مكية عددها أربعون آية كوفي
ﰡ
" فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث المؤمنين فإذا رأى رجلا من المشركين كف عن الحديث حتى يذهب، ثم أقبلوا بجماعتهم فقالوا: يا محمد، أبخلت بما كنت تحدثنا؟ لو أنك حدثتنا عن القرون الأولى فإن حديثك عجب، قال: لا، والله لا أحدثكم بعد يومى هذا وربى قد نهانى عنه "فأنزل الله تعالى ﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ يعني القرآن كقوله:﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾[ص: ٦٧] لأنه كلام الله تعالى، قال: ﴿ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ٣] يقول: لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه، ولا يؤمنون به؟ فصدق بعضهم به، وكفر بعضهم به، فاختلفوا فيه، ثم خوفهم الوعيد، فقال: ﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤] إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة ظالمى أنفسهم، يضربون وجوههم وأدبارهم، ثم قال: ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥] وعيد على أثر وعيد نزلت في حيين من أحياء العرب يعني عبد مناف ابن قصي، وبني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، نظيرها في﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ ﴾[التكاثر: ١] ثم ذكر صنعه ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة وقد كذبوا بالقيامة والبعث فعظم الرب نفسه تبارك وتعالى فقال: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً ﴾ [آية: ٦] يعني فراشاً وأيضاً بساطاً مسيرة خمسمائة عام ﴿ وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾ [آية: ٧] على الأرض لئلا تزول بأهلها فاستقرت وخلق الجبال بعد خلق الأرض. ثم قال: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [آية: ٨] يعني أصنافاً ذكوراً وإناثاً، سوداً وبيضاً وحمراً وأدماً، ولغات شتى، فذلك قوله: ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ فهذا كله عظمته، ثم ذكر نعمته فقال ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ [آية: ٩] يقول: إذا دخل الليل أدرككم النوم فتستريحون، ولولا النوم ما استرحتم أبداً من الحرص وطلب المعيشة، فذلك قوله: ﴿ سُبَاتاً ﴾ لأنه يسبت والنائم مسبوت كأنه ميت لا يعقل ﴿ وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً ﴾ [آية: ١٠] يعني سكناً، كقوله:﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ ﴾[البقرة: ١٨٧] يعني سكناً لكم فألبسكم ظلمته على خير وشر كثير، ثم قال: ﴿ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً ﴾ [آية: ١١] لكى تنتشروا لمعيشتكم فهذان نعتمان من نعم الله عليكم، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه فقال: ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ [آية: ١٢] يعني بالسبع السموات وغلظ كل سماء مسيرة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك نظير في المؤمنين:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ ﴾[الآية: ١٧] فذلك قوله: ﴿ شِدَاداً ﴾ قال: وهى فوقكم يا بنى آدم فاحذروا، لا تخر عليكم إن عصيتم. ثم قال: ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾ [آية: ١٣] يعني الشمس وحرها مضيئا، يقول: جعل فيها نوراً وحراً، ثم ذكر نعمه فقال: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ [آية: ١٤] يعني مطراً كثيراً منصبا يتبع بعضه بعضا، وذلك أن الله عز وجل يرسل الرياح فتأخذ الماء من سماء الدنيا من بحر الأرزاق، ولا تقوم الساعة ما دام به قطرة ماء، فذلك قوله:﴿ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾[الذاريات: ٢٢] قال تجىء الريح فتثير سحابا فتلحقه، ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعاً من خلل السحاب، قال: ﴿ لِّنُخْرِجَ بِهِ ﴾ يعني بالمطر ﴿ حَبّاً ﴾ يعني بالحبوب كل شىء يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم ونحوها من الحبوب، قال: ﴿ وَنَبَاتاً ﴾ [آية: ١٥] يعني كل شىء ينبت في الجهال واصحارى من الشجر والكلأ فذلك النبات، وهي تنبت عاماً بعام من قبل نفسها ﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ [آية: ١٦] يعني وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر.
﴿ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ يعني وفرجت السماء، يعني وفتقت السماء فتقطعت ﴿ فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ [آية: ١٩] يعني خللا خللا فشبها الله بالغيم إذا انكشفت بعد المطر، ثم تهيج به الريح الشمال الباردة فينقطع فيصير كالأبواب ﴿ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ ﴾ يعني وانقلعت الجبال من أماكنها، فطارت بين السماء والأرض من خشية الله، فضرب الله لها مثلا، فقال: ﴿ فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾ [آية: ٢٠] يعني مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء، فإذا أتاه لم يجده شيئاً، فذلك قوله:﴿ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾[النمل: ٨٨] يعني من بعيد يحسبها جبلا قائماً، فإذا انتهى إليه ومسه لم يجده شيئاً، فتصير الجبال أول مرة كالمهل، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش، ثم تذهب فتصير لا شىء فتراها تحسبها جبالا، فإذا مسستها لم تجدها شيئاً، فذلك قوله: ﴿ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ ﴾ يعني انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سراباً فما حالك يا بن آدم.﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ﴾ [آية: ٢١] ﴿ لِّلطَّاغِينَ ﴾ يعني الكافرين ﴿ مَآباً ﴾ [آية: ٢٢] يعني المشركين مرجعاً إليها نزلتفي الوليد بن المغيرة ﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ ﴾ ثم ذكركم يلبثون في النار فلم يوقت لهم فقال: ﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ ﴾ يعني في جهنم ﴿ أَحْقَاباً ﴾ [آية: ٢٣] يعني في جهنم أحقابا وهى سبعة عشر حقباً، يعني الأزمنة والأحقاب لا يدرى عددها، ولا يعلم منتهاهه إلا الله عز وجل، الحقب الواحد ثمانون سنة، السنة فيها ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم فيها مقدار ألف سنة، وكان هذا بمكة، وأنزل الله عز وجل ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا ﴾ في تلك الأحقاب ﴿ بَرْداً ﴾ يعني برد الكافور ﴿ وَلاَ شَرَاباً ﴾ [آية: ٢٤] يعني الخمر كفعل أهل الجنة، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾ [آية: ٢٥] ﴿ إِلاَّ حَمِيماً ﴾ يعني حاراً، وأيضاً لا يذقون في جهنم برداً ولا شراباً، يعني لا يذقون فيها روحا طيباً، ولا شراباً بارداً ينفعهم من هذه النار. قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد بن يحيى ويقال: البرد: اليوم.
﴿ إِلاَّ حَمِيماً ﴾ يعني بالحميم المذاب الذي قد انتهى حره.
﴿ وَغَسَّاقاً ﴾ الذي قد انتهى برده، وهو الزمهرير الذي انتهى برده ﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾ [آية: ٢٦] كما أنه ليسفي الأعمال أخبث من الشرك بالله عز وجل وكذلكم ليس من العذاب شىء أخبث من النار فوافقت النار الشرك، ثم قال: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً ﴾ [آية: ٢٧] يعني أنهم كانوا لا يخافون من العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها، قال: ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ يعني القرآن ﴿ كِذَّاباً ﴾ [آية: ٢٨] يعني تكذيباً بما فيه من الأمر والنهي، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة فقال: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ ﴾ من الأعمال ﴿ كِتَاباً ﴾ [آية: ٢٩] يعني ثبتناه مكتوباً عندنا في كتاب حفيظ يعني اللوح المحفوظ ﴿ كِتَاباً ﴾ يعني ما عملوا من السيئات أثبتناه في اللوح المحفوظ مثلها، في يس:﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾[آية: ١٢] ثم رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم: ﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ [النبأ: ٢٣] فذكر أن الخزنة تقول لهم: ﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ [آية: ٣٠].
قال مقاتل، عن أبى الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قال:" الزيادة خمسة أنهار من تحت العرش على رؤس أهل النار ثلاثة أنها على مقدار الليل، ونهران على مقدار النهار "، كقوله في النحل:﴿ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ﴾[الآية: ٨٨].
قال: ﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ بعد هذه السنين، فأما الزيادة فالأنهار، أما الآن الذي ذكره الله عز وجل في الرحمن فليس له منتهى.
﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ بالكلام ﴿ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ [آية: ٣٨] يعني شهادة ألا إله إلا الله، فذلك الصواب ﴿ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ﴾ لأن العرب قالوا: إن القيامة باطل، فذلك قوله: ﴿ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ﴾ ﴿ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً ﴾ [آية: ٣٩] يعني منزلة يعني الأعمال الصالحة، ثم خوفهم أيضاً العذاب في الدنيا فقال: ﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ يعني في الدنيا القتل ببدر، وهلاك الأمم الخالية، وإنما قال قريباً لأنها أقرب من الآخرة، ثم رجع إلى القول الأول حين قال: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً ﴾ فقال: ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ يعني الإنسان الخاطىء يرى عمله أسود مثل الجبل ﴿ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ﴾ [آية: ٤٠] وذلك أن الله عز وجل يجمع الوحوش والسباع يوم القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم، حتى ليأخذ للجماعة من القرناء بحقها، ثم يقول لهم: كونوا تراباً فيتمنى الكافر لو كان خنزيراً في الدنيا ثم صار تراباً كما كانت الوحوش والسباع ثم صارت تراباً.