تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس
المعروف بـتفسير ابن عباس
.
لمؤلفه
الفيروزآبادي
.
المتوفي سنة 817 هـ
ﰡ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿والمرسلات عُرْفاً﴾ يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ كثيرا كعرف الْفرس وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين أرْسلُوا بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل
﴿فالعاصفات عَصْفاً﴾ وَأقسم بالرياح العواصف الشَّدِيدَة والعصف مَا ذرت من منَازِل الْقَوْم
﴿والناشرات نَشْراً﴾ بالمطر يَعْنِي وَأقسم بالمطر وَيُقَال بالسحاب الناشرات بالمطر وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين ينشرون الْكتاب
﴿فالفارقات فَرْقاً﴾ وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يفرقون بَين الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال هِيَ آيَات الْقُرْآن الَّتِي تفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل والحلال وَالْحرَام وَيُقَال هَؤُلَاءِ الثَّلَاث هن الرِّيَاح
﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ وَأقسم بالمنزلات وَحيا
﴿عُذْراً﴾ لله من جوره وظلمه ﴿أَوْ نُذْراً﴾ لخلقه من عَذَابه وَيُقَال عذرا حَلَالا أَو نذرا حَرَامًا وَيُقَال عذرا أمرا أَو نذرا نهيا وَيُقَال عذرا وَعدا أَو نذرا وعيداً أقسم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء
﴿إِن مَا تُوعَدُونَ﴾ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة ﴿لَوَاقِعٌ﴾ لكائن نَازل بكم
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ ﴿فَإِذَا النُّجُوم طُمِسَتْ﴾ ذهب ضوؤها
﴿وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ﴾ انشقت
﴿وَإِذَا الْجبَال نُسِفَتْ﴾ قلعت من أماكنها
﴿وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ﴾ جمعت
﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ هَذِه الْأَشْيَاء يَقُول لأي يَوْم أجلهَا صَاحبهَا ثمَّ بَين فَقَالَ عز وَجل
﴿لِيَوْمِ الْفَصْل﴾ من الْخَلَائق
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا يَوْمُ الْفَصْل﴾ مَا أعلمك بِيَوْم الْفَصْل
﴿ويل﴾ وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال ويل شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول والبعث بعد الْمَوْت
﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلين﴾ بِالْعَذَابِ وَالْمَوْت
﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين﴾ ثمَّ نلحق بالأولين الآخرين البَاقِينَ بعدهمْ بِالْمَوْتِ وَالْعَذَاب
﴿كَذَلِك نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ بالمشركين من قَوْمك
﴿وَيْلٌ﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يو م الْقِيَامَة ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ من قَوْمك بِالْإِيمَان والبعث
﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم﴾ يَا معشر المكذبين ﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ من نُطْفَة ضَعِيفَة
﴿فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ فِي مَكَان حريز رحم الْمَرْأَة
﴿إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ إِلَى وَقت خُرُوجه تِسْعَة أشهر أَو أقل أَو أَكثر
﴿فَقَدَرْنَا﴾ خلقه وَيُقَال ملكنا على خلقه وَيُقَال فصورنا خلقه فِي رحم الْمَرْأَة ﴿فَنِعْمَ القادرون﴾ فَنعم مَا قَدرنَا وصورنا خلقه
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
ثمَّ ذكر منته على عباده فَقَالَ ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض كِفَاتاً﴾ تكفتهم
﴿أَحْيَآءً﴾ على ظهرهَا ﴿وَأَمْواتاً﴾ فِي بَطنهَا وَيُقَال أوعية للأحياء والأموات
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿رَوَاسِيَ﴾ جبالاً ثوابت فِي مَكَانهَا أوتاداً لَهَا ﴿شَامِخَاتٍ﴾ طوَالًا ﴿وَأَسْقَيْنَاكُم﴾ يَا معشر المكذبين ﴿مَّآءً فُرَاتاً﴾ عذباً حلواً وَيُقَال لينًا
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
﴿انْطَلقُوا﴾ يَا معشر المكذبين ﴿إِلَى مَا كُنتُم بِهِ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿تكذبون﴾ أَنه لَا يكون وَهُوَ عَذَاب النَّار تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة بعد الْفَرَاغ من الْحساب
﴿انْطَلقُوا﴾ يَا معشر المكذبين ﴿إِلَى ظِلٍّ﴾ من دُخان النَّار ﴿ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ﴾ فرق
﴿لاَّ ظَلِيلٍ﴾ لَا كنين من حر النَّار ﴿وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب﴾ من لَهب النَّار
﴿إِنَّهَا﴾ يعْنى النَّار ﴿تَرْمِي بِشَرَرٍ﴾ تقذف بالشرر ﴿كالقصر﴾ كأسافل الشّجر الْعِظَام
﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ سود
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
﴿هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ فِي بعض المواطن وينطقون فِي بعض المواطن
﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ﴾ بالْكلَام ﴿فَيَعْتَذِرُونَ﴾
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْل﴾ بَين الْخَلَائق ﴿جَمَعْنَاكُمْ﴾ يَا معشر المكذبين ﴿والأولين﴾ قبلكُمْ والآخرين بعدكم
﴿فَإِن كَانَ لَكمُ﴾ يَا معشر المكذبين ﴿كَيْدٌ﴾ مقدرَة أَن تصنعوا بِي شَيْئا ﴿فَكِيدُونِ﴾ فَاصْنَعُوا بِي وَيُقَال فَإِن كَانَ لكم كيد حِيلَة فكيدوني فاحتالوا بِي
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
ثمَّ بيَّن مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿فِي ظِلاَلٍ﴾ ظلال الشَّجَرَة ﴿وَعُيُونٍ﴾ مَاء ظَاهر جَار
﴿وَفَوَاكِهَ﴾ وألوان الْفَوَاكِه ﴿مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ يتمنون
﴿كُلُواْ﴾ فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم كلوا من الثِّمَار ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من الْأَنْهَار ﴿هَنِيئًا﴾ سائغاً بِلَا دَاء وَلَا موت ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا
﴿إِنَّا كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ بالْقَوْل وَالْفِعْل
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
﴿كُلُواْ﴾ يَا معشر المكذبين ﴿وَتَمَتَّعُواْ﴾ عيشوا ﴿قَلِيلاً﴾ يَسِيرا فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ﴾ مشركون مصيركم النَّار فِي الْآخِرَة وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِالْإِيمَان والبعث
﴿وَإذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ للمكذبين إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا ﴿ارْكَعُوا﴾ اخضعوا لله بِالتَّوْحِيدِ ﴿لاَ يَرْكَعُونَ﴾ لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال هَذَا فِي الْآخِرَة حِين يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم اسجدوا إِن كُنْتُم مُصدقين بِمَا تَقولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَلم يقدروا على السُّجُود وَبقيت أصلابهم كالصياصي وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف حَيْثُ قَالُوا لَا نحني ظُهُورنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود
﴿ويل﴾ شدَّة عَذَاب ﴿يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿للمكذبين﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب والبعث
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ﴾ كتاب ﴿بَعْدَهُ﴾ بعد كتاب الله ﴿يُؤمنُونَ﴾ إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا النبأ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتّمائَة وَتسْعُونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾