تفسير سورة الشرح

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

التفسِير: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ استفهامٌ بمعنى التقرير أي قد شرحنا لك صدرك يا محمد بالهدى والإِيمان، ونور القرآن كقوله تعالى ﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ [الأَنعام: ١٢٥] قال ابن كثير: أي نورناه وجعلناه فسيحاً، رحيباً، واسعاً، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً، سمحاً، سهلاً، لا حرج فيه ولا إِصرْ ولا ضيق وقال أبو حيان: شرحُ الصدر تنويره بالحكمة، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إِليه وهو قول الجمهور، وقيل: هو شق جبريل لصدره في
547
صغره وهو مرويٌ عن ابن عباس ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾ أي حططنا عنك حملك الثقيل ﴿الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أي الذي أثقل وأوهن ظهرك قال المفسرون: المراد بالوزر الأمور التي فعلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَوَضْعُها عنه هو غفرانها له كقوله تعالى ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] وليس المراد بالذنوب المعاصي والأثام، فإِن الرسل معصومون من مقارفة الجرائم، ولكن ما فعله عليه السلام عن اجتهاد وعوتب عليه، كإِذنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للمنافقين في التخلف عن الجهاد حين اعتذروا، وأخذه الفداء من أسرى بدر، وعبسه في وجه الأعمى ونحو ذلك، قال في التسهيل: وإِنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفورة لهم، لهمِّهم بها وتحسرهم عليهان فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله وهذا كما ورد في الأثر «إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه» والنقيضُ هو الصوتُ الذي يسمع من المحمل فوق ظهر البعير من شدة الحمل ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ أي رفعنا شأنك، وأعلينا مقامك في الدنيا والآخرة، وجعلنا اسمك مقروناً باسمي قال مجاهد: لا أَذكر إِلا ذكرت معي وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إِلا ينادي: أشهد أن لا إِله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفي الحديث «أتاني جبريل فقال لي يا محمد: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله تعالى أعلم، قال: إِذا ذكرتُ ذكرتَ معي» قال في البحر: قرن الله ذكر الرسول بذكره جل وعلا في كلمة الشهادة، والأذان والإِقامة، والتشهد، والخطب، وفير غير موضع من القرآن، وأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به كما قال حسان بن ثابت:
وضمَّ الإِله اسم النبي إِلى اسمه إِذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من إِسمه ليُجله فذو العرش محمودٌ وهذا محمد
﴿فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ أي بعد الضيق يأتي الفرج، وبعد الشدة يكون المخرج قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما عدَّد عليه النعم في أول السورة تسلية وتأنسياً له، لتطيب نفسه ويقوى رجاؤه، وكأن الله تعالى يقول: إِنَّ الذي أنعم عليك بهذه النعم الجليلة، سينصرك عليهم، ويظهر أمرك، ويبدل لك هذا العسر بيسرٍ قريب، ولذلك كرره ومبالغة فقال: ﴿إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ أي سيأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر فلا تحزن ولا تضجر وفي الحديث
«لن يغلب عسرٌ يسرين» {فَإِذَا
548
فَرَغْتَ فانصب} أي فإِذا فرغت يا محمد من دعوة الخلق، فاجتهد في عبادة الخالق، وإِذا انتهيت من أمور الدنيا، فأتعب نفسك في طلب الآخرة ﴿وإلى رَبِّكَ فارغب﴾ أي اجعل همَّك ورغبتك فيما عند الله، لا في هذه الدنيا الفانية قال ابن كثير: المعنى إِذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب إِلى العبادة، وقم إِليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام التقريري للامتنان والتذكير بنعم الرحمن ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ..﴾ الخ.
٢ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ شبَّه الذنوب بحمل ثقيل يرهق كاهل الإِنسان ويعجز عن حمله بطريق الاستعارة التمثيلية:
٣ - التنكير للتفخيم والتعظيم ﴿إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ نكر اليسر للتعظيم كأنه يسراً كبيراً.
٤ - الجناس الناقص بين لفظ ﴿اليُسْر﴾ و ﴿العسر﴾.
٥ - تكرير الجملة لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب ﴿إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ ويسمى هذا بالإِطناب.
٦ - السجع المرصَّع مراعاة لرءوس الآيات ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب وإلى رَبِّكَ فارغب﴾ ومثلها ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ وهو من المحسنات البديعية.
549
Icon