تفسير سورة الأنفال

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الأنفال
نحمد يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين سورة الأنفال ستة او سبع وسبعون آية مدنية قيل الا سبع آيات من قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الى آخر سبع نزلت بمكة والأصح انها نزلت بالمدينة وان كانت الواقعة بمكة ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى ابن ابى شيبة وابو داود والنسائي والحاكم وابن حبان وعبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن عابد وابن مردوية وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما كان يوم بدر قال النبي ﷺ من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن اسر أسيرا فله كذا وكذا وفي رواية ابن مردوية من طريق فيه الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وعن عطاء عن ابن عجلان عن عكرمة عنه بلفظ من قتل قتيلا فله سلبه فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات واما الشبان فسارعوا الى القتل والغنائم فقال المشيخة للشبان اشركونا معكم فانا كنا لكم ردا ولو كان منكم شىء لجئتم إلينا فاختصموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجاء ابو اليسر باسيرين فقال يا رسول الله قد وعدتنا فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعطيت هؤلاء لم يبق لاصحابك شىء وانه لم يمنعنا من هذا زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ولا ضعن بالحياة ان نصنع ما صنع إخواننا ولكنا رأينا قد أفردت فكرهنا ان تكون بمضيعة وانما قمنا هذا المقام محافظة عليك ان يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزلت.
يَسْئَلُونَكَ يا محمد عَنِ الْأَنْفالِ يعنى ان الغنائم لمن هى والنفل الغنم لانها من فضل الله وعطائه قُلِ لهم يا محمد الْأَنْفالُ لِلَّهِ ملكا وَالرَّسُولِ تصرفا يقسمها الرسول على ما يأمره الله تعالى
6
يعنى أمرها مختص بهما قال ابن عباس فيما رواه الائمة المذكورون فنزعه الله تعالى من أيديهم فجعله الى رسوله صلى الله عليه وسلّم فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين المسلمين على بواء اى سواء فكان ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم وإصلاح ذات البين كما قال الله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ في الاختلاف والمشاجرة وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ يعنى الصفة التي بينكم من المواسات والالفة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتسليم امره الى الله تعالى ورسوله قال الزجاج يعنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمرتم به في الغنائم وغيرها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مومنين كاملى الايمان فافعلوا ذلك فان مقتضى كمال الايمان الاطاعة في الأوامر والاتقاء عن المعاصي وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان والإيثار وذكر البيضاوي الحديث بلفظ شرط رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمن كان له غناء ان ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلا فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردا لكم وفئته تتحازون إليها فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينهم على السواء ثم قال البيضاوي ولهذا لا يلزم الامام ان يفي بما وعدهم وهو قول الشافعي رحمه الله وروى ابن ابى شيبة واحمد وعبد بن حميد وابن مردوية عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه قال لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله قد شفانى الله تعالى اليوم من المشركين فنفلنى هذا السيف فانا من قد علمت حاله قال هذا السيف لا لك ولا لى ضعه فوضعته ثم رجعت قلت عسى ان يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي فرجعت فقال اذهب فاطرحه في القبض «١» فرجعت وبي مالا يعلمه الا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبى فرجعت به حتى إذ أردت ان ألقيه لا ميتنى نفسى فرجعت اليه فقلت أعطنيه فشد بي صوته فما جاوزت الا يسيرا حتى نزلت سوره الأنفال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم اذهب فخذ سيفك وفي رواية فجأنى الرسول انك
(١) قبض بالتحريك قبض ما أخذ من اموال الناس
7
سألتنى وليس لى وانه قد صار لى وهو لك وروى البخاري في تاريخه عن سعد بن جبير ان سعدا ورجلا من الأنصار خرجا ينتفلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه فقال سعد هو لى وقال الأنصاري هو لى لا أسلمه حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاتياه فقص عليه القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليس لك يا سعد ولا للانصارى فنزلت ويسألونك عن الأنفال الآية ثم نسخت هذه الاية بقوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسه وللرسول ولذى القربى وروى ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خالصة ليس لاحد منها شىء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه فمن حبس ابرة او سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يعطيهم منها شيئا فانزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لى جعلتها لرسولى ليس لكم منها شيء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم الى قوله ان كنتم مومنين ثم انزل الله واعلموا انما غنمتم من شىء الآية ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولذى القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وجعل اربعة أخماسه للناس فيه سواء للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد ولما امر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يقسم الغنائم على السواء قال سعد ابن معاذ يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطى الضعيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثكلتك أمك وهل تنصرون الا بضعفائكم ونادى مناديه صلى الله عليه وسلّم من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر أسيرا فهو له كان يعطى من قتل قتيلا سلبه وروى سعيد بن منصور واحمد وابن المنذر وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت قال التقى الناس فهزم الله العدو وانطلقت طائفة الى آثارهم يأسرون ويقتلون واكبت طايفة على العسكر يجوزونه ويجمعونه وأحدقت طايفة برسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وأفاء الناس بعضهم الى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن جمعناها وحويناها فليس لاحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم
8
وقال الذين احدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلّم لستم بأحق بها منا نحن احدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلّم حفظنا ان يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال الآية.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ خافت وفزعت قُلُوبُهُمْ استعظاما وتهيبا من جلاله وعزة سلطانه وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيقال له اتق فينزع منه خوفا من عقابه فالمعنى إذا ذكر وعيد الله بحذف المضاف وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً لاطمينان النفس بنزول البركات عند تلاوة القرآن ورسوخ اليقين بتظاهر الادلة وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) يفوضون أمورهم اليه تعالى ولا يخشون ولا يرجون أحدا الا إياه.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ (٣) اى يأتونها بحقوقها ويقيمونها كما يقام القداح وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم يُنْفِقُونَ (٣) في سبيل الله.
أُولئِكَ الموصوفون بمكارم اعمال القلوب من الإخلاص والخشية والتوكل واطمينان الأنفس بذكر الله ومحاسن اعمال الجوارح من الصلاة والصدقة هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا صفة لمصدر محذوف اى ايمانا حقا او مصدر مؤكد يعنى حق إيمانه حقا لا شبهة فيه عن الحسن ان رجلا سأله أمؤمن أنت قال ان كنت تسألنى عن الايمان بالله وملئكته وكتبه ورسوله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن وان كنت تسألنى عن قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الاية فلا أدرى امنهم انا أم لا قلت مراد الحسن ان كمال الايمان بالإخلاص وتصفية القلب وتزكية النفس وتحلية الجوارح بالطاعات وترك المعاصي وذلك امر نادر لا أدرى اتصاف نفسى به واما نفس الايمان. فموجود بفضل الله فليس هذا من قبيل انا مومن إنشاء الله وقال علقمة كنا في سفر فلقينا قوما فقلنا من هؤلاء قالوا نحن المؤمنون حقا فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فاخبرناه بما قالوا قال فما رددتم عليهم قلنا لم نرد عليهم قال هلا قلتم أمن اهل الجنة أنتم ان المؤمنين اهل الجنة وقال الثوري من زعم انه مؤمن حقا او عند الله ثم لم يشهد انه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف وبهذا يتشبث من يقول انا مؤمن إنشاء الله يعنى المراد بالاستثناء عدم الجزم بحسن الخاتم الموجب لكونه من اهل الجنة لا الشك في إيمانه الحالي فان الشك ينافى
الايمان الاعتقاد الجازم وكان ابو حنيفة رحمه الله يكره هذا القول لكونه موهما للشك المنافي للاعتقاد الجازم ويقول انا مومن حقا باعتبار حصول الاعتقاد الجازم في الحال لا بمعنى الجازم بحسن الخاتمة فالنزاع انما هو في اللفظ دون المعنى لكن الأحوط قول أبي حنيفة قال ابو حنيفة لقتادة لم تستشنى في إيمانك قال اتباعا لابراهيم عليه السلام في قوله والذي أطمع ان يغفر لى خطيئتى يوم الدين فقال له هلا اقتديت به في قوله اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى وعن ابراهيم التميمي قال قل انا مومن حقا فان صدقت اثبت عليه وان كذبت فكفرك أشد عليك من ذلك وعن ابن عباس من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا لَهُمْ دَرَجاتٌ كرامة وفضل وعلو منزلة عِنْدَ رَبِّهِمْ نظيره قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال عطاء درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة منها تفجر انهار الجنة الاربعة ومن فوقها يكون العرش فاذا سألتم الله فاسئلوا الفردوس رواه الترمذي وقال البغوي قال الربيع بن انس سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر «١» الفرس المضمر «٢» سبعين سنة وَمَغْفِرَةٌ لما فرط معهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) حسن أعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا يخطر ببال أحد ولا ينقطع ابدا.
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ الذي بالمدينة او المراد بالبيت المدينة نفسها لانها مهاجره ومسكنه فهى مختصة به كاختصاص البيت بصاحبه بِالْحَقِّ متعلق باخرج اى إخراجا متلبسا بالحكمة والصواب لقتال الكفار ببدر وقوله كما اخرجك اما خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحال يعنى كون الأنفال لله والرسول وتقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأنفال بين الناس على السواء وكراهة بعض الناس يعنى الشبان المقاتلة ثابت كحال اخراجك الله للحرب وكراهتهم له أو صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله لله والرسول اى الأنفال ثبت لله والرسول مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات اخراجك ربك من بيتك كذا قال المبرد وقيل تقديره امض لامر الله تعالى في الأنفال وان كرهوا كما مضيت امر الله في الخروج من البيت-
(١) حضر الفرس يعنى عدو ١٢
(٢) تضمير الخيل هو ان يظاهر عليها بالعلفة حتى تسمن ثم لا تعلف الا فوقا ليتخفف نهاية ١٢
10
(قصة غزوة بدر) والسبب في خروج النبي صلى الله عليه وسلّم انه سمع أبا سفيان ابن حرب مقبلا من الشام في الف بعير لقريش فيها اموال عظام ولم يبق بمكة قرشى ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في العير فيقال ان فيها خمسين الف دينار وفيها سبعين رجلا كذا ذكر ابن عقبة وابن عابد قال البغوي قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدى اقبل ابو سفيان من الشام في أربعين راكبا من كبار قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة ابن نوفل الزهري فندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم للخروج معه وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل الله ان يغتمكوها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وتخلف عنه بشر كثير وكان من تخلف لم يلم وذلك انهم لم يظنوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلقى حربا ولم يحتقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم احتقالا بليغا فقال من كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة قال لا الا من كان ظهره حاضرا- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل خروجه من المدينة بعشر ليال طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد الى طريق الشام يتجسسان خبر العير فبلغا ارض خوار فنزلا على كشد بن مالك الجهني فأجارهما وانزلهما وكنتم عليها حتى مرت العير ثم خرجا وخرج معهما كشد ضى أوردهما ذا المروة «١» فقد ما ليخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجداه قد خرج فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينبع «٢» اقطعها لكشد فقال يا رسول الله انى كبير لكن اقطعها لابن أخي فاقطعه إياها فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد بن زرارة رواه عمر بن شيبة وأدرك أبا سفيان رجل من خدام بالرزقا فاخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينتظر رجوع العير فخرج ابو سفيان ومن معه خايفين للرصد ولما دنا ابو سفيان من الحجاز جعل يتجسس الاخبار ويسأل من نقى من الركبان تخوفا على امر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان ان محمد صلى الله عليه وسلّم قد استنفر لك ولعيرك فحذر عند ذلك واستاجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا فبعثه الى مكة وامره ان يجدع بعيره ويحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا يأتي مكة ويأتى قريشا وليستنفرهم الى أموالهم
(١) قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد ١٢
(٢) قرية جامعه بين مكة والمدينة ١٢-
11
ويخبرهم ان محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم سرعا الى مكة وفعل ما امره به ابو سفيان (ذكر منام عاتكة) روى ابن إسحاق والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس وموسى بن عقبة وابن إسحاق عن عروة والبيهقي عن ابن شهاب قالوا رات عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم على قريش بثلث ليال رويا فاصبحت عاتكة فاعظمتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي لقد رأيت رؤيا أفظعتني «١» ليدخلن على قريش منها شر وبلاء فقال وما هى قالت لن أحدثك حتى تعاهد في انك لا تذكرها فانهم ان يسمعوها آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس فقالت رأيت ان رجلا اقبل على بعير فوق الأبطح فصاح بأعلى صوته انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثلث صيحات ما رأى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ثم مثل به بعيره فاذا هو على راس الكعبة فصاح ثلث صيحات فقال انفروا «٢» يا ال «٣» عذر الى مصارعكم في ثلث ثم ارى بعيره مثل على راس ابى قيس فقال انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثم أخذ صخرة عظيمة فنزعها من أصلها فارسلها من اصل الجبل فاقبلت الصخرة تهوى لها حس شديد حتى إذا كانت في أسفل «٤» ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيث الا دخل فلقه فقال العباس والله ان هذه لرويا فاكتميها لئن بلغت هذه قريشا ليؤذوننا فخرج العباس من عندها فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس وكان صديقا له فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لابيه عتبة فتحدث بها وفشى الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت أطوف بالبيت وابو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برويا عاتكة فلما رانى قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لى ابو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قلت وما ذاك قال رؤيا عاتكة قلت وما رأت قال يبنى عبد المطلب ما رضيتم ان تنبأ رجالكم حتى تنبا نساءكم ولفظ ابن عقبة اما رضيتم يا بنى هاشم يكذب الرجال حتى جئتم بكذب النساء انا كنا وآباؤكم كفرسى «٥» رهان فاستبقنا المجد منه فلما تحاكت الركب قلتم منا نبى فما بقي الا ان تقولوا منا نبية فما اعلم في قريش اهل بيت أكذب امرأة ولا رجلا منكم وآذاه أشد الاذاء قد زعمت عاتكة
(١) أفظعتني على يقال فظع الأمر فظاعة فهو فظع الى شديد شنيع حادر المقدر ١٢
(٢) انفروا سارعو
(٣) غذر بضم العين معدول عن عافد القدر ترك الوفاء ١٢ [.....]
(٤) ارفضت تقطعت ١٢
(٥) اى يتساقان الى غدر-
12
في روياها انه قال انفروا في ثلث فسنتربص بكم هذه الثلث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمضى الثلث ولم يكن كتبنا عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت في العرب قال العباس فو الله ما كان منى اليه كثيرا الا انى جحدت ذلك وأنكرت ان تكون رأت شيئا وعند ابى عقبة في هذا الخبر ان العباس قال لابى جهل هل أنت منته فان الكذب فيك وفي اهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت جهولا يا أبا الفضل ولا أحمق خرقا وكذلك قال ابن عابد وزاد مهلا يا مصفر استه «١» ولقى العباس عاتكة أذى شديدا حين افشا حديثها لهذا الفاسق قال العباس فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتني قالت أقررتم لهذا الخبيث الفاسق ان يقع في رجالكم ثم قد تناول نساءكم وأنت تسمع ثم لم يكن عندك كبير شيء مما سمعت قلت قد والله قد ما فعلت ما كان منى اليه كبير شيء مما سمعت وايم الله لا تعرض له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وانا جديد مغضب ارى انى قد فاتنى منه امر أحب ان أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته والله انى لأمشي نحوه اتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقع به وكان رجلا خفيفا «٢» حديد «٣» الوجه جديد اللسان حديث النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد «٤» قلت في نفسه ما له لعنه الله أكل هذا فرقا «٥» منى ان اشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم اسمع صوت ضمضم بن عمر يصرخ في بطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رجله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش يا ال لوت بن غالب اللطيمة اللطيمة «٦» أموالكم مع ابى سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا ارى تدركوها الغوث الغوث والله ما ارى ان تدركوها ففزعت قريش أشد الفرع واشفقوا «٧» من رويا عاتكة فشغله ذلك غنى وشلغنى عنه ما جاء من الأمر وقلت عاتكة (شعر) الم تكن رويا بحق وجاءكم بتصديقها قل «٨» من القوم هارب فقلت ولم أكذب كذبت وانما يكذبنا بالصدق من هو كاذب فتجهز الناس سراعا وقالوا يظن محمد وأصحابه ان يكون كعير ابن الخضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا وكان جهازهم في
(١) رماه بالأبنة وهى تهمة الفاحشة ١٢
(٢) خفيفا سريعا ١٢
(٣) حديد الوجه قوية ١٢
(٤) يشتد يعدو ١٢
(٥) فرقا خوفا ١٢
(٦) الجمال انى تحل العطر والبز غير المسيرة ١٢
(٧) واشفقوا خافوا ١٢
(٨) القل القوم المنهزمون ١٢-
13
ثلثة ايام ويقال يومين وأعان قويهم ضعيفهم ولم يتركوا كارها للخروج يظنون انه في صفو محمد وأصحابه ولا مسلما يعلمون إسلامه ولا أحدا من بنى هاشم الا من لا يتهمونه الا أشخصوه معهم وكان ممن اشخص العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وطالب وعقيل ابني ابى طالب في آخرين ولم يتخلف أحد من قريش الا بعث مكانه بعثا الا أبا لهب مشوا اليه فابى ان يخرج او يبعث أحدا ويقال انه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة واسلم بعد ذلك وكان قد لاط «١» له باربعة آلاف درهم كانت له عليه فاستاجره بها على ان يجرى عنه بعثه فخرج عنه وتخلف ابو لهب منعه من الخروج رويا عاتكة فانه كان يقول رويا عاتكة تأخذ باليل واستقسم امية بن خلف وعتبة بن شيبة وزمعة بن الأسود وعمير بن وهب وحكيم بن حزام وغيرهم عند هبل بالأمر والناهي من الأزلام فخرج القدح الناهي من الخروج فاجمعوا المقام حتى أزعجهم «٢» ابو جهل ولما اجمع امية بن خلف القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا انى عقبة بن ابى معيط وهو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا بأعلى فانما أنت من النساء فقال قبحك الله وقبح ما جئت به ثم جهز وخرج مع الناس قال ابن إسحاق وغيره ولما فرغوا من جهازهم واجمعوا السير وخرجوا على الصعب «٣» والزلول معهم القيان «٤» والدفوف ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدماء فقالوا انا نحشى ان يأتينا من خلقنا فكاد ذلك ان يثيتهم «٥» فسدى لهم عدو الله إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني وكان من اشراف بنى كنانته فقال انا جار لكم من ان يأتيكم كنافة من خلفكم شيء تكرهونه تخرجوا في خمسين وتسعمائة مقاتل وقيل في الف وكان معهم مأتا فرس وستمأة درع ولم يتخلف عنهم أحد من يطون قريش الا بنى عدى فلم يخرج معهم منهم أحد فقال ابن عقبة وابن عابد واقبل للمشركون ومعهم بليس يعدهم ان بنى كنانة ورائهم قد اقبلوا لنصرهم وانه لا غالب لكم من الناس وانى جار لكم قال في الامتناع فلما نزلوا بمر الظهران نحر ابو جهل عشر جزور فما بقي خباء من اخبية العسكر الا أصابه من دمها وراى ضمضم بن عمرو ان وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه ونحر لهم
(١) اربى واللياط أبا ١٢
(٢) أزالهم عن رايهم ١٢
(٣) عن الإبل الذي لا ينقاد والزلول ضده ١٢
(٤) قيان جمع قينة يقال للامة المعنية ١٢ [.....]
(٥) اى يصرفهم عن السفر ١٢
14
امية بن خلف بعسيف تسعا ونحر سهيل بن عمرو بقديد عشرا واسلم بعد ذلك ثم ذلك ثم مالوا من قديد الى مياه نحو البحر فظلوا فيها فاقاموا بها فنحر لهم يومئذ عقبة بن ربيعة عشرا ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا عشرا ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا الجحفة عشاء نزلوا هناك روى البيهقي عن ابن شهاب وابن عقبة وعروة بن الزبير قالوا لما نزلت قريش بالحجفة كان فيهم رجل من بنى المطلب بن عبد مناة يقال له جهيم بن الصلت بن مخزمة واسلم بعد ذلك في حنين فوضع جهيم راسه فاغفا فقال لاصحابه هل رايتم الفارس الذي وقف على آنفا قالوا لا انك مجنون قال قد وقف على فارس آنفا فقال قتل ابو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة وزمعة وابو البختري وامية بن خلف وعد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء ممن اخبية العسكر الا أصابه من دمه فقال أصحابه انما لعب بك الشيطان ورفع الحديث الى ابى جهل فقال قد جئتم بكذب بنى المطلب مع كذب بنى هاشم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة واستخلف ابن أم مكتوم على الصلاة ورد أبا لبابة من الروحاء واستخلفه على المدينة قال ابن سعد خرج رسول الله ﷺ يوم السبت لاثنتى عشرة ليلة خلت من رمضان وقال ابن هشام لثمان وضرب عسكره ببئر ابى عتبة على ميل من المدينة فعرض أصحابه ورد من استصغر منهم فرد عبد الله بن عمرو اسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن حضير وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وعمير بن ابى وقاص فبكى عمير فاجازه فقتل يوم بدر وهو ابن ستة عشرة سنة وامر أصحابه ان يستقوا من بير السقيا وشرب من مائها وصلى عند بيوت السقيا وامر قيس بن ابى صعصعة حين فصل من السقيا ان يعد المسلمين فوقف بهم عند بير ابى عتبة فعدّهم ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بانهم ثلاثمائة وثلثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت ودعا يومئذ للمدينة فقال اللهم ان ابراهيم عبدك وخليلك ونبينك دعا لاهل مكة وانى محمد عبدك ونبيك أدعوك لاهل المدينة ان تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة واجعل ما بها من الوباء بخم «١» اللهم انى حرمت ما بين لابتيها «٢» كما حرم ابراهيم خليلك مكة وكان خبيب بن اساف ولم يكن
(١) خم موضع على ثلثة أميال من جحفه ١٢
(٢) لابتين تثنية لابة وهى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود نخرة كانها أحرقت بالنار.
15
اسلم خرج منجد «١» القومة من الخزرج طالبا للغنيمة فقال رسول الله ﷺ لا يصحبنا الا من كان على ديننا فاسلم وابلى بلاء حسنا راح عشية الأحد من بيوت السقيا وقال صلى الله عليه وسلّم حين فصل منها اللهم انهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فاشبعهم وعالة فاغنهم بفضلك وكانت ابل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبعين بعيرا فاعتقبوها روى احمد وابن سعد عن ابن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلثة على بعير وكان ابو لبابة وعلى زميلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالا اركب يا رسول الله نحن نمشى عنك فقال ما أنتم باقوى منى على المشي وما انا اغنى عن الاجر منكما قال في البداية والعيون هذا قيل ان يرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا لبابة من الروحاء ثم كان زميلاه علبا وزيدا وكان معهم فرسان فرس للمقداد بن الأسود وفرس لزبير بن العوام وعند ابن سعد في رواية كان معهم ثلثة افرس فرس لمرثد بن ابى مرثد الغنوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسعد بن ابى وقاص وهو بتربان «٢» انظر الى الظبى فعوق «٣» له بسهم وقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوضع ذقنه بين منكب سعد واذنه ثم قال ارم اللهم سدد رميته فما أخطأ سعد عن نحر الظبى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخرج سعد يعدو فاخذه وبه رمق فزكاه وحمله فامره رسول الله ﷺ فقسم بين أصحابه ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذا سنجسج وهى بين الروحاء ثم ارتحل منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين النازيه يزيد بدرا فسلك في ناحية منها حتى إذا جزع «٤» واديا يقال زحفان بين النازية وبين مضيق السفراء ثم على المضيق ثم انصب به حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسيس ابن عمرو الجهني حليف بنى ساعدة وعدى بن ابى الرغباء حليف بنى البخار الى بدر يتجسان له الاخبار عن ابى سفيان ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران وجزع فيه ثم نزل أتاه الخبر بمسير قريش ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فاحسنوا فاستشارهم فقام ابو بكر فقال فاحسن ثم قام عمر فقال فاحسن ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون
(١) يعنى ناصرا ١٢
(٢) وادي على ثمانية عشر ميلا في المدينة
(٣) اى وضع السهم في الوتر ليرمى به ١٢
(٤) اى قطع ١٢.
16
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك والذي بعثك بالحق لو سرت بنا برك الغماد لجالدنا «١» معك من دونه حتى نبلغه فاشرق وجه رسول الله ﷺ وقال له خيرا ودعا له ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار انه يعينهم وذلك انه عدد الناس فقام سعد بن معاذ جزاه الله خيرا فقال يا رسول الله كانك تعرض بنا قال أجل فقال سعد يا رسول الله قد أمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى ان يكون الأنصار لا ينصروك الا في ديارهم وانى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شيئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من امر فامر فاتبع لامرك فو الله لئن سرت حتى تبلغ برك من عمدان وفي رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك وو الله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان نلقى عدونا غدا انا بصير في الحرب لعل الله يريك منا ما تقربه عينك ولعلك خرجت لامر فاحدث الله غيره فسر بنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون فاشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقول سعد رضى الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعد احدى الطائفتين والله لكانى الان انظر الى مصارع القوم وكره جماعة لقاء العدو كما قال الله تعالى وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) قال البيضاوي وغيره هذه الجملة في محل النصب على الحال من كاف اخرجك اى اخرجك من بيتك في حال كراهتهم خروجك قلت والظاهر انه استيناف ولا يجوز ان يكون في موضع الحال لوجوب اتحاد زمان الحال وصاحبه ولا شك انهم انما كرهوا الخروج إذا اتفق لهم القتال مع النضير واما وقت الخروج فكانوا راغبين في الخروج الى العير طمعا في المال مع عدم القتال
(١) الجالد المضاربة بالسيوف ١٢
17
روى ابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال لما سرنا يوما او يومين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما ترون في قتال القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ولكن أردنا العير ثم قال ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك-.
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ في ايثارك الجهاد إظهارا للحق لايثارهم تلقى العير عليه وجدا لهم قولهم ما لنا طاقة لقتال القوم ولكنا أردنا العير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم باعلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم انهم ينصرون وذلك انه نزل جبرئيل عليه السلام حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالروحاء وقال ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريش كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ متعلق بقوله كارهون...
يعنى يكرهون القتالى كراهة من يساق الى الموت وهو يشاهد أسبابه وذلك بقلة عددهم وعدم تاهبهم وقال ابن زيد هولاء المشركون جادلوه في الحق كانما يساقون الى الموت وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ متعلق بمحذوف يعنى اذكر إذ يعدكم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اما العير واما قريش وهذا ثانى مفعولى يعدكم وقد أبدل عنها أَنَّها لَكُمْ بدل الاشتمال وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ اى الشدة والقوة والحدة مستعاد من الشوك يعنى العير تَكُونُ لَكُمْ لكثرة المال وعدم القتال روى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان الله تعالى وعدهم احدى الطائفتين وكانوا ان يلقوا العير أحب إليهم لكونهم أيسر شوكة فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم سار رسول الله ﷺ بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لكثرة القوم وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يظهره ويعليه بِكَلِماتِهِ للوحى بها في هذه الحال يعنى يأمره إياكم بالقتال او باوامره للملئكة بالامداد وقيل بمواعدة التي سبقت من اظهار الدين وإعزازه وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) اى يستاصلهم حتى لا يبقى أحد من كفار العرب الا يقتل او يسلم يعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين.
لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق
18
بيقطع او بمحذوف تقديره فعل ما فعل ليثبت الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يعنى الكفر وليس في الكلام تكرير فان الاول لبيان المراد وبيان ما بين مراده تعالى ومرادهم من التفاوت والثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول الى اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) يعنى المشركين ذلك رجعنا الى القصة ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ذفران فسلك ثنايا يقال له الاصافر «١» ثم الخط منها الى بلد يقال له الدية وترك الجنان عن يمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو وابو بكر الصديق رض حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم قال الشيخ بلغني ان محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فانكان الذي أخبرني صدقنى فهم اليوم بمكان كذا للمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا فانكان الذي أخبرني صدق فهم اليوم في مكان كذا للمكان الذي فيه قريش ثم قال من أنتما قال رسول الله ﷺ نحن «٢» من ماء قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله ﷺ الى أصحابه فلما امسى بعث على ابن ابى طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص في نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر له فاصابوا راوية لقريش فيها اسلم غلام بنى الحجاج وابو يسار غلام بنى العاصي بن سعيد فاتوا بهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلّم قايم يصلى فقالا نحن سقاط قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما إذ «٣» لقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسجد سجدتين وسلم وقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبر انى عن قريش قالاهم وراء هذا الكثيب الذي يرى بالعدوة «٤» القصوى والكثيب العقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم
(١) جمع اصفر جبال قريب من الجحفه عن يمين الطريق الى مكة ١٢
(٢) قاله توريه أراد من ماء دافق وأوهمه انه من ماء ١٢
(٣) إذا لقوهما يعنى بالغوا في ضربهما ١٢
(٤) العدوة الجانب المرتفع من الوادي ١٢ عه البعيد ١٢
19
من فيهم من الاشراف قالا عتبة وشيبة ابني ربيعة وابو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل ابن خويلد والحارث بن عامر وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث وربيعة الأسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنهه ابنا الحجاج وسهل بن عمرو وعمرو بن عبد ود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذه مكة قد القت إليكم أفلاذ «١» كبدها قال ابن عابد وكان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال وكان بسيس بن عمرو وعدى بن ابى الزغباء قد مضيا الى بدر فاناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذ اشنانهما «٢» يستقيان فيه ومجدى بن عمر الجهني على الماء فسمع عدى وبسبس جاريتين من جوار الحاضر «٣» يتلازمان على الماء والملزومة تقول بصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم ثم أعطيك الذي لك قال مجدى صدقت وسمع ذلك عدى وبسبس فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاخبراه بما سمعا قال ابن إسحاق وغيره واقبل ابو سفيان بالعير وقد خاف خوفا شديدا حين دنوا المدينة واستبطأ ضمضم بن عمرو النضير حتى ورد بدرا وهو خائف وتقدم ابو سفيان امام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى مجدى بن عمرو الجهني فقال له هل أحسست أحدا قال ما رايت أحدا أنكره الا انى رايت راكبين يعنى بسبسا وعديا قد أناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى ابو سفيان الى مناخنهما فأخذ من ابعار بعيرهما ففته فاذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل «٤» بها وترك بدرا بيسار وانطلق واسرع فسار ليلا ونهارا فرقا من الطلب فلما رأى ابو سفيان انه قد احرز عيره أرسل الى قريش قيس بن أمراء القيس انما خرجتم لتمتنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا فاتاهم الخبر وهم بالجحفة فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدرا موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف «٥» علينا القينات ويسمع بنا العرب وبمسيرنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها وكره
(١) جمع فلذ وهى القطعة يعنى صميم قريش ولبابها ١٢
(٢) الشن القربة ١٢ [.....]
(٣) الحاضر القوم النزول على ماء يقيمون عليه ولا يرحلون ١٢
(٤) فساحل يعنى سلك طريق ساحل البحر ١٢
(٥) تعزف يعنى تلعب بالمعازف اى الملاهي ١٢
20
اهل الرأي المسير ومشى بعضهم الى بعض وكان ممن ابطاهم عن ذلك الحارث بن عامر وامية بن خلف وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وحكيم ابن حزام وابو البختري وعلى بن امية بن خلف وابو العاصي حتى بكتهم «١» ابو جهل بالجبن وأعانه عقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث والجارث بن كلدة واجمعوا على المسير قال الأخنس بن شريف وكان حليف بنى زهرة يا بنى زهرة قد نجا الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم محزمة بن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فارجعوا الى مكة وكانوا نحو مائة ويقال ثلاثمائة فلم يشهدها زهرى الا رجلين هما عما مسلم بن شهاب الزهري وقتلا كافرين قال ابن سعد ولحق قيس بن امرأ القيس أبا سفيان فاخبره بمجى قريش فقال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل واغتبطت بنو زهرة بعد براى الأخنس فلم يزل فيهم مطاعا معظما وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل «٢» وبطن الوادي ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعدوة الدنيا وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء فظمىء المسلمون وأصابهم ضيق شديد والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم مصلون مجنبين فانزل الله تعالى تلك الليلة المطر وكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم وكان على المسلمين طلا طهرهم الله تعالى به واذهب عنهم لو جز الشيطان وطابهم «٣» الأرض وصلب الرمل وثبت الاقدام ومهدبه المنزل وربط «٤» به على قلوبهم ولم يمنعهم عن المسير وسأل الوادي فشرب المؤمنون وملاؤا الاسقية وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس القى عليهم فناموا حتى ان أحدهم وقفه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه روى ابو يعلى والبيهقي في الدلائل عن على قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رايتنا وما فينا الا نائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلّم
(١) بكتهم عيرهم وقبح فعلهم ١٢
(٢) العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل ١٢
(٣) طابه الأرض مهدا ١٢
(٤) ربط على القلب قواه ١٢-
21
يصلى «١» تحت شجرة حتى أصبح وكانت ليلة الجمعة وبين الفريقين فوز «٢» من الرمل وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فاطافا بالقوم ورجعا فاخبر ان القوم مذعورون وان السماء تسيح عليهم وساد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشاء يبادرهم الماء فسبقهم اليه ومنعهم من السبق اليه المطر حتى جاء ادنى ماء من بدر فنزل به فقال الحباب ابن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق يا رسول الله ارايت هذا لمنزل أمنزل نزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتاخر عنه أم هو الرأي والمكيدة قال بل الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ليس هذا بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي ادنى ماء من القوم فتنزله ثم نغور «٣» ما وراه من القليب ثم نبنى عليه حوضا فنملاه ماء فنشرب ولا يشربون فقال صلى الله عليه وسلّم لقد أشرت بالرأى وذكر ابن سعد ان جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال الرأي ما أشار به الحباب فنهض صلى الله عليه وسلّم ومن معه من الناس حتى إذا اتى ادنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل ثم امر بالقليب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملى ماءا ثم قذفوا فيه الآنية فقال سعد بن معاذ يا رسول الله الا نبنى لك عريشا «٤» تكون فيه ونعد عندك ركائيك ثم نلقى عدونا فان أظهرنا الله على عدونا كان ذلك ما أحبنا وانكانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن ورأينا فقد تخلف عنك أقوام يا نبى الله ما نحن أشد لك حيا منهم ولو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله عز وجل بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيرا ودعا له ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عريشا على تل مشرف على المعركة فكان فيه هو وابو بكر وليس معهما غيرهما وقام سعد ابن معاذ على بابه متوشحا بالسيف ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في موضع المعركة وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان إنشاء الله فما تعدى منهم أحد موضع إشارته رواه احمد ومسلم وغيرهما وروى الطبراني عن رافع بن خديج
(١) يصلى تحت شجرة حتى أصبح وكانت ليلة الجمعة وبين الفريقين فوز ما في الرمل وبعث رسول الله ﷺ ١٢
(٢) الفوز العالي في الرمل كانة جبل ١٢
(٣) نغور من رواية بغين معجمة فمعناة ندهنه وندفنه ومن رواه بالمهملة فمعناه فقد ١٢
(٤) العريش شبهه الخيمة يستظل به ١٢
22
ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر والذي نفسى بيده لو ان مولود اولد من اهل الدين يعمل بطاعة الله كلها الى ان يرد الى أرذل العمر لم يبلغ أحدكم هذه الليلة وقال ان الملئكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلاء على من تخلف منهم رجاله ثقات الا جعفر بن معلاص فانه غير معروف وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببدر وارتحلت قريش بحدها وحديدها تحاد «١» الله عز وجل وتحاد رسوله وجاؤا على حرد «٢» قادرين وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه وذلك ما ذكرنا قصته في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه فلما راها رسول الله ﷺ تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي جاؤا منه الى الوادي وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه فاستجال «٣» بفرسه يريد ان يتبوأ «٤» للقوم منزلا فقال ﷺ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها «٥» وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أمتهم بالغداة ولما راى صلى الله عليه وسلّم عتبة بن ربيعة على جمل احمر قال ان بك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ان يطيعوه يرشدوا فقال هو عتبة ينهى عن القتال ويأمر بالرجوع ويقول يا قوم اعصبوها «٦» اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وابو جهل يأبى وبعث خفاف بن أيما بن رحضة الغفاري او أبوه واسلم الثلاثة بعد ذلك الى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال ان احببتم ان نمدكم بسلاح ورجال فعلنا فارسلوا اليه ان وصلتك زحم قد قضيت الذي عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا من ضعف عنهم ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد ما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلّم منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعوهم
(١) تحاد الله قعاديه وتخالف امره ١٢
(٢) استحال اى طاف به غير مستقر ١٢
(٣) الحرد الغضب ١٢ [.....]
(٤) ينبؤا منزلا اى يتخذه ١٢
(٥) بالخيلاء التكبر والاعجاب ١٢
(٦) اعصبوها اجعلوا عارها متعلقا بي ١٢
23
فما شرب منهم أحد الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فآنه لم يقتل واسلم بعد ذلك وحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجانى يوم بدر فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي واسلم بعد ذلك فقالوا له احرز لنا اصحاب محمد فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون لكن أمهلوني حتى انظر للقوم كمين «١» مدد فضرب «٢» فى الوادي حتى ابعد فلم يرشيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا ولكن رأيت يا معشر قريش البلا «٣» يا تحمل المنايا نواضح «٤» يثرب تحمل الناقع «٥» قوم ليس لهم منعة ولا ملجاء الا سيوفهم اما ترونهم حرسا يتكلمون يتلمظون «٦» تلمظ الأفاعي والله ما ارى ان يقتل رجل منهم حتى يقتل منكم فاذا أصابوا منكم اعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فرأو آرائكم فبعثوا أبا سلمة الحشمى فاطاف بالمسلمين على فرسه ثم رجع فقال والله ما رأيت جلدا ولا عدوا ولا حلقة ولا كراعا ولكن رأيتهم قوما لا يرونهم يولوا الى أهليهم قوما مسلمين مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجاء الا سيوفهم زرق الأعين كانهم الحصا تحت الحجف فرأو آرائكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فكلمه يرجع بالناس وقال يا أبا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك من الأمر لا تزال تذكر منه يخبر الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحتمل امر حليفك عمرو الحضرمي قال قد فعلت أنت على بذلك انما هو حليفى فعليّ عقله «٧» وما أصيب من ماله فأت ابن حنظلة فابى لا أخشى ان يسحر امر الناس غيره يعنى أبا جهل ثم قال عتبة خطيبا في الناس فقال يا معشر قريش انكم والله ما تضعون فان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبحتموه لا يزال الرجل في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه او ابن خاله او رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب فان أصابوه فذلك الذي أردتم وان كان غير ذلك القاكم «٨» ولم تعرضوه منه بما تريدون انى
(١) المستخفى في الحرب حيلة ١٢
(٢) ضرب في الوادي سار فيه ١٢
(٣) البلايا جمع بلية وهى الفاقة والداية تخف بيدها حضرة ويشد راسها الى خلفها وتبلى اى تترك على قبر الميت فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث يزعم ان صاحبها يحشر عليها راكبا وإذا لم يفعل بها ذلك يحشر ما شيئا ١٢-
(٤) الناضح الإبل تسقى عليها الماء ١٢
(٥) الناقع البالع ويقال الثابت ١٢
(٦) التلمظ إدارة اللسان في القم تتبع اثر ما كان
(٧) عقل الدية ١٢
(٨) القاكم اوحدكم ١٢-
24
ارى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وأنتم تعلمون انى لست بأجبنكم فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نتل «١» درعا له من جرامها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة قد أرسلني لكذا وكذا اللذى قال فقال انتفخ «٢» والله سجره حين رأى محمد او أصحابه كلا والله لا يرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى ان محمدا وأصحابه أكلته جزور فيكم ابنه قد تخوفكم عليه ثم بعث الى عامر الخضرمي فقال والله هذا حليفك عتبة يريد ان يرجع بالناس فقم فانشد «٣» حفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الخضرمي فكشف عن استه ثم صرخ وا عمراه فحميت الحرب واحقب «٤» امر الناس واستو «٥» سقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم اليه عتبة ولما بلغ عتبة قول ابى جهل انتفخ والله سجره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سجره انا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في راسه فما وجد في الجيش تسعة من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر ببرد على راسه وسل ابو جهل سيفه فضرب متن فرسه فقال له أيما بن رحضة بئس الفال هذا وذكر محمد بن عمر الأسلمي والبلاذري وصاحب الامتناع ان قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب إليهم يقول لهم ارجعوا فانه ان يلى هذا الأمر منى غيركم أحب الى من ان تلوه بنى فقال حكيم بن حرام قد عرض نصحا فاقبلوه فو الله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف «٦» فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ما أمكننا الله منهم روى ابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا واربطوهم في الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة الاية في سورة ن يعنى انهم في قدرتهم عليهم كما اقتدر اصحاب الجنة على الجنة ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم صف أصحابه فكانما يقوم بهم القداح «٧» ومعه يومئذ قدح يشير الى هذا تقدم والى هذا تأخر
(١) نتل اى استخرج ١٢
(٢) كلمة يقال للجبان الشدة والقوة
(٣) اى اطلب في قريش الوفاء بخفرهم لك اى عندهم وكان حليفا لهم ١٢ [.....]
(٤) اى اشتد ١٢
(٥) بسينين مهملتين اى اجتمعوا واستقر رأيهم ١٢
(٦) النصف العدل ١٢
(٧) القداح خرد أسهم بلا فصل وريش ١٢
25
حتى استووا ودفع رايته الى مصعب بن عمير فتقدم حيث امره رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يضعها ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينظر الى الصفوف فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه واقبل المشركون فاستقبلوا الشمس ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعدوة الشامية ونزلوا بالعدوة اليمانية ولما عدل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصفوف تقدم سواد بن غزية امام الصف فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بطنه وقال استويا سواد قال يا رسول الله أوجعتني والذي بعثك بالحق نبيا أقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن بطنه قال استقد فاعتنقه وقبله فقال ما حملك على ما ضعت قال حضر من امر الله ما قد ترى وخشيت ان اقتل فاردت ان أكون اخر عهدى بك وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا كثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم كذا روى ابو داود عن ابى أسيد وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحمد الله واثنى عليه واحث الناس على الصبر في القتال وابتغاء وجه الله وتعتبب قريش للقتال والشيطان لا يفارقهم فثبت المسلمون على صفهم وشد عليهم عامر بن الحضرمي فكان أول من خرج من المسلمين مهيجع بن عايش مولى عمر بن الخطاب فقتله ابن الحضرمي وكان أول قتيل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حيان بن عرفة وخرج عتبة بن ربيعة بن أخيه شيبة وابنه الوليد ودعوا لى المبارزة فخرج ثلثة من الأنصار عوذ ومعوذا بنا الحارث وأمها العفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا اكفاء كرام ما لنا بكم حاجة ثم نادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم قم يا عبيدة بن الحارث قم يا حمزة قم يا على فاما حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله واما على فلم يمهل الوليد ان قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما اثبت صاحبه فكر حمزة وعلى بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبه وفي الصحيحين ان فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم في سورة الحج قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى العريش ومعه ابو بكر وليس معه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يناشدد به عز وجل ما وعده من النصر يقول فيما يقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض
26
وابو بكر يقول يا رسول الله بعض منا شدتك ربك فان الله منجز لك ما وعدك روى ابن جرير وابن ابى حاتم والطبراني عن ابى أيوب الأنصاري ان عبد الله بن رواحة قال يا رسول الله انى أريد ان أشير عليك ورسول الله صلى الله عليه وسلّم أعظم من ان بشار اليه ان الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من ان ينشده وعده فقال يا ابن رواحة لانشدن الله وعده ان الله لا يخلف الميعاد وروى ابن سعد وابن جرير عن على بن ابى طالب وقال لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا الى النبي صلى الله عليه وسلّم لا نظر ما فعل فاذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم لا يزيد عليها ثم رجعت الى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذاك ثم ذهبت الى القتال ثم جئت وهو يقول ذلك ثم ذهبت الى القتال ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك ففتح عليه وروى البيهقي عن ابن مسعود حديث المناشدة قال ثم التفت كان وجهه القمر فقال كانما انظر مصارع القوم العشية وروى سعيد بن منصور عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة قال لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى المشركين وتكاثرهم والى المسلمين واستقلهم ركع ركعتين وقام ابو بكر عن يمينه فقال صلى الله عليه وسلّم وهو في صلوته اللهم لا تخذلنى اللهم أنشدك ما وعدتني روى ابن ابى شيبة واحمد ومسلم وابو داود والترمذي وغيرهم عن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى المشركين وهم الف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبى الله القبلة ثم مديديه فجعل يهتف بربه
عز وجل يقول اللهم أنجز لى ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم ان تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه عز وجل مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط ردائه عن منكبه فاتاه ابو بكر فاخذ ردائه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبى الله كذاك «١» تناشدك لربك فانه سينجز لك ما وعدك فانزل الله تعالى.
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ بدل من إذ يعدكم او متعلق بقوله لِيُحِقَّ او على إضمار اذكر يعنى يستجيرون به من عدوكم وتطلبون الغوث فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي اى بانى فحذف الجار وسلط عليه الفعل مُمِدُّكُمْ مرسل إليكم مددا وردأ لكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ روى البيهقي عن ابن عباس وحكيم بن حزام وابراهيم
(١) يعنى كفاك ١٢.
27
التيمي حديث دعائه صلى الله عليه وسلّم وقول ابى بكر نحو ما مر وفيه وخفق «١» رسول الله صلى الله عليه وسلّم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال ابشر يا أبا بكر هذا جبرئيل متعجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض فلما نزل الى الأرض تغيب عنى ساعة ثم طلع على ثناياه النقع يقول أتاك نصر الله إذ دعوته وروى ابن إسحاق وابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ قومه نحوه بلفظ هذا جبرئيل «٢» أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع وروى البخاري والبهيقى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه وعليه اداة الحرب مُرْدِفِينَ (٩) قرأ نافع ويعقوب بفتح الدال اى أردفهم الله تعالى المسلمين وجاء بهم لهم مددا والباقون بكسر الدال اى متتابعين بعضهم اثر بعض وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال في تفسيره يعنى وراء كل ملك ملك وروى عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال متتابعين أمدهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة آلاف ثم أكملهم خمسة آلاف وروى الطبراني عن رفاعة بن رافع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال أمد الله نبيه صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين بألف وكان جبرئيل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة الحديث وروى ابن ابى حاتم عن الشعبي قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان كرز المحاربي يريد ان يمد المشركين فشق ذلك عليهم فانزل الله تعالى ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملئكة منزلين بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين فبلغ كرز الهزيمة فرجع ولم يأتهم فلم يمدهم الله بالخمسة الآلاف وكانوا قد امدوا بألف من الملئكة وروى ابو يعلى والحاكم عن على رضى الله عنه قال بينما انا من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط ثم جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط الا التي كانت قبلها ثم جاءت ريح شديدة قال وكانت ريح الاولى جبرئيل عليه السلام نزل في الف من الملئكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في الف من الملئكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان ابو بكر عن يمينه فكانت
(١) حرك راسه وهو تاع ١٢
(٢) ثنايا راسه وقواعه ١٢-
28
الثالثة اسرافيل نزل في الف من الملئكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وانا في الميسرة الحديث وروى احمد والبزار والحاكم برجال صحيح عن على قال قال لى ولابى بكر يوم بدر قيل لاحدنا معك جبرئيل وقيل للآخر معك ميكائيل واسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل يكون في الصف وروى ابو يعلى عن جابر قال كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة بدر إذ تبسم في صلوته قلنا يا رسول الله رايناك تبسمت قال مربى جبرئيل وعلى جناحه اثر الغبار وهو راجع عن طلب القوم فضحك الى وتبسمت اليه وروى ابن سعد وابو الشيخ عن عطية بن قيس قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قتال بدر جاء جبرئيل على فرس أنثى احمر عليه درعه ومعه رمحه فقال يا محمد ان الله بعثني إليك وأمرني ان لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال نعم رضيت فانصرف- (فايده) وقد ظهر بعض الملائكة لبعض الرجال في صورة الرجال روى ابراهيم الحرثى عن ابى سفيان بن الحارث قال لقينا ببدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض وروى البيهقي وابن عساكر عن سهل بن عمرو رضى الله عنه قال لقد رايت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون وروى محمد بن عمرو الأسلمي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال رايت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلّم أحدهما وعن يساره أحدهما يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهم رابع امامه وروى محمد بن عمرو الأسلمي عن ابراهيم الغفاري عن ابن عم له بينا انا وابن عم لى على ماء ببدر فلما راينا قلة من مع محمد وكثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا الى عسكر محمد وأصحابه- فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحابه ونحن نقول هؤلاء ربع قريش فينا نحن نمشى في المسيرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا لرجل يقول لفرسه اقدم «١» خيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم جاءت اخرى مثل ذلك لكانت
(١) اقدم بضم الدال والهمزة او فتح الدال وكسر الهمزة او عكسه ورجح النووي الثاني وهو في التقدم على الحرب او الاقدام او الشجاعة وحيزوم فيقول من الحزم والحيزوم يطلق ايضا على الصدر يجوز ان يكون سمى به لانه صدر خيل الملئكة ١٢
29
مع النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فاذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمى واما انا فما سكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلّم وأسلمت وكذا روى ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس عن رجل من غفار وروى البيهقي عن السائب بن ابى حبيش انه يقول والله ما أسرني أحد من الناس فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فادركنى رجل ابيض طويل على فرس بين السماء والأرض فاورثنى رباطا وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدنى مربوطا فنادى في العسكر من ربط هذا فليس يزعم أحد انه أسرني حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال من أسرك قلت لا أعرفه وكرهت ان أخبره بالذي رايت فقال أسرك ملك من الملائكة وروى احمد وابن سعد وابن جرير عن ابن عباس والبهيقى عن على قال كان الذي اسر العباس ابو اليسر وكان رجلا مجموعا وكان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يا أبا اليسر كيف أسرت العباس قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقد اعانك عليه ملك كريم وروى ابن إسحاق وإسحاق بن راهويه عن ابى أسيد الساعدي انه قال بعد ما عمى لو كنت معكم ببدر الان ومعى بصرى لاخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة لا أشك ولا اتمارى وروى البيهقي عن ابن عباس قال كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم بيض قال أرسلوا في ظهورهم ويوم خيبر عمائم حمر وروى ابن إسحاق عن ابن عباس نحوه وزاد الا جبرئيل فانه كانت عليه عمامة صفراء وروى الطبراني بسند صحيح عن عروة قال نزل جبرئيل يوم بدر على سيما الزبير وهو معتجر بعمامة صفراء وكذا روى ابن ابى شيبة وابن جرير وابن مردوية عن عبد الله بن الزبير وروى الطبراني وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا في قوله تعالى مسومين قال معلمين وكانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر قال ابن سعد كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم قد ارخوا بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور والصوف في نواصى خيلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لاصحابه ان الملئكة قد سومت فسوموا فاعلموا بالصوف في مفارقهم وقلانسهم وكانت الملئكة على خيل بلق.
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ الامداد بالملائكة الذي دل عليه قوله ممدكم إِلَّا بُشْرى اى سببا لاستبشاركم وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
فيزول ما بها من وجل نظرا على جرى عادة الله في غلبة الكثير على القليل قلت نظير حال النبي صلى الله عليه وسلّم هاهنا في اضطراب قلبه ومناشدته صلى الله عليه وسلّم ربه بعد ما وعده بالنصر حال ابراهيم عليه السلام حيث قال رب أرني كيف تحيى الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى وكان حالهما عليهما السلام مبنيا على النزول الأتم كما حققناه في سورة البقرة في تفسير رب أرني كيف تحيى الموتى ولما لم يكن ابن رواحة رضى الله عنه في تلك المرتبة من النزول قال ان الله تبارك وتعالى أجل وأعظم ان ينشد وعده ولما كان ابو بكر اقرب منزلة من النبي صلى الله عليه وسلّم لم يقل كما قال ابن رواحة بل قال كذاك تناشدك لربك وكان اضطراب النبي صلى الله عليه وسلّم لحرصه على اشاعة الإسلام وهدم أساس الكفر ونظره على كمال استغنائه تعالى عن العالمين وعن عبادتهم والله اعلم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) وامداد الملئكة وكثرة العدد والأهب ونحوها وسايط في جرى العادة لا تأثير لها في نفس الأمر والله اعلم.
(فايدة) ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مناشدته ربه قاتل بنفسه الشريفة قتالا شديدا وكذلك ابو بكر وكانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع ثم نزلا فحرضا وحشا الناس على القتال وقاتلا بابدانهما جمعا بين المقامات كذا قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد وروى ابن سعد والفريابي عن على قال لما كان يوم بدر وحضر البأس امّنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم واتقينا به وكان أشد الناس بأسا يومئذ وما كان أحد اقرب الى المشركين منه ورواه احمد بلفظ لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلّم والنسائي بلفظ كنا إذا حمى البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلّم.
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ اى النوم الخفيف قرأ ابن كثير وابو عمرو إذ يغشاكم بفتح الياء والشين والف بعدها ورفع النعاس كما في سورة ال عمران امنة نعاسا يغشى طائفة منكم ونافع بضم الياء وكسر الشين مخففا ونصب النعاس كما في قوله تعالى كانما أغشيت وجوههم والباقون كذلك الا انهم فتحوا الغين وشدد والشين كما في قوله تعالى فغشاها ما غشى و
الفاعل على القرائتين هو الله والظرف بدل ثان من إذ يعدكم لاظهار نعمة ثالثة او متعلق بالنصر او بما في عند الله من معنى الفعل او بجعل او بإضمار اذكر امنة منه اى أمنا كائنا من الله مصدر امنت أمنا او امنة وأمانا مفعول له باعتبار المعنى فان قوله يغشيكم النعاس يتضمن معنى تنعسون ويغشاكم بمعناه والامنة فعل لفاعله ويجوز ان يراد به الايمان فيكون فعل المغشى وان يجعل على قراءة ابن كثير وابو عمر فعل النعاس على المجاز لانها لاصحابه او لانه كان من حقه ان لا يغشاهم لشدة الخوف فلما غشاهم فكانه حصلت له امنة من الله لولاها لم يغشهم قال عبد الله بن مسعود النعاس في القتال امنة من الله عز وجل وفي الصلاة من الشيطان روى عبد بن جميد عن قتادة قال كان النعاس امنة «١» من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد وقد مر ذكر النعاس في القصة وذكر المطر الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال وَيُنَزِّلُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الحدث والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعنى وسوسته إليهم تزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم مصلون مجنبون وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ يقويها بالوثوق على لطف الله بهم وإنزال السكينة عليها يقال فلان رابط الجاش إذا قوى قلبه واصل الربط الشد وذلك يقتضى القوة والاستحكام وَيُثَبِّتَ بِهِ اى بالمطر الْأَقْدامَ (١١) حيث صلب الرمل ولم يذهب الاقدام فيها او بالصبر وقوة القلب.
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ الذين أمد بهم المؤمنين بدل ثالث او متعلق بيثبت أَنِّي مَعَكُمْ في اعانة المؤمنين وثبتهم وهو مفعول يوحى فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بمحاربة أعدائهم وتكثير سوادهم وبشارتهم بالنصر قال مقاتل كان الملك يمشى امام الصف في صورة الرجل ويقول ابشروا فان الله ناصركم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ هو امتلاء القلب من الخوف يعنى الخوف من المؤمنين قرأ ابن عامر والكسائي بضم العين والباقون بسكونها وهذا بمنزلة التفسير لقوله انى معكم روى ابو نعيم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قلت لابى يا أبت كيف أسرك ابو اليسر ولو شئت لجعلته
(١) يعنى الامن الذي هو ضد الخوف فعل لفاعل متنعون اى المخاطبون ١٢
32
في كفك فقال يا بنى لا تقل ذلك لقينى وهو في عينى أعظم من الخندقه قلت وهذا الإلقاء الله الرعب في قلوبهم فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ اى أعاليها التي هى المذابح والرؤوس وقال عكرمة يعنى الرؤوس لانها فوق الأعناق وقال الضحاك معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة وقيل معناه فاضربوا على الأعناق وفوق بمعنى على وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) قال عطية يعنى كل مفصل وقال ابن عباس وابن جريح والضحاك يعنى الأطراف والبنان جمع بنانة وهى أطراف أصابع اليدين والرجلين في القاموس الأصابع او أطرافها والخطاب للملئكة يقتضيه سياق الآية وفيه دليل على ان الملائكة قاتلوا قال ابن الأنباري كانت الملائكة لا تعلم كيف يقتل الآدميون فعلمهم الله تعالى روى البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انى أنشدك عهدك ووعدك اللهم ان تشأ لا تعبد بعد اليوم فاخذ ابو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله لقد ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وامر وانزل الله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملئكة مردفين اى متتابعين يتبع بعضهم بعضا وانزل الله تعالى ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فاوحى الله تعالى الى الملئكة انى معكم فثبتوا الذين أمنوا سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان وروى مسلم وابن مردوية عن ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في اثر رجل من المشركين امامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وسمع صوت الفارس يقول اقدم حيزوم إذ نظر الى المشرك امامه مستاتيا فنظر اليه فاذا هو قد حطم انفه وشق وجهه كضربة السوط فاحضر ذلك الموضع اجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة وروى الحاكم وصححه والبيهقي وابو نعيم عن سهل بن حنيف قال لقد رايتنا يوم بدر ان أحدنا يشير بسيفه الى راس المشرك فيقع راسه قبل ان يصل اليه وروى البيهقي عن الربيع بن انس قال كان الناس يعرفون قتل من قتلوه بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق وروى ابن
33
سعد عن حويطب بن عبد العزى قال شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عيرا رأيت الملئكة تقتل وتاسر بين السماء والأرض وروى محمد بن عمر الأسلمي والبيهقي عن ابى بردة بن يناد رضى الله عنه قال جئت رسول الله ﷺ بثلاثة رؤس فقلت يا رسول الله اما راسان فقتلتهما واما الثالث فانى رأيت رجلا ابيض طويلا ضربه فاخذت رأسه فقال رسول الله ﷺ ذاك فلان من الملئكة وروى ابن سعد عن عكرمة قال كان يومئذ يندر رأس الرجل الا يدرى من ضربه وتندر يد رجل لا يدرى من ضربه وروى ابن إسحاق والبيهقي عن ابى واقد الليثي قال انى لا تبع يوم بدر رجلا من المشركين لا ضربه فوقع راسه قبل ان يصل اليه سيفى فعرفت ان غيرى قتله وروى البيهقي عن خارجة بن ابراهيم قال قال رسول الله ﷺ لجبرئيل من القائل يوم بدر من الملئكة اقدم حيزوم فقال جبرئيل ما كل اهل السماء اعرف وروى ابن إسحاق عن ابى رافع مولى رسول الله ﷺ قال كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا اهل البيت وأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق فى قومه وكان ابو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحابه بل ركبه «١» الله وأخزاه فوجدنا فى أنفسنا قوة وعزة وكنت رجلا ضعيفا وكنت اعمل القداح وأنحتها فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس انحت القداح وعندى أم الفضل جالسة إذ اقبل الفاسق ابو لهب يجر رجليسه حتى جلس على طنب «٢» الحجرة وكان ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب قد قدم فقال ابو لهب الىّ ابن أخي فعندك الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال أخبرني ابن أخي كيف كان امر الناس فقال لا شىء والله ان كان الا ان لقيناهم فمحناهم «٣» أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاء وايم الله مع ذلك ما ملت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض لا والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء قال ابو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك والله الملئكة قال فرفع
(١) اى اذله ١٢.
(٢) الطنب حبل الخباء وطرف الحجرة ١٢
(٣) فمحناهم أعطيناهم ١٢
34
ابو لهب يده فضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته «١» فاحتملنى فضرب بي الأرض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فاخذته فضربته به ضربة فلقت فى راسه شجة منكرة وقالت استضعفته ان غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله عز وجل بالعدسة فقتله قال ابن جرير والعدسة «٢» قرحة كانت العرب يتشاءم بها ويرون انها تعدو أشد العدو فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه بعد موته ثلثا ولا تقرب جثته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة «٣» فى تركه حفروا له ثم وضعوه بعصا فى حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه قال ابن إسحاق فى رواية يونس بن بكير انهم لم يحفر واله ولكنه أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه.
ِكَ
اشارة الى الضرب والأمر به والخطاب للرسول ﷺ وهو مبتدأ خبره أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعنى بسبب انهم عاندوهما اشتقاقه من الشق لان كلا من المتعاندين فى شق خلاف شق الاخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعاقبه الله عقابا شديداإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)
تقرير للتعليل او وعيد بما أعد لهم فى الاخرة بعد ما حاق بهم فى الدنيا.
ذلِكُمْ الخطاب مع الكفار على طريقة الالتفات ومحله الرفع اى الأمر ذلكم او ذلكم العقاب واقع او النصب بفعل دل عليه قوله تعالى فَذُوقُوهُ يعنى ذوقوا ذلكم العذاب فى الدنيا فذوقوه او غير ذلك الفعل مثل باشروا او عليكم ويكون الفاء حينئذ عاطفة وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) فى الاخرة عطف على ذلكم او الواو بمعنى مع والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على ان الكفر سبب موجب للعذاب الاجل والجمع بينهما والمؤمن لو أصابه مصيبة فى الدنيا بما كسبت يداه كانت له كفارة ولا يعذب فى الاخرة إنشاء الله تعالى روى البغوي بسنده فى تفسير قوله تعالى ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم الاية عن على رضى الله عنه قال الا أخبركم بأفضل آية من كتاب الله حدثنا بها رسول الله
(١) ثادرته اى نهضت ١٢
(٢) عدسة بثرة شبيه العدس تخرج فى موضع من الجسد تقتل صاحبها غالبا ١٢ [.....]
(٣) السبة طعن الناس وقولهم بالسوء ١٢
صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير وسافسرها لك يا عليّ ما أصابكم من مرض او عقوبته او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم والله عز وجل أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة وما عفى الله عنه فى الدنيا فالله احكم من ان يعود بعد عفوه والله اعلم روى الترمذي وحسنه والحاكم عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل لرسول الله ﷺ عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه العباس وهو أسير فى وثاقه لا يصلح فقال رسول الله ﷺ لم قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد اعطاك ما وعدك قال صدقت.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً حال من فاعل لقيتم ومفعوله اى متزاحفين بعضكم الى بعض مختلطين المسلمون بالمشركين والتزاحف التداني فى القتال كذا قال البغوي قلت وانما سمى التداني فى القتال تزاحفا لانه ماخوذ من زحف الصبى إذا دب على استه قليلا او من زحف البعير إذا أعيى فيسير قليلا يجر فرسه فان مزاحمة العدو يمنعهم عن الاسراع فى المشي فكانهم يزحفون كما يزحف الصبى فالزحف مصدر ولذلك لم يجمع كقولهم قوم عدل وقال الليث الزحف جماعة يزحفون الى عدو لهم فهم الزحف بالفتح والإسكان والجمع الزحف بالضمتين وفى القاموس الزحف الجيش يزحفون الى العدو واختار البيضاوي هذا المعنى حيث فسرز حفا بمعنى كثيرا فعلى هذا اما ان يكون حالا من الذين كفروا يعنى إذا لقيتم جماعة كثيرة من الكفار فضلا من ان يكونوا مثلكم او قليلا منكم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) اى لا تولوا ظهوركم بالانهزام واما من الفاعل والمفعول جميعا والمعنى إذا لقيتم متكثرين بجماعة كثيرة من الكفار وحينئذ يكون جريان الحال جريا على العادة فان الغالب قتال لمتكثرين بالمتكثرين واما من الفاعل وحده ويكون اشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر الفا والأظهر عندى فى تفسير الاية ما قال البغوي فانه يقتضى عموم النهى سواء كان من الفريقين جماعات او فرادى فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد
36
(مسئله) الفرار من الزحف كبيرة من الكبائر وعلى هذا اكثر اهل العلم وبه قال الائمة الاربعة من الفقهاء لكنهم قالوا ان المسلمين إذا كانوا على شطر من عدوهم لا يجوز لهم ان يفروا وإن كانوا اقل من ذلك جاز لهم ان يولوا ظهورهم ويتجاوزوا عنهم لقوله تعالى الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مأته صابرة يغلبوا مائتين الاية قال عطاء ابن رباح هذه الاية يعنى لا تولوهم الأدبار منسوخة بقوله تعالى الان خفف الله عنكم وبحديث ابن عمر قال بعثنا رسول الله ﷺ فى سرية فحاص الناس حيصة فاتينا المدينة فاختفينا بها وقلنا هلكنا ثم اتينا رسول الله ﷺ فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون «١» وانا فئتكم رواه الترمذي وحسنه وفى رواية ابى داود نحوه وقال محمد بن سيرين لما قتل ابو عبيدة جاء الخبر الى عمر رضى الله عنهما فقال لو انحاز الى كنت له فئة وانا فئة كل مسلم ومحمل هذين الحديثين قلة المسلمين من شطر الكفار قال البغوي قال ابن عباس من فرمن ثلثة فلم يفرو من فرمن اثنين فقد فرو قال بعض الناس لا بأس بالفرار مطلقا محتجا بما ذكرنا من حديث ابن عمرو محمد بن سيرين قال ابو سعيد الخدري هذا يعنى النهى عن التولي زحفا فى اهل بدر خاصة ما كان يجوز لهم الانهزام لان النبي ﷺ كان هناك ولو انحازوا انحازوا الى المشركين فاما بعد ذلك فان المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا الى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهو قول الحسن وقتادة والضحاك وقال يزيد ابن ابى حبيب أوجب الله تعالى النار لمن فريوم بدر فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم ثم كان يوم حنين بعد فقال ثم وليتم مدبرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء قلت وهذا القول ردّه اجماع الائمة على ما ذكرنا وما ذكر من الآيات فى يوم أحد ويوم حنين فهى حجة لنا لا علينا حيث قال الله تعالى انما استزلهم الشيطان وقال عفى الله عنهم والعفو يقتضى العصيان وكذا قوله تعالى ثم يتوب الله يدل على وجود المعصية والله اعلم وقد ذكر رسول الله صلى الله
(١) الكرارون الى الحرب يقال للرجل يولى عن الحرب لم يكرر اجفا إليها ١٢
37
عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات رواه الشيخان فى الصحيحين فى حديث ابى هريرة واصحاب السنن عن صفوان بن عسال وقد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم فالوعيد عام بقوله تعالى.
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يعنى الذين كفروا يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا لقيتموهم زحفا دُبُرَهُ اى ظهره فى اى حال كان إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اى متعطفا يريد ان يرى من نفسه الانهزام وقصده الغرة بالعدو وهو يريد الكر أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منضما صابرا الى جماعة المسلمين إذا أعيى من القتال يريد العود بعد زوال التعب فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) جهنم وفى القصة ما ذكره البغوي انه قال مجاهد فلما انصرف المسلمون عن القتال كان الرجل يقول انا قتلت فلانا ويقول الاخر مثله فنزلت.
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ بقوتكم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ بنصره إياكم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم وامداد الملئكة لكم والفاء جواب شرط محذوف تقديره ان افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وهذا سبب أقيم مقام المسبب والأصل فى التقدير ان افتخرتم فقد أخطأتم إذ لم تقتلوهم بقوتكم ولكن الله قتلهم من غير تجشم منكم بامداده على خلاف جرى العادة وَما رَمَيْتَ يا محمد بالحصباء رميا يوصلها الى أعينهم أجمعين ولم تكن تقدر على ذلك إِذْ رَمَيْتَ أتيت بصورة الرمي وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى اتى هو غاية الرمي فاوصلها الى أعينهم جميعا حتى انهزموا قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف لكن فى الموضعين ورفع ما بعده والباقون بالتشديد ونصب ما بعده روى ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس والأموي عن عبد الله ابن ثعلبه بن صفير ان رسول الله ﷺ قال يعنى فى مناشدته ربه ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد فى الأرض ابدا فقال له جبرئيل خذ قبضة من تراب فرمى بها فى وجوههم فما بقي من المشركين من أحد الا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه فولوا مدبرين فقال رسول الله ﷺ لاصحابه احملوا فلم يكن الا الهزيمة فقتل الله من قتل من
38
صناديد قريش واسر من اسر وانزل الله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم الاية وروى الطبراني وابو الشيخ برجال الصحيح عن ابن عباس ان رسول الله ﷺ قال لعلى رضى الله عنه ناولنى قبضة من حصباء فرمى بها رسول الله ﷺ فى وجوه الكفار فما بقي أحد من القوم الا امتلأت عيناه من الحصباء وروى ابو الشيخ وابو نعيم وابن مردويه عن جابر رضى الله عنه قال سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كانهن وقعن فى طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله ﷺ فرمى بهن وجوه المشركين فانهزموا وروى ابن ابى حاتم عن ابن زيد ان رسول الله ﷺ أخذ بثلث حصيات فرمى بحصاة فى ميمنة القوم وحصاة فى ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزم القوم وروى محمد بن عمرو الأسلمي امر رسول الله ﷺ فاخذ من الحصباء كفا فرمى به المشركين وقال شاهت الوجوه اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم فانهزم اعداء الله لا يلوذون على شيء والقواد روعهم والمسلمون يقتلون ويأسرون وما بقي منهم أحد الا امتلأ وجهه وعيينه ما يدرى اين يوجه والملائكة يقتلونهم وروى الطبراني وابن ابى حاتم وابن جرير بسند حسن عن حكيم بن جزام قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء الى الأرض كانه صوت حصاة وقعت فى طست ورمى رسول الله ﷺ بتلك الحصاة وقال شاهت الوجوه فانهزمنا وفى شان نزول الآيات روايات أخو غريبة منها ما روى الحاكم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال اقبل ابى بن خلف يوم أحد الى النبي ﷺ فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير وراى رسول الله ﷺ ترقوة ابي من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه بحربته فسقط من فرسه ولم يخرج من طعنه دم فكسر ضلعا من أضلاعه فاتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا ما أعجزك انما هو خدش فذكر لهم قول رسول الله ﷺ بل انا اقتل أبيا قال والذي نفسى بيده لو كان هذا باهل ذى المجاز لماتوا أجمعين فمات ابى قبل ان يقدم مكة فانزل الله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى اسناده صحيح لكنه غريب ومنها ما اخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن جبير ان رسول الله ﷺ يوم خبير دعى
39
بقوس فرمى الحصن فاقبل السهم يهوى حتى قتل ابن ابى الحقيق وهو فى فراشه فانزل الله وما رميت إذ رميت وهذا مرسل جيد لكنه غريب والله اعلم وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ اى لينعم الله عليهم مِنْهُ اى ما فعل بَلاءً حَسَناً نعمة عظيمة قوله تعالى ليبلى معطوف على محذوف يعنى فعل ما فعل ليظهر دينه ويقهر أعدائه ويبلى المؤمنين اى يعطيهم نعمة عظيمة النصر
والغنيمة وتقويته الايمان بمشاهدة الآيات واجر الجهاد والشهادة ودرجات القرب وغرفات الجنان ومرضاة الله تعالى قلت كانه جواب سوال مقدر وهو ان الله تعالى كان قادرا على ان يهلك الكفار أجمعين من غير مجاهدة المؤمنين وقتالهم حتى قتل بعضهم ومن غير امداد الملئكة وايضا كان ملك من الملئكة كاف فى إهلاكهم كما فعل بأشياعهم من قبل حيث قال وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين انكانت الا صيحة واحدة فاذا هم خامدون فاى فائدة فى امدادهم بثلاثة آلاف من الملئكة وقتال الملئكة وغير ذلك فيقول الله سبحانه فعلنا هذا كله لاظهار دينه وإعطاء المؤمنين من الانس والملئكة نعمة من الله من الاجر والثواب والنصر والغنيمة ولو أهلك كلهم بقدرته او بصيحة ملك واحد ولم يبق من المشركين أحد لم ينل أحد منهم فضل الايمان بالله تعالى وقد أمن كثير من بقي منهم بعد ذلك وما نال المؤمنون اجر الجهاد والشهادة والغنيمة والفضل وما نال الملئكة ذلك الفضل- (فصل) فيما ورد فى فضائل اهل بدر روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال جاء جبرئيل الى النبي ﷺ فقال ما تعدون اهل بدر فيكم قال أفضل المسلمين او كلمة نحوها قال جبرئيل وكذلك من شهد بدر أمن الملائكة وروى احمد وابن ماجه عن رافع بن خديج نحوه وروى احمد بسند صحيح على شرط مسلم عن جابر قال قال رسول الله ﷺ لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية وروى ابو داود وابن ماجة والطبراني بسند جيد عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ اطلع الله على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وروى احمد عن حفصة قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول انى لارجوا ان لا يدخل النار إنشاء الله أحد
40
شهد بدر او الحديبية قالت قلت أليس الله يقول وان منكم الا واردها قال اما سمعته يقول ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وروى مسلم والترمذي عن جابر ان عبد الله بن حاطب جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشكوا حاطبا اليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار قال كذبت لا يدخلها فانه شهد بدر او الحديبية وفي الصحيحين عن على قصة كتاب حاطب بن بلتعة وقول عمر يا رسول الله اضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أليس من اهل بدر ولعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وقال فقد وجبت لكم الجنة وقد ذكرنا الحديث في سورة الفتح وسورة الممتحنة وروى البخاري عن انس قال أصيب حارثة بن زيد يوم بدر فجاءت امه الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منى فان يك في الجنة اصبر واحتسب وان يك الاخرى فترى ما اصنع قال ويحك او جنة واحدة هى انها جنان كثيرة وانه فى الفردوس وفي رواية عند غير البخاري عن انس ان حارثة كان في النظارة وفيه ان ابنك أصاب الفردوس الأعلى ففيه تنبيه عظيم على فضل اهل بدر فانه لم يكن في بحجة القتال ولا في حومة الغوائل بل كان من النظارة من بعيد وانما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب جنة الفردوس التي هى أعلى الجنة وأوسطها ومنها تفجر انهار الجنة فاذا كان هذا حاله فما ظنك بمن كان في نحر العدد وهم على ثلثة أضعافهم عددا وعددا واستشكل قوله صلى الله عليه وسلّم اعملوا ما شئتم فان ظاهره للاباحة وهو خلاف عقد الشرع فقيل انه اخبار عن مغفرة الذنوب الماضية يدل عليه قوله قد غفرت لكم بصيغة الماضي ورد هذا القول بانه لو كان للماضى لما صح الاستدلال في قصة حاطب بن بلتعة لانه صلى الله عليه وسلّم خاطب عمر منكرا عليه ما قال في امر حاطب فان هذه القصة كانت بعد بدر بست سنة فدل على ان المراد مغفرة الذنوب المستقبلة وانما أورد بلفظ الماضي مبالغة في تحققه والصحيح ان قوله صلى الله عليه وسلّم اعملوا للتشريف والتكريم
والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر عنهم وانهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيم التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لان
41
يغفر لهم للذنوب اللاحقة ان وقعت.
(فايده) اتفقوا على ان البشارة المذكورة فيما يتعلق باحكام الآخرة لا باحكام الدنيا من اقامة الحدود وغيرها والله اعلم إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاستغاثتهم ودعائهم عَلِيمٌ (١٧) بنياتهم وأحوالهم.
ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن أو القتل والرمي ومحله الرفع اى المقصود او الأمر ذلكم او ذلكم الإبلاء حق وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) معطوف على ذلكم يعنى المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم قرأ نافع وابن كثير وابو عمر بفتح الواو وتشديد الهاء والباقون بإسكان الواو وتخفيف الهاء وقرأ حفص موهن بغير تنوين مضافا الى كيد بالجر والباقون بالتنوين ونصب كيد روى ابن إسحاق واحمد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير بالمهملتين العذرى وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعضهم قال ابو جهل اللهم أينا كان اقطع للرحم وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة اللهم من كان أحب إليك وارضى عندك فانصره فكان هو المستفتح على نفسه فانزل الله تعالى.
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا اى تستنصر والأحب الناس وارضهم عند الله فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الذي طلبتم فقتل ابو جهل يوم بدر وروى احمد والشيخان وغيرهم عن عبد الرحمن بن عوف قال انى لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وعن شمالى فاذا انا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت ان أكون بين اضلع منهما فغمزنى أحدهما سرّا من صاحبه فقال اى عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك اليه يا ابن أخي قال أخبرت انه يسب النبي صلى الله عليه وسلّم والذي نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منهما قال وغمزنى الاخر سرا من صاحبه فقال مثلها فعجبت لذلك فلم انشب ان نظرت الى الى جهل يحول في الناس وهو يرتجز- شعر: ما تنقم الحرب «١» العوان منى بازل «٢» عامين حديث سنى لمثل هذا ولدتني أمي فقلت الا تريان هذا صاحبكما كما الذي تسالان عنه فابتدراه
(١) الحرب العوان التي قوتل فيها مرة بعد أخرى ١٢
(٢) البازل في الإبل الذي خرج نابه وهو في ذلك السن به قوته ١٢
42
بسيفهما فضرباه حتى برد وانصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاخبراه فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان هو ومعاذ بن عفراء وروى البخاري عن انس قال قال النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر من ينظر ما فعل ابو جهل قال فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فاخذ بلحية وقال أنت ابو جهل قال وهل فوق رجل قتله قومه او قتلتموه وفي مسند احمد عن ابى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه انه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو ضريع وقد ندب الناس فيه بسيف له فاخذته فقتلته به فنفلنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيفه قال الحافظ هو معارض لما في الصحيح انه صلى الله عليه وسلّم اعطى سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ويمكن الجمع بان يكون نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وروى ابن إسحاق عن معاذ بن عمرو بن الجموح قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوة امر بابى جهل بن هشام ان يلتمس في القتلى وقال اللهم لا يعجزنك قال فلما سمعتها جعلته من سابق فصمدت نحوه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه قال وضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى واجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى هذا وانى لاصحبها خلفي فلما آذتني وضعت قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها قال ابن إسحاق وعاش بعد ذلك الى زمن عثمان قال القاضي زاد ابن وهب في روايته فجاء معاذ يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلصقت كذا نقل عن القاضي في العيون وفي الشفاء قطع ابو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وألصقها فلصقت رواه ابن وهب قال إسحاق ثم مر بابى جهل وهو عفير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل ثم مر عبد الله بن مسعود بابى جهل قال ابن مسعود وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه ثم قلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني هل اعمد «١» من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدابرة «٢» قلت الله ولرسوله
(١) يعنى زاد على رجل قتله توته وهل كان الا هذا يعنى انه ليس لعاد ١٢
(٢) اى الدّالة والظفر والنصر ١٢
43
وروى عن ابن مسعود انه قال قال لى ابو جهل لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقا صعبا ثم اخررت راسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله هذا راس عدو الله ابى جهل فقال الله الذي لا اله غيره قلت ونعم والذي لا اله غيره ثم ألقيت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحمد الله وفي رواية خر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ساجدا وفي روايته صلى ركعتين وروى ابن عابد عن قتادة ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ان لكل امة فرعون وفرعون هذه الامة ابو جهل قاتله الله قتله ابنا عفراء وقتله الملائكة وتدافه ابن مسعود يعنى اجهز عليه واسرع قتله وقال عكرمة قال المشركون والله ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فانزل الله تعالى ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح اى ان تستقضوا فقد جاءكم القضا وقال السدى والكلبي كان المشركون حين خرجوا الى النبي ﷺ أخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم الضر على الجندين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت فعلى هذه الروايات الخطاب لكفار مكة وقال ابى بن كعب هذا خطاب لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى للمسلمين ان تستفتحوا اى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر والظفر روى البغوي بسنده عن قيس بن حباب قال شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا الا تدعوا الله لنا الا تستنصر لنا فجلس محمارا لونه او وجهه فقال لنا لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق راسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه عن دينه ويمشط بامشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعا الى حضرموت لا يخشى الا الله ولكنكم تعجلون وَإِنْ تَنْتَهُوا ايها الكفار عن الكفر بالله والقتال مع نبيه صلى الله عليه وسلّم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فان فيه صلاح الدارين لكم وَإِنْ تَعُودُوا لحربه ومعاداته نَعُدْ بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر وَلَنْ تُغْنِيَ اى لن يدفع عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ اى جماعتكم شيئا من الإغناء او شيئا من المضارّ وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
44
قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة وحينئذ عطف على محذوف يعنى لن تغنى عنكم فئتكم شيئا لاجل شوم كفركم ولان الله مع المؤمنين وقيل هو عطف على قوله ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين وان الله مع المؤمنين وقرأ الباقون بالكسر على الاستيناف والعطف على لن تغنى وإن كان قوله تعالى ان تستفتحوا خطابا للمسلمين فالمعنى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح النصر وان تنتهو عن التكاسل في القتال والمجادلة في الحق والرغبة عما يستاثره الرسول فهو خير لكم وان تعودوا بعد بالإنكار وتهيج العدو ولن تغنى حينئذ كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر فان الله مع المؤمنين الكاملين ويناسبه قوله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ اى لا تعرضوا عن الرسول يعنى عن اطاعنه افراد الضمير لان المراد من الاية الأمر باطاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم والنهى عن الاعراض عنه وذكر الله تعالى للتوطية والتنبيه على ان طاعة الله تعالى في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم وقيل الضمير للجهاد او للامر الذي يدل عليه الطاعة وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) القرآن والمواعظ وتصدقونه.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا يعنى المنافقين الذين ادعوا السماع والتصديق وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) سماع اتعاظ وقبول.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ اى شر ما يدب على الأرض او شر البهائم عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ عن الحق لا يسمعه سماع قبول فلا ينطق به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) الحق عدهم من البهائم وجعلهم شرها لابطالهم ما امتازوا به من البهائم وفضلوا لاجله قال ابن عباس هم نفر من بنى الدار بن قصى كانوا يقولون نحن صم بكم عمى عما جاء به محمد فقتلوا جميعا بأحد وكانوا اصحاب اللواء ولم يسلم منهم الا رجلان مصطب بن عمير وسويط بن حرملة.
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً يعنى استعداد قبول الحق وكانوا من اهل السعادة من مربيات اسم الله الهادي لَأَسْمَعَهُمْ سماع قبول وتفهم وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع انتفاع وقفهم وقد علم ان لا خير فيهم لَتَوَلَّوْا بعد الايمان والتصديق والانتفاع وارتدوا لما سبق عليهم
الكتاب وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) بعد ظهور الحق عنادا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل اهل النار فيدخلها الحديث متفق عليه عن ابن مسعود قال البغوي وقيل انهم كانوا يقولون للنبى صلى الله عليه وسلّم احى لنا قصيا فانه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك فقال الله تعالى ولو أسمعهم كلام قصى لتولوا وهم معرضون.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ يعنى أجيبوا هما بالطاعة إِذا دَعاكُمْ الرسول أفرد الضمير لما ذكرنا ولان دعوة الله يسمع من الرسول لِما يُحْيِيكُمْ قال السدى اى الايمان لان الكافر ميت وقال قتادة هو القرآن فيه الحيوة وبه النجاة والعصمة في الدارين وقال مجاهد الحق وقال ابن إسحاق هو الجهاد حيث أعزكم الله به بعد الذل وقال القتيبي هو الشهادة قال الله تعالى بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين قلت والاولى ان يقال هو كل ما دعى له الرسول صلى الله عليه وسلّم والتقيد ليس للاحتراز بل للمدح والتحريض فان طاعة الرسول في كل امر يحى القلب وعصيانه يميته والمراد بحياة القلب طرد الغفلة عنه بخرق الحجب ودفع الظلمة روى الترمذي والنسائي من حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلّم مر على ابى بن كعب وهو يصلى فدعاه فعجل ابى في صلوته ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما منعك ان تجيبنى إذا دعوتك قال كنت في الصلاة قال أليس الله تعالى يقول يايّها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم فقال لا جرم يا رسول الله لا تدعونى الا أجبتك وان كنت مصليا وهذا الحديث يؤيد ما قلت بوجوب الاجابة لكل ما دعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
(مسئلة) قيل اجابة الرسول لا يقطع الصلاة وقيل دعائه إن كان لامر لا يحتمل التأخير فللمصلى ان يقطع الصلاة لاجله والظاهر هو المعنى الاول والا فقطع الصلاة يجوز لكل امر دينى مهم يفوت بالتأخير كالاعمى يقع في البير وهو يصلى لو لم يقطعها ولم يرشده والله اعلم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ اى يميته
فيفوته الفرصة التي هو واجدها لطاعة الله تعالى فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لله وسارعوا الى الخيرات او المعنى ان الله يحول بين الإنسان وبين ما يتمناه قلبه من طول الحيوة فيفسخ عزائمه فلا تسوقوا في امور الدين وقيل هو تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى نحن اقرب اليه من حبل الوريد وتنبيه على انه مطلع على مكنونات القلب ما عسى ان يغفل عنه صاحبه فعليكم بالإخلاص وقيل هو تصوير وتخيل لتملكه على قلب العبد فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده يحول بينه وبين الكفر والعصيان ان أراد سعادته وبينه وبين الايمان والطاعة ان أراد شقاوته فلابد من دوام التضرع والالتجاء اليه وخوف الخاتمة عن انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك قالوا يا رسول الله أمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال القلوب بين إصبعين من أصابع الله بقلبها كيف يشاء رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن عمر مرفوعا ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم وعن عمر بن الخطاب انه سمع غلاما يدعوا اللهم انك تحول بين المرأ وقلبه فحل بينى وبين الخطايا فلا اعمل بسوء منها فقال رحمك الله ودعا له بخير وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) فيجازيكم بأعمالكم.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً اى معصية لا تُصِيبَنَّ الضمير راجع الى فتنة بتقدير حذف المضاف اى لا يصيبن وبالها الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لا تصيبن صيغة نهى موكد بالنون صفة لفتنة على ارادة القول يعنى اتقوا فتنة يقال فيها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تعم الظالم وغيره او صيغة نفي دخلها النون لتضمنها معنى النهى فمعنى الآية الأمر بالاتقاء عن فتنة موصوفة بعموم وبالها من ارتكبها ومن لم يرتكبها واختلفوا في ذلك الفتنة ما هى فقال قوم هى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال ابن عباس امر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعهم الله بعذاب يصيب
47
الظالم وغير الظالم واستدلوا على ذلك بحديث ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الآية يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه او شك ان يعمهم الله بعقاب من عنده رواه اصحاب السنن الاربعة وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ايها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل ان تدعوا الله فلا يستجيب لكم وقبل ان تستغفروه فلا يغفر لكم ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يدفع رزقا ولا يقرب أجلا وان الأحبار من اليهود والنصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء رواه الاصبهانى وله شاهد من حديث ابن مسعود وحديث عائشه وعن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة رواه البغوي في شرح السنة والمعالم وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصاروا بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي ولا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه وانجوا بانفسهم وان تركوه اهلكوه واهلكوا أنفسهم رواه البخاري قلت والاستدلال بهذه الأحاديث لا يصح فان مقتضى الأحاديث ان معصية أحد لا يعذب بها غيره الا إذا عمل بها بين اظهر الناس وهم قادرون على الإنكار فلم ينكروا فحينئذ يعم عذاب تلك المعصية فاعلها ومن لم يفعلها بل ترك النهى عنها ولا شك ان النهى عن المنكر فريضة تاركها ظالم فشموله عذاب المعصية إصابة عذاب الظالم وليس ذلك العذاب شاملا للظالم
48
وغيره الم تسمع قصة القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت يعنى طائفة منهم وطائفة كانت ناهية عن المنكر وطائفة لم يأتوا بالمنكر لكنهم تركوا النهى عنه فقال الله تعالى فانجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب فهذا صريح في ان وبال ترك النهى لم ينل غير الظالم وهذه الآية تدل على فتنة ينال وباله الظالم وغيره وقال قوم هى البغي والفساد في الأرض فانه ينال وباله في الدنيا رجال معصومون يعنى يقتل الناس وينهب عن قتادة في الاية قال علم والله ذوو الألباب من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم حين نزلت هذه الآية انه ستكون فتن ومن هاهنا قال ابن زيد أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا وقال الحسن نزلت الآية في على وعمار وطلحة والزبير عن مطرف قال قلنا للزبير يا أبا عبد الله قد ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فاذا نحن المعنيون بها يعنى ما كان منه يوم الجمل من البغي على على رضى الله عنه وكذا قال السدى والضحاك وقتادة قلت وعندى ان المراد بالفتنة المذكورة ترك الجهاد خصوصا عند النفير العام إذا دعاهم الامام اليه والتولي يوم الزحف بقرينة سياق القصة قال الله تعالى وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق
وقال الله تعالى يا ايها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار وقال عز من قائل يا ايها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم والمراد من إصابة الوبال للظالم وغيره وصول المكروه لجميعهم الا ترى ان ترك القتال يوجب غلبة الكفار وقتل المسلمين ونهب أموالهم من الصغار والكبار والنساء والقرار من الزحف يوجب قتل المجاهدين الصابرين الا ترى ان المسلمين إذا استزلهم الشيطان يوم أحد نال وباله سائر المسلمين حتى نال بعض المكروه للنبى المعصوم شج وجهه وكسر رباعيته والله اعلم وجاز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن نهيا بعد امر باتقاء الذنب والمعنى اتقوا كل فتنة ولا يرتكبن أحد منكم فتنة ما فان وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه وفائدته ان الظالم منكم أقبح منه من غيركم
49
وهذا معنى ما قال البغوي ليس بجزاء محض ولو كان جزاء لم يدخل فيه النون لكنه نهى وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده تقديره واتقوا فتنة ان لم تتقوها أصابتكم خاصة فلا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ومثله ادخلوا مساكنكم ان لم تدخلوها يحطمنكم سليمان وجنوده والله اعلم وليس قوله تعالى لا تصيبن جوابا للامر لان المعنى حينئذ اتقوا فتنة ان تتقوها لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وليس المعنى ان تتقوها لا يصيبنكم إذ نفي المقيد يرجع الى القيد فالمعنى بل يعمكم وغيركم وفساده ظاهر قال البيضاوي جواب للامر على معنى ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة قلت لا بد في جواب الأمر من تقدير شرط ماخوذ من الأمر كما في قول القائل اسلم تدخل الجنة يعنى ان تسلم تدخل الجنة وقوله تعالى ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم يعنى ان تدخلوا لا يحطمنكم فتقدير ان أصابتكم لا يتصور إن كان جوابا للامر بل يكون الشرطية صفة لفتنة ويؤل التأويل الى ما ذكرنا او لا وايضا لا يجوز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن الذين ظلموا جواب قسم محذوف ويكون تقدير الكلام اتقوا فتنة والله لا يصيبن الفتنة الذين ظلموا منكم خاصة بل يعمكم لان الفتنة المامورة بالاتقاء عنها على هذا فتنة منكرة والنكرة إذا أضمرت في قوله تعالى لا تصيبن صارت عامة فيلزم عموم وبال كل معصية الظالم وغيره وفساده ظاهر لانه خلاف الإجماع وخلاف منطوق قوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى اللهم الا ان يقال المراد بالفتنة ما ذكرنا من ترك الجهاد والفرار من الزحف بقرينة السياق والمراد باصابتها إصابة وبالها في الدنيا والله اعلم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) فاحذروا عقابه بالاتقاء من الفتنة.
وَاذْكُرُوا ايها المهاجرون إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ في العدد مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ارض مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعنى كفار قريش وأخرج ابو الشيخ عن ابن عباس قيل يا رسول الله من الناس قال اهل فارس فَآواكُمْ المدينة وَأَيَّدَكُمْ يوم بدر بِنَصْرِهِ على الكفار وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
50
من المغانم أحلها لكم ولم يحلها لاحد قبلكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) وقيل الخطاب للعرب كافة فانهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والروم كانوا جميعا معادين لهم متضادين فجعل لهم الله ماوى يتحصنون به عن أعدائهم يعنى جوار نبيه صلى الله عليه وسلّم وأيدهم بنصره على جميع اهل الملل والله اعلم روى سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن ابى قتادة وذكره البغوي ان النبي صلى الله عليه وسلّم حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسالوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بنى النضير على ان يسيروا الى إخوانهم الى أذرعات وأريحا من ارض الشام فابى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يعطيهم ذلك الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فابوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان ماله وعياله وولده كانت فيهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاتاهم فقالوا يا أبا لبابة ما ترى انزل على حكم سعد بن معاذ فاشار ابو لبابته الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوا وذكر في سبيل الرشاد انه أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا لبابته فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرّق لهم فقال كعب ابن اسد يا أبا لبابته انا قد اخترناك على غيرك ان محمدا ابى الا ان ننزل على حكمه يعنى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم افترى ان ننزل على حكمه قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح قال ابو لبابته والله ما زالت قدماى مكانهما حتى عرفت انى قد خنت الله ورسوله فندمت فاسترجعت وان لحيتى لمبنلة من الدموع والناس ينتظرون رجوعه إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا اخرى حتى جئت الى المسجد ولم ات رسول الله صلى الله عليه وسلّم فارتبطت الى اسطوانة المخلفة التي يقال لها اسطوانة التوبة وقلت لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب الله علىّ قال البغوي قال والله لا انحل ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت او يتوب الله عليّ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبره قال اما لو جاءنى لاستغفرت له فاما إذا فعل ما فعل فانى لا أطلقه حتى يتوب الله عليه فمكث سبعة ايام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله
51
عليه كذا قال البغوي وفي سبيل الرشاد قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته كل صلوة فتحله حتى يتوضأ ويصلى ثم يرتبط وقال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة وقال في البدايته وهذا أشبه الأقاويل وقال ابن إسحاق خمسا وعشرين ليلة وروى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن ابى بكر انه ارتبط بسلسلة ربوض بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط والظاهر ان زوجته كانت تباشر حله مرة وابنته مرة وانزل الله تعالى في توبته وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم قال ابن إسحاق حدثنى يزيد بن عبد الله بن قسيط ان توبة ابى لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم من السحر وهو يضحك قالت فقلت يا رسول الله مم تضحك اضحك الله منك قال تيب على ابى لبابته قالت قلت أفلا أبشره يا رسول الله قال بلى ان شئت فقامت على باب حجرتها وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقنى بيده فلما مر عليه خارجا الى صلوة الصبح أطلقه قال السهيلي وروى حماد
بن سلمة عن على بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين رضى الله عنهما ان فاطمة رضى عنها جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا يحلنى الا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان فاطمة بضعة منى وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف ورواية على بن الحسين مرسلة ثم قال ابو لبابة من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كلها فقال النبي صلى الله عليه وسلّم يجزيك الثلث ان تصدقت به فنزل في ابى لبابة قوله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ واصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الامانة لتضمنه إياه وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم مجزوم بالعطف على الاول او منصوب على الجواب بالواو والظاهر
هو الاول لان في الثاني يشترط معنى الجمعية وكل واحد من الخيانتين محرمة برأسها لا الجمع بينهما كما في لا تأكل السمك وتشرب اللبن وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) انها أمانته أو أنتم تعلمون ان ما فعلتم من الاشارة الى الحلق خيانته وأنتم علماء تتميزون الحسن من القبح قال السدى إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم قال ابن عباس لا تخونوا لله بترك فرايضة والرسول بترك سنته وأماناتكم هى ما يخفى عن أعين الناس من فرايض الله تعالى والأعمال التي ائتمن الله عليها عبادة وقال قتادة اعلموا ان دين الله امانة فادوا الى الله ما ائتمنكم عليه من فرايضه وحدوده ومن كانت عليه امانة فليود الى من ائتمن عليها قلت حاصل قول ابن عباس وقتادة ان سبب نزول هذه الاية وإن كان ما فعل ابو لبابة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فيحرم الخيانة في دين الله من فرايضه وحدوده كلها ومنها ما فعل ابو لبابة والله اعلم فان قيل المستشار مؤتمن حديث صحيح رواه احمد من حديث ابى هريرة مرفوعا والترمذي عن أم سلمة وابن ماجة عن ابن مسعود وقد استشار اليهود من ابى لبابة فلو لم يفعل ابو لبابة ما فعل لزمه الخيانة في المشورة فكيف كان له التفصى قلت كان له التفصى بالسكوت وبان يقول لست أشير لكم قد بدا بينى وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تومنوا بالله ورسوله والله اعلم واخرج ابن جرير عن السدى قال كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت فيه وروى ابن جرير وغيره عن جابر بن عبد الله ان أبا سفيان خرج من مكة فاتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلّم فقال ان أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا اليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين الى ابى سفيان ان محمدا يريدكم فخذوا حذركم فانزل الله هذه الآية وهذا غريب جدا في سنده وسياقه نظر.
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
اصل الفتن إدخال الذهب النار ليظهر جودته ومنه استعمل في الاختبار والامتحان قال الله تعالى نبلوكم بالشر والخير فتنة ويستعمل ايضا في العذاب قال الله تعالى يومهم على النار يفتنون ويستعمل ايضا في
الكفر والمعصية والفساد وكل ما يفضى الى العذاب قال الله تعالى واتقوا فتنة وقال الا في الفتنة سقطوا والفتنة أشد من الكفر وتسمية الأموال والأولاد بالفتنة لانها سبب الوقوع في الإثم والعقاب او لانها امتحان من الله تعالى فلا يحملنكم حبهم على الخيانة قيل هذا ايضا نزلت في ابى لبابة لان أمواله وأولاده كانت في بنى قريظة فقال ما قال خوفا عليهم عن عايشة ان النبي صلى الله عليه وسلّم اتى بصبى فقبله فقال اما انهم مبخلة مجبنة «١» وانهم لمن ريحان الله رواه البغوي وروى ابو يعلى عن ابى سعيد الولد ثمر القلب وانه مجبنة مبخلة محزنة وروى الحكيم عن خولة بنت حكيم الولد من ريحان الجنة وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨)
لمن نصح لله ورسوله وادى أمانته ورعى حدوده وآثر رضاء الله تعالى على حبهم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ بطاعته وترك معصيته يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً اى بصيرة في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلّم اتقوا فراسته المؤمن فانه ينظر بنور الله رواه البخاري في التاريخ والترمذي عن ابى سعيد والطبراني وابن عدى عن ابى امامة وابن جرير عن ابن عمرو قوله صلى الله عليه وسلّم استفت نفسك وان أفتاك المفتون رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن قلت هذا بعد فناء القلب وتزكية النفس عن الرذائل وحينئذ يتحقق حقيقة التقوى ويسمى هذا في اصطلاح الصوفية بالكشف والمراد بالفرقان نصرا يفرق بين المحقق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين وقال مجاهد يجعل له مخرجا في الدنيا والاخرة عما يحذرون وقال مقاتل بن حيان مخرجا في الدين من الشبهات وهذا يناسب الاول وقال عكرمة نجاة يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال الضحاك ثباتا وقال ابن إسحاق فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفى بطلان من خالفكم والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يمحو عنكم ويستر لكم ما سلف من ذنوبكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ نعمائه روى
(١) اى سبب للجبن والبخل لا يتصدى الرجل لاجل حبهم على الجهاد وعلى انفاق المال والولد محزن سبب للحزن ١٢
البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلّم يخرج لابن آدم ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله فيقول الله لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من عمله الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سياتك ووهبت لك نعمتى واخرج الطبراني عن واصلة بن الأسقع يبعث الله يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول الله تبارك وتعالى الى الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال يا رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما تبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك ورحمتك ومن هاهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يستغمدنى الله برحمة منه وفضل متفق عليه من حديث ابى هريرة وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته واليه أشار الله سبحانه بقوله وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) يعنى ما وعدتكم على التقوى ليس مما يوجب ذلك علينا تقويكم بل انما هو تفضل واحسان كالسيد إذا وعد انعاما لعبده على عمل واجب عليه وان لم ينعم السيد ذلك وقيل معنى يكفر عنكم سيئاتكم يعنى الصغائر ويغفر لكم يعنى ذنوبكم الكبائر.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قوله إذا أنتم قليل يعنى اذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا وإذ قالوا اللهم فان هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول كان بمكة روى ابن إسحاق وعبد الرزاق واحمد وابن جرير وابو نعيم وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ان قريشا لما أسلمت الأنصار رأت ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد كانت له شيعة وأصحابا من غير بلدهم ورأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا انهم نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلّم
55
إليهم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهى دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى امرا لا يتشاورن فيها فاجتمعوا لذلك واتعدوا وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من اهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ان لا تعدموا منه رايا ولا نصحا قالوا أجل ادخل فدخل معهم واجتمع فيها اشراف قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وطعيمة بن عدى والنضر ابن الحارث بن كلدة وابو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وابو جهل بن هشام ونبيه ومنبه ابنا حجاج وامية بن خلف وابو سفيان بن حرب وجبير بن معطم وحكيم ابن حزام واسلم الثلاثة الاخيرة بعد ذلك وغيرهم من كان منهم ومن غيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم وانا والله ما ناء منه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل منهم نقل السهيلي عن عبد السلام انه ابو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي لعنه الله والله ما هذا لكم برأى والله لئن حبستموه في بيت ليخرجن امره من وراء الباب الذي اغلقتم دونه الى أصحابه فيوشك ان يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من ايديكم قالوا صدق الشيخ فقال قائل منهم ذكر السهيلي انه ابو الأسود ربيعه بن عمر أخو بنى عامر بن لوى نخرجه من بين أظهرنا فلا يضرنا ما صنع واين وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فاصلحنا أمرنا وألفتنا فقال الشيخ النجدي لعنه الله ما هذلكم برأى الم تروا الى حسن حديثه وحلاوة منطقة وغلبة قلوب الرجال بما يأتي به والله لئن فعلتم ذلك فيذهب فيستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم حتى يطاكم به فياخذ أمركم من ايديكم ثم يفعل بكم ما أراد فأروا فيه رايا غير هذا فقال ابو جهل والله ان لى فيه رايا ما أراكم وقفتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا
56
الحكم قال ارى ان ناخذ من كل قبيلة شابا جلدا حسيبا وسطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا عليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا به بالعقل فعقلناه لهم فقال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي لا راى غيره وقال شعر
الرأي رايان راى ليس يعرفه هاد وراى كنصل السيف معروف
يكون اوله عزو مكرمة يوما وآخره حمد وتشريف
فتفرق القوم على ذلك وهم مجتمعون له فانى جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي تبيت عليه وأخبره بمكر القوم واذن الله تعالى في الخروج فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيبيتون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكانهم قال لعلي رضى الله عنه نم على فراشي وتسبح بردائي الأخضر الحضرمي فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم امر تكرهه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينام في برده ذاك إذا نام فلما اجتمعوا قال ابو جهل ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن «١» وان أنتم لم تفعلوا كان له فيكم ذبيح ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم النار تحرقون فيها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه حفنة «٢» من تراب ثم قال نعم انا أقول ذلك وأنت أحدهم وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذرى التراب على رؤسهم وهو يتلوا هذه الآيات يس والقرآن الحكيم الى قوله فهم لا يبصرون ولم يبق منهم رجل الا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على رأسه ترابا وانصرف الى حيث أراد ان يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم الله عز وجل قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا وقد وضع على راسه ترابا وانطلق لحاجته فما
(١) الأردن موضع معروف من ارض الشام قريب بيت المقدس ١٢
(٢) الحفنة الكف ١٢
57
ترون ما بكم ووضع كل رجل منهم يده على راسه فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا رضى الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم متسبحا برداء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقولون والله ان هذا محمدا نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علىّ عن فراشه فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى غار ثور وسيجى باقى قصة خروجه صلى الله عليه وسلّم في سورة التوبة إنشاء الله تعالى روى الحاكم عن ابن عباس قال شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلّم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلّم وجعل عليّ يتضور «١» فاذا هو عليّ فقالوا انك لليئم انك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور ولقد استنكرناه فيك وروى الحاكم عن على بن الحسين قال ان أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علىّ وقال في ذلك شعر
وقيت بنفسي خير من وطى الحصى ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول اله أخاف ان يمكروا به فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يتهمونه وقد وطنت نفسى على القتل والاسر
قال ابن إسحاق وكان مما نزل في ذلك اليوم وما اجتمعوا له قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اى يحبسوك ويوثقوك كما قال به ابو الحقيق أَوْ يَقْتُلُوكَ كما قال به ابو جهل وارتضى به إبليس لعنهما الله سبحانه أَوْ يُخْرِجُوكَ كما قال به أخو بنى عامر وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ط المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان مكر محمود وهو ان يتحرى بذلك فعل جميل ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح لكن اسناده الى الله تعالى انما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتدا علما فيه من إيهام الذم والمعنى انهم احتالوا لابطال امر محمد واطفاء نور الله والله تعالى احتال لاتمام امره ونوره وإهلاك أعدائه وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣) فان فعله تعالى
(١) اى ينقلب ظهر البطن ١٢
58
خير كله وحسن جميل وقيل معنى مكر الله انه يرد مكرهم وقيل معناه يجازيهم على المكر وقال بعضهم من مكر الله امهال العبد وتمكينه من اعراض الدنيا ولذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه دنياه ولم يعلم انه مكر فهو مخدوع عن عقله واخرج ابن جرير من طريق عبيد ابن عمير عن المطلب بن وداعة ان أبا طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلّم ما يأتمر بك قومك قال يريدون ان يسجنونى او يقتلونى او يخرجونى قال من حدثك بهذا قال ربى قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال انا استوصى به بل هو يستوصى بي فنزلت وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال ابن كثير ذكر ابى طالب فيه غريب بل منكر لان القصة ليلة الهجرة وذلك بعد موت ابى طالب بثلث سنين اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر صبرا عقبة بن ابى معيط وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث وكان المقداد اسر النضر فلما امر بقتله قال المقداد يا رسول الله اسيرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه كان يقول في كتاب الله ما يقول قال وفيه أنزلت.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا يعنى النضر بن الحارث واسناد الفعل الى جميعهم لكونهم راضيا بقوله كما أسند عقر الناقة الى ثمود في قوله تعالى فعقروها وكان العاقر أشقاها قذار بن هالف قَدْ سَمِعْنا يعنى القرآن لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وهذا غاية مكابرنهم وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم ان يشاؤا وقد تحديهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم فلم يعارضوه سورة مع ألفتهم وفرط استنكافهم ان يغلبوا خصوصا في باب البيان يعنى إِنْ هذا يعنى القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) يعنى ما سطره وكتبه الأولون من اخبار الأمم الماضية جمع اسطورة وهى المكتوبة قال البغوي كان النضر بن الحارث تاجرا الى فارس وحيرة فيسمع اخبار رستم وإسفنديار وأحاديث العجم ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرؤن التورية والإنجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد محمد صلى الله عليه وسلّم يصلى ويقرأ القرآن فقال النضر قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا الآية.
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا يعنى القرآن
هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كما فعلت باصحاب الفيل وقوم لوط أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) مولم على إنكاره قالوا ذلك استهزاء وإيهاما بانهم على بصيرة وجزم ببطلانه اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير انها نزلت في النضر بن الحارث وهو القائل بذلك قال البغوي قال ابن عباس لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلّم شان القرون الماضية قال النضر لو شئت قلت مثل هذا ان هذا الا أساطير الأولين في كتبهم قال له عثمان بن مظعون اتق الله فان محمدا يقول الحق قال فانا أقول الحق قال عثمان فان محمدا يقول لا اله الا الله قال فانا أقول لا اله الا الله ولكن هذه بنات الله يعنى الأصنام ثم قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك إلخ وفيه نزل سأل سائل بعذاب واقع ومعناه إن كان القرآن حقا منزلا فامطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره او ائتنا بعذاب اليم سواه والمراد منه التهكم واظهار اليقين على كونه باطلا قال عطاء لقد نزل في النضر بضعة عشر اية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قوله تعالى.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد ابن إسحاق هذا حكاية عن المشركين انهم قالوها وهى متصلة بالآية الاولى ذلك انهم كانوا يقولون ان الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمته نبيها معها فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم ثم قال ردوا عليهم.
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وان كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وقال الآخرون هذا كلام مستانف روى البخاري عن انس قال قال ابو جهل بن هشام اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم اخبارا عن نفسه فاختلفوا في تأويلها فقال الضحاك وجماعة وكذا اخرج ابن جرير عن ابن الزي تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم بيان لموجب إمهالهم
60
والتوقف لاجابته دعائهم واللام لتاكيد النفي والدلالة على ان تعذيبهم عذاب استيصال والنبي بين أظهرهم خارج عن عادة الله تعالى غير مستقيم في قضائه خصوصا حال كونك فيهم وقد بعثت رحمة للعلمين وفيه اشعار بانهم يرصدون بالعذاب إذا هاجرت من بينهم قالوا نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلّم وهو مقيم بمكة ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقيته من المسلمين يستغفرون الله فانزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعنى فيهم من يستغفرون وهم المسلمون ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا واذن الله في فتح مكة وهو العذاب الأليم الذي وعدهم ويدل على ان كون المؤمنين بينهم واستغفارهم منعهم من العذاب قوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مومنات لم تعلموهم الى قوله لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما قال ابن عباس لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين أمنوا ويلحق بحيث يوم فقال وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعنى المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى ما لهم ان لا يعذبهم الله اى ما لهم مما يمنع تعذيبهم إذا زال ذلك وكيف لا يعذبون وهم يصدون الناس عن المسجد الحرام وحالهم ذلك ومن صدهم الجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى الهجرة فعذبهم الله يوم بدر قال ابو موسى الأشعري كان فيكم أمانان وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فاما النبي صلى الله عليه وسلّم فقد مضى والاستغفار كائن فيكم الى يوم القيامة واخرج الترمذي وضعفه عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انزل الله علىّ امانين لامتى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فاذا مضيت تركت فيهم الاستغفار الى يوم القيامة وقال بعضهم هذا الاستغفار راجع الى المشركين اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون غفرانك غفرانك فانزل الله تعالى وما كان الله ليعذبهم الآية واخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان قالت قريش بعضها لبعض محمد أكرم الله من بيننا اللهم ان كان هذا هو الحق
61
من عندك فامطر علينا حجارة من السماء فلما امسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فقال الله سبحانه وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون الى قوله لا يعلمون وقال قتادة والسدى معنى ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ان لو استغفروا لم يعذبهم الله لكنهم لم يستغفروا ولو أقروا بالذنب واستغفروا لكانوا مؤمنين نظيره قوله تعالى ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون وقيل معنى الاية ان الله تعالى يدعوهم الى الإسلام ومصاحبة الرسول والاستغفار بهذا الكلام كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعنى اى أطعني حتى لا أعاقبك وقال مجاهد وعكرمة وهم يستغفرون اى يسلمون يقول لو اسلموا ما عذبوا وروى الوالبي عن ابن عباس ان معناه وفيهم من سبق له من الله انه يومن ويستغفر وذلك مثل ابى سفيان بن حرب وصفوان ابن امية وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمرو حكيم بن حزام وغيرهم وروى عبد الوهاب عن مجاهد وهم يستغفرون يعنى وفي أصلابهم من يستغفر وقيل أراد بالعذاب في قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم عذاب استيصال وفي قوله تعالى وما لهم ان لا يعذبهم الله العذاب بالسيف وقيل أراد بنفي العذاب عذاب استيصال في الدنيا وبوقوع العذاب عذاب الاخرة وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ قال الحسن كان المشركون يقولون نحن اولياء المسجد الحرام
فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد الله عليهم بقوله وما كانوا أولياءه اى اولياء البيت إِنْ أَوْلِياؤُهُ اى البيت إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غير الله وقيل الضمير لله تعالى وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) ان لا ولاية لهم عليه كانه نبه بالأكثر ان منهم من يعلم ذلك ويعاند او أراد بالأكثر الكل كما يراد بالقلة العدم «١».
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ اى دعائهم او ما يسمونه صلوة إِلَّا مُكاءً قال ابن عباس والحسن المكاء الصفير
(١) عن رفاعة بن رافع ان النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعمر رضى الله تعالى عنه اجمع لى قومك فجمعهم فلما حصروا باب النبي صلى الله عليه وسلّم دخل عمر عليه قد جمعت الان قومى فسمع ذلك الأنصار فقالو قد لزل في قريش الوحى فجاء من المتمع والناظر ما يقال لهم خرج النبي صلى الله عليه وسلّم فقام بين أظهرهم فقال هل فيكم من غيركم قالوا نعم حليفنا وابن اختينا وموالينا قال النبي صلى الله عليه وسلّم حليفنا منا وابن أختنا منها وموالينا منا وأنتم تسمعون ان أوليائي الا المتقون فانكنتم أولئك فذاك والا فانظروا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة ويأتون الأثقال فيعرض عنكم ١٢-
وهى في اللغة اسم طاير ابيض يكون بالحجاز له صفير كانه قال إلا صوت مكاء وَتَصْدِيَةً وتصفيقا قال البغوي قال ابن عباس كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون وكذا اخرج الواحدي عن ابن عمر قال البغوي قال مجاهد كان نفر من بنى عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف ويستهزؤن ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون فالمكاء جعل الأصابع في الشدق والتصدية الصفير ومنه الصداء الذي يسمعه المصوت من الجبل وفي اللغة الصداء صوت يرجع من كل جانب واخرج ابن جرير عن سعيد قال كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف يستهزؤن به يصفرون ويصفقون فنزلت هذه الاية وقال البغوي قال جعفر بن ابى ربيعة سالت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله تعالى مكاء وتصدية فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا وقال مقاتل كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا صلى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفران ورجلان عن يساره فيصفقان ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلّم صلوته وهم من بنى عبد الدار وقال سعيد بن جبير التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وعن الدين وعن الصلاة فالتصدية مشتق من الصدد بالدالين قلبت حرف التضعيف بالياء وعلى هذه الوجوه معنى قوله تعالى ما كان صلوتهم ما وضعوه موضع الصلاة فانهم أمروا بالصلوة في المسجد فجعلوا ذلك مكانه فَذُوقُوا الْعَذابَ يعنى القتل يوم بدر وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل للعهد والمعهود العذاب المطلوب بقولهم ائتنا بعذاب اليم بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) اعتقاد او عملا وهذه الآية متصلة بما قبلها لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم للمسجد فانها لا يليق بمن هذ صفته.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا اى ليصرفوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى عن دين الله قال البغوي قال الكلبي نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثنا عشر رجلا ابو جهل بن هشام وعتبة وشيبه ابنا ربيعة بن عبد الشمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وابو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وابى
ابن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان يطعم كلو أحد منهم كل يوم عشر جزور وقال ابن إسحاق حدثنى الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجعوا الى مكة مشى عبد الله بن ابى وعكرمة ابن ابى جهل وصفوان بن امية في رجال من قريش أصيب آبائهم وأبنائهم فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في ذلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش ان محمدا قد وتركم وقتل خياركم فاعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ان ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر ابن عباس انزل الله ان الذين كفروا ينفقون أموالهم الى قوله يحشرون واخرج ابن ابى حاتم عن الحكم بن عتبة قال نزلت في ابى سفيان أنفق على المشركين أربعين اوقية من ذهب واخرج ابن جرير عن أبزى وسعيد ابن جبير قالا نزلت في ابى سفيان استاجر يوم أحد الفين من الأحابيش «١» ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليهم قلت واللفظ عام يشتمل كلهم ومن فعل فعلهم فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ندما وغما في الدنيا لفواتها من من غير حصول مقصود جعل وانها حسرة وهى عاقبة إنفاقها مبالغة ثُمَّ يُغْلَبُونَ ٥ آخر الأمر وإن كان الحرب سجاه «٢» قبل ذلك وَالَّذِينَ كَفَرُوا اى ثبتوا على الكفر منهم إذا اسلم بعضهم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) يساقون.
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الكافر من المؤمن او الفساد من الصلاح واللام متعلقه بيحشرون او يغلبون او ما أنفقه المشركون من عداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم مما أنفقه المسلمون في نصره واللام متعلقه بقوله ثم تكون عليهم حسرة قرأ حمزة والكسائي ويعقوب ليميز بالتشديد من التفعيل وهو ابلغ من الميز وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ اى يجمعه ويضم بعضه الى بعض ومنه السحاب المركوم جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله أُولئِكَ
(١) حابيش احياء من القارة انضموا الى نبى الليث في محاربتهم فرفساء التحبش التجمع وقيل حالفوا فريشا تحت جبل يسمى حبشا ١٢
(٢) سبحا لا اى مرة للمؤمنين ومرة للكاذبين مستعار من المستقين بالسجل يعنى الدلو ١٢
اشارة الى الخبيث لانه مقدر بالفريق الخبيث او الى المنفقين هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) الكاملون في الخسران حيث اشتروا باموالهم عذاب الآخرة.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا عن الكفر ومعاداة الرسول وقتاله يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من الكفر والفساد والذنوب وقد اسلم جماعة كثيرة منهم ابو سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل وعمرو بن العاص وغيرهم خلق كثير واسلم من أسارى بدر عباس بن عبد المطلب وعقيل ابن ابى طالب ونوفل بن حارث وابو العاص بن الربيع وابو عزيز بن عمير العبدري والصائب بن ابى جيش وخالد بن هشام المخزومي وعبد الله بن ابى السائب والمطلب بن حنطب وابو وداعة السهمي وعبد الله بن ابى خلف ووهب بن عمير الجمحي وسهيل بن عمر العامري وعبد الله بن زمعة أخو أم المؤمنين سودة وقيس بن السائب ولسطاس مولى امية بن خلف والسائب بن عبيد اسلم يوم بدر بعد ان فدى نفسه وعدى بن خيار اسلم يوم الفتح والوليد بن الوليد بن المغيرة افتكه هشام وخالد فلما افتدى اسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت ان يظن بي انى جزعت من الاسر ولما اسلم حبسه أخواله فكان عليه السلام يدعوا له في القنوت ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلّم عام القضاء روى مسلم عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال مالك يا عمرو قال أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله وَإِنْ يَعُودُوا الى قتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) الذين تحادوا الأنبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك.
وَقاتِلُوهُمْ يعنى الكفار ايها المؤمنون حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ اى فساد في الأرض يعنى حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ليس المراد بالدين هاهنا ملة الإسلام وما يتعبد الله به والا يلزم التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى حتى يعطوا الجزية بل المراد منه القهر والغلبة والاستعلاء والسلطان والملك والحكم ذكر تلك المعاني للدين في القاموس عن المقداد بن اسود انه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلّم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز او ذل ذليل اما يعزهم الله فيجعلهم أهلها او يذلهم فيدينون لها فيكون الدين كله لله رواه احمد ومعنى قوله عليه السلام فيدينون لها اى يطيعون لاحكامها ويكونون من اهل الذمة فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر واسلموا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) فيجازيهم على حسب أعمالهم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى متفق عليه الا ان مسلم الم يذكر الا بحق الإسلام ورواه اصحاب الكتب الستة عن ابى هريرة قال السيوطي حديث متواترا والمعنى انتهوا عن القتال اما بالإسلام او بإعطاء الجزية فان الله بما يعملون بصير يعنى لا تقاتلوهم أنتم لكن الله يجازيهم على إسلامهم وكفرهم وأعمالهم الحسنة والسيئة وعن يعقوب انه قرأ تعملون بالتاء على الخطاب للمؤمنين يعنى اعملوا بهم ما تعاملون بالمؤمنين ولا تظلموهم فان الله يجازيكم على حسب أعمالكم عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الا من ظلم معاهدا او انتقصه او كلفه فوق طاقته او أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فانا حجيجه يوم القيامة رواه ابو داود هذا التأويل لقراءة يعقوب يصح على كلا التقديرين سواء كان المراد بالانتهاء الانتهاء عن الكفر بالإسلام او الانتهاء عن القتال بأحد الامرين اما بالإسلام او بإعطائه الجزية وقال البيضاوي تاويل قراءة يعقوب ان الله بما تعملون ايها المؤمنون من الجهاد والدعوة الى الإسلام والإخراج من ظلمة الكفر الى نور الايمان يصير يجازيكم ويكون تعليقه بالانتهاء دلالة على انه كما يستدعى اثابتهم للمباشرة يستدعى اثابة مقاتليهم بالتسبيب وهذا التأويل يختص بما إذا كان الانتهاء بمعنى الانتهاء من الكفر ومع ذلك بعيد جدا فان قوله بما تعملون يعم الحسنة والسيّئة والله اعلم.
وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام ولم ينتهو عن الكفر او تولوا عن الانقياد ولم ينتهوا عن القتال فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم فثقوا به وقاتلوا
الكفرة ولا تبالوا بمعاداتهم وإن كانوا متكاثرين نِعْمَ الْمَوْلى الله لا يضيع من تولاه وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) هو لا يغلب من نصره.
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ما بمعنى الذي... وغنمتم صلته والعائد محذوف يعنى الذي غنمتموه ولا يجوز ان يكتب ما موصولا لانه يكون حينئذ كافة والغنيمة مال حربى أخذ قهرا وغلبة ومن هاهنا قال ابو حنيفة إذا دخل واحد او اثنان في دار الحرب بغير اذن الامام مغرين وأخذوا من مال اهل الحرب شيئا لا يجب فيه الخمس وان دخل اربعة يجب الخمس فيما أخذوا وفي المحيط عن ابى يوسف انه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة والتي لها منعة بعشرة ومذهب الشافعي ومالك واكثر اهل العلم انه يخمس ما اخذه واحد تلصصا لانه مال حربى أخذ قهرا فكان غنيمة فيخمس بالنص وقال ابو حنيفة واحمد في رواية عنه انه ليس بغنيمة لانه لم يوخذ قهرا بل اختلا ساو سرقة والمتلصص انما يأخذ بحيلة فكان اكتسابا مباحا من المباحات كالاحتطاب والاصطياد ومحل الخمس الغنيمة بخلاف ما لو دخل واحد او اثنان بإذن الامام فانه غنيمة اتفاقا لان على الامام ان ينصره حيث اذن له كما ان على الامام ان ينصر الجماعة الذين لهم منعة كالاربعة او العشرة وان دخلوا بغير اذنه تحاميا عن توهين المسلمين والدين فلم يكونوا مع نصرة الامام متلصصين والله اعلم مِنْ شَيْءٍ بيان لما الغرض منه التعميم يعنى ما يطلق عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول أدوا الخياط والمخيط وإياكم والغلول فانه عاد على اهله يوم القيامة رواه الدارمي ورواه الشافعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي رواية لابى داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه وفيه فقام رجل في يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لا صلح بها برذعة فقال النبي صلى الله عليه وسلّم اما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فلك فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ دخلت الفاء لما في ما من معنى المجازاة وما بعده في محل الرفع مبتدأ محذوف الخبر يعنى فحق ان الله خمسه او خبر مبتدأ محذوف يعنى فالحكم ان الله خمسه أبقى الله سبحانه خمس الغنائم على ملكه ولم يجعلها في ملك الغانمين ولذا قالت الحنفية ان خمس الغنيمة حق قائم بنفسه ليس واجبا في ذمة الغانمين كالزكوة فانها وجبت في ذمة
67
المكلفين حيث أمروا بإتيانها ولذلك صار الزكوة من أوساخ الناس ولم يحل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلّم واله لشرافته وحل له الخمس ثم بين الله سبحانه حيث يصرف خالص حقه تعالى فقال وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعنى أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلّم واختلفوا فيهم فقال قوم هم جميع قريش وقال مجاهد وعلى بن الحسين هم بنو هاشم وقال الشافعي هم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف وليس لبنى عبد الشمس وبنى نوفل منه شيء مع انهم كانوا ابني عبد مناف ايضا روى الشافعي عن الثقة عن ابن ابى شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب ولم يعط أحدا من بنى عبد الشمس ولا بنى نوفل شيئا وكذا روى البخاري عنه في صحيحه وفي رواية للشافعى عنه قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته انا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم وتركتنا او منعتنا وانما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم انما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه وكذا روى ابو داود والنسائي قال البرقاني وهو على شرط مسلم وفي هذا الحديث اشارة الى شان الصحيفة القاطعة التي كتبها قريش على ان لا تجالسوا بنى هاشم ولا تبايعوهم ولا تناكحوهم وبقوا على ذلك سنة ولم يدخل في بيعتهم بنو المطلب بل خرجوا مع بنى هاشم الى شعب ابى طالب كذا في السنن والمغازي وروى البيهقي في السنن والدلائل قال الخطابي وكان يحيى بن معين يرويه انما بنو هاشم وبنو
المطلب سيّ واحد بالسين المهملة والياء المشددة اى مثل وسواء يقال سيان اى مثلان قلت هذا الحديث يدل على ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم الحق بنى المطلب ببني هاشم وعدهم منهم لكمال موافقتهم ومواذرتهم في الجاهلية والإسلام لا لكونهم من بنى عبد مناف والا فبنى عبد الشمس وبنى نوفل كانوا مثلهم في ذلك وما قال صاحب الهداية ان هذا الحديث يدل على ان المراد قرب النصرة لا قرب القرابة فليس بشيء لانه لو كان المراد قرب النصرة لكان عثمان بن عفان اولى به
68
من العباس فان عثمان اسلم في بداية الإسلام وعباس بعد قتال بدر بل لزم ان يكون غير أقرباء النبي من المهاجرين والأنصار مستحقين لذلك السهم وَالْيَتامى جمع يتيم وهم صغير لا اب له وفي القاموس اليتيم فقدان الأب وانما قيدناه بكونه صغيرا لما رواه ابو داود وعن عليّ في حديث لا يتم بعد الاحتلام وقد أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذرى وغيرهم وحسنه النووي ورواه الطبراني بسند اخر عن عليّ ورواه ابو داود الطيالسي في مسنده وفي الباب حديث طلحة بن حذيفة عن جده واسناده لا بأس به وهو في الطبراني الكبير وغيره وعن جابر رواه ابن عدى في ترجمة حزام بن عثمان وهو متروك وعن انس وَالْمَساكِينِ جمع مسكين وسنذكر تحقيقه في مصارف الصدقات في سورة التوبة وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد عن منزله نسب الى السبيل لما رسقه إياه اجمع الامة على ان هذه الأصناف الثلاثة يستحقون لفقرهم وحاجتهم فلا يعطى للاغنياء من اليتامى وأبناء السبيل وكذا قال بعض الناس في ذوى القربى انهم يستحقون لفقرهم وحاجتهم وهذا القول مردود لان لفظ ذوى القربى لا يشعر بالفقر أصلا بخلاف لفظ اليتيم وابن السبيل وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعطى العباس وكان كثير المال واجمع الائمة واتفقت الرواة على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يقسم الغنيمة على خمسة أسهم اربعة أخماسه للغانمين ويجعل الخمس على خمسة أسهم فيجعل سهما لنفسه فينفق منه على نفسه واهله ويعطى منه اهله نفقة سنة وما فضل جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وفي مصالح المسلمين وسهما يقسمها في بنى هاشم وبنى مطلب يعطى منها الغنى والفقير والذكر والأنثى منهم وثلثة أسهم يقسمها في اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فلينظر هل كان هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه من الأصناف الخمسة هل كان كل واحد منهم مستحقا لحصته منها لا يجوز منعه عنه ولا صرفه الى غيره او كان الأصناف المذكورة مصرفا لها جاز للامام ان يصرفها الى صنف واحد منها اولى شخص واحد منه ولا يجوز له التجاوز عنها الى غيرها وبالشق الثاني قال ابو حنيفة قال ابن همام انه ذكر في التحفة ان هذه الثلاثة يعنى اليتامى والمساكين وابن السبيل
69
مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف الى صنف واحد منها جاز وقال الشافعي وجماعة من السلف والخلف بالشق الاول قالوا لا يجوز للامام ان يصرفها الى صنف او صنفين بل يجب صرفها الى جميعها فانكان كل صنف منها جماعة محصورين لا يجوز منع واحد منها وسوى بينهم بالقسمة كما يقسم الأسهم الاربعة بين الغانمين لا يجوز منع واحد منهم اجماعا والحق الشافعي سهم ذوى القربى بالميراث الذي يستحق باسم القرابة غير انهم يعطون القريب والبعيد وفقال يفضل الذكر على الأنثى فيعطى للذكر سهمين والأنثى سهما وإن كانوا غير محصورين لا يمكن استيعابهم لا بد عنده ان يعطى من كل صنف ثلثة لان الله تعالى ذكر لام الاختصاص وذلك يقتضى الملك او استحقاق الملك وذكر كل صنف بلفظ الجمع واقله ثلثة وقال ابو حنيفة ومن معه اللام لمطلق الاختصاص ومن الاختصاص ان لا يجوز الصرف الى غير تلك الأصناف واللام ليس للاستغراق بل للجنس ولام الجنس يبطل الجمعية والحجة لهذا القول أن الأصناف المذكورة متداخلة بعضها في بعض فان من ذوى القربى اليتامى والمساكين وابن السبيل ومن اليتامى ذو والقربى والمساكين وابن السبيل ومن المساكين ذوو القربى واليتامى وأبناء السبيل
ولو كان كل صنف منها مختص بسهم ولا يجوز صرفها الى صنف اخر لزم ذكر كل صنف منها بحيث لا يصدق عليه عنوان صنف اخر وايضا إذا كان شخص واحد داخلا في الأصناف كلها لزم حينئذ ان يعطى له لاجل كل وصف سهما كما يعطى من الميراث للزوج إذا كان ابن عم لها لاجل الحيثيتين سهمين مختلفين فرضا وعصوبة ومن المنقول ما في الصحيحين عن على رضى الله عنه ان فاطمة رضى الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تشكو اليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغها ان جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال مكانكما فقعد بينى وبينها حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال الا أدلكما على خير ما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما تسبحا ثلثا وثلثين واحمدا ثلثا وثلثين وكبرا أربعا وثلثين فهو خير لكما من خادم وفي رواية لمسلم الا ادلك على ما هو خير من خادم تسبحين الله ثلثا وثلثين وتحمدين ثلثا وثلثين وتكبرين أربعا وثلثين عند كل صلوة وعند
70
منامك وروى الطحاوي عن علىّ بلفظ انه قال لفاطمة رضى الله عنهما ذات يوم قد جاء الله أباك بسعة ورقيق فاتيه فاستخدميه فاتته فذكرت ذلك فقال والله لا أعطيكها وادع اهل الصفة ليطوون بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعها وأنفق عليهم الا أدلكما على خير مما سألتما علمنيه جبرئيل كبر الله دبر كل صلوة عشرا وسبحا عشرا واحمدا عشرا وإذا أتيتما الى فراشكما وروى الطحاوي عن الفضل بن حسن ابن عمر بن الحكم ان امه حدثته انها ذهبت هى وأمها حتى دخلن على فاطمة فخرجن جميعا فاتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد اقبل من بعض غزواته ومعه رقيق فسألته ان يخدمهن فقال سبقكن يتامى اهل بدر فان هذه الأحاديث تدل على ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان قد يعطى بعض الأصناف ولا يعطى بعضا اخر والا لما منع فاطمة عن حقها وقد كان لها حظ من الخمس ولما بعض صرف حق فاطمة الى فقراء اهل الصفة ويتامى اهل بدر فان سهم ذوى القربى لا يجوز صرفها عند الشافعي الى الفقراء واليتامى بل لكل من الصنفين عنده سهم من الخمس غير سهم ذوى القربى ويؤيد ما قلت ما روى ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنى اشعث بن سوار عن ابى الزبير عن جابر بن عبد الله انه كان يحمل من الخمس في سبيل الله ويعطى منه نائبة القوم فلما كثر المال جعل في اليتامى والمساكين وابن السبيل قلت عندى معنى الاية ان لله خمسه يعنى ملكا حيث أبقاه سبحانه على ملك نفسه ولم يعطه أحدا غيره وامر رسوله صرفه كما امر وللرسول ذلك الخمس استحقاقا وتصرف على نفسه وفي مصارفه كيف يشاء ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل مصرفا ولذلك ذكر الصنفين الأخيرين عطفا على ذى القربى بلا لام وذكر الأصناف الاربعة بلام واحد لكون كلها من جنس واحد مختصا باختصاص المصرفية ولم يعطفها على الرسول كما عطف الأخيرين وأورد اللام على الرسول ولم يعطف على الله لكون كل اختصاص منها نوعا علحدة فالاختصاص بالله اختصاص الملك وليس بالرسول اختصاص الملك لما روى انه صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال لا يحل لى من غنائمكم مثل هذا الا الخمس والخمس مردود فيكم رواه ابو داود ومن حديث عمرو بن
71
عنبسة وكذا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ليس لى من هذا الفيء شيء ولا هذا يعنى وبر البعير الا الخمس والخمس مردود فيكم ولم يقل الا خمس الخمس فاللام في الأنواع الثلاثة من الاختصاصات المذكورة كالمشترك او كالحقيقة والمجاز ولا يجوز الجمع بين المشترك ولا بين الحقيقة والمجاز فلذلك أورد اللام ثلث مرات والله اعلم (مسئلة) اختلف العلماء في سهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته صلى الله عليه واله وسلّم فقال الشافعي هو اليوم لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام لانه صلى الله عليه واله وسلم
كان يجعل ما بقي من نفقة في السلاح والكراع قال البغوي روى الأعمش عن ابراهيم قال كان ابو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في الكراع والسلاح وقال قتادة هو لخليفة بعده لانه صلى الله عليه وآله وسلّم كان يستحقه بامامته وقال ابو حنيفة ان سهم الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سقط بموته ولم يكن سهم لامامته بل رسالته فان الحكم إذا علق بمشتق دل على علية ماخذه ولا رسول بعده وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حق الصفي اصطفى ذا الفقار سيف منبه بن حجاج حين اتى به على يوم بدر بعد ان قتل منبها ثم دفعه اليه واصطفي صفية بنت حيى بن اخطب من غنيمة خيبر رواه ابو داود في سننه عن عائشة والحاكم وصححه وقد اجمعوا ان سهم الصفي ليس لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في ذلك خلاف حكم الامام من بعده فكذا سهمه من الغنيمة لا يكون لاحد بعده (مسئلة) واختلفوا في سهم ذوى القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال ابو حنيفة سهم ذوى القربى ايضا سقط بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذكر الحنفية لسقوطه وجوها قال صاحب الهداية لان النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعطيهم النصرة لما مر من حديث جبير بن مطعم انه صلى الله عليه وآله وسلّم اعطى بنى المطلب ولم يعط بنى نوفل وبنى عبد الشمس وقال انهم يعنى بنى المطلب لم يزالوا هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه وبهذا يظهر ان المراد بالنص قرب النصرة لاقرب القرابة ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يبق النصرة وهذا التوجيه ضعيف وقد ذكرنا
72
تضعيفه من قبل وقال الطحاوي وجه سقوطه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لما اعطى ذلك السهم بعض القرابة يعنى بنى المطلب وحرم من قرابتهم منه صلى الله عليه وآله وسلّم كقرابتهم يعنى بنى نوفل وبنى عبد شمس ثبت بذلك ان الله عز وجل لم يرد بما جعل لذوى القربى كل قرابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم وانما أراد خاصا منهم وجعل الرأى في ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يضعه فيمن شاء منهم فاذا مات وانقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك كما قد جعل الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ان يصطفي من المغنم لنفسه سهما اى سهم الصفي فكان ذلك ما كان حيا يختار لنفسه من المغنم ما شاء فلما مات انقطع ذلك وقال الطحاوي مرة اخرى كان الله عز وجل قد جعل كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله ولذى القربى فلم يخص أحدا منهم دون أحد ثم قسم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعطى منهم بنى هاشم وبنى مطلب خاصة وحرم بنى امية وبنى نوفل وكانوا محصورين معدودين وفيمن اعطى الغنى والفقير وفيمن حرم كذلك فثبت ان ذلك السهم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يجعله في اى قرابته شاء فصار حكمه حكم سهمه والذي كان يصطفيه لنفسه فلما كان ذلك مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد بعده كان هذا كذلك ايضا مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد من بعده قال وهو قول أبي حنيفة وابى يوسف ومحمد قلت وهذين التوجيهين ايضا ضعيفان لما ذكرنا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انما اعطى بنى مطلب لما جعلهم تبعا لبنى هاشم وعدهم منهم لموازرتهم وموانستهم معهم كما حرم الصدقة على موالى بنى هاشم بتعالهم لا لكونهم من بنى عبد مناف قوله حرم من قرابتهم منه صلى الله عليه وآله وسلّم كقرابتهم ممنوع فان بنى هاشم كانوا اقرب من غيرهم ولو نسلم ان الله سبحانه ذكر ذوى القربى وأراد بعضها منهم لا كلهم ولم يدر منهم فحينئذ كان مجملا فاذا لحقه البيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حيث اعطى بنى هاشم وبنى
المطلب دون بنى امية وبنى نوفل زال الإجمال والإجمال لا يقتضى البيان كل مرة ولو نسلم ان الله تعالى جعل الرأى في ذلك الى رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم فقوله إذا مات انقطع رأيه ممنوع إذ بعد موته الرأي لخلفائه كما في سهم المساكين واليتامى وأبناء السبيل في المغانم والصدقات كان تخصيص بعض دون بعض الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
73
ثم صار لخلفائه وايضا كون تخصيص بعض دون بعض من ذوى القربى الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم لا يقتضى كون ذلك السهم له صلى الله عليه وآله وسلّم فان تخصيص بعض من المساكين واليتامى وأبناء السبيل ايضا كان اليه صلى الله عليه وسلّم ولم يكن ذلك الأسهم له صلى الله عليه وآله وسلّم اجماعا ولم يسقط شيء منها بموته فكذا هذا والله اعلم ثم استدل كلا الفريقين بعمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم قال صاحب الهداية لنا ان الخلفاء الراشدين قسموه على ثلثة أسهم على نحو ما قلنا وكفى بهم قدوة وقال ايضا انه لم ينكر عليهم أحد مع توافر الصحابة مع علمهم فكان اجماعا وقال البغوي الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كانوا يعطون ذوى القربى ولا يفضل فقير على غنى لان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله فلا بد من الكلام في عمل الخلفاء فنقول قال ابو يوسف في كتاب الخراج ان الكلبي محمد بن السائب حدثنى عن ابى صالح عن ابن عباس ان الخمس كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على خمسة أسهم لله وللرسول سهم ولذى القربى سهم ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلثة أسهم ثم قسمه ابو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذى النورين رضى الله عنهم على ثلثة أسهم وسقط سهم الرسول وسهم ذوى القربى وقسمه الثلاثة على الباقين ثم قسمه على بن ابى طالب على ما قسمه عليه ابو بكر وعمر وعثمان وقال ابو يوسف وحدثنى محمد بن إسحاق عن الزهري ان نجدة كتب الى ابن عباس يسئله عن سهم ذوى القربى لمن هو فكتب اليه ابن عباس رضى الله عنه كتبت الى تسالنى عن سهم ذوى القربى لمن هو وهو لنا وان عمر بن الخطاب دعانا الى ان ينكح منه ايمنا ويقضى عنه عن مغرمنا ويخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلم لنا فابى ذلك علينا وقال ابو يوسف وحدثنا قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذين السهمين سهم الرسول وسهم ذوى القربى فقال قوم سهم الرسول للخليفة من بعده وقال آخرون سهم ذوى القربى بقرابة النبي صلى الله عليه واله وسلّم وقالت طائفة سهم ذى القربى لقرابة الخليفة بعده فاجمعوا على ان يجعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح وروى الطحاوي بسنده عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد
74
ابن الحنيفة نحوه وزاد كان ذلك في امارة ابى بكر وعمر وروى الطحاوي حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدى قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر قال أرأيت على بن ابى طالب حيث ولى العراق ما ولى من امر الناس كيف صنع في سهم ذوى القربى قال سلك به والله سبيل ابى بكر وعمر قلت كيف وأنتم تقولون ما تقولون قال انه والله ما كان اهله يصدرون الا عن رائه قلت فما منعه قال كره والله ان يدعى عليه خلاف ابى بكر وعمر قلت وهذه الآثار لو ثبتت لثبت ان الخلفاء قسموا الخمس على ثلثة أسهم ولم يعطوا ذوى القربى سهمهم ولما تقدم ما ذكرنا انه يجوز للامام ان يصرف الخمس الى صنف واحد منها وبه قال ابو حنيفة رحمه الله لا يثبت بعدم إعطاء الخلفاء سهم ذوى القربى سقوط سهمهم وعدم جواز اعطائهم كيف وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن أبيه قال سمعت عليا رضى الله عنه بقول قلت يا رسول الله ان رأيت ان
توليتنى حقنا من الخمس فاقسم في حياتك كيلا ينازعنا أحد بعدك فافعل ففعل قال فولانية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقسمته حياته ثم ولانيه ابو بكر الصديق رضى الله عنه فقسمته حياته ثم ولانيه عمر رضى الله عنه فقسمته حياته حتى إذا كانت اخر سنة من سنى عمر فاتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل الىّ فقال خذه فاقسمه فقلت يا امير المؤمنين بنا عنه العام غنى وبالمسلمين اليه حاجة فرده عليهم ذلك تلك السنة ولم يدعنا اليه أحد بعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتّى قمت مقامى هذا فلقينى العباس بن عبد المطلب بعد خروجى من عند عمر بن الخطاب فقال يا عليّ لقد حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا ابدا وكذا روى ابو داود عنه فهذا الحديث يدل على ان أبا بكر وعمر كانا يعطيان ذوى القربى كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعطيهم الا ان عمر منعهم اخر خلافته باشارة علىّ ولعل قول ابن عباس ان عمر دعانا الى ان ينكح منه ايمنا ويقضى عنه مغرمنا ويخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلمه إلينا فابى ذلك علينا حكاية عما بعد قول عليّ لعمر بنا العام عنه غنى وبالمسلمين حاجة وهذا وجه توفيق الآثار وبهذا يثبت ان سهم ذوى القربى لم يسقط ويجوز دفعه إليهم غنيهم وفقيرهم لكن جاز للامام ان يدفع
75
ذلك السهم الى غيرهم إن كان بهم عنه غنى وبالناس اليه حاجة كما فعل عمر باشارة علىّ وسلك عليّ ذلك السبيل في خلافته وكره في ذلك مخالفتهم لما رأى فيه مصلحة وقال ابو يوسف حدثنى عطاء ابن السائب ان عمر بن عبد العزيز بعث سهم الرسول وسهم ذوى القربى الى بنى هاشم قلت ولعل ذلك لما راى عمر بن عبد العزيز في بنى هاشم حاجة كثيرة بعث إليهم سهمين والله اعلم وروى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يقسم لبنى عبد الشمس ولا لبنى نوفل من الخمس شيئا كما قسم لبنى هاشم وبنى المطلب قال وكان ابو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم غير انه لم يكن يعطى قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه وهذا الحديث يدل على ان الخلفاء منعوا تارة واعطوا تارة فروى كل على ما علم وهذا يؤيد ما قلنا والله اعلم (فصل) واعلم ان الاية كما تدل بعبارتها على ان ما غنمتم فخمسه خالص لله تعالى يصرف في سبيله في الأصناف المذكورة تدل باشارتها على ان الباقي يعنى الأخماس الاربعة جعلتها لكم ايها الغانمون فكون الأخماس الاربعة للغانمين مسكوت في حكم المنطوق كما ان قوله تعالى وان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث تدل على ان الثلثين للاب وهو مسكوت في حكم المنطوق فهذه الاية بهذا الاعتبار ناسخة لقوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول حيث لم يجعل الله فيها شيئا لغيره الا ما أراد رسوله كما ذكرنا من رواية البخاري في تاريخه عن سعيد بن جبير قيل هذه الاية نزلت في غزوة بنى قينقاع بعد غزوة بدر بشهر للنصف من شوال على راس عشرين شهرا من الهجرة أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن كعب ومن طريق سعيد بن المسيب نحوه والصحيح انها نزلت في غزوة بدر بعد ما نزلت يسألونك عن الأنفال والله اعلم (مسئلة) اجمعوا على ان اربعة أخماس الغنيمة للغانمين لا يجوز للامام منع واحد منهم عن نصيبه واختلفوا في سلب المقتول فقال الشافعي واحمد هو للقاتل وحده ولا يجب
76
فيه الخمس بشرط ان يعرض نفسه على القتل في قتل مشرك وأزال امتناعه فان رمى من بعيد وقتل السهم رجلا من صف المشركين لا يجب للقاتل سلبه ويشترط عند الشافعي كون القاتل من اهل السهم وقال احمد وإن كان من اهل الرضح ايضا وقال ابو حنيفة ومالك وهى رواية عن احمد لا يستحق القاتل السلب الا ان يشترط الامام فحينئذ يحسب عند أبي حنيفة من اربعة الأخماس وعند مالك من الخمس عن ابى قتادة
قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع فاقبل عليّ فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فارسلنى فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال امر الله ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لى ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه واله وسلّم مثله فقلت من يشهد لى ثم جلست ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مثله فقمت فقال مالك يا با قتادة فاخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندى فارضه منى فقال ابو بكر لاها الله إذ لا يعمد الى اسد من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم صدق فاعطه فاعطانيه فابتعت منه مخرفا فى بنى سلمة فانه لاول مال تاثلته في الإسلام متفق عليه وفي رواية للطحاوى عن ابى قتادة انه قتل رجلا من المشركين فنفله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل ابو طلحة يومئذ عشرين فاخذ سلبهم رواه الدارمي والطحاوي وابو داود وعن سلمة ابن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هوازن قتلت رجلا ثم جئت بجمله أقوده وعليه رحله وسلاحه فاستقبلنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والناس معه فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع فقال له سلبه اجمع رواه الطحاوي وعنه قال اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عين من المشركين فجلس يتحدث عند أصحابه ثم انسل فقال نبى الله صلى الله عليه وآله وسلّم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم فقتلته
77
وأخذت سلبه فنفلنى إياه رواه الطحاوي وروى الحاكم بإسناد فيه الواقدي ضرب محمد بن سلمة ساقى مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه فمر به عليّ فضرب عنقه واعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه محمد بن مسلمة والصحيح ان على بن ابى طالب هو الذي قتله لما ثبت في صحيح مسلم وعن عوف بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل السلب للقاتل رواه الطحاوي وفي رواية له عنه وعن خالد بن الوليد نحوه وكذا روى احمد وابو داود والطبراني وروى احمد عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يخمس السلب وكذا روى ابو داود وابن حبان والطبراني بلفظ قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس وروى احمد عن سمرة بن جندب مرفوعا من قتل قتيلا فله سلبه وسنده لا بأس به وروى الطحاوي عن ابن عباس قال انتدب «١» رجل من المشركين فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الزبير فخرج اليه فقتله فجعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه قال ابن همام لا خلاف فيه فانه صلى الله عليه وآله وسلّم قال ذلك يعنى قوله من قتل قتيلا فله سلبه انما الكلام ان هذا منه نصب الشرع على العموم في الأوقات والأحوال كلها او كان تحريضا بالتنفيل قاله في تلك الواقعة فعند الشافعي نصب الشرع لانه هو الأصل في قوله لانه انما بعث لذالك قلت سياق حديث ابى قتادة صريح في ان قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ليس على سبيل التنفيل قبل القتال بل هو بعد ان قتل ابو قتادة مشركا وكذا حديث سلمة بن الأكوع وما ورد في الحديث انه صلى الله عليه وآله وسلّم لم يخمس السلب حجة للشافعى واحمد على مالك حيث قال ان السلب يحسب من الخمس.
(فائدة) روى الطحاوي عن انس بن مالك ان البرآء بن مالك أخا انس بن مالك بارز مرزبان الزارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت اليه فقتلته فقوم سلبه ثلثين الفا فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر فقال لابى طلحة انا كنا لا نخمس الاسلاب وان سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا الا خامسيه فقومناه ثلثين الفا فدفعنا الى عمر ستة آلاف وروى الطحاوي من وجه بلفظ ان البراء بن مالك بارز رجلا من عظماء فارس فقتله فاخذ البراء سلبه فكتب فيه الى عمر فكتب عمر الى الأمير ان اقبض إليك خمسة وادفع اليه ما بقي فقبض الأمير
(١) اى طلب المبازرة ١٢ [.....]
78
خمسه قلت وهذين الأثرين يدلان على ان السلب للقاتل وانه لا يخمس غير انه يجوز للامام ان استكثر المال ان يخمسه واستدل ابو حنيفة على ان السلب ليس للقاتل خاصة الا ان يكون الامام قاله في وقت يحتاج الى تحريضهم بما رواه الطبراني في الأوسط والكبير انه بلغ حبيب بن سلمة ان صاحب قبرص خرج يريد طريق اذربيجان ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وغيرهما فخرج اليه فقتله فجاء بما معه فاراد ابو عبيدة ان يخمسه فقال له حبيب لا تحرمنى رزقا رزقنيه الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل السلب للقاتل فقال معاذ يا حبيب اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول للمرأ ما طابت به نفس امامه وهذا معلول فانه فيه عمرو ابن واقد ورواه إسحاق بن راهويه بسنده عن جنادة بن امية قال فذكر الحديث انه بلغ حبيب بن سلمة الى ان قال فجاء بسلبه على خمسة ابغال من الديباج والياقوت والزبرجد فاراد حبيب ان يأخذ كله وابو عبيدة يقول بعضه فقال حبيب لابى عبيدة قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من قتل قتيلا فله سلبه قال ابو عبيدة انه لم يقل ذلك للابد وسمع معاذ ذلك فاتى وعبيدة وحبيب يخاصمه فقال معاذ الا تتقى الله وتأخذ ما طابت به نفس امامك فان مالك ما طابت نفس امامك وحدث بذلك معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فاجتمع رايهم على ذلك فاعطوه بعد الخمس فباعه حبيب بألف دينار وفيه رجل مجهول وبما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف في مقتل ابى جهل يوم بدر فان فيه ان قال عليه السلام لمعاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بعد ما رأى سيفهما كلا كما قتله ثم قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وحده ولو كان للقاتل لقضى به لهما وبما رواه مسلم وابو داود عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع زيد بن حادثة غزوة مؤتة ورافقنى مددى من اهل اليمن فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس أشقر على سرج مذهب وسلاح مذهب وجعل يغرى بالمسلمين وقعد له المددى خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر فعلا فقتله فحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله على المسلمين بعث اليه خالد بن الوليد فاخذ منه بعض السلب قال عوف فاتيت خالدا فقلت له يا خالد اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قضى بالسلب للقاتل
79
قال بلى ولكنى استكثرته قلت لتردن او لاعرفتكما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فابى ان يعطيه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقصصت عليه قصة المددى وما فعل خالد فقال عليه السلام يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عرف قلت دونك يا خالد الم أوف لك فقال صلى الله عليه وآله وسلّم وما ذاك قال فاخبرته قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركو لى أمراء لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره وجه الاستدلال انه منع خالد أمن رده بعد ما امره به ولو كان شرعا لازما لم يمنعه من مستحقه قال الخطابي انما منعه ان يرد على عوف سلبه زجر العوف لئلا يجترئ الناس على الائمة وخالد كان مجتهدا فامضاه عليه الصلاة والسلام والضرر اليسير يتحمل للنفع الكثير قال ابن همام وهذا غلط وذلك لان السلب لم يكن للذى تجرأ وهو عوف وانما كان للمددى ولا تزر وازرة وزر اخرى فالوجه انه صلى الله عليه وآله وسلّم أحب اولا ان يمضى شفاعته للمددى في التنفيل فلما غضب عليه رد شفاعته بمنع السلب لا انه لغضبه وسياسته يزجره بمنع حق من لم يقع منه جناية فهذا يدل على انه ليس شرعا لازما قلت حديث حبيب كما سمعت معلول وضعيف ولو ثبت لثبت للامام حق التخميس من السلب لما أراد ابو عبيدة ان يخمسه ولا يثبت منه انه لا حق للقاتل في السلب بل هو كسائر الغنائم وحديث سلب ابى جهل منسوخ قال البيهقي ان غنيمة بدر كانت للنبى ﷺ بنص الكتاب يعنى بقوله تعالى قل
الأنفال لله والرسول يعطى من يشاء وقد قسم لجماعة لم يحضروا ثم نزلت اية الغنيمة بعد بدر فقضى السلب للقاتل استقر الأمر على ذلك وقول عوف اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قضى بالسلب للقاتل وقول خالد بلى وتسليم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك حتى امر خالدا برد ما أخذ من سلبه دليل على التشريع عموما وجرأة عوف كان لاجل المددى وكان المددى راضيا به فهو يستحق الزجر والمنع وقوله صلى الله عليه وآله وسلّم هل أنتم تاركوا لى أمراء لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره يدل على ان الامام وان ظلم ومنع أحدا حقه فعليه كدره لكن يجب على الناس اطاعته.
(مسئلة) التنفيل يعنى إعطاء الامام رجلا فوق سهمه جائز اجماعا ان شرط الامام في
80
حالة القتال قبل الاصابة لانه نوع تحريض على القتال وهو مامور به قال الله تعالى حرض المؤمنين على القتال فجاز للامام ان يقول من قتل قتيلا فله عشرة دراهم او من دخل هذا الحصن فله كذا وقال لسرية جعلت لكم النصف او الربع بعد الخمس او قال من أصاب جارية فهى له عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لانفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش متفق عليه لكن لا يجوز للامام ان يقول من أصاب شيئا فهو له لانه يستلزم بطلان الخمس الثابت بكتاب الله تعالى وبطلان الأسهم المنصوصة للراجل والفارس في الأحاديث وبطلان حق من لم يصب من المجاهدين وفي بعض روايات الحنفية لو نقل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى الامام المصلحة فيه روى الحاكم من رواية مكحول عن ابى امامة عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين التقى الناس ببدر نفل كل امرأ ما أصاب وأجيب بان هذا منسوخ واية الخمس نزلت بعد ذلك.
(مسئلة) ثم محل التنفيل اربعة الأخماس قبل الاحراز بدار الإسلام وبعد الاحراز لا يصح الا من الخمس عند أبي حنيفة واحمد وعند مالك والشافعي لا يصح مطلقا الا من الخمس لانه المفوض الى راى الامام وما بقي للغانمين روى مالك عن ابى الزياد عن سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس وروى ابن ابى شيبة عن سعيد ابن المسيب ما كانوا ينفلون الا من الخمس وعن ابن عمر قال نفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نفلا سوى نصيبنا من الخمس فاصابنى شارف والشارف المسن الكبير متفق عليه وابو حنيفة يحمل هذه الآثار على ما بعد الاحراز بدار الإسلام واما قبل ذلك فيعطى النفل من اربعة أخماس الغانمين لان المعطى له من الغانمين لا من المساكين واليتامى وابن السبيل وقال البغوي النفل من خمس سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال الشافعي رحمه الله وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مالى مما أفاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود فيكم قلت إعطاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم النفل أحدا من خمس خمسه هبة منه صلى الله عليه وآله وسلّم وذلك
81
لا يستلزم عدم جواز النفل من اربعة الأخماس كيف وقد روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن عبادة بن الصامت انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وكذا روى ابو داود وعن حبيب بن سلمة الفهري ومعنى الحديث على ما قال الخطابي ان السرية إذا ابتدأت السفر نفلها الربع فاذا قفلوا ثم رجعوا الى العدو ثانية نفلهم الثلث لان نهوضهم بعد قفولهم أشق عليهم قلت وهذا الحديث يرد قول من قال لا يجوز النفل الا من الخمس او من خمس الخمس لان إعطاء الربع والثلث لا يتصور من الخمس بل لا يكون الا من اصل الغنيمة كما قال بعضهم او من اربعة الأخماس فان قيل جاز ان يكون معنى الحديث نفل في البدأة الربع من الخمس وفي الرجعة الثلث من الخمس كذا قال الطحاوي قلنا الحديث لا يدل على هذا التقييد وليس هو الا تسوية الحديث على مدعاه وايضا قد روى حديث حبيب بن سلمة عند الطحاوي بلفظ الرابع بعد الخمس والثلث بعد الخمس وكذا روى احمد واستدل به ابن الجوزي على جواز إخراج النفل من اربعة الأخماس.
(مسئلة) جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال بلا شرط سبق منه ان رأى اجتهادا منه فوق اجتهاد غيره وقال ابو حنيفة رحمه الله لا يجوز ذلك الا من الخمس لان بعد القتال تعلق به حق الغانمين فلا يجوز ابطال حقهم والحجة عليه حديث سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وانا معه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد انمار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقمت على اكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلثا يا صاحباه ثم خرجت في اثار القوم ارميهم بالنبل وارتجز أقول انا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فما زلت ارميهم واعقر لهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الا خلفته وراى ظهرى ثم اتبعتهم ارميهم حتى القوا اكثر من ثلثين بردة وثلثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه حتى رأيت من فوارس رسول الله صلى الله
82
عليه وآله وسلّم ولحق ابو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بعبد الرحمن فقتله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خير فرساننا اليوم ابو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما الى جميعا ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ورائه على العضباء راجعين الى المدينة رواه مسلم والجواب لأبي حنيفة ان الحديث رواه ابن حبان وقال كان سلمة بن الأكوع في تلك الغزاة راجلا فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من خمسه لا من سهمان المسلمين ورواه القاسم بن سلام وقال قال ابن مهدى فحدثت به سفيان فقال هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهذا عندى اولى من حمله على انه أعطاه من سهمه والا لم يسم نفلا بل هبة قلت ولا وجه للحمل على ذلك ولا على القول بالتخصيص وسنذكر حديث اخر لسلمة بن الأكوع انه غزونا فزارة مع ابى بكر في مسئلة جواز فداء أسارى المشركين بأسارى المسلمين وفيه نفل ابو بكر سلمة امرأة واستدل بعض العلماء في هذه المسألة بما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت وحبيب بن سلمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في بدأته الربع وفي رجعته الثلث على معنى انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في رجعته يعنى بعد الرجوع من القتال بالثلث وحمل الطحاوي هذا الحديث بهذا المعنى على انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في الرجعة الثلث مما يجوز له النفل وهو الخمس ليوافق مذهبه ومذهب ابى حنيفة والله اعلم وكان إعطاء بعض الغانمين شيئا زائدا من الغنيمة على سبيل النفل امرا معروفا في الصحابة لكنهم كانوا مختلفين في محله روى الطحاوي بوجوه عن انس انه كان مع عبيد الله بن ابى بكرة في غزوة غزاها فاصابوا سبيا فاراد عبيد الله ان يعطى أنسا من السبي قبل ان يقسم فقال انس لا ولكن اقسم ثم أعطني من الخمس قال قال عبيد الله لا الا من جميع الغنائم فابى انس ان يقبل منه وابى عبيد الله ان يعطيه من الخمس شيئا وروى الطحاوي عن سليمان بن يسار انهم كانوا مع معاوية ابن خديج في غزوة المغرب فنفل الناس ومعنا اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يرد ذلك غير جبلة بن عمرو وعن خالد بن ابى عمران قال سألت سليمان بن يسار عن النفل في
83
الغزو فقال لم ار أحدا صنعه غير ابن جريج نفلنا بافريقية النصف بعد الخمس ومعنا اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من المهاجرين الأولين أناس كثير فابى جبلة ان يأخذ منها شيئا.
(مسئلة) يقسم الأخماس الاربعة بين الغانمين للراجل سهما وللفارس ثلثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه قال القاضي عبد الوهاب به قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب ولا مخالف له من الصحابة وبه قال من التابعين عمر بن عبد العزيز وابن سيرين ومن الفقهاء مالك والأوزاعي وليث بن سعد وسفيان الثوري والشافعي واحمد بن حنبل وابو ثور وابو يوسف ومحمد بن الحسن ولم يخالف في هذه المسألة غير أبي حنيفة وحده حيث قال للفارس سهمان وللراجل سهم وقال ابن الجوزي قال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ان للفارس ثلثة سهم احتج الجمهور بأحاديث منها حديث المنذرين الزبير بن العوام عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم اعطى الزبير سهما وفرسه سهمين رواه احمد وكذا روى الدار قطنى عن عبد الله بن الزبير عن الزبير والدار قطنى ايضا عن جابر وأخرجه ايضا من حديث ابى هريرة وأيضا من حديث سهل بن حثمة وفي حديث عبد الله ابن ابى بكر بن عمرو بن حزم من طريق ابن إسحاق في غزوة قريظة انه صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفارس وفرسه ثلثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان وفي الباب حديث ابن عمر انه صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما رواه البخاري واصحاب السنن الا النسائي وفي مسلم عنه قسم في النفل للفرس سهمين وللراجل سهما وفي رواية بإسقاط لفظ النفل وفي رواية أسهم للرجل ولفرسه ثلثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وحديث ابن عباس نحوه رواه إسحاق بن راهويه وكذا اخرج ابو داود من حديث ابن ابى عمرة عن أبيه وكذا اخرج البزار من حديث المقداد وحديث ابى كبشة الأنماري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عام الفتح انى جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصها نقصه الله عز وجل رواه الدار قطنى والطبراني قال ابن همام فيه محمد ابن عمران العبسي اكثر الناس على تضعيفه وحديث ابى دهم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انا وأخي ومعنا فرسان فاعطانا ستة أسهم اربعة
84
أسهم لفرسينا وسهمين لنا رواه الدار قطنى وروى ابو يوسف في كتاب الخراج بسنده عن ابى حازم قال ابو ذر الغفاري شهدت انا وأخي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوم حنين ومعنا فرسان لنا فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بستة أسهم اربعة لفرسينا وسهمان لنا فبعنا ستة أسهم بحنين ببكرين واحتج ابو حنيفة بحديث مجمع بن جارية الأنصاري قال قسمت خيبر على اهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش الفا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس فاعطى الفارس سهمين وللراجل سهما رواه ابو داود وقال ابو داود هذا وهم انما كانوا مائتى فارس فاعطى الفرس سهمين والرجل يعنى صاحبه سهما كذا قال الشافعي قلت وكذا ذكرنا في سورة الفتح في قصة غنائم خيبر وحديث المقداد بن عمر انه كان يوم بدر على فرسه يقال له سنجه فاسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سهمين لفرسه سهم وله سهم رواه الطبراني وفي سنده الواقدي ضعيف واخرج الواقدي ايضا في المغازي عن جعفر بن خارجة قال قال الزبير ابن العوام شهدت بنى قريظة فارسا فضرب لى بسهم ولفرسى بسهم واخرج ابن مردويه في تفسيره حدثنا محمد بن محمد السرى حدثنا المنذر بن محمد حدثنى ابى حدثنا يحيى بن محمد بن هانى عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سبايا بنى المصطلق فاخرج الخمس منها ثم قسمها بين المسلمين فاعطى الفارس سهمين والراجل سهما وروى ابن ابى شيبة في مصنفه ومن طريقة الدارالقطني حدثنا ابو اسامة وابن نمير قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما قال الدار قطنى قال ابو بكر النيشابوري هذا عندى
وهم من ابن ابى شيبة لان احمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشير وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا على ما تقدم يعنى ثلثة أسهم للفارس ثم اخرج الدار قطنى عن نعيم حدثنا ابن المبارك عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر كما روى ابن ابى شيبة قال ابن الجوزي لعل الوهم من نعيم لان ابن المبارك من اثبت الناس قال ابن همام ونعيم ثقة واخرج الدار قطنى ايضا عن يونس بن
85
عبد الأعلى حدثنا ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان يسهم للخيل للفارس سهمين وللراجل سهما وتابعه ابن ابى مريم وخالد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر العمرى ورواه القعنبي عن العمرى بالشك في الفارس او الفرس ثم اخرج عن حجاج بن منهال حدثنا حمار بن سلمة حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قسم للفارس سهمين وللراجل سهما وخالفه النضر بن محمد بن حماد قال ابن همام وممن روى حديث عبيد الله متعارضا الكرخي لكن رواية البيهقي عنه اثبت قال ابن الجوزي عبيد الله بن عمر ضعيف وروى الدار قطنى بسنده عن عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما وروى ابو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قسم غنائم بدر للفارس سهمان وللراجل سهم قال ابو يوسف في كتاب الخراج انه كان الفقيه المقدم ابو حنيفة تغمده الله برحمته يقول أللراجل سهم للفارس سهم وقال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم ويحتج بما حدثناه عن زكريا بن الحارث عن المنذر بن ابى حمصة الهمداني ان غلاما لعمر بن الخطاب رضى الله عنه قسم في بعض الشام للفرس سهم وللرجل سهم فرفع ذلك الى عمر رضى الله تعالى عنه فاجازه وكان ابو حنيفة يأخذ بهذا الحديث ويجعل للفرس سهما وللرجل سهما وما جاء من الآثار والأحاديث ان للفرس سهمين وللرجل سهما اكثر من ذلك وأوثق والعامة عليه وليس هذا على وجه التفضيل وما كان ينبغى ان يكون للفرس سهم وللرجل سهم لانه قد سوى بهيمة برجل مسلم انما هذا على ان يكون عدة الرجل اكثر من عدة الاخر وليرغب الناس في ارتباط الخيل في سبيل الله الا ترى ان سهم الفرس يرد على صاحب الفرس ولا يكون للفرس دونه والمتطوع وصاحب الديوان في القسمة سواء قال ابن همام إذا تعارض الروايات ترجح النفي بالأصل ويحمل رواية الثلاثة على التنفيل وما ورد في حديث جابر اعطى الفارس منا ثلثة أسهم ونحو ذلك ظاهر في انه ليس الأمر المستمر كذلك والا يقال كان عليه السلام وقضى عليه السلام وحديث ابى كبشة انى جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصة الله لا يصح كما مر
86
مسئله لو كان مع رجل فرسان فقال ابو حنيفة ومالك والشافعي لا يسهم الا الفرس واحد قال مالك في الموطإ لم اسمع بالقسم الا لفرس واحد وقال ابو يوسف واحمد يسهم لفرسين ولا يسهم لاكثر من فرسين اجماعا والحجة لابى يوسف ما رواه الدار قطنى من حديث بشير بن عمر بن محصن قال أسهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم لفرسي اربعة أسهم ولى سهما فأخذت خمسة أسهم وروى عبد الرزاق أخبرنا ابراهيم بن يحيى السلمى عن مكحول ان الزبير حضر خيبر بفرسين فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة أسهم وهذا منقطع وقال الواقدي في المغازي حدثنا عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن عمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة أسهم وقال ايضا حدثنى يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ابى صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قاد في خيبر ثلثه أفراس لزاز والضرب والسكب وقاد الزبير بن العوام أفراسا وقاد حراس بن الصمت فرسين وقاد البراء بن
أوس فرسين وقاد ابو عمرة الأنصاري فرسين فاسهم عليه الصلاة والسلام لكل من كان له فرسان اربعة أسهم وسهما له وما كان اكثر من فرسين لم يسهم له وروى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور عن ابن عياش عن الأوزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وان كان معه عشرة أفراس وقال قال سعيد بن منصور ثنا فرج بن فضالة ثنا محمد بن الوليد عن الزهري ان عمر بن الخطاب كتب الى ابى عبيدة بن الجراح ان أسهم للفرس سهمين وللفرسين اربعة أسهم ولصاحبهما سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الاثنين فهو جنائب وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا ابن يحيى بن سعيد عن الحسن في الرجل يكون في الغزو معه الافراس قال لا يقسم له من الغنيمة لاكثر من فرسين قال وحدثنى محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال لا يقسم لاكثر من فرسين قال صاحب الهداية ما روى حجة لابى يوسف واحمد محمول على التنفيل كما اعطى سلمة بن الأكوع سهمين وهو راجل قلت ما قال صاحب الهداية ان إعطاء سهمين
87
لفرس واربعة أسهم لفرسين محمول على التنفيل انما يتصور صحته لو قيل جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال من غير شرط سبق منه والا فلم يروا في شى مما ذكر من الأحاديث انه صلى الله عليه وآله وسلّم شرط ذلك.
(مسئلة) إذا لحق المدد في دار الحرب قبل إحراز الغنائم بدار الإسلام بعد انقضاء القتال لا يسهم لهم عند الائمة الثلاثة وعند أبي حنيفة يسهم لهم احتجوا بما رواه ابن ابى شيبة والطحاوي بسند صحيح عن طارق بن شهاب الاخمسى ان اهل بصرة غزوا نهاوند فامدهم اهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فظهروا فاراد اهل البصرة ان لا يقسموا لاهل الكوفة فقال رجل من بنى تميم وعند الطحاوي من بنى عطارد ايها العبد الأجدع تريد ان تشاركنا في غنائمنا وكانت اذنه جدعت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال عمار خير اذنى سببت ثم كتب الى عمر فكتب عمران الغنيمة لمن شهد الوقعة واخرج الطبراني الغنيمة لمن شهد الوقعة مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح الموقوف وأخرجه ابن عدى من طريق بخترى بن مختار عن عبد الرحمن بن مسعود عن عليّ موقوفا وروى الشافعي من طريق زيد بن عبد الله بن قسيط ان أبا بكر بعث عكرمة بن جهل في خمسائة من المسلمين مدد الزياد بن لبيد فذكر القصة وفيها فكتب ابو بكر ان الغنيمة لمن شهد الوقعة لكن في اثر ابى بكر انقطاع وبحديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بعث ابان بن سعيد بن العاص في سرية قبل نجد فقدم ابان بعد فتح خيبر فلم يسهم له رواه ابو داود وابو نعيم موصولا والبخاري في صحيحه تعليقا وأجاب الحنفية عن هذا الحديث ان خيبر بعد ما فتحت صارت دار الإسلام فقدومهم بعد الفتح لحوق بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام ولا خلاف في انه من لحق بعد الاحراز لا سهم له في الغنيمة فانهم ملكوها بالاحراز قبل لحوقهم واما اسهامه لابى موسى الأشعري على ما في الصحيحين عنه انه قال وافينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين افتتح خيبر فاسهم لنا ولم يسهم لاحد غاب عن فتح خيبر الا لاهل سفينتنا فقال ابن حبان انما أعطاهم من خمس الخمس والله اعلم.
88
(مسئلة) ولا حق لاهل سوق العسكر ولا لسائسة الدواب عند ابى حنيفة رحمه الله الا ان يقاتلوا وقال الشافعي يسهم لهم لما مر من قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ان الغنيمة لمن شهد الوقعة وهم قد شهدوا الوقعة وقد مر انه لم يصح رفعه بل هو حديث موقوف ومعناه لمن شهد الوقعة على قصد القتال وذلك انما يعرف بأحد أمرين اما بإظهار خروجه للجهاد والتجهيز له لا لغيره واما بحقيقة قتاله ولو كان من شهد الوقعة على عمومه لزم ان يسهم للنساء والأطفال والعبيد ايضا وقد اجمعوا على انه لا سهم لهولاء روى مسلم وابو داود عن ابن عباس انه سئل عن النساء هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهل كان يضرب لهن سهم فقال كن يشهدن واما ان يضرب لهن سهم فلا وفي رواية لابى داود وقد كان يرضح لهن فان قيل يعارضه حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أسهم لهن كما أسهم للرجال أخرجه ابو داود والنسائي قلنا حشرج مجهول.
(مسئلة) ان أطاق الصبى القتال واجازه الامام يكمل له السهم عند مالك وقال الجمهور لا يسهم له بل يرضخ روى ابو داود من طريق مكحول ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للنساء والصبيان والخيل وهذا مرسل لو صح فلعل المراد بقوله أسهم اعطى لهم شيئا وهو الرضخ.
(مسئلة) اختلفوا في العقار التي استولى عليها المسلمون عنوة فقال الشافعي يجب ان يقسمها الامام بين الغانمين بعد التخميس كالمنقول كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر وهى رواية عن احمد لعموم هذه الآية الا ان يطيب انفس الغانمين ويسقطوا حقوقهم فحينئذ يوقفها على المسلمين كما فعل عمر بسواد العراق وقال مالك ليس للامام ان يقسمها بل يصير بنفس الظهور عليها وقفا وهى رواية ثانية عن احمد وقال احمد وهى رواية عن مالك ان الامام مخير بين ان يقسمها على الغانمين بعد التخميس لله وبين ايقافها على جماعة المسلمين وقال ابو حنيفة الامام مخير بين قسمتها بين الغانمين بعد التخميس لله وبين اقرار أهلها بالخراج وبين ان يصرفها عنهم
89
الى قوم آخرين يضرب عليهم الخراج وليس له ان يقفها والحجة لاحمد حديث سهل بن حشمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر نصفين نصف لنوائبه وحاجته ونصف بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما رواه ابن الجوزي وروى الطحاوي عن ابن عباس قال اعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم وعن ابن عمر انه صلى الله عليه وآله وسلّم عامل اهل خيبر بشطر ما يخرج من الزرع وعن جابر قال ما أفاء الله خيبر فاقرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كما كانوا وجعل بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة عليهم ثم قال الطحاوي فثبت بذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يكن قسم خيبر بكمالها لكنه قسم طائفة منها وترك طائفة فلم يقسمها قلت قد ذكرنا في سورة الفتح في قصة فتح خيبر قول ابن إسحاق كانت المقاسم على اموال خيبر على الشق والنطاة والكثيبة كانت الكثيبة في الخمس والشق والنطاة أسهم الغزاة ثمانية عشر سهما النطاة خمسة أسهم والشق ثلثة عشر والوطيح والسلاليم كانت لنوائب المسلمين عامله فيها اليهود بالنصف وكان ابن رواحة يأتيهم كل سنة فيخرصهم فاجلاهم عمر لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم نقركم على ذلك ما شئنا قلت قد جرى الخلاف بين الصحابة في خلافة عمر حين افتتح العراق قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى غير واحد من علماء المدينة قال لما قدم على عمر جيش العراق من قبل سعد بن ابى وقاص شاور اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلّم في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين من ارض العراق والشام فتكلم قوم فيها وأرادوا ان يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا فقال عمر فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد قسمت وورثت عن الآباء وحيزت ما هذا برأي فقال عبد الرحمن بن عوف فما الرأي بالأرض والعلوج الا مما أفاء الله عليهم فقال عمر ما هو الا كما تقول ولست ارى ذلك والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى ان يكون كلا على المسلمين فاذا قسمت ارض العراق بعلوجها وارض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره وان اهل الشام والعراق أكثروا على عمر قالوا تقف ما أفاء الله علينا
90
بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا ولابناء قوم ولابناء أبنائهم ولم يحضروا فكان لا يزيد على ان يقول هذا رأي قالوا فاستشر قال فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا فاما عبد الرحمن بن عوف فكان رأيه ان يقسم لهم حقوقهم ورأى عثمان وعليّ وطلحة رأى عمر رضى الله عنهم أجمعين فارسل الى عشرة من الأنصار خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم واشرافهم فلما اجتمعوا حمد الله واثنى عليه بما هو اهله ومستحقه ثم قال انى لم أزعجكم الا لان تشركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم فانى واحد كاحدكم وأنتم اليوم تقرون الحق خالفنى من خالفنى ووافقنى من وافقنى ولست أريد ان تتبعوا الذي هو هواى معكم من الله كتاب ينطق بالحق فو الله لئن كنت نطقت بامر أريده ما أردت به الا الحق قالوا قد نسمع يا امير المؤمنين قال قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا انى اظلّمهم حقوقهم وانى أعوذ بالله ان اركب ظلما لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم وأعطيته غيرهم
لقد شقيت ولكن رايت انه لم يبق شيء يفتح بعد ارض كسرى وقد غنمنا الله أموالهم وأرضيهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا أورثه بين اهله وأخرجت الخمس ووجهته على وجهه وانا في توجيهه ورايت ان احبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فيكون شيئا للمسلمين للمقاتلة والذرية ولمن يأتي بعدهم ارايتم هذه الثغور بدلها من رجال يلزمونها ارايتم هذه المدن العظام والشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر بد من ان تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم فمن اين يعطى هولاء إذا قسمت الأرضين والعلوج فقالوا جميعا الرأى رأيك فنعم ما قلت وما رايت ان لم يشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال ويجرى عليهم ما يقوون به رجع اهل الكفر الى مدنهم فقال قد بان لى الأمر فمن رجل له جزالة وعقل يضع الأرض مواضعها ويضع على العلوج ما يحتملون فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف وقالوا له تبعثه الى أهم ذلك فان له بصرا وعقلا وتجربة فاسرع اليه عمر فولاه مساحة ارض السواد فادت جباية سواد الكوفة قبل ان يموت عمر بعام مائة الف الف والدرهم كانت يومئذ وزن المثقال قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن إسحاق عن
91
الزهري ان عمر بن الخطاب استشار الناس في السواد حين افتتح فراى عامتهم ان يقسم وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك وكان راى عمران يتركه ولا يقسمه قال اللهم اكفنى بلا لا ومكثوا في ذلك يومين او ثلثا او دون ذلك ثم قال عمر اني قد وجدت حجة قال الله عز وجل في كتابه ما أفاء الله على رسوله منهم الى قوله والذين جاؤا من بعدهم الآيات من سورة الحشر قال فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم فقد صار هذا الفيء على هؤلاء جميعا فكيف تقسم هؤلاء وتدع من يخلف بغير قسم فاجمع على تركه وجمع خراجه قال ابو يوسف وحدثنى الليث بن الليث بن سعد عن حبيب بن ابى ثابت ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب ان يقسم الشام كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وانه كان أشد الناس في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح فقال عمر اذن اترك من بعدكم من المسلمين لهم ثم قال اللهم اكفنى بلالا وأصحابه قال ورأى المسلمون ان الطاعون الذي أصابهم لعمواس كان من دعوة عمر قال وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج الى المسلمين قلت فثبت انعقاد الإجماع على جواز ترك الأرض في أيدي أهلها يؤدون الخراج فان قيل كيف يجوز نسخ الاية بالإجماع والإجماع لا يكون ناسخا ولا منسوخا وما استدل به عمر من قوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى ليس بحجة لانه فيما قال الله تعالى ما او جفتم عليه من خيل ولا ركاب وكلا منا فيما اوجف عليه المسلمون خيلا وركابا قلنا امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع على الضلالة فاجماعهم على هذا يدل على ان قوله تعالى ما غنمتم من شيء ليس على عمومه كيف وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصفي وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلب للقاتل ولم يخمس السلب وجاز ان يعلف العسكر في دار الحرب ويأكلوا ما وجدوه من الطعام عن محمد ابن ابى المجالد عن عبد الله بن ابى اوفى قال قلت هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيئ فياخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف وعن ابن عمران جيشا غنموا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما وعسلا فلم يوخذ منهم الخمس وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض اصحاب النبي
92
صلى الله عليه وآله وسلم قال كنا ناكل الجزور في الغزو ولا نقسمه حتى كنا لنرجع الى رجالنا وأخرجتنا منه مملوة روى الأحاديث الثلاثة ابو داود.
(فائدة) حمل اصحاب الشافعي ما فعل عمر في سواد العراق والشام على انه وقف الأرض برضاء الغانمين وإسقاطهم حقوق أنفسهم قلنا لو كان كذلك لاخرج منها اولا خمس الله تعالى إذ ليس الخمس للامام ولا للغانمين ولا يسقط باسقاطهم وايضا وضع عمر على جريب الكرم شيئا معلوما وعلى جريب الحنطة شيئا معلوما فلا يجوز ان يكون الأرض مملوكة للمسلمين موقوفة والا يلزم بيع المعدوم وبيع ما ليس عندك بل يظهر بهذا ان الأرض مملوكة للكافرين وضع عليهم خراج الأرض كما وضع عليهم الجزية وهم أحرار ولا يجوز ان يكونوا عبيدا للمسلمين ويكون الجزية ضريبة للمسلمين عليهم بعلة الملك لانه اهل نسائهم ومشايخهم وصبيانهم وان كانوا قادرين على الاكتساب اكثر مما يقدر عليه بعض الرجال البالغين فظهر انه ليس بعلة الملك على وجه الضريبة والله اعلم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وما عطف على بالله أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الملئكة والنصر والآيات المعجزة منها ان الله تعالى تحقق ما وعدهم احدى الطائفتين وانه أخبرهم بميلهم الى العير دون الجيش وانه جاء المطر بحيث كان للمسلمين نعمة وعلى الكافرين نقمة وان امر الله تعالى بالملائكة حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا اقدم حيزوم ورأوا الرؤوس تتساقط من الكواهل من غير قطع واثر سياط في ابى جهل وانه رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشركين بالحصباء حتى عميت أبصار الكفار أجمعين وانه قلل المشركين في أعين المسلمين لتشجيعهم وانه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى مصارع المشركين هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فرأى المسلمين ذلك على ما أشار وانه تعالى حقق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بعقبة بن ابى معيط ان وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اخبر عمه العباس بما استودع أم الفضل فزالت شبهة العباس في نبوته وان الله تعالى تحقق وعده للمؤمنين بقوله ان يعلم في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا مما أخذ منكم فاعطى العباس بدل عشرين اوقية عشرين غلاما
93
يتجرون بماله وان الله سبحانه اطلع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ايتمار عمير بن وهب وصفوان ابن امية بمكة على قتله فعصم الله وجعله سببا لاسلام عمير بن وهب وعاد داعيا الى الإسلام ومنها انقلاب العرجون سيفا روى ابن سعد عن زيد بن اسلم ويزيد بن رومان وغيرهما والبيهقي وابن عساكر عن عمران عكاشة بن محصن قاتل يوم بدر بسيفه حتى انقطع فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعطاه جزلا من حطب وقال قاتل بهذا يا عكاشه فلما اخذه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزه فكان سيفا في يده طويل القامة مديد المتن ابيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العيون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قتل في ايام الورد قتله طلحة بن خويد الأسدي وروى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بنى عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن اسلم بن الحرش يوم بدر فبقى اعزل لا سلاح معه فاعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضيبا كان في يده من عراجين نخل بنى طابة فقال اضرب به فاذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر ابى عبيدة ومنها ما روى البيهقي انه ضرب جيب بن عدى يوم بدر فمال شقه فتفل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولامه ورده فانطبق ومنها ما روى البيهقي عن قتادة ابن النعمان انه أصيب عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فارادوا ان يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا فدعاه به فغمز حدقته براحته فكان لا يدرى اى عينه أصيب ومنها ما روى البيهقي عن رفاعة بن رافع قال لما كان يوم بدر رميت بسهم فقئت عينى فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا لى فما آذاني منها شيء ومنها ما روى ابن سعد من طريق إسحاق عن عبد الله بن نوفل عن أبيه قال اسر نوفل يوم بدر فقال
له النبي صلى الله عليه وآله وسلم افد نفسك برماحك التي بجدة قال والله ما علم أحد ليعلم ان لى بجدة رماحا بعد الله غيرى اشهد انك رسول الله ففدى نفسه بها وكانت الف رمح يَوْمَ الْفُرْقانِ اى يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل حيث أعز الله الإسلام ودفع الكفر واهله يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ حزب الله
94
وحزب الشيطان وكان يوم الجمعة بسبع عشرة مضت من رمضان بعد ستة عشر شهرا من الهجرة وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣١) إِذْ أَنْتُمْ بدل من يوم الفرقان يعنى إذ كنتم ايها المسلمون نازلين بِالْعُدْوَةِ اى شط الوادي الدُّنْيا تأنيث الأدنى يعنى العدوة الشامية القريبة الى المدينة وَهُمْ يعنى المشركين بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى تأنيث الأقصى وكان قياسه قصببا بقلب الواو ياء كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو اكثر استعمالا من القصيا يعنى العدوة اليمانية البعيدة من المدينة قرأ ابن كثير وابو عمرو بكسر العين فيهما والباقون بضمها فيهما وهما لغتان وَالرَّكْبُ يعنى العير يريد أبا سفيان وأصحابه أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى في موضع أسفل منكم الى ساحل البحر على ثلثة أميال من بدر منصوب على الظرف مرفوع المحل على انه خبر مبتدأ والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة وتوطين نفوسهم على ان لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شان المسلمين واستبعاد غلبتهم عادة ولذا ذكر مركز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوح فيها الأرجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وَلَوْ تَواعَدْتُمْ ايها المؤمنون أنتم مع الكفار الاجتماع للقتال ثم علمتم قلتكم وكثرة عدوكم وقوتهم لَاخْتَلَفْتُمْ أنتم فِي الْمِيعادِ هيبة عنهم ويأسا من الظفر عليهم وَلكِنْ الله تعالى جمعكم من غير ميعاد حيث خرجتم للعير وخرج الكفار ليمنعوا عيرهم فالتقوا على غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ اى صار مَفْعُولًا ٥ من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه وقوله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من ليقضى الله او متعلق بقوله مفعولا والمعنى ليموت من مات منهم عن بينة راها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه ويعيش من عاش منهم عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فان وقعة بدر من الآيات الواضحات وقال محمد بن إسحاق معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ويومن من أمن على مثل ذلك استعارة للهلاك
95
والحيوة للكفر والإسلام يعنى من لهذا حاله في علم الله وقضائه قرأ ابن كثير برواية البزي ونافع وابو بكر ويعقوب حيى بفك الإدغام حملا على المستقبل وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٢) بكفر من كفر وعقابه وايمان من أمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الامرين على القول والاعتقاد.
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا مقدر با ذكر او بدل ثان من يوم الفرقان او متعلق بعليم اى يعلم المصالح ان يقللهم في عينك في رؤياك حتى تخير به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لاصحابه يوم بدر في أول الأمر لا تقاتلوا حتى او ذنكم وان كثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيف حتى يغشوكم فنام في العريش نومة فقال ابو بكر يا رسول الله قد دنا القوم وقد مالوا منا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أراه الله عز وجل إياهم في منامه قليلا فاخبر بذلك أصحابه وروى ابن إسحاق وابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبرئيل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع قال الحسن معنى في منامك في عينك لان العين موضع النومة وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ لجبنتم وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ امر القتال وتفرقت آرائكم في الثبات والفرار وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ اى سلمكم عن المخالفة والفشل إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٣) يعلم ما يكون فيها وما يتغيرا حوالها وقال ابن عباس علم ما في صدوركم من الحب لله.
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا قال ابن مسعود لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل الى جنبى أتراهم تسعين قال أراهم مائة فاسرنا رجلا منهم فقلناكم كنتم قال الفا وَيُقَلِّلُكُمْ يا معشر المؤمنين فِي أَعْيُنِهِمْ كيلا يهربوا قال ابو جهل ان محمدا وأصحابه أكلة جزور روى ابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا واربطوهم في الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة قال وذلك قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياهم مثليهم رأى العين كما في ال عمران لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا
كرره لاختلاف الفعل المعلل به او لان المراد بالأمر ثمه الالتقاء على الوجه المحكي وهاهنا إعزاز الإسلام واهله وإذلال الشرك وحزبه وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٣٤) يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ للمحاربة فِئَةً يعنى جماعة كافرة ولم يصفها اشعار ابان المؤمنين لا يقاتلون الا الكفار فَاثْبُتُوا لقاتلهم فان الفرار من الزحف كبيرة كما ورد في الصحاح من الأحاديث وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً داعين له بالنصر مستظهرين بذكره مترقبين لنصره لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) تظفرون بمرادكم من النصر والمثوبة وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شيء عن ذكر الله وان يلتجى اليه عند الشدائد ويقبل عليه بشر أشره فارغ البال واثقا بان لطفه لا ينفك عن عبده المؤمن في شيء من الأحوال.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قتال أعدائه وإعزاز دينه وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم يوم بدر في أول الأمر ويوم أحد فَتَفْشَلُوا اى تجبنوا منصوب بإضمار ان جواب للنهى وقيل عطف عليه ولذلك قرئ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ الجزم والريح استعير للدولة ونفاذ الأمر وجريانه على المراد وكذا قال الأخفش كانها في تمشى أمرها ونفاذه مشبهة بالريح في هبوبها ونفوذها وقال السدى جرأتكم وقال مقاتل حدتكم وقال النصر بن شميل قوتكم وقال قتادة وابن زيد المراد به الحقيقة قالا لم يكن النصر قط الا بريح يبعثها الله يصرف وجوه العدو وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى زيد ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور متفق عليه من حديث ابن عباس وعن النعمان بن مقرن قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر رواه ابن ابى شيبة وَاصْبِرُوا على الموت والجراح إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٣٦) بالنصر والاثابة روى البخاري في صحيحه عن سالم ابى النصر مولى عمرو بن عبد الله وكان كاتبا له قال كتب عبد الله بن ابى اوفى كتابا فقراته ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال يا ايها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فاذا لقيتم فاصبروا واعلموا ان الجنة تحت
ظلال السيوف ثم قال اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ولما امر الله سبحانه بالجهاد والصبر عليه امر بإخلاص النية إذ لا عبرة بالأعمال الا بالنيات عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم رواه مسلم وفي الصحيحين في حديث ابن عباس قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهاد ونية فقال عز وجل.
وَلا تَكُونُوا في المجاهدة والقتال كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى اهل مكة حين خرجوا منها الحماية العير بَطَراً اى فخرا او أشرا قال الزجّاج البطر الطغيان في النعمة وترك شكرها قيل البطر ان يشغله سكر النعمة عن شكرها وَرِئاءَ النَّاسِ وهو اظهار الجميل ليرى وابطان القبيح يعنى خرجوا متكبرين بكثرة العدد والمال ورياء الناس ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة ويعترفوا لعظمتهم وَيَصُدُّونَ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الايمان به وبرسوله وذلك انه لما راى ابو سفيان انه احرز عيره أرسل الى قريش انكم خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجاها الله فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القينان ويسمع بها العرب ولا يزالون يهابوننا ابدا فوافوها فسقوا كاس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القينان فنهى الله سبحانه ان يكون المؤمنين مثلهم بطرين مرائين وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصر دينه وموارزة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٤) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مقدر باذكر أَعْمالَهُمْ يعنى عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارادة قتله وقتاله وقد ذكرنا في القصة حضور الشيطان عند قريش في دار الندوة وحين أرادوا المسير فذكرت التي بينهم وبين بنى بكر من الحرب جاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وَقالَ لهم لا غالِبَ لَكُمُ ولكم خبر لا يعنى لا غالب كائن لكم وليس صلته والا انتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندك الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ لكثرة عددكم وما لكم وأوهمهم ان ما يفعلون قربات مجيرة لهم حتى قالوا اللهم انصر اهدى الفئتين وأفضل الدينين وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ من كنانة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ
98
المسلمون والمشركون وراى إبليس الملئكة نزلوا من السماء وعلم انه لا طاقة له بهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ولى مدبرا هاربا روى الطبراني عن رفاعة بن رافع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بألف وكان جبرئيل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صوره رجال من بنى مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم من الناس واقبل جبرئيل الى إبليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبر او شيعته فقال الرجل يا سراقة الست تزعم انك جار لنا وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٥) فذلك حين رأى الملئكة فتشبث به الحارث بن هشام واسلم بعد ذلك وهو يزعم انه سراقة لما سمع كلامه فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث وانطلق إبليس لا يلوى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال يا رب وعدك الذي وعدتني اللهم انى اسألك نظرتك إياي وخاف اى يخلص اليه القتل فقال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة فانهم قد عجلوا فو اللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه بالجبال ولا الفين رجلا منكم قتل رجلا منهم ولكن خذوهم أخذا نعرفهم سوء صنيعهم ويروى انهم راوا سراقة بمكة بعد ذلك فقالوا له يا سراقة اخرمت الصف وأوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت شيئا من أمركم حتى كانت هزيمتكم وما شهدت وعلمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فيه فعلموا انه كان إبليس تمثل لهم قال البغوي قال قتادة قال إبليس انى ارى ما لا ترون وصدق وقال انى أخاف الله وكذب والله ما به مخافة الله ولكن علم انه لا قوة به ولا منعة فاوردهم وأسلمهم وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم وقال عطاء معناه انى أخاف الله ان يهلكنى فيمن يهلك وقال الكلبي خاف ان يأخذه جبرئيل ويعرفهم حاله فلا يطيعوه وقيل انى أخاف الله اى اعلم صدق وعده لاوليائه لانه كان على ثقة من
99
امر الله وقيل معناه أخاف الله عليكم والله شديد العقاب وقيل انقطع الكلام عند قوله انى أخاف الله ثم قال الله شديد العقاب عن طلحة بن عبيد الله بن كربز رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ما رأى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا ادحر ولا احقر ولا اغيظ منه يوم عرفة وما ذلك الا لما يرى من تنزل رحمة الله وتجاوز الله عن الذنوب العظام الا ما كان يوم بدر فقيل وما راى من يوم بدر قال اما انه قد راى جبرئيل عليه السلام وهو يزع الملئكة رواه مالك مرسلا والبغوي في شرح السنة والمصابيح والمعالم واذكر.
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ بالمدينة حين خرج المسلمون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر وسمعوا خروج ابى جهل وغيره في زهاء الف لقتالهم اغتروا بدينهم حيث خرجوا لمقاتلة من لا يدلهم بهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الذين لم يطمئنوا الى الايمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة وقيل هم المشركون وقيل المنافقون والعطف لتغائر الوصفين وقال البغوي هؤلاء يعنى الذين في قلوبهم مرض قوم كانوا بمكة مستضعفين قد اسلموا وحبسهم اقربائهم عن الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر أخرجوهم كرها فلما نظروا الى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا غَرَّ هؤُلاءِ يعنى المؤمنين دِينُهُمْ فقتلوا جميعا منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وابو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان والحرث بن زمعة بن الأسود بن المطلب وعلى بن امية بن خلف الحجمى والعاص بن منبه بن الحجاج وروى الطبراني عن ابى هريرة بسند ضعيف انه قال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين غر هؤلاء دينهم فقال الله سبحانه جوابا لهم وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يذلّ من استجار به وان قل حَكِيمٌ (٤٩) يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه ففعل بالكفار ما لم يكونوا يحتسبون ولما ذكر الله سبحانه سوء عاقبة الكفار في الدنيا بالقتل والهزيمة اردفه بما صنع بهم بعد الموت فقال.
وَلَوْ تَرى يا محمد يعنى ولو رأيت فان لو نقيضه ان تجعل المضارع ماضيا إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ببدر وغير ذلك ظرف لترى والمفعول محذوف يعنى ولو ترى الكفرة او حالهم حين يتوفهم الْمَلائِكَةُ فاعل يتوفى يدل عليه قرأة ابن عامر تتوفى بالتاء وجاز على قرأة الجمهور ان يكون فاعل يتوفى
ضمير الله تعالى والملئكة مبتدأ خبره يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ والجملة حال من الذين كفروا واستغنى فيه بالضمير عن الواو وهو على الاول حال منهم او من الملئكة او منها لاشتماله على الضميرين وَأَدْبارَهُمْ ظهورهم بسياط النار ومقامع من حديد أراد تعميم الضرب اى يضربون ما اقبل منهم وما أدبر وقال سعيد بن جبير ومجاهد يريد بادبارهم أستاههم ولكن الله حيى يكنى وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) عطف على يضربون بإضمار القول اى يقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب النار المؤبدة فعلى هذا بيان لعذابهم في عالم البرزخ وقال ابن عباس كان المشركون ببدر إذا اقبلوا بوجوههم الى المسلمين ضربت الملئكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدركتهم الملئكة وضربوا ادبارهم فقتلوا من قتل منهم وكانت تقول الملئكة ذوقوا عذاب الحريق قيل كان مع الملئكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم فذلك قوله تعالى ذوقوا عذاب الحريق وقال ابن عباس يقولون لهم ذلك بعد الموت وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فزيعا مهولا.
ذلِكَ الذي وقع لكم في الدنيا والاخرة كائن بِما اى بسبب ما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى كسبتم من الكفر والمعاصي عبر باليدين لان عامة الافعال يزاول بهما وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) عطف على ما كسبت للدلالة على ان سببية مقيدة بانضمامه اليه إذ لولاه لامكن ان يعذبهم بغير ذنوبهم لا ان لا يعذبهم بذنوبهم فان ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا بل هو رحمة ومغفرة فلا ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام للتكثير لاجل العبيد وهذا بقية كلام الملئكة للكفار.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ خبر مبتدأ محذوف يعنى دآب هؤلاء الكفار يعنى عملهم وطريقهم الذي دابوا فيه اى داموا عليه كدأب ال فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير لدابهم فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بالعذاب بِذُنُوبِهِمْ كما أخذ هؤلاء إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) لا يغلبه شىء ولا يدفع عذابه شيء.
ذلِكَ الذي حل بهم بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ لَمْ يَكُ أصله يكون حذف الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه بالحروف اللينة تخفيفا مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ مبدلا إياها بالنعمة كما بدل
101
نعمته باهل مكة من الا من والرزق والعزة وكف اصحاب الفيل عنهم بالقتل والاسر يوم بدر حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ اى يبدلوا ما بهم من حال الى حال أسوأ منه كتغير قريش حالهم من اتباع دين إسماعيل وملة ابراهيم وصلة الرحم وسدانة البيت واطعام الضيف وسقاية الحاج بمعاداة الرسول صلى الله عليه واله وسلم من معه وصدهم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله والسعى في اراقة دماء من قال لا اله الا الله والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها الى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة قال اصحاب التاريخ ان كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى جد عبد مناف جد جد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن قبل كلاب كانوا على دين اسمعيل عليه السلام كابرا عن كابر وكان كل واحد منه ومن ابائه وصيا لابيه قائما مقامه في الرياسة بالوصية عن أبيه وموسوما بالخير والجود وما ظهرت عبادة الأصنام وتبديل دين ابراهيم عليه السلام في أولاد اسمعيل الا في زمن قصى بن كلاب وكان كعب بن لوى أول من جمع العروبة وكانت تجمع اليه قريش في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم ويعلمهم بانه ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا فحواى دعوته إذا قريش يبغى الحق خذلانا وكان قصى يصنع طعاما كثيرا للحاج ايام منى وعرفات وهذه هى الرمادة ويصنع حياضا من آدم فيسقى فيها من المياه التي بمكة ومنى وعرفات ويقال لها السقاية يجرى ذلك بامره في الجاهلية حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام على ذلك وأحدث قصى وقود النار بالمزدلفة حتى يريها من دفع من عرفة ولا يضل الطريق ولم يزل ذلك الوقود وكانت النار توقد بالمزدلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابى بكر وعمر وعثمان وأول من غير دين اسمعيل وعبد الأصنام وسيب السوائب عمرو بن لحى الخزاعي قال السدى نعمة الله محمد صلى الله عليه واله وسلم أنعم الله تعالى على قريش واهل مكة فكذبوه وكفروا به فنقله الله الى الأنصار وقيل لم يكن لاهل مكة وال فرعون حالة مرضية لكنهم تغيروا الحال المسخوطة الى أسخط منها فانهم كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام وبعد البعثة كذبوا الرسول وسعوا في قتله وصدوا عن سبيل الله فغيروا حالهم الى أسوأ مما كانوا عليه فغير الله نعمة الامهال بتعجيل العذاب
102
في الدنيا وليس السبب عدم تغيّر الله ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له وهو جرى عادة الله على تغييره نعمائه بالنقمات إذا غيروا حالهم وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقولون عَلِيمٌ (٥٣) بما يفعلون.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فيه زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أهلكنا بعضهم بالغرق وبعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالمسخ وبعضهم بالريح وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ كذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف لما كذبوا بايات ربهم وكرر الله سبحانه قوله كداب ال فرعون إلخ للتاكيد وقيل الاول بسببية الكفر والاخذ به والثاني بسببية التغير في النعمة بسبب تغيرهم ما بانفسهم او لان الاول الاخذ بالذنوب بلا بيان وهاهنا بين انه الهلاك والاستيصال ووَ كُلٌّ من الأولين والآخرين كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) أنفسهم بالكفر والمعاصي.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا أصروا على الكفر ورسخوا فيه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) احترز به عن الذين كفروا ثم أمنوا وحسن إسلامهم او هو اخبار عن قوم طبعوا على الكفر بانهم لا يؤمنون والفاء للعطف والتنبيه على ان تحقق المعطوف عليه يستدعى تحقق المعطوف يعنى الذين كفروا واستقر في علم الله تعالى كفرهم فهم لا يومنون وهذا عام يشتمل كل من يموت على الكفر واخرج ابو الشيخ عن سعيد بن جبير قال نزلت ان شر الدواب عند الله الذين كفروا الآية في ستة رهط من اليهود فيهم ابن التابوت وقوله تعالى.
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الذين كفروا اما بدل البعض للتخصيص بذمهم واما بدل الكل على رواية سعيد بن جبير والمعنى عاهدتهم وكلمة من لتضمن المعاهدة معنى الاخذ يعنى أخذت منهم العهد ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عاهدتهم وهم بنو قريظة كتب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ووادع فيه يهود وعاهدهم واشترط لهم وعليهم واقرهم على دينهم وأموالهم لما امتنعوا عن الإسلام كذا قال ابن إسحاق وذكر نسخة الكتاب نحو ورقتين ثم هم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأعانوا المشركين بالسلاح على قتال النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه
ثم قالوا نسينا واخطأنا فعاهدهم ثانيا فنقضوا العهد ومال الكفار على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف الى مكة فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) الله حيث يكفرون برسوله بعد ما عرفوه كما يعرفون أبناءهم وينقضون العهود منه كل مرة روى عبد بن حميد وابن جرير وابو نعيم انه قال لليهود معاذ بن جبل وبشر بن البرام وداود بن سلمة يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن اهل الشرك وتخبرون انه مبعوث وتصفون بصفته جعلهم الله تعالى شر الدواب لان شر الناس بل شر الخلائق الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرون الناكثون العهود فهم شر الدواب.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ تدركنهم فِي الْحَرْبِ ناسرتهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ اصل التشريد التفريق على اضطراب قال ابن عباس معناه فنكل بهم من ورائهم يعنى افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك فعلا من القتل والتنكيل تفرق منك ويخافك من خلفهم من اهل مكة واليمن يقال شردت بفلان اى فعلت به فعلا شرد غيره ان يفعل فعله ومن هاهنا لما أمكن الله تعالى رسوله صلى الله عليه واله وسلم على بنى قريظه قتل رجالهم كل من أنبت وسبى نسائهم وذراريهم وقسم أموالهم روى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه لَعَلَّهُمْ اى لعل من خلفهم يَذَّكَّرُونَ (٥٧) يتذكرون ويتعظون فلا ينقضون العهد.
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين خِيانَةً اى نقض عهد يظهر لك منهم اثار الغدر فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ اى اطرح إليهم عهدهم عَلى سَواءٍ اى على عدل وطريق قصد او على سواء منك وهم في العلم بنقض العهد يعنى أعلمهم قبل الحرب انك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى لا يكون خيانة منك روى ابو الشيخ عن ابن شهاب قال دخل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فان الله قد اذن لك في قريظة وانزل فيهم واما تخافن من قوم خيانة الاية قلت وذلك بعد غزوة الأحزاب وقال الحافظ محمد يوسف الصالحي في سبيل الرشاد كانت قينقاع أول
يهود نقضوا العهد وأظهروا البغي والحسد وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من العهد فبينما هم على ما هم من اظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب يجلب لها قناعها بسوق بنى قينقاع وجلست الى صائغ بها لحلى فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من ورائها فخله بشوكة وهى لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ونبذوا العهد واستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود وغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع وانزل الله سبحانه واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين فقال صلى الله عليه واله وسلم انما أخاف من بنى قينقاع فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بهذه الاية وحمل لواه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار خمسة عشر ليلة حتى قذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على ان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أموالهم وان لهم النساء والذرية وأمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث فاخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صفيه والخمس وقسم اربعة أخماسه على أصحابه وكان أول خمس بعد بدر إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٩) روى البغوي بسنده عن رجل من حمير قال كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس وهو يقول الله اكبر الله اكبر وفاء لا غدر فاذا عمرو بن عنبسة فارسل اليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقده ولا يحلها حتى ينقضى أمدها او ينبذ إليهم عهدهم على سواء فرجع معاوية.
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا قرأ حفص وابن عامر وحمزة لا يحسبن بالياء التحتانية على ان الفاعل الموصول والمفعول الاول أنفسهم فحذف للتكرار أو الفاعل ضمير من خلفهم وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب ومفعولاه الذين كفروا سبقوا يعنى لا تحسبنهم سابقين فائتين من عذابنا قال البغوي
نزلت الاية في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) قرأ ابن عامر بفتح الالف والمعنى لانهم لا يعجزون وقيل لا زائدة والمعنى لا يحسبن الذين كفروا انهم يعجزون وسبقوا حينئذ حال بمعنى سابقين اى مفلتين وقرأ الجمهور بكسر الالف على الابتداء.
وَأَعِدُّوا ايها المؤمنون لَهُمْ اى لنا قضى العهد او للكفار مَا اسْتَطَعْتُمْ إعدادها والاعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة مِنْ قُوَّةٍ اى أسباب وآلات واعمال يقويكم على حربهم من الخيل والسلاح والمصارعة ونحو ذلك واللهو بالرمي والبندقة وغير ذلك ومنه جمع المال عدة للجهاد وقيل هى الحصون عن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو على المنبر يقول واعدوا لهم ما استطعتم من قوة الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي رواه مسلم وعنه قال ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم ان يلهو باسهمه رواه مسلم وعن ابى نجيح السلمى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر رواه النسائي وروى ابو داود الفصل الاول وروى الترمذي الفصل الثاني وزاد من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة وروى البيهقي في شعب الايمان الفصول الثلاثة غير انه قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من علم الرمي ثم تركها فليس منا او قد عصى رواه مسلم وعن ابى أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل رواه البخاري وعن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ان الله تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر في الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وان ترموا أحب الى من ان تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه بفرسه وملاعبته امرأته فانهن من الحق رواه الترمذي وابن ماجة وزاد ابو داود والدارمي ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فانه نعمة تركها او قال كفرها وفي رواية للبغوى ان الله يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلثة صانعه
106
والممد به والرامي به في سبيل الله وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعنى ربط الخيل واقتناءها للغزو فهو مصدر سمى به قال البيضاوي هو اسم للخيل الذي يربط في سبيل الله مصدر سمى به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا او فعال بمعنى مفعول او جمع ربيط كفصيل وفصال وعطفها على القوة كعطف جبرئيل وميكائيل على الملئكة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم البركة في نواصى الخيل متفق عليه وعن جرير بن عبد الله قال رايت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يلوى ناصية فرس بإصبعه وهو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة الاجر والغنيمة رواه مسلم ورواه البغوي من طريق البخاري من حديث عروة البارقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من احتبس فرسا في سبيل الله ايمانا بالله وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة رواه البخاري وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال الخيل ثلثة هى لرجل وزر ولرجل ستر ولرجل اجر فأما التي هى له وزر فرجل ربطها رياء وفخر او نواء على اهل الإسلام فهى له وزر وأما التي هى له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا في رقابها فهى له ستر واما التي هى له اجر فرجل ربطها في سبيل الله لاهل الإسلام في مرج «١» وروضة فما أكلت من ذلك المرج او الروضة من شيء الا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا يقطع طولها «٢» فاستنت «٣» شرفا او شرفين الا كتب له عدد اثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على هر فشربت منه ويريد ان يسقيها الا كتب الله له عدد ما شربت حسنات رواه مسلم وفي رواية بلغوى في الصنف الثاني رجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس
حق الله في رقابها ولا ظهورها فهى لذلك ستر وعن ابى وهب الجشمي قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ارتبطوا الخيل وامسحوا لنواصيها واعجازها او قال اكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار رواه ابو داود والنسائي تُرْهِبُونَ بِهِ اى تخوفون به وعن يعقوب ترهبون
(١) المرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيه الدواب اى يخلى تسرح مختلطة واصل المرج الاختلاط ١٢ نهاية
(٢) الطول الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في الوتد او غيره والطرف الاخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب بوجهه ١٢
(٣) أسنتت شرفا او شرفين اى عدت شوطا او شوطين واشرف العلو وإمكان المرتفع ١٢
107
بالتشديد والضمير لما استطعتم او للاعداد عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ الاضافة للعهد يعنى كفار مكة وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ اى من غير اهل مكة من الكفار وقال مجاهد ومقاتل هم بنو قريظة وقال السدى هم اهل فارس وقال ابن زيد والحسن هم المنافقون لا تَعْلَمُونَهُمُ لانهم معكم يقولون لا اله الا الله وقيل هم كفار الجن أخرجه ابو الشيخ من طريق ابى المهدى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخرج الطبراني مثله من حديث يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده مرفوعا اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يوفر لكم جزاؤه وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) لا ينقص أجوركم عن زيد بن خالد ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من جهز غازيا فقد غزا ومن خلف في اهله فقد غزا متفق عليه وعن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لك بها يوم القيمة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم وعن انس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم والسنتكم رواه ابو داود والنسائي والدارمي وعن خزيم بن فاتك قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أنفق في سبيل الله كتب له بسبعمائة ضعف رواه الترمذي والنسائي وعن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال للغازى اجره وللجاعل اجره واجر الغازي رواه ابو داود وعن علىّ وابى الدرداء وابى هريرة وابى امامة وعبد الله بن عمرو وجابر ابن عبد الله وعمران بن حصين رضى الله عنهم أجمعين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال من أرسل نفقة في سبيل الله واقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة دراهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة الف درهم ثم تلا هذه الاية وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ رواه ابن ماجة وعن عبد الرحمن ابن حباب قال شهدت النبي صلى الله عليه واله وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال يا رسول الله علىّ مائة بعير باحلاسها «١» وأقتابها «٢» في سبيل الله ثم حضّ على الجيش فقال
(١) يعنى الاكسية التي تلى ظهر البعير ١٢
(٢) القتب للجمل كالاكاف لغيره ١٢-
108
عثمان فقال علىّ مأتا بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله فانا رايت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذا ما على عثمان ما عمل بعد هذا رواه الترمذي وعن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى النبي صلى الله عليه واله وسلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة نشرها في حجره فرأيت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقلبها في حجره ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين رواه احمد.
وَإِنْ جَنَحُوا اى مالوا يعنى الكفار ومنه الجناح ويعدى باللام والى لِلسَّلْمِ اى للصلح قرأ ابو بكر بكسر السين والباقون بالفتح فَاجْنَحْ لَها اى مل إليها وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضه وهى الحرب قال الحسن وقتادة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال البيضاوي الاية مخصوصة باهل الكتاب لا تصالها بقصتهم قلت لا وجه لتخصيصها باهل الكتاب ولا بالقول بكونها منسوخة بل الأمر للاباحة والصلح جائز مشروع ان رائ الامام فيه مصلحة وقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ليس على عمومه بل خص منه اهل الذمة وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ثق به ولا تخف من ابطانهم خداعا فيه فان الله يعصم من يتوكل عليه من مكر الأعداء ويحيفه بهم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (٦١) بنياتهم.
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بالصلح ليستعدوا لك او يغدروا او يمكروا بك في الصلح فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فحسبك الله وكافيك لدفع خداعهم هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) جميعا.
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بعد ما كان بين جماعة منهم اعنى الأوس والخزرج من العداوة والضغينة والشر والفساد كما ذكرنا في سورة ال عمران في تفسير قوله تعالى إذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يعنى كانت العداوة بينهم بمرتبة لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الالفة والإصلاح وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بقدرته البالغة
فان القلوب كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء إِنَّهُ عَزِيزٌ تام القدرة والغلبة لا يمكن تخلف مراده حَكِيمٌ (٦٣) يعلم انه كيف ينبغى ان يفعل ما يريده.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ كافيك وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٣) قال اكثر المفسرين محله الجر عطف على الكاف على مذهب الكوفيين او النصب على انه المفعول معه كقول الشاعر حسبك والضحاك سيف مهند والمعنى حسبك وحسب من اتبعك الله وهذا بعيد لفظا قريب معنى وقال بعض المفسرين محله الرفع عطفا على اسم الله تعالى يعنى حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين وهذا قريب لفظا بعيد معنى لكن يؤيده ما رواه ابن ابى حاتم بسند صحيح عن سعيد قال لما اسلم مع النبي صلى الله عليه واله وسلم ثلث وثلثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر نزلت هذه الاية واخرج ابو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال لما اسلم عمر انزل الله في إسلامه حسبك الله الآية واخرج الطبراني وغيره من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال اسلم مع النبي صلى الله عليه واله وسلم تسع وثلثون رجلا وامرأة ثم ان عمر اسلم فصاروا أربعين فنزل يايها النبي حسبك الله الاية وروى البزار بسند ضعيف من طريق عكرمة عن ابن عباس قال لما اسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم وانزل الله هذه الاية هذه الأحاديث تدل على ان الاية مكية وسياق الكلام يقتضى كونها مدنية فان السورة نزلت بعد غزوة بدر.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ اى بالغ في حثهم عليه واصل الحرض ان ينهكه المرض حتى يشرفه على الهلاك كان المبالغ في الحث على الأمر يجعل المأمور عاجزا مضطرا الى فعله كما يجعل المرض عاجزا مضطرا الى الهلاك إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ رجلا صابِرُونَ على القتال محتسبون يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من عدوهم ويقهروهم وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ قرأ ابو عمرو والكوفيون بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية مِائَةٌ صابرة محتسبة يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) يعنى ان المشركين يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب جاهلين بالله واليوم الاخر فلا يثبتون
إذا اصبرتم على القتال لطلب الثواب والدرجات العلى فانهم يخافون الموت وهذا خبر بمعنى الأمر بمصابرة الواحد في مقابلة العشرة ووعد بانهم ان صبروا غلبوا بعون الله وتائيده وكان هذا يوم بدر فرض الله تعالى على رجل واحد قتال عشرة من الكفار اخرج إسحاق ابن راهويه في مسنده عن ابن عباس قال لما افترض الله عليهم ان يقاتل الواحد عشرة ثقل ذلك عليهم وشق فوضع الله عنهم وانزل.
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً في البدن وقيل في البصيرة وكانوا متفاوتين فيها قرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد والباقون بالضم وهما لغتان وقرأ ابو جعفر ضعفاء بفتح العين والمد والباقون بسكون العين فَإِنْ يَكُنْ قرأ الكوفيون بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكفار وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ صابرة يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ اى بإرادته فرد الأمر من العشرة الى اثنين فان كان المسلمون على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم الفرار وقال سفيان قال شيرمة وارى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مثل هذا قيل كان فيهم قلة فامروا بقتال واحد مع العشرة ثم لما كثروا خفف الله عنهم وتكريرا لمعنى الواحد بذكر الاعداد المتناسبة للدلالة على ان حكم القليل والكثير واحد وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون ولم لا يصبرون روى احمد عن انس وابن مردويه عن ابى هريرة وابن ابى شيبة واحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني وغيرهم عن ابن مسعود وابن مردويه عن ابن عباس وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردويه وابو نعيم عن ابن عمرانه لما كان يوم بدر جيء بالأسرى وفيهم العباس رضى الله عنه اسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار ان يقتلوه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم أنم الليلة من أجل عمى العباس وقد زعمت الأنصار انهم قاتلوه فقال له عمر رضى الله عنه فأتيهم قال نعم فاتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا نرسله فقال لهم عمر فكان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم رضا قالوا فانكان لرسول الله
111
صلى الله عليه واله وسلم رضا فخذوه فاخذه عمر فلما صار عباس في يده قال له يا عباس اسلم فو الله لئن تسلم أحب الىّ من ان يسلم الخطاب وما ذاك الا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعجبه إسلامك وروى البخاري والبيهقي عن انس بن مالك ان رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه قال لا والله لا تذرن درهما فاستشار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال ما تقولون في هؤلاء الأسرى ان الله قد مكنكم منهم وانما هم إخوانكم فقال ابو بكر يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أهلك وقومك قد اعطاك الله الظفر ونصرك عليهم هولاء بنو العم والعشيرة والاخوان استبقهم وانى ارى ان تأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى ان يهديهم بك فيكونوا لك عضداء فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما ارى ما رأى ابو بكر ولكنى ارى ان تمكننى من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه حتى يعلم الله انه ليست في قلوبنا مودة للمشركين هؤلاء صناديد قريش وأئمتهم وقادتهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله ابن رواحة يا رسول الله انظروا ديا كثير الحطب فاضرمه عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع ما يقول قطعت رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم البيت فقال ناس يأخذ بقول ابى بكر وقال ناس يأخذ بقول عمرو قال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة ثم خرج فقال ان الله تعالى ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللبن وان الله ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملئكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة ومثلك في الأنبياء مثل ابراهيم قال من اتبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر في الملئكة مثل جبرئيل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على اعداء الله ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثلك في الأنبياء مثل موسى
112
إذ قال ربّنا اطمس على أموالهم
واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يرووا العذاب الأليم لو انفقتما ما خالفتكما أنتم عالة فلا يفلتن منهم أحد الا بفداء وبضرب عنق فقال عبد الله بن مسعود يا رسول الله الا سهل بن بيضاء فانه سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال فما رأيتنى في يوم أخاف ان يقع على الحجارة من السماء منى في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا سهل بن بيضاء فلما كان الغد غدا عمر الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما فان وجدت بكاء بكيت والا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن كان يصبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب اليم ولو نزل العذاب ما أفلت منه الا ابن الخطاب لقد عرض علىّ عذابكم ادلى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه فانزل الله تعالى.
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ «١» قرأ ابو جعفر وابو عمرو بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية لَهُ أَسْرى كذا قرأ الجمهور وقرأ ابو جعفر أسارى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ اى يكثر القتل ويوهن الكفار ويذل الكفر من أثخنه المرض أثقله فالمفعول محذوف اى يثخن الأسرى في الأرض قال في القاموس أثخن فلانا اى اى أوهنه وأثخن في العدو اى بالغ بالجراحة فيهم تُرِيدُونَ ايها المؤمنون عَرَضَ الدُّنْيا حطامها بأخذ الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ لكم ثواب الْآخِرَةَ بقتل المشركين ونصركم دين الله وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) قال ابن عباس كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم نسخ الله تعالى هذا الحكم بقوله فاما منا بعد واما فدآء فجعل لنبيه صلى الله عليه واله وسلم والمؤمنين في امر الأسارى خيار ان شاؤا قتلوهم وان شاؤا استعبدوهم وان شاؤا أفادوهم وان شاؤا اعتقوهم.
(١) قال القاضي ابو الفضل العياض رحمه الله في الشفاء ليس في قوله تعالى ما كان للنبى ان يكون له اسرى الا الزام ذنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل فيه بيان ما خص به وفضل من سائر الأنبياء فكانه هذا النبي غيرك كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أحلت لى الغنائم ولم يحل لنبى قبلى قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه الله خطاب لمن أراد ذلك منهم وتجرد غرضه الغرض الحيوة الدنيا ولاستكثار منها وليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عامة أصحابه بل قد روى عن الضحاك انهما نزلت حين انهزم المشركون يوم يدر واشتغل الناس بالسلم وجمع الغنائم عن القتل حتى خشى عمر ان يعطف عليهم العدو. ١٢
113
(مسئلة) اجمع العلماء على انه يجوز للامام في الأسارى القتل كما يدل عليه هذه الاية وكما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببني قريظة وقد قتل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صبرا النضر بن الحارث وطعيمة بن عدىّ وعقبة بن ابى معيط قال في سبيل الرشاد قال عقبة بن ابى معيط يا محمد من للصبية قال النار قتله ابن ابى الأفلح في قول ابن إسحاق وقال ابن هشام قتله على بن ابى طالب.
(مسئلة) ويجوز استرقاق الأسارى ايضا اجماعا لان فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لاهل الإسلام ومن هاهنا قال ابو حنيفة ليس لواحد من الغزاة ان يقتل أسيرا بنفسه لان الرأي فيه الى الامام ولكن لا يضمن بقتله شيئا.
(مسئلة) واختلف العلماء في المنّ على الأسارى يعنى إطلاقهم الى دار الحرب من غير شيء وفي الفداء بالمال وفي الفداء بأسير مسلم وفي تركهم ذمة لنا فقال مالك والشافعي واحمد والثوري وإسحاق وبه قال الحسن وعطاء يجوز المنّ والفداء بالمال وبالأسارى وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والأوزاعي وبه قال قتادة والضحاك والسدى وابن جريج لا يجوز المنّ أصلا وكذا الفداء بالمال لا يجوز على المشهور من مذهب أبي حنيفة وصاحبيه وفي السير الكبير انه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة وكذا المفادة بالأسارى لا يجوز على رواية من أبي حنيفة وبه قال صاحب القدورى والهداية واظهر الروايتين عنه ما قال صاحبا لا انه يجوز المفاداة بالأسارى واما تركهم أحرارا في دار الإسلام ذمة لنا فاجازه ابو حنيفة ومالك محتجين بما فعل عمر باهل العراق والشام وقال الشافعي واحمد لا يجوز ذلك لانهم ملكوا وجه قول أبي حنيفة في عدم المنّ والفداء ان ردهم الى دار الحرب اعانة للكفار فانهم يعودون حربا علينا فلا يجوز بالمال ولا بالأسير المسلم لان الأسير المسلم إذا بقي في أيديهم كان في حقه ابتلاء من الله تعالى غير مضاف إلينا والاعانة بدفع أسيرهم مضاف إلينا ووجه قوله الجمهور قول تعالى فاما منا بعد واما فداء قال ابو حنيفة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى فاما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم وقوله تعالى اقتلوا المشركين
114
حيث وجدتموهم وعند الجمهور قوله تعالى فاما منا بعد واما فداء غير منسوخ لما ذكرنا من قول ابن عباس انه لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم انزل الله تعالى فاما منا بعد الاية وقوله تعالى اقتلوا المشركين المراد به غير الأسارى للاجماع على جواز استرقاقهم وقد قال ابو حنيفة يجوز تركهم ذمة لنا اخرج مسلم في صحيحه وابو داود والترمذي عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين واخرج احمد ومسلم واصحاب السنن الاربعة عن سلمة بن الأكوع قال غزونا فزارة مع ابى بكر امرّه علينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا ابو بكر فعرسنا ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فانظر الى عنق من الناس فيهم الذراري فخشيت ان... يسبقونى الى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما راوا السهم وقفوا فجئت بهم اسوقهم وفيهم امرأة من بنى فزارة عليها قشع من آدم معها ابنة لها من احسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلنى ابنتها فقدمنا المدينة ما كشفت لها ثوبا فلقينى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لى المرأة فقلت يا رسول الله قد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت حتى إذا كان من الغد لقينى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت هى لك يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة وروى ابن إسحاق بسنده وابو داود من طريقه الى عائشة قالت لما بعث اهل مكة في فدآء أساراهم بعث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في فداء ابى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة رضى الله عنها أدخلتها بها على ابى العاص حين بنى عليها فلما رأى النبي صلى الله عليه واله وسلم ذلك رق لها رقة شديدة وقال لاصحابه ان رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا الذي لها فافعلوا ففعلوا ورواه الحاكم وصححه وزاد وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم قد أخذ عليها ان يخلى زينب اليه ففعل وذكر ابن إسحاق ان ممن منّ عليه رسول الله
115
صلى الله عليه واله وسلم المطلب بن حنطب اسره ابو أيوب الأنصاري فخلى سبيله وابو عزة الجمحي كان محتاجا ذا بنات فكلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فمن عليه وأخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا وامتدح رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم بأبيات ثم قدم مع المشركين في أحد فاسر فقال يا رسول الله أقلني فقال عليه السلام لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرتين ثم امر بضرب عنقه وذكر في سبيل الرشاد جعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم بدر فدأ الرجل اربعة آلاف الى ثلثة آلاف الى الفين الى الف ومنهم من منّ عليه لانه لا مال له وفي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه واله وسلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في هولاء لتركتهم له وعن ابى هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه واله وسلم خيلا قبل يمامة فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه في سارية من سوارى المسجد فخرج اليه النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتّى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة فقال كما قال بالأمس فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى ما قلت لك قال أطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه ابغض الىّ من وجهك... فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ والله ما كان دين ابغض اليّ من دينك فاصبح دينك أحب الأديان اليّ والله ما كان من بلد ابغض اليّ من بلدك فاصبح بلدك احبّ البلاد اليّ وان خيلك أخذتني وانا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وامره ان يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكنى أسلمت مع محمد صلى الله عليه واله وسلم لا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبي صلى الله عليه واله وسلم والله اعلم روى احمد عن انس حال ستشار النبي صلى الله عليه واله وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال ان الله
116
قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اضرب أعناقهم فاعرض عنه فقام ابو بكر فقال ترى ان تعفو عنهم وان تقبل منهم الفداء فعفى عنهم وقبل منهم الفداء فانزل الله تعالى.
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يعنى انه لا يضل اى لا ينسب الى الضلال ولا يعذبهم قوما بعد إذ هدهم حتى يبين لهم ما يتقون وانه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا قبل النهى كذا قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير في تفسير الاية واخرج الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لم يحل الغنائم لاحد سود الروس من قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتاكلها فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل ان يحل لهم فانزل الله تعالى لولا كتب من الله يعنى قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ انه يحل لكم الغنائم كذا قال ابن عباس وقيل معناه لولا حكم من الله سبق في اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطى في اجتهاده وكان هذا اجتهاد أمتهم بان نظروا في استبقائهم ربما كان سببا لاسلامهم كما وجد من كثير منهم وان فدآئهم يتقووا به على الجهاد وخفى عليهم ان قتلهم أعز للاسلام واهيب لمن ورائهم وقيل معناه لولا كتاب في اللوح المحفوظ انه لا يعذب اهل بدر «١» لَمَسَّكُمْ لنا لكم فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء بالاجتهاد وقبل ان تؤمروا به او من الغنائم قبل ان يحل «٢» لكم عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) قال ابن إسحاق لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر الا أحب الغنائم الا عمر بن الخطاب فانه أشار على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقتل الأسرى وسعيد بن معاذ قال يا نبى الله كان الإثخان في القتل احبّ الىّ من استبقاء الرجال فقال
(١) وقيل معنى الآية لولا ايمانكم بالقرآن وهو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح لعوقبتم ويزاد تفسير او بيانا بان يقال لولا ما كنتم مؤمنين بالقران ولولا كنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم كما عوقب من بعدي قبل فهذه التأويلات كلها ينفى المعصية لانه من فعل ما أحل له لم يعص الله ١٢.
(٢) قال القاضي بكر بن العلا اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله وسلم في هذه الاية ان تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم والفداء وقد كان قبل هذا فادوا فى سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضري بالحكم بن كهنان وصاحبه فما عتب الله ذلك عليهم وذلك قبل بدر بأزيد من عام فهذا كله يدل على ان فعل النبي صلى الله عليه واله وسلم في شان الأسرى كان على تاويل وبصيرة على ما تقدم قبل مثله فلم ينكره الله عليهم لكن الله تعالى أراد لعظم امر بدر وكثرة اسراهم والله اعلم اظهار نعمته وتأكيد منة بتقريعهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم لا على وجه انكار وعتاب وتذنيب هذا معنى كلامه كذا في الشفاء ١٢.
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ وروى ابن ابى شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن سعد وابن جرير وابن حبان والبيهقي عن على رضى الله عنه قال جاء جبرئيل الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد ان الله تعالى قد كره ما صنع قومك في أخذهم «١» فدآء الأسرى وقد أمرك ان تخيرهم بين أمرين اما ان يقدموا فيضرب أعناقهم وبين ان يأخذوا منهم الفداء على ان يقتل منهم عدتهم فدعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الناس فذكرهم ذلك فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ منهم الفداء فنتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس ذلك ما نكره قال البغوي روى انه لما نزلت الاية السابقة كف اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزل.
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ الفاء للتسبيب والسّبب محذوف تقديره ابحت لكم الغنائم فكلوا حَلالًا حال من المغنوم او صفة للمصدر اى أكلا حللا وفائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب المعاتبة ولذلك وصفه بقوله طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) أباح لكم ما أخذتم من الفداء والمغنم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضلت على الأنبياء بست وذكر فيه وأحلت لى الغنائم رواه الترمذي عن ابى هريرة وروى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضلت على الأنبياء يخس وفيه وأحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى والبيهقي عن ابى امامة بسند صحيح نحوه غير انه قال فضلت بأربع والطبراني عن ابى الدرداء نحوه وروى البغوي
(١) قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه الله انهم لم يفعلوا إلا ما اذن لهم لكن بعضهم مال الى أضعف الوجهين مما كان الأصح غيره من الإثخان والقتل فعوتبوا على ذلك يعنى ترك الاولى وبين لهم ضعف احسارهم وتصويب احسار غيرهم وكلهم غير عصاة والى نحو هذا أشار الطبري وقوله عليه السلام في هذه القصة لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه الا عمر اشارة الى هذا من تصويب رايه وراى من مثله يعنى هذه القصة أوجبت عذابا نجا منه عمر ومثله وعنى عمر لانه أول من أشار بقتلهم ولكن لا يقدر عليهم في ذلك عذابا بحله لهم فيما سبق قال الداودي والخبر بهذا لا يثبت ولو ثبت لما جاز ان يظن ان النبي صلى الله عليه واله وسلم حكم مما لا نص فيه ولا جعل الأمر الله وقد نزهه الله عن ذلك هذا الحديث دليل على نافلة ١٢.
118
عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم تحل الغنائم لاحد قبلنا وذلك بان الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا وقال البغوي روينا عن جابر ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبل والله اعلم ذكر البغوي ان العباس بن عبد المطلب اسر يوم بدر وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام اهل بدر فكان يوم بدر نوبته وكان خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الناس فاراد ان يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرين اوقية معه فاخذت معه في الحرب فكلم النبي صلى الله عليه واله وسلم ان يحتسب العشرين اوقية من فدآئه فابى وقال اما شى خرجت به تستعين فلا اتركه لك وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث فقال العباس يا محمد تركتنى اتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاين الذهب الذي دفعته الى أم الفضل وقت حروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى في وجهى هذا فان حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله ولعبيد الله والفضل وقثم يعنى بنيه الاربعة فقال له العباس وما يدريك قال أخبرني به ربى فقال العباس اشهد ان لا اله الا الله وانك عبده ورسوله ولم يطلع عليه أحد الا الله وروى ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي وابو نعيم وإسحاق بن راهويه والطبراني وابو الشيخ من طرق عن ابن عباس وابن إسحاق وابو نعيم عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اسر يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل فجعل عليهم الفداء أربعين اوقية من الذهب وروى البيهقي عن اسمعيل ابن عبد الرحمن قال كان فداء العباس وعقيل ونوفل وأخيه اربعمائة دينار قال ابن إسحاق وكان اكثر الأسارى فداء يوم بدر فداء العباس نفسه بمائة اوقية من ذهب وروى ابو داود عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل فداء اهل الجاهلية يوم بدر اربعمائة وادعى العباس رضى الله عنه انه لا مال عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاين المال الذي دفعته أنت أم الفضل وقلت بها ان أصبت في سفرى هذا فهذا لبني الفضل وعبد الله والقثم فقال
119
والله لا علم انك لرسول الله ان هذا شيء ما علمه الا انا او أم الفضل والله اعلم وقال سعيد بن جبير وجعل على العباس مائة اوقية وقالوا أربعين وعلى عقيل ثمانين اوقية فقال العباس لقد تركتنى أفقر قريش ما بقيت فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى الاية وذكر محمد بن يوسف الصّالحى في سبيل الرشاد انه قال جماعة من الأسارى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم منهم العباس رضى الله عنه انا كنا مسلمين وانما خرجنا كرها فعلام يوخذ منا الفداء فانزل الله تعالى يايها النبي قل لمن في ايديكم من الأسرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ايمانا وإخلاصا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء بان يضعّفه لكم في الدنيا ويثيبكم في الاخرة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال قال العباس والله نزلت حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بإسلامي وسألته ان يحاسبنى بالعشرين الاوقية التي وجدت معى فاعطانى بها عشرين عبد أكلهم تاجر بما لى في يده مع ما أرجو من مغفرة الله وذكر البغوي قول العباس انه أبدلني الله عنها عشرين عبد أكلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين الف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب ان لى بها جميع اموال اهل مكة وانا انتظر المغفرة من ربى وذكر في سبيل الرشاد قول العباس حين أنزلت لوددت انك كنت أخذت منى اضعافها فاتانى الله خيرا منها أربعين عبد أكل في يده مال يضرب به وانى أرجو من الله المغفرة والله اعلم روى البخاري وابن سعد ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اتى بمال من البحرين فقال انشروه في المسجد إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني انى فاديت نفسى وو فاديت عقيلا فقال خذ فحثا فى ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه الىّ قال لا... قال فارفعه أنت قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق وهو يقول انما أخذ ما وعد الله فقد الجز فما زال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
يتبعه بصره حتى خفى علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وثم منها درهم.
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعنى نقض ما عهدوك عند انفكاكهم من الاسر بالاقتداء او بغيره فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ هذا بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بقوله الست بربكم او بالعقل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يعنى فامكنك منهم يوم بدر جزاء الشرط محذوف أقيم دليله مقامه تقديره ان يريدوا خيانتك يعود عليهم وباله بدليل انهم قد خانوا الله من قبل فامكنك فان عادوا فسنمكنك منهم مرة اخرى كما ذكرنا عن ابن إسحاق انه صلى الله عليه واله وسلم من على ابى غزة الجمحي يوم بدر بلا فداء وأخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا فقدم مع المشركين يوم أحد فاسر فقتله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صبرا وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في صدورهم حَكِيمٌ (٧١) فيما يفعل.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا قومهم وديارهم حبا لله ورسوله يعنى الذين هاجروا من مكة وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ فصرفوها في السلاح والكراع وأنفقوها في المحاويج وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بمباشرة القتال وإتيان كل ما امر الله به من العبادات البدنية وَالَّذِينَ آوَوْا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن معه من المهاجرين في ديارهم بالمدينة وَنَصَرُوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على اعداء الله يعنى الأنصار أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ دون اقربائهم من الكفار فلا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار ولو كانوا آبائهم او أبنائهم او إخوانهم او عشيرتهم ولا مناصرتهم وقال ابن عباس هذا في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة وكان المهاجرون يتوارثون دون ذوى الأرحام وكان من أمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى فتحت مكة وانقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا وصار ذلك منسوخا بقوله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله قلت وعندى ان هذه الاية غير منسوخة إن كان المراد به الميراث ايضا فانه متى أمكن الجمع بين الآيتين لا يجوز القول بنسخ أحدهما ومعنى قول ابن عباس كان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوى الأرحام ان ذوى الأرحام الكفار
لا يرثون من المهاجرين لاختلاف الدينين وكان من أمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر لاختلاف الدارين حتى فتحت مكة وصارت دار اسلام انقطعت الهجرة واسلم اهل مكة كلّهم توارثوا بالارحارم وكان وجه أخذ الأنصاري ميراث المهاجر عقد الموالات وذلك سبب للارث عند ابى حنيفة رحمه الله إذا لم يكن للميت وارث من النسب او السبب بلا مانع من الإرث غير منسوخ واما أخذ المهاجر ميراث الأنصاري او الأنصاري ميراث المهاجر مع وجود قريب الميت مؤمنا بالمدينة فلم يثبت ولا دلالة في الاية عليه فلا يجوز القول بكون الاية منسوخة والله اعلم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ قرأ حمزة بكسر الواو تشبيها لها بالعمل والصناعة كالكتابة والرياسة كانه بتولية صاحبه يزاول عملا والباقون بفتح الواو مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا نفى لولايته من لم يهاجر من المؤمنين بمعنى النهى لاجل فسقهم بترك فريضة الهجرة ومنه يظهر انه يكره للمؤمن ولاية المؤمن الفاسق ما لم يتب وان كان المراد بالولاية الميراث فالاية حجة على كون اختلاف الدارين مانعا من الميراث وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ يعنى المؤمنين الذين لم يهاجروا استنصروكم فِي الدِّينِ على أعدائهم من اهل الحرب فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فواجب عليكم ان تبصروهم عليهم إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فانه لا يجوز نقض العهد ولهذا لم ينصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبا جندل وقصته في سورة الفتح وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) تحذير عن تعدى حدود الشرع.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ والمقصود منه انه لا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار ولا مناصرتهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم رواه الشيخان في الصحيحين واصحاب السنن الاربعة من حديث اسامة بن زيد وقد ذكرنا المسألة في سورة النساء في تفسير (فائدة) لا يجوز لاحد تولية نفسه وان يزعم لزوم فسق منه ومعهذا لا يجوز ولاية الفاسق فالعدل للولاية أفضل من نفسه وصالحى المؤمنين ١٢
اية الميراث (مسئله) ذكر في المبسوط انه لو أغار قوم من اهل الحرب على اهل الدار من الكفار التي فيها المؤمن المستأمن لا يحل له قتال هؤلاء الكفار الا ان خاف على نفسه لان القتال لما كان تعريضا لنفسه على الهلاك لا يحل الا لاعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه او لدفع الضرر عن نفسه وهو إذا لم يخف على نفسه فقتاله لا يكون الا لاهل الدار من الكفار لاعلاء كلمتهم وذا لا يجوز (مسئله) لو أغار اهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستامنون على طائفة من المسلمين فاسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم ان يقاتلوهم ويخلصوا المؤمنين من أيديهم لانهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم ولم يضمنوا ذلك بخلاف الأموال لانهم ملكوها بالاحراز عند أبي حنيفة وقد ضمنوا لهم ان لا يتعرضوا أموالهم وكذلك لو كان المأخوذ ذرارى الخوارج لانهم مسلمون إِلَّا تَفْعَلُوهُ يعنى ان لا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم والتناصر وقطع العلائق بينكم وبين الكفار حتى قطع التوارث تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ يحصل فتنة عظيمة وهى ظهور الكفر وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) يعنى ضعف الإسلام بترك الجهاد واختلاط المسلمين الكفار.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الصادقون في ادعائهم إسلامهم حَقًّا حق ذلك الأمر حقا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضياته من الهجرة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ونصرة الحق بخلاف من أمن ولم يهاجر ولم يجاهد فانه وان صح عليه اطلاق المؤمن حيث قال الله تعالى والذين أمنوا ولم يهاجروا لكنهم ليسوا كاملين في الايمان ولم يتحقق صدقهم ويحتمل نفاقهم ولا تكرار لان الاية الاولى للامر بالتواصل وهذه الاية واردة للثناء عليهم والوعد لهم بقوله لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة تهدم ما كان قبلها وقد مر من حديث عمرو بن العاص واعلم انه كان بعض
المهاجرين اهل الهجرة الاولى وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ومنهم من كان ذا الهجرتين الهجرة الى الحبشة والهجرة الى المدينة منهم عثمان وجعفر الطيار وغيرهم وكان بعضهم اهل الهجرة الثانية وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة والمراد بالآية الاولى اهل الهجرة الاولى لفضلهم ثم الحق بهم اهل الهجرة الثانية فقال.
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ اى بعد صلح الحديبية وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ وكذا من ايتسم بسمتهم فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ايها المهاجرون الأولون والأنصار يعنى من جملتكم ومن جنسكم يتولى بعضكم بعضا ويرث بعضكم بعضا وَأُولُوا الْأَرْحامِ من المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ من الأجانب في التوارث وصلة الرحم وهذا لا ينافي ما سبق والمعنى ان المؤمن إن كان له ذا رحم فهو اولى به من سائر المؤمنين في التوارث فان كان له ذا رحم الذين ذكر الله تعالى في سورة النساء فهو اولى من غيره يعطى له الميراث على ما أوصله الله تعالى في كتابه وان لم يكن منهم أحد وكان ذو رحم من غيرهم فهو اولى من الأجانب بهذا الاية وبقوله صلى الله عليه واله وسلم الخال وارث من لا وارث له وقد ذكرنا الحديث في سورة النساء فهذه الاية حجة على الشافعي حيث قال يوضع ماله في بيت المال ان لم يكن للميت ذا فرض ولا عصبة ولا يرث غيرهم من ذوى الأرحام وقدم المسألة في سورة النساء والمؤمن ان لم يكن له أحد من اولى الأرحام مؤمنا فاوليائه جماعة المؤمنين بما سبق من الاية الاولى فيوضع ماله في بيت المال لجماعة المسلمين فِي كِتابِ اللَّهِ يعنى في حكم الله وقسمته او في اللوح المحفوظ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥) ومنها المواريث والحكمة في اناطتها بالقرابة والإسلام والنكاح والولاء والله اعلم تمت تفسير سورة الأنفال من التفسير المظهرى ويتلوه إنشاء الله تعالى تفسير سورة البراءة.
124
فهرس للتفسير المظهرى سورة التّوبة
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ هذا كتاب جليل صنف لتذكرة الشيخ الشهيد سيّدنا ومولانا ميرزا جانجانان مظهر قدس سره الموسوم بالتّفسير المظهرى تأليف الشيخ الأكمل بيهقى الوقت علم الهدى مولانا القاضي محمد ثناء الله العثماني الحنفي المظهرى النقشبندي الفاني فتى رضى الله عنه وعن آبائه ومشائخه ولد رحمه الله في سنة ثلاث وأربعين بعد الف ومائة من الهجرة ١١٢٣ او قبله بسنة او سنتين بفانى فت ونشا بها فحفظ القرآن وعمره سبع سنين واشتغل بعده بأخذ العلوم النقلية والعقلية فتجر فيها ثم ارتحل الى دهلى فلزم العلامة البحر الفهامة مولانا الشاه ولىّ الله المحدث الدهلوي فسمع الحديث منه بتمامه وكماله وتفقه فيه وأخذ الطريقة العالية النقشبندية اولا من شيخ الشيوخ مولانا خواجه محمد عابد السنامى ثم انسلك بخدمة الشهيد مولانا الشيخ ميرزا جانجانان مظهر وأخذ منه الطريقة الاحمدية بكماله ثم رجع الى وطنه واقام به وأفنى عمره الشريف في نشر العلوم وفصل الخصومات وإفتاء الاسئلة والف كتبا عدة في التفسير والفقه وغيرهما تجاوز عددها من ثلاثين ولم يزل مقبلا متوجها الى الله وازديادا مجتهدا في الخيرات الى ان أدركته المنية فتوفى في غرة الرجب المرجب سنة الف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة ١٢٢٥ على صاحبها التحية مكتبه رشيديّه سركى رود- كوئطه
125
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما ورد في أسمائها ووجه تسميتها- ١٣١ ما ورد في وجه ترك البسملة- ١٣٢ تحقيق يوم الحج الأكبر- ١٣٤ حرمة الأشهر الحرم منسوخة أم لا- ١٣٥ قصة بعث ابى بكر أميرا للحج وعليا ليقرأ ١٣٦ على الناس سورة براءة- هل يجوز القتال في حرم مكة مسئله يجوز القتال ١٣٩ في الأشهر الحرم وفي الحرم ان بدأ المشركون بالقتال ما ورد في الصلاة والزكوة وجواز القتال على ١٤٣ منع الزكوة- فائدة ليكن غرض المسلمين في قتال الكفار إعلاء ١٤٤ كلمة الله ومنع الناس عن الشرك والمعاصي دون الملك والمال- حديث لا يزال من أمتي امة قائمة بامره- ١٤٦ مسئله مع الكفار عن دخول المسجد الحرام وعن تعميره ١٤٦ ما ورد في فضل ادامة العبادة والذكر في المساجد ١٤٨ وفي بناء المسجد وتزئينه وتنزيهه- مسئله دوام الذكر أفضل من الجهاد- ١٥٩ قصة استقاء رسول الله ﷺ من زمزم ٢١٥١ قصة غزوة حنين- ١٥٤ ذكر شروع القتال وإعجاب المسلمين بالكثرة وفرارهم ١٥٦ ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم- ١٥٩ ذكر ارادة بعض المشركين الفتك برسول الله ١٦٠ ﷺ وإسلامهم بعد روية المعجزة- فائدة في بيان كم بقي ثابتا مع رسول الله صلى ١٦٢ الله عليه وسلم ذكر رجوع المنهرمين- عن رسول الله ﷺ كفا من الحصى ١٦٤ نزول الملئكة والنصر من السماء- ١٦٤ ذكر قتل الكفار حتى الذراري والمنع من قتل ١٦٦ الذراري- ذكر فرار المشركين وفرار مالك بن عوف ١٦٦ رئيسهم الى الطائف- جمع غنايم وإرساله الى جعرانة- ١٦٧ ذكر حصار الطائف وعدم خروج أهلها للبراز ١٦٧ وقتالهم من وراء الحصن- ذكر من استشهد رجال من المسلمين- ١٦٧ ورجوعه ﷺ بعد عشرين ليلة ١٦٨ او نحو ذلك الى جعرانة
126
مضمون صفحه ذكر قسمة غنايم حنين- ١٦٩ ذكر إتيان أم رسول الله ﷺ وأبيه ١٦٩ وأخته من الرضاعة وغيرهم تائبين ورد سباياهم ذكر إعطاء المؤلفة قلوبهم وتقسيم الأموال- ١٧١ ووجد الأنصار واستمالتهم- ١٧٣ ذكر إتيان مالك بن عوف راس هوازن حسن إسلامه ١٧٥ ذكر نجاسة المشرك- مسئله هل يجوز للمشركين واهل الكتاب دخول ١٧٦ المسجد الحرام او الحرم او غير ذلك من المساجد وهل يجوز مقامهم في الحجاز- مسئله اختلاف العلماء في أخذ الجزية من ١٧٩ عبدة الأوثان ومن العرب- مسئله اختلاف في قدر الجزية- ١٨٤ مسئله لا يجوز أخذ الجزية من فقير غير معتمل- ١٨٦ مسئله يسقط الجزية بالإسلام- ١٨٧ مسئله الجزية يجب باول الحول وتسقط بالموت- ١٨٨ مسئله لا جزية على الصبيان والمجانين ولا ١٨٩ على النساء والعبيد- مسئله ما ينقض به عقد الذمة- ١٩٠ مسئله ينتقض العهد بذكر الله سبحانه ١٩٠ القرآن او الإسلام او النبي ﷺ بما لا يليق بهم- مسئلة إذا استعلى ذمى على مسلم على وجه ١٩٢ صار مستمرا عليه حل قتله حتى يرجع الى الذل والصغار قصة عزير عليه السلام- ١٩٢ قصة إضلال بولس النصارى- ١٩٣ مسئله بضم الذهب الى الفضة لاداء الزكوة ١٩٦ ما ورد ان النفقات الواجبة اكثر اجر او أفضل- ١٩٧ مسئله جواز كنز الأموال إذا
ادى ما وجب فيها ١٩٨ وما قبل انه لا يجوز ذلك- حديث ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يودى ٢٠٠ حقها الحديث- مسئله تحريم القتال في الأشهر الحرام- ٢٠١ ذكر النبي وأول من نسا- ٢٠٣ ما ورد في فضل ابى بكر لمصاحبته في الغار- ٢٠٧ قصة خروجه ﷺ من مكة مهاجرا- ٢٠٨ حديث اللهم اجعل أبا بكر معى في درجتى في ٢١٠ الجنة الحديث- قصة أم معبد ومعجزة حلب الحائل العازب- ٢١٤ قصة سراقة والمعجزة ٢١٧ حديث عجبا «١» لامر المؤمن ان امره كله خير- ٢٢٣ قصة خروجه صلى «٢» الله عليه وسلم الى غزوة تبوك- ٢٢٦ قصة تخلف جد بن قيس المنافق- ٢٢٥ مصارف الصدقات- ٢٣١
(١) هذا مؤخر ١٢
(٢) هذه مقدم والذي بعده ١٢
127
مضمون صفحه مسئله لا يجوز دفع الزكوة الى كافر- ٢٣١ مسئله الاولى ان يلتمس لدفع الزكوة سببا ٢٤٠ يترجح المعطى له من غيره من الفقراء كالمسكين الذي لا يسال الناس والغازي والحاج والكاتب ومن اسباب المزية القرابة وما ورد في إعطاء ٢٤٠ القريب لا يجوز دفع الزكوة الى من بينهما ولادا وزوجية- ٢٤٠ وعند ابى يوسف يجوز دفع زكوتها الى زوجها- ٢٤١ ومن اسباب المزية الجوار وما ورد فيه- ٢٤٣ ما ورد في وضع الزكوة في اى صنف شاء- مسئله حد الغنى الذي يمتنع أخذ الزكوة والذي ٢٤٦ يمنع السؤال- مسئله الفقير إذا كان قويا قادرا بالكسب ٢٤٩ هل يجوز دفع الزكوة اليه- مسئله لم يكن الصدقة حلالا للنبى صلى الله ٢٥٠ عليه وسلم- مسئله الذين يحرم عليهم الصدقة خمسة بطون ٢٥٢ مسئله يحرم الزكوة على مواليهم- ٢٥٣ مسئله يكره نقل الصدقة من بلد الى بلد- ٢٥٣ ما ورد في جنة عدن- ٢٦٤ ما ورد في رضوان الله- ٢٦٦ قصة ثعلبة بن حاطب- ٢٦٩ قصة تصدق عبد الرحمن بن عوف وعاصم ٢٧١ ابن عدى وابو عقيل الأنصاري رضى الله عنهم ولمز النافقين- ما ورد في بكاء اهل النار في النار- ٢٧٤ ما ورد في كراهة كثرة المضحك في الدنيا ٢٧٥ واستحباب البكاء من خشية الله- ذكر موت عبد الله بن ابى المنافق ٢٧٦ ما ورد في قبائل العرب- ٢٧٩ ما ورد في قوله ﷺ بالصلوة ٢٨١ على من تصدق- ذكر السابقين الأولين من المهاجرين ٢٨٥ والأنصار ذكر أول من اسلم من المهاجرين واصحاب ٢٨٥ العقبات الثلث من الأنصار مسئله اصحاب رسول الله ﷺ ٢٨٧ كلهم في الجنة- قصة ابى لبابة وأصحابه- ٢٨٩ مسئله هل يجب الدعاء على الامام عند ٢٩٢ أخذ الصدقة- مسئله هل يجوز الصلاة على غير الأنبياء ٢٩٢ ذكر بناء مسجد الضرار- ٢٩٥ وهدمه- ٢٩٧
128
مضمون صفحه ذكر مسجد أسس على التقوى- ٢٩٧ ما ورد في مسجد المدينة ومسجد قبا- ٢٩٧ ما ورد في ثناء اهل قبا في الطهور- ٢٩٩ قصة بيعة الأنصار في ليالى العقبة وخروج ٣٠٢ المهاجرين الى المدينة- حديث أول من يدعى الى الجنة الحمادون ٣٠٤ ما ورد في تفسير الصائمين في فضل الصوم ٣٠٤ فالجهاد وطلب العلم- ما ورد في فضل الصلاة- ٣٠٥ ذكر ظاهر الشريعة وباطنها- ٣٠٥ ذكر موت ابى طالب- ٣٠٦ مسئله لا يجوز القول بكون أبوي النبي ٣٠٧ ﷺ مشركين وما ورد في ذلك ما ورد في عسرة الصحابة وشدتهم في غزوة ٣١١ تبوك ومعجزة الاستسقاء قصة لحوق ابى ذر الغفاري وابى خيثمة ٣١٢ بعد ما ابطأ في غزوة تبوك- قصة تخلف كعب بن مالك الشاعر وهلال ٣١٣ ابن امية ومرارة بن الربيع عن غزوة تبوك ونزول توبتهم- ما ورد في رضاء الله سبحانه بتوبة العبد- ٣١٤ ما ورد في فضل الجهاد ٣٢١ مسئلة الجهاد فرض على الكفاية وعند النفير ٣٢١ العام فرض عين ما ورد في فضل الانفاق في الجهاد- ٣٢١ ما ورد في فضل العلم والعلماء وما هو فرض عين ٣٢٢ وفرض كفاية منه والعلم اللدني- مسئله يجب الجهاد على اهل كل ثغر بمن ٣٢٥ يليهم من الكفار فان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا يجب على من يفرب منهم ثم وثم الى الشرق والغرب وكذا جهاز الميت والصلاة عليه ما قيل ان الايمان يزيد وينقص- ٣٢٦ فصل في بقية قصة غزوه تبوك- ٣٢٨ لما مر رسول الله ﷺ بالحجر تقنع ٣٢٩ بردائه واسرع السير ونهى الناس عن شرب مائها والوضوء منه وقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين واهريقوا القدور واعلقوا العجين الذي عجن من مالها الإبل- المعجزات ٣٣٠ منها الاخبار بهبوب الريح وما ورد فيه- ٣٣٠ منها قصة ضلال الناقة والاخبار بها وبقول المنافق ٣٣٠ وقصة اقتداء عليه السلام بعبد الرحمن بن عوف ٣٣٠ قصة عارض الناس حية عظيمة وكان من الجن ٣٣٠
129
منها قصة عين تبوك ٣٣٠ منها قصة مرور الغلام بينه عليه السلام وبين ٣٣١ القبلة وهو في الصلاة فصار مقعدا بدعائه عليه السلام- منها قصة البركة في التمرات ٣٣١ منها اخبار النبي ﷺ لموت ٣٣٢ منافق بالمدينة- منها قصة نفر من سعد بن هزيم- ٣٣٢ منها قصة صلوته عليه السلام على معاوية ٣٣٣ ابن معاوية غائبا وقد مات بالمدينة وفيه ذكر فضل سورة الإخلاص ٣٣٣ منها قصة نحى السمن قصة بعثه ﷺ كتابا الى هرقل مع دحية الكلبي- وقصة بعث هرقل كتابه الى رسول الله صلى الله ٣٣٣ عليه مع التنوخي وما فيه من المعجزات- وكتابه مع دحية الكلبي في الجواب ٣٣٥ قصه
بعثه ﷺ خالد بن الوليد الى أكيدر ٣٣٥ بدومة وما فيها طن المعجزات وفتح حصنه- وقسمته غنائمه وقدوم أكيدر مع خالد على رسول ٣٣٦ الله ﷺ وما اهدى وقع الصلح على الجزية ٣٣٦ قصة قدوم ملك ايلة يحنه وكتاب ٣٣٧ الصلح له والجزية وقدوم اهل جربا واذرح وكتاب ٣٣٧ الصلح والجزية با اهل مقنا- ذكر مدة إقامته ﷺ ٣٣٧ بتبوك ورجوعه الى المدينة- حديث النهى عن الخروج من ارض ٣٣٧ فيها الطاعون وعن الدخول فيها- من المعجزات قصة البركة في الأزواد ٣٣٨ بعد نفادها- منها قصة نبع الماء بين أصابعه عليه ٣٣٩ السلام- ومنها قصة انخراق الماء من وشل ٣٣٩ كان في وادي الناقة- منها قصة نبع الماء واتساعه وانبساطه ٣٤٠ في القعب منها قصة جهد الظهور فقويت بدعائه ٣٤٠ عليه السلام- ذكر قدومه عليه السلام المدينة ٣٤٠ حديث للمدينة هذه طابة- ٣٤٠ حديث لا يزال عصابة من أمتي ٣٤٠ يجاهدون على الحق اللهم صلى على ٣٤٠ محمد وآله وأصحابه أجمعين- ٥- (فهرس تمام شد)
130
نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شيء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلىّ ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين ٥.
سورة التّوبة
مدنيّة وهى مائة وتسع وعشرون اية او ماية وثلثون اية عن «١» ابى عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب وعن «٢» عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله ﷺ القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال ٥ منه ولها اسماء سميت براءة لانها براءة عن الكافرين وسورة التوبة لان فيها توبة على المؤمنين والمقشقشة أخرجه ابو الشيخ وابن مردوية عن زيد بن اسلم عن عبد الله بن عمر لانها تقشقش اى بترأ من النفاق والمبعثرة أخرجه ابن المنذر عن محمد بن إسحاق لما كشفت عن سرائر الناس والبحوث أخرجه ابن ابى حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابى رشد الحراني عن المقداد بن الأسود والمثيرة أخرجه ابن المنذر وابو الشيخ وابن ابى حاتم عن قتادة لانها نبعثر النفاق وبتحت عنها وتثيرها وتظهر عوراتهم وتخفر عنها والمنكلة والمدمدمة وسورة العذاب اخرج ابن ابى شيبة والطبراني وابو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن حذيفة رضى الله عنه قال التي تسمونها سورة التوبة هى سورة العذاب والله ما تركت
(١) عن ابى عطية للهمدانى قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سوره براءة وعلموا نسائكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب ١٢ منه
(٢) وعن عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله ﷺ القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال ١٢ منه-
131
أحد الا نالت فيه واخرج سورة العذاب ايضا ابو عوانة وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس عن عمرو الفاضحة لكونها فاضحة للمنافقين قال البغوي قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة التوبة قال هى الفاضحة ما زالت تنزل وتنبئهم حتى ظنوا انها لم تبق أحدا منهم الا ذكرها فيها قال قلت سورة الأنفال قال تلك سورة بدر قال قلت سورة الحشر قال قل سورة النضير وفي وجه ترك البسملة عنها روى البغوي بسنده واحمد وابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قلت لعثمان رضى الله عنه ما حملكم على ان عمدتم الى الأنفال وهى من الثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان رضى الله عنه ان رسول الله ﷺ كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فاذا نزل عليه الشيء يدعوا بعض من كان يكتب عنده فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال مما نزلت بالمدينة وكانت براءة من اخر ما نزلت وفي لفظ وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة وكانت البراءة من اخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله ﷺ ولم يبين لها انها منها فمن ثم فرنت بينهما ولم اكتب سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال وقيل وجه ترك البسملة انها نزلت لرفع الامان وبسم الله الرّحمن الرّحيم أمان كذا اخرج ابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال سالت على ابن ابى طالب رضى الله عنه لم لم يكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم في براءة قال لان بسم الله الرّحمن الرّحيم أمان وبراة نزلت بالسيف وقيل اختلف اصحاب رسول الله ﷺ فقال بعضهم الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال ويعد السابعة من الطوال وهى سبع وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة قال البغوي قال المفسرون لما خرج رسول الله ﷺ الى تبوك كان المنافقون يرجعون الأراجيف يعنى يقولون أقوالا يضطرب بها المسلمون اضطرابا
132
Icon