وإحدى أو اثنتا أو ثلاث عشرة آية
وهي مدنية، قال القرطبي : في قول الجميع، وعن ابن عباس قال : نزلت بالمدينة.
ﰡ
وقال المحلي: المراد أمته بقرينة ما بعده، قال الحفناوي: فكأنه قيل: يا أيها الأمة إذا طلقتم إلخ. وهذا الأسلوب سلكه الكازروني، وفي نسخة من تفسير المحلي المراد وأمته بزيادة الواو، يعني أن في الكلام اكتفاء على حد قوله تعالى: (سرابيل تقيكم الحر)، فعلى هذا لفظ النبي لا تجوز فيه، بل هو منادى مع أمته، وهذا الوجه قرره السمين كما تقدم، والمعنى إذا أردتم
ومعنى لعدتهن مستقبلات لعدتهن، أو في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن، أو لزمان عدتهن، وهو الطهر. وقال الجرجاني: اللام بمعنى في أي في عدتهن، وقال أبو حيان: أي لاستقبال عدتهن على حذف مضاف، واللام للتوقيت نحو لقيته لليلة بقيت من شهر كذا، والمراد أن يطلقوهن في طهر لم يقع فيه جماع، ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن، فإذا طلقتموهن هكذا فقد طلقتموهن لعدتهن، وسيأتي بيان هذا من السنة.
" عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قرأ في قبل عدتهن " رواه عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه، وقرأ ابن لقبل عدتهن، وعن مجاهد أنه قرأ كذلك وعن ابن عباس مثله، وقال في الآية: أي طاهراً من غير جماع، وعن ابن مسعود من أراد أن يطلق للسنة كما أمره الله فليطلقها طاهراً في غير جماع.
" وعن أنس قال: طلق رسول الله ﷺ حفصة فأتت أهلها فأنزل الله هذه الآية فقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من أزواجك في الجنة " أخرجه ابن أبي حاتم وأخرجه ابن جرير عن قتادة مرسلاً.
" وعن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله ﷺ فتغيظ، ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض وتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها فتلك
" وروي عن ابن عباس أنها نزلت في قصة طلاق عبد يزيد وقد أخرجها ابن أبي حاتم أثراً طويلاً قال الذهبي: إسناده واه والخبر خطأ فإن عبد يزيد لم يدرك الإسلام وفي الباب أحاديث.
(وأحصوا العدة) أي احفظوها واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق، حتى تتم العدة، وهي ثلاثة قروء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن، والخطاب للأزواج لغفلة النساء، وقيل: للزوجات، وقيل: للمسلمين على العموم، والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم، ولكن الزوجات داخلات في هذا الخطاب بالإلحاق بالأزواج، لأن الزوج يحصي ليراجع وينفق أو يقطع ويسكن أو يخرج ويلحق نسبه أو يقطع. وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة، وقيل: أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الإقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً. وقيل: للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى.
(واتقوا الله ربكم) في تطويل العدة عليهن والإضرار بهن وفي وصفه تعالى بربوبيته لهم تأكيد للأمر، ومبالغة في إيجاب الاتقاء (لا تخرجوهن من بيوتهن) أي التي كن فيها عند الطلاق ما دمن في العدة وأضاف البيوت إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة ومثله قوله: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن) وقوله: (وقرن في بيوتكن) ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها نهى الزوجات عن الخروج أيضاًً فقال:
(ولا يخرجن) من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري كما
(إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) بفتح الياء وكسرها سبعيتان، وهذا الاستنثاء هو من الجملة الأولى، قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وبه قال ابن عباس، وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها، ثم ترد إلى منزلها، وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة بها على من هو ساكن معها في ذلك البيت، وعن ابن عباس: الفاحشة المبينة أن تبذو المرأة على أهل الرجل، فإذا بذت عليهم بلسانها فقد حل لهم إخراجها لسوء خلقها، ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبيّ إلا أن يفحشن عليكم، وقيل: الاستثناء من الجملة الثانية للمبالغة في النهي عن الخروج ببيان أن خروجها فاحشة قال الشوكاني رحمه الله: هو بعهد، قال ابن عمر: خروجها قبل انقضاء العدة من بيتها هي الفاحشة المبينة، وقيل: الفاحشة النشوز.
(وتلك) أي ما ذكر من الأحكام وما في اسم الإشارة من معنى البعد مع قرب العهد المشار إليه للإيذان بعلو درجتها وبعد منزلتها (حدود الله) يعني أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حدها لهم لا يحل لهم أن يتجاوزها إلى غيرها، (ومن يتعد حدود الله) أي يتجاوزها إلى غيرها أو يخل بشيء منها.
(فقد ظلم نفسه) بإيرادها موارد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر
قال القرطبي: قال جميع المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، والمعنى التحريض على طلاق الواحدة أو الاثنتين، والنهي عن الثلاث، فإنه إذا طلق ثلاثاً أضر بنفسه عند الندم على الفراق، والرغبة في الارتجاع. فلا يجد إلى المراجعة سبيلاً، وقال مقاتل: بعد ذلك أي بعد طلقة أو طلقتين أمراً بالمراجعة، قال الواحدي: الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين. قال الزجاج: إذا طلقها ثلاثاً في وقت واحد فلا معنى لقوله: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) قالت فاطمة بنت قيس في الآية هي الرجعة.
" عن محارب بن دثار أن رسول الله ﷺ قال: ما أحل الله شيئاًً أبغض إليه من الطلاق " أخرجه أبو داود مرسلاً.
" وعن علي عن النبي ﷺ قال: تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش ".
" وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات ".
" عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق " أهـ.
أقول أما حديث ابن عمر فقد رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب موصولاً وصححه الحاكم وغيره، ورواه أبو داود أيضاًً والبيهقي مرسلاً عن محارب بن دثار وليس فيه ابن عمر، ورجح أبو حاتم والدارقطني والبيهقي إرساله. وقال الخطابي: إنه المشهور، ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ: ما خلق الله شيئاًً أبغض إليه من الطلاق، قال الحافظ ابن حجر: وإسناده ضعيف ومنقطع أهـ، وأما حديث علي فرواه ابن عدي في كتابه الكامل في معرفة الضعفاء عنه رضي الله عنه بإسناده ضعيف. بل قيل: موضوع ورواه الخطيب عن علي أيضاًً مرفوعاً، وفي إسناده عمر بن جميع يروي الموضوعات عن الأثبات.
وأما حديث أبي موسى فقد رواه الطبراني عنه رضي الله عنه مرفوعاً، وكذا الدارقطني في الأفراد، ورواه الطبراني في الكبير أيضاًً عن عبادة بلفظ إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات، وفي سنده راو لم يسم، وبقية رجال إسناده ثبات، وأما حديث أنس فرواه ابن عساكر في تاريخه عن أنس رضي الله عنه وسنده ضعيف جداً.
" وعن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال: أيما امرأة سألت
(وأشهدوا ذويْ عدل منكم) أي صاحبي عدالة، فإن العدل ضد الجور وهو يرجع إلى معنى العدالة، وهذه شهادة على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما قطعاً للتنازع وحسماً لمادة الخصومة، والأمر للندب لئلا يقع بينهما التجاحد، كما في قوله: (وأشهدوا إذا تبايعتم) وقيل: إنه للوجوب وإليه ذهب الشافعي، قال: الإشهاد واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وفي قول الشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق، وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد، وعن ابن سيرين أن رجلاً سأل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، قال: بئسما صنع طلق في بدعة وارتجع في غير سنة، فيشهد على طلاقه وعلى مراجعته ويستغفر الله.
(وأقيموا الشهادة لله) هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شهدوا به تقرباً إلى الله. وإنما حث على أداء الشهادة لما فيه من العسر على الشهود، لأنه ربما يؤدي إلى أن يترك الشاهد مهماته ولما فيه من عسر لقاء الحاكم الذي يؤدي عنده، وربما بعد مكانه، وكان للشاهد عوائق، وقيل: الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة أي الشهود عند الرجعة فيكون قوله: (وأشهدوا ذوي عدل
(ذلكم) أي ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله، أو ما ذكر من أول السورة إلى هنا (يوعظ به) أي يلين ويرقق به (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) خص المؤمن لأنه المنتفع بذلك دون غيره.
(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) مما وقع فيه من الشدائد والمحن، والجملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، والمعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط فأشهد، يجعل الله له مخرجاً مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه ويعطيه الخلاص. قال ابن مسعود: مخرجه أن يعلم أنه من قبل الله، وأن الله هو الذي يعطيه، وهو يمنعه، وهو يبتليه، وهو يعافيه، وهو يدفع عنه.
وقال ابن عباس ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة.
" وعن جابر قال: نزلت هذه الآية في رجل من أشجع كان فقيراً خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول الله ﷺ فسأله فقال: اتق الله واصبر، فلم يلبث إلا يسيراً حتى جاء ابن له بغنم كان العدو أصابوه فأتى رسول الله ﷺ فسأله عنها وأخبره خبرها فقال: كلها فنزلت: (ومن يتق الله الآية) " أخرجه (١) الحاكم وصححه وضعفه الذهبي.
" وعن ابن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو، وجزعت أمه
_________
(١) رواه الحاكم.
" وعن أبي ذر قال: جعل رسول الله ﷺ يتلو هذه الآية فجعل يرددها حتى نعست، ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم "، وفي الباب أحاديث، وقال الكلبي: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة، وقال الحسن. مخرجاً مما نهى الله عنه، قال أبو العالية مخرجاً من كل شيء ضيق على الناس، قال الشعبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة أي من طلق كما أمره الله يكن له مخرجاً في الرجعة في العدة، وأنه يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
_________
(١) رواه مسلم.
(إن الله بالغ أمره) فلا بد من كونه ينفذه، سواء حصل توكل أو لا قال ابن مسعود، قاضٍ أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل، ولكن المتوكل يكفر عن سيئاته ويعظم له أجراً قرأ الجمهور بتنوين بالغ ونصب أمره وقرىء بالإضافة وهي سبعية، وقرىء بتنوين بالغ ورفع أمره، لأنه فاعل بالغ، أو على أن أمره مبتدأ مؤخر وبالغ خبر مقدم، قال الفراء في توجيه هذه القراءة: أي أمره بالغ، وقرىء بالغاً بالنصب على الحال، ويكون خبر إن قوله: (قد جعل الله لكل) الخ، والمعنى على الأولى والثانية أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب، وعلى الثالثة أن الله نافذ أمره لا يرده شيء.
(قد جعل الله لكل شيء قدراً) أي تقديراً وتوقيتاً أو مقداراً لا يتعداه وإن اجتهد جميع الخلائق في أن يتعداه فقد سجل سبحانه للشدة أجلاً تنتهي إليه، وللرخاء أجلاً ينتهي إليه، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه: لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل، قال السدي: هو قدر الحيض والعدة، وقال ابن مسعود: يعني أجلاً ومنتهى ينتهي إليه.
" وعن عمر بن الخطاب قال: قال صلى الله عليه وسلم: لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وغيرهم.
(إن ارتبتم) أي شككتم وجهلتم كيف عدتهن وما قدرها، وقيل معناه إن تيقنتم، ورجح ابن جرير أنه بمعنى الشك وهو الظاهر، قال الكرخي صفة كاشفة لأن عدتهن ذلك، سواء وجد شك أم لا، قال الزجاج: إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن تحيض مثلها، وقال مجاهد: إن ارتبتم يعني لم تعلموا عدة الآيسة والتي لم تحض.
(فعدتهن ثلاثة أشهر) وقيل: المعنى إن ارتبتم في الدم الذي يظهر منها هل هو حيض أم لا؟ بل استحاضة؟ فالعدة هذه، وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، وقد قدروه بستين سنة أو بخمس وخمسين، فعدتهن هذه، وهذا قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وبه
(واللائي لم يحضن) لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض، أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً وإن كن بالغات، قاله الخطيب. أي فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاًً، وحذف هذا لدلالة ما قبله عليه، والأولى أن يقدر مفرداً أي فكذلك أو مثلهن، ولو قيل: إنه معطوف على اللائي يئسن عطف المفردات وأخبر عن الجميع بقوله: فعدتهن لكان وجهاً حسناً وأكثر ما فيه توسط الخبر بين المبتدأ وما عطف عليه، وهذا ظاهر قول الشيخ أبي حيان.
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) أي انتهاء عدتهن وضع الحمل وظاهر الآية أن عدة الحوامل بالوضع سواء كن مطلقات أو متوفي عنهن أزواجهن، وعمومها باق فهي مخصصة لآية يتربصن بأنفسهن، أي ما لم يكن حوامل، وإنما لم يعكس لأن المحافظة على عموم هذه الآية أولى من المحافظة على عموم تلك، لأن أزواجاً في آية البقرة عمومه بدلي، لا يصلح لجميع الأفراد في حال واحد، لأنه جمع منكر في سياق الإثبات، وأما أولات الأحمال فعمومه شمولي، لأن الموصول من صيغ العموم، وأيضاًً الحكم هنا معلل بوصف الحملية بخلاف ما هناك، وأيضاًً هذه الآية متأخرة في النزول عن آية البقرة فتقديمها على تلك تخصيص، وتقديم تلك فيما لو عمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم، فهو نسخ، والتخصيص أولى منه، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة البقرة مستوفى، وحققنا البحث في هذه الآية وفي الآية الأخرى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً).
" عن أبيّ بن كعب في الآية قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أهي المطلقة ثلاثاً؟ أو المتوفى عنها؟ قال هي المطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها ".
" وروي بوجه آخر مرفوعاً عنه، وعن ابن مسعود أنه بلغه أن علياً قال: تعتد آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته إن الآية التي في سورة النساء القصري نزلت بعد سورة البقرة (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) بكذا وكذا شهراً وكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها فأجلها أن تضع حملها "، وروي منه نحو هذا من طرق، وبعضها في صحيح البخاري، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما.
" من حديث أم سلمة أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها ﷺ " وفي الباب أحاديث.
(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) أي من يتقه في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، يسهل عليه أمره في الدنيا والآخرة، وقال الضحاك: من يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً في توفيقه للطاعة
(ومن يتق الله) بترك ما لا يرضاه (يكفر عنه سيئاته) التي اقترفها لأن التقوى من أسباب المغفرة للذنوب (ويعظم له أجراً) أي يعطيه من الأجر في الآخر أجراً عظيماً وهو الجنة
(ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) نهى سبحانه عن مضارتهن بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة، وقال مجاهد: في المسكن، وبه قال ابن عباس، وقال مقاتل: في النفقة، وقال أبو الضحى: هو أن يطلقها فإذا بقى يومان من عدتها راجعها ثم طلقها (وإن كن)؟ أي المطلقات الرجعيات أو البائنات دون الحوامل المتوفى عنهن.
(أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) أي إلى غاية هي وضعهن للحمل ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة، فأما الحامل المتوفى عنها زوجها فقال علي وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان وأصحابه: ينفق عليها من جميع المال حتى تضع، وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه: لا ينفق عليها إلا من نصيبها، وهذا هو الحق للأدلة الواردة في ذلك من السنة المطهرة، قال ابن عباس في الآية: فهذه في المرأة يطلقها زوجها وهي حامل فأمره الله أن يسكنها وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت حتى تفطم فإن أبان طلاقها وليس لها حمل فلها السكنى
(فإن أرضعن لكم) أولادكم بعد ذلك (فآتوهن أجورهن) أي أجور إرضاعهن، والمعنى أن المطلقات إذا أرضعن أولاد الأزواج المطلقين لهن منهن، فلهن أجورهن على ذلك.
(وائتمروا بينكم بمعروف) هو خطاب للأزواج والزوجات، يعني تشاوروا بينكم بما هو معروف غير منكر، وليقبل بعضكم من بعض من المعروف والجميل، قال الكسائي: ائتمروا تشاوروا، وتلا قوله تعالى: (إن الملأ يأتمرون بك) وأصل معناه ليأمر بعضكم بعضاً بما هو متعارف بين الناس غير منكر عندهم، قال مقاتل: المعنى ليتراض الأب والأم على أجر مسمى، قيل: والمعروف الجميل من الزوج أن يوفر لها الأجر، والمعروف الجميل منها أن لا تطلب ما يتعاسره الزوج من الأجر.
(وإن تعاسرتم) في حق الولد وأجر الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم الأجر وأبت الأم أن ترضعه إلا بما تريد من الأجر (فسترضع له أخرى) أي يستأجر مرضعة أخرى ترضع ولده، ولا يجب عليه أن يسلم ما تطلبه الزوجة، ولا يجوز له أن يكرهها على الإرضاع بما يريد من الأجر، وقال الضحاك: إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى، فإن لم تقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر، وهو خبر بمعنى الأمر، والظاهر أنه على بابه، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة، لأن المبذول من جهتها اللبن، وهو غير متمول، ولا يضن به لا سيما على الولد بخلاف ما يبذل من الأب فإنه مال يضن به عادة.
والتقدير المذكور مسلم في نفقة الزوجة ونفقة المطلقة، إذا كانت رجعية مطلقاً أو بائناً حاملاً، بخلاف المرضعة، قاله سليمان الجمل. عن أبي سنان قال: سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول: انظر ماذا يصنع بها إذا أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره فقال: رحمه الله تأول هذا الآية (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
(لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) أي ما أعطاها من الرزق، فلا يكلف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه، بل عليه ما يقدر عليه، وتبلغ إليه طاقته مما أعطاه الله من الرزق (سيجعل الله بعد عسر يسراً) أي بعد ضيق وشدة سعة وغنى، وهذا وعد لذي العسر باليسر، وقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين عند نزول الآية، ففتح عليهم جزيرة العرب، ثم فارس والروم، حتى صاروا أغنى الناس، وصدق الآية دائم غير أنه في الصحابة أتم لأن إيمانهم أقوى من غيرهم ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام حذر من مخالفتها وذكر عتو قوم خالفوا أوامره فحل بهم عذابه فقال:
(فاتقوا الله يا أولي الألباب) أي يا أصحاب العقول الراجحة وقوله:
أحدها: وإليه ذهب الزجاج والفارسي أنه منصوب بالمصدر المنون قبله، لأنه ينحل بحرف مصدري وفعل، كأنه قيل: إن ذكر رسولاً.
الثاني: أنه جعل نفس الذكر مبالغة فأبدل منه.
الثالث: أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول تقديره أنزل ذا ذكر رسولاً.
الرابع: كذلك إلا أن رسولاً نعت لذلك المحذوف.
الخامس: أنه بدل منه على حذف مضاف من الثاني، أي ذكراً ذا رسول.
السادس: أن يكون رسولاً نعتاً لذكراً على حذف مضاف، أي ذكراً للرسول، فذا رسول نعت لذكراً.
السابع: أن يكون رسولاً بمعنى رسالة، فيكون رسولاً بدلاً صريحاً من غير تأويل، أو بياناً عند من يرى جريانه في النكرات كالفارسي، إلا أن هذا يبعده قوله الآتي: (يتلو عليكم) لأن الرسالة لا تتلو إلا بمجاز.
الثامن: أن يكون رسولاً منصوباً بفعل مقدر أي أرسل رسولاً.
قال الزجاج: إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل.
التاسع: أن يكون منصوباً على الإغراء أي اتبعوا والزموا رسولاً، ذكره السمين. وقيل إن الذكر ههنا بمعنى الشرف كقوله: (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم)، وقوله: (وإنه لذكر لك ولقومك)، ثم بين هذا الشرف فقال:
(يتلو عليكم آيات الله مبينات) أي حال كونها واضحات ظاهرات قرأ الجمهور على صيغة اسم المفعول أي بينها الله وأوضحها، وقرىء على صيغة اسم الفاعل، أي الآيات تبين للناس ما يحتاجون إليه من الأحكام، ورجح الأول أبو حاتم وأبو عبيدة، لقوله: (قد بينا لكم الآيات) (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات) بعد مجيء الذكر والرسول (من الظلمات إلى النور) اللام متعلقة بيتلو أي ليخرج الرسول الذي يتلو الآيات إياهم من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية، أو من الجهل إلى العلم، أو من الكفر إلى الإيمان، أو متعلقة بأنزل فيكون المخرج هو الله سبحانه.
(ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً) أي يجمع بين التصديق والعمل بما فرضه الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) قرأ الجمهور يدخله بالتحتية وقرىء بالنون وهي سبعية وعليها ففي الكلام التفات من الغيبة إلى التكلم وجمع الضمير في قوله: (خالدين فيها أبداً) باعتبار معنى (من) ووحدة في (ندخله) باعتبار لفظها (قد أحسن الله له رزقاً) أي وسع له رزقه في الجنة التي لا ينقطع نعيمها، وقيل: يرزقون طاعة في الدنيا وثواباً في الآخرة، وقال القشيري: الحسن ما كان على حد الكفاية لا نقصان فيه يتعطل عن أموره بسببه، ولا زيادة تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه، كذلك أرزاق القلوب أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يستقل بها من غير نقصان، ولا زيادة لا يقدر على الاستمرار عليها، ذكره الخطيب.
أحدهما: وهو قول الجمهور: إنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان من خلق الله، وقال الضحاك: إنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق، بخلاف السموات، قال القرطبي: والأول أصح لأن الأخبار دالة عليه في البخاري والترمذي وغيرهما.
وفي صحيح مسلم:
" عن سعيد بن زيد قال سمعت النبي ﷺ يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين إلى آخر كلامه (١) ".
" وفي الحديث لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع، وما أقللن الحديث "، وقد مضى في سورة البقرة قول الماوردي وعلى أنها سبع أرضين تختص دعوة الإسلام بأهل الأرض العليا، ولا نلزم في غيرها من الأرضين، وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان أحدهما أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم، ويستمدون الضياء منها، قال ابن عادل: وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة، والثاني أنهم لا
_________
(١) رواه مسلم.
وعن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينها البحار، وتظل جميعها السماء حكاه الكلبي عن أبي صالح عنه، فعلى هذا إن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام لإمكان الوصول إليهم، واحتمل أن لا تلزمهم لأنها لو لزمتهم لكان النص بها وارداً، ولكان النبي ﷺ بها مأموراً ذكره الخطيب في تفسيره، وقال بعض العلماء: السماء في اللغة عبارة عما علاك فالأولى بالنسبة إلى السماء الثانية أرض وكذلك السماء الثانية بالنسبة إلى السماء الثالثة أرض، وكذا البقية بالنسبة إلى ما تحته سماء، وبالنسبة إلى ما فوقه أرض، فعلى هذا تكون السموات السبع وهذه الأرض الواحدة سبع سموات وسبع أرضين انتهى.
" وعن ابن عباس أنه قال له رجل: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن) إلى آخر السورة، فقال ابن عباس: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر؟ " أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير.
" وعنه في قوله: ومن الأرض مثلهن قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى " أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طريق أبي الضحى، قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً.
" وعنه قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق " أخرجه ابن جرير الطبري من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى قال الحافظ في الفتح: هكذا أخرجه مختصراً وإسناده صحيح.
قال الخفاجي: الذي نعتقد أن الأرض سبع ولها سكان من خلقه يعلمهم الله تعالى انتهى، وهذا أعدل الأقوال وأحوطها، وقال النيسابوري: ذكر الثعالبي في تفسيره فصلاً في خلق السموات والأرض وأشكالهم وأسمائهم أضربا عن إيرادها لعدم الوثوق بمثل تلك الروايات انتهى، وما جاء عن كعب ووهب وأمثالهما في هذا الباب فكلها لا يعتد به لأنهم أخذوه من الإسرائيليات.
" وعن جابر بن عبد الله في حديث طويل يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال: يا محمد ما تحت هذه؟ يعني الأرض قال: خلق، قال: فما تحت الأرض؟ قال: الماء قال: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة قال: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء، فقال: فما تحت الهواء؟ ففاضت عينا رسول الله
وبسط الكلام على هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها، ويكفي الإعتقاد بكون السموات سبعاً والأرضين سبعاً كما ورد به الكتاب العزيز والسنة المطهرة، ولا ينبغي الخوض في خلقهما وما فيهما فإنها شيء استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه.
لا يحيط به أحد سواه ولم يكلفنا الله تعالى بالخوض في أمثال هذه المسائل والتفكير فيها والكلام عليها وبالله التوفيق.
" وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسائة عام، والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء، والحوت على صخرة، والصخرة بيد ملك، والثانية تسجل الريح، والثالثة فيها حجارة جهنم، والرابعة فيها كبريت جهنم الحديث بطوله " وتفصيله قال الذهبي: متعقباً للحاكم: هو حديث منكر، قال بعض أهل العلم: لا ينبغي لأحد لأن يغتر بتصيحح الحاكم للأحاديث حتى ينظر في تعقبات الذهبي له، أو كما قال، وعن ابن عباس قال: سيد السموات السماء التي فيها العرش وسيد الأرضين الأرض التي نحن فيها.
(يتنزل الأمر بينهن) مستأنفة أو صفة لما قبلها، قرأ الجمهور يتنزل من التنزل، ورفع الأمر على الفاعلية، وقرىء ينزل من الإنزال ونصب الأمر على المفعولية والفاعل الله سبحانه، والأمر الوحي، وقيل: القضاء والقدر، والضمير عائد على السموات والأرضين عند الجمهور، أو على السموات والأرض عند من يقول إنها أرض واحدة قاله السمين، قال المحلي في
وعن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله هل تحت الأرضين خلق؟ قال: نعم قال: فما الخلق؟ قال: إما ملائكة أو جن قال مجاهد: يتنزل الأمر من السموات السبع إلى الأرضين السبع، وقال الحسن: بين كل سماءين أرض، وأمر، وقال قتادة: في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. وقيل: يتنزل الأمر بينهن بحياة بعض وموت بعض، وغنى قوم وفقر قوم، وقيل هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار، والصيف والشتاء، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيأتها فينقلهم من حال إلى حال، قال ابن كيسان: وهذا على مجال اللغة واتساعها كما يقول للموت: أمر الله، وللريح والسحاب ونحوهما.
(لتعلموا) اللام متعلقة بخلق أو بيتنزل أو بمقدر أي فعل ذلك لتعلموا (أن الله على كل شيء قدير) من غير هذا العالم يمكن أن يدخل تحت المشيئة (قدير) أي بالغ القدرة فيأتي بعالم آخر مثل هذا العالم وأبدع منه وأبدع من ذلك إلى ما لا نهاية له، بالاستدلال بهذا العالم، فإن من قدر
وفي حاشية سليمان الجمل هذا كله بالنظر للإمكان العقلي وهذا لا يخالف ما نقل عن الغزالي من قوله: ليس في الإمكان أبدع مما كان، لأن معناه أنه قد تعلق علم الله في الأزل بأنه لا يخلق عالماً غير هذا العالم، وإن كان خلقه جائزاً ممكناً، فمن حيث تعلق العلم بعدمه صار غير ممكن لأنه لو وقع لخالف مقتضى العلم الأزلي، فيلزم انقلاب العلم جهلاً فصار إيجاد عالم آخر محالاً عرضياً، وإن كان ممكناً ذاتياً فهذا معنى قول الشيخ: ليس في الإمكان أبدع مما كان، أي لا يمكن أن يخلق الله عالماً غير هذا العالم، ونفي الإمكان هو الإستحالة فكأنه قال هو محال أن يخلق عالماً غير هذا العالم، وقد عرفت أن هذه الاستحالة عرضية لا ذاتية، وبهذا نعرف سقوط ما نقل عن البقاعي هنا تأمل انتهى.
أقول: وهذا كله ليس بالنظر للإمكان العقلي فقط كما قال سليمان الجمل، بل الكتاب العزيز والسنة المطهرة يدلان على عموم قدرته وكمال قوته على إيجاد كل شيء فيدخل فيه إيجاد مثل هذا العالم دخولاً أولياً، وإن لم يوجد على مقتضى العلم الأزلي، وقول الغزالي عبارة ساقطة ونفس فلسفية لا يليق التفوه بمثلها، وإن كان معناه صحيحاً بالتأويل البعيد الفاسد، والتوجيه البارد الكاسد، ونظم الكتاب العزيز العالي يغني عن مثل عبارة كلام الغزالي.
(وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) فلا يخرج عن علمه شيء منها كائناً ما كان وانتصاب علماً على المصدرية لأن أحاط بمعنى علم أو هو صفة لمصدر محذوف أي أحاط إحاطة علماً، ويجوز أن يكون تمييزاً محولاً عن الفاعل من غير لفظ الأول.
(وقال القرطبي: وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم، اثنتا عشرة آية)
وهي مدنية قال القرطبي في قول الجميع قال ابن عباس: نزلت بالمدينة وعن ابن الزبير نحوه.
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤)