بسم الله الرحمن الرحيم
سورة عم يتساءلون ١ مكية ٢٢ - بلا خلاف انظر تفسير الماوردي ٤/٣٨٢ والمحرر ١٦/٢٠٦ وزاد المسير ٩/٣ وتفسير القرطبي ١٩/١٦٩ والبرهان ١/١٩٣ والبحر ٨/٤١٠ وروح المعاني ٣٠/٢..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة عم يتسألونمكية
- قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النبإ العظيم﴾. إلى قوله: ﴿(مَآءً) ثَجَّاجاً﴾.
أي: عن أي شيء يتساءل هؤلاء [المشركون] يا محمد؟، عن أي شيء يختصمون؟
ف ﴿عَمَّ﴾ تحتاج إلى جواب، وجوابه ﴿عَنِ النبإ العظيم﴾، وكان حقه أن يأتي
ذكر أن قريشاً كانت تختصم فيما بينهم [وتتجادل] في الذي دعاهم إليه رسول الله ﷺ من الإيمان بكتاب الله، فنزل هذا في اختاصمهم. ثم بين - جل ذكره - ما الذي هم يختصمون، فقال: ﴿عَنِ النبإ العظيم﴾ (أي: يتساءلون عن النبأ)، ثم حذف لدلالة الأول [عليه]، فتقف على هذا على ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾. وقيل: [إن " عن "] متعلقة بهذا الفعل.
والمعنى: لأي شيء يتساءل هؤلاء عن النبأ العظيم.
فأما النبأ، فقال مجاهد: " هو القرآن ". وقال: قتادة: " هو البعث بعد الموت ".
وقال ابن زيد: " هو " يوم القيامة ".
- ثم قال: ﴿الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾.
أي: منهم مصدق و [منهم] مكذب، إما بالقرآن وإما بالعبث.
قال قتادة: [صار] الناس [فرقتين] في البعث بعد الموت، (فمنهم مكذب)، ومنهم مصدق.
- ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾.
أي: ما الأمر كما يزعم هؤلاء أنه لا بعث. ثم قال: ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ على
ثم أكد الوعيد فقال: ﴿ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾.
أي: ثم ليس الأمر على ما [قالوا] إنه لا بعث، سيعلمون وعيد الله لهم أحق هو أم باطل.
ويجوز أن يكون " كلا " بمعنى " حَقّاً " في الموضعين، وبمعنى " أَلاَ ".
وهذا التفسير إنما هو على قول من قال: إن [النبأ] العظيم: البعث ويوم القيامة.
فأما من قال هو القرآن فيكون معناه: كلا سيعلمون (عاقبة تكذيبهم لهذا
وقال الضحاك تقديره: كلا سيعلم الكافرون ثم كلا سيعلم المؤمنون. فالوقف [على ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾] الأول وعلى ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ الثاني.
- ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا * والجبال أَوْتَاداً﴾.
أي: ألم أنعم عليكم أيها الخلق فجعلت لكم الأرض فراشاً تفترشونها، وجعلت الجبال أوتاداً للأرض أن تميد بكم؟!
- ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً﴾.
- (أي) ذكراناً وإناثاً، وطوالاً وقصاراً؟!
- ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾.
أي: راحة (لكم ودعة تسكنون كأنكم أموات لا تشعرون؟! والسبات السكون)، وبذلك سمي السبت سبتاً لأنه يوم راحة ودعة.
أي: غشاء لكم يتغشاكم سواده وتغطيكم ظلمته كما يغطي الثوب لابسه.
قال قتادة ": ﴿اليل لِبَاساً﴾ أي: " سكناً.
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً﴾.
(سمي النهار معاشاَ لما كان يطلب المعاش فيه. وتقديره: وجعلنا النهار ذا معاش.
قال مجاهد: ﴿مَعَاشاً﴾ أي: " تبتغون فيه من فضل الله ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً﴾.
يعني السبع سماوات. وسمي بناء على عادة العرب، لأنهم يقولون لسقف البيت سماء، ويقولون له بناْ.
ومعنى " شداد " أي: وثاقاً محكمة الخلق، لا صدوع فيهن ولا
- ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾.
(أي): شمساً وقادة مضيئة منيرة.
- قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً﴾.
أي: من السحائب ماء منصباً يتبع بعضه بعضاً كثج [دماء].
البدن كذا قال ابن عباس ومجاهد والربيع: الثجاج المنصب.
وقال ابن زيد: الثجاج: الكثير.
وأكثرهم على أنه المُنْصَبُّ. وهو اختيار الطبري. ومنه قول النبي ﷺ:
[فالعج] رفع الصوت بالتلبية، والثَّجُّ [صَبُّ] دماء الهدايا والبدنِ، قال ابن عباس: المعصرات " السحاب ".
وهو قول سفيان والربيع. وقال الحسن وسعيد/ بن جبير وقتادة: المعصرات: السماء.
ويلزم قائل هذا أن تكون القراءة: " وأَنْزَلْنَا بِالْمُعْصِرَاتِ "، وبذلك قرأه عكرمة.
والمُعْصِرُ: المرأة التي قددنا [حيضها] وإن لم تحض، فشبهت السحاب بها [للمطر] الذي فيها.
أي: أنزلنا الماء لنخرج به من الأرض لكم حباً، يعني القمح والشعير وسائر القطنية، ﴿وَنَبَاتاً﴾ يعني ما ترعى البهائم.
- ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾.
أي: وثمر جنات ملتفة مجتمعة قال ابن عباس: " التف بعضها ببعض ". وهو قول مجاهد وقتادة وغيرهما. وقال الأخفش وأبو عبيدة: واحد الألفاف لِفٌّ. وقيل: لَفِيفٌ وحكى الكسائي أنه جمع الجمع، وواحده " لَفَّاءُ " كحمراء،
قال ابن مسعود: يرسل الله جل وعز الرياح فتأخذ الماء من السماء فتجريه في السحاب [فتذريه] كما تذر اللقحة.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً﴾.
أي: يوم يفصل الله فيه بين خلقه كان ميقاتاً لما أعد الله للمكذبين بالبعث ولنظرائهم من الخلق.
قال قتادة: هو يوم عظمه الله يفصل فيه بين الأولين والآخرين.
- ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾.
أي: يوم الفصل بين الخلق يوم ينفخ إسرافيل في الصور فتأتون من قبوركم إلى المحشر ﴿أَفْوَاجاً﴾ [أي]: زُمَراً زُمَراً.
روي أن كل أمة تأتي مع رسولها [يوم القيامة]، وهو قوله: ﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١].
- ثم قال تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾.
[أي]: وشققت السماء وصدعت (فكانت) طرقاً.
وقيل: تصير قطعاً كقطع الخشب المشققة لأبواب الدور والمساكن.
والمعنى: وفتحت السماء فكانت قطعاً كالأبواب، (فلما سقطت الكاف صارت الأبواب) خبرا.
أي: صارت لا شيء، كما أن السراب لا شيء، وذلك أنها تنسف فَتُجْتَثُّ من أصولهها فتصير هباء منبثاً لعين الناظر كالسراب الذي يظنه (الناظر) ماء وهو في الحقيقة ليس بماء إنما هو هباء.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾.
أي: إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترتقب من يجتاز بها وترصدهم، ولم يقل " مرصادة "، لأنه غير جار على الفعل. فالمعنى ترصد من عصى الله. وفي " مرصاد " معنى التكثير. ولذلك لم يقل: " راصدة "، ففي وصفها لما لم يجر على الفعل معنى التكثير، ولو قال [راصدة] لثبتت الهاء، لأنه جار على الفعل، ولم يكن فيه (معن) تكثير، ففي " مرصاد " معنى النسب (كأنه قال: " ذات إرصاد "، وكل ما حمل على معنى النسب) من الأخبار والصفات ففيه معنى التكثير واللزوم، فالمعنى أنها
وكان الحسن يقول - إذا قرأ هذه الآية -: أَلاَ إن على النار المَرْصَد، فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجئ احتبس.
وروي عنه أنه قال: لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز على النار.
وقال قتادة: [تعلمن] أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار.
وقال سفيان: على جهنم ثلاث قناطير.
- ثم قال تعالى: ﴿لِّلطَّاغِينَ مَآباً﴾.
أي: هي لمن طغى في الدنيا فتعدى حدود الله [مرجع] يرجعون إليها ويصبرون إليها.
قال قتادة: لا بثين في جهنم أحقاباً (لا انقطاع لها.
وقيل: معناه: ﴿لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً) * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً﴾، ثم بعد ذلك يعذبون بغير هذ العذاب مما شاء الله، كما قال: ﴿وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨].
وقيل: الضمير في ﴿فِيهَا﴾ يعود على الأرض، لأنه قد تقدم ذكرها، والضمير في ﴿يَذُوقُونَ فِيهَا﴾ لجهنم لتقدم ذكرها.
فعلى [القول] الأول، يكون ﴿لاَّ يَذُوقُونَ﴾ حالاً من ﴿لِّلطَّاغِينَ﴾ أو ل ﴿جَهَنَّمَ﴾ / أو نعتاً للأحقاب.
وروى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال: " الحقب الواحد ثلاثون ألف سنة ".
وهو جمع الجمع، واحده: حقبة، جمعت على حقب، وجمعت حقب على أحقاب.
ويجوز أن يكون أحقاب جمع حُقْب والحُقْبُ ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا. قاله [بشير] بن كعب.
[وقال] أبو هريرة: الحقب ستون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا.
وقال قتادة: " الحقب ثمانون سنة من سنيّ الآخرة ". وقال: هي أحقاب لا انقطاع لها، كلما مضى حقب جاء حقب بعده.
وقال الحسن: أما الأحقاب، فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكر أن الحقب سبعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما نعده.
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾.
وليس هذه صفة الموحدين.
وقد روي عن مقاتل أنه قال: إنها منسوخة، نسختها قوله: ﴿فَلَن نَّزِيدَكُمْ (إِلاَّ) عَذَاباً﴾.
وهذا لا يكون فيه نسخ، لأنه خبر من الأخبار لا تنسخ.
وقيل: [الهدوء]. وقيل: برد [الشراب] المستلذ. قال ابن عباس: هو برد الشراب وقيل: البرد: الراحة.
- ثم قال: ﴿إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً﴾.
[والحميم الذي قد انتهى [حره] كالمهل [يشوي] الوجوه.
وقال ابن زيد: الحميم: دموع أعينهم، يجمع في حياض ثم يسقونه. والغساق]: الصديد الذي يخرج من جلودهم مما تصهرهم النار، يجمع في حياض النار فيُسْقَوْنَهُ.
وأصل الحميم الماء الحار، ومنه اشتق الحًَمَّامُ، ومنه الحُمَّى، ومنه [اليَحْمُومُ].
وقال سفيان: هو ما يسيل من دموعهم.
وقال النخعي: هو " ما يسيل من صديدهم من البرد ".
وعن ابن عباس أن الغساق: " الزمهرير ".
وقال مجاهد: " الغساق: الذ لا يستطيعون أن يذوقوه (من برده).
وقال عبد الله بن [بريدة]: " هو المُنْتِنُ ".
وروى الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: " لَوْ أَنَّ دَلْواً مِن غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي
وقال عبد الله بن [عمرو]: " أتدرون أي شيء الغساق؟ قالوا: الله أعلم، قال: هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتنت أهل [المشرق]. ولو تهرق [بالمشرق] لأنتنت أهل المغرب.
- وقوله: ﴿جَزَآءً وِفَاقاً﴾.
أي: هذا العذاب الذي وصف جزاء للكفار على أفعالهم في الدنيا وافق أعمالهم وفاقاً، قاله ابن عباس. قال قتادة: " وافق الجزاء أعمال القوم... ". وقال
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً﴾.
أي: لا يخافون محاسبة الله (لهم على أعمالهم في الآخرة.
قال قتادة: كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة).
وقال ابن زيد: كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب فكيف يخافون الحساب وهم لا يوقنون بالبعث بعد الموت؟!
- ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾.
أي: حجوا بها جحوداً.
- ثم قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾.
أي: وأحصينا كل شيء من أعمالهم وغير ذلك فكتبناه كتاباً، [ف ﴿كِتَاباً﴾] مصدر عمل فيه فعل مضمر.
- ثم قال تعالى: ﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً﴾.
أي: ثقال لهم - إذا شربوا الحميم والغساق - ذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، فلن نزيدكم على العذاب الذي أنتم فيه إلا عذاباً زائداً.
قال عبد الله بن عمرو: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه، فهم في مزيد أبداً.
وقد روي مثل ذلك علن النبي ﷺ.
وروي أنه لا يأتي على أهل الجنة ساعة إلا ويزدادون صنفاً من النعيم لم
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً﴾.
أي: منجى من النار إلى الجنة ينجون به، وهي حدائق وأعناب.
وقال ابن عباس: ﴿مَفَازاً﴾، " متنزهاً ". وقيل: المفاز: الظفر بما يحبه الإنسان. يقال: فاز فلان بكذا إذا ظفر به.
والحدائق: جمع حديقة، وهي البستان من النخيل والأعناب والأشجار التي قد حوط عليها الحيطان فأحدقت (بها)، فَلإِحْدَاقِ الحيطان بها سميت حديقة،
قال ابن عباس: الحدائق: [الشجر] الملتف. وقال الضحاك: الحدائق التي عليها الحيطان.
- وقوله: ﴿وَأَعْنَاباً﴾.
معناه: وكروم وأعناب، ثم حذف.
- وقوله: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾.
(أي): وحورا نواهد في سن واحدة. قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما.
مَلأَى من الخمر مترعة، وأصله من الدهق، وهو متابعة الضغط على الشيء بشدة وعنف. قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: الدهاق: الملأى. وهو قول ابن زيد. وقال عكرمة: الدهاق: الصافية. وقال ابن جبير: هي " المتابعة ". وقد روي مثل ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد.
أي: باطلاً [من القول]. ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾، أي: ولا يكذب بعضهم بعضاً.
وقال قتادة: ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾، أي: مأثماً. و ﴿لَغْواً﴾: باطلاً.
- ثم قال تعالى: ﴿جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً﴾.
أي: هذا لهم جزاء لأعمالهم في الدنيا، أعطاهمه الله ذلك عطاءً كافياً.
يقال: أحسبني الشيء، أي: كفاني. وقيل: ﴿حِسَاباً﴾ بمعنى: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا، يعطون على قدر أعمالهم.
- قوله تعالى: ﴿رَّبِّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا (الرحمن)﴾. إلى آخر السورة.
[من] رفع ﴿رَّبِّ﴾ فعلى الابتداء، أو على إضمار مبتدأ.
ومن خفضه فعل البدل من قوله: من ربك أو على النعت.
والمعنى: هو مالك السماوات والأرض ما بينهما من الخلق.
- ﴿الرحمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً﴾.
(أي): لا يقدر أحد من خلقه على خطابه يوم القيامة إلا من أذن له منهم.
- ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً﴾.
أي: يجازيهم في يوم يقوم الروح. قال ابن مسعود: " الروح ملك السماء الرابعة، هو أعظم من السماوات والجبال ومن الملائكة، يسبح الله كل يوم اثنتي عشرة ألف تسيبحة، [يخلق] الله من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة فيجيء يوم القيامة صفاً [واحداً] ".
وقال ابن عباس: (هو) ملك من أعظم الملائكة خلقاً.
وقال الضحاك والشعبي: الروح هنا: جبريل عليه السلام.
وقالوا أبو صالح: " يشبهون الناس وليسوا بالناس ".
وقال قتادة: الروح (بنو آدم. وهو قول الحسن.
وعن ابن عباس أيضاً [أنه] أرواح) بني آدم تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن يردها الله إلى الأجسام.
وقال ابن زيد: هو القرآن. وقرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢]، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن في الكلام فيتكلم.
روي أنهم يؤذن لهم في الكلام حين يُمَرُّ بأهل النار إلى النار، وبأهل الجنة إلى
وقال عكرمة: يمر بأناس من أهل النار على ملائكة فيقولون: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقال: إلى النار. فتقول: بما كسبت أيديهم، وما ظلمهم (الله). ويمر بأناس من أهل الجنة على ملائكة فيقولون: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: برحمة الله دخلتم الجنة.
وعن ابن عباس أنه قال: إلا من أذن لهم الرب بشهادة أن لا إله إلا الله. وهو منتهى الصواب.
وقال مجاهد: ﴿وَقَالَ صَوَاباً﴾.
(أي: " وقال حقاً في الدنيا عمل به ".
أي): قال لا إله إلا الله وهو قول عكرمة.
- ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ اليوم الحق﴾.
أي: يوم يقوم فيه الروح والملائكة صفاً يوم حَقٌّ إتيانه لا شك فيه.
- ثم قال تعالى: ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ مَآباً﴾.
أي: فمن شاء في الدنيا اتخذ بالعمل الصالح والإيمان إلى ربه في ذلك اليوم مرجعاً ومنجى وسبيلاً (وطريقاً إلى رحمته. وفي الكلام معنى التهدد والوعيد، أي: من لم يفعل ذلك فسيرى ما يحل به) غداً.
أي: حذرناكم عذاباً قد دنا منكم فقرب، وذلك.
﴿يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾.
في الدنيا من خير وشر فيجازى عليه. ف ﴿مَا﴾ بمعنى " الذي "، أي: ينظر العمل الذي عمل في الدنيا من خير (وشر).
ويجوز أن/ تكون ﴿مَا﴾ استفهاماً، أي: ينظر أي شيء قدمت يداه في الدنيا من العمل، أخير هو أم شر؟ فيجازى عليه.
قال الحسن: " (المرء) هنا: المؤمن يحذر الصغيرة ويخاف الكبيرة ".
- ثم قال: ﴿وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً﴾.
قال أبو هريرة: إن الله يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان، ثم [يقتص] لبعض البهائم من بعض، حتى يقتص [للجماء] من ذات القرن، ثم يقول للبهائم والطير والدواب: كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً.
وقال عبد الله بن عمرو: إذا كان يوم القيامة، مد الله تعالى الأرض مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يجعل القصاص بين الدواب حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء نَطَحَتْهَا، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب قال لها: كوني