ﰡ
مكيّة وهى أربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ أصله عن ما يحذف الالف من ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حرف الجر نحو لم وفيم وعم ومم تخفيفا لكثرة الاستعمال وفرقا بينهما وبين الموصولة وضم الميم بعن فى الخط لبقائه على حرف واحد بعد الحذف والاستفهام فى كلامه تعالى مستعار عن التفخيم والتهويل فى شان ما وقع فيه الاستفهام فانه تعالى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء يَتَساءَلُونَ ج والضمير لاهل مكة وذلك ان النبي - ﷺ - لما دعاهم الى التوحيد وأخبرهم عن البعث بعد الموت وتلا عليهم القران جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون ماذا جاء بهم محمد - ﷺ - كذا ذكر البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن الحسن نحوه عن المعنى يتساءلون الرسول - ﷺ - والمؤمنين عنه استهزاء كقوله يتداعون لهم اى يدعون لهم.
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ متعلق بيتساءلون المذكور وعلى هذا النبأ متعلق بفعل مضمر يفسره ما بعده او متعلق بيتساءلون مضمر وهذه الجملة جواب للسوال لفظا بيان لشان المفخم معنى ويحتمل ان يكون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون هذه الجملة استفهامية بتقدير حرف الاستفهام فتكون تأكيدا للجملة السابقة وتفخيم بعد تفخيم تقديره عم يتساءلون أيتساءلون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون الاستفهام الثاني للانكار يعنى لا ينبغى السؤال عن النبأ العظيم بل الواجب الايمان به فانه واضح عظيم شانه وشديد وضوحه عن ان يسال والمراد بالنبإ العظيم على قول مجاهد والأكثرين القران بدليل قوله تعالى قل هو نبأ عظيم وقال قتادة هو البعث ويحتمل ان يكون خبر بعث النبي - ﷺ -.
الَّذِي الموصول مع صلة صفة للنباء هُمْ الضمير راجع الى ما رجع اليه المرفوع فى يتساءلون وهم كفار مكة على تقدير كون السؤال استهزاء او انكار او على هذا فمعنى قوله فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ط ان منهم من يقطع بانكاره ومنهم من يشك ويحتمل ان يكون ضمير يتساءلون راجعا الى اهل مكة مومنهم وكافرهم أجمعين وعلى هذا فالمعنى
كَلَّا ردع عن الاختلاف المبنى على انكار بعضهم او كلهم سَيَعْلَمُونَ اى الكافرون المنكرون كونه حقا عند الشرع وفى القبر.
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يوم القيامة والتكرير للمبالغة والدلالة على لحوق الوعيد مرتين أحدهما فى القبر وثانيهما بعد البعث وكلمة ثم يشعر بأن الوعيد الثاني ابلغ من الاول ثم ذكر الله سبحانه صنائعه ما يستدل به على التوحيد والقدرة على البعث بعد الموت ووجوب شكر النعم باتباع من يدعو الى التوحيد والعبادة فقال.
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً فراشا لكم استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار والعبادة اخرى استفهام انكار وانكار النفي اثبات فمضمونه جعلنا الأرض مهادا.
وَالْجِبالَ أَوْتاداً ص للارض كيلا تميد بكم.
وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكورا وإناثا.
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قطعا لاعمالكم حتى تستريح أبدانكم والسبت القطع.
وَجَعَلْنَا عطف على خلقنا اللَّيْلَ لِباساً لبسه كل شىء بظلمة فبمنع الابصار ويسكن الأصوات فيستريح النائم فيه.
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ص اى سببا للمعاش من فضل الله ما قسم لكم من رزقه حيث ينقلبون فيه فى حوائجكم وفيما لا بد منه فى الحيوة.
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً اى سبع سموات شِداداً محكمات لا يوثر فيه مر الدهور.
وَجَعَلْنا اى خلقنا ويحتمل ان يكون المفعول الاول محذوفا اى جعلنا الشمس سِراجاً وَهَّاجاً متلاليا وقادا قال مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة.
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال مجاهد ومقاتل والكلبي هى الرياح التي تعصر السحاب وهى رواية العوفى عن ابن عباس فعلى هذا من للنسبة وقال ابو العالية والضحاك المعصرات هى السحائب وهى رواية الوالي عن ابن عباس قال الفراء المعصرات السحاب ينجلب بالمطر ولم يمطر كالمرأة المعصرة هى التي دنا حيضها ولم تحض يعد وقال ابن كيسان هى المغيثات من قوله وفيه تعصرون وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن اسلم ومقاتل بن حبان من المعصرات من السموات فمن على هذه التأويلات للابتداء ماءً ثَجَّاجاً قال مجاهد صبابا مدراراة قال قتادة متتابعا وقال ابن زيد كثيرا ومرجع الكل واحد.
لِنُخْرِجَ بِهِ اى بذلك حَبًّا يأكله الناس كالبر والشعير
وَجَنَّاتٍ بساتين أَلْفافاً ط ملتفة بالأشجار بعضها ببعض واحدها لف كجذع وجذاع او لفيف كشريف واشراف او لا واحد له كاوضاع وهى جمع الجمع فهى جمع لف واللف جمع لفافة وهى شجرة محتمعة يقال جنة لفاف ولما ثبت ان من هو قادر على اختراع تلك الأمور قادر على إعادتها وان تلك الأمور العظام لا يتصور وجودها الا من فاعل الحكيم ولا يتصور ان يكون عبثا او منافيا للحكمة فكان السامع اشتاق الى معرفة صفات وقت الفصل فاستأنف وقال.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ بين الحق والباطل كانَ فى علم الله او حكمه مِيقاتاً ميعادا للثواب والعقاب وقتا معينا لهما او المعنى حدا يؤقت فى الدنيا وينتهى عنده او حدا للخلائق ينتهون اليه.
يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل او عطف بيان له او بدل من ميقاتا او خبر ثان لكان فِي الصُّورِ اخرج مسدد بسند صحيح عن ابن مسعود قال الصور كهيئة القران ينفخ فيه وعن ابن عمر نحوه وقد مر فى الحاقة وعن وهب انها من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة وبه ثقب بعدد كل زوج وقد مر فى المدثر فَتَأْتُونَ عطف على ينفخ أَفْواجاً حال من فاعل تأتون يعنى جماعات مختلفة من القبور الى مكان الحساب عن ابى ذر قال حدثنا الصادق المصدوق ﷺ ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاث أفواج فوج طاعمين كاسيين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبون على وجوههم رواه النسائي والحاكم والبيهقي وعن معاذ بن جبل ان النبي - ﷺ - تلا هذه الاية يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة وهم القدرية وصف على صورة الخنازير وهم المرجئة وصف على صورة القردة والكلاب وهم الحرورية وصف على صورة الحمر وهم الروافضة وصف على صورة الذر وهم المتكبرون وصف على صورة البهائم وهم أكلة الربوا وصف على صورة السباع وهم الزنادقة وصف يحشرون على وجوههم وهم المصورون والهمازون واللمازون وصف دكيان وهم المقربون وصف مشبعاة وهم اهل اليمين رواه ابن عساكر وقال هذا حديث منكر فى اسناده مجاهيل ورواه الخطيب بلفظ يحشر عشر اصناف من أمتي اسباتا فمنهم على صورة القردة وهم النامون وبعضهم على صورة الخنازير وهم اهل السحت والحرام وبعضهم منكبين أرجلهم فوق وأعينهم ووجوههم أسفل يسحبون عليهم وهم أكلة الربوا وبعضهم عمى يترددون وهم من يجوز فى الحكم وبعضهم صم بكم
وَفُتِحَتِ السَّماءُ اى شقت قرأ اهل الكوفة بالتخفيف والباقون بالتشديد للمبالغة والتكثير عطف على تأتون ومعناه الاستقبال او حال بتقدير قد وكذا سيرت فَكانَتْ السماء أَبْواباً اى ذات أبواب او حمل على المبالغة يعنى صارت من كثرة الشقوق كانها كلها أبواب.
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ عن وجه الأرض فى الهواء كالهباء فَكانَتْ الجبال سَراباً ط السرب فى الأصل الذهاب كذا فى الصحاح ويقال للامع فى المفازة كالماء سرابا مالا سرابه فى راى العين والمراد هاهنا صارت الجبال شيئا لا حقيقة لها لتفتت اجزائها ولما ذكر الله سبحانه مجيئ الناس أجمعين للحساب بقوله فتاتون أفواجا فكان السامع اشتاق الى تفصيل أحوالهم فذكر اهل الطاغين اولا لان الترهيب أهم من يرصد عند أذهان الناس فقال.
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً الرصد الاستعداد للترقيب وموضع يرصد فيه والمعنى ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يرصدون الناس جسر جهنم فاما ملائكة العذاب فيرصدون الكفار لياخذوهم ويلقونهم فى النار ويعذبونهم واما ملائكة الرحمة فيرصدون المؤمنين ليحرسونهم فى مجاوزتهم عليها من قيح جهنم وكل ليب الصراط فهذه الاية بهذا التأويل تدل على كون جهنم طريقا وممرا للناس أجمعين كقوله تعالى وان منكم الا واردها فمن فسر المرصاد بالطريق او المعنى الالتزامي وقيل مرصاد اى معدة للكفار يقال أرصدت الشيء إذا اعددته ويحتمل ان يكون المرصاد صيغة مبالغة اى مجدة مجتهد فى ترصد الكفار كيلا يشذ منها واحد اخرج البيهقي عن انس قال سمعت النبي - ﷺ - يقول الصراط أحد كحد السيف وان الملائكة يحفظون للمؤمنين والمؤمنات وان جبرئيل لاخذ بحجزتي وانى لا قول يا رب سلم سلم والزالون والذالات كثير واخرج ابن المبارك والبيهقي وابن ابى الدنيا عن عبيد بن عمير
لِلطَّاغِينَ يجوز بخمسة أوجه ان يكون خبر ثانيا لكانت او صفة لمرصاد او لماب قدم عليه ما انتصب حالا او ظرف مرصاد او لماب والطاغي الذي جاوز الحد فى العصيان ولا يكون ذلك حتى يقطع فى الكفر والتكذيب اما صريحا فحينئذ يسمى كافرا او اما التزاما واقتضاء فيسمى رافضيا او قدريا او مرجئا او نحو ذلك من اهل الهواء مَآباً خبر اخر لكانت.
لابِثِينَ قرأ حمزة ويعقوب لبثين بغير الالف والباقون بألف حال مقدرة من الضمير فى الطاغين فِيها فى جهنم أَحْقاباً ج جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنى شهرا كل شهر ثلثون يوما كل يوم الف سنة قال البغوي روى ذلك عن على بن ابى طالب رض وكذا اخرج هناد عن ابى هريرة وقال مجاهد الاحقاب ثلثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة وقال مقاتل بن حبان الحقب الواحد سبعة عشر الف سنة لما كانت هذا المدة متناهية وقد دلت الآيات المحكمات على خلود الكفار فى النار والعذاب حيث قال الله تعالى وفى العذاب هم خالدون وعليه انعقد الإجماع وروى السدى عن مرة بن عبد الله قال لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا ذهب المفسرون الى تأويل هذه الآيات فقيل انها منسوخة بقوله تعالى فلن نزيدكم الا عذابا قالوا
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً حالا من المستكن فى لابثين او صفة لاحقابا او أحقابا ظرف بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما وغساقا فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من العذاب أشد من ذلك والظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين والتأويل عندى ان لفظ الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون اهل الهواء فيلزمكم التكلفات فى هذا الاية ليندفع المعارضة بينها وبين المحكمات ونحن نحمل الطاغين هاهنا على اهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم ويويد ما قلت ما اخرج البزار عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال والله لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة وكل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون فان هذا الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة والله تعالى اعلم قرأ الحمزة والكسائي وحفص غساقا بالتشديد كالخباز والباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة وفى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث
جَزاءً منصوب على المصدرية من فعل المحذوف اى يجزون جزاء وِفاقاً ط اى وافقا او موافقا او يوافق وفاقا لاعمالهم وأباطيلهم قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك هذا على تفسير القوم بان المراد بالطاغين الكفار فعلى هذا جزاء مصدر وقع بعد جملة لا محتمل لها غيره من قبيل له على الف درهم اعترافا إذ لا محتمل من جملة ان جهنم إلخ الا الجزاء فهو تأكيد لنفسه واما على ما ذكرت من ان المراد بالطاغين اهل الهواء فمعناه يجزون لجنس ما ذكر من العذاب موافقا لبعدهم عن الحق فى عقائدهم فيكون لبث بعضهم فى جهنم اكثر من بعض وعذابهم أشد منهم غير انه يبلغ هذا اللبث او ما هم فيه الى الاحقاب وأذاه حقب وعلى هذا التأويل فالمصدر تأكيد لغيره إذا الجملة السابقة عليه يحتمل غير ذلك والحمل على كونه تاكيدا لغيره اولى من الحمل على كونه تاكيدا لنفسه فان التأسيس اولى من التأكيد.
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ اى لا يخافون ولا يعتقدون حِساباً تعليل لما سبق من الجزاء فالكافرون لا يعتقدون البعث والحساب والجزاء مطلقا واما اهل الهواء فان هذه الصفة موجودة فى بعضهم فان المرجبة لا يعتقدون الحساب والجزاء وكذا الروافض يقولون شيعة على ومحبه لا يعذب بشئ من الذنوب كبيرة
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ط عطف على كانوا وهذه الصفة عامة فى جميع اهل الهواء كما ذكرنا فى المرسلات الا ترى الى الروافض انهم ينكرون مناقب جميع الصحابة ويدعون ارتدادهم او نفاقهم أجمعين الا ثلثة منهم او نحو ذلك ويزعمون ان عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء حين مكنهم الله تعالى فى الأرض أفسدوا فى الأرض ويزعمون ان الصحابة شر الأمم وأسوأ القرون وقد قال الله تعالى كنتم خير امة وقال الله تعالى الذين اخرجوا من ديارهم الى قوله الذين مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة الاية وقال الله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ وقال السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الاية الى غير ذلك من آيات لا تكاد تحصى وكذابا المصدر بمعنى التكذيب مطرد شايع او بمعنى المكاذبة فانهم كاذبون عند المسلمين والمسلمون كاذبون عندهم او المعنى انهم مبالغون فى الكذب مبالغة المبالغين فيه وعلى المعنيين يجوز ان يكون حالا بمعنى كاذبين او مكاذبين ويجوز ان يكون صفة لمصدر محذوف اى تكذيبا مفرطا كذبه- (مسئلة:) هذه الاية على ما ذكرت من التأويل تدل على عذاب اهل الهواء واما عذاب اهل الكبائر من المؤمنين فاطول مدة مكثهم بقدر الدنيا سبعة آلاف سنة ولا يجرعون الحميم ونحو ذلك اخرج ابن ابى حاتم وابن شاهين عن على بن ابى طالب قال قال رسول الله - ﷺ - ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على الكبائر غير تائبين من دخل منهم جهنم لا يرزق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران حرم الله أجسادهم على الخلود وصورهم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه النار الى عقبيه ومنهم من تأخذه النار الى حنجرة ومنهم من تأخذه الى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت الى ان تفنى الحديث واخرج الحاكم فى نوادر الأصول عن ابى هريرة نحوه فهم فى الباب الاول من جهنم ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الدرك فمنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج منها ومنهم من يمكث وفيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة وأطولهم فيها مكثا منذ خلقت الدنيا الى يوم فنيت وذلك سبعة آلاف قلت والمراد بالسنة هاهنا السنة الدنيوية حتى يتحقق مساواتهم فيها بمدة الدنيا
وَكُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر على شريطة التفسير اى أحصينا كل شىء من اعمال الطاغين وأباطيلهم أَحْصَيْناهُ كِتاباً منصوب على التميز او على الحال بمعنى مكتوبا او على المصدرية من قبيل ضربتهم سوطا اى أحصيناه إحصاء كتاب او بفعل محذوف اى أحصيناه كتبناه كتابا فى اللوح المحفوظ او فى صحف الحفظة قيل هذه الجملة معترضة والظاهر عندى انها تعليل لقوله تعالى وفاقا كما ان قوله انهم كانوا لا يرجون إلخ تعليل لقوله جزاء يعنى جزيناهم كذلك لاجل انكارهم للحساب وتكذيبهم بالآيات ويوافق الجزاء أعمالهم وفاقا حيث كتبنا أعمالهم وأباطيلهم لا يغادر فيها شىء فيجزيهم وفاق ذلك.
فَذُوقُوا الفاء للسببية بمعنى ذوقوا العذاب بسبب إحصاء أعمالهم خطاب مع الطاغين على طريقة التفات للمبالغة فَلَنْ نَزِيدَكُمْ ايها الطاغون ما دمتم فى النار إِلَّا عَذاباً ع اخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية وابن ابى هريرة الأسلمي مرفوعا ان هذه الاية أشد ما فى القرآن على اهل النار ورواه الطبراني والبيهقي فى البعث موقوفا والله اعلم ولما ذكر الطاغين ذكر الله سبحانه حال المتقين فقال.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً فوزا ونجاة من النار او موضع فوز.
حَدائِقَ بدل بعض من مفاز ان كان بمعنى الموضع والا فبدل اشتمال وَأَعْناباً هذا وما بعده بدل اشتمال من مفازا ويجوز عطفه على بدل البعض تقول أعجبني زيد وجهه وعلمه.
وَكَواعِبَ جوارى نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب أَتْراباً مستويات السن.
وَكَأْساً دِهاقاً قال ابن عباس والحسن وقتادة مملوة وقال سعيد بن جبير متابعة وقال عكرمة صافية-.
لا يَسْمَعُونَ حال من الضمير فى للمتقين الراجع الى مفازا وهو الحدائق والجنات او صفة لكاسا وعلى هذا فالضمير فِيها راجع الى كاس اى لا يسمعون فى شربها كما كانوا يسمعون فى شرب كاسات الدنيا لَغْواً باطلا من الكلام وَلا كِذَّاباً ج قرأه الكسائي بالتخفيف على انه مصدر الكاذبة وقيل هو الكذب وقيل هو كالمشدد فى المعنى والباقون بالتشديد بمعنى التكذيب يعنى لا يكذب بعضهم بعضا ولا يوجد فى الجنة الكذب.
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا
يَوْمَ يَقُومُ ظرف للا يملكون او للا يتكلمون والاول اظهر الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ فى ذلك اليوم واختلفوا فى الروح فاخرج ابن جرير عن ابن مسعود
ذلِكَ الْيَوْمُ اشارة الى ما سبق من اليوم المذكور بالصفات المذكورة مبتدأ الْحَقُّ خبره عرف للقصر على كونه حقا ثابتا لا شبهة فيه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً مرجعا وسبيلا مقربا اليه بطاعاته واتباع رسله والهادين الى سبيله بالجذب والتسليك فليتخذ الفاء السببية فان كون ذلك اليوم حقا موجب الاتخاذ السبيل الى الله والى ربه متعلق بمآبا او ظرف مستقر حال منه.
َّا أَنْذَرْناكُمْ
ايها الكفارذاباً قَرِيباً
ج يعنى عذاب الاخرة فان كل ما هوات قريب او عذاب القبر والموت اقرب من شراك النعل وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ
الظرف متعلق بعذابا فانه بمعنى التعذيب اقَدَّمَتْ يَداهُ
ما استفهامية منصوبة بقدمت او موصولة منصوبة بينظر والعائد من الصلة محذوف المعنى لتعذيب انه يرى كل امرأ يوم القيامة ما قدم من العمل شيئا فى صحيفة او يرى جزائه فى الاخرة او فى القبر انما أسند تقديم الأعمال الى اليد لان عامة الأعمال الجوارح منها او لان اليد كناية عن القدرة والقوة عن عثمان قال قال رسول الله - ﷺ - ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه
ع اخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر وقال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الله تعالى الخلائق الانس والجن والدواب والوحش فاذا كان ذلك اليوم جعل الله القصاص بين الدواب حتى يقضى للشاة الجماء من القرناء فاذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كونى ترابا فيرنها الكافة فيقول يا ليتنى كنت ترابا واخرج الدينوري عن يحى بن جعدة نحوه واخرج ابن جرير وابن حاتم والبيهقي عن ابى هريرة نحوه وذكر البغوي قول مقاتل نحوه وفيه يقول الكافر يا ليتنى كنت فى الدنيا فى صورة خنزير وكنت اليوم ترابا وذكر البغوي عن الزياد وعبد الله بن ذكوان قال إذا قضى بين الناس وامر اهل الجنة الى الجنة واهل النار الى النار قيل لسائر الأمم ولمومنى الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وبه قال ابن ابى سليم مومنوا الجن يعودون ترابا وقيل المراد بالكافر هاهنا إبليس وذلك انه عاب آدم انه خلق من التراب وافتخر بانه خلق من النار فاذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة وما هو فيه من الشدة والعقاب قال يا ليتنى كنت ترابا قال ابو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلى.