ﰡ
قوله تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ اثنى الله على نفسه بانعامه على خلقه بما هو أعظم نعمائه على الناس من إنزال القران على واحد منهم- لانه الهادي الى ما فيه كمال العباد الداعي الى ما به ينتظم لهم صلاح المعاش والمعاد- وفيه تلقين للعباد كيف يثنون عليه وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قرأ حفص عوجا في الوصل بسكتة لطيفة على الالف من غير قطع والباقون يصلون ذلك من غير سكت يعنى شيئا من العوج باختلال في اللفظ أو تناف في المعنى وانحراف من الدعوة الى جناب القدس وخروج شىء منه من الحكمة وهو في المعاني بكسر العين وفتح الواو كالعوج بفتح العين والواو في الأعيان- يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج- وقيل معناه لم يجعله مخلوقا روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى قرءانا عربيّا غير ذى عوج اى غير مخلوق.
قَيِّماً قال ابن عباس اى عدلا يعنى مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط وقال الفراء قيما على الكتب كلها يشهد بصحتها وينسخ بعض أحكامها- وقبل اى قيما بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال منصوب بمضمر- قال قتادة تقديره انزل على عبده الكتب ولم يجعل لّه عوجا ولكن جعله قيّما او على الحال من الضمير في له او من الكتاب على ان الواو فى ولم يجعل للحال دون العطف- إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا من المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير يعنى على تقدير كون الواو للعطف تقديره انزل على عبده الكتب قيّما ولم يجعل لّه عوجا- وفائدة الجمع بين نفى العوج واثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الاخر التأييد فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة لا يخلو من ادنى عوج عند التصفح لِيُنْذِرَ العبد بالقران الذين كفروا- حذف المفعول الاول اكتفاء بدلالة القرينة- واقتصارا على الغرض المسوق اليه بَأْساً اى عذابا شديدا في نار جهنم مِنْ لَدُنْهُ اى صادرا من عنده؟؟؟ أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم بضم الشفتين كقبلة المحبوب وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء- والباقون بضم الدال واسكان النون وضم الهاء وابن كثير يصلها بواو وَيُبَشِّرَ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال- والباقون بالتشديد من التفعيل
ماكِثِينَ فِيهِ اى مقيمين في ذلك الاجر أَبَداً بلا انقطاع.
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً خصصهم بالذكر فكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم ولم يذكر المنذر به هاهنا استغناء بتقدم ذكره.
ما لَهُمْ بِهِ اى بالولد او باتخاذه او بالقول مِنْ عِلْمٍ يعنى يقولون ذلك عن جهل مفرط وتوهم باطل او تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فانهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر والأثر او ما لهم بالله من علم لو علموه لما جوّزوا نسبة اتخاذ الولد اليه- او يقال عدم العلم بالشيء قد يكون لعدم انكشافه مع وجوده- وقد يكون لانعدامه واستحالته والمراد هاهنا ذلك وَلا لِآبائِهِمْ الذين تقوّلوه بمعنى التنبّى كَبُرَتْ كَلِمَةً اى عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيه من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه الى ولد يعينه ويخلفه الى غير ذلك من الزيغ وكلمة منصوب على التميز وفيه معنى التعجب والضمير في كبرت مبهم يفسره كلمة- او راجع الى قولهم اتّخذ الله ولدا- ويطلق الكلمة على الكلام المركب ايضا حيث يسمون القصيدة كلمة وقيل أصله من كلمة وهو في محل الرفع على الفاعلية ومن زائدة- ثم حذف من فانتصب بنزع الخافض تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لكلمة تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها- وقيل الجملة صفة لمحذوف «١» هو المخصوص بالذم- لان كبر هاهنا بمعنى بئس تقديره قول يخرج إِنْ يَقُولُونَ اى ما يقولون ذلك إِلَّا كَذِباً صفة لمصدر محذوف اى الا قولا كذبا يعنى ليس لهذا القول مصداق بوجه من الوجوه اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال اجتمع عتبة وشيبة ابني ربيعة وابو جهل بن هشام والنضر بن الحارث والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وابو البختري في نفر من قريش- وكان رسول الله ﷺ قد كبر عليه ما راى من خلاف قومه إياه- وانكارهم ما جاء به من النصيحة فاحزنه حزنا شديدا فانزل الله تعالى.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ اى قاتل نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ اى بعد توليتهم عن الايمان- شبّه النبي ﷺ وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والمعادن زِينَةً لَها ولاهلها فان قيل اىّ زينة في الحيّات والعقارب والشياطين- قيل فيها زينة من حيث انها تدل على صانعها ووحدته وصفاته الكاملة- وقال ابن عباس أراد بهم الرجال خاصة هم زينة الأرض وقيل أراد بهم العلماء والصلحاء- وقيل الزينة بنيات الأشجار والأنهار كما قال الله تعالى حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت- وقيل المراد بما على الأرض ما يصلح ان يكون زينة لها من نخلوف الدنيا- قلت ويمكن ان يراد بما على الأرض على العموم كما هو الظاهر وكونها زينة من حيث النظام الجملي او من حيث ان لكل شىء مدخل في الزينة- لان حسن الأشياء الحسنة تعرف كما هى عند معرفة قبح أضدادها لِنَبْلُوَهُمْ اى الناس المفهوم في ضمن قوله تعالى ويبشّر المؤمنين وينذر الّذين قالوا اتّخذ الله ولدا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فى تعاطيه وهو من تزهّد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما كفى وصرفه على ما ينبغي- قال رسول الله ﷺ ان الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً «١» جُرُزاً اى ما جعلناها زينة من الحيوان والنبات وغير ذلك من الأشياء جاعلوها ترابا ورفاتا.
أَمْ بل احَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً استفهام تقرير يعنى أعلمت انهم كانوا اية عجبا من آياتنا اى عجيبة- وصفوا بالمصدر مبالغة او على انه بمعنى الفاعل اى معجبا او ذات عجب- وقيل الاستفهام على سبيل الإنكار يعنى انهم ليسوا بأعجب آياتنا فان خلق السموات والأرض وخلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع التي لا تعدّو لا تحصى مخلوقة منها على طبائع متباعدة وهيات مختلفة ثم ردها إليها كما كانت اعجب منهم- والكهف الغار الواسع في الجبل واختلفوا في الرقيم قال سعيد بن جبير هو لوح كتب فيه اسماء اصحاب الكهف وقصتهم دو هذا اظهر الأقاويل ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة- وعلى هذا
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ يعني اذكر إذ أوى الفتية اى صاروا إِلَى الْكَهْفِ يقال أوى فلان الى موضع كذا اى اتخذه منزلا- قال البغوي وهو غار في جبل
(٢) وفي الأصل اطعمتهما واسقيتهما ١٢
(٢) وفي الأصل فناموا ١٢ منه رح
وعلقه فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض حتى أمنوا وصدقوه وكان شرط على صاحب الحمام ان الليل لى لا يحول بينى وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى اتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام فعيّره الحمامي وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيى وذهب فرجع مرة اخرى فقال له مثل ذلك فسبّه وانتهره ولم يلتفت الى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام واتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام وابنك فالتمس فلم يقدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل ايمانهم فانطلق ومعه كلب حتى اواهم الليل الى الكهف فدخلوه وقالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح ان شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله رعب فلم يطق أحد ان يدخله- فقال قائل أليس لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعبروا بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان- ثم ان راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وادخلت غنمى اليه فاكنّهم من المطر فلم
يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب الذي كان ينتكر فيها- وأخذ ورقا عن نفقتهم التي كانت معهم الذي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع- فانطلق تمليخا خارجا فلمّا مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ ولم يبال بها حتى اتى باب المدينة مستخفيا يصدعن الطريق تخوّفا ان يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر ان دقيانوس واهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة سنة- فلما اتى تمليخا باب المدينة وقع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان إذا كان امر الايمان ظاهرا فلمّا راها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا وينظر يمينا وشمالا- ثم ترك ذلك الباب فتحول الى باب اخر من ابوابها فراى مثل ذلك فجعل يخيّل اليه ان المدينة ليست بالتي كان يعرف- وراى ناسا كثيرا محدثين لم يكونوا هم قبل ذلك فجعل يمشى ويتعجب ويخيل اليه انه حيران- ثم رجع الى الباب الذي اتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعرى ما هذا- اما عشية أمس فكان المسلمون يحبون هذه العلامة ويستخفون بها واما اليوم فانها ظاهرة لعلّى نائم ثم يرى انه ليس بنائم- فاخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشى بين ظهرى سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا وراى انه حيران- فقام مسندا ظهره الى جداد من جدد المدينة وقال في نفسه والله ما أدرى اما عشية أمس فليس على وجه الأرض من يذكر عيسى بن مريم الا قليل واما الغداة فاسمعهم وكل انسان يذكر عيسى ولا يخاف- ثم قال في نفسه لعل هذا ليست بالمدينة التي اعرف والله ما اعرف مدينة قرب مدنيتنا فقام كالحيران ثم لقى فتى فقال ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل شيئا او امرا اذهب عقلى والله يحق لى ان اسرع الخروج منها قبل ان اخزى فيها او يصيبنى شر فاهلك ثم انه أفاق فقال والله لو عجّلت الخروج من المدينة قبل ان يفطن بي كان أليس بي- فدنا من الذين يبيعون الطعام فاخرج الورق التي كان معه فاعطاها رجلا منهم فقال بعنى بهذه الورق طعاما
السماء فقال اللهم اله السماء والأرض افرغ اليوم علىّ صبرا وادلج معى روحا منك يؤيدني عند هذا الجبار وجعل يبكى- ويقول في نفسه فرّق بينى وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ولو انهم يعلمون فيأتونى فنقوم جميعا بين يدى الجبار فانّا كنا توافقنا ان لا نفترق فى حيوة ولا موت ابدا- يحدث تمليخا نفسه فيما اخبر أصحابه حين رجع إليهم حتى انتهى الى الرجلين الصالحين اريوس واشطيوس فلما راى تمليخا انه لا يذهب به الى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء- فاخذ اريوس واشطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال له أحدهما اين الكنز الذي وجدت
على الفتية الى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهريه سفرة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ اريوس وأصحابه سجودا وحمدوا لله الذي أراهم اية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وانبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقيانوس- ثم ان اريوس وأصحابه بعثوا بريدا الى ملكهم الصالح بيدوسيس ان اعجل لعلك تنظر الى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك وجعلها اية للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث- فاعجل الى فتية بعثهم الله عزّ وجل وقد كان توفّاهم اكثر من ثلاث مائة سنين- فلما اتى الملك الخبر قام فرجع اليه عقله وذهب همه فقال أحمدك رب السموات والأرض وأعبدك واسبح لك تطولت علىّ ورحمتنى ولم تطف النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلمّا نبّابه اهل المدينة كبوا اليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف- فلمّا راى الفتية بيدوسيس فرحوا به وخرّوا سجدا على وجوههم- وقام بيدوسيس قدامهم ثم اعتنقهم وركا وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون ويحمدونه- ثم قال الفتية لبيدوسيس نستودعك الله والسّلام عليك ورحمة الله وحفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الجن والانس- فبينما الملك قائم إذ رجعوا الى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم- وقام الملك إليهم وجعل ثيابهم عليهم وامر ان يّجعل كل رجل منهم فى تابوت من ذهب فلمّا امسى ونام أتوه فقالوا له انا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب والى التراب
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ اى ضربنا حجابا على مسامعهم يمنع نفوذ الأصوات فيها وهو النوم اى أنمناهم نوما لا ينبههم الأصوات- فحذف المفعول كما حذف فى قوله بنى على امرأته فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا عَدَداً اى ذوات عدد وصف به السنين ليدل على الكثرة فان القليل لا يعد عادة.......
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ اى أيقظناهم لِنَعْلَمَ اى ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا...... أَيُّ الْحِزْبَيْنِ اى الطائفتين أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) اى غاية- اىّ مبتدأ واحصى خبره وهو فعل ماض وأمدا مفعوله ولما لبثوا حال منه وما مصدرية وما فى اىّ من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم والمعنى ايّهم ضبط أمدا كائنا لزمان لبثهم- وقيل اللام زائدة وما لبثوا مفعول لاحصى وهو فعل ماض وما موصولة وأمدا تميز- وقيل احصى اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد كقولهم حصى للمال وأفلس من ابن المدلف- وأمدا نصب لفعل دل عليه كقوله واضرب بالسيوف القوانسا-.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ اى خبر اصحاب الكهف بِالْحَقِّ متلبسا بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اى شبّان جمع فتى كصبى وصبية..... آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) ايمانا وبصيرة يعنى أعطيناهم ايمانا حقيقيّا يحصل بعد فناء النفس فوق الايمان المجازى الذي هو الإقرار باللسان والتصديق بالقلب مع طغيان النفس وكفرانه.
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ
هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان له اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله آلِهَةً يعنى الأصنام يعبدونها والجملة خبر للمبتدا اخبار فى معنى الإنكار لَوْلا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ اى على عبادتهم فحذف المضاف بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى ببرهان ظاهر فان الدين لا يؤخذ الا بالبرهان والظن والتقليد لا يجوز اتباعه فى العقائد- وفيه تبكيت فان اقامة البرهان على عبادة الأوثان محال فَمَنْ اى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وزعم ان له شريكا وولدا فان الافتراء على كل أحد ظلم فكيف على الله تعالى- ثم قال بعضهم لبعض حين تصمموا على الفرار بدينهم.
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعنى قومكم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ عطف على الضمير المنصوب اى إذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم الا الله فانهم كانوا يعبدون الله والأصنام كسائر المشركين ويجوز ان يكون ما مصدرية يعنى وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم الا عبادة الله ويجوز ان يكون نافية على انه اخبار من الله عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذا وجوابه لتحقيق اعتزالهم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ اى صيروا اليه واتخذوه مسكنا كيلا يجاوركم الكفار يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ اى ليبسط لكم الرزق ويوسع عليكم فى الدارين مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) بكسر الميم وفتح الفاء اسم فمعز الدولة- اى ما يرتفق اى ينتفع به جزموا بذلك لقوة وثوقهم بفضل الله- وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر من الأوزان الشاذة كالمرجع والمحيض وقياسه فتح العين.
وَتَرَى الشَّمْسَ لو رايتهم الخطاب لرسول الله ﷺ او لكل أحد إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ قرأ ابن عامر ويعقوب تزورّ بإسكان الزاء المنقوطة وتشديد
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جمع يقظ لانفتاح عيونهم او لكثرة تقلبهم وَهُمْ رُقُودٌ نيام جمع راقد كقاعد وقعود وَنُقَلِّبُهُمْ فى رقدتهم من غير إرادتهم ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ اى مرة للجنبة ذات اسم اليمين ومرة للجنبة ذات اسم الشمال- قال ابن عباس كانوا يتقلبون فى السنة مرة من جانب الى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم «١» - قيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم- وقال ابو هريرة كان لهم كل سنة لقليبا وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل
وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم فى الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان بَعَثْناهُمْ من تلك النومة الطويلة المشبهة بالموت اية على كمال قدرتنا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ اى ليتساءل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم
إِنْ يَظْهَرُوا اى يطلعوا عَلَيْكُمْ او يظفروا بكم يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ اى يصيّروكم إليها كرها فالعود بمعنى الصيرورة وقيل هو بمعناه وكانوا اولا فى دينهم فامنوا وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً اى إذا دخلتم فى ملتهم أَبَداً (٢٠).
وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم وبعثناهم ليزداد وبصيرة أَعْثَرْنا اى اطلعنا الناس يقال عثرن على الشيء إذا اطلعت عليه واعثرت غيرى اى اطلعته عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا اى ليعلم الذين
هر كسى در ظن خود شد يار من | واز درون من نجست اسرار من |
سَيَقُولُونَ اى المتنازعون فى عدد الفتية فى زمن النبي ﷺ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ اى جاعلهم اربعة بانضمامه إليهم وثلاثة خبر مبتدأ محذوف اى هم ثلاثة وجملة رابعهم كلبهم صفة لثلاثة وكذا ما بعده وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه قال البغوي روى ان السيد والعاقب وأصحابها من نصارى نجران كانوا عند النبي ﷺ فجرى ذكر اصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيّا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم- وقال العاقب وكان نسطوريّا كانوا خمسة سادسهم كلبهم فرد الله عليهم قولهم بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ منصوب على المصدريّة بفعل مقدر يعنى يرجمون رجما ويرمون رميا بالخبر الغائب عنهم يعنى ليس فى خزانة علمهم ذلك- او على العلية متعلق بقوله يقولون ومعنى رجما ظنّا وضع الرجم موضع الظن لانهم يقولون كثيرا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق بينهم فرق بين العبارتين كذا قال فى المدارك يعنى ليس اخبار الفريقين مستندا الى علم مطابقا للواقع وَيَقُولُونَ يعنى المسلمين بأخبار الرسول ﷺ وعن جبرئيل سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ادخل الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على ان اتصافه ثابت- وقيل هذه واو الثمان وذلك ان العرب يعدّ فيقول واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لان العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ومنه قوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ- وقوله تعالى فى ازواج النبي ﷺ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً-
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ واخرج ابن المنذر عن مجاهد انه قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وذى القرنين- فسالوه فقال ايتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطا عنه الوحى بضعة عشر يوما- حتى شق عليه وكذّبته قريش فانزل الله هذه الاية- وقد ذكر في أوائل السورة ما اخرج ابن جرير نحوه- وكذا ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ والاستثناء استثناء من النهى- اى لا تقولنّ لاجل شيء تعزم عليه انّى فاعل ذلك الشيء فيما يستقبل من الزمان الّا ان يشاء الله- يعنى لا تقولنّ في حال من الأحوال الا متلبسا بمشيته اى الّا قائلا ان شاء الله: او في وقت من الأوقات الا وقت مشيّته ان تقوله بمعنى الا وقت ان يأذن لك
- فلا يكون الظرفية على تلك التأويلات الا مجازا والحمل على الحقيقة اولى- وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ قرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا فقط وابن كثير بالياء في الحالين والباقون يحذفوها فيهما أي يهدنى رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا المنسى رَشَداً (٢٤) اى خيرا وصلاحا عطف على اذكر- يعنى إذا نسيت الاستثناء او شيئا مما أمرك الله بإتيانه فاذكر الله بالتسبيح والاستغفار واستعنه وقل عسى ان يهدين ربّى لشيء اخر أفضل من هذا المنسى واقرب منه رشدا- او ذلك الندم والتوبة والاستغفار مع القضاء وقيل ان القوم لمّا سالوه عن قصة اصحاب الكهف على وجه العناد امره الله عزّ وجلّ ان يخبرهم بان الله سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو ادلّ من قصة اصحاب الكهف- وقد فعل حيث أتاه علم غيب المرسلين وعلم ما كان وما يكون ما هو أوضح في الحجة واقرب الى الرشد من خبر اصحاب الكهف- وقال بعضهم هذا شيء امر الله رسوله ان يقوله مع قوله ان شاء الله لا اترك الاستثناء ابدا إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان- يعنى إذا ترك الإنسان ان شاء الله ناسيا ثم ذكره فتوبته من ذلك ان يقول عسى ان يهدين ربّى لاقرب من هذا رشدا- وعلى تأويل الصوفية فمعنى الاية واذكر ربّك إذا نسيت غيره وقل عسى ان يهدين ربّى اى يوصلنى لشيء هو اقرب من هذا الذكر رشدا وهو ذات الله سبحانه الّذي هو اقرب من حبل الوريد.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ يعنى لبثوا اصحاب الكهف احياء مضروبا على آذانهم- وهذا بيان من الله تعالى لما أجمله من قبل حيث قال فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا- وقيل هذا خبر عن اهل الكتاب انهم قالوا ذلك- ولو كان خبرا من الله تعالى عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل الله اعلم بما لبثوا وجه وهذا قول قتادة- و
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقال البغوي روى عن علّى عليه السّلام انه قال عند اهل الكتاب انهم لبثوا ثلاث مائة سنة شمسية والله تعالى ذكر ثلاث مائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في ثلاث مائة تسع سنين فلذلك قال وازدادوا تسعا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى مختص به تعالى ما غاب من غيره في السموات والأرض أَبْصِرْ بِهِ اى بالله تعالى وَأَسْمِعْ ذكر كماله تعالى في الابصار والسمع بصيغة التعجب للدلالة على ان امره تعالى في الإدراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء- ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفى وجلى ما لَهُمْ ما لاهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ اى من دون الله مِنْ وَلِيٍّ ينصرهم ويتولى أمرهم وَلا يُشْرِكُ قال البغوي قرأ ابن عامر لا تشرك بالتاء على الخطاب والنهى ولم يذكر الداني في التيسير خلاف ابن عامر- وقرأ الجمهور بالياء اى لا يشرك الله فِي حُكْمِهِ اى في قضائه او في امره ونهيه أَحَداً (٢٦) منهم ولا يجعل لاحد فيه مدخلا- وقيل الحكم هاهنا بمعنى علم الغيب اى لا يشرك في علم غيبه أحدا- ثم لمّا دل اشتمال القران على قصة اصحاب الكهف من حيث انها من المغيبات بالاضافة الى الرسول ﷺ على انه وحي معجز- امره بان يداوم درسه ويلازم أصحابه فقال.
وَاتْلُ ما
اى القران واتبع ما فيه ولا تلتفت الى قولهم ايت بقرآن غير هذا او بدّله فانه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره- وقيل معناه لا مغير لما أوعد بكلماته اهل معصية وَلَنْ تَجِدَ أنت يا محمد مِنْ دُونِهِ ان لم تتبع القران مُلْتَحَداً (٢٧) قال ابن عباس حرزا وقال الحسن مدخلا وقيل مهربا وأصله من الميل-.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ يا محمد اى احبسها وثبتها- قال البغوي هذه الاية نزلت في عيينة بن حصير الفزاري اتى النبي ﷺ قبل ان يسلم- وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها ويبده خرصة يشقها ثم ينسجها- قال عيينة للنبى ﷺ اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك او اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا- فانزل الله تعالى واصبر نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر بضم الغين وسكون الدال وواو مفتوحة- والباقون بفتح الغين والدال والف بعدها وَالْعَشِيِّ اى في جميع أوقاتهم او في طرفى النهار يُرِيدُونَ بعبادتهم إياه وَجْهَهُ لفظ الوجه مقحم كما في قوله تعالى ويبقى وجه ربّك- والمعنى يريدون الله لا شيئا اخر من الدنيا والاخرة- قال قتادة نزلت في اصحاب الصفة وكانوا سبع مائة رجل فقراء في مسجد رسول الله ﷺ لا يرجعون الى زرع ولا ضرع ولا تجارة- يصلون صلوة وينتظرون اخرى- فلما نزلت لهذه الاية قال النبي ﷺ الحمد لله الّذي جعل في أمتي من امر ربّى ان اصبر معهم- وقد ذكرنا بعض ما ورد في سبب نزول هذه الاية في سورة الانعام في تفسير قوله تعالى ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم الاية وَلا تَعْدُ اى لا تصرف عَيْناكَ عَنْهُمْ الى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من الكاف اى تصرف عيناك حال كونك تطلب مجالسة الأغنياء ومصاحبة اهل الزينة من الدنيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال البغوي يعنى عيينة بن حصين- وقيل امية بن خلف اخرج ابن مردوية من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الاية قال نزلت في امية بن خلف الجمحي- وذلك انه دعا النبي ﷺ الى امر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد اهل مكة فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع قال حدثنا ان النبي ﷺ تصدّى لامية بن خلف وهوساه غافل
وَقُلِ يا محمد الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ مبتدأ وخبر يعنى الحق ما حقه الله لا ما يقتضيه الهوى ويجوز ان يكون الحق خبر مبتدأ محذوف ومن ربكم حالا يعنى الإسلام او القران هو الحق كائنا من ربكم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ صيغة تخيير استعمل للتهديد والوعيد كانه جواب لما قال عيينة للنبى ﷺ اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك ومعناه الحق كائن من ربك والله يأمر بصبر النفس والمجالسة مع هؤلاء وينهى عن طردهم فان شئتم أمنوا وان شئتم فاكفروا لا أبالي بايمان من أمن منكم ولا بكفر من كفر منكم- فان نفع الايمان ومضرة الكفر انما يعود إليكم إِنَّا أَعْتَدْنا هيّئنا لِلظَّالِمِينَ اى الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجرة يطيف بالفساطيط قال في النهاية هو كل ما أحاط بشيء من حائط او مضرب او خباء- قالوا هو لفظ مفرد معرب إذ ليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه الف وبعده حرفان وجاز ان يكون جمع سردق- روى احمد والترمذي والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) خبر ان الاولى هى الثانية بما في حيزها- والراجع محذوف تقديره من احسن عملا منهم- او مستغنى عنه لعموم من احسن عملا- كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد- او واقع موقعه الظاهر فان من احسن عملا لا يحسن إطلاقه الا على الذين أمنوا وعملوا الصّالحات.
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة يقال عدن الماء بالمكان إذا اقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
جملة أولئك استيناف لبيان الاجر- ويحتمل ان يكون هذا خبرا لانّ الاولى ويكون ان الثانية مع ما في حيزها اعتراضا- او يكون هذا خبرا ثانيا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة او أسوار في جمع سوار ومن للابتداء مِنْ ذَهَبٍ صفة لاساور ومن للبيان- والتنكير في أساور وذهب لتعظيم حسنها من الإحاطة به- اخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لو ان ادنى اهل الجنة حلية عدلت بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله تعالى به في الاخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا واخرج ابو الشيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان لله ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من أول خلفه الى ان تقوم الساعة- ولو ان حليّا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً اخرج ابن السنى وابو نعيم كلاهما في طب النبي ﷺ عن انس قال كان أحب الألوان الى رسول الله ﷺ الخضرة مِنْ سُنْدُسٍ وهو مارق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ وهو ما غلظ منه- قال البغوي معنى الغلظ في ثياب الجنة أحكامه- وعن عمر الحربي قال السندس هو الديباج المنسوج بالذهب- اخرج النسائي والطيالسي والبزار والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله أخبرنا عن ثياب اهل الجنة.... اخلق يخلق أم سيج يسج- فضحك بعض القوم فقال رسول الله ﷺ ممّ نضحكون من جاهل يسئل عالما- ثم قال بل ينشق عنها ثم الجنة مرتين- واخرج البزار وابو يعلى والطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد الله قال في الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب اهل الجنة مُتَّكِئِينَ فِيها اى في الجنة خص بالذكر هيئة الاتكاء لكونها هيئة المتنبعين والمملوك على الاسرة عَلَى الْأَرائِكِ وهى السر في الحجال واحدتها اريكة- اخرج البيهقي عن ابن عباس في هذه الاية قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير في الحجلة- فان كان سرير بغير حجلة لا تكون اريكة وان كان حجلة بغير سرير لا تكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة واخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ وياقوت نِعْمَ الثَّوابُ اى نعم الجزاء الجنة ونعيمها وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) اى حسنت الجنات مجلسا ومقرّا- او حسنت الأرائك متكا.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ الاية- قال البغوي قيل نزلت في أخوين من اهل مكة من بنى مخزوم أحدهما مؤمن وهو ابو سلمة
وروى انه لما اتى فاخذ بيده وجعل يطوف به ويريه اموال نفسه فنزل فيهما واضرب لهم اى للكافرين والمؤمنين مثلا رّجلين اى مثل رجلين يعنى حال رجلين مقدرين او موجودين في زمن النبي ﷺ او في الزمان السابق- فرجلين بحذف المضاف بدل من مثل وما بعده تفسير للمثل جَعَلْنا لِأَحَدِهِما اى للكافر منهما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ اى بستانين من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل او صفة لرجلين وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ اى جعلنا الجنتين محفوفتين اى محاطتين بنخل يعنى جعلنا النحلة محيطة بها- يقال حفه القوم إذا احاطوا به-
(٢) وفي الأصل فقصه عليه قصة ١٢
(٣) وفي الأصل انك لمصدقين ١٢
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ اى اعطت أُكُلَها اى ثمرها أفرد الضمير لافراد لفظ كلتا وَلَمْ تَظْلِمْ اى لم تنقص مِنْهُ اى من أكلها شَيْئاً يعهد في سائر البساتين فان الثمار يتم في عام وينقص في عام غالبا وَفَجَّرْنا قرأ يعقوب «١» بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها- اى شققنا وأخرجنا خِلالَهُما اى وسطها نَهَراً (٣٣) ليدوم شربها ويبقى زهرتها.
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قرأ عاصم بفتح الثاء والميم وابو عمرو بضم الثاء واسكان الميم- والباقون بضمهما وكذلك في قوله وأحبط بثمره- قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر يعنى بفتح الثاء والميم- ويجمع الثمر على ثمار ثم يجمع الثمار على ثمر بالضمتين- وفي القاموس الثمرة محركة حمل الشجر وانواع المال- الواحدة ثمره وثمرة وجمعه ثمار وجمع الجمع ثمر وجمع جمع الجمع اثمار والذهب والفضة والنسل والولد- قيل المراد انه كان لصاحب البساتين ثمر اى انواع من المال سوى الجنتين كثيرة مثمرة من ثمر ماله إذا كثر- وقال مجاهد يعنى ذهب وفضة وقال البغوي من قرأ بفتح الثاء فهى جمع ثمرة وما يخرجه الشجر من الثمار الماكولة ومن قرأ بالضم فهى الأموال الكثيرة المثمرة فَقالَ صاحب البستانين لِصاحِبِهِ الفقير المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ اى يراجعه في الكلام من حاور إذا راجع أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) اى حشما وأعوانا وقيل أولادا ذكورا- لانهم الذين ينفرون معه يدل عليه قوله ان ترن انا أقلّ منك مالا وولدا.
وَدَخَلَ الكافر جَنَّتَهُ بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها- وافراد الجنة لان الدخول يكون في واحدة واحدة- او لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى- او سماهما جنة لاتحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما- أو لأن المراد ما هو جنته الّتي منعته من جنة الخلد الّتي وعد المتقون وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ اى ضار لها لعجبه وكفره قالَ ما أَظُنُّ ان تَبِيدَ اى تفنى هذِهِ الجنة أَبَداً (٣٥) لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته- لعل المراد انه زعم انه لا يزال له الغنى والمال والجنتان ما دام حيّا- والا فليس من عاقل مومنا كان او كافرا يعلم انه لا يموت ويبقى حيا ابدا- او المراد انه قال ذلك بلسان الحال فان الغافلين المنهمكين في الدنيا
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى كائنة قاله ذلك لكونه كافرا منكرا للبعث- ثم قال على تقدير التنزل وفرض البعث وَلَئِنْ رُدِدْتُ بعد الموت والبعث إِلى رَبِّي كما زعمت لَأَجِدَنَّ فى الاخرة خَيْراً مِنْها قرأ اهل البصرة والكوفة بافراد الضمير اى من الجنة الّتي دخلها وقرأ الحجازيان والشامي منهما بتثنية الضمير وكذلك هو في مصاحفهم يعنى خيرا من الجنتين مُنْقَلَباً (٣٦) اى مرجعا وعاقبة- انما قال ذلك لاعتقاده ان الله تعالى انما أعطاه ما أعطاه في الدنيا لكرامته على الله واستحقاقه ذلك-.
قالَ لَهُ اى للكافر صاحِبُهُ المسلم وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لانه اصل مادتك او مادة أصلك آدم عليه السّلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فانها مادتك القريبة ثُمَّ سَوَّاكَ عدلك وكملك إنسانا رَجُلًا (٣٧) ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لان انكار البعث منشأه الشك في كمال قدرة الله ولذلك؟؟؟ رتب الإنكار على خلقه إياه من تراب- فانه من قدر على بدء خلقه من التراب قادر على ان يعيده منه.
لكِنَّا قرأ الجمهور بالألف وقفا تبعا للخط وبلا الف وصلا- لان أصله لكن انا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان وادغمتا وبقي الالف في الخط فيقرأ الالف وقفا كما يقرأ وقفا في انا- ولا يقرأ وصلا كما لا يقرأ في انا وصلا- وقرأ ابن عامر ويعقوب بالألف في الوصل ايضا لتعويضها من الهمزة او لاجراء الوصل مجرى الوقف هُوَ اللَّهُ رَبِّي هو ضمير الشان والجملة خبره- وجاز ان يكون هو ضمير الله والله بدله وربّى خبره وجملة هو الله ربّى مفعول لفعل محذوف تقديره أقول هو الله ربّى- وجملة أقول خبرانا والراجع ضمير أقول والدليل على تقدير أقول عطف قوله وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحَداً (٣٨) والاستدراك من اكفرت كانه قال أنت كافر بالله لكنى مؤمن موحد كما يقال زيد غائب لكن عمروا حاضر- قال البغوي قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه لكن الله هو ربّى وعلى هذا الالف في لكنّا زائد في رسم الخط على خلاف القياس-.
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ يعنى هلّا قلت عند دخولها ما شاءَ اللَّهُ اى الأمر ما شاء الله او ما شاء الله كائن على ان ما موصولة- او اى شيء شاء الله كان على انها شرطية والجواب محذوف اقرار بانها وما فيها
(٣٩) انا ضمير فصل- او تأكيد للمفعول الاول- وقرئ أقلّ بالرفع على انه خبر انا والجملة مفعول ثان لترن.
فَعَسى رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنْ يُؤْتِيَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين اى يعطنى في الدنيا والاخرة خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وهو جواب الشرط وَيُرْسِلَ عَلَيْها اى على جنتك لاجل كفرك حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قال قتادة عذابا- وقال ابن عباس نارا- وقال القتيبي مرامى- وقال البيضاوي وجمع حسبانة وهى الصواعق قيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها او عذاب الأعمال السيئة بحسابها فَتُصْبِحَ الجنة صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) اى أرضا ملسا تزلق عليها الاقدام باستيصال بناتها وأشجارها- وقال مجاهد رملا هائلا.
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً اى غائرا ذاهبا في الأرض- مصدر يوصف به كالزلق فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ اى للماء الغائر الذاهب في الأرض طَلَباً (٤١) اى ترددا في رده فضلا من رده-.
وَأُحِيطَ اى أحاط العذاب بِثَمَرِهِ اى ثمر جنته او أمواله اى أهلكها من حيث لم يتوقعه صاحبه- وهو مأخوذ من احاطته العدو- فانه إذا أحاط به غلبه وأهلكه فَأَصْبَحَ صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ اى يصفق بيده على الاخرى- او يقلّب كفّيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا عَلى ما أَنْفَقَ من المال فِيها اى في عملوة الجنة- وهو متعلق بيقلب لان تقليب الكف كناية عن الندم- فكانه قال فاصبح يندم على ما أنفق- او حال اى متحسرا على ما أنفق فيها وَهِيَ اى الجنة خاوِيَةٌ ساقطة عَلى عُرُوشِها بان سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم على العروش وَيَقُولُ
وَلَمْ تَكُنْ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية- لان تأنيث الفاعل غير حقيقى لَهُ فِئَةٌ اى جماعة يَنْصُرُونَهُ يقدرون على نصره بدفع العذاب يوم القيامة أورد المهلك والإتيان بمثله في الدنيا مِنْ دُونِ اللَّهِ فانه القادر على ذلك وحده لكنه لم ينصره لكفره وَما كانَ ذلك الكافر مُنْتَصِراً (٤٣) بقوته عن انتقام الله منه.
هُنالِكَ اى في ذلك المقام والحال يعنى حين يبعث يوم القيامة الْوَلايَةُ قرأ الحمزة والكسائي بكسر الواو يعنى السلطان والباقون بفتح الواو بمعنى الموالاة والنصرة كقوله تعالى الله ولىّ الّذين أمنوا- وقيل بالفتح الربوبية وبالكسر الامارة لِلَّهِ الْحَقِّ قرأ ابو عمرو والكسائي الحقّ بالرفع على انه صفة للولاية ويؤيده قراءة أبيّ هنا لك الولاية الحقّ لله- او خبر مبتدأ محذوف اى هو الحق- والباقون بالجر على انه صفة لله كقوله تعالى ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وجاز ان يكون قوله يليتنى لم أشرك بربّى أحدا صادرا من الكافر في الدنيا ندما وتوبة من الشرك- او اضطرارا وجزعا حين تذكّر موعظة أخيه وزعم ان ما أصابه أصابه لاجل الشرك فامن او لم يؤمن- ويكون هذا القول منه كقولهم فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- ومعنى قوله هنا لك اى في ذلك المقام والحال اى حال الجزع زعم ان الولاية لله الْحَقِّ هُوَ اى الله سبحانه خَيْرٌ ثَواباً اى أفضل جزاء لاهل طاعته من غيره فانه تعالى يثيبهم في الدنيا على حسب حكمته وفي الاخرة ثوابا قويّا مؤيدا بخلاف غيره فانهم يثيبون في الدنيا ان شاء الله تعالى اثابة حقيرة فانية فحسب وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف والباقون بضمها والعقبى هو الجزاء فانه يعقب الطاعة-.
وَاضْرِبْ يا محمد لَهُمْ اى لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى اذكر لهم صفة الحيوة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها او صفتها الغريبة كَماءٍ اى هو كماء ويجوز ان يكون مفعولا ثانيا لا ضرب على انه بمعنى صير أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ اى فالتفت بسبب ذلك الماء نبات الأرض وخالط بعضه بعضا لكثرته وتكاثفه- او اثر في النبات الماء فاختلط النبات بالماء حتى روى وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض- لكن لما كان كل من
الْمالُ وَالْبَنُونَ الّذي يفتخر بها عيينة وأشباهه الأغنياء... زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإنسان في دنياه ويفني عن قريب- وليست هى من زاد الاخرة وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يعنى الأعمال الصالحة الّتي يبقى ثمرها ابد الآبدين خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال والبنين ثَواباً عائدة وَخَيْرٌ أَمَلًا (٤٦) اى ما يأمله الإنسان- قال البغوي قال على بن ابى طالب رضي الله عنه المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الاخرة- وقد يجمعها الله لا قوام- قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر- وعن ابى سعيد الخدري ان رسول الله ﷺ وقال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هى يا رسول الله قال التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة الا بالله- رواه احمد وابن حبان والحاكم وصححه- وعن جابر قال استكثروا من لا حول ولا قوة الا بالله فانها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضرّ أدناها الهم- رواه العقيلي واخرج من حديث النعمان بن بشير مرفوعا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبرهن الباقيات الصالحات واخرج الطبراني مثله من حديث سعد بن عبادة- وكذا اخرج ابن جرير عن ابى هريرة مرفوعا وعن رجل من الصحابة قال قال رسول الله ﷺ وأفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- رواه احمد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم والترمذي- وقال سعيد بن جبير ومسروق وابراهيم الباقيات الصالحات هى الصلاة الخمس ويروى هذا عن ابن عباس- وعنه رواية اخرى انها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة.
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ قرأ الكوفيون ونافع بالنون على التكلم وكسر الياء بناء للفاعل ونصب الجبال- والباقون بالتاء وفتح الياء على صيغة التأنيث والبناء للمفعول ورفع الجبال يعنى نقلعها ونذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويوم منصوب باذكر او عطفا على عند ربّك اى الباقيات الصّالحات خير عند ربّك ويوم القيامة
عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
تشبيه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم فًّا
اى مصطفّين لا يحجب أحد أحداقَدْ جِئْتُمُونا
يعنى مقولا في حقهم لقد جئتمونا فهو حال من واو عرضوا- وجاز ان يكون لقد جئتمونا عاملا في يوم يوم نسيّرما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
يعنى حفاة عراة غرلا ليس معكم شيء ممّا خوّلناكم في الدنيا اخرج الشيخان في الصحيحين والترمذي في سننه عن ابن عباس قال قام رسول الله ﷺ وقال يا ايها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرا كما بدانا اوّل خلق نعيده- وأول من يكسى في الخلائق ابراهيم عليه السّلام- واخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا-.............. الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض- قال يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك- واخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أم سلمة نحوه- وفيه قالت وواسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- فقال شغل الناس قالت ما شغلهم قال نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل- والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته ينظر بعضنا الى عورة بعض- قال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- والطبراني عن سهل بن سعد نحوه- وعن الحسن بن على عليهما السلام مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته يا رسول الله فكيف يرى بعضنا بعضا- قال ان الابصار شاخصة فرفع بصرة- واخرج الطبراني والبيهقي عن سورة بنت زمعة قالت قال رسول الله ﷺ يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا قد الجمهم العرق وبلغ شحوم الاذان- قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- قال شغل الناس عن ذلك لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- قال القرطبي لا ينافى قوله عراة ما ورد ان الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم- لان ذلك يكون في البرزخ فاذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة- لكن يعارض هذه الأحاديث ما رواه ابو داؤد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي عن ابى سعيد الخدري انه لما اختصر دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله
(٤٨) اى وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء عليهم السّلام كذبوكم وكلمة بل هاهنا للخروج من قصة الى اخرى وايضا يدل على ان الحشر عراة مختص بغير الصلحاء قوله ﷺ الابصار شاخصة وقوله لكل امره منهم يومئذ شان يغنيه فانها في حق الكفار وشخص الابصار ايضا من صفتهم وشانهم لاجل الهول دون شان الصلحاء لكن يشكل على هذا قوله ﷺ وأول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السّلام فانه يدل على كون الأنبياء ايضا عراة في أول الأمر اللهم الا ان يقال يكسى الصلحاء في قبورهم قبل الخروج منها بحلل الكرامة وأول من يكسى منهم ابراهيم وحمل بعضهم حديث ان الميت يبعث في ثيابه على العمل الصالح لقوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير.
وَوُضِعَ الْكِتابُ اللام للجنس والمراد بالكتاب كتب اعمال العباد فانها توضع في أيدي الناس في ايمانهم وشمائلهم او في الميزان او بين يدى الرحمن فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ الذين يعطون كتبهم في شمائلهم مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا فِيهِ اى مما هو مكتوب فيه من الذنوب وَيَقُولُونَ إذا راوها يا وَيْلَتَنا الويل الهلكة ينادون هلكتهم الّتي هلكوا بها من بين المهلكات ومعنى النداء اظهار الجزع وتنبيه المخاطبين على ما نزل بهم مالِ هذَا الْكِتابِ استفهام تعجيب لشانه لا يُغادِرُ اى لا يترك صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً قال ابن عباس الصغيرة التبسم يعنى إذا كان في غير محله والكبيرة القهقهة وقال سعيد بن جبير الصغيرة اللهم والمسيس والقبلة والكبيرة الزنا وانما قالا ذلك على سبيل التمثيل وقد ذكرنا الكبائر في سورة النساء في تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم إِلَّا أَحْصاها اى إلا عدها وأحاط بها المستثنى في محل النصب على انه مفعول ثان للايغادر اى لا يترك
إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرده في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصودة بيانها في تلك المحال- وهاهنا لمّا شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرّر ذلك بانه من سنن إبليس- او لمّا بيّن حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار
ما أَشْهَدْتُهُمْ اى ما أحضرت إبليس وذرّيته- قرأ أبو جعفر ما أشهدنهم بالنون والالف على التعظيم خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ يعنى ما أشهدت بعضهم خلق بعض اى لم نعتضد بهم في خلق الأشياء حتى يستحقوا العبادة والطاعة- فان استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيها يستلزم الاشتراك فيها- ذكر الله سبحانه نفى الاعتضاد اوّلا كناية ثم صرح به فقال وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ اى الشياطين عَضُداً (٥١) اى أنصارا وأعوانا وضع المظهر اى المضلين موضع الضمير ذامّا لهم واستبعادا للاعضاء بهم- وقيل الضمير للمشركين يعنى ما اشهدتهم خلق الأشياء وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو أمنوا تبعهم الناس كما يزعمون- فلا تلتفت الى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فانه لا ينبغى لى ان اعتضد بالمضلين لدينى- وتعضده قراءة من قرأ وما كنت بفتح التاء على الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال الكلبي الضمير في اشهدتهم للملائكة يعنى ما أشهدت الملائكة خلق شيء حتى يعبدوا ويقال الهم بنات الله- وعلى هذا يكون قوله وما كنت متّخذ المضلّين كلام مستأنف ليس فيه وضع المظهر موضع الضمير يعنى ما اعتضدت بالملائكة ولا بالشياطين-.
وَيَوْمَ يَقُولُ قرأ حمزة بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة يعنى يقول الله للكافرين نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انهم شركائى او شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابى
ورئوا المجرمون اى المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها واقعون فيها- اخرج احمد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ في قوله تعالى فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها قال ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا وان الكافر ليرى جهنم ويظن انها مواقعه من مسيرة أربعين سنة وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) اى انصرافا او مكانا ينصرفون إليها-.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى بيّنا بوجوه البيان فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى من كل عبارة هى كالمثل في الغرابة ليتذكروا او يتعظوا- وقيل من كل مثل صفة لمحذوف مفعول لصرفنا اى مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٣) قال ابن عباس أراد به النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقال الكلبي أراد به ابى بن خلف الجمى وقيل المراد الكفار مطلقا قال الله تعالى ويجادل الّذين كفروا بالباطل- وقيل هو على العموم روى البخاري عن على بن ابى طالب عليه السلام ان رسول الله ﷺ طرقه وفاطمة بنت رسول الله ﷺ ليلة فقال الا تصليان من الليل فقلت يا رسول الله ان أنفسنا بيد الله فاذا شاء ان يبعتنا بعثنا- فاكصرف رسول الله ﷺ حين قلت ذلك ولم يرجع الىّ شيئا- ثم سمعته وهو مولى يضرب فخذه وهو يقول وكان الإنسان اكثر شيء جدلا- وقوله جدلا منصوب على التميز من النسبة والمعنى كان جدل الإنسان اكثر الأشياء-.
وَما مَنَعَ النَّاسَ من أَنْ يُؤْمِنُوا اى من الايمان إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى القران والإسلام والبيان من الله عزّ وجل وقيل انه الرسول ﷺ يعنى بعد وضوح الحق وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ اى ومن الاستغفار مما صدر عنهم فيما سلف من الكفر والمعاصي إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ حذف المضاف وأقيم مضاف اليه مقامه تقديره الّا تقدير
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالثواب والجنة للمؤمنين وَمُنْذِرِينَ بالعذاب والحجيم للكافرين- يعنى ما بعثناهم قادرين على ان يأتوا بما اقترح الكفار من الآيات او قادرين على هداية الخلق كلهم مصيطرين عليهم وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ حيث يقولون ابعث الله بشرا رسولا- ما أنتم الّا بشر مثلنا- لو شاء الله لا نزل ملئكة- لولا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم- أيكون ما ذبحتم حلالا وما أماته الله وذبحه بشمشاره خراما ونحو ذلك لِيُدْحِضُوا بِهِ اصل الدحض الزلق والمعنى ليزيلوا بالجدال الباطل الْحَقَّ عن مقره وَاتَّخَذُوا آياتِي المنزلة في القرآن وَما أُنْذِرُوا اى وإنذارهم او الّذي انذروا به من العقاب هُزُواً (٥٦) اى هزوا به قالوا في القرآن لو «١» نشاء لقلنا مثل هذا- يعلّمه بشر- ان هذا الّا أساطير الاوّلين- وقالوا في العذاب لولا يعذّبنا الله بما نقول- وقالوا لذقوم التمر والزبد ونحو ذلك-.
وَمَنْ اى لا أحدا أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ اى وعظ بِآياتِ رَبِّهِ اى آيات القران الّتي اتضح أمرها باعجازها لفظا ومعنا فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبر فيها ولم يتذكر بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الأعمال الخبيثة الناشئة من الكفر والعقائد الباطلة فلم يتفكر في عاقبتها إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تعليل لاعراضهم ونسيانهم فان قلوبهم مكنونة مغطاة بظلمات الكفر مطبوع عليها أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه واللام المقدرة هاهنا للعاقبة- وافراد الضمير المنصوب وتذكيره معه كونه راجعة الى آيات ربه نظرا الى المعنى فان الآيات هى القرآن يعنى لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ عطف على قلوبهم يعنى جعلنا في آذانهم وَقْراً اى ثقلا يعنى لم نودع فيها صلاحية استماع الآيات حق استماعها وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً اى
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ البليغ في المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ استشهاد على مغفرته ورحمته بامهال قريش مع افراطهم في عداوة النبي ﷺ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ اى يوم القيامة ويوم بدر لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ اى لن يجدوا إذا جاء الموعد من دون الله مَوْئِلًا (٥٨) اى منجا وملجا يقال وال إذا نجا ووال اليه إذا نجا اليه.
وَتِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم الهالكة من الكفا وقوم نوح وعاد وثمود وأشباههم الموصوف مع الصفة مبتدأ- وخبره أَهْلَكْناهُمْ او مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده ولا بد من تقدير المضاف في الوصف او الصفة حتى يكون مرجعا للضمائر يعنى اصحب تلك القرى او تلك اصحاب القرى أهلكناهم لَمَّا ظَلَمُوا بالكفر وانواع المعاصي كما ظلم كفار قريش وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ قرأ أبو بكر هاهنا وفي الفل بفتح الميم واللام وحفص بفتح الميم وكسر اللام حملا على ما شذّ من مصادر مفعل كالمرجع والمحيض- والباقون بضم الميم وفتح اللام من أهلكه يعنى لهلاكهم او لاهلاكهم مَوْعِداً (٥٩) اى وقتا معلوما لم يستقدموه ولم يستاخروه فكذلك كفار قريش لا يسبقون موعدهم ولا يستاخرون-.
وَاذكر إِذْ قالَ مُوسى بن عمران كما يدل عليه الحديث الصحيح لِفَتاهُ يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام قلت لعل نوثا «١» أبا يوشع يكون من ال إفرائيم لبعد الزمان بينهما لا أَبْرَحُ اى لا أزال أسير فحذف الخير لدلالة حاله عليه وهو السفر ودلالة قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فانها يقتضى تقدير خبر يكون بلوغ مجمع البحرين غاية له ويجوز ان يكون أصله لا ببرح ميبرى حتى ابلغ فيكون الاسم محذوفا أقيم المضاف اليه مقامه فانقلب الضمير والفعل والخبر حينئذ حتّى ابلغ وان يكون لا أبرح تامة بمعنى لا أزال عما انا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعى الخبر- ومجمع البحرين ملتقى بحر الفارس والروم مما يلى المشرق كذا قال قتادة وقال محمد بن كعب طنجه «٢» وقال ابى بن كعب افريقيّة أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) او أسير زمانا طويلا في القاموس الحقبة بالضمتين ثمانون سنة او اكثر والدهر والسنة والسنون وإخراج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس الحقب الدهر- وقال البغوي
(٢) بفتح مهملة وسكون نون فجيم فتهاء بلد بشاطئ مجر المغرب مجمع البحار ١٢ الفقير الدهلوي.
عند الصخرة- قال كيف لى به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فاخبرنى فذهبا يمشيان.
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما بينهما ظرف أضيف اليه على الاتساع او بمعنى الوصل- وحاصل المعنى فلما بلغا مجموهما يعنى انتهيا الى الصخرة الّتي عند مجمع البحرين كما مرّ في الصحيح وقد موسى فاضطرب الحوت المشوى وعاش وذهب في البحر كما مر في الصحيح ليكون ذلك معجزة لموسى او الخضر وفي الصحيحين وقال سفيان يزعم ناس ان تلك الصخرة عندها عين الحيوة لا يصيب ماؤها شيئا الا عاش ووثب في البحر وقال الكلبي توضّا يوشع بن نون من عين الحيوة فانتضح على الحوت المالح في المكثل من ذلك الماء فعاش ثم وثب في ذلك الماء- فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بشى من الماء وهو ذاهب إلا يبس- فلما استيقظ موسى نَسِيا حُوتَهُما اى نسيا موسى ان يطلبه ويتعرف حاله ويوشع ان يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر وقال البغوي انما كان الحوت مع يوشع وهو الّذي نسيه وأضاف النسيان إليهما لانهما جميعا تزوداه للسفر كما يقال خرج القوم الى موضع كذا وحملوا من الزاد كذا وانما حمله واحد منهم فَاتَّخَذَ اى جعل الحوت يجعل الله تعالى سَبِيلَهُ طريقه
فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين بالسير الى وقت الغداء من اليوم الثاني قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا اى طعامنا والغداء ما يعد للاكل غدوة والعشاء ما يعد للاكل عشية لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) اى تعبا وشدة وذلك انه القى على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع الى مطلبه وقد مرّ في حديث الصحيحين ان موسى لم يجد نصبا حتى جاوز الموعد.
قالَ له قتاة وتذكرّ أَرَأَيْتَ يعنى أخبرني ما انسانى الحوت إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الّتي رقدنا عندها قال البغوي قال هقل بن زياد هى الصخرة الّتي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ اى تركته وفقدته وقيل في الاية إضمار تقديره نسيت ان اذكر لك امر الحوت وما رايت منه- قال البغوي وذلك ان يوشع حين راى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسى ان يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم اعتذر وقال وَما أَنْسانِيهُ قرأ حفص بضم الهاء في الوصل وكذا في سورة الفتح في قوله تعالى عليه الله والباقون يكرونها فيهما في الحالين- اى ما انسانى ان اذكر لك امر الحوت إِلَّا الشَّيْطانُ يعنى شغلنى الشيطان بوساوسه ان اذكره لك- قال البيضاوي ولعله نسى لاستغرابه في الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه عن مشاهدة الآيات الباهرة وانما نسب الى الشيطان هضما لنفسه- او لان عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الاخر عدّ من نقصان نفسه أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) سبيلا عجبا فهو صفة لمفعول ثان أقيم مقامه والظرف ظرف لغوا واتخاذا عجيا فهو صفة لمصدر والمفعول الثاني هو الظرف- وقيل هو مصدر فعله المضمر كانه قال في اخر كلامه عجبت عجبا وقيل هذا من قول موسى لما قال له يوشع واتخذ سبيله في البحر قال موسى عجبا اى عجبت عجبا- وقيل ضمير اتخذ راجع الى موسى اى اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا اى يعجب عجبا فهو حال- قال موسى.
ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والكسائي والباقون يحذفونها في الحالين يعنى كنا نطلب ذلك لكونه امارة لمكان الخضر فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما اى رجعا في الطريق الّذي جاءا فيه قَصَصاً (٦٤) يقصان قصصا اى يتبعان
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على انه الخضر كما ورد في الصحيح واسمه بليا بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس والخضر لقب له- لما روى البغوي بسنده عن همام ابن منبه قال قال رسول الله ﷺ انما سمى الخضر خضرا لانه إذا جلس على فروة «١» بيضاء فاذا هى تهتزّ خضرا وقال مجاهد سمى خضرا لانه إذا صلى اخضرّ ما حوله قال البغوي قيل كان من نسل بنى إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهّدوا في الدنيا- والمختار عندى انه لم يكن من بنى إسرائيل لان موسى كان مبعوثا الى بنى إسرائيل أجمعين فلو كان الخضر منهم لكان من اتباع موسى والظاهر خلافه- وقد مرّ في الحديث الصحيح ان موسى راى الخضر مسيحى بثوب فسلم عليه فقال له الخضر وانّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل- قال نعم أتيتك لتعلمنى عمّا علّمت رشدا وفي رواية اخرى لقيه مسيحى بثوب مستلقيا على قفاه بعض ثوبه تحت راسه وبعضه تحت رجليه- وفي رواية لقيه وهو يصلى ويروى لقيه على طنفسه «٢» خضراء على كيد «٣» البحر آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هى الوحى والنبوة وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) اى مما يختص بنا ولا يمكن تحصيله الا من لدنا بتوفيقنا وهو علم الذات والصفات قال البغوي لم يكن الخضر نبيّا عند اكثر اهل العلم قلت وهذا عندى محل نظر لان العلم- الحاصل للاولياء بالإلهام وغير ذلك علم ظنى يحتمل الخطاء ولذلك ترى تعارض علومهم الملهمة فلو لم يكن الخضر نبيّا لما جاز له قتل نفس زكية بالهام انه لو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا.
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ كان حق الكلام جئتك لاتبعك وأصحبك لكن غيّر الأسلوب استيذانا منه في الاتباع والمصاحبة عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين يعنى على شرط ان تعلمنى وهو في موضع الحال من الضمير المرفوع او المنصوب من اتبعك مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قرأ ابو عمرو بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء واسكان الشين وهما لغتان كالبخل والبخل ومعناه إصابة الخير وهو مفعول تعلمنى ومفعول علمت العائد محذوف وكلاهما من علم الّذي له مفعول واحد بمعنى عرف ويجوز ان يكون علة لاتبعك او مصدره أبا ضمار فعله وهذه الاية دليل على ان المفضول قد يكون له فضل
(٢) طنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمها وبكسر الطّاء وفتح الفاء انبساط الّذي له خمل دقيق وجمعه طنافس ١٢ نهايه منه رحمه الله-
(٣) على كبد البحر اى على اوسط موضع من شاطئه اى من جانبه وطرفه ١٢ نهايه منه رحمه الله-
الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها- رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن ابى هريرة وابن عساكر عن على رضي الله عنهما- ومن هذا الباب الصلاة المأثورة عن النبي ﷺ اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم- قال البغوي في بعض الاخبار انه لمّا قال له موسى ذلك قال له الخضر كفى بالتورية علما وبنى إسرائيل شغلا فقال له موسى ان الله أمرني بهذا وقد راى موسى عليه السلام في هذا الكلام غاية التواضع والأدب واستجهل نفسه واستأذن ان يكون تابعا له وساله ان يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه فحينئذ.
قالَ له الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (٦٧) نفى الخضر عن موسى استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كانها مما لا يصح ولا يستقيم- وعلّل ذلك واعتذر عنه بقوله.
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) اى علما وخبرا تميزا ومصدر لان لم تحط به معناه لم تخبره وجه ذلك النفي ان الخضر علم انه يرى منه أمورا منكرة ظاهرا ولا يجوز للانبياء ان يصبروا على المنكرات مالم يظهر عليهم وجه جوازها- قلت والسر في ذلك ان شرائع الأنبياء المرسلين الى الأمم مبنية على قواعد كلية موجبة للصلاح الغالب بالنسبة الى العامة- فينبغى ان يكون وجوه صلاحها ظاهرة بالنسبة الى العامة- واما الاحكام الّتي يوحى بها افراد الأنبياء الذين لم يبعثوا الى الأمم بل اوحى إليهم لصلاح أنفسهم او امتثال امور بينهم وبين الله تعالى فان تلك الاحكام تكون غالبا مبنية على حكمات لا يظهر وجه صلاحها على العامة- وذلك وجه انكار موسى على ما اتى به الخضر وبناء على مخالفة المشرب (وكون اتحاد المشرب والانقياد وترك الاعتراض من شرائط الاستفادة) جعل الخضر عدم استطاعته على الصبر علة لعدم إفادة صحبة الخضر إياه- ووضع العلة موضعه كانّه قال صحبتى لا ينفعك فانّك لن تستطيع معى صبرا.
ومن هاهنا قالت الصوفية العالية انه يجب على المريد ترك الاعتراض على الشيخ وان ظهر على يديه منكر ظاهرا بعد ما ثبت عنده انه من اهل الكمال والتكميل فان كان المريد لا يستطيع ذلك لاجل اختلاف المشرب يجب عليه
وقدر يظهر على يدى رجل من اهل الله سيئة صغيرة وهو يعترف بكونها سيئة- وقد اجمع العلماء على ان العصمة من خواص النبوة- لا يخل صدور معصية بالولاية فحينئذ ايضا لا ينبغى للمريد ان يعترض على شيخه بل ينكر الفعل فلا يأتى به ولا ينكر كمال فاعله بارتكاب وعامة مواد الإنكار على اولياء الله تعالى مقالاتهم المبنية على الكشوف والمشاهدات فتلك المقالات مهما أمكن حملها على محمل صحيح يجب حملها على ذلك قال الله تعالى لولا إذ سمعقوه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا- وان لم يمكن ذلك يحمل تلك المقالات اما على سكر القائل وقد افتى الفقهاء ان السكر إذا حصل بشيء مباح يكون عذر الا يقع طلاقه ونحو ذلك فكيف إذا حصل بغلبة حب الله الّذي هو رأس العبادات واما على عدم فهم السامع مراد القائل وعلى ان القائل أراد من كلامه معنى غير ما يفهم منه ظاهرا فان العبارات مقتصرة على بيان معان محسوسة او معقولة مستنبطة من امور محسوسة فاما ما لا نظير له ولا شبيه من حقائق الذات والصفات إذا تجلت على قلب من له قلب سليم وأراد بيانها ولم يوضع بإزائها ألفاظ- اضطر القائل الى استعارات وتجوزات وتشبيهات غير تامة فلا يجوز للسامع حينئذ ان يحملها على معانيه الظاهرة المخالفة لعقائد اهل السنة حتى ينكر عليه بل يعمل به ما يعمل بالمتشابهات الواردة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- ومن لم يسلك هذا المسلك لا يزيده الا خسارا كما ان القران لا يزيد الظّالمين الّا خسارا- الا ترى انه من سمع الرّحمن على العرش استوى- ويد الله فوق أيديهم فان أنكر كونها قرآنا كفر- وان اعتقد بكونه تعالى جسما كاد يكون كافرا- فكذلك كلام اولياء الله تعالى إذا كان ظاهره مخالفا للشرع لا ينكر عليه ولا يعتقد بظاهره والله اعلم- ولمّا كان موسى عليه السلام شاكا في المصابرة غير واثق من نفسه عليها لم يقطع بذلك واستثنى و.
قالَ
قالَ له الخضر فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي حذف الياء في الحالين ابن ذكون بخلاف عن الأخفش وأثبتها الباقون في الحالين وكذا رسمها وقرأ نافع وابن عامر وابو جعفر بفتح اللام وتشديد النون والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون- اتى بالشرط والجزاء للشك والاستبعاد في وقوعه ولم يقل لا تسئلنى عَنْ شَيْءٍ أعمله ممّا تنكره الان لان السؤال مظنة الاعتراض المانع للاستفادة حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) يعنى حتى ابتدئ لك ببيان..
فَانْطَلَقا على الساحل يطلبان السفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها- قال البغوي فقال اهل السفينة هؤلاء لصوص فامروهم بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكنى ارى وجوه الأنبياء- وقد مر في حديث الصحيحين عن ابى بن كعب عن النبي ﷺ انه مرت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر قد مر في الصحيحين ان الخضر قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم قالَ له موسى أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وقد حملونا بغير نول فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضى الى غرق أهلها- قرأ حمزة والكسائي ليغرق بفتح الياء التحتانية والراء على صيغة الغائب من المجرد ورفع أهلها بالفاعلية- والباقون بضم التاء الفوقانية وكسر الراء على صيغة المخاطب من الافعال ونصب أهلها على المفعولية لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) اى عظيما من امر الأمر إذ أعظم- وقال البغوي الأمر في كلام العرب الداهية واصل كل شيء شديد كبير- وقال القتيبي اى عجبا- قال البغوي روى ان الخضر أخذ قدحا من زجاج ودقع به محوق السفينة- وقال جلال الدين المحل روى ان الماء لم يدخلها يعنى معجزة للخضر عليه السلام-.
قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- صَبْراً (٧٢) تذكير لما ذكره قبل فلما راى موسى ان الماء لا يدخل من الخرق وانه لم يضر باهل السفينة وتذكر ما عاهد.
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ اى بالذي نسبته او بشيء نسيته
فَانْطَلَقا بعد ما خرجا من السفينة حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً بين غلمان يلعبون قال المفسرون فاخذ الخضر غلاما «١» ظريفا وضيء «٢» الوجه- قال السدىّ كان أحسنهم وجها كان وجهه يتوقد حسنا فَقَتَلَهُ قيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين وفي الحديث الصحيح المذكور انه أخذ برأسه فاقتلعه بيده- وروى عبد الرزاق هذا الخبر وأشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه وروى انه رضخ رأسه بالحجارة وقيل ضرب راسه بالجدار- قال ابن عباس كان غلاما لم يبلغ الحلم وهو قول اكثر المفسرين والمستفاد من القران لان الغلام لا يطلق بعد البلوغ- قال ابن عباس لم يكن نبى الله يقول أقتلت نفسا زاكية الا وهو صبى لم يبلغ الحلم- وقال الحسن كان رجلا وقال الكلبي كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجا الى أبويه وقال الضحاك لكان غلاما يعمل بالفساد وتاذّى منه أبواه وفي حديث ابى بن كعب عند مسلم قال قال رسول الله ﷺ ان الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا- والفاء في قوله فقتله للتعقيب والدلالة على انه كما لقيه قتله من غير مهلة واستكشاف حال- ولذلك قالَ موسى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً قرأ الكوفيون وابن عامر بتشديد الياء من غير الف والباقون زاكية بالألف وتخفيف الياء وقال البغوي قال الكسائي والفراء معناهما واحد مثل القاسية والقسيّة وقال ابو عمرو ابن العلاء الزّاكية الّتي لم تذنب قط والزّكيّة الّتي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ- اى لم يقتل نفسا وجب عليه القتل بالقصاص يعنى ان القتل لا يجوز الا في حد او قصاص ولم يوجد شيء منها- جعل الله سبحانه في الاولى خرقها جزاء واعتراض موسى عليه السلام مستأنفا وفي الثانية جعل اعتراض موسى جزاء لما قبله من الشرط- لان القتل أقبح والاعتراض عليه ادخل وكان جديرا بان يجعل عمدة الكلام ولذلك عقبه بقوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) اى منكرا في الشرع- قرأ نافع ويعقوب وأبو بكر وابن ذكوان نكرا في الموضعين هاهنا وفي الطلاق بضم الكاف والباقون
(٢) الظريف البليغ جيد الكلام- والظرف في اللسان البلاغة وفي الوجه الحسن وفي القلب الزكاء ١٢ نهاية منه رح
قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (٧٥) زاد فيه لك مكافحة بالعتاب على رفض العهد مرتين.
قالَ له موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها اى بعد هذه المرة فَلا تُصاحِبْنِي اى فارقنى- قرأ يعقوب «١» فلا تصحبنى بغير الف من الصحبة قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي قرأ نافع وابو جعفر بضم الدال وتخفيف النون وأبو بكر «٢» بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون والباقون بضم الدال وتشديد النون يعنى من عندى عُذْراً (٧٦) خالفتك ثلاث مرات روى مسلم عن ابى بن كعب قال قال رسول الله ﷺ رحمة الله علينا وعلى موسى (وكذا إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه) لولا انه عجل لرأى العجب ولكنه اخذه من صاحبه «٣» ذمامة فقال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت «٤» منّى عذرا- وروى ابن مردوية بلفظ رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لا بصرا عجب الا عاجيب.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس يعنى انطاكية وقال ابن سيرين هى الايكة «٥» وهى ابعد الأرض من السماء وقيل برقة وقال البغوي عن ابى هريرة بلدة بالأندلس- اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال البغوي قال ابى بن كعب عن النبي ﷺ حتى أتيا اهل قرية لئام فطافا في المجالس فاستطعماهم فلم يطعموها واستضافاهم ولم يضيفوهما قال قتادة شر القرى الّتي لا تضيف الضيف- قال البغوي وروى عن ابى هريرة قال اطعمتهما امراة من اهل بربر بعد ان طلبا من الرجال فلم يطعموهما- فدعا لنسائهم ولعناد جالهم فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ اى يسقط وهذا من مجاز الكلام لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر دار فلان إذا كانت تقابلها فَأَقامَهُ قال البغوي روينا عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله
(٢) قرا أبو بكر هاهنا بالوجهين الاول بإسكان الدال مع الإشمام وتخفيف النون كاول السورة وهو الّذي في التيسير والشاطبيه والكافي والتذكرة وجمع الكتب- والثاني باختلاس ضمة الدال مع تخفيف النون والوجهان في جامع البيان وغيره وبالوجهين قرانا وبهما تأخذ- ابو محمد. [.....]
(٣) اخذه من صاحبه عامة اى حياء واشفاق من الذم واللوم ١٢ منه رح.
(٤) وفي القران من لدنّى- ابو محمد عفى عنه.
(٥) هكذا في الأصل وقال ابن كثير والبغوي إنها الايلة وقال في مجمع البحار بضم الهمزة وباء وشده لام بلد قرب البصرة ١٢ الفقير الدهلوي-
قالَ الخضر هذا الاعتراض الثالث فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ اى سبب الفراق بيننا لان في هذا الاعتراض مدخلا لهوى «٢» النفس بخلاف الاعتراضين السابقين- فان بناء هما كان على الديانة الصرفة او المعنى هذا الوقت وقت الفراق بيننا لوجود اعتراض منك فيه مدخل لهوى النفس وجاز ان يكون هذا اشارة الى الفراق الوعود بقوله فلا تصحبنى- واضافة الفراق الى البين اضافة المظروف الى الظرف على الاتساع والتجوز- قلت هذه اضافة بمعنى في سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) اى بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا في الظاهر- وكان ماله على الخير والصواب- قال البغوي وفي بعض التفاسير ان موسى أخذ ثبوبه فقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل ان تفارقنى فقال.
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ قال كعب كانت السفينة لعشرة اخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر وفيه دليل على ان المسكين يجوز إطلاقه على من له مال لا يبلغ نصابا ولا يكفيه اولا يكون فاضلا عن حاجته الاصلية يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ اى يواجرون ويكتسبون بها فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها اى ان اجعلها ذات عيب وَكانَ وَراءَهُمْ اى امامهم
(٢) هكذا ما قاله بعض غلاة الصوفية واتبعهم المفسر رحمه الله تعالى ولم يعلموا ان هذا جراة عظيمة على أفضل أنبياء بنى إسرائيل وكليم الله تعالى وصاحب التوراة وقد تفقوه؟؟؟ به من قبل بعض المفسرين ورده في الكشاف بانه لا يليق بجلالتهما وقال في الروح ان الأثر اطروى فيه عن خبر الامة لغلة ليس بصحيح والله تعالى اعلم ١٢ الفقير الدهلوي-
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما اى يغشاهما طُغْياناً عليهما وَكُفْراً (٨٠) بعقوقه وسوء صنيعه ويلحقهما شرا وبلاء او يقرن بايمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر- او يعذبهما بغلبته فيرتدا بإضلاله او بممالاته على طغيانه وكفره حبّا- قال سعيد بن جبير خشينا ان يحملهما حبه على ان يتّبعاه على دينه وانما خشى ذلك خضر باعلام من الله بالوحى- اخرج ابن ابى شيبة عن زيد بن هرمز عن ابن عباس ان نجدة الحرودى كتب اليه كيف قتله رقد نهى النبي ﷺ من قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك ان تقتل يعنى انما نهى النبي ﷺ لعامة المسلمين الذين لا يوحى إليهم حتى يحصل لهم علم من حال الولدان والوحى قد انقطع بعد النبي ﷺ فليس نهى النبي صلى الله.
عليه وسلم متوجها الى خضر وأمثاله- فان قيل مقتضى هذا الكلام ان الله تعالى كان يعلم ان ذلك الغلام ان عاش يكون كافرا طاغيا والمفروض المتحقق ان الغلام لم يعش ولم يكفر ولم يطغ حيث قتله الخضر والعلم يكون
فَأَرَدْنا لعل معناه اشتهينا ودعونا الله سبحانه- لان ارادة العبد لا يمكن تعلقه يفعل
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم وصويم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة واخرج البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي ﷺ انه قال كان ذهبا وفضة واخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغمائم وحرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب والفضة ولا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اى لا ينكر عليه كما ذكرنا آنفا- وان يداوم على التعلّم ويتذلل للمعلم ويراعى الأدب في المقال وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه قال البغوي اختلف الناس في ان الخضر عليه السّلام حىّ أم ميت- قيل ان الخضر والياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان سبب حياته فيما يحكى به انه شرب من عين الحيوة وذلك ان ذا القرنين دخل الظلمه لطلب عين الحيوة وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل وشرب وصلى شكر الله تعالى واخطأ ذو القرنين الطريق فعاد وذهب الآخرون الى انه مات لقول الله تعالى وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ- وقال النبي ﷺ بعد ما صلى العشاء ليلة اريتكم ليلتكم هذه فان على راس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم حى على ظهر الأرض أحد قلت ذكر صاحب الحصين في التعزية ما روى الحاكم في المستدرك عن انس انه لما توفى رسول الله ﷺ دخل رجل اشهب اللحية جسم صبيح فتخطار قابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة رضي الله عنهم فقال ان لله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا واليه فارغبوا ونظره إليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر. وانصرف فقال أبو بكر وعلىّ هذا الخضر عليه السلام- وقد اشتهر عن اولياء الله ملاقاتهم واستفاداتهم عن الخضر عليه السلام فهذا
وَيَسْئَلُونَكَ يعنى اليهود او «١» مشركى مكة امتحانا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قال البغوي اختلفوا في اسمه قيل اسمه مرزبان بن مرزية اليوناني من ولد يافث بن نوح عليه السلام وقيل اسمه إسكندر ابن قبيس بن فيلقوس الرومي قلت وهو الأصح لما اخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن ابى حاتم والشيرازي في الألقاب وابو الشيخ عن وهب بن منبه اليماني وكان له علم بالأحاديث الاولى انه كان يقول كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر- واخرج ابن المنذر عن قتادة قال الإسكندر هو ذو القرنين- قال البغوي واختلفوا في نبوته فقال بعضهم كان نبيا وقال ابو الطفيل سئل علىّ عن ذى القرنين اكان نبيا أم كان ملكا قال لم يكن نبيّا ولا ملكا ولكن كان عبدا احبّ الله فاحبّه الله وناصح الله فناصحه- قلت وكذا اخرج ابن مردوية عن سالم بن ابى الجعد قال سئل على عن ذى القرنين أنبي هو قال سمعت نبيكم ﷺ يقول هو عبد ناصح الله فنصحه «٢» قال البغوي وروى ان عمر سمع رجلا يقول لاخر يا ذو القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء فلم ترضوا حتى تسموا بأسماء الملائكة قال والأكثرون على انه كان ملكا عادلا صالحا قال البغوي واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قال الزهري لانه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها وقيل لانه ملك الروم والفارس وقيل لانه دخل النور والظلمة وقيل لانه رأى في المنام
(٢) خالد بن سعد ان النبي ﷺ سئل عن ذى القرنين فقال ملك يمسح الأرض من سمحتها بالأسباب ١٢ ازالة الخفا- منه رح.
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ اى مكنا امره من التصرف فيها كيف شاء- قال البغوي قال على عليه السلام سخر له السحاب فحمله عليها ومد له الأسباب وبسط له النور كان الليل والنهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض وهو انه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها- وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اراده وتوجه اليه وقيل معناه أعطيناه من كلّ شيء يحتاج اليه الخلق وقيل من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحادبة الأعداء سَبَباً (٨٤) يوصل اليه من العلم والقدرة والآلات- قال البغوي قال الحسن اى بلاغا الى حيث أراد- وقيل معناه قرّبنا اليه أقطار الأرض.
فَأَتْبَعَ قرأ اهل الحجاز والبصرة فاتّبع ثمّ اتّبع في الثلاثة بهمزة الوصل والتشديد من الافتعال والباقون بقطع الالف وسكون التاء من الافعال- قال البغوي قيل معناهما واحد والصحيح الفرق بينهما فمن قطع بالهمزة فمعناه أدرك وو لحق ومن قرء بالتشديد فمعناه سار يقال ما زلت اتّبعته حتى اتبعته اى ما ذلت سرت خلفه حتّى لحقته وكذا روى عن الأصمعي سَبَباً (٨٥) يعنى طريقا نحو المغرب وقال ابن عباس منزلا-.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اى منتهى الأرض المسكونة نحو المغرب- وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حمية بالألف غير مهمود على وزن رامية اى حارة- والباقون مهموزا بغير الف على وزن ملئة من جسئت للبرّ إذا صارت ذات حماة وهى الطينة السوداء- ولا تنافي بين القرائتين لجواز كون العين جامعة
قالَ ذو القرنين امتثالا لامره تعالى او اختيارا لدعوتهم الى الإسلام بعد التخيير أَمَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه بالإصرار على الكفر بعد ما دعوته الى الإسلام واستمر على ظلمه الّذي هو الشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ انا ومن معى في الدنيا بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ربه في الاخرة عَذاباً نُكْراً (٨٧) اى منكر الم يعهد مثله في نار جهنم.
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً على ما يقتضيه الايمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جزاء منونا منصوبا على الحال اى فله الحسنى يعنى الجنة جزاء يجزى بها او فله في الدارين المثوبة الحسنى جزاء وجاز ان يكون منصوبا على المصدرية لفعل مقدر والجملة خال اى يجزى بها جزاء او على التمييز والباقون بالرفع بغير تنوين على الاضافة والحسنى على هذه القراءة الأعمال الحسنة اى له جزاء الأعمال الحسنى او يقال الحسنى هو الجنة او المثوبة الحسنة واضافة الجزاء إليها من قبيل مسجد الجامع وجانب الغربي وَسَنَقُولُ لَهُ اى لمن أمن وعمل صالحا مِنْ أَمْرِنا اى مما نامر به يُسْراً (٨٨) اى سهلا غير شاق تقديره ذا يسر وقال مجاهد يسرا اى معروفا ويستدل بهذا الخطاب من الله تعالى
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) اى سلك طرقا ومنازل يوصله الى المشرق.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعنى الموضع الّذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) من اللباس او البناء فان ارضهم لا تحمل بناء وانهم اتخذوا الأسراب بدل الابنية.
كَذلِكَ اى امر ذى القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره في اهل المشرق كامره في اهل المغرب من التخير والاختيار او هو صفة لمصدر محذوف لوجدها اى وجدها تطلع كما وجدها تغرب او لمصدر لم نجعل اى لم نجعل لهم من دونها سترا كما لم نجعل لاهل المغرب او صفة لقوم يعنى وجدها تطلع على قوم مثل ذلك القوم الذين كانت تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات والعدد والأسباب خُبْراً (٩١) اى علما تعلق بظواهره وبواطنه منصوب على المصدرية لان في احطنا معنى خبرنا- والمراد كثرة ذلك يعنى بلغ مالديه مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير-.
ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين سَبَباً (٩٢) اى طريقا ثالثا معترضا بين المغرب والمشرق أخذا من الجنوب الى الشمال.
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص بفتح السين والباقون بضم السين قيل هما لغتان معناهما واحد وقال عكرمة ما كان من صنعة بنى آدم فهو بالفتح وما كان من صنع الله فهو بالضم وكذا قال ابو عمرو وقيل السّد بالفتح مصدر وبالضم اسم والمراد بالسّدين هاهنا جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج وماجوج ومن ورائهم وهما جبلا ارمينية واذربايجان أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما قيل جبلان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك منيعان من ورائهما يأجوج وماجوج أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم في تفاسيرهم وبين هاهنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة وَجَدَ مِنْ دُونِهِما اى امام الجبلين قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣) قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف من الافعال يعنى لا يفقهون غيرهم قولهم- وقرأ الآخرون بفتح الياء والقاف يعنى لا يفهمون كلام غيرهم قال ابن عباس لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم.
(٢) هذا مردود فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الشيطان والاحتلام من الشيطان هكذا في الحاشية الّتي على تفسير البغوي ١٢ الفقير الدهلوي-
(٢) الهلب الشعر وقيل ما غلظ من شعر الذنب بنهاية- قلت لعل المراد بالهلب هاهنا الشعر الغليظ ١٢؟؟؟
(٣) يتساقدون من سقد؟؟؟ الذكر على الأنثى سفادا بالكسر نزا اى جامع ١٢ قاموس- منه رح [.....]
(٤) هذا الأثر الطيل العجيب من مز؟؟؟ حزتان اهل الكتاب لا يصح سنده كما في البيضاوي ١٢ الفقير الدهلوي-
قالَ ذو القرنين ما مَكَّنِّي قرأ ابن كثير بنونين مخففتين الاولى مفتوحة والثانية مكسورة على الأصل من غير ادغام. والباقون بنون مشددة مكسورة بالإدغام فِيهِ رَبِّي اى ما جعله الله لى فيه من المكنة بالمال والملك خَيْرٌ مما تجعلون لى عليه بإعطاء الجعل فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ اى فعلة او به أتقوى به من الآلات أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ تبرعا رَدْماً (٩٥) حاجزا حصينا وهو اكبر من السدين قولهم نوب مردّم إذا كان رقاع فوق رقاع.
آتُونِي قرأ الجمهور بقطع الهمزة ومدة بعدها من الإيتاء بمعنى المناولة فلا منافاة بينها وبين رد الخراج والاقتصار على المعونة بالأبدان- لان إعطاء الآلة من الاعانة دون الخراج على العمل- فودش على أصله يلقى حركة الهمزة على التنوين قبلها وقرأ أبو بكر ردما ائتوني بكسر التنوين وهمزة ساكنة بعده جنى جيئونى- وعند الابتداء يكسر همزة الوصل ويبدل الهمزة ياء لاجتماع الهمزتين او لهما مكسورة والثانية ساكنة زُبَرَ الْحَدِيدِ اى قطعه والزبرة القطعة الكبيرة- وأصله على قراءة ابى بكر بزبر الحديد لكون الآيتان لازما حذفت الباء كما في قولك امرتك الخير فاتوا بها وبالحطب والفحم فجعل بعضها على بعض ولم يزل يجعل قطع الحديد على الحطب والفحم والحطب والفحم على قطع الحديد حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ اى بين جانبى الجبل- قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بضم الصاد والدال وأبو بكر بضم الصاد واسكان الدال والباقون بالفتحتين وكلها لغات من الصدف بمعنى الميل- لان كلا منهما مائل منعدل من الاخر ومنه التصادف بمعنى التقابل قالَ ذو القرنين للعلمة انْفُخُوا يعنى اجعلوا فيها نارا فانفخوا في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ اى الحديد
فَمَا اسْطاعُوا أصله استطاعوا قرأ الجمهور بحذف التاء «٢» حذرا من تلاقى المتقاربين وقرأ حمزة مشددا بإدغام التاء في الطاء جامعا بين الساكنين على غير حده أَنْ يَظْهَرُوهُ ان يعلوه من فوقه لطوله وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) من أسفله لشدته وصلابته.
قالَ ذو القرنين هذا اى السد او الإقدار على تسويته رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي اى وقت وعده لخروج يأجوج ومأجوج- او لقيام الساعة بان شارف يوم القيامة جَعَلَهُ دَكَّاءَ قرأ الكوفيون بالمد والهمز بغير تنوين اى أرضا ملساء مستوية- وقرأ الباقون بالتنوين من غير همز ومد وهو مصدر بمعنى المفعول اى مدكوكا مبسوطا مساويا للارض وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) كائنا لا محالة انتهى قصة ذى القرنين- قال البغوي وفي القصة ان ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفى بشهرزور وذكر بعضهم ان عمره كان نيفا وثلاثين سنة.
وقال البغوي روى قتادة عن ابى رافع عن ابى هريرة يرفعه ان يأجوج ومأجوج يحفرونه يعنى السد كل يوم- حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيد الله عزّ وجلّ كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه إنشاء الله غدا واستثنى فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه فيحقرونه فيخرجون على الناس
(٢) وجه مخترع لا يكاد يتم في اللفظ الثاني ١٢ الفقير الدهلوي.
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ قيل هذا عند فتح السد يقول تركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج اى يدخل بعضهم في بعض كموج الماء ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم وتسابقهم في السير- وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض ويختلط انسهم بجنهم حيارى- ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة يعنى نفخة البعث فَجَمَعْناهُمْ اى الخلق جَمْعاً (٩٩) للحساب والجزاء في صعيد واحد.
وَعَرَضْنا اى ابرزنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) حتى شاهدوها عيانا.
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ اى في غشاء والغطاء ما يستر الشيء عَنْ ذِكْرِي اى عن رؤية الآيات والدلائل على وجودى وصفاتى فاذكر بالتوحيد والتعظيم وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) اسماعا لذكرى وكلاعى وما يرشدهم الى الحق من القول. وذلك لما كتب الله عليهم
أَفَحَسِبَ يعنى أفظن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي يعنى الملئكة والمسيح وعزيرا وقال ابن عباس يعنى الشياطين الذين أطاعوهم من دون الله وقال مقاتل الأصنام سميت عبادا كما قال انّ الّذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم مِنْ دُونِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها وقوله من دونى حال من قوله أَوْلِياءَ يعنى أربابا او شفعاء قوله عبادى واولياء مفعولان ليتّخذوا وان مع صلتها سد مسد المفعولين لحسب والاستفهام للانكار يعنى ليس الأمر كذلك بل هم لهم اعداء يتبرءون منهم فان العباد الصالحين اعداء للكافرين والشياطين والأصنام- إذا كان يوم القيمة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ويتبرءون عمن عبدهم- او المفعول الثاني لحسب محذوف حذف كما يحذف الخبر للقرينة يعنى أفحسبوا اتخاذهم عبادى اولياء نافعا لهم- وقال ابن عباس يريد افظن الذين كفروا ان يتخذوا غيرى اولياء انى لا اغضب لنفسى ولا أعاقبهم. فعلى هذا التأويل كلا المفعولين لحسب «١» محذوفان اعنى انى لا اغضب فان ان مع اسمها وخبرها سد مسدهما- وقوله ان يتخذوا مقدر بحرف الجر متعلق بكفروا يعنى باتخاذهم اى بسبب اتخاذهم غيرى اولياء- وجاز ان يقال تقدير الكلام على قول ابن عبّاس أظنوا ان الاتخاذ المذكور لا يغضبنى ولا أعاقبهم كلا فعلى هذا المفعول الثاني محذوف فحسب إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢) اى منزلا او ما يعد الضيف قبل نزوله- وفيه تهكم وتنبيه على ان لهم وراءها من العذاب ما يستحقر دونه ما سبق منه.
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ «٢» بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (١٠٣) نصب على التمييز وجمع لانه من اسماء الفاعلين او لتنوع أعمالهم.
الَّذِينَ ضَلَّ اى ضاع سَعْيُهُمْ اجتهادهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بسعيهم وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) اى عملا محل الموصول الرفع على الخبر لمحذوف اى هم الّذين ضلّ سعيهم فهو جواب السؤال والجر على البدل من الأخسرين او النصب على الذم- قال ابن عبّاس وسعد بن ابى وقاص هم اليهود والنصارى حسبوا أنفسهم على الحق وهم على الدين المنسوخ- وقيل هم الرهبان الذين في الصوامع حسبوا أنفسهم انهم تركوا الذّات الدنيا طمعا في الآخرة وقد ضلّ سعيهم لكونهم على الكفر- وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه
(٢) وفي الأصل قل هل انبّئكم-
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة وَلِقائِهِ يعنى بالبعث بعد الموت ويشعر هذه الاية بالتشنيع فيمن يعتقد البعث لكنه يقدم اعمال الدنيا على اعمال الاخرة ويتعب لاجل الدنيا ويترك امر الاخرة الى مغفرة الله وفضله- قال رسول الله ﷺ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن انس والله اعلم- وان كان المراد بالآية اليهود والنصارى فالمعنى انهم لا يعتقدون البعث على ما هو عليه او المراد بلقائه لقاء عذابه فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الّتي عملوها لاكتساب الدنيا او الّتي عملوها طمعا في الثواب ولا يثابون عليها لاجل كفرهم فان الايمان شرط لقبول الحسنات كلها فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) يعنى لا يكون لهم عند الله قدر واعتبار- عن ابى هريرة عن رسول الله ﷺ انّه به قال ليأتى الرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- متفق عليه واخرج ابو نعيم والآجري في هذه الاية عن ابى هريرة انه قال القوى الشديد الأكول يوضع في الميزان فلا يزن شعيرا يدفع الملك من أولئك سبعين الفا دفعة واحدة- او المعنى لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لا؟؟؟ نحباطها بل يلقون في النار بلا وزن او المعنى لا يكون لاعمالهم الّتي يرونها حسنات وزنا في الميزان- قال البغوي قال ابو سعيد الخدري يأتى الناس باعمال يوم القيامة عندهم في العظم كجبال تهامة فاذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله عزّ وجلّ فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- قال السيوطي اختلف اهل العلم هل يختص الميزان بالمؤمنين او يوزن اعمال الكفار ايضا واستدل للاول بقوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- وأجاب القائلون بالثاني بانه مجاز عن عدم الاعتداء بهم لقوله تعالى وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ الاية الى قوله أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- وقال القرطبي الميزان
ذلِكَ يعنى الأمر ذلك وقوله جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مستأنفة مبيّنة له ويجوز ان يكون ذلك مقيد؟؟؟ الجملة خبره والعائد محذوف اى جزاؤهم به او جزاؤهم بدله وجَهَنَّمُ خبره او جزاؤهم خبره وجهنّم عطف بيان للخبر بِما كَفَرُوا اى بسبب كفرهم وَاتَّخَذُوا واتخاذهم آياتي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) اى سخرية وهزوا بهم..
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ فيما سبق في حكم الله ووعده جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) عن ابى هريرة عن رسول الله ﷺ قال إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه اوسط «١» الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجّر انهار الجنة متفق عليه واخرج الترمذي والحاكم عن عبادة بن الصامت والبيهقي «٢» عن معاذ بن جبل نحوه ان النبي ﷺ قال ان الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها يكون العرش ومنها تفجّر النهار الجنة الاربعة فاذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس واخرج البزار عن العرباض بن سارية والطبراني عن ابى امامة نحوه قال قال رسول الله ﷺ إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه أعلى الجنة- وزاد في حديث ابى امامة ان اهل الفردوس يسمعون أطيط العرش- قال البغوي قال كعب ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس فيها الا ترون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال مقاتل الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأنعمها- واخرج احمد والطيالسي والبيهقي عن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيها وجنتان من فضة الحديث- قلت هذا الحديث يدل على ان كل جنة يسمى بالفردوس والصحيح هو الاول فاما في هذا الحديث سهو من الراوي او المراد بالفردوس معناه اللغوي- قال كعب الفردوس البستان فيه الأعناب وقال مجاهد هو البستان بالرومية وقال عكرمة
(٢) وفي الأصل عن عبادة بن الصامت والبيهقي نحوه عن معاذ بن جبل نحوه- ابو محمد عفى عنه.
خالِدِينَ فِيها حال مقدرة لا يَبْغُونَ اى لا يطلبون عَنْها حِوَلًا (١٠٨) تحولا إذ ليس شى أطيب منها حتى ترغب أنفسهم اليه- ويجوز ان يراد به تأكيد الخلود والله اعلم- اخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسئل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت ويسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من امر ربّى وما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فقالت اليهود أوتينا علما كثيرا أوتينا التورية ومن اوتى التوراة فقد اوتى خيرا كثيرا فنزلت.
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ يعنى ماء البحر مِداداً يكتب به والمداد اسم لما يمد به الشيء كالحبر الدوات والسليط للسراج- وأصله من الزيادة ومجىء شيء بعد شيء قال مجاهد لو كان البحر مدادا للقلم والمقلم يكتب لِكَلِماتِ رَبِّي اى كلمات علمه وحكمته لَنَفِدَ الْبَحْرُ اى جنس ماء البحر باسره لان كل جسم متناد؟؟؟
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي فانها غير متناهية لا تنفد- قراء حمزة والكسائي تنفد بالياء لتقدم الفعل وإسناده الى مونث غير حقيقى وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ اى بمثل البحر الموجود مَدَداً (١٠٩) زيادة ومعونة لان مجموع المتناهي متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون الا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهى الابعاد والمتناهي ينفد قبل غير المتناهي لا محالة- قلت لو فرضنا البحر او الأبحر السبعة وما زاد مدادا يكتب بها كلمات علمه تعالى فلا شك ان كل جزء منها يقوم بالقلم لا يمكن ان يكتب به ما معنى على ذلك الجزء من الأحوال الطارية عليه- وان كانت ذلك الأحوال متناهية فكيف ما عداها من الممكنات
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ قال ابن عبّاس علّم الله عزّ وجلّ رسوله، ﷺ التواضع لئلا يزعى على خلقه فامره ان يقرّ فيقول انى آدمي مثلكم الا انى خصصت بالوحى وأكرمني به يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له قلت فيه سد لباب الفتنة افتتن بها النصارى حين راؤا؟؟؟ عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وقد اعطى الله تعالى لنبيّنا ﷺ من المعجزات أضعاف ما اعطى عيسى عليه السلام فامره بإقرار العبوديّة وتوحيد الباري لا شريك وله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ اى يخاف المصير اليه ويأمل رويته وحسن ثوابه- قال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا قال الشاعر فلاكل ما ترجو من الخير كائن ولاكل ما ترجو من الشر واقع- فجمع بين المعنيين فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) اى لا يراى بعمله ولا يطلب على عمله اجرا من أحد غيره تعالى جزاء ولا ثناء اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاؤس قال قال رجل يا رسول الله انى اقف الموقف أريد وجه الله وأحب ان يرى موطنى فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الاية فمن كان يرجوا الآية مرسل وأخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس وصححه على شرط الشيخين واخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال كان رجل من المسلمين يقاتل وهو يحب ان يرى مكاله فانزل الله من كان يرجوا لقاء ربّه الاية- واخرج ابو نعيم وابن عساكر في تاريخه من طريق السدى الصغير من الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام او تصدق مر؟؟؟ كز بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس له فنزلت في ذلك فمن كان يرجو لقاء ربّه الاية- فان قيل روى الترمذي عن ابى هريرة قال قلت يا رسول الله اما في بيتي؟؟؟ في مصلاى إذ دخل علىّ رجل فاعجبنى الحال الّتي رانى عليها فقال رسول الله ﷺ ورحمك الله
وسلم يقول من سمع الناس بعلمه سمّع الله به مسامع خلقه وحقره وصغره- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان وعن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من صلى يرائى فقد أشرك ومن صام يرائى فقد أشرك ومن تصدق يرائى فقد أشرك رواه احمد عن انس قال قال رسول الله ﷺ يؤتى يوم القيمة بصحف مختمة فتنصب؟؟؟ بين يدى الله فيقول القول هذه واقبلوا هذه فيقول الملائكة وعزتك ما كتبتا الا ما عمل- فيقول هذا كان لغير وجهى وانى لا اقبل اليوم الا ما ابتغى به وجهى وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط والدار قطنى والاصبهانى في الترغيب وعن شهر بن عطة قال يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات فيقول رب العزة تبارك وتعالى صليت يوم كذا ليقال صلى فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص وصمت يوم كذا ليقال صام فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص-
(٢) وفي الأصل هذين الحديثين- ابو محمد عفا الله عنه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه مسئله ما ورد في ان الأنبياء لا يورثون المال ٨٣ بيان درجة الصديق ٩٨ قصة إدريس ودخوله الجنة ١٠٣ حديث اتلوا القران وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ١٠٤ ما ورد في الغىّ انه نهرا وواد في جهنم ١٠٥ ما ورد في ورود الناس كلهم في النار ثم ينجى الله المتقين- وفي تحقيق الورود ١١١ ما ورد في حشر المتقين ركبانا وحشر الكفار عطاشا مشاة على وجوههم ١١٨ حديث من كنت مولاه فعلىّ مولاه ١٢٢ حديث ذكر علىّ عبادة وحبّ علىّ عبادة ١٢٢ حديث إذا أحب الله عبدا قال لجبرئيل قد أحببت فلانا فاحبه الحديث ١٢٢.