كذا في الخازن والخطيب. وتسمى سورة النبأ. وهي أربعون آية وقيل إحدى وأربعون آية وهي مكية عند الجميع.
وقال ابن عباس نزلت بمكة. وعن ابن الزبير ومثله.
ﰡ
قرأ الجمهور: عمَّ بحذف الألف لما ذكرنا، وقرىء بإثباتها، ولكنه قليل لا يجوز إلا للضرورة، وقرىء بهاء السكت عوضاً عن الألف، قال الزجاج: اللفظ لفظ الاستفهام والمعنى تفخيم القصة، كما تقول أي شيء تريد، إذا عظمت شأنه.
قال الشهاب: وهذا الاستفهام لا يمكن حمله على حقيقته لأن المطلوب به لا بد أن يكون مجهولاً عند الطالب، فلذا جعل مجازاً عن الفخامة، لأنه ورد على طريق مخاطبات العرب فالاستفهام بالنسبة إلى الناس.
وقال في النهر: هذا الاستفهام فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب.
قال الواحدي قال المفسرون: " لما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسم وأخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم، يقولون ماذا جاء به محمد، وما الذي أتى به؟ فأنزل الله عم يتساءلون " (١) قال الفراء التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد
_________
(١) روى ابن جرير الطبري سبب النزول هذا عن الحسن ٣٠/ ١ وأورده السيوطي في " الدر " ٦/ ٣٠٥ وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الحسن.
ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عما ذا وبينه فقال:
وقال الضحاك: يعني نبأ يوم القيامة وكذا قال قتادة.
وقد استدل على أن النبأ هو القرآن بقوله الآتي:
ومما يدل على أنه القرآن قوله سبحانه: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ومما يدل على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة.
وأيضاًً فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث فأثبتت النصارى المعاد الروحاني، وأثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني، وفي
وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنه بقوله: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله: (إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين) وما حكاه الله عنهم بقوله: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة.
وقد قيل إن الضمير في قوله يتساءلون يرجع إلى المؤمنين والكفار لأنهم جميعاً كانوا يتساءلون عنه: فأما المسلم فيزداد يقيناً واستعداداً وبصيرة في دينه، وأما الكافر فاستهزاء وسخرية.
قال الرازي: ويحتمل أنهم يسألون الرسول ويقولون ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة، قال ابن عباس: النبأ العظيم القرآن، وهذا مروي عن جماعة من التابعين.
(الذي هم فيه مختلفون) الموصول صفة للنبأ بعد وصفه بكونه عظيماً فهو متصف بالعظم ومتصف بوقوع الاختلاف فيه.
ثم كرر الردع والزجر فقال:
وقيل: المعنى (كلا سيعلمون) عند النزع ما يحل بهم (ثم كلا سيعلمون) عند البعث لأنه يكشف لهم الغطاء حينئذ، وقيل الأول للبعث والثاني للجزاء.
وقال ابن مالك تأكيد لفظي ولا يضر توسط حرف العطف، قال السمين: والنحويون يأبون هذا ولا يسمون إلا عطفاً وإن أفاد التأكيد، قال زاده " ثم " موضوعة للتراخي الزماني وقد تستعمل في التراخي الرتبي كما هنا تشبيهاً لتباعد الرتبة بتباعد الزمان.
(ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً) أي قدرتنا على هذه الأمور المذكورة أعظم من قدرتنا على الإعادة بالبعث، فما وجه إنكاركم، لأنه قد تقرر أن الأجسام متساوية الأقدام في قبول الصفات والأعراض.
وهذا الجعل بمعنى الإنشاء والإبداع كالخلق خلا إنه مختص بالإنشاء التكويني، وفيه معنى التقدير والتسوية، وهذا عام له كما في الآية الكريمة، وقيل: الجعل بمعنى التصيير، والمهاد الوطاء والفراش كما في قوله: (الذي جعل لكم الأرض فراشاً) قرأ الجمهور بالجمع، وقرىء مهداً.
والمعنى أنها كالمهد للصبي وهو ما يمهد له فينام عليه، وسمي الممهود بالمهد تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير، والأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتاداً للأرض لتسكن ولا تتحرك كما ترسى الخيام بالأوتاد.
وفي هذا دليل على أن التساؤل الكائن بينهم هو عن أمر البعث لا عن القرآن ولا عن نبوة محمد ﷺ كما قيل، لأن هذا الدليل إنما يصلح للإستدلال به على البعث.
وفي المختار السبات النوم وأصله الراحة وبابه نصر. وفي المصباح السبات كغراب النوم الثقيل، وأصله الراحة يقال سبت يسبت من باب قتل وسبت بالبناء للمفعول غشي عليه وأيضاًً مات، ومن هنا قيل المعنى وجعلنا نومكم موتاً، والنوم أحد الموتتين فالمسبوت يشبه الميت ولكنه لم يفارقه الروح، ومن هذا قوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) الآية، وقوله: (وهو الذي يتوفاكم بالليل).
قال النحاس: وهذه الأقوال صحاح يقال للريح التي تأتي بالمطر معصرات، والرياح تلقح السحاب فيكون المطر، ويجوز أن تكون هذه الأقوال قولاً واحداً ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات المعصرات.
قال في الصحاح والمعصرات السحاب تعتصر بالمطر، وعصر القوم أي
وقال أبيّ بن كعب والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان: المعصرات السموات وقال ابن عباس: السحاب، وقال ابن مسعود: يبعث الله الريح فتحمل الماء فتمر به السحاب فتدر كما تدر اللقحة.
وقرأ ابن عباس (وأنزلنا من المعصرات بالرياح) وقيل المعصرات المغيثات والعاصر هو الغيث.
والثجاج هو المنصب بكثرة على وجه التتابع، يقال ثج الماء أي سال بكثرة وثجه أي أساله فيكون لازماً ومتعدياً، وبابه رد، ومطر ثجاج أي منصب جداً، والثج أيضاًً سيلان دماء الهدي، وفي الحديث " أحب العمل إلى الله العج والثج " فالعج رفع الصوت بالتلبية، والثج إراقة دماء الهدى.
وقال الزجاج: الثجاج الصباب، وقال ابن زيد ثجاجاً كثيراً، وقال ابن عباس: منصباً، وقيل مدراراً متتابعاً يتلو بعضه بعضاً، وقال ابن مسعود الثجاج ينزل من السماء أمثال العزالى فتصرفه الرياح فينزل متفرقاً.
وقال ابن عباس: ألفافاً ملتفة، وقال: يقول التف بعضها ببعض، قال الفراء: الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم.
قال الشهاب المراد بالفتح ليس ما عرف من فتح الأبواب، وهو موافق لقوله (إذا السماء انشقت) و (إذا السماء انفطرت) فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وعبر عن التشقيق بالفتح إشارة إلى كمال قدرته حتى كان تشقيق هذا الجرم العظيم كفتح الباب سهولة وسرعة (فكانت أبواباً) كما في قوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا) وقيل معنى فتحت قطعت فصارت قطعاً كالأبواب، وقيل أبوابها طرقها، وقيل تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق، وقيل أن لكل عبد بابين في السماء باب لرزقه وباب لعمله، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب.
وظاهر قوله: (فكانت أبواباً) أنها صارت كلها أبواباً، وليس المراد ذلك بل المراد أنها صارت ذات أبواب كثيرة.
ذكر سبحانه أحوال الجبال بوجوه مختلفة، وممكن الجمع بينها بأن نقول أول أحوالها الإندكاك وهو قوله: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) وثاني أحوالها أن تصير كالعهن المنفوش كما في قوله: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وثالث أحوالها أن تصير كالهباء وهو قوله: (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) ورابع أحوالها أن تنسف وتحملها الرياح كما في قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) وخامس أحوالها أن تصير سراباً أي لا شيء كما في هذه الآية.
ثم شرع سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال:
قال في الصحاح الراصد للشيء الراقب له، يقال رصده يرصده رصداً
ومعنى الآية إن جهنم كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها، أو هي في نفسها متطلعة لما يأتي إليها من الكفار كما يتطلع الرصد لمن يمر بهم، ويأتي إليهم، والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمعمار، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار.
ثم ذكر من هي مرصد له فقال
وانتصاب
وحكى الواحدي عن المفسرين أنه بضع وثمانون سنة، السنة ثلثمائة وستون يوماً اليوم ألف سنة من أيام الدنيا، وقال السدي الحقب سبعون سنة، وقال بشير بن كعب ثلثمائة سنة، وقال ابن عمر أربعون سنة، وقيل ثلاثون ألف سنة.
قال الحسن الأحقاب لا يدري أحد كم هي، ولكن ذكروا أنها مائة حقب، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة، قال ابن عباس أحقاباً سنين.
وعن سالم بن أبي الجعد قال سأل علي بن أبي طالب: هلال الهجري ما تجدون الحقب في كتاب الله؟ قال نجده ثمانين سنة كل سنة منها إثنا عشر
وعن أبي هريرة رفعه " قال الحقب ثمانون سنة والسنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون ".
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الحقب ألف شهر والشهر ثلاثون يوماً والسنة إثنا عشر شهراً ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة مما تعدون فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة " أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف.
وعن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: " والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقاباً والحقب بضع وثمانون سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، واليوم ألف سنة مما تعدون "، قال ابن عمر: فلا يتكلن أحد أنه يخرج من النار " أخرجه البزار وابن مردويه والبيهقي.
وعن ابن عمرو قال: الحقب الواحد ثمانون سنة وعن ابن عباس مثله، وعن عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ " الحقب أربعون سنة " أخرجه ابن مردويه.
وقيل الأحقاب وقت شربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب، وعن خالد بن معدان في الآية وفي قوله (إلا ما شاء ربك) أنهما في أهل التوحيد من أهل القبلة.
وقيل إن الآية منسوخة بقوله: (فلن يزيدكم إلا عذاباً) يعني أن العدد قد ارتفع، والخلود قد حصل، والأول أولى، وقيل الآية محمولة على العصاة الذين يخرجون من النار، والأولى ما ذكرناه أولاً من أن المقصود بالآية التأييد لا التقييد، وحكى الواحدي عن الحسن أنه قال: والله ما هي إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر كذلك إلى الأبد.
وقال مجاهد والسدي وأبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي: البرد المذكور في هذه الآية النوم، قال الزجاج: أي لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل ولا نوم، فجعل البرد يشمل هذه الأمور، وإطلاق البرد على النوم لغة هذيل وسمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش، ألا ترى أن العطشان إذا نام سكن عطشه ولأنه يبرد صاحبه، والعرب تقول منع البرد البرد يعني أذهب البرد النوم.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: " سئل هل في الجنة نوم فقال: لا، النوم أخو الموت والجنة لا موت فيها " وكذلك النار وقد قال تعالى: (لا يقضى عليهم فيموتوا) وقيل البرد برد الشراب، والشراب الماء، وجعل الزجاج البرد برد كل شيء له راحة، وهذا ينفعهم. فأما الزمهرير فهو برد يتأذون به فلا ينفعهم فلهم منه من العذاب ما الله أعلم به، وقال الحسن وعطاء وابن زيد برداً أي روحاً وراحة.
قرأ الجمهور غساقاً بالتخفيف، وقرأ حمزة والكسائي بتشديد السين وهما سبعيتان، وقد تقدم تفسيره وتفسير الحميم والخلاف فيهما في سورة (ص).
عن ابن مسعود قال زمهرير جهنم يكون لهم من العذاب لأن الله يقول لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً، قال قد انتهى حره، وغساقاً قد
قال الفراء: الوفاق جمع الوفق، والوفق والموافق واحد، قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار، وقال الحسن وعكرمة: كانت أعمالهم سيئة فأتاهم الله بما يسوءهم.
قال في الصحاح هو أحد مصادر المشدد لأن مصدره قد يجيء على تفعيل مثل التكليم وعلى فعال مثل كذاب، وعلى تفعلة مثل توصية، وعلى مفعل مثل ومزقناهم كل ممزق.
وقرأ الجمهور كذاباً بالتشديد وقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالتخفيف، قال أبو علي الفارسي التخفيف والتشديد جميعاً مصدر المكاذبة، وقرأ ابن عمر كذاباً بضم الكاف والتشديد جمع كاذب، قال أبو حاتم ونصبه على الحال، قال الزمخشري وقد يكون يعني على هذه القراءة بمعنى الواحد البليغ في الكذب تقول رجل كذاب كقولك حسان وبخال.
وفي انتصاب قوله: (كتاباً) أوجه.
أحدها: أنه مصدر من معنى أحصينا أي إحصاء فالتجوز في نفس المصدر.
والثاني: أنه مصدر لأحصينا لأنه في معنى كتبنا، فالتجوز في نفس الفعل أي لالتقاء الإحصاء والكتب في معنى الضبط والتحصيل.
والثالث: أن يكون منصوباً على الحال أي مكتوباً في اللوح لتعرفه الملائكة، وقيل أراد ما كتبته الحفظة على العباد من أعمالهم، وقيل المراد به العلم لأن ما كتب كان أبعد من النسيان، والأول أولى لقوله: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).
قال الرازي وفي هذه الآية مبالغات منها التأكيد بلن، ومنها الالتفات، ومنها إعادة قوله فذوقوا بعد ذكر العذاب.
ثم فسر سبحانه هذا المفاز فقال:
قال المحلي (وأعناباً) عطف على مفاز أي ذكرت بعد الحدائق تنويهاً لعظم شأنها وإلا فهي من جملة الحدائق، قال القاري وهذا بعيد جداً والظاهر
قال الكلبي حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشراً وقال مجاهد حساباً لما عملوه، فالحساب بمعنى القدر أي بقدر ما وجب له. في وعد الرب سبحانه فإنه وعد للحسنة عشراً، ووعد لقوم سبعمائة ضعف، وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مقدار كقوله: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
وقرأ أبو هاشم حساباً بفتح الحاء وتشديد السين أي كفافاً قال الأصمعي تقول العرب حسبت الرجل بالتشديد إذا أكرمته، وفي القاموس حسبك درهم كفاك، وشيء حساب كاف ومنه (عطاء حساباً) وأحسبه كفاه وقرأ ابن عباس حساناً بالنون.
وقرأ ابن عباس وحمزة والكسائي بخفض الأول ورفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الرحمن، واختار هذه القراءة أبو عبيدة، وقال هذه أعدلها فخفض رب لقربه من ربك فيكون نعتاً له، ورفع الرحمن لبعده منه على الاستئناف، وخبره قوله:
(لا يملكون) أي الخلق (منه) تعالى أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه (خطاباً) بالشفاعة إلا بإذنه، وقيل الخطاب الكلام أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه خوفاً إلا بإذنه، دليله (لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وقيل
واختلف في الروح على أقوال ثمانية فقيل أنه ملك من الملائكة أعظم من السموات السبع ومن الأرضين السبع ومن الجبال، وقيل هو جبريل، قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير، وقيل الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة قاله أبو صالح ومجاهد، وعن ابن عباس مثله مرفوعاً وزاد لهم رؤوس وأيد وأرجل ثم قرأ هذه الآية، وقال هؤلاء جند وهؤلاء جند، أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه، وقيل هم أشراف الملائكة، قاله مقاتل بن حيان، وقيل هم حفظة على الملائكة قاله ابن أبي نجيح.
وقيل هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة، وقيل هم أرواح بني آدم تقوم صفاً وتقوم الملائكة صفاً وذلك بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجسام، قاله عطية العوفي، وقيل إنه القرآن قاله زيد بن أسلم، وقال ابن عباس هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً.
وعن ابن مسعود قال: الروح في السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة يجيء يوم القيامة صفاً واحداً (١)، أخرجه ابن جرير، وعن ابن عباس قال: (إن جبريل يوم القيامة لقائم بين يدي الجبار ترعد فرائصه فرقاً من عذاب الله يقول سبحانك لا إله إلا أنت ما
_________
(١) ذكره السيوطي في " الدر " ٦/ ٣٠٩ من رواية ابن أبي حاتم وأبي الشيخ في " العظمة " وابن مردويه عن ابن عباس، والله أعلم بصحة سنده. وقد ذكر ابن كثير هذا المعنى عن ابن عباس موقوفاً عليه، وذكره ابن كثير والشوكاني عن مجاهد وأبي صالح، ولعله مما تلقاه ابن عباس من الإسرائيليات. والله أعلم.
(يوم يقوم الروح والملائكة صفاً) (١) أخرجه أبو الشيخ، وعنه قال
يقول حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الروح إلى الأجساد، أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات.
(لا يتكلمون) أي الخلائق ثم خوفاً وإجلالاً لعظمة الله جل جلاله من هول ذلك اليوم ولا يشفعون لأحد (إلا من أذن له الرحمن) بالشفاعة أو لا يتكلمون إلا في حق من أذن له الرحمن.
(و) كان ذلك الشخص ممن (قال صواباً) قال الضحاك ومجاهد: صواباً يعني حقاً وقال أبو صالح: لا إله إلا الله، وبه قال ابن عباس، وأصل الصواب السداد من القول والفعل، قيل لا يتكلمون يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفاً هيبة وإجلالاً إلا من أذن له الرحمن منهم في الشفاعة، وهم قد قالوا صواباً، قال الحسن: إن الروح يقول يوم القيامة لا يدخل أحد الجنة إلا بالروح، ولا النار إلا بالعمل.
قال الواحدي: فهم لا يتكلمون يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن وهم المؤمنون والملائكة، وقال في الدنيا صواباً أي شهد بالتوحيد.
قال البيضاوي: قوله لا يتكلمون الخ تقرير وتأكيد لقوله: (لا يملكون) فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذ لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صواباً كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يملكه غيرهم.
والإشارة بقوله:
_________
(١) روى هذا المعنى ابن جرير الطبري في " تفسيره " ٣٠/ ٢٢ عن ابن مسعود قال ابن كثير: وهذا قول غريب جداً.
قال أبو السعود: الفاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف، وقوله: (إلى ربه) أي إلى ثوابه، وهو متعلق بمآباً كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاء أن يتخذ مرجعاً إلى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة، وتعلق الجار به لما فيه من معنى الإفضاء والإيصال انتهى.
ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال:
(يوم ينظر المرء) أي كل امرىء مسلماً كان أو كافراً (ما قدمت يداه) أي يشاهد كل ما قدمه من خير أو شر لقوله: (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال يقع بها، وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام، و " ما " موصولة أو استفهامية قال الحسن والمرء هنا هو المؤمن أي يجد لنفسه عملاً، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً فيتمنى أن يكون تراباً، وقيل المراد به الكافر على العموم، وقيل أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط، والأول أولى لقوله:
(ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً) فإن الكافر واقع في مقابلة المرء. والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون تراباً لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب. والمعنى أنه يتمنى أنه كان تراباً في الدنيا فلم يخلق ولم يكلف، أو تراباً يوم القيامة فلم يبعث، وقيل المراد بالكافر أبو جهل، وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقيل إبليس، والأول أولى اعتباراً بعموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة، ووضع الظاهر موضع
عن أبي هريرة: " قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عذاب الله أن يؤخذ للجمَّاء من القرناء ثم يقول كوني تراباً فذلك حين يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً " أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور.
وأما الجن فقال أبو الزناد يعودون تراباً أيضاًً. وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهما مؤمنو الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها، والذي عليه الأكثرون أنهم مكلفون مثابون ومعاقبون، فالمؤمن يدخل الجنة، والكافر يدخل النار كبني آدم، ذكره الخطيب والله أعلم بالصواب.
وتسمى سورة الساهرة خمس أو ست وأربعون آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)