تفسير سورة الملك

فتح البيان
تفسير سورة سورة الملك من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة الملك
وتسمى سورة تبارك والواقية والمنجية، وتدعى في التوراة ( ١ ) المانعة، وهي ثلاثون آية، وهي مكية قال القرطبي : في قول الجميع، وعن ابن عباس قال : نزلت بمكة.
" وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، تبارك الذي بيده الملك " ( ٢ )، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الشعب والترمذي وقال : هذا حديث حسن.
و " عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة : تبارك " الآية أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة.
و " عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر " أخرجه الحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل والترمذي وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه.
و " عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تبارك هي المانعة من عذاب القبر ( ٣ ) أخرجه ابن مردويه والنسائي وصححه الحاكم.
و " عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنزلت عليّ سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة واحدة، وهي المانعة في القبور، أخرجه ابن مردويه.
و " عن ابن عباس أنه قال لرجل ألا أتحفك بحديث تفرح به، قال بلى، قال اقرأ تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار، وينجو بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " أخرجه عبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وابن مردويه.
١ كيف ورد ذكرها في التوراة لا ندري؟؟ سامح الله المؤلف..
٢ رواه أحمد؛ المسند وأصحاب السنن الأربعة بسند حسن..
٣ ذكره السيوطي في الدر ٦/٢٤٦ من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود موقوفا عليه وهو ضعيف..

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) تبارك تفاعل من البركة، والبركة النماء والزيادة وقيل: تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين، وقيل: دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه، وقال الحسن: تبارك تقدس، وصيغة تفاعل للمبالغة، " واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء عند المتكلمة، وصفة من صفاته عند المحدثين وهو الأولى " (١).
والملك هو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء ويرفع من يشاء ويضع من يشاء، وقيل: المراد بالملك ملك النبوة، وقيل: الملك الأمر والنهي والسلطان أي التمكن من سائر الموجودات يتصرف فيها كيفما أراد، قال الرازي: الملك تمام القدرة واستحكامها، والأول أولى لأن الحمل على العموم أكثر مدحاً، وأبلغ ثناء ولا وجه للتخصيص.
(وهو على كل شيء قدير) أي بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ورفع ووضع وإعطاء ومنع، قال أبو السعود: الجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضونها مفيدة لجريان أحكام ملكه تعالى في جلائل الأمور ودقائقها، وفي الكرخي لما اقترن الشيء بقوله
(١) كلام ممتاز جداً جزاه الله خيراً.
229
قدير علم أن المراد من المعدوم الذي يدخل تحت القدرة دون غيره.
230
(الذي خلق الموت والحياة) الموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته له، والحياة تعلق الروح بالبدن واتصاله به، وقيل: ما يوجب كون الشيء حياً، وقيل: الموت صفة وجودية مضادة للحياة، وقيل: المراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة وفيه بعد، وقدم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم الحياة والحياة عارضة لها، وقيل: لأن الموت أقرب إلى القهر، وقال مقاتل: خلق الموت يعني النطفة والمضغة والعلقة، والحياة يعني خلقه إنساناً وخلق فيه الروح، وقيل: خلق الموت على صورة كبش لا يمر على شيء إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر بشيء إلا حيى قاله مقاتل والكلبي وقد ورد في التنزيل (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) وقوله (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) وقوله (توفته رسلنا) وقوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) وغير ذلك من الآيات.
وقال النسفي: الحياة ما يصح بوجوده الإحساس، والموت ضده، ومعنى خلقهما إيجاد ذلك المصحح وإعدامه أي خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون.
(ليبلوكم) أي ليعاملكم معاملة من يختبركم وإلا فعلمه محيط بكل شيء، قال الشهاب: الاختبار يقتضي عدم علم المختبر بالكسر بحال المختبر بالفتح فلهذا جعلوه استعارة تمثيلية أو تبعية على تشبيه حالهم في تكليفه تعالى لهم بتكاليفه، وخلق الموت والحياة لهم وإثابته لهم وعقوبته بحال المختبر مع من اختبره وجربه لينظر طاعته وعصيانه فيكرمه أو يهينه.
(أيكم أحسن عملاً) فيجازيكم على ذلك، وقيل: المعنى ليبلوكم ربكم أيكم أكثر ذكراً للموت وأحسن استعداداً وأشد منه خوفاً، وقيل: أيكم أحسن عقلاً وأسرع إلى طاعة الله وأورع عن محارم الله؛ وقيل: أخلص عملاً وأصوبه والخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة، وقيل: أزهد في
230
الدنيا وأترك لها؛ والعموم أولى.
قال الزجاج: اللام متعلقة بخلق الحياة لا بخلق الموت وقال الفراء: إن قوله (ليبلوكم) لم يقع على أي لأن فيما بين البلوى وأي إضمار فعل كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ومثله وقوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سلهم ثم أنظر أيهم؛ فأيكم في الآية مبتدأ وخبره أحسن، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإيراد صيغة التفضيل مع أن الإبتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الإبتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين.
(وهو العزيز) أي الغالب الذي لا يغالب ولا يعجزه من أساء العمل (الغفور) لمن تاب وأناب، والستور الذي لا ييأس منه أهل الإساءة والزلل.
231
(الذي) نعت لما قبله أو بيان له أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف، أو نصب على المدح (خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) قيل: الأولى من كذا والثانية من كذا إلى السابعة ولم أقف على دليله من الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
(طباقاً) أي مطبقاً بعضها فوق بعض كل سماء مقببة على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض وهو جمع طبق نحو جبل وجبال، أو جمع طبقة نحو رحبة ورحاب أو مصدر طابق يقال طابق مطابقة وطباقاً، وعلى هذا الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق أو طوبقت طباقاً، قال البقاعي: طباق بحيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ولا يكون جزء منها خارجاً عن ذلك.
(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) صفة ثانية لسبع سموات أو مستأنفة لتقرير ما قبلها، والخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل من يصلح له و " من " مزيدة لتأكيد النفي وإضافة خلق الرحمن من إضافة المصدر إلى فاعله والمفعول محذوف تقديره لهن أو لغيرهن.
231
قرأ الجمهور من تفاوت وقرىء تفوت مشدداً بدون ألف، وهما لغتان كالتعاهد والتعهد والتحامل والتحمل، والمعنى من تناقض ولا تباين ولا اعوجاج ولا تخالف، بل هي مستقيمة دالة على خالقها وإن اختلفت صورها وصفاتها فقد اتفقت من هذه الحيثية، وقال ابن عباس: من تشقق وقيل من اضطراب وقيل من عيب، وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضاً.
(فارجع البصر) أي اردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة، أخبر أولاً بأنه لا تفاوت في خلقه ثم أمر ثانياً بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة.
(هل ترى من فطور) قال مجاهد: والضحاك الفطور الصدوع والشقوق، جمع فطر وهو الشق، وقال قتادة: هل ترى من خلل، وقال السدي: من خروق، وأصله من التفطر والانفطار هو التشقق والانشقاق، وعن ابن عباس قال: الفطور الوهي، وعنه قال: من تشقق وخلل.
232
(ثم ارجع البصر كرتين) أي رجعتين مرة بعد مرة وانتصابه على المصدر والمراد بالتثنية التكثير كما في لبيك وسعديك وحنانيك وهذاذيك لا يريدون بهذه التثنية شفع الواحد إنما يريدون التكثير أي رجعة بعد رجعة وإن كثرت، وإجابة لك بعد أخرى، وإلا تناقض الغرض، ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية ولهذا قال أولاً (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ثم قال ثانياً (ثم ارجع البصر كرتين) فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة وأقطع للمعذرة، وقيل: الأولى ليرى حسنها واستواءها والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها.
(ينقلب إليك البصر خاسئاً) أي يرجع إليك البصر خاشعاً متباعداً عن أن يرى شيئاًً من ذلك، وقيل: معنى خاسئاً مبعداً مطروداً عن أن يبصر
232
ما التمسه من العيب، يقال: خسأت الكلب أي أبعدته وطردته، وقال ابن عباس: خاسئاً صاغراً ذليلاً، قرأ الجمهور ينقلب بالجزم جواباً للأمر، وقرىء بالرفع على الاستئناف.
(وهو حسير) أي كليل لا يرى شيئاًً قاله ابن عباس: أي منقطع وعنه قال عيي مرتجع، قال الزجاج: أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاً، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور وهو الإعياء، يقال: حسر بصره يحسر حسوراً أي كل وانقطع (١) وبلغ الغاية في الإعياء.
ولما فرغ سبحانه من تفاصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة وبيان ابتنائها على قوانين الحكم والمصالح، شرع في ذكر دلائل أخرى على تمام قدرته بعد تلك الدلائل فقال
_________
(١) ومنه قول الشاعر:
233
(ولقد زينا السماء الدنيا) (١) أي القربى إلى الأرض من بقية السموات وهي التي يراها الناس.
(بمصابيح) أي بنجوم فصارت بهذه الزينة في أحسن خلق، وأكمل صورة وأبهج شكل، والمجيء بالقسم لإبراز كمال العناية، والمصابيح جمع مصباح وسميت الكواكب مصابيح لأنها تضيء كإضاءة السراج، ففي الكلام استعارة تصريحية لأن حقيقة المصباح كما في المختار السراج، وبعض الكواكب
_________
(١) قال المقيلي في حاشية الكشاف إن قوله (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) يكذب المنجمين والزاعمين علم الفلك في قولهم إن بعض النجوم في السموات كقولهم أن زحل في السابعة والمشتري في السادسة والمريخ في الخامسة والشمس في الرابعة والزهرة في الثالثة والعطارد في الثانية والقمر في الدنيا وهذا من واضحات علمهم بزعمهم فغيره أكذب منه وكان البيضاوي يتعاطى هذه الحرفة البائرة لأنه قال هنا لا ينافي ذلك كون بعض النجوم مركوزاً في سموات فوق هذه وتقدم له في البقرة أنه إذا ضم العرش إلى السبع السموات وافق كلام الأوائل أن الأفلاك ثمانية وتمام البحث حققناه في هداية السائل إلى أدلة المسائل أهـ منه.
233
وإن كان في غير سماء الدنيا من السموات التي فوقها تتراءى كأنها كلها في السماء الدنيا لأن أجرام السموات لا تمنع من رؤية ما فوقها مما له إضاءة لكونها أجراماً صقيلة شفافة.
(وجعلناها رجوماً للشياطين) هذه فائدة أخرى غير الفائدة الأولى وهي كونها زينة للسماء الدنيا. والمعنى أنها ترجم الشياطين الذين يسترقون السمع، والرجوم جمع رجم بالفتح وهو في الأصل مصدر أطلق على المرجوم به كما في قولهم الدرهم ضرب الأمير أي مضرابه والمعنى ذات رجم وجمع المصدر باعتبار أنواعه وقيل إن الضمير في جعلناها إلى المصابيح على حذف مضاف أي جعلنا شهبها وهي نارها المقتبسة منها لا هي نفسها لقوله:
(إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) ووجه هذا أن المصابيح التي زين الله بها السماء الدنيا لا تزول عن مكانها ولا يرجم بها بل ينفصل شهاب عن الكوكب فيقتل الجني أو يخبله. كذا قال أبو علي الفارسي: جواباً لمن سأله كيف تكون المصابيح زينة وهي رجوم، قال القشيري: وأمثل من قوله هذا أن نقول هي زينة قبل أن ترجم بها الشياطين.
قال قتادة: خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدى وظلم، وقيل: معنى الآية وجعلناها ظنوناً ورجوماً بالغيب لشياطين الإنس وهم المنجمون قال أبو السعود: ولا يساعده المقام.
(وأعتدنا لهم) أي للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب (عذاب السعير) هو النار الموقدة وأشد الحريق، يقال: سعرت النار فهي مسعورة.
234
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)
235
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) من كفار أو بني آدم من الفريقين (عذاب جهنم وبئس المصير) أي ما يصيرون إليه وهو جهنم
(إذا ألقوا) أي طرحوا (فيها) كما يطرح الحطب في النار.
(سمعوا لها شهيقاً) أي صوتاً منكراً كصوت الحمير عند أول نهيقها وهو أقبح الأصوات، وتشهق إليهم شهقة البغل للشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف وقوله (لها) في محل نصب على الحال أي كائناً لها لأنه في الأصل صفة فلما قدمت صارت حالاً وقال عطاء الشهيق هو من الكفار عند إلقائهم في النار. (وهي تفور) أي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيه.
(تكاد تميز) أي تتميز يعني تتقطع (من الغيظ) على الكفار فجعلت كالمغتاظة استعارة لشدة غليانهم بهم، قال ابن قتيبة: تكاد تنشق غيظاً على الكفار، وقال ابن عباس: تميز أي تتفرق ويفارق بعضها بعضاً، قرأ الجمهور تميز بتاء واحدة مخففة وقرىء بتاءين على الأصل وبتشديدها بإدغام إحداهما في الأخرى، وقرىء تمايز والأصل تتمايز وتميز من ماز يميز.
(كلما ألقي فيها فوج) مستأنفة لبيان حال أهلها، والفوج الجماعة من الناس أي كلما ألقي في جهنم جماعة من الكفار (سألهم) أي الفوج والجمع باعتبار معناه (خزنتها) من الملائكة سؤال توبيخ وتقريع (ألم يأتكم) في الدنيا (نذير) ينذركم هذا اليوم ويحذركم منه.
(قالوا بلى) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا بعد هذا السؤال فقال: قالوا بلى (قد جاءنا) أي جاء كلاً منا (نذير) فأنذرنا وخوفنا وأخبرنا بهذا اليوم، أو هذا من كلام الفوج وكل فوج له نذير، فلا يحتاج إلى التأويل، وهذا اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه، وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المفادة به تأكيداً إذ لو اقتصروا على " بلى " لفهم المعنى ولكنهم صرحوا بالمفاد ببلى تحسراً وزيادة ندم في تفريطهم وليعطفوا عليه قولهم.
(فكذبنا) ذلك النذير في كونه نذيراً من جهته تعالى (وقلنا) في حق ما تلاه علينا من الآيات إفراطاً في التكذيب (ما نزل الله) على أحد (مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء فضلاً عن تنزيل الآيات على ألسنتكم من الوعد والوعيد وغيرهما.
(إن أنتم إلا في ضلال كبير) أي في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب، وخطأ عظيم لا يقادر قدره. وهذا يحتمل أن يكون من كلام الكفار للنذر، وأن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، ومرادهم بالضلال الهلاك أو سموا جزاء الضلال باسمه كما يسمى جزاء السيئة والاعتداء سيئة، وهذا يسمى المشاكلة في علم البيان، وأن يكون من كلام الرسل للكفرة وقد حكوه للخزنة، والاحتمال الأول هو الذي استظهره جمهور المفسرين.
ثم حكى الله عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة فقال
(وقالوا لو كنا نسمع) ما خاطبنا به الرسل (أو نعقل) شيئاًً من ذلك (ما كنا في أصحاب السعير) أي في عداد أهل النار، ومن جملة من يعذب بالسعير وهم الشياطين كما سلف، قال الزجاج: لو كنا نسمع سماع من يعي، أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار، وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملتزمتان.
236
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)
فلما اعترفوا هذا الاعتراف قال الله سبحانه
237
(فاعترفوا بذنبهم) الذي استحقوا به عذاب النار وهو الكفر وتكذيب الأنبياء (فسحقاً لأصحاب السعير) أي فبعداً لهم من الله ورحمته، قال ابن عباس: سحقاً بعداً وقال سعيد بن جبير وأبو صالح: هو واد في جهنم يقال له السحق، قرأ الجمهور سحقاً بإسكان الحاء وقرىء بضمها وهما لغتان مثل السحت والرعب، وسحقاً منصوب على المفعول به أي ألزمهم الله سحقاً، وقال الزجاج وأبو علي الفارسي: منصوب على المصدر أن أسحقهم الله سحقاً، وقال أبو علي الفارسي: كان القياس إسحاقاً فجاء المصدر على الحذف، واللام في (لأصحاب) السعير للبيان كما في (هيت لك).
ولما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار شرع في ذكر أحوال أهل الجنة فقال
(إن الذين يخشون ربهم بالغيب) حال من الفاعل أو من المفعول أي غائبين عنه أو غائباً عنهم والمعنى أنهم يخشون عذابه ولم يروه فيؤمنون به خوفاً من عذابه، ويجوز أن يكون المعنى يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس، وذلك في خلواتهم فيطيعونه سراً فيكون علانية أولى، أو المراد بالغيب كون العذاب غائباً عنهم لأنهم في الدنيا وهو إنما يكون يوم القيامة، والباء على هذا سببية.
قال ابن عباس في الآية: هم أبو بكر وعمر وعلي وأبو عبيدة بن الجراح، أخرجه ابن مردويه (لهم مغفرة) عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم (وأجر كبير) لا يقادر قدره وهو الجنة، ومثل هذه الآية قوله (من خشى
237
الرحمن بالغيب) وظاهر الآية العموم.
ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال:
238
(وأسروا قولكم أو اجهروا به) مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الأسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه. والمعنى إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله ﷺ فكل ذلك يعلمه الله لا تخفى عليه منه خافية، وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر، والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات كان علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به مع كونها في الحقيقة على السوية.
فإن علمه تعالى بمعلومات ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب يتعلق به الإسرار غالباً فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية.
وقوله (إنه عليم بذات الصدور) تعليل للاستواء المذكور وتقرير له، وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبيتها من الجزالة ما لا غاية وراءه، كأنه قيل: إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكمنة في صدورهم بحث لا تكاد تفارقها أصلاً، فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به، ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور، والمعنى إنه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها.
(ألا يعلم) الاستفهام للإنكار والمقصود نفي عدم إحاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر والمعنى ألا يعلم السر ومضمرات القلوب (من خلق) ذلك وأوجده، فالموصول عبارة عن الخالق، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق، وفي (يعلم) ضمير يعود إلى الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه فإن الأسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد، وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن
238
حرب: " من " مفعول والفاعل مضمر وهو الله تعالى، فاحتالا بهذا لنفي خلق الأفعال (وهو اللطيف الخبير) أي الذي لطف علمه بما في القلوب الخبير بما تسره وتضمره من الأمور لا تخفى عليه من ذلك خافية.
ثم امتن سبحانه على عباده فقال
239
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً) أي سهلة لينة مذللة تستقرون عليها منقادة لما تريدون منها من مشي عليها، وزرع وحبوب وغرس وغير ذلك، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون والمشي عليها، والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك، والمصدر الذل، وتقديم " لكم " على مفعولي الجعل مع أن حقه التأخر عنهما للإهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر، فإن ما حقه التقديم إذا أخر لا سيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين تبقى النفس مترقبة لوروده فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن.
(فامشوا في مناكبها) استدلالاً واسترزاقاً، والفاء لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور والأمر للإباحة قال مجاهد والكلبي ومقاتل مناكبها طرقها وأطرافها ونواحيها وجوانبها، وقال قتادة وشهر بن حوشب: مناكبها جبالها وقيل: فجاجها وبه قال ابن عباس، وقال أيضاًً: أطرافها، وأصل المنكب الجانب ومنه منكب الرجل ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب.
(وكلوا من رزقه) أي مما رزقكم وخلقه لكم والتمسوا من نعم الله تعالى.
" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب العبد المؤمن المحترف " (١) أخرجه الطبراني وابن عدي والبيهقي في الشعب والحكيم الترمذي (وإليه) لا إلى غيره (النشور) من قبوركم للجزاء فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم، فبالغوا في شكر نعمه وآلائه، وفي هذا وعيد شديد.
_________
(١) حديث ضعيف انظر ضعيف الجامع - ١٧٠٤.
239
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)
ثم خوف سبحانه الكفار فقال:
240
(أأمنتم من في السماء) قال الواحدي قال المفسرون: يعني عقوبة من في السماء، وقيل: من في السماء عرشه وقدرته وسلطانه أي محل سلطانه ومحل قدرته، وهو العالم العلوي، وخص بالذكر وإن كان كل موجود محلاً للتصرف فيه ومقدوراً له تعالى لأن العالم العلوي أعجب وأغرب، فالتخويف به أشد من التخويف بغيره.
وقيل: الملائكة وقيل: المراد جبريل وقيل: هو الله سبحانه وهو الحق، لأن ظاهر النظم القرآني يقتضي أن الباري تعالى فوق السماء " وفي " بمعنى على والمعنى من ثبت واستقر في السماء أي على العالي وهو العرش، قرأ الجمهور أأمنتم بهمزتين وقرىء بالتخفيف وبقلب الأولى واواً.
وقوله (أن يخسف بكم الأرض) بدل اشتمال من الموصول أي أأمنتم خسفة أو على حذف (من) أي من أن يخسف، والمعنى يقلبها متلبسة بكم كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها.
(فإذا هي تمور) أي تضطرب وتتحرك بكم على خلاف ما كانت عليه من السكون والاطمئنان، وقيل: تهوي بهم، وقيل: تجيء وتذهب، والأول أولى، قال الرازي: إن الله يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تتحرك فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها فتنقلب فوقهم وتخسفهم إلى أسفل سافلين.
240
ثم كرر سبحانه التهديد لهم بوجه آخر فقال
241
(أم أمنتم) إضراب عن التهديد بما ذكر، وانتقال إلى التهديد بوجه آخر أي بل أأمنتم (من في السماء) وهو الله سبحانه وتعالى وفيه دليل على علوه ومباينته عن خلقه باستوائه على عرشه.
(أن يرسل عليكم حاصباً) أي حجارة من السماء كما أرسلها على قرية قوم لوط وأصحاب الفيل، وقيل: سحاب فيها حجارة وقيل: ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها، والكلام فيه كالكلام في أن يخسف بكم الأرض فهو إما بدل اشتمال أو بتقدير من.
(فستعلمون) عند معاينة العذاب (١) (كيف نذير) أي إنذاري بالعذاب أي أنه حق، قاله المحلي، وقيل: النذير هنا محمد ﷺ قاله عطاء والضحاك والمعنى: ستعلمون رسولي وصدقه، والأول أولى.
_________
(١) قال الحفناوي ظاهر السياق أن المراد العذاب الموعود به وهو خسف الأرض وكذا في قوله الآتي (فكيف كان نكير) فيقتضي أن كفار مكة قد خسف بهم ورموا بالأحجار مع أنهم لم يقع لهم ذلك، فإن قيل: المراد بقوله فستعلمون الخ التخويف بعذاب الآخرة قلنا يصير في الكلام نوع تفكيك خصوصاً وقد قال أبو السعود أي بإنذاري عند مشاهدتكم للمنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ انتهى وهذا يقتضي أن الكلام في العذاب المخوف به وقد علمت ما فيه ولم نر من الشراح من نبه على هذا والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
(ولقد كذب الذين من قبلهم) أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وقوم ولوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الرس وقوم فرعون والالتفات إلى الغيبة لإبراز الإعراض عنهم.
(فكيف كان نكير) أي إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب الفظيع، وهذا هو مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط، وفيه من المبالغة في تسلية رسول الله عليه وسلم وتشديد التهديد لقومه ما لا يخفى.
(أو لم يروا) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدّر أي أغفلوا ولم ينظروا ولم يروا وأجمع القراء على قراءته بياء الغيبة لأن السياق للرد على المكذبين بخلاف ما في النحل ففيه الغيبة والخطاب (إلى الطير) جمع طائر ويقع على الواحد والجمع، وقال ابن الأنباري: الطير جماعة وتأنيثها أكثر من تذكيرها ولا يقال للواحد طير بل طائر، وقلما يقال للأنثى طائرة (فوقهم) في الهواء (صافات) حال أي صافة لأجنحتها في الهواء والجو وتبسطها عند طيرانها.
(ويقبضن) أي يضممن أجنحتهن إلى جنوبهن إذا ضربنها بها حيناً فحيناً للاستظهار والاستعانة على التحرك والطيران قال النحاس: يقال للطائر إذا بسط جناحه صاف، وإذا ضمها قابض، كأنه يقبضها وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط، وإنما قال ويقبضن ولم يقل قابضات كما قال صافات لأن القبض يتجدد تارة فتارة وأما البسط فهو الأصل كذا قيل، وقيل: المعنى قبضهن لأجنحتهن عند الوقوف من الطيران لا قبضها في حال الطيران.
(ما يمسكهن إلا الرحمن) حالية أو مستأنفة لبيان كمال قدرة الله سبحانه، والثاني أظهر، والمعنى أنه ما يمسكهن في الهواء عن الوقوع عند الطيران إلا الرحمن القادر على كل شيء وإلا فالثقيل يتسفل طبعاً ولا يعلو وكذا لو أمسك حفظه وتدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك (إنه بكل شيء بصير) لا يخفى عليه شيء كائناً ما كان، يعلم كيف يخلق الغرائب وكيف يدبر العجائب، فبصير بمعنى العالم بالأشياء الدقيقة الغريبة.
(أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والالتفات عن الغيبة إلى الخطاب للتشديد في ذلك التبكيت، والمعنى أنه لا جند لكم يمنعكم من عذاب الله، والجند الحزب والمنعة، قرأ الجمهور " أمن " بتشديد الميم على إدغام ميم أم في ميم من، وأم بمعنى بل
242
ولا سبيل إلى تقدير الهمزة بعدها كما هو الغالب في تقدير أم المنقطعة ببل والهمزة لأن ما بعدها ههنا من الاستفهامية فأغنت عن ذلك التقدير، ومن الاستفهامية مبتدأ واسم الإشارة خبره، والموصول مع صلته صفة اسم الإشارة وينصركم صفة لجند ومن دون الرحمن في محل نصب على الحال من فاعل ينصركم، والمعنى بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم متجاوزاً نصر الرحمن.
(إن الكافرون إلا في غرور) معترضة مقررة لما قبلها ناعية عليهم ما هم فيه من غاية الضلال، والالتفات عن الخطاب إلى الغيبة للإيذان باقتضاء حالهم الإعراض عنهم، والإظهار في موضع الإضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به، والمعنى ما الكافرون إلا في غرور عظيم من جهة الشيطان يغرهم به.
243
(أمن) تكتب أم موصولة في " من " وكذا يقال فيما تقدم (هذا الذي يرزقكم) الكلام في هذا كالكلام في الذي قبله أي من الذي يدر عليكم الرزق من المطر وغيره (إن أمسك رزقه) أي أسباب رزقه التي ينشأ عنها كالمطر، بل لو كان الرزق موجوداً كثيراً سهل التناول فوضع الآكل لقمة في فيه فأمسك الله تعالى عنه قوة الإزدراد لعجز أهل السموات والأرض عن أن يسوغوا تلك اللقمة. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن أمسك رزقه فمن يرزقكم غيره.
وقوله (بل لجوا في عتو ونفور) ينبىء عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل: أثر تمام التبكيت والتعجيز لم يتأثروا لذلك ولم يذعنوا للحق، بل تمادوا في عناد واستكبار عن الحق ونفور عنه ولم يعتبروا ولا تفكروا، قال الرازي: واللجاج تقحم الأمر مع كثرة الصوارف عنه، والعتو العناد والطغيان، والنفور الشرود وقال ابن عباس: في عتو ونفور أي في ضلال.
243
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)
244
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى) مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحاً لحالهما وتحقيقاً لشأن مذهبهما، والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وخرورهم في مهاوي الغرور، وركوبهم متن عشواء العتو والنفور، وعدم اهتدائهم في مسلك المحاجة إلى جهة يتوهم فيها رشد في الجملة، فإن تقدم الهمزة عليها صورة إنما هو لاقتضائها الصدارة، وأما بحسب المعنى فالأمر بالعكس كما هو المشهور حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل: فهل من يمشي مكباً الخ.
والمكب والمنكب الساقط على وجهه يقال: كببته فأكب وانكب وقيل هو الذي يكب رأسه فلا ينظر يميناً ولا شمالاً ولا أماماً فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه، وقيل: أراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق، فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه، والمكب اسم فاعل من أكب اللازم المطاوع لكبه، يقال: كبه الله على وجهه في النار فأكب أي سقط.
وهذا على خلاف القاعدة من أن الهمزة إذا دخلت على اللازم تصيره متعدياً، وهنا قد دخلت على للتعدي فصيرته لازماً. قال قتادة: هو الكافر يكب على معاصي الله سبحانه في الدنيا فيحشره الله يوم القيامة على وجهه، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والمعنى هل هذا الذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الذي يريده.
(أمَّن يمشي سوياً) قائماً معتدلاً ناظراً إلى ما بين يديه سالماً من الخبط والعثار (على صراط مستقيم) أي على طريق مستوٍ، لا اعوجاج به ولا
244
انحراف فيه، قال ابن عباس: مكباً في الضلالة وسوياً مهتدياً قيل يعني بالمكب أبا جهل وبالسوي النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: أراد بمن يمشي مكباً من يحشر على وجهه إلى النار. ومن يمشي سوياً من يحشر على قدميه إلى الجنة، وهو كقول قتادة الذي ذكرناه ومثله قوله:
(ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) وخبر " من " محذوف لدلالة خبر " من " الأولى وهو أهدى عليه، وقيل: لا حاجة إلى ذلك لأن " من " الثانية معطوف على " من " الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك: أزيد قائم أم عمرو، ووحد الخبر لأن أم لأحد الشيئين.
245
(قل) لهم يا أشرف الخلق مذكراً لهم بما دفع عنه المولى من المفاسد. وجمع لهم من المصالح ليرجعوا إليه ولا يعولوا في حال من الأحوال إلا عليه (هو الذي أنشأكم) إنشاء بديعاً (وجعل لكم السمع) لتسمعوا به آيات الله وتتمسكوا بما فيها من الأوامر والنواهي وتتعظوا بموعظها.
(والأبصار) لتبصروا بها الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله عز وجل، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على الكثير والقليل، وقد قدمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة البيان.
(والأفئدة) لتفكروا بها في مخلوقات الله وآياته التنزيلية والتكوينية وترتقوا في معارج الإيمان والطاعة، وخصها بالذكر لأنها آلات العلم، وذكر الله سبحانه ههنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحاً للحجة وقطعاً للمعذرة وذماً لهم على عدم شكر نعم الله ولهذا قال:
(قليلاً ما تشكرون) أي باستعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة وقليلاً نعت لمحذوف " وما " مزيدة لتأكيد التقليل أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً فالقلة على ظاهرها وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم إن كان الخطاب للكفرة، قال مقاتل: يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه.
245
" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ هذه الآية (هو الذي أنشأكم -إلى قوله- تشكرون) " أخرجه الخطيب في تاريخه وابن النجار.
و" عنه قال: قال رسول الله ﷺ من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه ويقرأ هاتين الآيتين سبع مرات (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) إلى قوله (يفقهون) و (هو الذي أنشأكم) إلى (تشكرون) فإنه يبرأ باذن الله " أخرجه (١) الدارقطني في الإفراد.
_________
(١) هذا الحديث والذي قبله لا يطمئن إليهما القلب. ولم أجدهما في كتب الحديث عندي.
246
(قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون) أمر الله سبحانه رسوله ﷺ بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها وبثهم وأنشأهم بعد ما كانوا كالذر، وأن حشرهم إليه للجزاء لا إلى غيره اشتراكاً أو استقلالاً فليبنوا أمورهم على ذلك.
ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال:
(ويقولون) من فرط عتوهم استهزاء وسخرية وتكذيباً (متى هذا الوعد) الذي تذكرون من الحشر والقيامة والنار والعذاب (إن كنتم صادقين) في ذلك والخطاب منهم للنبي ﷺ ولمن معه من المؤمنين لانهم كانوا مشاركين له في الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له، وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوا وقته لنا.
ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يجيب عليهم فقال
(قل إنما العلم) أي أن وقت قيام الساعة علمه (عند الله لا يعلمه غيره ومثله قوله (إنما علمها عند ربي) ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب فقال:
(وإنما أنا نذير مبين) أي أنذركم عاقبة كفركم وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه بإقامة الأدلة حتى يصير ذلك كأنه مشاهد، والإنذار يكفي له العلم بل الظن بوقوع المحذر منه.
246
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)
ثم ذكر سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال
247
(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترتيب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به فرأوه فلما رأوه الخ، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفاً أو حال من المفعول أو ذا زلفة وقرب، أو رأوه في مكان ذا زلفة قال مجاهد: أي قريباً وقال الحسن: عياناً. وأكثر المفسرين على أن المراد عذاب الآخرة يوم القيامة، وقال مجاهد: المراد عذاب بدر وقيل رأوا ما وعدوا به من الحشر قريباً منهم كما يدل عليه قوله (وإليه تحشرون) وقيل لما رأوا عملهم السيء قريباً.
(سيئت وجوه الذين كفروا) أي اسودت وعلتها الكآبة والقترة وغشيتها الذلة والسواد يقال ساء الشيء يسوء فهي سيء إذا قبح، والأصل ساء وجوههم العذاب ورؤيته أي حزنها، وساءت هنا ليست هي المرادفة لبئس. والمقام للضمير وأتى بالمظهر توصلاً لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به، قال الزجاج المعنى تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليه بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قرأ الجمهور سيئت بكسر السين بدون إشمام وقرىء بالإشمام.
(وقيل) لهم توبيخاً وتقريعاً (هذا) المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب (الذي كنتم به تدعون) في الدنيا أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء، على أن معنى تدعون الدعاء قال الفراء: تدعون تفتعلون من
247
الدعاء أي تتمنون وتسألون، وبهذا قال الأكثر من المفسرين، وقال الزجاج: تدعون الأباطيل والأحاديث. وقيل معنى تدعون تكذبون، هذا على قراءة الجمهور تدعون بالتشديد فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه.
والمعنى أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار، وقرىء تدعون مخففاً ومعناها ظاهر وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء، قال قتادة: هو قولهم (رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) وقال الضحاك: هو قولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية، قال النحاس تدَّعون وتدعون بمعنى واحد كما تقول قدر واقتدر، وغدى واغتدى، إلا أن افتعل معناه مضى شيئاًً بعد شيء وفعل يقع على القليل والكثير.
248
(قل أرأيتم إن أهلكني الله) بموت أو قتل كقوله وإن أمرؤ هلك أو بالعذاب (ومن معي) من المؤمنين (أو رحمنا) بتأخير ذلك إلى أجل أو لم يعذبنا (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) أي فمن يمنعهم ويؤمنهم من العذاب. والمعنى أنه لا ينجيهم من ذلك أحد سواء أهلك الله رسوله والمؤمنين معه كما كان الكفار يتمنونه أو أمهلهم.
وقيل المعنى إنا مع إيماننا بين الخوف والرجاء. فمن يجيركم مع كفركم من العذاب، ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر وبيان أنه السبب في عدم نجاتهم. وتعليل نفي الإجارة به؛ وأرأيتم بمعنى أخبروني كما ذكره بعض المفسرين وأنها إذا كانت كذلك تنصب مفعولين الأول مفرد والثاني جملة استفهامية ولا شيء منهما هنا؛ فكأن الجملة الشرطية سدت مسد الفعولين.
وقوله (فمن يجير) الخ جواب الشرط وفي تسببه على الشرط بعد، وممكن أن يقال الجواب محذوف تقديره، فلا فائدة لكم في ذلك ولا نفع يعود عليكم لأنكم لا مجير لكم من عذاب الله.
(قل هو الرحمن) أي الذي أدعوكم إلى عبادته مولى النعم كلها (آمنا به) وحده لا نشرك به شيئاًً لما علمنا أن كل ما سواه إما نعمة أو منعم عليه (وعليه) لا على غيره (توكلنا) أي فوضنا الأمور إليه عز وجل لعلمنا بأن ما عداه كائناً ما كان بمعزل من النفع والضر.
(فستعلمون) إذا نزل بكم العذاب (من هو في ضلال مبين) منا ومنكم، وفي هذا تهديد شديد مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف. قرأ الجمهور فستعلمون بالفوقية على الخطاب وقرىء بالتحتية على الخبر.
ثم احتج سبحانه عليهم ببعض نعمه وخوّفهم سلب تلك النعمة عنهم فقال
(قل أرأيتم) أي أخبروني (إن أصبح ماؤكم) الذي تعدونه في أيديكم كما نبهت عليه الإضافة (غوراً) أي غائراً في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أو صار ذاهباً في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء، يقال غار الماء غوراً أي نضب والغور الغائر وصف بالمصدر للمبالغة، كما يقال رجل عدل، وقد تقدم مثل هذا في سورة الكهف، وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون؛ قال ابن عباس غوراً داخلاً في الأرض وعنه يرجع في الأرض.
(فمن يأتيكم بماء معين) أي ظاهر تراه العيون وتناله الدلاء، وقيل هو من معن الماء إذا كثر، وقال قتادة والضحاك أي جار وقد تقدم معنى المعين في سورة المؤمنون، وقرأ ابن عباس بماء عذب. وعنه قال بماء معين أي الجاري، وعنه قال معين ظاهر وعنه قال عذب.
والمقصود من الآية أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه عليهم ويريهم قبح ما هم عليه من الكفر والعناد والكبر، قال المحلي ويستحب أن يقول القارىء عقب معين: " الله رب العالمين " كما ورد في الحديث، وتليت هذه الآية عند بعض المتجبرين فقال تأتي به الفؤوس والمعاول، فذهب ماء عينه وعمي، نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته.
249
سورة نون
وتسمى سورة القلم اثنتان وخمسون آية، وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وعن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله: (أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) مدني، ومن بعد ذلك إلى قوله: (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) مكي وممن بعد ذلك إلى قوله: (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) مكي، كذا قال الماوردي، وعن ابن عباس قال كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما شاء، وكان أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم نون ثم المزمل ثم المدثر، وعنه نزلت نون بمكة وعن عائشة مثله.
251

بسم الله الرحمن الرحيم

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)
253
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
نظرت إليها بالمحصب من منى فعاد إليّ الطرف وهو حسير