ﰡ
مكية، وآيها أربعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) أصله " عن ما " فاتصلت في الخط وحذف الألف؛ فرقاً بينها وبين الخبرية، وإيذاناً بشدة الاتصال وكثرة الدوران. وقرأ ابن كثير في رواية البزي: " عمَّه " بهاء السكت في الوقف؛ ليكون حيراناً عن الذاهب وهو أحد حرفي الثنائي. كان مشركو مكة يسأل بعضهم بعضاً عن أمر القيامة، أو رسول اللَّه - ﷺ - والمؤمنين استهزاء. على أن التساؤل بمعنى السؤال، كالتداعي والترائي بمعنى: الدعوة والرؤية. والمراد: تفخيم شأن المسئول عنه مجرداً عن الاستفهام؛ لوقوعه في كلام من لا يخفى عليه خافية.(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) بيان لشأن المفخم، أو متعلق بـ (يَتَسَاءَلُونَ) و (عَمَّ) بما فسره (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) منهم المنكر له ومنهم الشاك. والضمير للفريقين، المؤمنون يسألون لزيادة الاستيقان والاستعداد له، والكفار استهزاءً وعناداً.
(ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥) كرِّره مبالغة، وآثر (ثم)؛ دلالة على أنَّ الثاني أشدّ من الأول، وكما فخم شأن البعث فخم ما يقع بعده. وقيل: الأول عند النزع والثاني في القيامة، أو الأول للبعث، والثاني للجزاء.
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧) وأنتم لا تنكرون شيئاً من ذلك، فإنكار البعث لماذا؟ وهل ذاك إلا على منوال هذا؟. أو من أبدع هنه الأشياء إنما أبدعها لحكمة لا عبثاً، فلا بد من البعث والجزاء. (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨) ذكراً وأنثى.
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) موتاً. منْ السبت وهو: القطع. والنوم أحد الموتين. (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) ساتراً عن العيون يمكن إخفاء ما لا يراد إظهاره من بيات العدو، أو الفرار منه إلى أمور شتى.
(وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١) وقت معاشكم تتقلبون فيه لحوائجكم. استدل بخلقهم ذكراً وأنثى، واستوفى أحوالهم مفترقين ومقترنين.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢) محكمة لا يؤثر فيها مرور الدهور.
(وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) أي: الشمس النير الأعظم، من وهجتِ النار: التهبت أو أضاءت.
(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا... (١٥) للإنسان. (وَنَبَاتًا) للدواب (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦) ملتفة، جمع لُفّ كخُفّ وخفاف، أو جمع لفيف كشريف، أو لَفَّاء كخضراء. أو ملتف بحذف الزوائد. وفيه أن هذا لا نظير له؛ لأن تصغير الترخيم ثابت دون تكسيره.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (١٧) في علم اللَّه. والميقات: ما يؤقت به الشيء، والمراد به: حدّ الدنيا ونهايته، أو حدّ الخلائق وما ينتهون إليه.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ... (١٨) بدل أو بيان ليوم الفصل. (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) جماعات (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ). والحديث المروي: " أنَّ أمته - ﷺ - تحشر عشرة أصناف " موضوع مختلق.
(وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ... (٢٠) في الهواء تمرُّ مرَّ السحاب. (فَكَانَتْ سَرَابًا) أي: كالسراب يحسب ماء ولا ماء؛ لأن شأن الجبل الثبات والقرار.
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) مكاناً يرصد فيه خزنة النار الكفارَ، أو خزان الجنة المؤمنين يحرسونهم إذا مرّوا عليها. (لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) مرجعاً ومأوى.
(لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) الأحقاب جمع حقب وهي ثمانون سنة. وقيل: دهر طويل كقوله: (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)
(جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) أي: جوزوا جزاءً ذا وفاقٍ؛ لأعمالهم أو وصف بالمصدر.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) يقال: كذّب تكذيباً وكذاباً. قال سيبويه: الأصلي كذَّاباً والتاء عوض عن التضعيف، والياء عن الألف.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) نصب على المصدر، أي: إحصاء، أو أحصيناه بمعنى: كتبنا؛ لتلاقي الإحصاء والكتبة في الضبط، أو على الحال أي: مكتوباً في اللوح أو في صحف الحفظة.
(فَذُوقُوا... (٣٠) أي: العذاب. التفت إليهم في مقام السخط؛ زيادة في العذاب. (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) استثناء من الأعم أي: شيئا من الأشياء. وعن أبي برزة الأسلمي: " سألت رسول اللَّه - ﷺ - عن أشدّ آية في كتاب اللَّه على الكفار فتلاها ".
(حَدَائِقَ... (٣٢) جمع حديقة وهي: روضة ذات أشجار وقيل: روضة أحاط بها حائط. (وَأَعْنَابًا) أفردها؛ لقلة وجودها في أرض العرب.
(وَكَوَاعِبَ... (٣٣) جمع كاعب ناهدة الثدي. (أَتْرَابًا) لدات.
(وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤) مترعة، من أدهقتُ الحوضَ فهو داهق (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥) أي: لا يتأذُّون من سماع اللغو وتكذيب بعضهم بعضاً. وقرأ الكسائي: " كِذَاباً " مخففاً إما مصدر كاذب، أو كذب نحو: كتبت كتاباً، كقول الأعشى:
فَصدّقَهَا وَكَذَبَتْهُ... وَالمرءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُه
أي: لا يصدر منهم كذب حتى يسمعه السامع.
(جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ... (٣٦) نُصب على المصدر. (عَطَاءً) بدل من جزاء، أو مفعول به، له أو لناصبه المحذوف (حِسَابًا) صفة بمعنى كافياً، من أحسبه الشيء إذا كفاه، حتى قال: حسبي، وقيل: على حسب أعمالهم.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا... (٣٨) ظرف لـ " يملكون "، أو لما بعده. والروح: جبريل، وإفراده؛ لشرفه " وقيل: نوع آخر من المخلوقات. وقيل: ملك لم يخلق اللَّه بعد العرش أعظم منه. (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) أي: من تكلم من هؤلاء الأشراف إنما يتكلم بشرط الإذن وقيل: الصواب. ففيه تقرير وتوكيد لقوله: " لا يملكون منه خطابا " (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ... (٣٩) الكائن لا محالة. (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) منزلاً ومأوى بالإيمان والعمل الصالح.
(إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا... (٤٠) إذ كل آتٍ قريب. ولأنَّ ابتداءه من الموت. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) أي: كل امرئ ينظر عمله خيراً كان أو شراً؛ لقوله: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) وقيل: المرء هو: الكافر؛ لقوله: (إنَّا أَنذَرْنَاكُمْ) وضع موضع المضمر. وعن قتادة: هو المؤمن؛ لقوله: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ) والأول هو الوجه؛ لقوله، (إنَّ يَوْمَ الْفَصلِ)، ولقوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ
* * *
تمّت، والحمد للَّه على الدوام، والصلاة على خير الأنام، وآله وصحبه يوم القيام.
* * *