تفسير سورة القمر

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة القمر من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين، نصف على أبي قبيس، ونصف على قعيقعان، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن فعلت ذلك تؤمنون؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر (١)، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربه أن يعطيه ما قالوا فانشق القمر فرقتين، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينادي المشركين يا فلان يا فلان اشهدوا (٢)، ونحن على هذا، قاله عامة المفسرين، إلا ما روى عثمان بن عطاء (٣) عن أبيه أنه قال: معناه وسينشق القمر (٤)، وهو محجوج بإجماع المفسرين على خلافه، وبالأخبار المتظاهرة في انشقاق القمر، فقد روى جبير بن مطعم، وأنس، وابن عباس، وحذيفة، وابن مسعود، وهؤلاء الخمسة (٥) رووا أن القمر انشق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال
(١) مراد المؤلف (بليلة بدر) أن القمر انشق ليلة أربع عشرة كما ورد في بعض الروايات.
(٢) أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس بلفظ أقرب من هذا. انظر: "الدر" ٦/ ١٣٣.
(٣) في (ك): (عطية) والصواب ما أثبته. وهو عثمان بن عطاء بن أبي مسلم. أبو مسعود المقدسي، ضعيف، مات سنة (١٥٥ هـ). انظر: "تقريب التهذيب" ٢/ ١٢.
(٤) انظر: "الكشف والبيان"، ١٢/ ٢١ ب، و"الوسيط" ٤/ ٢٧.
(٥) قال ابن كثير رحمه الله قد كان هذا زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ورد ذلك في الأحاديث =
عبد الله: فرأيت الجبل بين فلقتيه، إحداهما خلف الجبل، والأخرى فوقه (١).
ولأن قوله ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ يدل على أن هذا قد مضى وتقدم، وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة، قال أبو إسحاق منكرًا لقول عطاء: زعم قوم عَندوا عَنِ القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ، وإجماع (٢) أهل العلم؛ لأن قوله:
٢ - ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ فكيف يكون هذا في القيامة (٣). قال المفسرون: لما انشق القمر قال المشركون: سحرنا محمد، فقال الله تعالى ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً﴾ (٤) يعني انشقاق القمر ﴿يُعْرِضُواْ﴾، أي: عن التصديق والإيمان بها.
﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ فيه قولان:
أحدهما: ذاهب، وهو قول أنس، ومجاهد، ومقاتل، والكلبي،
= المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. "تفسير القرآن العظيم" ٥/ ٢٦١، وانظر: "فتح القدير" ٥/ ١٢، و"روح المعاني" ٢٧/ ٧٤ - ٧٥.
(١) انظر: "صحيح البخاري"، كتاب: التفسير، سورة القمر، باب: وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ٦/ ١٧٨، "صحيح مسلم"، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: انشقاق القمر، و"مسند الإمام أحمد" ١/ ٣٧٧، و"المستدرك"، كتاب: التفسير، سورة القمر، و"سنن الترمذي"، كتاب: "التفسير" ٥/ ٣٧ (٣٢٨٥).
(٢) في (ك): (والإجماع) والصواب ما أثبته.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨١
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٨، و"فتح القدير" ٥/ ١٢.
وقتادة، واختيار الفراء والزجاج (١)، وأصله من قوله: مر الشيء على وجهه واستمر، أي: ذهب.
القول الثاني: أن معنى المستمر: القوي الشديد، وهو معنى قول ابن عباس: يريد يعلو كل سحر، وهو قول أبي العالية، والضحاك، ورواية شيبان، عن قتادة، قالوا: محكم شديد غالمب قوي (٢)، واختاره أبو عبيدة، والمبرد وابن قتيبة، فقال أبو عبيدة: (مستمر) شديد (٣)، وقال المبرد: هو من قولك: ذو مرة أي: قوة، ومنه أمررت الحبل إذا شددت فتله، واستمر فلان على كذا إذا قوي واستحكم معرفته، قال: ومر فلان، هو من هذا، لأن معناه على الحقيقة بَعُد ولم يرتدع، كقولك: مر السهم (٤)، ونحو هذا ذكر ابن قتيبة (٥)، وقول الربيع بن أنس، ويمان بن رباب: نافذ ماضٍ (٦) يعود إلى هذا؛ لأن نفوذه ومضاءه من قوته.
٣ - ثم ذكر تكذيبهم فقال ﴿وَكَذَّبُوا﴾ قال ابن عباس: كذبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وما عاينوا من عظمة الله وقدرته.
﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ قال: ما زين لهم الشيطان من الباطل الذي هم
(١) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٣٥، و"تفسير مقاتل" ١٣٢ ب، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٧، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٤، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٢.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٢ ب، ٢٣ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٢٧.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٩٥، و"اللسان" ٣/ ٤٦٦ (مرر) ولم أجده منسوبًا للمبرد.
(٥) انظر: "تفسير غريب القرآن" ٤٣١.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٩٦، ولم ينسبه لقائل، و"الجامع لآحكام القرآن" ١٧/ ١٢٧.
عليه (١)، وقال الكلبي: يعني عبادة الأوثان (٢).
﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ قال الكلبي: لكل أمر حقيقة، ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف (٣). ومعنى هذا ما ذكره مقاتل قال: هذا وعيد لهم. يقول: لكل حديث منتهى، يعني العذاب بعضه يقع بهم ببدر، وبعضه في الآخرة (٤). وعلى هذا معنى الآية: وكل أمر مما قضاه الله من العذاب يستقر بهم في الوقت الذي قضاه، وقال قتادة: ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ فالخير (٥) يستقر قرار تكذيبهم، وقرار قول المصدقين حتى يعفروا حقيقته بالثواب والعقاب.
٤ - وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ﴾ يعني أهل مكة ﴿مِنَ الْأَنْبَاءِ﴾ أي: من أخبار الأمم المكذبة في القرآن ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ يقال: زجرته وأزدجرته وهو كالنهي عن السوء للإنسان، ومنه قوله (وازدجر) وقد يوضع الازدجار موضع الازجار فيكون لازمًا، والدال في ازدجر مقلوب عن التاء وذلك أن الدال أقرب إلى الزاي من التاء لأنهما مجهوران والتاء مهموس.
قال أبو الفتح الموصلي: فالافتعال إذا كان زايًا قلبت التاء دالًا نحو ازْدَجَرَ، وازْدهى، وازدار، وازدان، وازدلف، ونحو ذلك، وأصل هذا كله التاء ولكن الزاي لما كانت مجهورة، وكانت التاء مهموسة، وكانت
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٨.
(٢) لم أجده.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٨، و"فتح القدير" ٥/ ١٢١.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب.
(٥) كذا في (ك) وفيه سقط، وصوابه: أي بأهل الخير الخير وبأهل الشر الشر. وقال الفراء: يقول فالخير. انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٤، جامع البيان ٢٧/ ٥٢، و"الوسيط" ٤/ ٢٧.
الدال (١) أخت التاء في المخرج وأخت الزاي في الجهر قربوا بعض الصوت من بعض فأبدلوا من التاء أشبه الحروف من موضعها بالزاي وهي الدال فقالوا: ازدجر (٢).
والمزدَجَر هاهنا بمعنى الازدجار الواقع في المعنى ما فيه ازدجار لهم ووعظ ونهي، وليس بمعنى الانزجار، لأنه لو كان لهم فيه انزجار لكانوا قد انزجروا واتعظوا.
قال مقاتل: يعني موعظة لهم وهو النهي عن المعاصي (٣)، وقال السدي: ما فيه عظة (٤).
وجماعة من أهل التفسير والمعاني حملوا المزدجر هاهنا على المطاوع لأنهم قالوا في تفسيره منتهي ومتناهي ومتعظ، وهو قول الكلبي، ومجاهد، والفراء، والزجاج (٥)، وعلى هذا لابد من تقدير محذوف كأنه قيل ما فيه انزجار لهم لو انزجروا، ومنتهى لو انتهوا.
٥ - ثم قال: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ قال مقاتل، والكلبي: يعني القرآن (٦).
قال أبو إسحاق: رفعت حكمة بدلاً من (ما) في قوله ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾، المعنى: ولقد جاءهم حكمة بالغة، وإن شئت رفعت بإضمار
(١) في (ك): (الدال).
(٢) انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٣) انظر: تفسير مقاتل ١٣٢ ب.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٩.
(٥) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٣٦، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٤، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٥.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٤، "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب.
هو ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ (١)، أي تامة قد بلغت الغاية في كل ما توصف به.
قوله ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ ذكر الفراء، والزجاج أن (ما) يجوز أن تكون نفيًا على معنى، فليست تغني النذر، ويجوز أن يكون استفهامًا بمعنى التوبيخ ويكون المعنى فأي شيء تغني النذر إذا لم تؤمنوا (٢)، وهذا كقول ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١] فإن قدرت ما استفهاما كان في موضع النصب بتغني.
٦ - ثم أمره بالإعراض عنهم فقال ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ وهذا مما نسخ (٣)، وهاهنا وقف التمام (٤).
قوله: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ قال الزجاج: يوم منصوب بقوله ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ آلأجْدَاثِ﴾ (٥) وقال المبرد: (يوم) ظرف لقوله ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ (٦) قال مقاتل: هو إسرافيل ينفخ قائمًا على صخرة بيت المقدس (٧) ﴿إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾ قال إلى أمر فظيع.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد يوم القيامة ﴿إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٥.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٥.
(٣) انظر: "الكشف والبيان"، ١٢/ ٢٣ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٩، و"فتح القدير" ٥/ ١٢١. قال مكي: وليس في سورة القمر، وسورة الرحمن، والواقعة شيء، وكذلك الحديد الإيضاح: ٤٢٤، وقال ابن الجوزي: وقد زعم قوم أن هذا التولي منسوخ بآية السيف، وقد تكلمنا على نظائره وبينا أنه ليس بمنسوخ. "نواسخ القرآن": ٢٣٤.
(٤) اننطر: "المكتفى": ٥٤٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٦، و"زاد المسير" ٨/ ٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٦.
(٦) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٢٩، و"البحرالمحيط" ٨/ ١٧٤.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب.
شدة العذاب وفظاعته (١).
وقال الكلبي: يعني حين يدعى أهل النار إلى النار (٢).
و (نكر) معناه منكر، وهو الذي تأباه النفس من جهة نفور الطبع، وذلك أنهم لم يروا مثله قط فينكرونه استعظامًا له، وهو صفة على فُعُل، مثل: جُنب، وجُزر، وأُحد، ويجوز فيه التخفيف (٣)، وإنما وصف بأنه نكر لغلظه على النفس.
٧ - قوله تعالى ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُم﴾ وقرئ خاشعًا (٤)، قال الفراء والزجاج: يجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد نحو (خاشعًا أبصارهم) والتأنيث نحو ﴿خَشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ وهو قراءة عبد الله، والجمع نحو ﴿خُشَّعًا أَبْصَرُهُمْ﴾، ويقول: مررت بشباب حسن أوجههم، وحسان أوجههم، وحسنة أوجههم، وأنشدا:
وشباب حسن أوجههم... من إياد بن نزار بن معد (٥)
(١) في (ك): (فظاطته) ولم أجد الرواية عن ابن عباس، ولعل وضوح المعاني حال دون نسبة التفسير لقائل.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٤.
(٣) يشير المؤلف بقوله هذا إلى قراءة ابن كثير (نُكْر) بإسكان الكاف، والباقون بضمها انظر: "حجة القراءات" ص ٦٨٨، و"الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٤١، و"النشر" ٢/ ٣٨، و"الإتحاف" ص ٤٤.
(٤) قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف ﴿خَاشِعًا﴾ بفتح الخاء وألف بعدها وكسر الشين مخففة بالإفراد، وقرأ الباقون ﴿خُشَّعًا﴾ بضم الخاء وفتح الشين مشددة من غير ألف. انظر: "حجة القراءات" ص ٦٨٨، و"النشر" ٢/ ٣٨، و"الإتحاف" ص ٤٤.
(٥) البيت للحرث بن دوس الأنصاري، ويروى لأبي دؤاد الأنصاري. =
95
وأنشد الفراء:
يرمي الفجاج بها الركبان معترضًا أعناق بُزَّلها مُرْخَى لها الجُدُلُ
فلو قال معترضات أو معترضة ومرخاة أو مرخيات كان صوابا (١).
قال أبو إسحاق: و (خشعًا) منصوب على الحال، المعنى: يخرجون من الأجداث خشعًا أبصارهم (٢).
قال المفسرون: يعني ذليلة خاضعة أبصارهم عند معاينة العذاب (٣).
وقال أهل المعاني: وصفت الأبصار بالخشوع؛ لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تتبين في نظره (٤) كما قال عز ذكره: ﴿يَنُظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىِ﴾ [الشورى: ٤٥].
قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ اَلأَجْدَاثِ﴾ هو قال المفسرون: يريد القبول واحدها جدث، وبنو تميم (٥) تقول بالفاء جدف (٦).
= انظر: ديوان أبي دؤاد ص ٣٥، و"اللسان" (خشع)، و"البحر المحيط" ٨/ ١٧٥، و"المحرر" ١٥/ ٢٩٦، و"شرح الأبيات" للفارسي ص ٣٩٨.
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥، ١٦، و"جامع البيان" ٢٧/ ٥٣، و"البحر المحيط" ٨/ ١٧٥، والجدُل: جمع الجديل وهو الزمام. ولم أجد البيت منسوبًا لقائل.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٦.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٣.
(٤) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٢٩، و"فتح القدير" ٥/ ١٢٢.
(٥) بنو تميم: قبيلة عظيمة من العدنانية، تنتسب إلى تميم بن مرة، منازلهم بأرض نجد، تمتاز هذه القبيلة بتاريخها الحربي في الجاهلية والإسلام. انظر: "معجم قبائل العرب" ١/ ١٢٧، و"نهاية الأرب" ص ١٧٧.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٦٣٤، و"اللسان" ١/ ٤١٢ (جدث).
96
قوله تعالى ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ تفسير الجراد قد تقدم في سورة الأعراف (١).
قال مقاتل: فيكثرون من الكثرة كأنهم جراد حين انتشر من موضعه (٢).
وقال الكلبي: ينبث بعضهم في بعض (٣).
قال أهل المعاني: المعنى أنهم يخرجون فزعين لا يهتدون فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها، فشبههم في هذا الوقت بالجراد؛ لأن الجراد لا جهة لها فتكون أبدًا مختلفة بعضها في بعض (٤).
٨ - قوله تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ قال ابن عباس: مقبلين إلى الصوت، وقال مقاتل: مقبلين سراعًا إلى صوت إسرافيل (٥).
وذكر في تفسير مهطعين قولان: أحدهما: مسرعين. والآخر: ناظرين مديمي النظر (٦)، وقد ذكرنا ما فيه عند قوله ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٤٣].
قوله تعالى: ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ قال ابن عباس: يوم القيامة عسر على الكافرين، وعلى المؤمنين سهل يسير (٧).
قال مقاتل: يهون على المؤمنين الحشر، والكفار ينكبون على
(١) عند تفسيره الآية ١٣٣ من سورة الأعراف.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٥٩.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٨، و"البحر المحيط" ٨/ ١٧٦، و"روح المعاني" ٨/ ٢٧
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب، و"الكشف" ٢٣ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣، و"تهذيب اللغة" ١/ ١٣٤، و"اللسان" ٣/ ٨١١.
(٧) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢٨.
وجوههم فلا يقومون مقامًا إلا عسر عليهم (١)، ويقال: عَسِرَ يَعْسَر عُسْرًا فهو عَسيرٌ، وهذا كقوله ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ٩، ١٠].
٩ - قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ ظاهر إلى قوله (وازدجر) قال ابن عباس: وانتهر، وقال الكلبي: زجر عن مقالته، وقالوا: مستطار الفؤاد (٢). يعني أنهم اتهموه بالجنون وقالوا: إنه لا عقل له، وزجروه عن دعوته.
قال ابن زيد: توعدوه بالقتل (٣)، وقال الفراء: زجروه بالشتم (٤). وتفسير الازدجار قد مر قبيل.
والأفعال في هذه الآية مسندة إلى الفاعلين وبني ازدجر للمفعول لوفاق الفواصل، وإن كان للفاعلين الذين جرى ذكرهم.
قوله ﴿مُّنْهَمِرٍ﴾ يقال: همر الماء وانهمر فهو هامر منهمر إذا سأل وانصب، قال المفسرون: منصب انصبابًا شديدًا لم ينقطع أربعين يومًا (٥).
١٢ - قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ قال المفسرون: يعني ماء الأرض وماء السماء، قال الفراء: ولا يجوز التقى إلا للاثنين فما زاد، وإنما جاز في الماء لأنه يكون جمعًا وواحدًا (٦). يعني أنه اسم الجنس فهو يجمع ماء الأرض وماء السماء.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٢ ب.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦.
(٣) انظر: "حامع البيان" ٢٧/ ٥٤.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٦.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤ أ، ونسبه لابن عباس والقرطبي، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٦.
قوله تعالى ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ فيه قولان. قال الكلبي: على أمر قد مضى عليهم (١)، وهو قول محمد بن كعب قال: كان القدر قبل النبلاء (٢). وقال مقاتل: إن ماء السماء وماء الأرض قدرهما الله تعالى أن يكونا سواء فذلك قوله ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ (٣)، والقولان ذكرهما الفراء، والزجاج (٤).
١٣ - قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ يعني على سفينة ذات ألواح وهي خشباتها العريضة التي منها هيئت وجبت.
وقوله ﴿وَدُسُرٍ﴾ معنى الدَّسْر في اللغة: الدفع الشديد، يقال دَسَرَه بالرمح ودسر جاريته بهنها عند النكاح، ومنه قول ابن عباس في العنبر: إنما هي شيء دسره البحر (٥)، أي: دفعه.
وقال أبو إسحاق: الدُّسُر: المسامير والشروط (٦) التي تشد بها الألواح، وكل شيء كان نحو السَّمْرُ وإدخال شيء في شيء بقوة وشدة فهو الدُّسُر، يقال: دَسّرْت (٧) المسمار في الخشبة أدْسُرُه وأدسِرُه دَسْرًا، والدُّسُرُ واحدها دِسَار، نحو حِمَار وحُمُر (٨).
قال ابن عباس ومقاتل والكلبي وجماعة المفسرين: يعني المسامير
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٥.
(٢) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤ ب.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٧
(٥) انظر: "الكشف والبيان"، ١٢/ ٢٤ ب، و"تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٥٥، و"اللسان" ١/ ٩٧٦ (دسر).
(٦) الشروط: جمع شريطة وهي حبال يُربط بها.
(٧) في (ك): (جرست) والصواب ما أثبته.
(٨) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٧، ٨٨.
والشروط، وكل ما شدت به السفينة (١).
وذُكِر في الدسر قولان آخران.
أحدهما: أن الدسر هو دفعها الماء بكلكلها (٢)، حكاه أحمد بن يحيى، ورواه معمر عن الحسن، قال: تدسر الماء بصدرها (٣). والدسر على هذا يجب أن يكون مصدرًا.
والثاني: أن الدسر هو صدرها الذي ترفع به الماء وتدسر وهو جؤجؤها (٤). وهذا القول يروى عن شهر بن حوشب، ورواه عطيه عن ابن عباس (٥). والقول هو الأول (٦).
١٤ - قوله تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾. قال المفسرون وأهل المعاني: بمنظر ومرأى منا وحفظ. وهذا كقوله ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: ٣٧] وقد مر.
قوله تعالى: ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ قال مقاتل: يعني نوحا؛ لأنه المكفور به (٧).
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٥، و"تفسير مقاتل" ١٣٣ أ، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٦، و"جامع البيان" ٢٧/ ٥٥.
(٢) الكْلكْل: الصدر من كل شيء، وقيل: هو ما بين التَّرْقُوَتَيْن، وقيل: هو باطن الزَّرْرِ. "اللسان" ٣/ ٢٩ (كلل).
(٣) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٨، و"تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٥٥ (دسر).
(٤) الجؤجؤ: عظام الصدر وجمعه الجآجئ، وجُؤْجُؤ السفينة والطائر: صدرهما. اللسان (جأجأ).
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦.
(٦) قال ابن كثير: قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والقرظى، وقتادة، وابن زيد:
هي المسامير، واختاره ابن جرير "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٦٤.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ.
قال الفراء: يقول فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم لما صنع بنوح، قال: وفي (لمن) معنى ما، ألا ترى أنك تقول: غرقوا لنوح ولما صنع بنوح (١)، هذا كلامه، والمعنى: فعلنا ذلك ثوابًا لمن كفر به وجحد أمره، وهو نوح -عليه السلام-.
١٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً﴾ ذكر في الضمير في (تركناها) قولان:
أحدهما: أنها للسفينة المذكورة في قوله ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾؛ لأن المراد بها السفينة، وهو قول قتادة، قال: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركتها أوائل هذه الأمة. (٢)
الثاني: قال أبو إسحاق: المعنى تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة نوح آية، أي علامة ليعتبر بها (٣)، يدل على صحة هذا المعنى قوله ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١١، ١٢]، والتذكير يكون بالحمل في الجارية، والمعنى: لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا.
قوله تعالى ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ قال مقاتل: فهل من متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف. (٤)
قال أبو إسحاق: وأصله مُذْتَكِر، ولكن التاء أبدل منها الدال، والذال من موضع التاء، وهي أشبه بالدال من التاء، وأدغمت الذال في الدال (٥). هذا كلامه، وإنما فُعل ذلك؛ لأن التاء مهموس، والدال مجهور، وهي من
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧.
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٨.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٨، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ١٨٧، ١٨٨.
مخرج التاء، والدال أيضًا مجهور، والمجهور بالمجهور أشبه، فصار كما ذكرنا في (مزدجر).
قال أبو علي الفارسي: وقالوا الذكر بالذال، حكاه سيبويه، وكط ك روي بيت ابن مقبل: من بعض ما يعتري قلبي من الذَّكر. (١)
وذلك لما كثر تصرف الكلمة بالدال نحو ادَّكر، وهل من مدكر أشبهت تقوى وتقية وتقاة.
١٦ - قوله تعالى ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ كيف استفهام عن تلك الحالية، ومعناه التعظيم لذلك العذاب. والتعجب منه للسامعين.
قوله تعالى: ﴿وَنُذُر﴾ النذر اسم من الإنذار يقوم مقام المصدر، قال الفراء: النذر هاهنا مصدر معناه: فكيف كان إنذاري (٢).
وقال أبو علي: النذر والنذير مثل المنكر والنكير وهي جميعاً مصدران، ومنه قوله ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ (٣) [المرسلات: ٦] ونذكر الكلام هناك إن شاء الله، والمعنى: كيف كان إنذاري إياهم، إذ دعاهم نوح إلى الإيمان فلم يؤمنوا، وفي هذا تخويف للمشركين.
١٧ - قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ اختلفوا في هذا على قولين:
أحدهما: أن المراد بالذكر هاهنا الحفظ والقراءة، وهو قول سعيد بن جُبير، وليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن (٤).
(١) انظر: "الكتاب " ٤/ ٤٢١، و"ديوان ابن مقبل" ص ٨١، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ١٨٨، و"الخصائص" ١/ ٣١٥، و"المنصف" ٣/ ١٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧.
(٣) انظر: "الحجة" ٦/ ٣٦٣، و"البسيط" ١١٦ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٤.
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٥ أ، و"الوسيط" ٤/ ٢٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦١، و"زاد المسير" ٨/ ٩٤.
وقال مقاتل: لولا أن الله يسر القرآن ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله، ولكن الله يسره على خلقه (١).
وقال الزجاج: قيل: إن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل إنما يتلوها أهلها نظرًا، ولا يكادون يحفظون كتبهم من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن (٢).
وعلى هذا القول معنى قوله ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي هل من ذاكر يذكره، وقارئ يقرأه، ومعناه الحث على قراءة القرآن ودرسه وتعلمه وتفهم معانيه، وهذا معنى قول مطر الوراق: هل من طالب علم فيعان عليه (٣).
القول الثاني: أن معنى الذكر هاهنا الاعتبار والتفكر، قال مقاتل: يعني ليتذكروا ما فيه (٤)، والمعنى: هونّاه بأن جعلنا ألفاظه سهلة مفهومة لا صعبة متعقدة كما قال ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥]، وبينا فيه المواعظ والمزاجر، فهذا معنى ﴿يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾.
وقوله ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي من متعظ معتبر خائف، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: يريد سهلنا القرآن لكل متعظ (٥).
١٩ - قوله تعالى ﴿رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ ذكرنا تفسيره في قوله ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦]. قال ابن عباس:
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ، ورواه البيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٨، عن ابن عباس بسند ضعيف.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٨.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٧، و"الكشف والبيان"، ١٢/ ٢٥ أ، و"الدر" ٦/ ١٣٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ.
(٥) لم أجد هذا القول منسوبًا. وانظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٥ أ.
103
كانوا يتشاءمون بذلك اليوم (١).
وقال الكلبي: كان شؤم ذلك اليوم عليهم (٢).
قال أبو إسحق: قيل في يوم أربعاء في آخر الشهر لا يدور (٣)، ومعنى مستمر دائم الشؤم.
قال الفراء: استمر عليهم بنحوسته (٤)، وتفسير المستمر قد مر في هذه السورة (٥).
ومعنى ﴿نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ قوي يأتي عليهم فيهلكهم حتى لا يبقى منهم أحداً.
وروي عن قتادة أنه قال: استمر بهم إلى نار جهنم (٦)، وفي هذا نحتاج إلى تقدير محذوف.
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٥.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٧.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٨٩، قال الألوسي: على معنى أن ابتداء إرسال الرياح كان فيه فلا ينافي آيتي فصلت، والحاقة. "روح المعاني" ٢٧/ ٨٥.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٨ قال ابن كثير: ومن قال إن اليوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا اللهم فقد أخطأ وخالف القرآن، فإنه قال في الآية الأخرى ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشؤومة. وهذا لا يقوله أحد، وإنما المراد في أيام نحسات أي عليهم. انظر: البداية والنهاية ١/ ١٢٨.
(٥) ذكر المؤلف معنين لقوله تعالى ﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾، أحدهما: ذاهب، والآخر: قوي شديد، وهذا المعنى يفسر به الاستمرار هنا دون الأول، والله أعلم.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٦٤، و"روح المعاني" ٢٧/ ٨٣ - ٨٤، وفيه زيادة بيان وإيضاخ.
104
٢٠ - قوله تعالى ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ أي تقلعهم، قال ابن عباس: اقتلعتهم الريح من تحت أقدامهم (١)، وقال السدي: تنزع الناس من البيوت (٢).
وروي عن النبي -صلي الله عليه وسلم - أنه قال: "انتزعت الريح الناس من قبورهم" (٣).
قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ على تقدير فتتركهم كأنهم أعجاز نخل، وذلك أنهم إنما أشبهوا أعجاز النخل عند سقوطهم لا عند نزعهم، وقال الزجاج: كأنهم هاهنا في موضع الحال، والمعنى تنزع الناس مشبهين النخل المنقعر وهو المقطوع من أصوله (٤)، وعلى ما ذكر لا إضمار في الآية.
وأعجاز جمع عَجُز، وهو مؤخر الشيء، وشبههم بأعجاز النخل؛ لأن الريح قلعت رؤوسهم أولا ثم كبتهم لوجوههم (٥).
وقوله: ﴿مُنْقَعِرٍ﴾ قال ابن السكيت: يقال: قعرت النخلة: إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط، وقوإنقعرت هي أي: انقلعت وسقطت (٦)، قال الفراء: يقول أسَافِلَ نخل مصرع (٧)، وقال أبو عبيدة: منقلع (٨)، قال
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٦.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٦، و"فتح القدير" ٥/ ١٢٥.
(٣) وأورده الثعلبي في "تفسيره" ٢٥ ب، والقرطبي في "جامعه" ١٧/ ١٣٦ وقال الشوكاني في "تفسيره" ٥/ ١٢٥ "وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها".
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٨٩.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٥٨/ ٢٧ - ٥٩، عن قتادة، ومجاهد، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٦٤.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٢٨ (قعر).
(٧) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٨.
(٨) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
مجاهد: سقطت رؤوسهم أمثال الأخبية وتفردت أعناقهم، فشبههم بأعجاز نخل منقعر (١).
قال المفسرون: شبههم لطول قاماتهم حين صرعتهم الريح وكبتهم على وجوههم بالنخيل الساقطة على الأرض التي ليست لها رؤوس (٢)، والعرب تشبه الرجال إذا انكبوا على وجوههم على الأرض بالنخيل الساقطة، ومنه قول الشاعر يزيد بن عمرو (٣) يرثي قومه:
ألا من رأى قومي كأن رجالهم نخيل أتاها عاضد فأمالها (٤)
وتذكير المنقعر للفظ النخل وهو من الجمع الذي يذكر ويؤنث، وتأنيثه قد جاء في قوله عز ذكره ﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧].
٢٣ - ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ قال ابن عباس: يريد ما جاءهم به صالح (٥)، وعلى هذا معنى النذر: الإنذار، كما ذكرنا في قوله ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ وقال مقاتل: يعني بالرسل (٦)، وعلى هذا النذر: جمع نذير، وتكذيبهم صالحًا تكذيب لجميع الرسل؛ لأن الإيمان بالجميع واجب.
ثم أنكروا أن يكونوا تبعًا لواحد منهم، وهو قوله:
٢٤ - ﴿فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ أي هو آدمي مثلنا وهو واحد فلا
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٩.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٥ ب، و"الوسيط" ٤/ ٢١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٧.
(٣) لم أجد له ترجمة.
(٤) انظر: "الحماسة" لأبي تمام ٢/ ٤٧٣، وفيها: (قومي) بدلا من قوماً. و (عاضد) بدلا من (عاصف).
(٥) ذكره المفسرون لبيان المعنى ولم ينسب لقائل.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب.
106
نكون له تبعاً ﴿إِنَّا إِذًا﴾ إن فعلنا ذلك ﴿لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ قال الكلبي: خطأ ذهاب عن الحق (١).
﴿وَسُعُرٍ﴾ قال أبو عبيدة: جمع سُعْر (٢). والمفسرون وأهل المعاني ذكروا في السعر معنيين.
قال مقاتل: يعني شقاء وعناء، وهو قول قتادة، والكلبي (٣)، واختيار الفراء، قال: أراد بالسعر العناء للعذاب (٤)، وهو قول الحسن، قال: أراد شدة العذاب (٥)، ويكون المعنى على هذا القول: إنا إن اتبعناه فنحن في ضلال وفي عذاب مما يلزمنا.
وقال عطاء عن ابن عباس: وجنون (٦). وأصل هذا من قولهم: ناقة مسعورة، إذا كانت كأن بها جنونًا، ومنه قول الشاعر:
تخال بها سُعْرا إذا العيس هزها ذميل وإيضاع من السير متعب (٧)
وذكر أبو إسحق القولين (٨)، والمبرد ذكرهما وجمع بينهما فقال:
(١) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٦ أ، و"الوسيط" ٤/ ٢١، و"البغوي" ٤/ ٢٦١.
(٢) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٥٩، و"فتح القدير" ٥/ ١٢٦ ونسبه الثعلبي في "تفسيره" ١٢/ ٢٦ أإلى سفيان ابن عيينة.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب، و"جامع البيان" ٢٧/ ٥٩، و"الكثمف والبيان"، ١٢/ ٢٦/ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٨.
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٦ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦١ - ٢٦٢.
(٦) انظر: "زاد المسير" ٨/ ٩٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٨.
(٧) لم أجده منسوبًا، وقد ورد في "تخريجات الكشاف" ص ١٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٨، و"البحر المحيط" ٨/ ١٨، وفي الألفاظ اختلاف يسير، والذميل ضرب من سير الإبل. "اللسان" (ذمل).
(٨) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٨٩.
107
سعر جمع سعير، وهو لهب النار، ويقال: سُعُر: جنون، من قولهم: ناقة مسعورة، وجمل مسعور، ويذهبون إلى أن هذا من ذلك، وأنه قال للمجنون مسعور؛ لأنه لا يستقر يذهب كذا وكذا لما يلتهب فيه من الحدة فتنزيله مرة كذا ومرة كذا (١). ثم أنكروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا:
٢٥ - ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا﴾ قال أبو عبيدة: يعنون أجاء الذكر، كما يقول: ألقيت عليه المسألة، وألقيت عليه حسابًا (٢).
قال ابن عباس، والكلبي: يقولون: أجاءته النبوة وخص بها من بيننا (٣)، وقال مقاتل: يعني الوحي (٤).
﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ﴾ افتعل ما يقول. ﴿أَشِرٌ﴾. قال أبو عبيدة: الأشر: المرح والتجبر والكبرياء، وربما كان من النشاط (٥).
وقال المبرد: الأشر البطر، يقال: أشر يأشر أشراً إذا طغى وعلا متبجحًا فرحًا (٦).
وقال الأزهري: الأشَر المَرح، ورجل أَشِر وأشْران، وقوم أُشَارَى، ورجل مئشِر، وكذلك امرأة مِئْشِر بغير هاء (٧).
(١) لم أجده عن المبرد. وانظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٧، و"اللسان" ٢/ ١٤٨ (سعر).
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٣٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب، انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٦ ب.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
(٦) لم أجده عن المبرد، وانظر: "اللسان" ١/ ٦٥ (أشر).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٤١ (وشر).
وقال الكسائي، ، والفراء: الأشِر والأشُر بكسر الشين وضمها نحو الحذِر والحَذُر، والفطِنُ والفطُن، والعجِلُ والعَجُلُ، والضم قراءة مجاهد (١).
قال المفسرون: أشر: بطر مرح متكبر يريد أن يتعظم علينا بالنبوة.
قال ابن عباس: وكان صالح بن عبيد شريفًا سيداً من أشرف بطن فيهم، فقال الله تعالى:
٢٦ - ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا﴾ يعني عند نزول العذاب، وهو تهديد لهم وإنما قال (غدًا) (٢) للتقريب على عادة الناس، كقوله تعالى: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨]، واسم الغد يقع على ما بعد يومك الذي أنت فيه قرب أو بعد، ولكن العادة جرت إطلاقه على القريب، وغد من الأسماء الناقصة كاليد والفم، وأصله غدو، وربما يستعمل على الأصل، قال الشاعر:
وما النَّاسُ إلا كالدَّيار وأهلِها بها يوْمَ حَلُّوها وَغَدْوًا بَلاقِعُ (٣)
ويقال في المثل إن مع اليوم أخاه غدوا (٤).
ومعنى (غدًا) هاهنا يجوز أن يكون اليوم الذي نزل بهم العذاب، هددوا بذلك اليوم.
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٨، و"جامع البيان" ٢٧/ ٥٩، و"الكشاف" ٤/ ٤٧، و"البحر المحيط" ٨/ ١٨، وزاد نسبة القراءة لأبي قيس الأودي، و"روح المعاني" ٢٧/ ٨٩.
(٢)) (غداً) ساقطة من (ك).
(٣) البيت للبيد، كما في "ديوانه" ص ١٦٩، و"الكتاب مع شرح شواهده" للأعلم ٢/ ٨، و"شرح المفصل" ٦/ ٤، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٣٥، و"المصنف" ١/ ٦٤.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ١٧، "اللسان" ٢/ ٩٦٢ (غدا).
هذا معنى قول مقاتل (١)، وقال الكلبي: يعني يوم القيامة (٢).
وقرئ (ستعلمون) بالتاء (٣)، وعلى هذا هو من كلام صالح أجابهم بهذا، فقال (ستعلمون غدًا من الكذاب الأشر) منا.
٢٧ - قوله تعالى ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً﴾ قال ابن عباس (٤) وذك أنهم تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء تضع، ثم ترد ماءهم فتشربه، ثم تغدو عليهم بمثله لبناً، فقال الله تعالى ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ أي باعثوها بإنشائها، فتكون هي مرسلة ولا تكون رسولاً؛ لأن الرسول من حمل الرسالة وكلف أداءها.
﴿فِتْنَةً لَهُمْ﴾ أي محنة واختبارا. قال أبو إسحق: فتنة مفعول له. المعنى لنفتنهم (٥).
قوله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْهُمْ﴾ أي انتظر ما هم صانعون، ﴿وَاصْطَبِرْ﴾ على ما يصيبك من الأذى، قال الكلبي: أمره بالصبر لما سبق في علمه أنهم سيكذبونه (٦).
٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ يعني بين ثمود وبين
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب، انظر: "الكشف والبيان"، ١٢/ ٢٦ أ.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٨، و"جامع البيان" ٢٧/ ٥٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢.
(٣) قرأ ابن عامر، وحمزة: (ستعلمون) بالتاء، وقرأ الباقون ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ بالياء. انظر: "الحجة" ٦/ ٢٤٣، و"حجة القراءات" ص ٦٨٩، و"النشر" ٢/ ٣٨، و"الإتحاف" ص ٤٥.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦، و"الوسيط" ٤/ ٢١١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢، و"زاد المسير" ٨/ ٩٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٨٩.
(٦) لم أجده.
الناقة، يوم لها ويوم لهم، كما قال ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] هذا قول الجميع، وإنما لم يقل بينهم وبين الناقة؛ لأن الناقة داخلة في قوله (بينهم) وذلك أن العرب إذا أخبرت عن البهائم، وعن بني آدم غلبوا بني آدم على البهائم.
قال ابن عباس: كان يوم شربهم لا تشرب الناقة فيه شيئًا من الماء وتسقيهم لبنًا، وكانوا في شيء من النعيم لا يعرف قدره، وإذا كان يوم الناقة شربت الماء كله فلم تبق لهم شيئًا (١)، فذلك قوله ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ يحضر القوم يومًا وتحضر الناقة يومًا، فيحضر الشرب من كانت نوبته، وحضر واحتضر واحد.
٢٩ - قوله: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ يعني عاقر الناقة قدار بن سالف (٢)، ويقال له أحمر ثمود.
﴿فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ تفاعل من العطو، وهو التناول باليد ومنه:
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم
ومنه الإعطاء، والمعاطاة، والتعاطي، غير أن بعضهم ذكر في التعاطي أنه تناول ما لا يحل (٣).
قال المفسرون: تعاطى الناقة وتناولها بالسيف فعقرها، ومضى تفسير العقر (٤).
(١) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤.
(٢) في (ك): (سالم) والصواب ما أثبته.
وانظر: "المعارف" ص ٢٩، و"تاريخ الأمم والملوك" ١/ ١٣٩.
(٣) انظر: "اللسان" ٢/ ٨١٥ - ٨١٦ (عطا).
(٤) عند تفسيره الآية (٧٧) من سورة الأعراف.
٣١ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ يعني الصاعقة التي أخذتهم وهي مذكورة في مواضع من التنزيل، وقال عطاء: يريد صيحة جبريل (١).
﴿فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ قال أبو عبيدة: الهشيم ما يبس من الشجر أجمع (٢).
وقال المبرد: الهشيم حطام البقل (٣).
وقال أبو إسحق: هو ما يبس من الورق وتكسر وتحطم (٤)، ومضى تفسير الهشيم عند قوله ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا﴾ [الكهف: ٤٥].
والمحتظر مفتعل من الحظير، ومعنى المحتظر في كلام العرب: المنع، ذكرنا ذلك عند قوله ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: ٢] ويقال: احتظر على نَعَمِهِ وحظر إذا جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض ليمنع برد الريح عن النَعَم، ويقال لذلك المانع حَظَارٌ بفتح الحاء وكسره، وكذلك الحطب الرطب الذي يحظر به حظر، ومنه قول الشاعر:
ولم يَمْشِ بينَ الحَيَّ بالحَظِرِ الرّطْبِ (٥)
(١) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢، و"زاد المسير" ١/ ٩٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٢.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١١.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٩.
(٥) اليت لمالك بن أبي كعب. وصدره:
من البيض لم تصطد على خيل لأمة
وانظر: تهذيب اللغة ٤/ ٤٥٥، و"اللسان" ١/ ٦٦٦ (حظر)، و"الكشاف" ٤/ ٢٩٧، و"تفسير الماوردي" ٤/ ٥٤٢.
112
قال أبو عبيدة، والمبرد، والزجاج: المحتظر صاحب الحظيرة (١).
واختلفوا في (هشيم المحتظر) ما هو؟ فقال الكلبي: وذلك أن الرجل كان يجعل لغنمه حظيرة يحظرها فيها دون السباع (٢) من الشجر، فما سقط من ذلك الشجر وداسته الغنم فهو هشيم، فشبه القوم به حين فرقت حومهم وعظامهم (٣)، وهذا القول اختيار الزجاج، فقد قال: كانوا كالهشيم الذي يجمعه صاحب الحظيرة (٤).
وهذا يحتمل أنه أراد الذي صار هشيمًا مما جمعه، ويحتمل أنه أراد أن صاحب الحظيرة، وهو صاحب الماشية يجمع الهشيم لعلف ماشيته، وقد صرح المبرد بهذا فقال: المحتظر هو الذي يجمع الهشيم لغنمه، فاضيف إليه؛ لأنه يجمعه. ونحو هذا قال ابن قتيبة: يعني الذي يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه (٥).
وقال مقاتل: شبههم في الهلاك بالهشيم البالي، وهو الحظيرة من قصب يصيبها ماء السماء وحر الشمس فتبلى من طول الزمان (٦).
وقال الفراء: معنى قولهم: كهشيم المحتظر، أي كهشيم الذي يحتظر على غنمه (٧).
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١ و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩.
(٢) في (ك): (الشمال).
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦١، عن الضحاك، انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٧ أ، عن ابن عباس، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢، عن ابن عباس.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩.
(٥) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٣٤.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٨.
113
قال الأزهري: أراد أنه حظر حظارًا رطبًا على حظار قديم قد يبس (١). والمعنى أنهم بادوا وهلكوا فصاروا كيابس الشجر إذا تحطم. وقال عطاء عن ابن عباس: يريد مثل القمح الذي قد يبس وهشم (٢). وعلى هذا المحتظر الذي يتخذ حظيرة على زرعه، والهشيم فتات السنبل وقصب القمح إذا ديس. وذكر في الآية قولان فاسدان.
أحدهما: كالتراب الذي يتناثر من الحائط (٣)، وذلك لا يسمى هشيماً. والآخر: كالعظام المحترقة (٤)، وهذا بعيد.
٣٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا﴾ معنى الحصب في اللغة الرمي، ذكرنا ذلك في قوله: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩]، والحاصب الرامي، ويكون الذي يرمى به، قال النضر: الحاصب الحصباء في الريح، كان يومنا ذا حاصب، وريح حاصبةٌ وحَصِبَة فيها حصباء، قال ذو الرمة:
حَفيِفُ نافجةٍ عُثْنونُها حَصِب (٥)
وقال أبو عبيدة: الحاصب الحجارة، وقد تكون من الجليد، وأنشد
(١) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٤٥٤ (حظر).
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٤٣.
(٣) قاله سعيد بن جُبير. انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦١، انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٧ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٢.
(٤) قاله قتادة انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٢.
(٥) انظر: "ديوان ذي الرمة" ١/ ١٢٦، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٢٦١، و"اللسان" ١/ ٦٤٩ (حصب) وصدر البيت:
يَرْقُدُ في ظِلَّ عراض ويَطْرُدُهُ
والنافجة: كل ريح تبدأ بشدة،: وقيل أول كل يح تبدأ بشدة. "اللسان" ٣/ ٦٨٣ (نفج).
114
للفرزدق (١):
مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور
قال المبرد: يعني الثلج؛ لأن الريح ترميهم به في قصدهم الشام، قال: ومنه المحصب لأن فيه الحصى الذي قد رمي به، وأنشد قول العامري:
ولم أر ليلى غير موقف ساعة ببطن مني ترمي جمار المحصب
ويروى المحصب بكسر الصاد نسب إلى الرامي.
قال ابن عباس: يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة (٢)، وقال مقاتل: يعني الحجارة من فوقهم، ونحو هذا قال الضحاك (٣)، والحاصب على هذا القول الحجارة التي يحصب بها. أي يُرمى.
وقال آخرون: يعني عذاباً يحصبهم، أي: يرميهم بحجارة من سجيل. وعلى القول الأول سمي ما يحصب به حاصبا؛ لأنه كأنه يرمي نفسه كالثلج لا يرى له رام، فكأنه هو فاعل الرمي، وكذلك حجارة قوم لوط لم ير لها رام، فسمي ما حصبوا به حاصبا على هذا المعنى.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ يعني لوطاً وابنتيه.
﴿نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ قال أبو إسحق: سحر إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار انصرف، تقول: أتيت زيداً سحراً، فإذا أردت يومك، قلت: أتيته سَحَرَ يا هذا، وأتيته بسحر (٤).
قال الفراء: إنما ترك إجراؤه لأن كلامهم كان فيه بالألف واللام
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ ب، و"الثعلبي" ١٢/ ٢٧ ب، و"البغوي" ٤/ ٢٦٣.
(٤) انظر: "معانى القرآن" للزجاج ٥/ ٩.
115
تقول العرب: ما زال عندنا مذ السحر. لا يكادون يقولون غيره، فلما حذفت منه الألف واللام وفيه نيتهما لم يصرف (١).
٣٥ - قوله تعالى: ﴿نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ منصوب مفعول له، المعنى: نجيناهم للإنعام عليهم ﴿كَذلِكَ﴾ أنعمنا عليهم ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ﴾ قال مقاتل: يعني من وحد الله لم يعذب مع المشركين في الدنيا كقوله ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] يعني الموحدين (٢).
٣٦ - قوله: ﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا﴾ قال ابن عباس: عذابنا (٣).
والمعنى: أَخْذَتنا إياهم بالعذاب.
﴿فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ﴾ قال مقاتل: شكوا في العذاب أنه غير نازل بهم (٤)، وقال قتادة: لم يصدقوه (٥).
وقال الفراء: كذبوا بما قال لهم (٦)، وقال ابن قتيبة: شكوا بالإنذار (٧).
٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ﴾ ذكرنا تفسير المراودة في سورة يوسف (٨)، والمعنى: طلبوا أن يخلي بينهم وبينهم، {فَطَمَسْنَا
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٩.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٤.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧.
(٧) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٣٤.
(٨) عند تفسيره الآية (٢٣) من سورة يوسف، والمراودة بمعنى الإرادة، تقوق: راودته على كذا مراودة ورِوادًا. أي أردته. "اللسان"١/ ١٢٥٤ (رود).
أَعْيُنَهُمْ} تفسير الطمس مذكور عند قوله ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] (١).
قال عامة المفسرين: صفق جبريل أعينهم بجناحيه صفقة فأذهبتها (٢). وهذه القصة مذكورة في سورة هود [آية: ٧٦، ٨٣]. وتم الكلام عند قوله ﴿أَعْيُنَهُمْ﴾ (٣).
ثم قال ﴿فَذُوقُوا﴾ أي: فقلنا لهم ذوقوا ﴿عَذَابِي﴾ وهو خطاب لجميع قوم لوط الذين أرسل عليهم الحاصب.
قوله تعالى (ونذر) أي وما أنذركم به لوط من العذاب، سمي ذلك بالمصدر.
٣٨ - قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ﴾ يقال صَبَحتُ فلاناً وصَبَّحتُه، أتيته صباحاً، والخيل المصبح الذين أتوا صباحاً (٤).
قوله تعالى: ﴿عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾، قال ابن عباس: يعني نزول العذاب بهم، وقال مقاتل: يعني استقر بهم العذاب بكرة (٥)، وقال الفراء: عذاب لاحق (٦).
والعذاب المستقر على ما ذكروا ذلك العذاب الذي نزل بهم. وقال
(١) والطمس هو الدروس والانمحاء، وطَمَسَ الطريق وطَمَسَ يَطْمِسُ طُمُوساً، درَسَ وامحَّى أثره. "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٥١ (طمس).
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٨ أ، و"الوسيط" ٤/ ٢١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٤.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٢.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٦٣، و"اللسان" ٢/ ٤١ (صبح).
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ، و"الوسيط" ٤/ ٢١٢.
(٦) في (ك): (لاحق)، وانظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٩.
غيرهم: معنى المستقر أي: ذلك العذاب استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة (١).
٤١ - قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾ يعني القبط.
وفي النذر ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد به موسى وهارون، وهذا قول ابن عباس، ومقاتل، والمفسرين (٢)، وهو على تسمية الاثنين باسم الجماعة، لأنه جمع نذير.
والثاني: أن المراد به الآيات التي أنذرهم بها موسى، وكل آية منها نذير.
والآخر: أن المراد به الإنذار (٣).
ويدل على القول الثاني قوله:
٤٢ - ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا﴾ يعني الآيات التسع في قول المفسرين (فأخذناهم) (بالعذاب) (أخذ عزيز) غالب في انتقامه (مقتدر) قادر على هلاكهم.
٤٣ - ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ قال ابن عباس: أكفاركم يا معشر العرب (٤)، وقال مقاتل: يعني كفار أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٥).
قوله تعالى: ﴿خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد أشد من
(١) قاله ابن عباس في رواية الكلبي، وقتادة انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١، و"جامع البيان" ٢٧/ ٦٣، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٣.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١، و"تفسير مقاتل" ١٣٤ أ، و"القرطبي" ١٧/ ١٤٥.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٣، و"ابن كثير" ٤/ ٢٦٦.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٥.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ.
أولئكم (١)، وقال مقاتل: يقول أليس أهلكناهم بتكذيبهم فليسوا خيراً منهم (٢)، وهذا استفهام معناه الإنكار. أي: ليس الكفار خيرًا من قوم نوح وثمود وعاد وقد أهلكناهم.
ومعنى الخير يجوز أن يراد به الشدة والقوة كما ذكر ابن عباس، وعليه دل سائر الآي، كقوله ﴿هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾ [ق: ٣٦] ومثله كثير، ويجوز أن يكون معناه أن كفر هؤلاء ليس دون كفرهم فليسوا خيراً منهم.
ثم خاطب الكفار فقال ﴿أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ قال ابن عباس: يريد أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب (٣).
وقال مقاتل: يقول ألكم براءة من العذاب في الكتب أنه لن يصيبكم من العذاب ما أصاب الأمم الخالية (٤).
وقال أبو إسحاق: أم أتاكم في الكتب أنكم مبرأون مما يوجب عذابكم (٥).
٤٤ - ثم عاد إلى الخبر عنهم فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ قال ابن عباس: يريد جماعة ينصر بعضنا بعضاً (٦)، وقال الكلبي: نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا (٧)، والمعنى: بل أيقولون نحن واحدة على من
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٤.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩١.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٤.
خالفنا ننتصر ممن عادانا فيدلون بقوة واجتماع عليك، ووحد المنتصر بلفظ الجميع، وهو واحد في اللفظ وإن كان اسماً للجماعة كالرهط والجيش.
٤٥ - قال الله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ يعني جمع كفار مكة ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُر﴾ أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة، والمراد بالدبر الإدبار، وهي من اسم الجنس الذي يؤدي عن الجميع كالدرهم والدينار، قال الفراء (١).
قال أبو إسحاق: أعلم الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنه يظهره عليهم وجاعل كلمته العليا، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر (٢).
قال المفسرون: ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم في الصف وهو يقول: نحن اليوم جميع منتصر من عدونا. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يثب في درعه ويقول ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ فما كان بأسرع من أن قتل ابن مسعود أبا جهل بسيف أبي جهل، وولوا منهزمين (٣).
وقال عمر -رضي الله عنه-: لما نزلت هذه الآية جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر عرفت أنه هو (٤).
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩٢.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ، و"الكشاف" ٤/ ٤٨.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، وابن جرير، والثعلبي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، وذكر ابن حجر، تخريج عبد الرزاق له في شرح حديث باب "سيهزم الجمع ويولون الدبر" عن ابن عباس، وقال: فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٩، و"جامع البيان" ٢٧/ ٦٤، و"الدر المنثور" ٦/ ١٣٧، و"فتح البارى" ٨/ ٦١٩.
قال عطاء عن ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. (١)
٤٦ - ثم قال عز وجل: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ يعني أن موعد الجميع للعذاب القيامة.
ثم ذكر فظاعتها فقال: ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ أي أعظم في الضر. قال ابن عباس: أعظم عذابًا (٢)، وقال مقاتل: أفظع (٣)، و (أدهى) من الدهاء، وهو المنكر والشدة والفظاعة، والدَّاهيةُ: الشديدة من شدائد الدهر، ودهاه أمر كذا، إذا أصابه دَهْوًا ودَهْيا ودَاهية دَهْيَاء ودَهْواء. ذكر ذلك ابن السكيت (٤).
قوله تعالى: ﴿وَأَمَرُّ﴾ أي أشد مرارة من قولهم: مَرَّ الشيء وأمَرّ إذا اشتدت مرارته (٥).
قال أبو إسحق: أي ليس ما نزل بهم من القتل والأسر بمخفف عنهم من عذاب الآخرة شيئًا، ومعنى (أمّرُّ): أشد مَرَارَة من القتل والأسر (٦).
٤٧ - ثم أخبر عنهم فقال: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ فقال عطاء، عن ابن عباس: يريد بالضلال الخسران، والسُّعُر الجنون (٧).
(١) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٦.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ أ.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٣٨٦، و"اللسان" ١/ ١٣ (دها).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٩٨ (مر).
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٩٢.
(٧) تقدم معنى السعر عند قوله تعالى ﴿لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ ولم أجد هذه الرواية عن ابن عباس، وفي "تنوير الممقباس" ٥/ ٣١١ عنه: في خطأ بين في الدنيا وتعب وعناء في النار.
وقال الكلبي: وهو قول المفسرين: في كفرٍ بعبادتهم الأصنام وعناء من العذاب (١).
والمعنى على هذا: في ضلال في الدنيا وسعر في الآخرة. وإن حملت السعر على الجنون جاز أن يكونوا في الضلال والسعر في الدنيا، والكلام في السعر قد مر في هذه السورة.
قال أهل المعاني: (في ضلال) أي ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، وفي نار مسعرة.
٤٨ - قوله ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ يجوز أن تتعلق هذه الآية بما قبلها على تقدير: إن المجرمين في سعر يوم يسحبون، ويجوز أن لا تتعلق ويكون العامل في الظرف ما يقدر من القول مع ذوقوا؛ لأن التقدير: يوم يسحبون في النار على وجوههم يقال لهم ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ (٢).
ومس سفر إصابتها إياهم بعذابه وحره، وهذا كما يقال: ذق من الضرب وقاس مس الحمى.
قال الليث: سفر اسم معرفة للنار غير منصرف، وكذلك لظى وجهنم (٣)، ولم يصرف لاجتماع التأنيث والمعرفة، وكذلك كل اسم مؤنث معرفة لا يُجرى وإن لم يكن فيه الهاء؛ لأن فيه معنى الهاء، وان لم تظهر إلا أسماء معدودة خفت فجاز إجراؤها نحو هند ووعد وجُمْل، والأصل
(١) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٦١، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٧.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩٢، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٩٨.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ٤٢ (سقر).
أن لا يجرى، ذكر ذلك الفراء (١).
قال عطاء: سفر الطبق السادس من جهنم (٢).
وقال الكلبي: إذا ألقوا فيها لا تُبْقي لهم عظمًا ولا لحمًا فيعادون خلقًا جديدًا (٣)، وتم الكلام.
٤٩ - ثم ابتدأ كلامًا آخر فقال: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ قال الكلبي عن ابن عباس: إنا كل شيء جعلنا له شكلًا يوافقه ويصلح له، فالمرأة للرجل، والأتان للحمار، والرمكة للفرس، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء، وثياب النساء للنساء لا تصلح للرجال، وكذلك ما شاكلها على هذا (٤).
وقال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي كقوله: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٣] وهذا قول الربيع (٥).
وقال مقاتل: يعني أنه قدر لهم العذاب (٦)، وعلى هذا التفسير الآية متصلة بما قبلها، وروى محمد بن عياد المخزومي (٧) عن أبي هريرة أن
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١١.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٧.
(٣) لم أجده، ومعناه: نفى توهم خفة عذاب النار وأنه مجرد مس فوضح أن مسها يصل إلى العظم واللحم ثم يعاد كما بدأ كما في قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ...﴾ [النساء: ٥٦].
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩ أ، ب، ذكره عن ابن عباس من غير سند.
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩ أ.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ ب.
(٧) محمد بن عياد بن جعفر المخزومي، المكي، ثقة.
انظر: "تقريب التهذيب" ٢/ ١٧٤.
123
قوله: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿خَلَقْنَاهُ بِقَدَر﴾ نزلت في القدرية (١)، وذلك أن مشركي قريش جاءوا إلى النبي -صلي الله عليه وسلم - يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآيات (٢)، وهذا قول محمد بن كعب القرظي قال: نزلت تعييرًا لأهل القدر (٣).
وعلى هذا القول المراد بالمجرمين القدرية المشركون وإخوانهم من قدرية هذه الأمة، يكونون في حكمهم. يدل على ذلك ما روى زرارة (٤) أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قرأ هذه الآيات وقال: "إنها نزلت في ناس يكونون في آخر أمتي يكذبون بقدر الله" (٥).
(١) سموا بذلك لقولهم في القدر، زعموا أن العبد هو الذي يخلق فعله استقلالًا فأثبنوا خالقًا مع الله، ولذا سماهم النبي -صلي الله عليه وسلم- مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وهم يزعمون أن الله لا يقدر على مقدرات غيره. وهذا هو مذهب المعتزلة في القدر. انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني ١/ ٥٤، و"البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان" ص ٢٦.
(٢) رواه مسلم في كتاب القدر، باب: كل شيء بقدر، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٤٤٤، والترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة القمر، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والثعلبي في "تفسيره" ١٢/ ٢٩ ب، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٢٥.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦٥.
(٤) في (ك): (زراة) وهو زرارة بن أوفى العامري، أبو حاجب، قاضي البصرة، ثقة، عابد، قرأ في الصبح ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ فخر ميتًا سنة (٩٣ هـ). انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ١٥، و"أخبار القضاة" ١/ ٢٩٢، و"تاريخ البخاري" ٣/ ٤٣٨، و"صفة الصفوة" ٣/ ٢٣، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥١٥.
(٥) رواه ابن أبي حاتم، والطبراني. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. "مجمع الزوائد" ٧/ ١١١.
وانظر: "أسباب النزول" للواحدي ص ٤٦٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٦٧.
124
وروي عن أبي ذر قال: قدم وقد نجران على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا؟ فأنزل الله هذه الآيات. فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: "أنتم خصماء الله يوم القيامة" (١).
ويؤكد هذا ما روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينادي مناد يوم القيامة ليقم خصماء الله، وهم القدرية" (٢).
ويزيد وضوحًا هذه الجملة ما روي عن كعب أنه قال: نجد في التوراة أن القدرية يسحبون في النار على وجوههم، وهو قول عطاء عن ابن عباس أن الآيات نزلت في القدرية من المشركين الذين جادلوا رسول الله -صلي الله عليه وسلم - (٣).
وعلى هذا معنى قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ أي كل ما خلقناه فمقدور مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، يدل على هذا قوله: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ ذكر ذلك أبو إسحاق (٤).
(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي ص ٤٦٤، عن عطاء، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٨، بدون سند وأخرجه الثعلبي عن سيار بن الحكم.. إلى قوله: فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ إلى آخر السورة، ولم ينسبه، يذكره من قول النبي -صلي الله عليه وسلم -.
(٢) رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" ١/ ١٤٨، باب إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم خصماء الله تعالى. وقال عنه الألباني: إسناده ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط من رواية بقية، وهو مدلس، وحبيب بن عمرو مجهول. انظر: "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٦ وقال الألباني -بعد ذكره للحديث وتخريج الهيثمي وحكمه على بقية وحبيب بن عمرو- قلت: قد شرح بقية بالتحديث عند المصنف فزالت شبهة تدليسه وانحصرت في شيخه.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١١، قال ابن حجر: وأشتهر على ألسنة السلف والخلف أن هذه الآية نزلت في القدرية. انظر: "فتح الباري" ١١/ ٤٧٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٩٢.
125
وروى الوالبي عن ابن عباس قال: خلق الله الخلق كلهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر، فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة (١).
٥٠ - قوله تعالى ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر (٢).
وقال الكلبي عنه: وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة (إلا واحدة) كطرف البصر (٣)، وهذا قول مقاتل، يقول: مرة واحدة كرجوع الطرف (٤). وهذا القول هو اختيار الفراء وأبي عبيد (٥).
وعلى هذا يختص الكلام بأمر الساعة.
ومعنى اللمح في اللغة: النظر بالعجلة، يقال: لمح البرق ولمح البصر، ولمحه ببصره (٦).
والأحسن في معنى الآية أن هذا عام في كل ما يخلقه الله تعالى ويريد تكوينه. يقول: إذا أردنا أن نفعل شيئًا فمرة واحدة لأنه ليس منا معاناة ولا علاج ولا توصل بالآلات والأسباب فيكون بمرات كما تكون أفعال العباد، إنما هو كن فيكون.
٥١ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ﴾ يعني أشباهكم
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩ ب.
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ٢١٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٥، و"زاد المسير" ٨/ ١٢.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٧، و"الوسيط" ٤/ ٢١٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ ب.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١١.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ٩٧، و"اللسان" ٣/ ٣٩٨، و"مفردات الراغب" ص ٤٥٤ (لمح).
ونظراءكم في الكفر من لأمم الخالية، ومضى تفسير الأشياع (١).
﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ متعظ يعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر.
ثم أخبر أن جميع ما فعله الأمم قبلهم كان مكتوبًا عليهم فقال:
٥٢ - ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ﴾ قال مقاتل: يعني الأمم الخالية (٢) ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ- وهذا قول عطاء (٣)، وقال الكلبي: محصى عليهم في الكتب (٤)، يعني كتب أعمالهم.
٥٣ - ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ﴾ من الخلق والأعمال (مستطر) مكتوب بمعنى مسطور، قال أبو إسحق: مكتوب على فاعليه قبل أن يفعلوه ومكتوب لهم وعليهم إذا فعلوه للجزاء (٥).
٥٤ - قوله: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أكثرُ أهل التفسير والمعاني (٦) على أنه أراد وأنهار. يعني أنهار الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل،
(١) عند تفسيره الآية (٦٥) من سورة الأنعام. قال: الشيع جمع شيعة وكل قوم
اجتمعوا على أمر فهم شيعة. والجمع شيع وأشياع... ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضًا. انظر: البسيط (فيلم ٣٧٣١). والتَّشيْعُ: مقدار من العدد كقولهم: أقمت عنده شهرًا أو سَيْعَ شهر، وتشايع القوم: صاروا شيعًا وأشياعكم: أمثالكم من الأمم الماضية، ومن كان مذهبه مذهبكم. يقال: هذا شَيْعً هذا. أي مِثْله. انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٦، و"اللسان" ٢/ ٣٩٣ (شيع).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٤ ب.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٦٦، وهو قول مقاتل أيضًا. "تفسير مقاتل" ١٣٤ ب.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٤٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩٢.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١١١، و"مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١، و"جامع البيان" ١٧/ ٦٧، و"زاد المسير" ٨/ ١٢.
ووحد لأنه قابل الفواصل فصار كقوله ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ والواحد قد ينبى عن الجميع فيخبر به كقوله:
وأما جلدها فصليب (١)
وقد تقدم في مثل هذا بالاستشهادات. وهذا قول أبي عبيدة، والكسائي، والفراء، والزجاج (٢).
وذكر قوم أن معنى (نهر) ضياء وسعة، قالوا: ومنه النهار لضيائه، وأنهرت الجرح وسعته، وهو قول الضحاك، وذكره الفراء وابن قتيبة (٣)، والقول هو الأول.
٥٥ - وقوله ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ في مجلس حسن.
وقد ذكرنا قديمًا أن العرب إذا بالغت في مدح شيء أضافته إلى الصدق، كقوله تعالى ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ [الشعراء: ٨٤] و ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ (٤) [يونس: ٢]. قال عطاء: يريد في جوار الرحمن (٥).
(١) أنشده الخليل، وسيبويه والبيت لعلقمة الفحل يصف الصحراء وبها جيف الإبل التي رذحت وماتت فتصلبت بقايا جلدها وذهب لحمها فبقي عظمها أبيض. والشاهد قوله (جلدها) أفرد ومراده الجمع، والمعنى جلودها. انظر: "ديوان علقمة" ص ٤، و"الكتاب" ١/ ٢٩، و"المفضليات" ص ٣٩٤، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٣، و"إيضاح الشعر" للفارسي ص ٣٣٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩٣، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١١١، و"مجاز القرآن" ٢/ ٢٤١.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦٧، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٣١، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١١١، و"تفسير غريب القرآن" ص ٤٣٥.
(٤) وانظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٥٥، و"اللسان" ٢/ ٤٢ (صدق)
(٥) لم أقف عليه.
128
قوله تعالى ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ أي عند مليك قادر لا يعجزه شيء و (عند) إشارة إلى الزلفة والكرامة.
والمعنى في المكان الذي كرم لأوليائه.
129
سورة الرحمن
131
Icon