥ انظر: مشكل الإعراب ٦٩٨، وإعراب النحاس و ٤/٢٧٨، ومغني اللبيب ٦٠٢..
٦ ع: "تكون" وهو تصحيف..
٧ سورة القارعة: ٣..
٨ ع: "يقصدوها"..
٩ ع: "فشبهم"وهو تحريف..
١٠ ع: "فان"..
١١ ع: "يسمع"..
١٢ ح: يدعونهم: وهو تحريف..
١٣ ع: "جهة تقصدوها" وهو تحريف..
١٤ ع: "دعته"..
١٥ ح: "وتابع بينها شياع أي: بغير دعائها"..
ثم قال ﴿ مهطعين إلى الداع ﴾ [ ٨ ] قال قتادة : عامدين١. وقال أبو عبيدة : مسرعين مقبلين خائفين٢. ولا يكون الإهطاع إلا مع خوف، ويقال : هطع وأهطع بمعنى أسرع مقبلا خائفا٣.
وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء٤. وقال ابن عباس ناظرين٥.
﴿ يقول الكافرون هذا يوم عسر ﴾ أي : شديد٦ هول المطلع.
١ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٤، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٠..
٢ انظر: مجاز أبي عبيدة ٢/٢٤٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٠، والبحر المحيط ٨/١٧٦، وتفسير الغريب ٤٣٠..
٣ انظر: الصحاح ٣/١٣٠٧، واللسان ٣/٨١١، وتاج العروس ٥/٥٥٨..
٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٤..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٤، والدر المنثور ٧/٦٧٤..
٦ ساقط من ع..
﴿يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ أي: شديد هول المطلع.
قال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ أي: كذب قبل قومك قوم نوحا. ﴿فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا﴾ يعني نوحاً. ﴿وَقَالُواْ مَجْنُونٌ﴾ أي: هو مجنون. وقوله ﴿وازدجر﴾ أي: زجروه بالشتم والوعيد والرجم.
قال ابن زيد اتهموه وزجروه وأوعدوه، وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين. وقال الحسن قالوا مجنون وتوعدوه بالقتل. ثم قال ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر﴾ أي: قال يا رب قد غلبت وقهرت فانتصر لي منهم بعذاب من عندك. قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾ أي: مندفع منصب.
قال ﴿وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أي: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه في اللوح المحفوظ. ثم قال ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ / أي: وحملنا نوحا إذا التقى الماء على سفينة ذات ألواح ودسر. والدسر: المسامير، وهو جمع دسار. وقيل الدسر: صدر السفينة
ثم قال ﴿ وحملناه على ذات ألواح ودسر ﴾ [ ١٣ ]/ أي : وحملنا نوحا إذا التقى الماء على سفينة ذات ألواح ودسر. والدسر١ : المسامير، وهو جمع دسار٢. وقيل الدسر : صدر٣ السفينة لأنها تدفع الماء بصدرها :[ أي ]٤ تدسره قاله الحسن٥.
وقال مجاهد : الدسر : أضلاع السفينة٦. وقال الضحاك الدسر : طرف السفينة، وأصل الدسر : الدفع٧.
١ ع: "والدسر والدسور"..
٢ انظر: العمدة ٢٨٩، ومجاز أبي عبيدة ٢/٢٤٠ وإعراب النحاس ٩/٢٨٩ وغريب القرآن وتفسيره ١٧٢، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٣، وتفسير الغريب..
٣ ع: "سدر"..
٤ ساقط من ح..
٥ انظر: العمدة ٢٨٩، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وإعراب النحاس ٤/٢٨٩، وتفسير الخازن وبهامش معالم التنزيل ٦/٢٧٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٢، وابن كثير ٤/٢٦٥ والدر المنثور ٧/٦٧٦..
٦ انظر: تفسير مجاهد ٦٣٤، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وابن كثير ٤/٢٦٥..
٧ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وابن كثير ٤/٢٦٥..
لأنها تدفع الماء بصدرها: [أي] تدسره قاله الحسن.
وقال مجاهد: الدسر: أضلاع السفينة. وقال الضحاك الدسر: طرف السفينة، وأصل الدّسْر: الدّفع.
قال ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ أي: بمرأى منا ومبصر.
وقوله ﴿جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾ أي: فعلنا بهم ذلك جزاء لنوح للذي كفر بالله فيه. وقيل " من " بمعنى " ما " والمعنى: جزاء لمن كان كفر بنعم الله وأياديه.
وقال مجاهد: معناه (جزاء الله لأنه كفر به). وقيل معناه جزاء لنوح ولمن آمن به لأنهم كفروا بهم، فتوحد " كفر " على هذا على لفظ " من ". ثم قال
7189
﴿وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً﴾ أي: تركنا السفينة آية وعبرة لمن بعد نوح. وقال قتادة رفعت الفسينة على الجودي حتى رآها أوائل لهذه الأمة.
قال مجاهد: إن الله جل ذكره حين غرق قوم نوح جعلت الجبال تشمخ، وتواضع الجودي فرفعه الله تعالى على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه. وقيل معناه: ولقد تركنا هذه الفعلة آية. ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.
أي: فهل من متعظ يخاف أن يناله من العقوبة مثل ما نال قوم نوح. ثم قال ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي: وإنذاري، وهذا تحذير من الله لمن نزل عليه القرآن وكفر به أن يصيبه مثل ما أصاب قوم نوح. ثم قال ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ﴾ أي: سهلناه وبيناه وفصلناه لمن يريد أن يتذكر به ويعتبر.
وقيل معنى: فهل من مذكر: هل من طالب علم فيعان عليه: وقال محمد بن كعب معناه: هل من مذكر عن معاصي الله. قال ابن زيد يسرنا: بينا. وقال مجاهد: يسرنا: هونا.
7190
وقيل معناه: فهل من طالب علم أو خير فيعان عليه.
قال ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ أي: كذب أيضاً عاد هوداً نبيهم فيما أتاهم / به. ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ (أي عذبتهم لذلك، وأهلكتهم، فلتحذر قريش ان يصيبهم بتكذيبهم محمدا مثل ما أصاب قوم هود.
قال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ أي: ريحاً شديدة العصوف باردة لها صوت، وأصله صَرَرً فأبدل من أحدى الراءات ماداً، فكبْكِبُوا من كَبَبَ.
قوله ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ أي: في يوم شر وشؤم لهم (استمر بهم فيه البلاء) والعذاب إلى أن (أوفى بهم العذاب). قال قتادة استمر بهم إلى نار جهنم.
أي: تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتندق رقابهم وتبين من أجسادهم.
7191
قال ابن إسحاق: لما هبت الريح قام سبعة من عاد فقالوا نرد الريح، فأتوا ضم الشعب الذي منه تأتي الريح، فوقفوا عليه، فجعلت الريح تهب وتدخل تحت واحد منهم ثم تقلعه من الأرض فترمي به على رأسه فتندق رقبته، ففعلت ذلك بستة منهم كما قال الله ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾، وبقي رجل اسمه الخلجان، فأتى هوداً فقال يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتي، قال تلك ملائكة ربي، [قال مالي إن أسلمت، قال: تسلم!، قال أفينقذني ربك من هؤلاء، قال: ويلك أرأيت ملكاً ينقد من جنده]، فقال وعزته لو فعل ما رضيت، قال ثم مال إلى جانب الجبل فأخذ بركن منه يهزه، فاهتز في يده ثم جعل يقول:
7192
ثم هبت الريح فحملته، فألحقته بأصحابه.
(وروي عن أبي هريرة أنه قال أن كان الرجل ليغمز قدميه فيدخل في الأرض) من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة لو اجتمع عليه خمس مائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوه، وأن كان الرجل (ليغمز قدميه فتدخل في الأرض).
وقوله ﴿تَنزِعُ الناس كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ أي: تنزعهم من الحفر التي كانوا حفروها كأنهم أعجاز نخل منقعر.
قال الطبري في الكلام حذف، والتقدير: تنزع الناس فتتركهم كأنهم أعجاز نخل، " فالكاف " على هذا في موضع نصب بالمحذوف. وقال الزجاج وغيره " الكاف " في موضع الحال، أي: تنزع الناس مشبهين / بأعجاز نخل. ومعنى
7193
" منقعر " أي: منقلع من قعره.
(وقال الحسن لما جاءت الريح إلى قوم هود قاموا إليها فاستقبلوها وأخذ بعضهم بيد بعض).
(وركزوا أقدامهم في الوادي، وقالوا لهود من يزيل أقدامنا عن أماكنها إن كنت صادقاً، فأرسل الله عليهم الريح فنزعت أقدامهم كأنهم أعجاز نخل منقعر).
قال مجاهد: بانت أجسامهم من رؤوسهم فصاروا أجساماً بلا رؤوس.
وقيل التشبيه هنا إنما هو للحفر التي كانوا فيها قياما، صارت الحفر كأنها أعجاز نخل وهذا قول ضعيف، ولزم هذا القائل أن يقول " كأنهن ".
أي: فانظر يا معشر كفار قريش كيف كان عذاب قوم هود إذ كذبوا هوداً، وكيف كان إنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم.
قوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) إلى قوله (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) الآيات [٢٢ - ٣١].
﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.
أي: ولقد بينا وسهلنا القرآن لمن أراد أن يذكر ويتعظ، فهل من طالب علم فيعان عليه.
قال ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر﴾ [أي] كذب قوم صالح بنذر الله (التي أتتهم) من عنده، فقالوا مكذبين لرسولهم صالح ﴿أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ﴾ أي: نحن الجماعة الكثيرة كيف نتبع بشراً واحداً.
﴿إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ أي: إن أتبعناه لفي ذهاب عن الصواب وسعر: أي: وعناد، قاله قتادة. وقيل: وسعر: وجنون.
قال ﴿أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ هذا إخبار من الله جل ذكره عما قاله قوم صالح، أي: قالوا أأنزل الوحي عليه من بيننا على طريق الإنكار. ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ أي: كذاب لا يبالي ما قال: وأصل الأشر: الريح والبطر، قال الله تعالى ﴿ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر﴾.
7195
أهم أم هو، بل هم الكذابون الأشرون، وهذا تهدد ووعيد من الله لهم ولمن فعل فعلهم.
وقرأ أبو قلابة ﴿الكذاب الأشر﴾ بالتشديد وفتح الشين ولا يجوز مثل هذا في الأولى لأنه لا يقال منه أفعل، وإنما جاز في الثاني لأنه من قولهم: زيد الأشر (ومَنْذِزٌ لِشَر) كما يقال: (الأْخَيرُ وَاُلَخُورَى). وقرأ ابن جبير ومجاهد: " من الكذاب الأشر " بضم الشين والتخفيف، وهي لغة في الأشر.
كما يقال رجل " خَوِرُ وَخَورً ". ثم قال تعالى ﴿إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ﴾
7196
قال الله عز وجل ﴿ سيعلمون غدا من الكذاب الآشر ﴾.
أهم أم هو، بل هو الكذابون الأشرون، وهذا ١ تهدد ووعيد من الله لهم ولمن فعل فعلهم.
وقرأ أبو قلابة ٢ ٣ ﴿ الكذاب الأشر ﴾ بالتشديد وفتح ٤ الشين ٥ ولا يجوز مثل هذا في الأولى لأنه لا يقال منه أفعل ٦، وإنما جاز في الثاني ٧ لأنه من قولهم : زيد الأشر ( ومنذر لشر ) ٨ كما يقال :( الأخير والخورى }. وقرأ ٩ ابن جبير ومجاهد : " من الكذاب الأشر " بضم الشين والتخفيف، وهي لغة في الأشر ١٠.
كما يقال رجل " خور وخور " ١١.
١ ح: "وهو"..
٢ ح: "ابن قلابة" وهو تحريف..
٣ هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب النجاري الأنصاري: صحابي، من أهل المدينة، كان شجاعا، شهد بدرا، وقتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة له ٤٨ حديثا، قتل في وقعة الحرة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الوضوء وغيره، وروى عنه سعيد بن المسيب ويحيى بن عمارة، انظر: الاستيعاب ٣/٩١٣، وأسد الغابة ٣/١٤٦، وتهذيب التهذيب ٥/٢٢٣..
٤ ع: "وبفتح"..
٥ انظر: العمدة ٢٩٠ وتفسير القرطبي ١٧/١٣٩ والبحر المحيط ٨/١٨٠ والمحتسب ٢/٢٩٩..
٦ ح: "أفعال"..
٧ ح: "التاء" وهو تحريف..
٨ ح: "وهذا الشراء" وهو تحريف..
٩ ح: "وقال"..
١٠ انظر: معاني الفراء ٣/١٠٨، وتفسير القرطبي ١٧/١٤٠، والمحتسب لابن جني ٢/٢٩٩..
١١ ع: "حدر وحدر" وهو تحريف. والخور: بالتحريك: الضعف، وخار الرجل يخور خؤورا وخور خورا وخور: ضعف وانكسر ورجل خوار: ضعيف، انظر: الصحاح ٢/٦٥١، و اللسان ١/٩١٧..
ثم قال تعالى ﴿ إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ﴾ [ ٢٧ ] أي : باعثوا الناقة التي سألها ثمود صالحا آية لهم وحجة ( من الله )١ لصالح ابتلاء لهم واختبارا هل يؤمنون به أو يكذبونه.
ثم قال ﴿ فارتقبهم واصطبر ﴾. هذا أمر من الله لصالح، أي : فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون بالناقة٢، واصبر على ارتقابهم ولا تعجل.
١ ساقط من ع..
٢ ع: "فالناقة" وهو تصحيف..
وكان ابتلاؤهم في ذلك أن الناقة خرجت لهم من صخرة صماء فآمن بعضهم، وكانت عظيمة كثيرة الأكل/. فشكوا ذلك إلى صالح وقالوا قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء، فقال ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء، ترد يوما وتردون يوما، فكانت هذه الفتنة، وهو قوله :﴿ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ﴾ [ ٢٨ ] أي : وخبر ( قومك١ يا صالح ) أن الماء يوم لهم يشربون ويتزودون، ويوم للناقة ترد فيه. وقيل المعنى أن الماء يوم غب الناقة قسمة بينهم يشربون ويتزودون٢. ثم قال ﴿ كل شرب محتضر ﴾ أي : كل حظ من الماء يحضره من هو له.
وقيل المعنى : كل من له الماء يوما يحضره، وتحضره٣ الناقة يوما. وقال مجاهد : يحضرون يومهم، ويحضرون اللبن يوم الناقة٤.
١ ع: "يا صالح قومك"..
٢ ح: بزيادة "يوم الناقة" والمعنى غير مستقيم بها. وانظر: البحر المحيط ٨/١٨١..
٣ ع: "وتحضر"..
٤ انظر: تفسير مجاهد ٦٣٥، وجامع البيان ٢٧/٦٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٤١، وابن كثير ٤/٢٦٦، و الدر المنثور ٧/٦٧٩..
أي: باعثوا الناقة التي سألها ثمود صالحاً آية لهم وحجة (من الله) لصالح ابتلاء لهم واختباراً هل يؤمنون به أو يكذبونه.
ثم قال ﴿فارتقبهم واصطبر﴾. هذا أمر من الله لصالح، أي: فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون بالناقة، واصبر على ارتقابهم ولا تعجل.
وكان ابتلاؤهم في ذلك أن الناقة خرجت لهم من صخرة صماء فآمن بعضهم، وكانت عظيمة كثيرة الأكل /. فشكوا ذلك إلى صالح وقالوا قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء، فقال ذورها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء، ترد الماء يوماً وتردون يوماً، فكانت هذه الفتنة، وهو قوله: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ أي: وخبر (قومك يا صالح) أن الماء يوم لهم يشربون ويتزودون، ويوم للناقة ترد فيه. وقيل المعنى أن الماء يوم غِبّ الناقة قسمة بينهم يشربون ويتزودون. ثم قال: ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ أي: كل حظ من الماء يحضره من هو له.
وقيل المعنى: كل من له الماء يوماً يحضره، وتحضره الناقة يوماً. وقال مجاهد: يحضرون يومهم، ويحضرون اللبن يوم الناقة.
[أيٍ] فنادت ثمود صاحبهم قَدَاراً
عاقر الناقة لعقرها فحضوه على ذلك فتناول الناقة فعقرها.
قال ابن عباس تناولها بيده، ويقال إنه كان ولد زينة، وهو من التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وهم الذين قالوا، لصالح ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: ٤٩]. فمعنى فتعاطى: أي: فتناول الفعل ففعل فقتلها، وهو من قولهم: عطوت: إذا تناولت. كما قال أمرؤ القيس:
أَلاَ لَمْ يَبْقَ إِلاّ الخِلْجَانَ نَفْسُه يَالَك من يوم دَهَاني أَمْسُه.
بِثَابِتِ الوَطء شديدٍ أَمْسُه لو لم يجِئني جِئته أَجُسه.
(وَتَعْطوُ بَرخص غير شَتْنٍ كأنه أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أو مَسَاوِيكُ إِسْحَل).
وفي الحديث: " أن عاقر الناقة كان عزيراً (منيعا كأنه رفعة) / "
قال ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ هذا الخطاب لقريش [أي] فكيف كان
7198
عذابي إياهم وإنذاري لهم.
وقيل معناه: وإنذاري لكم أَنّا أرسلنا عليهم صيحة واحدة، وقد تقدم خبر عذابهم كيف كان.
وقوله ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ أي: فكان قوم صالح لما أخذتهم الصيحة صاروا رفاتاً كهيئة الشجر المحتظر بعد (نعمته وغضارته). وقيل معناه: فصاروا كالعظام المحترقة، قاله ابن عباس.
وقيل صاروا كالتراب المتناثر من الحائط في يوم ريح: قاله ابن جبير.
وقال ابن زيد صاروا كهشيم حظيرة الراعي التي تتخذ الغم فتيبس فتصير هشيماً.
وقال مجاهد: صاروا كهشيم الخيمة وهو ما تكسر من (خشبها).
وقال سفيان (هو ما يتناثر من الحصير إذا ضربتها بالعصا.
7199
وحقيقة الهشيم أنه فعيل بمعنى مفعول أي: مهشوم وهو ما يبس وتحات من ورق الشجر، والمحتظر بكسر الظاء: الذي يحتظر على الهشيم، أي: يحوزه ليجمعه ويحظر عليه ليمنع من أخذه، فهو محتظر بكسر الظاء، والهشيم محتظر بفتح الظاء وصف له.
أي: كذبت جماعة قوم لوط بما أنذرهم به لوط من الإيمان والوعد والوعيد.
قال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً﴾ أي: حجارة من السماء وقد تقدم ذكره في غير موضع.
﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ﴾ يعني بناته ﴿نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾.
قال ﴿نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ نصب " نعمة " على أنها مفعول لها، ولذلك لا يتم الوقف على " سحر " أي: أنجيناهم من العذاب للنعمة من الله عليهم.
ثم قال ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾ أي: كما أنجينا آل لوط من العذاب، كذلك نجزي
من شكر الله سبحانه، وآمن بإنذاره واتبع أمره وانتهى عن نهيه.
أي: حذرهم لوط قبل حلول العذاب لهم نقمة الله تعالى لهم، فشكوا فيما توعدهم به وأنذرهم إياه.
قال: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ﴾ أي: راود قوم لوط لوطاً في أضيافه ليفعلوا بهم ما كانوا يفعلون بمن دخل قريتهم من الذكور.
﴿فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ﴾ أي: طمس على أعينهم، أي: غطينا عليها.
وروي أن جبريل عليه السلام استأذن ربه تعالى في عقوبتهم ليلة أتوا لوطاً وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه فصفقهم بجناحه فتركهم عمياً لا يرون يترددون.
قال ابن زيد: هؤلاء قوم لوط حين أرادوا من ضيفه طمس الله أعينهم. وقد كان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون فقالوا له إنه لا نترك عملنا فإياك أن تنزل أحداً أو تضيفه أو تدعه ينزل عندك فإنا لا نتركه، قال فلما جاءه المرسلون خرجت امرأته الشقية فأتتهم فدعتهم وقالت لهم تعالوا فأنه قد جاء قوم لم
أر قوماً أحسن ثياباً ولا أطيب أرواحاً منهم، قال فجاءوه يهرعون إليه فقال: " إِنّ هَؤلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَأُتّقَواَ اُّللهَ / وَلاَ تُخزُوُنِ فِي ضَيْفِي قالَوُاْ أَوَ لَمْ تَنْهَكَ عَنِ اُلْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِيَ هنّ أَطُهَرُ لَكُمْ " فقال له جبريل ما يهولك من هؤلاء، قال أما ترى ما يريدون، قال إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك، قال فنشر جبريل عليه السلام جناحاً من أجنحته فاختلس به أبصارهم، وطمس أعينهم، فجعلوا يجول بعضهم في بعض.
وكذلك ذكر مجاهد مثل معنى هذا.
ثم قال ﴿فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي: ذوقوا عذابي الذي حل بكم، وعاقبة إنذاري لكم، وقيل إنه من قول الملائكة لهم أي: قالت الملائكة لهم فذوقوا عذاب الله، وعاقبة ما أنذركم به.
أي: ولقد صبحهم قوم لوط عند طلوع الفجر عذاب ثابت إلى يوم القيامة، وهو أن قلبت عليهم المدينة، وأرسلت الحجارة عليهم وعلى من غاب من المدينة وحلوا في عذاب إلى يوم القيامة. قال قتادة: استقر بهم العذاب إلى نار جهنم. /
قد تقدم تفسير كل هذا.
ثم قال (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) [٤١] أي: جاء أتباع فرعون إنذارنا بالعقوبة لكفرهم بالله ورسوله.
(كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [٤٢] أي: كذبوا بكل ما جاءهم به موسى ﷺ فأخذهم الله بالعذاب أخذ منيع قادر على ما يريد، فأغرقهم أجمعين.
ثم قال ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾ أي: أكفاركم يا قريش، (أي الذين إن يروا آية) يعرضوا ويقولوا سحر مستمر، خير من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، وأخذهم العذاب لكفرهم، فيقولوا إنا ننجوا لشرفنا، بل ليس هم بخير منهم، فإذا كانوا قد هلكوا بكفرهم فما يؤمنك أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب [وهذا] لفظ استفهام معناه التوقيف. حكى سيبويه: الشقاء أحب إليك أم السعادة.
قال ابن عباس معناه ليس كفاركم خيراً من وقوم نوح وقوم لوط.
ثم قال ﴿أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر﴾ [أي] أم لكم كتاب فيه براءة لكم من العذاب في كتاب الله تعالى. ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ أي: أم يقول كفار
﴿ أم يقولون نحن جميع منتصر ﴾ [ ٤٤ ] أي : أم يقول كفار قريش نحن جماعة ينصر بعضنا بعضا١ على ما نريده.
١ ح: "على بعض"..
قريش نحن جماعة ينصر بعضنا بعضاً على ما نريده.
فصدق الله تعالى رسوله ﷺ وعده، وهزم المشركين يوم بدر وولوا هاربين.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ لما نزلت ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ جعلت أقول أي: جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر. وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر هزموا فيه وولوا الدبر.
(قالت عائشة رضي الله عنها لقد نزل على محمد ﷺ بمكة وإني لجارية أَلْعَب. ﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ الآية أي: يوم القيامة موعدهم للعذاب بل ذلك الوقت أدهى وأمر من الهزيمة التي كانت عليهم في الدنيا وتوليتهم الدبر.
وأدهى من الداهية والداهية (الأمر العظيم) الذي لا ينفع فيه دواء. وَأَمْرُ من المَرَارة.
أي: في حيرة وتجاوز عن الحق. ﴿وَسُعُرٍ﴾ أي: واحتراق من شدة العناد، والنصب في الباطل وقيل وسعر: وعناد.
روى أنس عن النبي ﷺ أنه: " قال: هم القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني ".
وقيل القول هنا محذوف. والمعنى يقال لهم: ذوقوا مس سقر. ومعنى يسحبون: أي: يجرون إلى النار. وفي قراءة ابن مسعود " إِلَى اُلنّاِر " على التفسير، " وسَقَى " إسم من أسماء أبواب جهنم أعاذنا الله منها.
وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه، قال: ولم ذلك لأن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء وقلمه ذهب وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ستين وثلاث مائة نظرة يخلق في كل نظرة، ويحيي ويميت ويقدر ويدبر،
7205
ويفعل ما يشاء.
وقوله ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ هو على المجاز، كما يقال وجدت مس الحمى، وذاق طعم الموت.
وقوله ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ أي: بمقدار قدرناه وقضيناه وفي هذا بيان بالتوعد للقائلين بالقدر.
وقال ابن عباس: إني لأجد في القرآن قوما يسحبون في النار وعلى وجوههم، يقال لهم ذوقوا مس سقر لأنهم كانوا يكذبون بالقدر وإني لأراهم فما أدري أشيء [كان] قبلنا أم شيء فيما بقي.
وقال أبو هريرة خاصمت مشركو قريش النبي ﷺ في القدر، فأنزل الله تعالى ﴿إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ إلى قوله ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.
(وقال أبو عبد الرحمان السلمي لما نزلت هذه الآية: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)، قال رجل يا رسول الله ففيم العمل، أفي شيء نستأنفه، أم في شيء قد فرغ
7206
وقوله ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ أي : بمقدار قدرناه وقضيناه وفي هذا بيان بالتوعد١ للقائلين بالقدر.
وقال ابن عباس : إني لأجد في القرآن قوما يسحبون في النار وعلى وجوههم، يقال لهم ذوقوا مس سقر لأنهم كانوا يكذبون بالقدر٢ وإني لأراهم فما أدري أشيء [ كان ]٣ قبلنا أم شيء فيما بقي٤.
وقال أبو هريرة خاصمت مشركو قريش النبي صلى الله عليه وسلم في القدر، فأنزل الله تعالى ﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾ إلى قوله ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾٥.
( وقال أبو عبد الرحمان السلمي لما نزلت هذه الآية : إنا كل شيء خلقناه٦ بقدر )، قال رجل يا رسول الله ففيم٧ العمل، أفي شيء نستأنفه، أم في شيء قد٨ فرغ منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( فكل ميسر لما خلق له فسنيسره لليسرى وسنيسره٩ للعسرى١٠ ). وقال محمد بن كعب القرطبي/ لما تكلم الناس في القدر نظرت وإذا هو في هذه الآية أنزلت فيهم :﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾ إلى ﴿ خلقه بقدر ﴾١١. قال أبو محمد وقد أملانا الكلام على إعراب هذه الآية، والاستدلال منها على الله خلق كل شيء، وأنه لفظ عام لا خصوص فيه في غير هذا الكلام.
١ ع : "للتوعد"..
٢ ح: "بالقرآن"..
٣ ساقط من ح..
٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٦٥، والدر المنثور ٧/٦٨٥..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٦٥، والدر المنثور ٧/٦٨٢، ولباب النقول ٢٠٨..
٦ ساقط من ع..
٧ ح: "فيم"..
٨ ساقط من ح..
٩ ع: "أي فسنيسره للعسرى"..
١٠ أخرجه مسلم – كتاب القدر – باب: تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء ١٦/٢٠٤ ومسند الإمام أحمد ٤/٢٧. والترمذي – أبواب: القدر – ما جاء في الشقاء والسعادة ٣/٣٠١ (رقم ٢٢١٩). والطبراني في المعجم الكبير – مسند أبي بكر ١/١٧ (رقم ٤٧). وذكره ابن جرير في جامع البيان ٢٧/٦٥ والواحدي في أسباب النزول ٢٩٩ والسيوطي في الدر المنثور ٧/٦٨٦..
١١ انظر: جامع البيان ٢٧٤/٦٥..
منه فقال النبي ﷺ: أعملوا (فكل مُيَسّرً لما خُلق له فسينسره لليسرى وسنيسره للعسرى). وقال محمد بن كعب القرطبي / لما تكلم الناس في القدر نظرت وإذا هو في هذه الآية أنزلت فيهم: ﴿إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ إلى ﴿خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾. قال أبو محمد وقد أملانا الكلام على إعراب هذه الآية، والاستدلال منها على أن الله خلق كل شيء، وأنه لفظ عام لا خصوص فيه في غير هذا الكلام.
[أي وما أمرنا للشيء إذا أمرنا به وأردنا تكوينه إلا قولة واحدة كن فيكون كلمح البصر] من السرعة لا يتأخر ولا مراجعة فيها.
هذا خطاب لمشركي قريش الذين كذبوا محمداً ﷺ، أي: ولقد أهلكنا نظراءهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلها كما كذبتم رسولكم، فما يؤمنك أن تهلكوا كما هلك من كان قبلكم، فهل من متعظ يتعظ فيزدجر عن كفره.
ثم قال ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر﴾ أي: وكل شيء فعله أشياعكم من
﴿ وكل صغير وكبير مستطر ﴾ [ ٥٣ ] أي : وكل١ صغير من الأعمال أو كبير مثبت في الكتاب مكتوب في أسطر٢.
١ ع: "كل"..
٢ ع: "السطر" وانظر: تفسير الغريب ٤٣٤..
الأمم الماضية فهو في الكتب كتبته عليهم الحفظة، وكذلك فعلت بكم.
وقيل الزبر هنا أم الكتاب، هو في أم الكتاب من قبل أن يخلقوا. ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ أي: وكل صغير من الأعمال أو كبير مثبت في الكتاب مكتوب في أسطر.
قال تعالى ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أي: إن الذين اتقوا عقاب الله وآمنوا برسله، وبما جاءتهم به الرسل، في بساتين يوم القيامة.
والنهر ونَهر بمعنى أَنْهَار كما قال: " فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقد شَجينا " وقيل نهر معناه وضياء وسعة، يقال أنهرته إذا وسعته. وقرأ الأعمش ونهر بالضم جعله جمع " نهار " كقَذَالِ وقُذَالَ.
7208
وروي أنه ليس في الجنة ليل إنما هو نور كله، إنما يعرفون الليل بإغلاق الأبواب وإرخاء الستور، [والنهار بفتح الأبواب ورفع الستور]. ثم قال ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ أي: في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم. ﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ أي: عند ذي ملك يقدر على ما يشاء لا إله إلا هو.
7209
Icon