تفسير سورة الطارق

فتح البيان
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة الطارق
هي سبع عشرة آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة وعن خالد العدواني
" أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي النصر عندهم. فسمعه يقرأ ﴿ والسماء والطارق ﴾ حتى ختمها قال فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام. قال فدعتني ثقيف فقالوا ماذا سمعت من هذا الرجل. فقرأتها فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه " أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني وابن مردويه.

(والسماء والطارق) أقسم سبحانه بالسماء والطارق، وقد أكثر في كتابه العزيز ذكر السماء والشمس والقمر والنجوم، لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة، والطارق هو النجم الثاقب كما صرح به التنزيل.
قال الواحدي: قال المفسرون أقسم الله بالطارق يعني الكواكب تطرق بالليل وتخفى بالنهار، قال الفراء: الطارق النجم لأنه يطلع بالليل، وما أتاك ليلاً فهو طارق، وكذا قال الزجاج والمبرد.
وقد اختلف في الطارق هل هو نجم معين أو جنس النجم، فقيل هو زحل وقيل الثريا وقيل هو الذي ترمى به الشياطين، وقيل هو جنس النجم، قال في الصحاح: والطارق النجم الذي يقال له كوكب الصبح.
قال الماوردي: أصل الطروق الدق فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق، ثم اتسع به في كل ما ظهر بالليل كائناً ما كان، ثم اتسع كل التوسع حتى أطلق على الصور الخالية البادية بالليل.
وقال قوم إن الطروق قد يكون نهاراً والعرب تقول أتيتك اليوم طرقتين أي مرتين ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير " قال ابن عباس أقسم ربك بالطارق وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق.
ثم بين سبحانه ما هو الطارق تفخيماً لشأنه بعد تعظيمه بالإقسام به فقال
(وما أدراك ما الطارق) وفيه تنبيه على أن رفعة قدره بحيث لا ينالها إدراك
175
الخلق، فلا بد من تلقيها من الخلاق العليم.
176
(النجم الثاقب) أي المضيء ومنه يقال ثقب النجم ثقوباً إذا أضاء وثقوبه ضؤوه، قال مجاهد: الثاقب المتوهج وقيل المرتفع العالي، قال سفيان: كل ما في القرآن " وما أدراك " فقد أخبره، وكل شيء قال " ما يدريك " لم يخبره به.
وقيل هو نجم في السماء السابعة وهو زحل لا يسكنها غيره من النجوم، وإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، فهو طارق حين ينزل وحين يصعد.
ولم يقل: والنجم الثاقب، مع أنه أخضر وأظهر فعدل عنه تفخيماً لشأنه فأقسم أولاً بما يشترك فيه هو وغيره وهو الطارق، ثم فسره بالنجم إزالة لذلك الإبهام الحاصل بالاستفهام، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر نشأ مما قبله كأنه قيل ما هو فقيل هو النجم الثاقب.
(إن كل نفس لما عليها حافظ) هذا جواب القسم، وما بينهما اعتراض جيء به لتأكيد فخامة القسم المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها، وقد تقدم في سورة هود اختلاف القراء في " لما " فمن قرأ بتخفيفها كانت إن هنا هي المخففة من الثقيلة فيها ضمير الشأن المقدر وهو اسمها، واللام هي الفارقة و " ما " مزيدة، وهذا كله تفريع على قول البصريين أي أن الشأن كل نفس لعليها حافظ.
ومن قرأ بالتشديد فإن نافية، ولما بمعنى إلا أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، قيل والحافظ هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، وقيل الحافظ هو الله عز وجل.
وعدى حافظ بعلى لتضمينه معنى القيام، فإنه تعالى قائم على خلقه
176
بعلمه واطلاعه على أحوالهم وقيل هو العقل يرشدهم إلى المصالح ويكفهم عن المفاسد، والأول أولى لقوله (وإن عليكم لحافظين) وقوله (ويرسل عليكم حفظة) وقوله (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه) والحافظ في الحقيقة هو الله عز وجل كما في قوله (فالله خير حافظاً) وقوله (وكان الله على كل شيء رقيباً) فإن الممكنات كما تحتاج إلى الواجب لذاته في وجودها تحتاج إليه في بقائها، وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم يحفظونه بأمره.
177
(فلينظر الإنسان) الفاء للدلالة على أن كون حافظ على كل نفس يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدرة الله على ما هو دون ذلك من البعث، قال مقاتل يعني المكذب بالبعث (مم خلق) أي من أي شيء خلقه الله، والمعنى فلينظر نظر التفكر والإستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته.
ثم بيّن سبحانه ذلك فقال
(خلق من ماء دافق) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، والماء هو المني والدفق الصب، يقال دفقت الماء أي صببته ويقال (ماء دافق) أي مدفوق مثل (عيشة راضية) أي مرضية.
قال الفراء والأخفش أي مصبوب في الرحم، قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك.
قال الزجاج: من ماء ذي اندفاق يقال دارع وقايس ونابل أي ذو درع وقوس ونبل، يعني من صيغ النسب كلابن وتامر، وهو صادق على الفاعل والمفعول أو هو مجاز في الإسناد، فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية أو مصرحة يجعله دافقاً لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضاً أي يدفعه كما أشار له ابن عطية.
وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة لأن الإنسان مخلوق منهما لكن جعلهما ماء واحداً لامتزاجهما.
177
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)
ثم وصف هذا الماء فقال
178
(يخرج من بين الصلب والترائب) أي صلب الرجل وترائب المرأة وهي جمع تريبة وهي موضع القلادة من الصدر، والولد لا يكون إلا من الماءين، قرأ الجمهور يخرج مبنياً للفاعل وقرىء مبنياً للمفعول، وفي الصلب وهو الظهر لغات قرأ الجمهور بضم الصاد وسكون اللام، وقرأ أهل مكة بضمهما، وقرأ اليماني بفتحهما، ويقال صالب على وزن قالب ومنه قول العباس بن عبد المطلب *تنقل من صالب إلى رحم* في أبياته المشهورة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم كلام في هذا عند تفسير قوله (الذين من أصلابكم) وقيل الترائب ما بين الثديين.
وقال الضحاك: ترائب المرأة اليدان والرجلان والعينان وقال: سعيد بن جبير هي الجيد، وقال مجاهد هي ما بين المنكبين والصدر، وروي عنه أنه قال: هي الصدر، وعنه قال هي: التراقي، وحكى الزجاج أن الترائب ْعصارة القلب ومنه يكون الولد، والمشهور في اللغة أنها عظام الصدر والنحر، قال عكرمة الترائب الصدر.
قال في الصحاح التريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر، قال أبو عبيدة جمع التريبة تريب وحكى الزجاج أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع أضلاع من يسرة الصدر.
قال قتادة والحسن المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي من العرب يكون معنى من بين الصلب من الصلب، وقيل إن ماء الرجل ينزل من الدماغ.
178
ولا يخالف هذا ما في الآية لأنه إذا نزل من الدماغ نزل من بين الصلب والترائب، وقيل أن المني يخرج من جميع أجزاء البدن، ولا يخالف هذا ما في الآية لأن نسبة خروجه إلى ما بين الصلب والترائب باعتبار أن أكثر أجزاء البدن هي الصلب والترائب وما يجاورها وما فوقها مما يكون تنزله منها.
قال ابن عباس في الآية: ما بين الجيد والنحر، وعنه قال: تريبة المرأة وهي موضع القلادة وعنه الترائب ما بين ثدي المرأة وعنه الترائب أربع أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع، قال ابن عادل أن الولد يخرج من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم.
179
(إنه على رجعه لقادر) الضمير في " إنه " يرجع إلى الله سبحانه بدلالة قوله (خلق) عليه، فإن الذي خلقه هو الله سبحانه، والضمير في رجعه عائد إلى الإنسان، والمعنى أن الله سبحانه على إعادة الإنسان بالبعث بعد الموت لقادر، هكذا قال جماعة من المفسرين.
وقال مجاهد: على أن يرد الماء في الإحليل، وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب، وقال مقاتل بن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، والأول أظهر، ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي، قال ابن عباس: على أن يجعل الشيخ شاباً والشاب شيخاً.
(يوم تبلى السرائر) العامل في الظرف على تفسير الأول هو رجعه، وقيل لقادر، واعترض عليه بأنه يلزم تخصيص القدرة بهذا اليوم، وقيل العامل فيه مقدر أي يرجعه أو اذكر فيكون مفعولاً به.
وأما على قول من قال أن المراد رجع الماء فالعامل فيه اذكر، والمعنى تختبر وتعرف وتكشف السرائر التي تسر في القلوب من العقائد والنيات
179
وغيرها، وقيل يظهر الخبايا وقيل يبدي كل سر فيكون زيناً في وجوه، وشيناً في وجوه، والمراد هنا عرض الأعمال ونشر الصحف، فعند ذلك يتميز الحسن منها من القبيح، والغث من السمين، وفي المختار السر الذي يكتم وجمعه أسرار، والسريرة مثله والجمع سرائر.
180
(فما له من قوة ولا ناصر) أي فما للإنسان من قوة ومنعة في نفسه يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به، قال عكرمة هؤلاء الملوك ما لهم يوم القيامة من قوة ولا ناصر، قال سفيان القوة العشيرة والناصر الحليف والأول أولى.
(والسماء ذات الرجع) أي التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه، قال الزجاج: الرجع المطر، لأنه يجيء ويرجع ويتكرر، قال الخليل الرجع المطَر نفسه، والرجع نبات الربيع.
قال الواحدي: الرجع المطر في قول جميع المفسرين، وفي هذا نظر فإن ابن زيد قال الرجع الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء تطلع من ناحية وتغيب في ناحية، وقال بعض المفسرين ذات الرجع ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد، وقال بعضهم معناه ذات النفع.
ووجه تسمية المطر رجعاً ما قاله القفال أنه مأخوذ من ترجيع الصوت وهو إعادته وكذا المطر لكونه يعود مرة بعد أخرى سمي رجعاً، وقيل إن العرب كانوا يزعمون أن السحاب تحمل الماء من بحار الأرض ثم ترجعه إلى الأرض، وقيل سمته العرب رجعاً لأجل التفاؤل ليرجع عليهم وقيل لأن الله يرجعه وقتاً بعد وقت، وقال ابن عباس الرجع المطر بعد المطر.
(والأرض ذات الصدع) هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات والثمار والشجر والأنهار والعيون، والصدع الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع له قال أبو عبيدة والفراء: تتصدع بالنبات، قال مجاهد: والأرض ذات الطرق التي تصدعها المياه وقيل ذات الحرث لأنه يصدعها، وقيل ذات
180
الأموات لانصداعها عنهم عند البعث.
والحاصل أن الصدع إن كان اسماً للنبات فكأنه قال والأرض ذات النبات، وإن كان المراد به الشق فكأنه قال والأرض ذات الشق الذي يخرج منه النبات ونحوه، وقال ابن عباس صدعها عن النبات وعنه قال تصدع الأودية.
وعن معاذ بن أنس مرفوعاً قال " تصدع بإذن الله عن الأموال والنبات "، أخرجه ابن منده والديلمي.
قال الرازي إنه تعالى كما جعل كيفية خلاته الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات، فقوله تعالى (والسماء ذات الرجع) كالأب وقوله (والأرض ذات الصدع) كالأم، وكلاهما من النعم العظام لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء مكرراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
وجواب القسم الثاني قوله
181
(إنه لقول فصل) أي أن القرآن لقول يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما كما قيل له فرقان، ومنه فصل الخصومات وهو قطعها بالحكم الجازم، ويقال هذا قول فصل أي قاطع للشر والنزاع، وقال ابن عباس فصل حق.
(وما هو بالهزل) أي لم ينزل القرآن الكريم باللعب فهو جد كلمة ليس بالهزل، والهزل ضد الجد، فيجب أن يكون مهيباً في الصدور، ومعظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه عن أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وقال ابن عباس بالهزل بالباطل.
(إنهم يكيدون كيداً) أي يمكرون في إبطال ما جاء به رسول الله ﷺ من الدين الحق، قال ألزجاج يخاتلون النبي ﷺ ويظهرون ما هم على خلافه، وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا فيه وقيل الكيد إلقاء الشبهات كقولهم (إن هي إلا حياتنا الدنيا)
181
(من يحيي العظام وهي رميم) (أجعل الآلهة إلهاً واحداً) وما أشبه ذلك.
182
(وأكيد كيداً) أي أستدرجهم من حيث لا يعلمون وأجازيهم جزاء كيدهم، قيل هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر، وقيل كيد الله لهم نصرة نبيه ﷺ وإعلاء درجته، تسمية لإحدى المتقابلين بالاسم الآخر كقوله (وجزاء سيئة سيئة مثلها).
(فمهل الكافرين) أي أخرهم ولا تسأل الله سبحانه تعجيل هلاكهم والدعاء عليهم بإهلاكهم فإنّا لا نعجل لأن العجلة وهي إيقاع الشيء في غير وقته اللائق به نقص، وارض بما يريده لك في أمورهم (أمهلهم) بدل من مهل ومهل، وأمهل بمعنى مثل نزل وأنزل، والإمهال الإنظار، وتمهل في الأمر اتأد، وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير، وانتصاب (رويداً) على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور أو نعت لمصدر محذوف أي أمهلهم إمهالاً رويداً أي قليلاً أو قريباً.
وقد أخذهم الله تعالى، ونسخ الإمهال بآية السيف والأمر بالقتال والجهاد، قال أبو عبيدة الرويد في كلام العرب تصغير الرود والرود المهل، وقيل تصغير أرواد مصدر أرود تصغير الترخيم، ويأتي اسم فعل نحو: رويد زيداً أي أمهله ويأتي حالاً نحو سار القوم رويداً أي متمهلين ذكر معنى هذا الجوهري والبحث مستوفى في علم النحو.
182
سورة الأعلى
ويقال سورة سبح وهي تسع عشرة آية هي مكية في قول الجمهور، وقال الضحاك مدنية، وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير وعائشة مثله.
وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال " أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي - ﷺ -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله عليه وآله وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وسورة مثلها " (١).
_________
(١) روى البخاري في " صحيحه " ٨/ ٥٣٧ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا من أصحاب النبي - ﷺ - (يعني المدينة) مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعلاَ يُقْرآنِنَا القُرْآن، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلاَلٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الوَلاَئِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) في سورة مثلها أهـ. وقد كان رسول الله - ﷺ - يقرأ بها وبسورة الغاشية في صلاة الجمعة والعيدين ووتر العشاء، وثبت في " الصحيحين " أن رسول الله - ﷺ - قال لمعاذ: " هلاَّ صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى "؟.
183
وعن علي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحب هذه السورة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) أخرجه أحمد والبزار وابن مردويه أي لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات الحسان.
وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير " أن رسول الله - ﷺ - كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعاً " وفي لفظ وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما، وفي الباب أحاديث.
وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة " أن النبي - ﷺ - كان يقرأ في الظهر (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ".
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والداقطني والحاكم والبيهقي عن أبيّ بن كعب قال: كان رسول الله - ﷺ - يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت كان النبي - ﷺ - يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين ".
وفي الصحيحين أن رسول الله - ﷺ - قال لمعاذ " هلا صليت بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ".
184

بسم الله الرحمن الرحيم

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)

بسم الله الرحمن الرحيم

185
Icon