ﰡ
مدنية بها وآياتها اثْنَتَا عشرَة آيَة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (١) ناداه أولاً؛ لأنه سيد القوم وإمامهم، وفيه إجلال له، وإشارة إلى أنهم لا يصدرون إلا عن رأيه. والمعنى: إذا أردتم الطلاق كقوله: (إِذَا قُمتُمْ إِلَى الصَّلَاة) وله نظائر. تتزيلاً للمشرف على الشيء منزلة المباشرة. والطلاق المأمور به: أن يكون في طهر لم يجامع فيه، أو حامل استبان حملها. واللام للتوقيت. فالذي يقول: إن الأقراء بالأطهار فلا إشكال عنده. والذي يقول: بالحيض يقدر مستقبلات كقولك: جئتك لليلة بقيت في الشهر. روى البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: " أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر - رضي الله عنه - رسول اللَّه - ﷺ - فتغيظ منه وقال: مره فليراجعها، فإذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت فليطلقها إن شاء ". فإن قلت إذا كان الغرض إيقاع الطلاق في الطهر فما معنى تكرار الطهر في الحديث؟ قلت: أن لا يكون الرجوع للطلاق،(ذَلِكُمْ) المذكور من إيقاع الطلاق على وجه السنة، وإحصاء العدة، والكف عن الإخراج، وإقامة الشهادة. وقيل: إشارة إلى الأخير. والأول أوجه؛ لقوله: (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) سيما إذا جعل (وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَه مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ... (٣) اعتراضاً مؤكداً لتلك الأمور، وإن كان الأوجه أن يكون استطراداً دالًّا على أن التقوى ملاك الأمر، به نيط سعادة الدارين، ويتناول أمر الزوجين أول تناول. عن ابن إسحاق أن عوف بن مالك الأشجعي أسر ابنه، فشكى إلى رسول اللَّه - ﷺ - الفاقة، فأمره
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ... (٤) روى ابن جرير عن أبي بن كعب أنه سأل رسول اللَّه - ﷺ - عن عِدَدِ النساء لم تذكرْ في الكتاب فنزلت. والآيسة: هي التي انقطع دمها لكبر السن. واختلاف القراء في اللائي تقدم في الأحزاب، (إِنِ ارْتَبْتُمْ)
(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ... (٥) لتعملوا بموجبه. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) يوم الجزاء. ولقد بالغ في أمر النساء بالحث على التقوى مراراً؛ وذلك لضعفهن ونقصان عقلهن، وما يبدو منهن مما يوجب النفرة والغضب. وفي آخر خطبة خطبها رسول اللَّه - ﷺ -: استوصوا بالنساء خيراً، خلقن من ضلع أعوج إن ذهبت تقيمه كسرته.
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ... (٦) ما تقدرون عليه. الوجد: الوسع (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) فيحتجن إلى الخروج. (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) تعميم الإسكان وتخصيص الإنفاق بأولات الأَحمال، دليل ظاهر للشافعي رحمه اللَّه على أن المبانة لا نفقة لها. وللحنفية أن هذا مفهوم لا يعارض ما روى عثمان وعمران أن رسول اللَّه - ﷺ - قال: لها السكنى والنفقة. وفائدة التقييد: دفع وهم من ذهب إلى أن المدة إذا زادت عن أربعة أشهر وعشر لا يستحق الزيادة. (فَإِنْ أَرْضَعْنَ
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ... (٧) كل من الموسر والمعسر على قدر حاله. (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) من المال، (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) وعد للفقراء بأن الحال يتبدل كقوله (إِن مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) وحث على الإنفاق بقدر الطاقة.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ... (٨) فحلّ بهم بأس اللَّه تعالى. فخذوا حذركم. بعد بيان جمل من الأحكام أشار إلى أن أهل قرى كثيرة عاندوا، واشتغلوا عن امتثال أوامره. قرأ ابن كثير " كاءٍ " على وزن فاعٍ. (فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا) أهلكناهم؛ لقوله - ﷺ - " من نوقش في الحساب هلك " (وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا) كالخسف والغرق.
(فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا... (٩) وخامة الأمر الذي خالفته، (وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا) لا ربح فيه.
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ... (١٢) سبع أرضين أيضا. روى البخاري عن سعيد بن زيد أن رسول اللَّه - ﷺ - قال: من غصب شبرًا من
* * *
تمت سورة الطلاق. والحمد للَّه الملك الخلاق. والصلاة على الكامل بالاتِّفاق، وآله وصحبه إلى يوم التلاق.
* * *