ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)﴾ ذكر في هذه الآية ثلاثة أقوال:أحدها: أن المراد بـ"المرسلات" الرياح، وهو قول مجاهد (٢)، وقتادة (٣)، (وابن مسعود (٤)، وابن عباس (٥) في رواية العوفي) (٦)، ويدل (٧)
انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٥٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥١.
(٢) "تفسير الإمام مجاهد" ٦٩١، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٩، "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٢٢/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢ بمعناه، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٦، "زاد المسير" ٨/ ١٥٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤٨٩، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٠. وانظر المراجع السابقة. وعزا صاحب الدر قول قتادة إلى عبد بن حميد.
(٤) المراجع السابقة عدا "تفسير عبد الرزاق". وانظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٤، وعزا تخريج قوله -أيضًا- صاحب "الدر المنثور" إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) المراجع السابقة.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) في (ع): يدل من غير واو.
القول الثاني: إن معنى "المرسلات" هاهنا الملائكة، وهو قول مقاتل (١)، (ومسروق (٢)، وأبي صالح) (٣) عن أبي هريرة (٤)، وابن عباس (٥) في رواية الكلبي.
القول الثالث: قال ابن عباس (٦): (في رواية عطاء) (٧): يريد الأنبياء.
وقوله: ﴿عُرْفاً﴾ هو ذكر فيه قولان:
أحدهما: متتابعة، وهو قول من قال في "المرسلات" إنها الرياح (٨).
قال الزجاج: أرسلت كعرف الفرس (٩).
(٢) ورد قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٩، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ١٧٥، "زاد المسير" ٨/ ١٥٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٨٩، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨١ وعزا تخريجه لابن أبي حاتم. وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥١١: كتاب التفسير: تفسير سورة المرسلات. وقال الحاكم: حديث صحيح من طريق أبي صالح، ووافقه الذهبي.
(٥) "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢، وعزا تخريجه إلى ابن المنذر.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٢، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٣.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) وذهب إليه أيضًا بريدة. "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢٩.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٥ بنصه.
والعرف على هذا اسم أقيم مقام الحال؛ لأن المعنى: والرياح التي أرسلت (٢) متتابعة.
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر. وهو قول المبرد، قال: عرفاً (٣) اتباعاً (٤).-والمعنى فيهما واحد-.
القول الثاني: و"العرف" أنه بمعنى المعروف، كقوله: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ (٥) [الأعراف: ١٩٩] وقد مر، وهو قول من قال في "المرسلات " إنها الملائكة.
قال مقاتل (٦) (والكلبي (٧)) (٨): أرسلوا بالمعروف (٩) من أمر الله ونهيه.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد (١٠) الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله (١١).
(٢) بياض في (ع).
(٣) في (أ): عرفنا.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) في (أ): بالمعروف.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) بياض في (ع).
(١٠) بياض في (ع).
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ذكر قوله في سورة الأعراف آية: ١٩٩ كما مر.
قال أبو إسحاق: من قال: الملائكة، فالمعنى: أنها تعصف بروح الكافر (٣).
يقال: عصف بالشيء: إذا أباده وأهلكه، ومنه قول الأعشى:
تُعْصِف بالدَّارعِ (٤) والحاسِرِ (٥) (٦)
قوله (تعالى) (٧): ﴿وَالنَّاشِرَاتِ﴾ استئناف قسم آخر، لذلك كانت بـ
وانظر: "الدر المنثور" ٨/ ٣٨١ - ٣٨٢ وعزا تخريجه إلى ابن المنذر، وعبد بن حميد، والبيهقي في الشعب. وانظر: "المستدرك" أخرجه عن علي ٢/ ٥١١ كتاب التفسير: تفسير سورة المرسلات، وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢ وعزا تخريجه إلى ابن جرير، ولم أجده عنده.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٥ بنحوه.
(٤) في (أ): الدارع.
(٥) صدر البيت:
يَجْمَعُ خَضْراءَ لها سَوْرَةٌ
وقد ورد البيت في "ديوانه" ٩٦ من قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة، ويمدح عامر ابن الطفيل.
والمراد بـ"خضراء" كتيبة سوداء لما عليها من الحديد. "ديوانه" ٩٦ في الحاشية.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٤٢ (عصف).
(٧) ساقط من: ع.
ومعنى الناشرات: الرياح التي تأتي بالمطر. وهو قول الحسن (١)، وابن مسعود (٢)، (ومجاهد) (٣) (٤)، وقتادة (٥).
يدل على هذا قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف: ٥٧]. يعني أنها تنشر السحاب نشرًا، وهو ضد الطي.
وقال مقاتل: يعني الملائكة ينشرون كتب بني آدم، وصحائف أعمالهم (٦)، (وهو قول مسروق (٧)،
أحدهما: أن القسم بالله عَزَّ وَجَلَّ على تقدير: ورب الصافات، كقوله: ﴿والعَصْرِ﴾، ﴿وَالشَّمْسَ﴾، ﴿وَالَّليْلِ﴾، إلا أنه حذف لما في العلم من أن التعظيم بالقسم بالله.
والثاني: أن هذا على ظاهر ما أقسم به؛ لأنه ينبئ عن تعظيمه بما فيه من العبرة الدالة على ربه".
(١) "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٣/ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤.
(٢) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣١، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٦ بنحوه، "زاد المسير" ٨/ ١٥٤. وعزاه ابن الجوزي إلى جمهور المفسرين، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨١.
(٣) "تفسير الإمام مجاهد" ٦٩١، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٠.
(٦) بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٢٣/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
وقال أبو صالح: يعني المطر (٣).
وعلى هذا القول: النشر بمعنى الإحياء من قولهم: نشر الله الميت بمعنى أنشره، والمطر (٤) يحيى الأرض، فالأمطار ناشرة وناشرات (٥).
قوله: ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا﴾ الأكثرون (٦) على أنها الملائكة تأتي بما، يفرق
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣١، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٦، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢، وعزا تخريجه إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ في "العظمة"، وابن المنذر.
(٤) بياض في (ع).
(٥) النشر لغة: الرائحة الطيبة، والنَّشْر أيضًا: الكلام إذا يبس، ثم أصابه مطر في دُبر الصيف فاخضر، وقد نَشَرت الأرض، فهي ناشرة إذا أنبتت ذلك.
والنَّشَر -بالتحريك-: المُنتشر، ونَشَرَ الميت، يَنْشُرُ نُشُورًا أي عاش بعد الموت، وأنشرهم الله أي أحياهم، واكتسى البازي ريشًا نَشَرًا أي منتشرًا واسعًا طويلاً. ونشرت الكتاب خلاف طويته.
انظر: مادة (نشر) في "مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣٠، "تهذيب اللغة" ١١/ ٣٣٨، "الصحاح" ٢/ ٨٢٧، "تاج العروس" ٣/ ٥٦٥.
(٦) ممن قال بذلك: ابن عباس، وأبو صالح، ومجاهد، والضحاك، وابن مسعود. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢، "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٢٣/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧، وحكاه ابن الجوزي عن الأكثرين في "زاد المسير" ٨/ ١٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣.
وقال مجاهد: هي الريح، وعلى هذا "فالفارقات" الرياح التي تفرق بين السحاب فتبدده (٤).
وقال قتادة: هي آيُ القرآن فرقت بين الحق والباطل، والحلال والحرام (٥)، (وهو قول الحسن (٦)) (٧)، (وقال أبو إسحاق: يجوز أن يعني به الرسل (٨)) (٩).
٥ - قوله تعالى: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا﴾ هي الملائكة في قول الجميع (١٠).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ١٧٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢، "زاد المسير" ٨/ ١٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣، "البحر المحيط": ٨/ ٤٠٤.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧، "زاد المسير" ٨/ ١٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٢ وعزا تخريجه إلى عبد ابن حميد، وابن المنذر.
(٦) المراجع السابقة عدا "الدر المنثور" وانظر أيضًا: "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٣/ أ، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٨٦.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٥ بتصرف.
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٠) قال بذلك: ابن عباس، وقتادة، وسفيان الثوري، وابن مسعود، ومسروق، والربيع بن أنس، والسدي. =
وقال قتادة: تلقي بالقرآن (٢).
وقال الكلبي: تلقي الذكر إلى الأنبياء (٣).
وبعض المفسرين يخص الآية بجبريل (٤)، وعلى هذا يجوز أن يسمى باسم الجماعة. وذكرنا ذلك في قوله: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ (٥) [الصافات: ٣].
٦ - قوله تعالى: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ قال قتادة: عذرًا من الله، ونذرًا منه
وحكي عن جمهور المفسرين في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧، "زاد المسير" ٨/ ١٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٤، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤.
وهناك قولان آخران مخالفان لما ذكر الجمهور:
أحدهما: المراد: الرسل يلقون إلى أممهم مما أنزل إليهم. قاله قطرب.
والآخر: أنها النفوس تلقي في الأجساد ما تريد من الأعمال.
انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤.
قلت: ما ذكر من القولين المخالفين للجمهور لم يعتد بهما الإمام الواحدي، ولم ينظر إليهما، واعتبر قول الجمهور والغالبية هو قول بالإجماع، وهذا ما قررناه سالفاً، والله أعلم.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٠، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢.
(٣) "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧ بمعناه.
(٤) منهم مقاتل في رواية له. انظر: "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧.
(٥) ومما جاء في سبب تسمية جبريل عليه السلام بالجمع: قال الواحدي: "وذكر بلفظ الجمع إشارة إلى أنه كبير الملائكة، وهو لا يخلو من أعوان وجنود له من الملائكة يعرجون بعروجه، وينزلون بنزوله".
وفيهما القراءتان: التثقيل، والتخفيف (٣).
قال الفراء: وهو مصدر مثقلاً كان أو مخففًا، والمعنى: إعذارًا، وإنذارًا (٤).
واختار أبو عبيد التخفيف، وقال: لأنهما في موضع المصدرين إنما هما: الإعذار، والإنذار، وليسا بجمع فيثقلا (٥).
وقال أبو إسحاق: معناهما: المصدر -والتثقيل (٦)، والتخفيف (٧) بمعنى واحد-، ونصبه على ضربين:
أحدهما: مفعول على البدل من قوله: ﴿ذِكْرًا﴾ [المرسلات: ٥].
والثاني: على المفعول له، فيكون "الملقيات ذكراً" للإعذار
(٢) منهم الفراء: "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٢، والطبري "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢، والسمرقندي "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٤، والماوردي "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب "عُذْراً" خفيفة، "أو نُذُراً" مثقلة.
وقرأ: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: "عُذْراً أو نُذْراً" بالتخفيف جميعاً.
انظر: "كتاب السبعة" (٦٦٦)، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٣٧، "الحجة" ٦/ ٣٦٢، "الكشف" ٢/ ٣٥٧، "المبسوط" (٣٩١)، "البدور الزاهرة" (٣٣٢).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٢ بتصرف.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) أي: "عُذُراً أو نُذُراً".
(٧) أي: "عُذْراً أو نُذراً".
وقال (أبو الحسن) (٢) الأخفش: "عذراً أو نذراً" أي إعذاراً أو إنذاراً، وقد خففتا (٣) جميعاً، وهما لغتان (٤).
قال أبو علي الفارسي: العذر، والعذير (٥)، والنذر، والنذير، مثل: النكر والنكير، وهما جميعاً مصدران، ويجوز التخفيف فيهما على حد التخفيف (٦) في العُنق، والأُذُن -قال-: ويجوز في قولهم من [ضَمَّ] (٧) أن يكون "عُذُراً" جمع عاذر، كشارف وشُرُف، وكذلك "النُّذُر" يجوز أن يكون جمع نذير، كقوله تعالى: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦]، ويكون "عذراً أو نذراً" على هذا القول حالاً من الإلقاء، كأنهم يُلْقُون الذكر في حال العذر، والنذر.
وذكر أيضًا وجهاً آخر في انتصاب "عذراً أو نذراً" وهو أن يكون مفعول الذكر كأنه قيل: فالملقيات أن يذكر عُذْراً أو نُذْراً (٨)، وهو غير ما ذكر أبو إسحاق، فقد حصل أربعة أقوال: وجهان لأبي إسحاق، ووجهان لأبي علي، واختار المبرد أن يكون انتصابه على الحال؛ لأنه قال: هما
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) في (أ): خففتا.
(٤) نقلاً عن "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٥) بياض في (ع).
(٦) بياض في (ع).
(٧) في كلا النسختين: يقل، ولا تستقيم العبارة بها، والصواب ما أثبته من مصدره، وهو "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٨) "الحجة" ٦/ ٣٦٢ - ٣٦٣ باختصار.
أماويَّ قَدْ طالَ التَّجَنُّبُ والهَجْرُ | وقدْ عَذَرَتْني في طِلابكُمُ العُذْرُ (٤) |
ومن أول السورة إلى هاهنا أقسام ذكرها الله تعالى على قوله: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ﴾ وهذا جواب القسم.
قال مقاتل: إنما توعدون من أمر الساعة لكائن (٦).
وقال الكلبي: إنما توعدون من الخير والشر لواقع بكم (٧).
ثم ذكر متى يقع فقال: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ قال ابن عباس: يريد ذهاب ضوئها (٨).
وقال مقاتل: حولت من الضوء إلى السواد (٩). وقال المبرد: أي مُحي ضوؤها (١٠).
(٢) أي: أبو علي الفارسي.
(٣) بياض في (أ)، وعند أبي علي في "الحجة" لحاتم فأثبته، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني. انظر: ديوانه: ٦.
(٤) ديوان حاتم الطائي: ٤٢ برواية: "من" بدلاً من: "في".
(٥) ما بين القوسين نقلاً عن "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ.
(٧) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٦٩ بنحوه.
(٨) أعثر على مصدر لقوله.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
٩ - ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ﴾ قال أبو إسحاق: معناه: شقت (٢).
والفرج: الشق، يقال: فرجه الله فانفرج، وكل مشقوق فرج (٣).
وقال ابن قتيبة: فتحت (٤)، ويدل على هذا قوله: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ﴾ [النبأ: ١٩].
﴿وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ﴾ قلعت من مكانها فذهبت عن وجه الأرض، كقوله: ﴿يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ [طه: ١٠٥].
قال الزجاج: إذا [ذهبت] (٥) بها كلها بسرعة (٦).
وقال المبرد: "نسفت" قلعت من مواضعها، وأنشد [للمُمَزَّق العَبْدي (٧)] (٨):
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٦ بنصه.
(٣) انظر المعنى اللغوي تحت مادة (فرج) في كل من "مقاييس اللغة" ٤/ ٤٩٨، "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٤، وراجع أيضًا: "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" لعبد الكريم الغرباوي ٢/ ٦٠٢، و"المفردات في غريب القرآن" (٣٧٥).
(٤) "تفسير غريب القرآن" (٥٠٥).
(٥) في (أ): هبت، والمثبت من "معاني القرآن وإعرابه".
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٦ بنحوه.
(٧) الممزَّق العبدي: هو من نكرة، واسمه شاس بن نَهار بن أسود، وهو جاهلي قديم من شعراء البحرين.
"طبقات فحول الشعراء" ١/ ٢٧٤، "الشعر والشعراء" (٢٥٢).
(٨) ورد في نسخة: أ: وأنشد لذي الرمة، والصواب ما أثبتناه، فقد نسب في الصمعيات للمزق العبدي، وكذا في اللسان.
وقد تَخِذَتْ رِجْلي إلى جَنْتِ غَرْزِها | نَسِيفًا كأفْحُوصِ القَطَاةِ المطَرَّقِ (١) |
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾، قال الفراء (٣)، والزجاج (٤)، وأبو علي (٥): الهمزة في "أقتت" بدل من الواو، وكل "واو" انضمت، وكانت ضمتها لازمة، فإنها تبدل على الاطراد همزة أولاً [ثانية] (٦) من ذلك: أن تقول: صَلّي القومُ أُحدانا، وهذا [أُجوه] (٧) حسان، وأدْؤر في جمع دار، والهمزة أصلها واو، وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة (٨)، كما كان كسر الياء ثقيلاً، وأما قوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] فلا يجوز فيه البدل؛ لأن الضمة لا تلزم (٩)، ألا ترى أنه لا يسوغ في نحو قولك: هذا
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٦.
(٥) "الحجة" ٦/ ٣٦٤.
(٦) في (أ): ثالثة، والمثبت من "الحجة".
(٧) في (أ): أوجه، والمثبت من "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٢٣، وانظر: "الوسيط" ٤/ ٤٠٨.
(٨) فكأنما اجتمعت فيه واوان، فقلبت إحداهما همزة تخفيفاً. "التبصرة والتذكرة" ٢/ ٨١٣.
(٩) لأن ضمة التقاء الساكنين لا تثبت ولا يعتد بها. انظر: "التبصرة والتذكرة" لأبي محمد الصيمري ٢/ ٨١٤
قال مجاهد في قوله: "أقتت": وعدت وأجلت (٣). قال أبو إسحاق: أي جعل لها وقتاً (٤).
وفيه قول آخر، قال الكلبي (٥)، ومقاتل (٦): جمعت ليشهدوا على أممهم بالبلاغ إليهم. وهو اختيار الفراء (٧)، وابن قتيبة. قال: جمعت لوقتها يوم القيامة (٨).
وهذا القول أليق بظاهر التفسير؛ (وذلك أن جواب "إذا" في هذه الآية محذوف على تقدير: فإذا النجوم طمست، وإذا، وإذا، وإذا، كان كذا وكذا، والذي يليق بهذا أن يكون المعنى: وإذا الرسل (٩) جعل لها وقت؛ لأن ذلك التوقيت قد سبق من الله، وجمع ما ذكر من الطمس،
(٢) انظر: "الحجة" ٦/ ٣٦٤، "كتاب التبصرة" ٧١٨، " البدور الزاهرة" ٣٣٢. والباقون: أُقتت بألف.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٣، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٣، وعزا تخريجه إلى عبد بن حميد.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٦ بنصه.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٣.
(٨) "تفسير غريب القرآن" ٥٠٦، والعبارة عبارة الفراء، أما ابن قتيبة فقد قال: "جمعت لوقت، وهو يوم القيامة".
(٩) في أ: الرجل، والصواب ما أثبتناه لاستقامة المعنى به.
ثم ذكر أن الرسل كانوا قد ضرب لهم الأجل لجمعهم فقال: ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢)﴾
أي أخرت (٢). قال الفراء: يعجب العباد من ذلك اليوم (٣).
ثم بين فقال: ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)﴾
قال ابن عباس: يوم يفصل الرحمن بين العباد (٤)، وهذا كقوله: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠)﴾ [الدخان: ٤٠].
ثم عظم ذلك اليوم، وهوّل منه، فقال: قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)﴾.
قال مقاتل: هذا تعظيم لشدته (٥).
وقال الكلبي: يقول: وما علمك بيوم الفصل (٦).
ثم ذكر حال المكذبين الذين كذبوا بذلك اليوم فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
(٢) التأجل لغة: الأجل: مدة الشيء، والآجل والآجلَةُ: ضد العاجلة "الصحاح" ٤/ ١٦٢١، (أجل).
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٣ بنصه.
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٣، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧٠، "لباب التأويل" ٤/ ٣٤٤
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ ب.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
ثم أخبر بما فعل بالكفار من الأمم الخالية فقال: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)﴾
قال مقاتل: يعني بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم (٢).
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾ -قال (٣) -: يعني كفار مكة حين كذبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-. (٤)
قال الفراء (٥)، والزجاج (٦): هو رفع على الاستئناف، على معنى: سنفعل ذلك، ويتبع الأول الآخر، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله: "سنتبعهم" (٧) فهذا تحقيق للرفع.
وقال أبو علي: الجزم في: "نُتْبِعْهُم" (٨) على الإشراك في "ألم" ليس
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ ب بمعناه، انظر: "الوسيط" ٤/ ٤٠٨.
(٣) أي: مقاتل.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله في "الوسيط" ٤/ ٤٠٨ من غير عزو.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٣.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٧.
(٧) وردت قراءة ابن مسعود في "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٣/ ب، "زاد المسير" ٨/ ١٥٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٧، وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها، ولعدم ورودها في كتب التواتر، وهي من باب التفسير والله أعلم.
(٨) قرأ بذلك: الأعرج، وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها، ولوردها في "المحتسب" لابن جني ٢/ ٣٤٦، قال أبو الفتح بن جني: يحتمل جزمه أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة: "نتبِعُهُمْ" بالرفع، فأسكن العين استثقالا لتوالي الحركات. =
فاليوم أشرب غيرَ مُسْتَحْقِبٍ (٥)
وقد تقدم القول فيه (٦).
ثم زاد تخويفاً لأهل مكة فقال: قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾.
أي: (مثل ما فعلنا بمن تقدم من الأمم، وموضع الكاف: نصب) (٧).
ثم ذكر بدو خلقهم لئلا يكذبوا بالبعث فقال:
(١) وهو ما تحمله قراءة الجمهور.
(٢) في (أ): أبو، والمثبت من مصدر الكلام، وهو "الحجة" ٦/ ٣٦٤.
(٣) أن ساقطة من: أ، والمثبت من "الحجة"، وبه يستقيم المعنى، وينتظم الكلام.
(٤) "الحجة" ٦/ ٣٦٤ بتصرف.
(٥) عجز البيت: إثماً من الله ولا واغِلِ
والبيت في "ديوانه" (١٤٩)، ط. دار صادر برواية: فاليوم أُسقى غير مستحقب. والمستحقب: المكتسب للإثم الحامل له، الواغل: الذي يدخل على القوم وهم يشربون من غير أن يدعى. (ديوانه).
(٦) لم أستطع التوصل إلى الموضع المشار إليه.
(٧) ما بين القوسين نقله عن الزجاج بتقديم وتأخير في الكلام. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٧.
﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢)﴾ يعني مدة الحامل، ومنتهى الحمل.
﴿فَقَدَرْنَا﴾ قال الكلبي: يعني خلقه، كيف يكون قصيراً، وطويلاً، وذكراً، وأنثى (٣).
وفيه قراءتان: التخفيف، والتشديد (٤).
قال الفراء: والمعنى فيهما واحد؛ لأن العرب تقول: قُدِر عليه الموت، والرزق، وقدِّر بالتشديد، وجه من احتج للتخفيف بقوله: ﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: ٢٣] لا يلزم؛ لأن العرب تجمع بين اللغتين، قال الله تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ﴾ [الطارق: ١٧]، وقال الأعشى:
(٢) سورة المؤمنون: ١٢ - ١٣/ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ ومما جاء في تفسير قوله: ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾: "القرار: يعني مستقر، مكين: أي مطمئن غير مضطرب، يقال: مكين بيّن المكانة. قال ابن عباس، والمفسرون في قوله: "مكين": يريد الرحم، مكن فيه بأن هيئ لاستقراره فيه، إلى بلوغ أمده الذي جعل له".
(٣) "الوسيط" ٤/ ٤٠٨.
(٤) قرأ: أبو جعفر، ونافع، والكسائي: "فقدَّرنا" بالتشديد، وقرأ الباقون: "فقَدَرْنا" بالتخفيف.
انظر: "كتاب السبعة" ٦٦٦، "الحجة" ٦/ ٣٦٥، "حجة القراءات" ٧٤٣، "المبسوط" ٣٩١، "الكشف" ٢/ ٣٥٨، "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٩٧.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون: "نعم المقدرون" فجاء على حذف الزوائد، نحو: دلو الدالي (٣)، وأجواز ليل غاضْ (٤) (٥). وذكرنا ذلك في قوله: ﴿الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ (٦) [الحجر: ٢٢].
وموضع الشاهد: يقال: أنكرت الرجل إذا كنت من معرفته في شك، ونكرته إذا لم تعرفه. وقال معمر بن المثنى: نَكِرْته وأنْكَرْته بمعنى واحد.
انظر: "ديوانه" ١٠٥ ط. دار صادر، "مجالس العلماء" للزجاجي ٢٣٥، "الخصائص" ٣/ ٣١، "المحتسب" ٢/ ٢٨٩، شرح أبيات "معاني القرآن" ٢٠٧؛ ش: ٤٦٧.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٣ - ٢٢٤ بتصرف يسير.
(٣) هو من بيت للعجاج، وقد ورد في ديوانه: ٥٩: تح عزة حسن، "لسان العرب" ١٤/ ٢٦٥ (دلا) من قوله:
يَجْفِلُ عن جَمَّاتِهِ دَلْوَ الدَّال | غَيَايةً غَثراء مِنْ أجْنٍ طال |
(٤) أي: مغضٍ، وهذا من بيت لرؤبة:
يخرجن من أجْواز ليل غاضِ | نَضْوَ قداحِ النابلِ النواضي |
والخضخاض: القطران، يريد أنها عرقت من شدة السير فاسودت جلودها، وليلة غاضية: شديدة الظلمة، ونار غاضية: عظيمة مُضيئة. انظر: "لسان العرب" ١٥/ ١٢٨، (غضا).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ومما جاء في تفسير الآية:
"فإن قيل: كيف قال: لواقح وهي ملقحة؟ والجواب: ما ذهب إليه أبو عبيدة: أن لواقح هاهنا بمعنى ملاقح، جمع ملقحة، فحذفت الميم منه، ورُدت إلى الأصل =
٢٥ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا﴾ معنى الكفت في اللغة: الضم، والجمع، يقال: كَفَتُّ الشيء: أي ضممته فانكفت، أي انضم، ومنه قول أوس:
كِرامٌ حين تَنْكَفِتُ الأفاعي | إلى أجحارهنَّ من الصَّقيعِ (١) |
بمعنى أن هذه الأشياء لم يرد البناء على الفعل، واختار أبو علي -أيضًا- قول أبي عبيدة، فقال: لواقح بمعنى ملاقح على حذف الزيادة.
(١) ورد البيت في كتاب "سيبويه" ٣/ ٥٧٧، وقد استشهد به على جواز جمع جحر على أجحار جمع قلة، أما الجحرة فهي جمع كثرة له، ولم ينسبه، "المقتضب" ٢/ ١٩٧، "المخصص" ٨/ ٨٥ المجلد الثاني، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٩ غير منسوب، ولم أعثر عليه في ديوانه.
ومعنى البيت: انكفت القوم إلى منازلهم: انقلبوا، وهي هنا بمعنى تنقبض، الصقيع: الذي يسقط من السماء بالثلج، ويعني: أنهم كرام إذا أجدب الزمان، واشتد البرد. "المقتضب" ٢/ ١٩٧ (حاشية).
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨١ بتصرف يسير.
(٣) "مجمع الأمثال": للميداني: ٣/ ٣٧، الكِفْتُ: القِدْر الصغيرة، والوئِيَّة: الكبيرة، =
قال ابن عباس: يريد مساكن وقبورًا (٤).
وقال مقاتل: تكفت الأحياء فيسكنون ظهرها، وتكفت الأموات في بطنها (٥).
وقال مجاهد: تكفت الميت، فلا يرى منه شيء، والحي إذا أوى إلى بيته (٦).
يضرب للرجل يحملك البَلِيَّة | ثم يزيدك إليها أخرى صغيرة |
(٢) الحديث أخرجه:
أبو داود في "سننه" ٢/ ٣٣٣ باب في إيكاء الآنية، عن جابر بن عبيد الله -رفعه- قال: "واكفتوا صبيانكم عند العشاء"، وقال مسدد: عند المساء، فإن للجن انتشاراً وخَطْفة.
والإمام أحمد في "المسند" ٣/ ٣٨٨.
وقد أورد البخاري بمعنى هذا الحديث؛ قال: "وأكفئوا صبيانكم"، "الجامع الصحيح" ٢/ ٤٤٦ ح ٣٣١٦: كتاب بدء الخلق:
باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم | وخمس من الدواب فواسق.. ١٦. |
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ ب بمعناه.
(٦) "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٤ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
قال الفراء: تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً إذا قبروا فيها، في بطنها، أي تحفظهم وتحوزهم (٣)، -قال-: ونصبك (٤) الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ وأمواتٍ، فإذا نونت نصبت، كما يقرأ: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا﴾. [البلد: ١٤، ١٥] (٥).
وقال أبو علي: (إن كان الكفات مصدر الكفت، كما أن الكتاب مصدر الكتب، فقد انتصب (أحياء) به، كما انتصب بقوله: (أو إطعام) (يتيمًا) -قال-: وقد قيل: إن الكفات جمع الكافتة، فأحياء على هذا منتصب بالجمع كقوله: غُفُرٌ ذَنْبُهُمُ غَيرُ فُجُرْ (٦)) (٧) وقال الكلبي: يريد على
(٢) منهم: الشعبي أيضًا. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٧، "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٦، "النكت والعيون" ٦/ ١٧٩. وبه قال الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٧.
(٣) في "معاني القرآن" تحرزهم ٣/ ٢٢٤.
(٤) في (أ): صمك.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٤ بتصرف، وما ذهب إليه الفراء رجحه الطبري في "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٨.
(٦) البيت لطرفة بن العبد، وصدره: ثم زادوا أنّهُمْ في قومهم.
ومعناه: غفر ذنبهم: أي يغفرون ذنب المذنب. غير فجر: أي ولا يفتخرون لرصانتهم. "ديوانه" ٥٥.
(٧) ما بين القوسين من قول أبي علي، ولم أعثر على مصدر لقوله.
قوله تعالى ﴿شَامِخَاتٍ﴾ أي عاليات، وكل عال فهو شامخ، شمخ يشمخ شموخاً، ويقال للمتكبر: شمخ بأنفه، وجبل شامخ، وجبال شامخة، وشامخات، وشوامخ، أي طوال عالية في السماء مرتفعات، وكل هذا من ألفاظ المفسرين (٢)، وأهل المعاني (٣).
قوله تعالى: ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا﴾ تقدم تفسيره عند قوله: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ (٤).
وقوله: ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ (٥) [الفرقان: ٥٣].
(٢) قال قتادة: يعني جبال، وعن ابن عباس: جبالاً مشرفات. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٨، وإلى القول: عاليات مرتفعات ذهب البغوي: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٤، وابن عطية: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٩، وابن الجوزي: "زاد المسير" ٨/ ١٥٧، والفخر الرازي: "التفسير الكبير" ٣/ ٢٧٤، والقرطبي: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦٠، والخازن "لباب التأويل" ٤/ ٣٤٤.
(٣) ذهب إليه: الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٧.
قال ابن فارس: شمخ: أجل صحيح يدل على تعظم وارتفاع، يقال: جبل شامخ: أي عالٍ، وشمخ فلان بأنفه: إذا تعظم في نفسه. انظر: (شمخ) في "مقاييس اللغة" ٣/ ٢١٢، "تهذيب اللغة" ٧/ ٩٦، "لسان العرب" ٣/ ٣٠.
(٤) في (أ): وردت: أسقيناكم، والآية من سورة الحجر: ٢٢، ومما جاء في تفسيرها: "ومعنى: "فأسقيناكموه": العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام، أو من السماء، أو نهر يجري: أسقيت، أي جعلته شرباً له، وجعلت له منها مسْقى، فإذا كانت السقيا لشفته قالوا: سقاه، ولم يقولوا: أسقاه، وقال أبو علي: يقول: سَقَيْتُه حتى رُوي، وأسقيته نهراً جعلته شِرْباً له، وقوله: "فأسقيناكموه" أي جعلناه سقياً لكم".
(٥) ومعنى قوله: "فراتاً": الفرات: أعذب المياه، وقد فرت الماء يفرت فروتة: إذا =
ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة، فقال: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
قال الكلبي: يقول لهم الخزنة: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون في الدنيا (٢).
ثم ذكر ما أمروا بالانطلاق إليه، فقال: قوله تعالى: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ﴾
قال المفسرون (٣): (إن الشمس تدنو (٤) يوم القيامة من رؤوس (٥) الخلائق، وليس عليهم يومئذ لباس، ولا لهم كنان (٦)، فتلفحهم الشمس، وتسْفَعُهُم، وتأخذ بأنفاسهم، [ومد] (٧) ذلك اليوم وكربه، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظلِّه، وهناك يقولون: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧]، ويقول للمكذبين: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ
والفرات لغة: الماء العذْب، يقال: ماء فُرات، ومياه فُرات. انظر: "مختار الصحاح" ٤٩٤، "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٨.
(١) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٤، ولم أعثر في تفسيره على هذا القول، أو نحوه.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) يعني به ابن قتيبة.
(٤) في (أ): تدنوا.
(٥) في (أ): روش.
(٦) كنان: أي الغطاء، والجمع: أكنة، مثل: اغطية. "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٧.
(٧) في (أ): ود، وما أثبته من المصدر الأصلي للقول، وهو "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٣١٩ لاستقامة المعنى، إذ لا يتحقق للمعنى فهم لو أثبت: ود.
ثم وصف ذلك الظل فقال:
﴿لَا ظَلِيلٍ﴾ (٣) (أي لا يظلُّكم من حَرِّ هذا اليوم؛ بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس) (٤).
"ولا يغني" عنكم "من اللهب" أي لا يدفع عنكم من حره شيئاً (٥)؛
(٢) ما بين القوسين نقله عن ابن قتيبة من "تأويل مشكل القرآن" ٣١٩ - ٣٢٠ بشيء من الاختصار، وحكاه الفخر عن المفسرين: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧٥.
وعن قتادة في معنى الآية: قال: هو كقوله: ﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾، والسرادق: دخان النار، فأحاط بهم سرادقها، ثم تفرق فكان ثلاث شعب، فقال: انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب: شعبة هاهنا، وشعبة هاهنا، وشعبة هاهنا. "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٩.
وعن مجاهد قال: إن الشعبة تكون فوقه، والشعبة عن يمينه، والشعبة عن شماله، فتحيط به. "النكت والعيون" ٦/ ١٧٩.
وعن الضحاك: أن الشعب الثلاث: الضريع، والزقوم، والغسلين. المرجع السابق، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦١.
وعن الماوردي: أن الثلاث الشعب: اللهب، والشرر، والدخان. "النكت والعيون" ٦/ ١٧٩.
(٣) ﴿لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾.
(٤) ما بين القوسين نقله بنصه من "تأويل مشكل القرآن" ٣١٩ - ٣٢٠.
(٥) في (أ): كما يدفع عنكم حره شيئًا، والكلام مكرر لا فائدة فيه.
قال الكلبي: يريد: لا يرد لهب جهنم عنكم (١).
(والمعنى: أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب، وهذا مثل قوله: ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾) (٢) [الواقعة: ٤٣ - ٤٤].
ثم وصف النار فقال: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ (يقال: شررة، وشرر، وشرار، وهو: ما تطاير من النار متبدداً في كلِّ جهة، وأصله من: شررت الثوب إذا أظهرته، وبسطته للشمس، والشر ينبسط متبددًا، وأنشد (٣):
تنزو إذا شجها المزاج | كما طار شرار يطيره اللهب (٤) |
أو كَشَرارِ العَلاةِ يضربها | القَيْنُ على كلِّ وِجهَةٍ تَثِبُ) (٥) |
أحدهما: أنه القصر من البناء.
قال عطاء عن ابن عباس: يريد القصور العظام (٦).
(٢) ما بين القوسين نقله بتصرف عن ابن قتيبة "تأويل مشكل القرآن" ٣١٩ - ٣٢٠.
(٣) لم ينسب البيت في "التهذيب" ١١/ ٢٧٢ (الشر)، ولا في "اللسان" ٤/ ٤٠١ (الشر).
(٤) لم يذكر في المرجعين السابقين.
(٥) ما بين القوسين نقله عن الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٢٧٢ (الشر). وأيضًا انظر مادة الشر في كل من: "مقاييس اللغة" ٣/ ١٨٠، "الصحاح" ٢/ ٦٩٥، "لسان العرب" ٤/ ٤٠١.
(٦) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧٦.
قال ابن عباس: يعني الحصون والمدائن (٢)، ونحو هذا روي عن ابن عباس، قال: كالقصر العظيم (٣)، وهو اختيار الفراء (٤)، وابن قتيبة (٥). وذكرنا تفسير القصر عند قوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ [الفرقان: ١٠] (٦)
القول الثاني: في "القصر" أنها جمع قصْرة -ساكنة الصاد- مثل: جمْرة، وجمْر، وتمْرة، وتمْر (٧).
قال المبرد: يقال للواحدة من جزل الحطب الغليظ: قصرة، والجمع: قصر (٨).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٩، "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٤/ ب، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٤ وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وجميعها من طريق علي بن أبي صالح الوالبي.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٤، قال: يريد القصر من قصور مياه العرب.
(٥) "تفسير غريب القرآن" ٥٠٧، وانظر أيضًا: "تأويل مشكل القرآن" ٣٢٠.
(٦) ومما جاء في تفسير قوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ أي بيوتًا مبنية مشيدة، ومعنى القصر في اللغة: الحبس، وسمي هذا المبنى قصرًا؛ لأن من فيه مقصور عن أن يوصل إليه، وكل شيء محوط على شيء فهو قصر.
(٧) قرأ: الحسن بسكون الصاد. انظر: "المحتسب" ٢/ ٣٤٦، وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها، ولعدم ذكرها في كتب القراءات المتواترة، ورويت عن الحسن، وهو ممن اشتهر عنه بالقراءة الشاذة، وقد وردت هذه القراءة في كتب الشواذ.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
وقال عبد الرحمن بن [عابس (٢)] (٣): سألت ابن عباس عن "القصر" فقال: خشب كنا ندخره للشتاء نقطعه، كنا نسميه القصر (٤).
وهو قول سعيد بن جبير (٥)، ومقاتل (٦)، إلا أنهم قالوا: هي أصول النخل، والشجر العظام.
(٢) في (أ): عباس، والصواب: عابس، وهو ما ورد في "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤٠، و"الجامع الصحيح" للبخاري ٣/ ٣١٩: ح ٤٩٣٢، وقد ورد في "معالم التنزيل" عبد الرحمن بن عباس، وهو تصحيف كما أسلفت بيانه.
(٣) عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة النخعي الكوفي، روى عن عبد الله بن عباس، ثقة، روى له الجماعة سوى الترمذي.
انظر: "التاريخ الكبير" ٥/ ٣٢٧ ت ١٠٣٨، "الإكمال" ٦/ ١٧، "تهذيب التهذيب" ٦/ ٢٠١.
(٤) ورد قوله بمعناه في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤١، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤٠، "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٤/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٨٠، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٢٠، "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦١، "لباب التأويل" ٤/ ٣٤٥، "الدر المنثور" ٨/ ٣٨٥.
وانظر: "الجامع الصحيح" للبخاري ٣/ ٣١٩ - ٣٢٠ ح ٤٩٣٢ - ٤٩٣٣: "كتاب التفسير" باب: ٢، ٣.
وقال القرطبي عن قول ابن عباس بأنه أصح ما قيل في تفسير الآية. "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦٣.
(٥) "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٤/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦١ - ١٦٢. وانظر: "تفسير سعيد بن جبير" ٣٦٥.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
٣٣ - قوله عز وجل: ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ يعني: كان ذلك الشرر.
قال ابن قتيبة: ووقع تشبيه الشرر بـ[القصر] (٣) في مقاديره، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصُّفر (٤).
(والجمالات: جمع جِمَال كما يقال: رجالٌ ورجالات، وبُيُوتٌ، وبيوتاتٌ، ومن قرأ "جمالة" (٥)، فهي جمع: جَمَل، كما قالوا: حجر، وحجارة، وَذَكر وذِكارة) (٦).
وهي قراءة شاذة لعدم صحة السند، ويقال فيها ما قيل بقراءة تسكين الصاد.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٨.
والذي يرجحه الطبري أنه القصر من القصور؛ لدلالة قوله: "كأنه جمالات صفر" على صحته، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية. "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤١.
(٣) في (١): بالصقر، وأثبت ما جاء في مصدر القول، وهو "تفسير غريب القرآن" ٣٢٠.
(٤) "تفسير غريب القرآن" ٣٢٠.
(٥) قرأ على التوحيد: حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: وذلك بكسر الجيم، وحذف الألف التي بعد اللام.
وقرأ الباقون، وهم: ابن كثير، ونافع، وأبو بكر عن عاصم، وأبو عمر، وابن عامر، ويعقوب، وأبو جعفر: "جِمالات" بألف، وكسر الجيم.
انظر: "الحجة" ٦/ ٣٦٥، "الكشف" ٢/ ٣٥٨، كتاب "التبصرة" ٧١٨، "تحبير التيسير" ١٩٦، "المهذب" ٢/ ٣١٨.
(٦) ما بين القوسين نقله عن الزجاج باختصار، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٨.
وقوله: ﴿صُفْرٌ﴾
قال ابن عباس: يريد الإبل السود، يقال له: أورق، وأصفر (٦).
قال الكلبي: الصفر: السود (٧)، (٨)، وهو قول مقاتل (٩)، وقتادة (١٠).
قال الفراء: الصفر: سُود الإبل، ألا ترى أسوَدَ من الإبل إلا وهو مشربٌ صفرة، لذلك سمت العرب سودَ الإبل: صفراً، كما سمّوا أبيض
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في (أ): فعول، والمثبت ما جاء في مصدر القول، وهو "الحجة".
(٤) خيوطه: خيط مثل فحولة، زادوا الهاء لتأنيث الجمع. "لسان العرب" ٧/ ٢٩٨ (خيط).
(٥) "الحجة" ٦/ ٣٦٥ - ٣٦٦ نقله عنه باختصار.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) قوله: ويقال: له أورق، وأصفر، قال الكلبي: الصفر السود. وهو كلام مكرر من الناسخ.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٤/ أ.
(١٠) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤١، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤١، والعبارة عنده فيها: نوق سود.
ونحو هذا قال الزجاج (٢)، وغيره (٣)، وأنشدوا (٤):
تِلْكَ خَيْلي منها وتِلْكَ ركابي
هُنَّ صُفْرٌ أولادُها كَالزَّبيبِ (٥)
أي: سود.
قال ابن قتيبة: والشرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار أشْبه شيء بالإبل السود لما يشوبها من الصفرة (٦).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٨.
(٣) كأبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨١، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ٥٠٧، وابن الأنباري في كتاب "الأضداد" (١٦٠).
وإليه ذهب البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٥، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٢٠، وساق ابن الجوزي قول الفراء في "زاد المسير" ٨/ ١٥٩، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦٢.
(٤) البيت للاعشى.
(٥) ورد البيت في "ديوانه" ٢٧ ط دار صادر، برواية: "منها" بدلاً من: "منه"، وفي (صفر) في "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٧٠، "الصحاح" ٢/ ٧١٤، "لسان العرب" ٤/ ٤٦٠.
وورد في "تفسير غريب القرآن" (٥٠٧)، "الكشف والبيان" ١٣/ ٢٥/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٨، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٢٠، وسائر المراجع السابقة، وكلها برواية: "خيلي منه" بدلاً من "منها".
ويراد: "صفر" أي: سود. ديوانه.
(٦) "تأويل مشكل القرآن" (٣٢١) بنصه.
وروى قتادة أن رجلاً جاء إلى عكرمة، فقال: أرأيت قول الله: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾، ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١]، فقال: إنها مواقف، فأما موقف منها فتكلموا، واختصموا، ثم ختم الله على أفواههم فتكلمت أيديهم، وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون (٣).
وقال مقاتل: هذا في بعض المواطن حين يختم الله على أفواههم مقدار أربعين سنة (٤)، ونحو هذا ذكر الفراء (٥)، والزجاج (٦).
قال الفراء: وأراد بقوله: "يوم لا ينطقون" تلك الساعة، وذلك القدر من الوقت الذي لا ينطقون فيه، كما تقول: أتيتك يوم يقدمُ فلان، والمعنى: ساعة يقدم، وليس باليوم كله؛ لأن القدوم إنما يكون في ساعة يسيرة، ولو كان يوماً كله، لما جاز إضافته إلى الفعل لسرعة انقضاء القدوم، فإنه لا يمتد يوماً كله، وإنما استجازت العرب ذلك لأنهم يريدون: آتيك إذا قدم فلان، وإذا يقدم [فإذاً] (٧) يطلبان الفعل، فلما كان اليوم
(٢) يقصد بذلك قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾ الآية: ٦٥ من سورة يس.
(٣) بمعناه في "زاد المسير" ٨/ ١٥٩.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٦ بمعناه.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٨، وعبارته: "يوم القيامة له مواطن ومواقيت، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها".
(٧) في (أ): وإذًا مكرر، والصواب: أيضًا، فإذًا كما هو في "معاني القرآن".
وقال أهل المعاني: معنى قوله: "لا ينطقون" أي بما فيه لهم حجة، ومن نطق بما لا يفيد، فكأنه لم ينطق، وهذا كما تقول لمن تكلم بما لا يفيد: تكلمت ولم تتكلم (٢). يدل على صحة هذا المعنى ما روي عن بعضهم (٣): أنه قال: وأي حجة لهم يقيمونها، أم بأي عذر يعتذرون، وقد أعرضوا عن [مُنعمهم] (٤)، وجحدوا ربوبيته.
٣٦ - قوله تعالى: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ قال الفراء: [رويت] (٥): بالفاء أن يكون نسقاً على ما قبلها، واختير ذلك؛ لأن الآيات بالنون، ولو قيل: فيعتذروا لم يوافق الآيات، وقد قال الله: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ [فاطر: ٣٦] بالنصب، وكلٌّ صواب، ومثله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥، الحديد ١١] بالنصب، والرفع (٦).
والعرب تستحب وفاق الفواصل كما تستحب وفاق القوافي، والقرآن نزل على ما تستحب العرب (٧) من موافقة المقاطع، ألا ترى أنه قال: ﴿إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر: ٦]، فثقل في "اقتربت" لأن آياتها مثقلة.
وقال في موضع آخر: ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الطلاق: ٨]، فاجتمع
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧٩، ورد بمعنى هذا القول عنده من غير عزو.
(٣) بهذا المعنى روي عن الحسن. انظر: المرجع السابق.
(٤) غير واضحة في (أ)، وقد رسمت هكذا منعهم.
(٥) في (أ): ويت، والمثبت من "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٢٦.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٦ بتصرف يسير.
(٧) في (أ): العرب، وهي لفظ مكرر لا معنى لزيادتها.
وأما رفع يعتذرون بالعطف على "يؤذن" أي ليس يؤذن، ولا يعتذرون، هذا لم يؤذن لهم لم يعتذروا.
قوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ أي القضاء والفصل بين أهل الجنة والنار، وأهل الحق والباطل.
﴿جَمَعْنَاكُمْ﴾ يعني مكذبي هذه الأمة.
﴿وَالْأَوَّلِينَ﴾ يعني الذين كذبوا سائر النبيين.
قوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ قال عطاء: يريد: كنتم في الدنيا
وقرأ ابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر في كل القرآن: "نُكْراً".
و"نُكُر" مثقل.
حفص عن عاصم: "نُكْراً" خفيفة.
واختلف عن نافع، فروى إسماعيل بن جعفر: "نُكْراً"، خفيفاً في كل القرآن إلا قوله: "إلى شيء نُكُر" فإنه مثقل.
وروى ابن جماز، وقالون، والمسيبي، وأبو بكر بن أبي أويس، وورش عن نافع: "نُكْراً" مثقل في كل القرآن.
نصر، عن الأصمعي، عن نافع: "نُكُراً" مثقل).
ثم بين أن ذلك كله جائز. "الحجة" ٥/ ١٥٩.
وقال الكلبي: يقول: إن استطعتم أن تصنعوا شيئاً فاصنعوا (٢).
وقال مقاتل: يقول: فإن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم (٣).
ثم ذكر المؤمنين فقال:
٤١ - ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ قال عطاء: يريد المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان (٤).
وقال الكلبي (٥)، ومقاتل (٦): إن المتقين للشرك بالله.
﴿فِي ظِلَالٍ﴾ يعني: ظلال الشجر، وظلال [أكنان (٧)] (٨) القصور.
ثم قال لكفار مكة:
﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا﴾ يريد في الدنيا إلى منتهى آجالهم.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾ إذا أمروا بالصلوات الخمس لا يصلون مع محمد -صلى الله عليه وسلم-. (٩)
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٤/ أ، قال: "إن كان لكم مكر فامكروا"، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٣٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٦٠.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٨٢ بنحوه.
(٦) المرجع السابق، وورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٤/ أ، قال: يعني به الموحدين.
(٧) غير مقروءة في (أ)، وما أثبته من "الوسيط" ٤/ ٤١٠.
(٨) أكنان: الكِنُّ، والكِنَّةُ، والكنانُ: وقاء كل شيء وستره، والكِنُّ: البيت أيضًا، والجمع: أكنان، وأكِنَّةٌ، الكِن: ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن.
انظر: "لسان العرب" ١٣/ ٣٦٠ (كنن)، المفردات في "غريب القرآن" ٤٤٢.
(٩) قال ابن الجوزي -في هذا المعنى-: "هو الأصح". "زاد المسير" ٨/ ١٥٩.
قال مقاتل (١)، وغيره (٢): يقول: إن لم يصدقوا بهذا القرآن، فبأي كتاب بعد هذا القرآن يصدقون، ولا كتاب بعد القرآن كقوله: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية: ٦].
وقال أبو إسحاق: أي بأي حديث يؤمنون بعد القرآن الذي أتاهم فيه البيان، وهو معجز دليل على الإسلام (٣)؟
(١) "تفسير مقاتل" ٢٢٤/ أمختصرًا.
(٢) قال بذلك: السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٧.
وإليه ذهب ابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١٥٩، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٦٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٦٩ بتصرف.