تفسير سورة الشرح

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني .
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ (أَلَمْ نَشْرَحْ)
مكية، وهي ثمان آيات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) أي: شرحناه؛ لأنَّ إنكار النفي إثبات، والمعنى: نورنا لك صدرك بنور النبوة حتى وسع علم الأولين والآخرين. روى البخاري عن مالك بن صعصعة - رضي الله عنه - " أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - أخبر عن ليلة أسري به قال. فجاء جبرائيل بطست من ذهب ملئ حكمة وإيماناً، فشق من ثغرة نحري إلى مراقِّ بطني، فأخرج قلبي وشقه، ثم غسله بماء زمزم، فحشاه حكمة وإيماناً " أوثر فيه الإجمال والتفضيل مبالغة في الإيضاح.
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) ما كان يثقل عليك من عدم العلم بالحكم والأحكام، أو ما كنت ترى من ضلال قومك، مع عدم الاهتداء إلى ما ترشدهم إليه، أو ما كنت تلقى من الشدة عند تلقي الوحي خوفاً من فوت شيء منه، فضمنا لك حتى سكن
روعك. (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) من النقيض وهو: صوت الرحل من ثقل الحمل. مثّل حاله به، كناية عن غاية الشدة.
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) في الدارين، بأنك سيد المرسلين وخاتم النبيين، ونعتك في زبر الأولين، واسمك مقرون باسم ربِّ العالمين. (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). عدّد عليه بعض جلائل نعمه، ثم قال:
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) كأنه قال: إذا كنت بهذه الرتبة عندنا، فلا تُبال بقول من قصر نظره على حطام الدنيا، معيّراً لك ولأصحابك بضيق ذات اليد، فإنكم سترون عن قريب يسراً وأيّ يسرٍ. ودل على القرب بلفظ " مع " الدال على المقارنة والمصاحبة.
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦) استئناف. واليسر الثاني غير الأول على قانون النكرة المعادة، وترجيحاً للتأسيس على التأكيد، وحملاً لكلام اللَّه تعالى على أبلغ احتمالين مع اقتضاء المقام زيادة التسلية والتنفيس. ولما روي مرفوعاً أنه قال. " لَنْ يَغْلِبَ عُسرٌ يُسْرَيْنِ ". فإن قلت:
فما تقول في معنى الحديث، من حمل الثاني على التأكيد، وجعله مثل قولك: إنَّ زيداً قائم، إنَّ زيداً قائم؟. قلت: يحمل اليسرين على يسر الدنيا والآخرة. فإن قلت: كان الواجب تعريفه؛ لأنه الأول كالعسر. قلت: ذلك ليس بواجب، بل أكثري عدل عنه للتفخيم.
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) فإذا فرغت من عبادة أتبعها بأخرى ليكون شكرك على وفق النعم. وأشار بلفظ النصب وهو التعب إلى الترقي كمًّا في جانب النعم بقوله: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى). وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -. " إذا فرغت من الصلاة، فاجتهد في الدعاء " وذلك؛ لأن " الصلاة عماد الدين " و " الدُّعَاءُ مُخّ الْعِبَادةِ ". وعن الحسن: " إذا فرغت من الغزو، فاجتهد في العبادة ". وكأنه لاحظ قوله: " رجعنا من الجهاد ْالأصغر إلى الجهاد الأكبر ". (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨) في مطالبك لا إلى غيره، لعدمك بتفرده بالتأثير لا يشاركه أحد، الكل منه وبه وإليه، فتوكل عليه.
* * *
408
تمّت سورة ألم نشرح بحمد اللَّه، والصلاة على أفضل خلق اللَّه.
* * *
409
Icon