اللغَة:
﴿فُرِجَتْ﴾ فتحت وشقت يقال: فرجت الشيء فانفرج أي فتحته فانفتح
﴿كِفَاتاً﴾ الكفت في اللغة: الضمُّ والجمع قال الشاعر:
فأنت اليوم فوق الأرض حيٌّ | وأنت غداً تضمُّك في كفات |
﴿شَامِخَاتٍ﴾ عاليات مرتفعات، يقال: شمخ بأنفه إِذا رفعه كبراً
﴿فُرَاتاً﴾ عذباً شديد الحلاوة
﴿بِشَرَرٍ﴾ الشَّرر: ما تطاير من النار وتفرق جمع شررة.
التفسِير:
﴿والمرسلات عُرْفاً﴾ أي أُقسم بالرياح حين تهبٌّ متتابعة، يقفوا بعضها إِثر بعض، قال المفسرون: هي رياح العذاب التي يهلك الله بها الظالمين
﴿فالعاصفات عَصْفاً﴾ أي وأٌقسم بالملائكة الموكلين بالسحب يسوقونها حيث شاء الله، لتنشر رحمة الله المطر فتحيي به البلاد والعباد
﴿فالفارقات فَرْقاً﴾ أي وأقسم بالملائكة التي تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام
﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ أي وأقسم بالملائكة تنزل بالوحي، وتلقي
475
كتب الله تبارك وتعالى إِلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
﴿عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ أي تلقي الوحي إِعذاراً من الله للعباد لئلا يبقى لهم حجة عند الله، أو إِنذاراً من الله للخلق بالنقمة والعذاب
﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ﴾ أي وأُقسم بالرياح الشديدة الهبوب، إِذا أُرسلت عاصفة شديدة، قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيَّرت الآثار
﴿والناشرات نَشْراً﴾ هذا هو جواب القسم أي إِنَّ ما توعدون به من أمر القيامة، وأمر الحساب والجزاء، كائن لا محالة قال المفسرون: أقسم تعالى بخمسة أشياء، تنبيهاً على جلالة قدر المقسم به، وتعظيماً لشأن المقسم عليه، فأقسم بالرياح الي تحمل الرحمة والعذاب، وتسوق للعباد الخير أو الشر، وبالملائكة الأبرار، الذي يتنزلون بالوحي للإِعذار والإِنذار، أقسم على أن أمر القيامة حق لا شك فيه، وأن ما أوعد الله تعالى به المكذبين، من مجيء الساعة والثواب والعقاب، كائن لا محالة، فلا ينبغي الشك والامتراء.. ثم بيَّن تعالى وفصَّل وقت وقوع ذلك فقال
﴿فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ﴾ أي محيت النجوم وذهب نورها وضياؤها
﴿وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ﴾ أي شقت السماء وتصدَّعت
﴿وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ﴾ أي تطايرت الجبال وتناثرت حتى أصبحت هباءً تذروه الرياح كقوله تعالى
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه: ١٠٥]
﴿وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ﴾ أي جعل للرسل وقتٌ وأجل، للفصل بينهم وبين الأمم، وهو يوم القيامة كقوله تعالى
﴿يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩] ؟ وأصل
﴿أُقِّتَتْ﴾ وُقِّتت من الوقت أي يجعل لها وقت محدد، قال الطبري: أي أُجّلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة وقال مجاهد: هو الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم
﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ ؟ استفهامٌ لتعظيم ذلك اليوم، والتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة أي لأي يومٍ عظيم أُخرت الرسل؟ ثم قال
﴿لِيَوْمِ الفصل﴾ أي ليوم القضاء والفصل بين الخلائق، يوم يفصل الله بين الأنبياء وأممهم المكذبين بحكمه العادل
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ ؟ استفهام للتعظيم والتهويل أي وما أعلمك أيها الإِنسان بيوم الفصل وشدته وهوله؟ فإن ذلك اليوم أعظم من أن يعرف أمره إِنسان، أو يحيط به عقل أو وجدان، ووضع الظاهر
﴿مَا يَوْمُ الفصل﴾ مكان الضمير
«ما هو» لزيادة تفظيع وتهويل أمره قال الإِمام الفخر: عجَّب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال: لأي يومٍ أُجّلت الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل، وهي تعذيب من كذَّبهم، وتعظيم من آمن بهم، وظهورما كانوا يدعون الخلق إلى الإِيمان به، من الأهوال والعرض والحساب، ثم إِنه تعالى بين ذلك فقال
﴿لِيَوْمِ الفصل﴾ وهو يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، ثم أتبع ذلك تعظيماً ثانياً فقال
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ أي وما أعلمك ما هو يوم الفصل وشدته ومهابته؟ وجواب الشرط
﴿فَإِذَا النجوم﴾ الخ محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره: وقع ما توعدون به، وجرى ما أخبركم به الرسل من مجيء القيامة، والحذف على هذه الصورة من أساليب الإِيجاز البياني الذي امتاز به القرآن
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك عظيم وخسار كبير في ذلك اليوم لأولئك المكذبين بهذا اليوم الموعود قال المفسرون: كرَّر هذه
476
الجملة
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ في هذه السورة عشرة مرات لمزيد الترغيب والترهيب، وفي كل جملة وردت إِخبارٌ عن أشياء عن أحوال الآخرة، وتذكير بأحوال الدنيا، فناسب أن يذكر الوعيد عقيب كل جملة منها بالويل والدمار للكفرة الفجار، ولما كان في سورة الإِنسان السابقة ذكر بعضاً من أحوال الكفار في الآخرة، وأطنب في وصف أحوال المؤمنين هناك، جاء في هذه السورة بالإِطناب في وصف الكفار، والإِيجاز في وصف المؤمنين.
. ثم بعد أن أكد الخبر بيوم القيامة، وأنه حق كائن لا محالة، وبعد أن خوَّف المكذبين من شدة هول ذلك اليوم، وفظاعة ما يقع فيه، عاد فخوَّفهم من بطش الله وانتقامه بأسلوب آخر فقال
﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين﴾ ؟ أي ألم نهلك السابقين بتكذيبهم للرسل، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود؟
﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين﴾ ؟ أي ثم ألحقنا بهم المتأخرين ممن كانوا مثلهم في التكذيب والعصيان، كقوم لوط وشعيب وقوم موسى
«فرعون وأتباعه» ومن على شاكلتهم
﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ أي مثل ذلك الإِهلاك الفظيع نفعل بهؤلاء المجرمين
«كفار مكة» لتكذيبهم لسيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار لكل مكذب بالتوحيد والبنوة، والبعث والحساب
﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ تذكير للمكذبين وتعجيب من غفلتهم وذهولهم عن أبسط الأمور المشاهدة، وهي أن من خلقهم من النطفة الحقيرة الضعيفة كان قادراً على إِعادة خلقهم للبعث والحساب والمعنى: ألم نخلقكم يا معشر الكفار من ماءٍ ضعيف حقير هو منيٌّ الرجل؟ وفي الحديث القدسي يقول الله عَزَّ وَجَلَّ
«ابن آدم أنَّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه» الحديث
﴿فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ أي فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز وهو رحم المرأة
﴿إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي إِلى مقدار من الزمن محدَّد معيَّن، معلوم عند الله تعالى وهو وقت الولادة،
﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون﴾ أي فقدرنا على خلقه من النطفة، فنعم القادرون نحن حيث خلقناه في أحسن الصور، وأجمل الاشكال
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار للمكذبين بقدرتنا قال الصاوي: هذه الآية تذكير من الله تعالى للكفار بعظيم إِنعامه عليهم، وقدرته على ابتداء خلقهم، والقادرُ على الابتداء قادر على الإِعادة، ففيها ردٌّ على المنكرين للبعث.. ثم ذكَّرهم بنعمة إِيجادهم على الأرض حال الحياة، ومواراتهم في باطنها بعد الموت فقال
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً﴾ ؟ ألأي ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها كالأم لكم، تجمع الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها؟ قال المفسرون: الكفت: الجمع والضم، فالأرض تجمع وتضم إِليها جميع البشر، فهي كالأم لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدور، والأموات يسكنون في بطنها في القبور
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى﴾ [طه: ٥٥] قال الشعبي: بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ
477
شَامِخَاتٍ} أي وجعلنا في الأرض جبالاً راسخات عاليات مرتفعات لئلا تضطرب بكم
﴿وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾ أي وأسقيناكم ماءً عذباً حلواً بالغ العذوبة، أنزلناه لكم من السحاب، وأخرجناه لكم من العيون والأنهار، لتشربوا منه أنتم ودوابكم، وتسقوا منه زرعكم وأشجاركم
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي انطلقوا إِلى عذاب جهنم الذي كنتم تكذبون به في دار الدنيا، وهذا الكلام تقوله لهم خزنة النار تقريعاً وتوبيخاً.. ثم وضَّح ذلك العذاب وفصَّله فقال
﴿انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ﴾ أي اذهبوا فاستظلوا بدخانٍ كثيف من دخان جهنم، يتفرع منه ثلاث شعب
﴿لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب﴾ أي لا يظل من يكون تحته، ولا يقيه حر الشمس كما هو حال الظل الممدود، ولا هو يدفع عنه أيضاً ألسنة النار المندلعة من كل جانب قال الطبري: لا هو يظلهم من حرها، ولا يكنهم من لهبها، وذلك أنه يرتفع من وقود جهنم الدخان، فإِذا تصاعد تفرَّق شعباً ثلاثة قال المفسرون: سمَّى العذاب ظلاً تهكماً واستهزاءً بالمعذبين، فالمؤمنون في ظلال وعيون، والمجرمون في سموم وحميم، وظلٍ من يحموم، واليحموم دخانٌ أسود قاتم، فكيف يصح أن يسمى ما هم فيه ظلاً إِلا على طريق التهكم والاستهزاء؟ ثم زاد تعالى في وصف جهنم وأهوالها فقال
﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر﴾ أي إِن جهنم تقذف بشرر عظيم من النار، كلُّ شرارةٍ منه كأنها القصر العظيم قال ابن كثير: يتطاير الشرر من لهبها كالحصون
﴿كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ﴾ أي كأن شرر جهنم المتطاير منها الإِبل الصفر في لونها وسرعة حركتها قال الرازي: شبَّه تعالى الشرر في العظم بالقصر، وفي اللون والكثرة وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، وهذا التشبيه من روائع صور التشبيه، لأن الشرارة إِذا كانت مثل القصر الضخم، فكيف تكون حال تلك النار الملتهبة؟ أجارنا الله من نار جهنم بفضله ورحمته
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار للمكذبين بآيات الله
﴿هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ أي هذا اليوم الرهيب، الذي لا ينطق فيه أولئك المكذبون ولا يكتمون كلاماً ينفعهم، فهم في ذلك اليوم خرس بكم
﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ أي ولا يقبل لهم عذرٌ ولا حجة فيما أتوا به من القبائح والجرائم، بل لا يؤذن لهم في أن يعتذروا، لأنه لا تسمع منهم تلك الحجج والأعذار ولا تقبل كقوله تعالى
﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غافر: ٥٢]
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين﴾ أي يقال لهم: هذا يوم الفصل بين الخلائق، الذي يفصل الله فيه
478
بحكمه العادل بين السعداء والأشقياء، جمعناكم فيه مع من تقدمكم من الأمم لنحكم بينكم جميعاً
﴿فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ أي فإن كان لكم حيلة في الخلاص من العذاب فاحتالوا، وانقذوا أنفسكم من بطش الله وانتقامه إِن قدرتم، وهذا تعجيزٌ لهم وتوبيخ
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك يومئذٍ للمكذبين بيوم الدين.. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء المجرمين، أعقبه بذكر أحوال السعداء المتقين فقال
﴿إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ﴾ أي الذين خافوا ربهم في الدنيا، واتقوا عذابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم يوم القيامة في ظلال الأشجار الوارقة، وعيون الماء الجارية، يتنعمون في دار الخلد، والكرامة، على عكس أولئك المجرمين المكذبين، الذين هم في ظلٍ من يحموم وهو دخان جهنم الأسود الذي لا يقي حراً، ولا يدفع عطشاً، ولا يجد المستظل به مما يشتهيه لراحته سوى شرر النار الهائل
﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي وفواكه كثيرة متنوعة مما يستلذون ويستطيبون
﴿كُلُواْ واشربوا هنيائا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي ويقال لهم على سبيل الأنس والتكريم: كلوا أكلاً لذيذاً واشربوا شرباً هنيئاً، بسبب ما قدمتم في الدنيا من صالح الأعمال
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ أي إِنا مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من أحسن عمله، وأخلص نيته، واتقى ربه
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار للمكذبين بيوم الدين
﴿كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ﴾ أي يقال للكفار على سبيل التهديد والوعيد: كلوا من لذائذ الدنيا، واستمتعوا بشهواتها الفانية، كما هو شأن البهائم التي همُّها ملء بطونها ونيل شهواتها زماناً قليلاً الى منتهى آجالكم، فإِنكم مجرمون لا تستحقون الإِنعام والتكريم
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك ودمار يوم القيامة للمذكبين بنعم الله
﴿وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ﴾ أي وإِذا قيل لهؤلاء المشركين صلُّوا لله، واخشعوا في صلاتكم لعظمته وجلاله، لا يخشعون ولا يصلون، بل يظلون على استكبارهم يصرون قال مقاتل: نزلت هذه الآية في ثقيف، امتنعوا عن الصلاة وقالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: حطَّ عنا الصلاة فإِنا لا ننحني، إِنها مسبة علينا، فأبى وقال: لا خير في دينٍ لا صلاة فيه
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاكٌ ودمار يوم القيامة للمكذبين بأوامر الله ونواهيه
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ أي فبأي كتابٍ وكلام بعد هذا القرآن المعجز الواضح يصدّقون إِن لم يؤمنوا بالقرآن؟ فإِذا كذبوا بالقرآن ولم يؤمنوا به، مع بلوغه الغاية في الإِعجاز، ونصوع الحجة، وروعة البيان، فبأي شيءٍ بعد ذلك يؤمنون؟ قال القرطبي: كرر قوله
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ عشر مراتٍ للتخويف والوعيد، وقيل: إِنه ليس بتكرار، لأنه أراد بكل قولٍ منه غير الذي أراده بالآخر، كأنه ذكر شيئاً فقال: ويلٌ لمن يكذب بهذا، ثم ذكر شيئاً آخر فقال: ويل لمن يكذب بهذا، وهكذا إِلى آخر السورة الكريمة.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التأكيد بذكر المصدر زيادة في البيان وتقوية للكلام مثل
﴿فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً﴾ وهو من المحسنات اللفظية.
٢ - الطباق بين
﴿عُذْراً.. ونُذْراً﴾ وبين
﴿أَحْيَآءً.. أَمْواتاً﴾ وبين
﴿الأولين.. والآخرين﴾
479
وكلها من المحسنات البديعية.
٣ - وضع الظاهر مكان الضمير، والمجيء بصيغة الاستفهام
﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الفصل وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ ؟ لزيادة تفظيع الأمر وتهويله.
٤ - الاستفهام التقريري
﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين﴾ ؟ ومثله
﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ ؟
٥ - الجناس غير التام بين لفظتي
﴿مَّهِينٍ﴾ و
﴿مَّكِينٍ﴾.
٦ - التشبيه المرسل المجمل
﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر﴾ والمرسل المفصل
﴿كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ﴾.
٧ - المقابلة بين نعيم الأبرار وعذاب الفجار
﴿إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُواْ واشربوا هنيائا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قابل ذلك بقوله
﴿كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ﴾.
٨ - أسلوب التهكم
﴿انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ﴾ سمَّى العذاب ظلاً تهكماً وسخرية بهم.
٩ - المجاز المرسل
﴿وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ﴾ أطلق الركوع وأراد به الصلاة فهو من باب اطلاق البعض وإِرادة الكل أي وإِذا قيل لهم صلوا لا يصلون.
١٠ - توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل
﴿هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ.. إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ الخ ويسمى بالسجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية.
480