تفسير سورة الكهف

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ ﴾ الآية هذه السورة مكية وقيل فيها آيات مدنية وسبب نزولها" أن قريشاً بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته فإِنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألاهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاث فإِن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فرؤا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإِنه كان لهم أمر عجيب وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه وسلوه عن الروح فأقبل النضر وعقبة إلى مكة فسألاه فقال غداً أخبركم ولم يقل إن شاء الله فاستمسك الوحي عنه خمسة عشر يوماً فارجف به كفار قريش وقالوا ان محمد تركه رئيه الذي كان يأتيه من الجن وقال بعضهم: وقد عجز عن أكاذيبه فشق ذلك عليه فلما انقضى ذلك جاءه الوحي بجواب الأسئلة وغيرها "ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه لما قال وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ذكر المؤمنين أنه يزيدهم خشوعاً وأنه تعالى أمره بالحمد له وأنه لم يتخذ ولداً وأمره تعالى بحمده على إنزال هذا الكتاب السالم من العوج القيم على كل الكتب المنذر من اتخذ ولداً المبشر المؤمنين بالأجر الحسن ثم استطرد إلى حديث كفار قريش والتفت من الخطاب في قوله: وكبره تكبيرا إلى الغيبة في قوله: على عبده لما في عبده من الإِضافة المقتضية تشريفه ولم يجىء التركيب أنزل عليك والكتاب القرآن * قال الزمخشري: ولم يجعل له معطوفة على أنزل فهي داخلة في الصلة ورتب على هذا أن الأحسن في انتصاب قيماً أن ينتصب بفعل مضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب لما يلزم من ذلك وهو الفصل بين الحال وذى الحال ببعض الصلة وقدره جعله قيماً وقال ابن عطية قيما نصب على الحال من الكتاب فهو بمعنى التقديم مؤخر في اللفظ أي أنزل الكتاب قيماً واعترض بين الحال وذي الحال قوله ولم يجعل له عوجاً أما إذا قلنا بأن الجملة المنفية اعتراض فهو جائز ويفصل بجمل الاعتراض بين الحال وصاحبها والصحيح أنهما حالان من الكتاب الأولى جملة والثانية مفردة وكثير من أصحابنا على منع ذلك وفي ذلك أعاريب أخر ذكرت في البحر والعوج في المعاني كالعوج في الأشخاص ونكر عوجاً ليعم جميع أنواعه لأنها نكرة في سياق النفي والمعنى أنه في غاية الاستقامة لا تناقض ولا اختلاف في معانيه ولا حواشيه ولا عي في تراكيبه ومبانيه وقيماً بمصالح العباد وشرائع دينهم وأصدر معائشهم ومعادهم ولذلك جاء بعده لينذر وليبشر فيجوز أن يتعلقا بقوله قيماً ويجوز أن يتعلقا بأنزل والبأس الشديد عذاب الآخرة ويحتمل أن يندرج فيه ما يلحقهم من عذاب الدنيا من لدنه تقدم الكلام في أول هود والأجر الحسن الجنة ولما كنى عن الجنة بقوله أجراً حسناً قال ماكثين فيه، أي مقيمين فجعله ظرفاً لإِقامتهم ولما كان المكث لا يقتضي التأبيد قال أبداً وهو ظرف دال على زمن متناه وانتصب ماكثين على الحال وذو الحال هو الضمير في لهم والذين نسبوا الولد إلى الله تعالى بعض اليهود في عزير وبعض النصارى في المسيح وبعض العرب في الملائكة والضمير في به الظاهر أنه عائد على الولد الذي ادعوه.﴿ مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أي ما لهم بقولهم هذا من علم فالجملة في موضع الحال أي قالوا جاهلين من غير فكر ولا روية ولا نظر فيما يجوز ويمتنع * وقرأ الجمهور:﴿ كَلِمَةً ﴾ بالنصب فالظاهر انتصابها على التمييز وفاعل كبرت مضمر يعود على المقالة المفهومة من قوله: قالوا اتخذ الله ولدا وفي ذلك معنى التعجب أي ما أكبرها كلمة والجملة بعدها صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإِن كثيراً مما يشوش به الشيطان في القلوب ويحدث به النفس لا يمكن أن يتفوه به بل يصرف عنه الكفر فكيف بمثل هذا المنكر وسميت كلمة كما يسمون القصيدة كلمة وان نافية أي ما يقولون وكذباً نعت لمصدر محذوف أي قولاً كذباً.﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ لعل للترجي في المحبوب وللإِشفاق في المحذور * وباخع قال الفراء بخع يبخع بخعاً وبخوعاً أهلك من شدة الموجدة وأصله الجهد والظاهر أنها هنا للإِشفاق أشفق أن يبخع الرسول نفسه عليهم لكونهم لم يؤمنوا وقوله. على آثارهم استعارة فصيحة من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان وإعراض عن الشرع وكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا في إدبارهم بحزن عليهم ومعنى على آثارهم من بعدهم أي بعد يأسك من إيمانهم أو بعد موتهم على الكفر ويقال: مات فلان على أثر فلان أي بعده والإِشارة بهذا الحديث إلى القرآن، قال الله تعالى:﴿ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾[الزمر: ٢٣] وأسفا مفعول من أجله وأصله حزناً وارتباطاً قوله:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا ﴾ بما قبلها هو على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للابتلاء والاختبار أي الناس أحسن عملاً وليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملاً ومن هو أسوأ عملاً فلا تغتم ولا تحزن على من قضيت عليه بأنه يكون أسوأ عملاً ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم مواد هذه النعم التي خلقتها وجعلناها بمعنى خلقنا والظاهر أن ما يراد به العموم فيما لا يعقل وزينة كل شىء بحسبه * وانتصب زينة على الحال أو الفعول من أجله إن كان جعلنا بمعنى خلقنا وأوجدنا وإن كان بمعنى صيرنا فانتصب على أنه مفعول ثان وأيهم يحتمل أن تكون الضمة فيها إعراباً فتكون أيهم مبتدأ وأحسن خبره والجملة في موضع المفعول لنبلوهم ويكون قد علق بيبلوهم إجراء لها مجرى العلم لأن الابتداء والاختبار سبب العلم ويحتمل أن تكون الضمة فيها على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء في أي وهو كونها مضافة قد حذف صدر صلتها فأحسن خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أحسن ويكون أيهم موصولاً في موضع نصب بدلاً من الضمير في ليبلوهم والمفضل عليه محذوف تقديره ممن ليس أحسن عملاً.﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ ﴾ أي مصيرون ما عليها مما كان زينة لها أو ما عليها مما هو أعم من الزينة وغيره.﴿ صَعِيداً ﴾ تراباً جزراً لا نبات فيه وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما تضمنته أيدي المترفين من زينتها إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والمحاق.﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ ﴾ الآية أم هنا هي المنقطعة فتقدر ببل والهمزة قيل للإِضراب عن الكلام الأول والمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإِبطال والهمزة للاستفهام وزعم بعض النحويين أن أم هنا بمعنى الهمزة فقط والظاهر في أم حسبت أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك وأهل الكهف هم الفتية الذين ذكرهم الله بعد ذلك والكهف هو الغار الذي في الجبل يستتر فيه.﴿ وَٱلرَّقِيمِ ﴾ قيل هو اسم الكلب الذي كان معهم وقيل اسم قصر وقيل هذا الكهف هو في الروم وقيل في الشام * وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف * قال ابن عطية: دخلت إليهم ورأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر مخلق وبقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى غرناطة مما يلي القبلة أثار قديمة يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما سهل ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله " انتهى " قال والدي فسح الله في مدته وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عددهم إذا عدوهم وإن معهم كلباً ورحل الناس إلى، لوشة لزيارتهم وأما ما ذكر من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مراراً لا تحصى وشاهدت فيها حجارة كباراً ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى ولأن الاخبار بما هو في أقصى مكان عن أرض الحجاز أبعد أن لا يعرفه أحد إلا بوحي من الله تعالى والعامل في إذا قيل اذكر وقيل عجباً ومعنى أوى جعلوه مأوى لهم ومكان اعتصام ثم دعوا الله تعالى أن يؤتيهم رحمة من عنده وهي الرزق ولفظ الفتية يشعر بأنهم كانوا شباناً وكذلك روي أنهم كانوا شباناً من أبناء الأشراف والعظماء مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب وهم من الروم اتبعوا دين عيسى وأصحابنا الأندلوسيون تكثر في ألفاظهم تسمية نصارى الأندلس بالروم وقل من ينطق بلفظ النصارى * وقال بعض أدبائهم يخاطب ملك الأندلس الآن ابن الأحمر: حميت حمى الاسلام في أرض غربة   وقد نشبت للروم فيها المخالبومفعول ضربنا محذوف تقديره حجاباً من أن يسمعوا وهو كناية عن النوم وانتصب سنين على الظرف والعامل فيه فضربنا وعدداً مصدر وصف به والظاهر منه الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج إلى أن يعد إلا ما كثر لا ما قل * قال الزمخشري: ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير عنده قليل كقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار انتهى هذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر: كأن الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسى   ولم يك صعلوكاً إذا ما تموّلا﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ أي أيقظناهم من نومهم وليعلم أي ليظهر لهم ما علمناه من أمرهم أي الحزبين قال ابن عباس هم الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب وقيل ذلك * قال الزمخشري: وقرىء: ليعلم وهو معلق منه لأن ارتفاعه بالابتداء بإِسناد يعلم إليه وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أنه مفعول يعلم " انتهى " لا يجوز ما ذكره على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله وهو قائم مقام الفاعل وكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم ما ناب عنه وللكوفين مذهبان أحدهما أنه يجوز الإِسناد إلى الجملة مطلقاً والثاني أنه لا يجوز إلا إذا كان الفعل مما يصح تعليقه وأي الحزبين مبتدأ وأحصى خبره، وهو أفعل التفضيل ولما متعلق به وأمدا مفعول أحصى غلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للحال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن وفهو لما سواها أضيع قال: وهذه كلها أفعل من الرباعي." انتهى " وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي وفي بناء أفعل التعجب وأفعل التفضيل ثلاثة مذاهب يبنى مطلقاً وهو ظاهر كلام سيبويه وقد جاء منه ألفاظ لا يبنى منه مطلقاً وما ورد حمل على الشذوذ والتفضيل بين أن يكون الهمزة للنقل فلا يجوز أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن يقول ما أشكل هذه المسألة وما أظلم هذا الليل وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو قال الزمخشري: فإِن قلت فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل قلت ليس بالوجه السديد وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس ونحو أعدى من الجرب وأفلس من ابن المذلق شاذ والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به فيه ولأن أمدا لا يخلوا إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسر عليه المعنى فإِن زعمت أني أنصبه بإِضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله: وأضرب منا بالسيوف القوانسا   على يضرب القوانس فقد أبعدت التناول وهو قريب حيث أثبت أن يكون أحصى فعلاً ثم رجعت مضطراً إلى تقديره وإضماره " انتهى " أما دعواه الشذوذ فهو مذهب أبي عليّ وقد ذكرنا أن الظاهر مذهب سيبويه جواز بنائه من أفعل مطلقاً وأنه مذهب أبي إسحاق وأن التفضيل اختيار ابن عصفور وقول غيره والهمزة في أحصى ليست للنقل وأما قوله فأفعل لا يعمل ليس بصحيح لأنه يعمل في التمييز وأمدا تمييز وهكذا أعربه من زعم أن أحصى أفعل التفضيل كما نقول زيد أقطع الناس سيفاً ولم يعربه مفعولاً به وأما قوله وأما أن ينتصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى أي لا يكون سديداً فقد ذهب الطبري إلى أن نصب أمداً بلبثوا قال ابن عطية: وهذا غير متوجه " انتهى " وقد يتجه ذلك أن الأمد هو الغاية ويكون عبارة عن المدة كقوله:﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾[البقرة: ١٠٦] ما يفتح الله للناس من رحمة، ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل وأما قوله: فإِن زعمت إلى آخره، فنقول: لا يحتاج إلى هذا الزعم لأن لقائل ذلك أن يسلك مذهب الكوفيين في أن أفعل التفضيل ينتصب المفعول به فالقوانس عندهم منصوب بأضرب نصب المفعول به وأما تأويله بضرب القوانس فقول البصريين وكذلك ذهب بعض النحويين إلى أن قوله أعلم من يضل من منصوبة بأعلم نصب المفعول به ولو كثر وجود * وأضرب منا بالسيوف القوانسا * لكنا نقيسه ويكون معناه صحيحاً لأن أفعل التفضيل مضمن معنى المصدر فيعمل بذلك التضمن ألا ترى أن المعنى يزيد ضربنا بالسيوف على ضرب غيرنا.﴿ نَحْنُ نَقُصُّ ﴾ بدأ بقصتهم أولاً مختصرة ثم ذكرها مفصلة مطولة.﴿ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ ﴾ أي على وجه الصدق وجاء بلفظ نحن نقص موازناً لقوله: لنعلم ثم قا ل:﴿ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ ففيه إضافة الرب وهو السيد والناظر في مصلحة عبيده ولم يأت التركيب آمنوا بنا للاشعار بتلك الرتبة وهي أنهم مربوبون له مملوكون ثم قال: وزدناهم ولم يأت التركيب وزادهم لما في لفظة نا من العظمة والجلالة وزيادته تعالى لهم هدى هو تيسيرهم للعمل الصالح والانقطاع إليه ومباعدة الناس والزهد في الدنيا وهذه زيادة على الإِيمان الذي حصل لهم.﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ أي ثبتناها وقويناها على الصبر على هجرة الوطن والنعيم والفرار بالدين إلى غار في مكان قفر لا أنيس فيه ولا ماء ولا طعام والربط مقابلة الإِنحلال ومنه فلان رابط الجأش إذا كانت نفسه لا تتفرق عند الفزع والخوف واللام في لقد لام تأكيد وإذا حرف جواب وجراء أي لقد قلنا ان دعونا من دونه إلهاً قولاً شططاً أي ذا شطط وهو التعدي والجور فشططاً نعت لمصدر محذوف.﴿ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ ولما وحدوا الله ورفضوا ما دونه من الآلهة أخذوا في ذم قومهم وسوء فعلهم وأنهم لا حجة لهم في عبادة غير الله ثم عظموا جرم من افترى على الله كذباً والضمير في من دونه عائد على الله ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا صحبه الإِنكار والسلطان الحجة والبرهان.﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ خطاب من بعضهم لبعض والاعتزال يشمل مفارقة أوطان قومهم ومعتقداتهم فهو اعتزال جسماني وقلبي وما معطوف على المفعول في اعتزلتموهم أي واعتزلتم معبوداتهم وإلا الله استثناء متصل إن كان قومهم يعبدون الله مع آلهتهم لاندراج لفظ الجلالة في قوله: وما يعبدون أو منقطع إن كانوا لا يعرفون الله ولا يعبدونه لعدم اندراجهم في معبوداتهم.﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ ﴾ المعنى أنه يبسط عليكم رحمته.﴿ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ ﴾ ما ترتفقون به في أمر عيشكم.﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت ﴾ الآية هنا جمل محذوفة دل عليها ما تقدم والتقدير فأووا إلى الكهف فألقى الله تعالى عليهم النوم واستجاب دعاءهم وأرفقهم في الكهف بأشياء وقرىء: تزاور بإِدغام تاء تزاور في الزاء وقرىء: تزور على وزن تحمر وقرىء: تزاور بحذف التاء على وزن تفاعل وبإِدغام التاء في الزاي والمعنى تزوغ وتميل وذات اليمين جهة يمين الكهف وحقيقة المسالمة باليمين يعني يمين الداخل إلى الكهف أو يمين الفتية وتقرضهم أي لا تقربهم من معنى القطيعة وهم في فجوة أي متسع من الكهف.﴿ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ هذه الصفة مع الشمس يقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاوية وقال عبد الله بن مسلم كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش وعلى هذا كان أعلا الكهف مستوراً من المطر.﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً ﴾ جمع يقظ بمعنى منتبه من النوم.﴿ وَهُمْ رُقُودٌ ﴾ جملة حالية وقيل كانت أعينهم مفتحة فيحسبهم الرائي أنهم منتبهون والظاهر أن قوله: ونقلبهم خبر مستأنف وقيل إنما وقع الحسبان من جهة تقلبهم ولا سيما إذا كان من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين وذات منصوب على الظرف وأصلها صفة للجهة كأنه قال جهة ذات اليمين والظاهر أن قوله: وكلبهم أريد به الحيوان المعروف الذي تبعهم والوصيد باب الكهف * قال الزمخشري: باسط ذراعيه حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل وحجج الفريقين مذكورة في علم النحو والخطاب في لو اطلعت لمن هو في قوله: وترى الشمس وتحسبهم إيقاظاً ومغنى لوليت أي أعرضت بوجهك عنهم ولوليتهم كشحك وانتصب فراراً على المصدر اما لفررت محذوفة واما لوليت لأنه بمعنى لفررت واما مفعولاً من أجله وانتصاب رعباً على أنه مفعول ثان.﴿ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا ﴾ الآية الكاف للتشبيه والإِشارة بذلك قيل للمصدر المفهوم من فضربنا على آذانهم أي مثل جعلنا أنا متهم هذه المدة الطويلة جعلنا بعثهم آية واللام في ليتساءلوا للصيرورة والمآل لا للتعليل والقائل في قوله: كم لبثتم قيل كبيرهم وقيل صاحب نفقتهم وكم سؤال عن العدد والمعنى كم يوماً أقمتم نائمين والظاهر صدور الشك من المسئولين وقيل أو للتفصيل * قال بعضهم: لبثنا يوماً، وقال بعضهم بعض يوم والسائل أحس في خاطره طول نومهم ولذلك سأل قيل ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار وجوابهم هذا مبني على غلبة الظن والقول بالظن الغالب لا يعد كذباً ولما عرض لهم الشك في الاخبار ردوا علم لبثهم إلى الله تعالى ولما انتبهوا من نومهم أخذهم ما يأخذ من نام طويلاً من الحاجة إلى الطعام واتصل فابعثوا بحديث التساؤل كأنهم قالوا: خذوا فيما يهمكم ودعوا علم ذلك إلى الله تعالى والمبعوث قيل هو تمليخاً وكانوا قد استصحبوا حين خرجوا دارهم لنفقتهم وكانت حاضرة عندهم فلهذا أشاروا إليها بقولهم: هذه والمدينة هي مدينتهم التي خرجوا منها.﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ في اختفائه وتخيله مدخلاً ومخرجاً.﴿ وَلاَ يُشْعِرَنَّ ﴾ أي لا يفعل ما يؤذي من غير قصد منه إلى الشعور منا سمي ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه والجملة في موضع نصب بفلينظر معلق عنها الفعل بأيها استفهام مبتدأ وأزكى خبره ويجوز أن يكون أيها موصولاً مبنياً مفعولاً بينظر على مذهب سيبويه وأزكى خبر مبتدأ محذوف وطعاماً تمييز وأزكى قال يمان بن رياب: أرخص والضمير في أنهم عائد على ما دل عليه المعنى من كفار تلك المدينة والظهور هنا الاطلاع والعلم بمكانهم والظاهر أنه الرجم بالحجارة أو يعيدوكم في ملتهم يدخولكم فيها مكرهين ولا يلزم من العود إلى الشىء التلبس به.﴿ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ ﴾ إن دخلتم في دينهم.﴿ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ الآية قبل هذا الكلام جمل محذوفة التقدير فبعثوا أحدهم ونظر أيها أزكى طعاماً وتلطف ولم يشعر بهم أحداً فاطلع الله تعالى أهل المدينة على حالهم وقصة ذهابه إلى المدينة وما جرى له مع أهلها وحمله إلى الملك وادعائهم عليه أنه أصاب كنزاً من كنوز الأقدمين وحمل الملك ومن ذهب إليهم مذكور في التفاسير وأعثرنا عليهم وتقدم الكلام في أعثرنا في قوله: فإِن عثر ومفعول أعثرنا محذوف تقديره أعثرناهم عليهم والضمير في ليعلموا عائد على مفعول أعثرنا ووعد الله هو البعث لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعد المدة المتطاولة كمال من يموت ثم يبعث. و ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي لا شك ولا ارتياب في قيامها والمجازاة فيها وكان الذين أعثروا على أهل الكهف قد دخلتهم فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا: يحشر الأرواح فشق ذلك على ملكهم وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله تعالى في حجة وبيان فأعثر الله على أهل الكهف فلما بعثهم الله وتبين للناس أمرهم سر الملك بذلك ورجع من كان في شك من بعث الأجساد إلى اليقين وإلى هذا وقعت الإِشارة بقوله: إذ يتنازعون بينهم أمرهم وإذ معمولة لأعثرنا أو ليعلموا والظاهر أن سيقولون عائد على من تقدم ذكرهم وهم المتنازعون في حديثهم قبل ظهورهم عليهم فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من اختلاف قومهم في عددهم وانتصب رجماً على أنه مصدر لفعل مضمر أي يرجمون بذلك وثلاثة خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفة أي هم ثلاثة أشخاص.﴿ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ إسم فاعل أضيف إلى الضمير والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد والكلام في قوله: خمسة وسادسهم كالكلام فيما تقدم والواو في وثامنهم للعطف على الجملة السابقة أي يقولون هم سبعة وثامنهم كلبهم ثم أخبر وإخباراً ثانياً أن ثامنهم كلبهم فيهما جملتان * وقال الزمخشري: فإِن قلت فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولين قلت هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما يدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة في نحو قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف ومنه قوله: جل وعلا﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾[الحجر: ٤] وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهي الواو التي أديت بالذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوا عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجعوا بالظن كما غيرهم " انتهى ". وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شىء لا يعرفه النحويون بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلا إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالاً على المغايرة فأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف على هذا في الأسماء المقدرة وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره أن يقول ربي أعلم بعدتهم أي لا يخبر بعددهم إلا من بعلمهم حقيقة وهو الله ما يعلمهم إلا قليل والمثبت في حق الله تعالى الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض ثم نهاه عن الجدال فيهم أي في عدتهم والمراء وسمي مراجعته لهم مراء على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك وقيده بقوله: ظاهراً، أي غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل ولا تعنيف كما قال تعالى:﴿ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[النحل: ١٢٥] ثم نهاه أن يسأل أحداً من أهل الكتاب عن قصتهم لا سؤال متعنت لأنه خلاف ما أمرت به من الجدال بالتي هي أحسن ولا سؤال مسترشد لأنه تعالى قد أرسلك بأن أوحى إليك قصتهم ثم نهاه أن يخبر بأنه يفعل في الزمن المستقبل شيئاً إلا ويقرن بمشيئته تعالى وتقدم في سبب النزول كونه لم يقل ذلك مقروناً بالمشيئة وإلا أن يشاء الله استثناء لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يكون داخلاً تحت القول فيكون من المقول ولا ينهاه الله أن يقول: إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله لأنه كلام صحيح في نفسه لا يمكن أن ينهى عنه فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير والظاهر أمره تعالى بذكر الله إذا عرض له النسيان والإِشارة بقوله لأقرب من هذا أي الشىء المنسي أي أذكر ربك عند نسيانه بأن تقول عسى أن يهديني ربي إلى شىء آخر بدل هذا المسس أقرب منه رشداً وأدنى خيراً.
﴿ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ ﴾ الظاهر أن هذا إخبار من الله تعالى بمدة لبثهم يناما في الكهف إلى أن أطلع الله عليهم ولما تحرر هذا العدد بإِخبار الله تعالى أمر نبيه أن يقول: قل الله أعلم بما لبثوا فخبره هذا هو الحق والصدق الذي لا يدخله ريب لأنه عالم غيب السماوات والأرض والظاهر أن قوله بما لبثوا إشارة إلى المدة السابق ذكرها وحكى النقاش أنها ثلثمائة سنة شمسية ولما كان الخطاب للعرب زيدت التسع إذ حساب العرب هو بالقمر لاتفاق الحسابين والضمير في له عائد على الله تعالى وهل هو في موضع رفع أو نصب وهل أسمع وأبصر أمر أن حقيقة أم أمران لفظا معناهما إنشاء التعجب في ذلك خلاف مقرر في النحو وتقدم الكلام على كيفية نسبة التعجب إلى الله في قوله: فما أصبرهم على النار والضمير في قوله: ما لهم لأهل السماوات والأرض من ولي متول لأمورهم ولا يشرك في قضائه أحداً منهم ولما أنزل عليه ما أنزل من قصة أهل الكهف أمره بأن يقص ويتلو على معاصريه ما أوحى الله تعالى إليه من كتابه في قصة أهل الكهف وفي غيرهم وأن ما أوحاه إليه لا مبدل له ولا مبدل عام ولكلماته عام أيضاً والتخصيص اما في لا مبدل أي لا مبدل له سواه ألا ترى إلى قوله وإذا بدلنا آية مكان آية وأما في كلماته أي لكلماته المتضمنة الخبر لأن ما تضمن غير الخبر وقع النسخ في بعضه وفي أمره تعالى أن يتلو ما أوحي إليه وإخباره أنه لا مبدل لكلماته إشارة إلى تبديل المنازعين في أهل الكهف وتحريف اخبارهم والملتحد أي المتلجأ الذي تميل إليه وتعدل له.﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ الآية قال كفار قريش: لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك يعنون عماراً وصهيباً وسلمان وابن مسعود وبلالاً ونحوهم من الفقراء وقالوا ان ريح جبابهم يؤذينا فنزلت واصبر نفسك أي احبسها وثبتها * قال أبو ذؤيب: فصبرت عارفة لذلك حرة * ترسو إذا نفس الجبان تطلع.﴿ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ ﴾ إشارة إلى الصلوات الخمس وتقدم الكلام على قوله: بالغداة والعشي قراءة وإعراباً في الانعام.﴿ وَلاَ تَعْدُ ﴾ أي لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى أبناء الدنيا وعد متعد تقول عدا فلان طوره وجاء القوم عدا زيداً فلذلك قدرنا المفعول محذوفاً ليبقى الفعل على أصله من التعدية * وقال الزمخشري: إنما عدي لتضمين عدا معنى نبا وعلا في قولك بنت عنه عينه وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به فإِن قلت أي غرض في هذا التضمين وهلا قيل ولا تعدهم عيناك ولا تعد عيناك عنهم * قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذا ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك ولا تقتحمهم عيناك مجاوزين إلى غيرهم ونحوه قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ﴾[النساء: ٢] أي ولا تضموها إليها آكلين لها " انتهى " وما ذكره من التضمين لا ينقاس عند البصريين وإنما يذهب إليه عند الضرورة أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله الوصفي كان أولى * قال الزمخشري: تريد زينة الحياة الدنيا في موضع الحال. " انتهى ". وصاحب الحال ان قدر عيناك فكان يكون التركيب تريدان وان قدر الكاف مجيء الحال من المجرور بالإِضافة مثل هذا فيه اشكال لاختلاف العامل في الحال وذي الحال وقد أجاز ذلك بعضهم إذا كان المضاف خبر أو كالجزء وحسن ذلك هنا أن المقصود نهيه صلى الله عليه وسلم عن الإِعراض عنهم والميل إلى غيرهم وإنما جيء وبقوله: عيناك والمقصود هو لأنهما مهما يكون المراعاة للشخص والتلفت إليه والمعنى ولا تعد أنت عنهم النظر إلى غيرهم والظاهر أن المراد بمن اعتقلنا كفار قريش.﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ في طلب الشهوات.﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ أي ضائعاً والحق يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحق ويجوز أن يكون الحق مبتدأ ومن ربكم الخبر والظاهر أن الفاعل يشاء عائد على من * قال ابن عطية الضمير في شاء عائد على الله وكأنه لما كان الإِيمان والكفر تابعين لمشيئة الله جاء بصفة الأمر حتى كأنه لحتم وقوعه مأمور به مطلوب منه ولما تقدم الإِيمان والكفر أعقب بما أعد لهما فذكر ما أعد للكافرين تلو قوله: فليكفر وأتى بعد ذلك بما أعد للمؤمنين والسرادق حائط من نار محيط.﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ ﴾ يطلبوا الغوث مما حل بهم من النار وشدة إحراقها واشتداد عطشهم.﴿ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ ﴾ هذا على سبيل المقابلة وإلا فليست إغاثة.﴿ كَٱلْمُهْلِ ﴾ قال ابن عباس: ماء غليظ مثل دردي الزيت. و ﴿ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ ﴾ في موضع الصفة لما أوفى موضع الحال منه لأنه قد وصف فحسن مجيء الحال منه وإنما اختص الوجوه لكونها عند شربهم يقرب حرماً من وجوههم وقيل عبر بالوجوه عن جميع أبدانهم والمعنى أنه ينضج به جميع جلودهم.﴿ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ ﴾ المخصوص بالذم محذوف تقديره بئس الشراب هو أي الماء الذي يغاثون به والضمير في ساءت عائد على النار * والمرتفق قال ابن عباس: المنزل.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ الآية: خبر إن قوله أولئك والجملة من قوله: إنا لا نضيع ويكون العائد محذوفاً تقديره من أحسن عملاً منهم ويجوز أن يكون مبتدأ خبره ما بعده ويكون توضيحاً لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ﴾ ولما ذكر مكان أهل الكفر وهو النار ذكر مكان أهل الإِيمان وهي جنات عدن ولما ذكر هناك ما يغاثون به وهو الماء كالمهل ذكر هناك ما خص به أهل الجنة من كون الأنهار تجري من تحتهم ذكر ما أنعم به عليهم من التحلية واللباس واللذين هما زينة ظاهرة وبدأ بالتحلية لأنها أفخر من اللباس ومن الأولى يجوز أن تكون للابتداء والثانية للتبيين وقرأ أبان عن عاصم أسورة جمع سوار وقرأ الجمهور أساور جمع أسورة وهي جمع الجمع * قال الزمخشري: وجمع بين السندس وهو ما رق من الديباج وبين الاستبرق وهو الغليظ منه جمعاً بين النوعين وبناء التحلية للمفعول الذي لم يسم فاعله إشعاراً بأنهم يكرمون بذلك ولا يتعاطون ذلك بأنفسهم * قال الشاعر: غرائر في كن وصون ونعمة   تحلين ياقوتاً وشذراً مقفراً*واسند الفعل إليهم لأن الإِنسان يتعاطى ذلك بنفسه خصوصاً لو كان بادي العورة ووصف الثياب بالخضرة لأنها أحسن الألوان والنفس تنبسط لها أكثر من غيرها وقد روى في ذلك أثر أنها تزيد في ضوء البصر وحض الاتكاء لأنها هيئة المنعمين والملوك على أسرتهم والأرائك جمع أريكة وهي السرير والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الثواب ما وعدوا به والضمير في وحسنت عائد على الجنات ومرتفقاً تمييز وهو محول من الفاعل.﴿ وَٱضْرِبْ لهُمْ ﴾ الآية قيل نزلت في أخوين من بني مخزوم الأسود بن عبد الأسود بن عبد يا ليل وكان كافراً وأبي سلمة عبد الله بن الأسود وكان مؤمناً وقيل غير ذلك والضمير في لهم عائد على المتجبرين الطالبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد ضعفاء المؤمنين فالرجل الكافر بإِزاء المتجبرين المؤمن بإِزاء ضعفاء المؤمنين وظهر بضرب المثل الربط بين هذه الآية والتي قبلها إذ كان من أشرك إنما افتخر بماله وأنصاره وهذا قد يزول فيصير الغني فقيراً وإنما المفاخرة بطاعة الله تعالى * واضرب لهم مثلاً الآية قصة رجلين وجعلنا تفسير للمثل فلا موضع له من الإِعراب وأبهم في قوله: جعلنا لأحدهما وتبين أنه الكافر الشاك في البعث وأبهم تعالى مكان الجنتين إلا يتعلق بتعيينه كبير فائدة وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين وكانتا لأخوين فباع أحدهما نصيبه من الآخر وأنفقه في طاعة الله حتى عيره الآخر وجرت بينهما هذه المحاروة قال: فغرقهما الله في ليلة وإياهما عني بهذه الآية * قال ابن عطية: وتأمل هذه الهيئة التي ذكرها الله فإِن المرء لا يكاد يتخيل أجلّ منها في مكاسب الناس جنتا عنب أحاط بهما نخل وبينهما فسحة هي مزدرع لجميع الحبوب والماء المعين يسقي جميع ذلك من النهر.﴿ وَحَفَفْنَاهُمَا ﴾ حفه طاف به من جوانبه قال: يحفه جانباً يتق ويتبعه   مثل الزجاجة لم يكمل من الرمدوحففته به جعلته مطيفاً﴿ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ ﴾ أي كل واحدة منهما فلذلك أفرد في قوله آتت أكلها وقد راعى معنى التثنية في قوله: وفجرنا خلالهما أي فثني الضمير وهو ضمير الجنتين * وقال الشاعر: كلاهما حين جد الجري بينهما   قد أقلعا وكلا أنفيهما رابيفثنى في أقلعا وأفرد في رابي.﴿ وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً ﴾ أي لم ينقص منه، وقرىء: ثمر وثمر ويظهر من قوله: فقال لصاحبه أنه ليس أخاه.﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ جملة حالية والظاهر أن ذا الحال وهو القائل أي يفتخر عليه بكثرة ماله وعزة نفسه مالاً ونفراً تمييزان بعد أفعل التفضيل * وقال الزمخشري: فإِن قلت لم أفرد الجنة بعد التثنية قلت معناه ودخل ما هو جنته ما له جنة غيرها يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما " انتهى " ولا يتصور ما قاله لأن قوله: ودخل جنته، إخبار من الله بدخول ذلك الكافر جنته فلا بد أن قصد في الاخبار أنه دخل إحدى جنتيه إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقت واحد والمعنى ودخل جنته يرى صاحبه ما هي عليه من البهجة والنضارة والحسن وهو ظالم لنفسه جملة حالية أي وهو كافر بنعمة ربه فقر بما ملكه شاك في نفاذ ما حوله وفي البعث الذي حاوره فيه صاحبه والظاهر أن الإِشارة بقوله: هذه إلى الجنة التي دخلها وعنى بالأبد أبد حياته وذلك لطول أمله وتمادي غفلته ولحسن قيامه عليها بما أوتي من المال والخدم فهي باقية مدة حياته على حالها من الحسن والنضارة والحسن يقتضي أن أحوال الدنيا بأسرها غير باقية.﴿ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ ﴾ أي تهلك هذه إشارة إلى الجنة التي دخلها.﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾ هذا شك في قيام الساعة وهو كفر ثم أقسم على أنه ان رد إلى ربه على سبيل قياس الأخرى على الدنيا وكما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيراً من جنته تطمعاً وتمنياً على الله وادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده وأنه ما أولاه الجنتين في الدنيا إلا لاستحقاقه وأن معه هذا الاستحقاق أين توجه كقوله:﴿ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ﴾[فصلت: ٥٠] ومعنى منقلباً مرجعاً وعاقبة أي منقلب الآخرة لبقائها خير من منقلب الدنيا لزوالها وانتصب منقلباً على التمييز.﴿ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ الآية وهو يحاوره حال من الفاعل وهو صاحبه وأكفرت استفهام إنكار وتوبيخ حيث أشرك مع الله غيره ثم نبه على أصل نشأته وإيجاده بعد العدم وأن ذلك دليل على جواز البعث من القبور ثم تحتم ذلك بإِخبار الصادقين وهم الرسل عليهم السلام * وقوله خلقك من تراب اما أن يراد خلق أصلك من تراب وهو مآدم صلى الله عليه وسلم وخلق أصله سبب في خلقه فكان خلقه خلقاً له وأريد أن ماء الرجل يتولد من أغذية راجعة إلى التراب فنبهه أولاً على ما تولد منه ماء أبيه ثم ثانية على النطفة التي هي ماء أبيه وانتصب رجلاً على الحال والعامل فيه سوّاك ولما لم يكن الاستفهام استفهام إعلام وإنما هو استفهام إنكار وتوبيخ فهو في الحقيقة تقرير على كفره وإخبار عنه به لأن معناه قد كفرت بالذي خلقك استدرك هو مخبراً عن حال نفسه فقال:﴿ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي ﴾ إقراراً بتوحيد الله تعالى وأنه لا يشرك به وقرىء: لكن بتشديد النون بغير ألف في الوصل وبألف في الوقف وأصله ولكن أنا ونقل حركة الهمزة إلى نون لكن وحذف الهمزة فالتقى مثلان فأدغم أحدهما في الآخر وأما في الوقف فإِنه اثبت ألف أنا وهو المشهور في الوقف على أنا ومثال إثباتها في الوصل: أنا سيف العشيرة فاعرفوني   حميداً قد تدربت السناناكان الأصل لكن أنا وحصل الادغام وقال الزمخشري ونحوه يعني ونحو إدغام نون لكن في نون أنا بعد حذف قول القائل وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني ولكن إياك لا أقلي، أي لكن أنا لا أقليك. " انتهى ". لا يتعين ما قاله في البيت لجواز أن يكون التقدير لكنني فحذف اسم لكن وذكروا ان حذفه فصيح إذا دل عليه الكلام وأنشدوا على ذلك قول الشاعر: فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي   ولكن زنجي عظيم المشافرفي رواية من روي زنجي بالرفع أي ولكنك زنجي فانا مبتدأ وهو ضمير الشأن مبتدأ ثان والله مبتدأ ثالث وربي خبره والثالث وخبره خبر عن الثاني والثاني وخبره خبر عن أنا والعائد عليه هو الياء في ربي وصار التركيب نظير هند هو زيد ضربها وفي قوله:﴿ وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ تعريض بإِشراك صاحبه وأنه مخالفه في ذلك وقد صرح بذلك في صاحبه في قوله:﴿ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ﴾[الكهف: ٤٢] ولولا تحضيضية بمعنى هلا ففضل بينهما وبين فعل التحضيض بإِذ وهو ظرف لما مضى والعامل فيه قلت وما في شاء شرطية منصوبة بشاء والجواب محذوف تقديره أي شىء شاء الله كان ويجوز أن تكون ما موصولة مبتدأة والخبر محذوف تقديره الذي شاء الله كان ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر الذي شاء ثم نصحه بالتبري من القوة فيما يحاوله ويعانيه وأن يجعل القوة لله ثم أردف تلك النصيحة بترجيه من الله تعالى وتوقعه أن يقلب ما به وما بصاحبه من الفقر والغنى فقال:﴿ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾ أي أني أتوقع من صنع الله وإحسانه أن يمنحني جنة خيراً من جنتك لإِيماني به ويزيل عنك نعتمك لكفرك به ويخبر بستانك وقرىء: أقل بالنصب مفعولاً ثانياً لترني وهي علمية لا بصرية لوقوع أنا فضلاً ويجوز أن يكون توكيداً للضمير المنصوب في ترني ويجوز أن تكون بصرية وأنا توكيد للضمير المنصوب في ترني فيكون أقل حالاً وقرىء: أقل بالرفع على أن يكون مبتدأ وأقل خبره والجملة في موضع مفعول ترني الثاني إن كانت علمية وفي موضع الحال إن كانت بصرية ويدل عليه وولداً على أن قول لصاحبه وأعز نفراً عني به الأولاد إن قابل كثرة المال بالقلة وعزة النفر بقلة الأولاد والحسبان قال ابن عطية: العذاب وقيل غير ذلك وهذا الترجي إن كان ذلك أن يؤتيه في الدنيا فهو أنكى للكافر والم إذ يرى حاله من الغني قد انتقلت إلى صاحبه وإن كان ذلك يؤتيه في الآخرة فهو أشرف وأذهب مع الخير والصلاح.
﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيداً ﴾ أي أرضا بيضاء لا نبات فيها لا من كرم ولا نخل ولا زرع قد اصطلم جميع ما فيها فبقيت يبابا قفراً يزلق عليها لإملاسها والزلق الذي لا يثبت عليه قدم ذهبت غراسه ونباته وسلب المنافع حتى منفعة المشي فيه فهو وحل لا ينبت ولا يثبت فيه قدم فترجى المؤمن بجنة هذا الكافر آفة علوية من السماء أو آفة سفلية من الأرض وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع وغوراً مصدر خبر عن اسم أصبح على سبيل المبالغة وأو تصبح معطوف على قوله: ويرسل والضمير في له عائد على الماء أي: لن تقدر على طلب لكونه ليس مقدوراً على رد ماء غوره الله تعالى وبلغ الله المؤمن ما ترجاه من هلاك ما بيد صاحبه الكافر وإبادته على خلاف ما ظن في قوله ما أظن أن تبيد هذه أبداً فأخبر الله تعالى أنه أحيط بثمره وهوعبارة عن الإِهلاك وأصله الإِحاطة. و ﴿ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ ظاهره أنه يقلب كفيه ظهراً لبطن ندماً ولما كان هذا الفعل كناية عن الندم عداه تعدية فعل الندم فقال:﴿ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ كأنه قال: لا أصبح نادماً على ذهاب ما أنفق في عمارة تلك الجنة.﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ تقدم الكلام عليه في أواخر البقرة وتمينه انتفاء الشرك الظاهر أنه صدر منه ذلك في حالة الدنيا على جهة التوبة بعد حلول المصيبة وفي قوله: ترني دليل على إيمانه ولما افتخر بكثرة ماله وعز نفره أخبر تعالى أنه لم يكن له فئة أي جماعة تنصره ولا كان هو منتصراً بنفسه وجمع الضمير في ينصرونه على المعنى كما أفرده على اللفظ في قوله: تقاتل والحقيقة في هنالك أن يكون ظرف مكان للبعد وتقدم في الكلام ما يدل على الدار الآخرة فالظاهر أنه أشير به لدار الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله تعالى:﴿ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ﴾[غافر: ١٦] والولاية مبتدأ وهنالك الخبر وقرىء: الولاية بكسر الواو وفتحها، وقرىء: الحق بكسر القاف صفة لله، وقرىء: الحق بالرفع صفة للولاية هو خبر مبتدأ وخبر. و ﴿ ثَوَاباً ﴾ تمييز ولما كان هنالك إشارة إلى الدار الآخرة ناسبة ذكر الخيرية الثواب فيها. و ﴿ عُقْباً ﴾ بمعنى العاقبة.﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ﴾ الآية لما بين تعالى في المثل الأول حال الكافر والمؤمن وما آل إليه ما افتخر به الكافر من الهلاك بين في هذا المثل حال الحياة الدنيا واضمحلالها ومصير ما فيها من النعيم والترفه إلى الهلاك وكما تقدم الكلام على تفسير نظير هذه الحملة يونس والهشيم اليابس قاله الفراء واحده هشيمة وقال الشاعر: ولكن البلاء إذا اقشعرت   وصوح نبتها رعي الهشيمذرى وأذرى لغتان فرق قاله أبو عبيدة.﴿ وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ ﴾ قال الجمهور هي الكلمات المأثور فضلها وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.﴿ وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ أي رجاء ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة فقال:﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ ﴾ والمعنى أنه ينفك نظام هذا العالم الدنيوي ويؤتى بالعالم الأخروي وانتصب يوم على إضمار اذكر وقرىء: تسير مبنياً للمفعول ونسير بنون العظمة مبنياً للفاعل.﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ ﴾ وقرىء: وترى مبنياً للمفعول.﴿ بَارِزَةً ﴾ حال أي منكشفة ظاهرة لذهاب الجبال والظراب والشجر والعمارة أو على حذف مضاف تقديره وترى الأرض بارزين من بطنها.﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ ﴾ أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة وقال الزمخشري: فإِن قلت لم جيء بحشرناهم ماضياً بعد نسير وترى قلت للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا بذلك الأهوال والعظائم وكأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك " انتهى ". والأولى أن يكون الواو واو الحال لا واو العطف والمعنى وقد حشرناهم أي أوقع التسيير في حالة حشرهم وقيل وحشرناهم وعرضوا ووضع الكتاب مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوعه ولم نغادر أي: لم نترك وانتصب صفاً على الحال وهو مفرد تنزل منزلة الجمع أي صفوفاً وفي الحديث الصحيح" يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفاً يسمعهم الداعي وينفذهم البصر "الحديث صحيح بطوله:﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ﴾ معمول لقول محذوف تقديره وقلنا وكما خلقناكم نعت لمصدر محذوف أي: مجيئنا مثل مجيء خلقكم أي حفاة عراة غرلاً كما في الحديث وخالين من المال والولد وان هنا مخففة من الثقيلة وفصل بينهما وبين الفعل بحرف النفي وهو لن كما فصل في قوله﴿ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ ﴾[القيامة: ٣] وبل للإِضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الابطال والمعنى أن لن نجعل لإِعادتكم وحشركم موعداً أي: مكان وعد أو زمان وعد لإِنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء عليهم السلام من البعث والنشور والخطاب من لقد جئتمونا للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم.﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾ الكتاب اسم جنس أي كتب أعمال الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضيحتهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي.﴿ يٰوَيْلَتَنَا ﴾ نادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا: يا ويلتنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا أنظروا هلكتنا وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل ما استفهامية مبتدأ ولهذا في موضع الخبر تقديره أي شىء ولهذا الكتاب ولا يغادر جملة حالية.﴿ صَغِيرَةً ﴾ أي مثل القبلة.﴿ وَلاَ كَبِيرَةً ﴾ مثل الزنا وقدمت الصغيرة اهتماماً بها وإذا أحصيت الصغيرة فالكبيرة أخرى.﴿ إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ ضبطها وحفظها.﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ في الصحف عتيداً.﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ ﴾ الآية ارتباطها بالتي قبلها هو أنه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المجرمين مما سطر في ذلك الكتاب وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم واتخاذ شركاء مع الله ناسب ذكر إبليس والنهي عن اتخاذ ذريته أولياء من دون الله تبعيداً عن المعاصي وعن امتثال ما يوسوس به وتقدم الكلام في استثناء إبليس أهو استثناء متصل أو منقطع وهل هو من الملائكة أم ليس منهم في أوائل البقرة والظاهر أن معنى ففسق فخرج عما أمره به ربه من السجود والهمزة في أتتخذونه للتوبيخ والإِنكار والتعجب أي: أبعد ما ظهر منه الفسق والعصيان أتتخذونه وذريته أولياء من دوني مع ثبوت عدوانه لكم تتخذونه ولياً وهو لكم عدوّ جملة حالية وعدو مفرد أريد به الجمع المقابل به الجمع وهو أولياء والمخصوص بالذم محذوف أي بئس للظالمين بدلاً من الله إبليس وذريته وقال للظالمين لأنهم اعتاضوا من الحق بالباطل وجعلوا مكان ولايتهم الله ولايتهم إبليس وذريته وهذا نفس الظلم لأنه وضع الشىء في غير موضعه.﴿ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ ﴾ الذي يظهر أن المعنى إخبار من الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وخطاب منه تعالى في انتفاء كينونته متخذ عضد من المضلين بل هو مذ كان ووجد صلى الله عليه وسلم في غاية التبري منهم والبعد عنهم ليعلم أمته أنه لم يزل محفوظاً من أول نشأته لم يعتضد بمضل ولا مال إليه صلى الله عليه وسلم وقرأ علي بن أبي طالب متخذاً المضلين أعمل اسم الفاعل.﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ﴾ ليس المعنى أنه تعالى أخبر أنهم شركاؤه ولكن ذلك على زعمكم والإِضافة تكون بأدنى ملابسة ومفعولاً زعمتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما إذ التقدير زعمتموهم شركائي والنداء بمعنى الاستغاثة أي استغيثوا بشركائكم والمراد نادوهم لدفع العذاب عنكم أو للشفاعة لكم والظاهر أن الضمير في بينهم عائد على الداعين والمدعوين وهم المشركون والشركاء.﴿ مَّوْبِقاً ﴾ الموبق المهلك يقال وبق يوبق ووبق يبق وبوقاً إذا هلك فهو وابق وأوبقته ذنوبه أهلكته.
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ ﴾ الآية تقدم تفسير نظير هذه الآية وهنا شىء مفرد معناه الجمع أي اكثر الاشياء التي يتأتى منها الجدال أن فصلتها واحدة بعد واحدة جدلاً خصومة ومماراة بمعنى أن جدال الإِنسان أكثر من جدل كل شىء ونحوه فإِذا هو خصيم مبين وانتصب جدلاً على التمييز قيل والإِنسان هنا النضر بن الحارث وقيل ابن الزبعري وقيل أمية بن خلف وكان جداله في البعث حتى أتى بعظم فذره فقال: أيقدر الله على إعادة هذا وكثيراً ما يذكر الإِنسان في معرض الذم وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ حين عاتب علياً كرم الله و جهه على النوم عن صلاة الليل وقال له علي: إنما نفسي بيد الله تعالى فاستعمل الإِنسان على العموم وفي قوله: وما منع الناس الآية تأسف عليهم وتنبيه على فساد حالهم لأن هذا المنع لم يكن منهم بقصد أن يمتنعوا لتجنبهم العذاب وإنما امتنعوا مع اعتقاد أنهم مصيبون لكن الأمر في نفسه يسوقهم إلى هذا وكان حالهم يقتضي التأسف عليهم والناس يراد به كفار عصر الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تولوا دفع الشريعة وتكذيبها.﴿ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ ﴾ إلا ما سبق في علمنا وقضائنا أن يجري عليهم سنة الأولين من عذاب الاستئصال من المسخ والصيحة والخسف والغرق وعذاب الظلة ونحو ذلك وأراد بالأولين من أهلك من الأمم السابقة وأن يؤمنوا في موضع نصب على إسقاط حرف الجر أي: من الإِيمان وفاعل منع قوله: أن يأتيهم وهو على حذف مضاف تقديره إلا انتظار أن يأتيهم وقرأ قبلاً بضم القاف والباء فاحتمل أن يكون بمعنى قبلاً بكسر القاف وفتح الباء وقرىء: به وحكاها أبو عبيدة أنهما بمعنى واحد في المقابلة وأن يكون جمع قبيل أن يذيقهم العذاب أنواعاً.﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ ﴾ أي بالنعيم المقيم لمن آمن.﴿ وَمُنذِرِينَ ﴾ أي بالعذاب الأليم لمن كفر.﴿ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ﴾ ليزيلوا.﴿ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي ﴾ يجمع آيات القرآن وعلامات الرسول قولاً وفعلاً.﴿ وَمَآ أُنْذِرُواْ ﴾ من عذاب الآخرة واحتملت ما أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره وما أنذروه وأن تكون مصدرية أي وأنذرهم فلا يحتاج إلى عائد.﴿ هُزُواً ﴾ أي سخرية واستخفافاً لقولهم أساطير الأولين لو شئنا لقلنا مثل هذا وتقدم تفسير نظير قوله:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ الآية ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتهدون أبداً وهذا من العام والمراد به الخصوص وهو من طبع الله على قلبه وقضى عليه بالموافاة على الكفر إذ قد اهتدى كثير من الكفار وآمنوا وحمل أولاً على لفظ من في قوله: ذكر بآيات ربه فأعرض عنها فأفرد ثم على المعنى في قوله: انا جعلنا على قلوبهم، فجمع وفي وان تدعهم وتقييده بالأبدية مبالغة في انتفاء هدايتهم والغفور صفة مبالغة وذو الرحمة أي الموصوف بالرحمة ثم ذكر دليل رحمته وهو كونه تعالى لا يؤاخذهم عاجلاً بل يمهلهم مع إفراطهم في الكفر وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والموعد أجل الموت وأشار تعالى بقوله:﴿ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ إلى القرى المجاورة أهل مكة كقرى ثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا بما جرى عليهم وليحذروا ما حل بهم كما حل بتلك القرى وتلك مبتدأ والقرى صفة أو عطف بيان والخبر أهلكناهم ويجوز أن يكون القرى الخبر وأهلكناهم جملة حالية كقوله تعالى:﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ﴾[النمل: ٥٢] ويجوز أن يكون تلك منصوباً بإِضمار فعل يفسره ما بعده أي وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم وتلك القرى على إضمار مضاف أي وأصحاب تلك القرى ولذلك عاد الضمير على ذلك المضمر في قوله: أهلكناهم وقوله: لما ظلموا اشعار بعلة الاهلاك وهي الظلم وبهذا استدل الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور على حرفية لما وانها ليست بمعنى حين لأن الظرف لا دلالة فيه على العلة وفي قوله لما ظلموا تحذير من الظلم إذ نتيجته الإِهلاك وضربنا لإِهلاكهم وقتاً معلوماً وهو الموعد واحتمل الموعد أن يكون مصدراً أو زماناً.﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ ﴾ الآية في الحديث الثابت الصحيح وفي التواريخ أن موسى بن عمران موسى بني إسرائيل المرسل هو وأخوه هارون إلى فرعون وفتاه يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف بن يعقوب والفتى الشاب وسبب هذه القصة أن موسى عليه السلام جلس يوماً في مجلس لبني إسرائيل وخطب فأبلغ فقيل له هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا فأوحى الله تعالى إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ البحرين وعتب الله عليه حيث لم يرد العلم إلى الله فأوحى إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر في أيام افريدون قبل موسى وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى عليه السلام ومعنى:﴿ لاۤ أَبْرَحُ ﴾ لا أزال وهي من أخوات كان تحتاج إلى اسم وخبر واسمها الضمير المستكن في أبرح العائد على موسى والخبر محذوف لفهم المعنى يدل عليه التغيية بحتى التقدير لا أبرح سائراً حتى أبلغ ونص أصحابنا على أن خبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه وان دل الدليل على حذفه إلا ما جاء في الشعر من قوله: لهفي عليك للهفة من خائف   يبغي جوارك حين ليس مجيرأي حين ليس في الدنيا مجير والذي أراه أنه يجوز حذفه إذا دل الدليل على حذفه كهذا الموضع، قال الزمخشري: فإِن قلت: لا أبرح إن كان بمعنى لا أزول من برح المكان، فقد دل على الإِقامة على السفر وإن كان بمعنى أزال فلا بد من الخبر، قلت: هو بمعنى لا أزال وقد حذف الخبر لأن الحال والكلام معايد لأن عليه أما الحال فلأنها كانت حال سفر وأما الكلام فلأن قوله: حتى أبلغ مجمع البحرين غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له فلا بد أن يكون المعنى لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم فانقلب الفعل عن الضمير الغائب إلى ضمير المتكلم وهو وجه لطيف " انتهى " هما وجهان خلطهما الزمخشري أما الأول فجعل الفعل مسنداً إلى المتكلم لفظاً وجعل الخبر محذوفاً كما قدره ابن عطية وحتى أبلغ فضله متعلقة بالخبر المحذوف وغاية له والوجه الثاني جعل لا أبرح مسنداً من حيث اللفظ إلى المتكلم ومن حيث المعنى إلى ذلك المقدر المحذوف وجعل خبر لا أبرح هو حتى أبلغ فهو عمدة إذ أصله خبر المبتدأ لأنه خبر أبرح قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى لا أبرح ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ كما تقول لا أبرح المكان " انتهى " ومجمع البحرين، قال مجاهد وقتادة: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم قال ابن عطية: هو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء وقال ابن عباس: الحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون وقيل سنة بلغة قريش والظاهر أن قوله: أو أمضى معطوف على أبلغ فغياباً حد الأمرين إما ببلوغه المجمع وإما بمضيه حقباً وقيل هي تغيية لقوله لا أبرح كقولك: لا أفارقك أو تقتضيني حقي فالمعنى لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين إلى ان أمضي زماناً لتيقن معه فوات مجمع البحرين.﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾ ثم جملة محذوفة والتقدير فساروا فلما بلغا أي موسى وفتاه مجمع بينهما أي بين البحرين نسيا حوتهما وكان من أمر الحوت وقصته أن موسى عليه السلام حين أوحى الله تعالى إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا رب فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتاً فجعله في مكتله ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وصفا رءوسهما وناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه وسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله تعالى عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق والسرب المسلك في جوف الأرض.﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا ﴾ أي مجمع البحرين وهو الموعد قيل سارا بعد مجاوزة الصخرة الليلة والغد إلى الظهر وألقى على موسى النصب والجوع جين جاوز الموعد ولم ينصب ولا جاع قبل ذلك فتذكر الحوت وطلبه والنصب وقوله:﴿ مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا ﴾ إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة * وقال الزمخشري:﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ بمعنى أخبرني فإِن قلت: ما وجه التئام هذا الكلام فإِن كل واحد من أرأيت وإذا أوينا وفإِني نسيت الحوت لا متعلق له قلت: لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذا أوينا إلى الصخرة فإِني نسيت الحوت فحذف ذلك " انتهى " وكون أرأيت بمعنى أخبرني ذكره سيبويه وقد أمعنا الكلام في ذلك في سورة الانعام ويجوز أن يكون أرأيت هنا بمعنى أعلمت أي أعلمت ما جرى فلا يكون بمعنى أخبر في وإن معمولة لا رأيت هذه وفي نسبة النسيان إلى نفسه دليل على حسن أدبه وتلطفه في فقد الحوت وأن أذكره يتقدر بالمصدر تقديره ذكري إياه وهو بدل اشتمال من ضمير الغيبة في إنسانيه وفصل بين المبدل منه والبدل بقوله: إلا الشيطان، وهو فاعل انسانيه والظاهر أن الضمير في واتخذ سبيله في البحر عجباً عائد على الحوت كما عاد في قوله: واتخذ سبيله في البحر سرباً وهو من كلام يوشع وإنما كان عجباً لخروجه من المكتل وحياته بعد كونه مشوياً أو مأكولاً بعض منه وإمساك جرية الماء عليه والإِشارة بقوله: ذلك أي أمر الحوت وفقده واتخاذه سبيلاً في البحر لأنه أمارة الظفر بالطلبة من لقاء ذلك العبد الصالح وذلك مبتدأ وما موصولة خبر عن المبتدأ ونبغي صلة ما والعائد عليها محذوف تقديره نبغيه فارتدا أي رجعا على أدراجهما من حيث جاآ قصصاً أي يقصان الأثر قصصاً فانتصب على المصدرية بإِضمار يقصان أو تكون في موضع الحال أي مقتضين فينتصب بقوله فارتدا فوجدا أي موسى والفتى عبداً من عبادنا هذه إضافة تشريف واختصاص وجداه عند الصخرة التي فقدا الحوت عندها وهو مسجي في ثوبه مستلقياً على الأرض فقال السلام عليك فرفع رأسه وقال: اني بأرضك السلام ثم قال له من أنت قال: موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: نعم، قال له: ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا؟ قال: بلى، ولكن أحببت لقاءك وأن أتعلم منك، قال له: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمكه الله تعالى لا أعلمه أنا قيل واسم الخضر بليا من ملكان وفي قول الخضر لموسى من أنت وقد أعلمه الله بواطن الأشياء ومآلها دليل على كذب هؤلاء المنتمين للتصوف المدعين علم الغيب والكشف عن أحوال الناس أعاذنا الله من ذلك ولدن تقدم الكلام عليها في أوائل آل عمران قال موسى في الكلام محذوف تقديره فلما التقيا وتراجعا الكلام وهو الذي ورد في الحديث الصحيح * قال له موسى هل اتبعك وفي هذا دليل على التواضع للعالم وفي هذه القصة دليل على الحث على الرحلة في طلب العلم وعلى حسن التلطف والاستنزال والأدب في طلب العلم بقوله هل أتبعك وفيه المسافرة مع العالم لاقتباس فوائده والمعنى هل يخف عليك ويتفق لك وانتصب رشداً على أنه مفعول ثان لقوله: تعلمن أو على أنه مصدر في موضع الحال وذو الحال الضمير في اتبعك وقرىء: رشداً ورشداً.﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ نفى الخضر استطاعته الصبر معه على سبيل التأكيد كأنها ما لا يصح ولا يستقيم.﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ ﴾ أي أن صبرك على ما لا خبرة لك به مستبعد * وفيه إبداء عذر له حيث لا يمكنه الصبر لما يرى من منافاة ما هو عليه وانتصب خبراً على التمييز أي بما لم يحط به خبرك فهو منقول من الفاعل أو على أنه مصدر على غير المصدر لأن معنى بما لم تحط به لم تخبره.﴿ قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً ﴾ وعده بوجدانه صابراً، وقرن: ذلك بمشيئة الله تعالى علماً منه بشدة الأمر وصعوبته إذ لا يصبر إلا على ما ينافي ما هو عليه إذا رآه.﴿ وَلاَ أَعْصِي ﴾ يحتمل أن يكون معطوفاً على صابراً أي صابراً وغير عاص فيكون في موضع نصب عطفاً على الاسم إذا كان في معناه كقوله تعالى:﴿ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ ﴾[الملك: ١٩] أي وقابضات ويجوز أن يكون معطوفاً على ستجدني فلا محل له من الإِعراب ولا يكون مقيداً بالمشيئة لفظاً.﴿ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ ﴾ الآية فانطلقا أي موسى والخضر وكان معهما يوشع ولم يضم إليه لأنه في حكم التبع وقيل كان موسى قد صرفه ورده إلى بني إسرائيل والألف واللام في السفينة لتعريف الجنس إذ لم يتقدم عهد في سفينة مخصوصة وقد روي في كيفية ركوبهما السفينة وخرقها وسدها أقوال والمعتمد ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما قالا: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى صلى الله عليه وسلم قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها إلى قوله: عسرا، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكانت الأولى من موسى نسياناً قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر واللام في لتغرق أهلها قيل لام العاقبة وقيل لام العلة وقرىء: لتغرق بفتح التاء والراء وسكون الغين أهلها بالرفع، وقرىء: بتاء الخطاب ثم ذكره الخضر بما سبق له من نفي استطاعته الصبر لما يرى. و ﴿ قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ﴾ والظاهر حمل النسيان على وضعه وقد قال صلى الله عليه وسلم كانت الأولى من موسى نسياناً والمعنى أنه نسي العهد الذي كان بينهما من عدم سؤاله حتى يكون هو المخبر له أولاً.﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ أي شنيعاً من الأمور كالداهية والأذى ونحوه.﴿ فَٱنْطَلَقَا ﴾ في الكلام حذف تقديره فخرجا من السفينة ولم يقع غرق بأهلها فانطلقا فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان وفي بعض الروايات فمر بغلمان يلعبون فعمد الخضر إلى غلام حسن الهيئة وضيء الوجه فاقتلع رأسه وقيل غير ذلك من كيفيات القتل وحكى القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى لما قال للخضر: أقتلت نفساً زكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبداً ومعنى زاكية طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها اذنبت ومعنى نكراً أنكر من الأول لأن الخرق يمكن سده والقتل لا سبيل إلى تدارك الحياة معه وفي قوله: لك زجر وإغلاظ ليس في الأول لأن مواقعه التساؤل ثابتة بعد التقدم إلى ترك السؤال واستعذار موسى صلى الله عليه وسلم بالنسيان أفظع وأفظع في المخالفات لما كان أخذ على نفسه من الصبر وانتفاء العصيان.﴿ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا ﴾ أي بعد هذه القصة أو بعد هذه المسألة.﴿ فَلاَ تُصَاحِبْنِي ﴾ أي فأوقع الفراق بيني وبينك ومعنى قد بلغت أي قد أعذرت إلي وبلغت إلي العذر وفي البخاري قال: يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما والقرية التي أتيا أهلها قيل الجزيرة الخضراء وقيل غير ذلك وفي الحديث أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله وتكرر لفظ أهل على سبيل التوكيد وقد يظهر له فائدة غير التوكيد وهو أنهما حين أتيا أهل القرية لم يأتيا جميع أهل القرية إنما أتيا بعضهم فلما قال استطعما احتمل أنهما لم يستطعما إلا ذلك البعض الذي أتياه فجيء بلفظ أهلها لتعم جميعهم وأنهم تتبعوهم واحداً واحداً بالاستطعام ولو كان التركيب استطعماهم لكن عائداً على البعض المأتي واسناده الإِرادة إلى الجدار من المجاز البليغ والاستعارة البارعة وكثيراً ما يوجد في كلام العرب إسناد أشياء تكون من أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل من الحيوان والجماد والمعنى لو كان الجماد أوالحيوان الذي لا يعقل مكان العاقل لكان صادراً منه ذلك الفعل فاقامة قال ابن عباس: دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء عليهم السلام.﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ ﴾ ظاهره أنه اعتراض إذ كان في غاية الاحتياج إلى الطعام فناسب أخذ الأجر على ما فعله من إقامة الجدار ولذلك قال: هذا فراق بيني وبينك إذ قد تقدم قوله: إن سألتك عن شىء، وقوله: لو شئت يتضمن معنى السؤال، وقرىء: لاتخذت ولتخذت والماضي تخذ يتخذ كتبع يتبع والتاء أصلية.﴿ سَأُنَبِّئُكَ ﴾ أي سأخبرك بتأويل ما رأيت بما آل إليه الأمر فيما كان ظاهره أن لا يكون.﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ﴾ الآية واللام في لمساكين ظاهره أنها للاختصاص وأنهم كانوا مالكين لها.﴿ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ فيه إسناد إرادة العيب إليه.﴿ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ ﴾ وراء من الأضداد بمعنى خلف وبمعنى أمام وفسر هنا وراءهم بمعنى أمامهم ملك ذكر أن اسمه هود بن بدر وكان كافراً وقرأ أبي وعبد الله.﴿ كُلَّ سَفِينَةٍ ﴾ صالحة ويحمل ذلك على التفسير لا على أنه قرآن وانتصب غصباً على أنه مفعول من أجله ولما ظهر أن السفينة قد عيبت بإِخراج بعض ألواحها وخوف أهلها من الغرق لم يتعرض هذا الملك إلى أخذها.﴿ وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ ﴾ فالألف واللام فيه للعهد إذ قد تقدم مجيئه نكرة وهو لقيا غلاماً فهو نظير كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول.﴿ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾ يراد بأبويه أبوه وأمه ثني تغليباً من باب القمرين في الشمس والقمر وهي تثنية لا تقاس.﴿ فَخَشِينَآ ﴾ أي خفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعتمتهما بعقوقه وسوء صنيعه وإنما خشي الخضر منه ذلك لأن الله عز وعلا أعلمه بمآله وأطلعه على سر أمره وأمره بقتله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته والزكاة هنا الطهارة النقاء من الذنوب وما ينطوي عليه من شرف الخلق والسكينة والرحم والرحمة العطف مصدران كالكثر والكثرة وأفعل هنا ليس للتفضيل لأن ذلك الغلام الكافر لا زكاة فيه ولا رحمة والظاهر أن قوله:﴿ وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾ أي يرحم والديه * وقال ابن جريج ويرحمانه * وقال رؤبة بن العجاج يا منزل الرحم على ادريسا ومنزل اللعن على ابليسا وقيل الرحم من الرحمة والقرابة ووصف الغلامين باليتم يدل أنهما كانا صغيرين وفي الحديث لا يتم بعد البلوغ واسمهما أصرم وصريم واسم أبيهما كاشح واسم أمهما دهنا والظاهر أن أباهما هو الأقرب إليهما الذي ولدهما دنية وفي الحديث أن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته وانتصب رحماً على المفعول له والظاهر في الكنز أنه مال مدفون جسيم ذهب وفضة وفي قوله:﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ ﴾ إسناد الإِرادة إلى الله لما تضمنت من إرادة الخير بخلاف ما تقدم من قوله: فأردت أن أعيبها.﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ الضمير في فعلته عائد على ما تقدم من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار عن أمري يدل على أن ذلك كان بأمر الله وقد استدل بهذا على أن الخضر كان نبياً * وتستطيع مضارع استطاع بهمزة الوصل وقال ابن السكيت: يقال ما أستطيع وما أسطيع وما استتيع وما استيع أربع لغات والمحذوف في يستطيع تاء الافتعال إذ الأصل هي الطاء فاء الكلمة والألف المنقلبة عن الواو وهي غير الكلمة آخر الام الكلمة والأصول الطوع والله أعلم.﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ ﴾ الآية الضمير في ويسئلونك عائد على قريش حين دستها اليهود على سؤاله عن الروح والرجل الطوّاف وفتية ذهبوا في الدهر ليقع امتحانه بذلك وذو القرنين هو الاسكندر اليوناني ذكره ابن إسحاق وعن علي رضي الله عنه كان عبداً صالحاً ليس بملك ولا نبي ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات فبعثه الله وضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمى ذا القرنين وورد في الحديث" أن الذين ملكوا الأرض أربعة مؤمنان سليمان وذو القرنين وكافران نمروذ وبخت نصر "وكان بعد نمروذ قوله:﴿ ذِكْراً ﴾ يحتمل أن يريد قرآناً وأن يريد حديثاً وخبراً والتمكين الذي له في الأرض كونه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلها.﴿ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يحتاج إليه في الوصول إلى أغراضه.﴿ سَبَباً ﴾ أي طريقاً موصلاً إليه والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة فأراد بلوغ المغرب.﴿ فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ يوصله إليه.﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ ﴾ وكذلك أراد المشرق فاتبع سبباً وأراد بلوغ السدين فاتبع سبباً وأصل السبب الحبل ثم توسع فيه حتى صار يطلق على ما يتوصل به إلى الغرض وقرىء: حامية يعني حارة وحمئة يعني فيها ماء وطين وفي حديث أبي ذر" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس عند غروبها فقال أتدري أين تغرب يا أبا ذر فقلت لا فقال انها تغرب في عين حمئة * "وهذا الحديث وظاهر النص دليل على أن قوله في عين متعلق بتغرب.﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً ﴾ أي عند تلك العين قال وهب: انطلق يؤم المغرب إلى أن انتهى إلى باسك فوجد جمعاً لا يحصيهم إلا الله فضرب حولهم ثلاثة عساكر حتى جمعهم في مكان واحد ثم دخل عليهم في النور ودعاهم إلى عبادة الله فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه.﴿ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ ﴾ بالقتل على الكفر.﴿ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ أي بالحمل على الهدى والإِيمان ولما خيره تعالى بين تعذيبهم ودعائهم إلى الإِسلام اختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم فقال أما من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم وهو الكفر هنا بلا خلاف فذلك هو المعذب في الدارين.﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ ﴾ وعمل ما يقتضيه الإِيمان.﴿ فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ وأتى بحرف التنفيس في:﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ لما يتخلل بين اظهاره كفره وبين تعذيبه من دعائه إلى الإِيمان وتأبيه عنه فهو لا يعاجلهم بالقتل على ظلمهم بل يدعوهم ويذكرهم فإن رجعوا وإلا فالقتل وقوله:﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ ﴾ أي يوم القيامة وأتى بنون العظمة في نعذبه على عادة الملوك في قولهم: نحن فعلنا وقوله: إلى ربه فيه اشعار بأن التخيير لذي القرنين ليس من الله إذ لو كان كذلك لكان التركيب ثم يرد إليك فتعذبه ولا يبعد أن يكون التخيير من الله ويكون قد أعلم ذو القرنين بذلك أتباعه ثم فصل مخاطباً لاتباعه لا لربه تعالى وما أحس مجيء هذه الجمل لما ذكر ما يستحقه من ظلم بدأ بما هو أقرب لهم ومحسوس عندهم وهو قوله: فسوف نعذبه ثم أخبر بما يلحقه آخراً يوم القيامة وهو تعذيب الله إياه العذاب النكر ولأن الترتيب الواقع هو كذا * ولما ذكر ما يستحقه من آمن وعمل صالحاً ذكر جزاء الله له في الآخرة وهو الحسنى أي الجنة لأن طمع المؤمن في الآخرة ورجاءه هو الذي حمله على أن من آمن لأجل جزائه في الآخرة وهو عظيم بالنسبة للإِحسان في الدنيا ثم اتبع ذلك بإِحسانه له في الدنيا بقوله:﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً ﴾ أي لا نقول له ما يتكلفه مما هو شاق عليه أي قولاً ذا يسر وسهولة كما قال قولاً ميسوراً ولما ذكر ما أعد الله له من الحسنى جزاء لم يناسب أن يذكر جزاءه بالفعل بل اقتصر على القول أدباً مع الله وان كان يعلم أنه يحسن إليه قولاً وفعلاً.﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ﴾ أي طريقاً إلى مقصده الذي يسر له والقوم هنا الزنج * والستر هنا البنيان وقيل غير ذلك والمعنى أنهم لا شىء لهم يسترهم من حرّ الشمس وقال مجاهد السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع الأرض وقال بعض الرجاز: بالزنج حرّ غير الأجساد   حتى كسا جلودها السوادا﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ الآية، قال وهب السدان: جبلان منيفان في السماء من ورائهما وأمامهما البلدان وهما بمنقطع أرض بلاد الترك مما يلي بلاد أرمينية وأذربيجان وهما لينان أملسان يلزق عليهما كل شىء وسمى الجبلان سدين لأن كل واحد منهما قد سد فجاج الأرض وكانت بينهما فجوة يدخل منها يأجوج ومأجوج والضمير في قالوا عائد على هؤلاء القوم شكوا ما يلقون من يأجوج ومأجوج إذ رجوا عند ما ينفهم لكونه بتلك الأرض ودوخ الملوك وبلغ إليهم وهم لم يبلغ أرضهم ملك قبله * ويأجوج ومأجوج قبيلتان من بني آدم وقيل هما من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل والديلم وقال السدي والضحاك: الترك شرذمة منهم خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد عليهم وبقيت من هذا الجانب وقال قتادة والسدي بني السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك وقد اختلف في عددهم وصفاتهم ولم يصح في ذلك شىء من هذا وهما ممنوعا الصرف فمن زعم أنهما أعجميان فللعلمية والعجمة ومن زعم أنهما عربيان فللتأنيث والعلمية لأنهما اسما قبيلة وقرىء: يأجوج ومأجوج بهمزة وبغير همزة.﴿ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ لم يعين جهة الفساد وفيها أقوال ذكرت في البحر.﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً ﴾ هذا استدعاء منهم قبول ما يبذلونه مما يعينه على ما طلبوه على جهة حسن الأدب إذ سألوه ذلك كقول موسى عليه السلام للخضر هل أتبعك على ان تعلمني وقرىء: خراجاً وخرجاً والخراج والخرج بمعنى واحد كالنوال والنول والمعنى جعلا نخرجه من أموالنا وكل ما يستخرج من ضريبة وجزية وغلة فهو خراج وخرج، وقرىء: بفتح السين في السدين وسدا وبضمها.﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ أي ما بسط الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم.﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ بما أتقوى به من فعلة وصناع يحسنون العمل والبناء وبالآت وقرىء: مكنى ومكنني بالادغام وبإِظهار النونين وما مبتدأ موصول بمعنى الذي وما بعده صلته والعائد الضمير الذي في فيه وخير خبر. و ﴿ رَدْماً ﴾ حاجزاً حصيناً موثقاً وقرىء: قال ﴿ آتُونِيۤ ﴾ واتئوني من أتى وآتى والمعنى احضروا زبر الحديد وثم محذوف تقديره فأتوه بما طلب.﴿ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ ﴾ قرىء: بضم الصاد والدال وبفتحهما وبضم الصاد وإسكان الدال والصدفان جانبا الجبل إذا تحاذيا لتصادفهما لتلاقيهما وحكي في الكيفية أن ذا القرنين قاس ما بين الصدفين وحفر الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل حشوه الصخر وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى يسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ حتى إذا صار كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلدا وقيل طول ما بين السدين مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخاً وفي الحديث" أن رجلاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رآه فقال كيف رأيته قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال: قد رأيته ".﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ﴾ في الكلام حذف تقديره فنفخوا حتى جعلوه ناراً والفاعل بجعل هو الضمير المفهوم من قوله: انفخوا التقدير هو أي النفخ نار.﴿ قَالَ آتُونِيۤ ﴾ فيه القراءتان اللتان في آتوني المتقدمة أي جيئوني * قطراً منصوب بأفرغ على اعمال الثاني أن ينازعه ائتوني وأفرغ وحذف الضمير من الأول ولو كان أعمل الأول لكان التركيب ائتوني أفرغه عليه قطراً فكنت تضمر في الثاني على الفصيح والقطر النحاس.﴿ فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ ﴾ بحذف التاء تخفيفاً لقربها من الطاء وقرأ حمزة وطلحة بإدغامها في الطاء وهو إدغام على غير حدة إذ لا يصح الإِدغام إلا أن يكون قبل الإِدغام متحرك أو حرف مد ولين.﴿ أَن يَظْهَرُوهُ ﴾ أن يعلو عليه وفي الكلام حذف تقديره فلما أكمل بناء السد واستوى واستحكم.﴿ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ﴾ ودكا منونة مصدر دككته والظاهر أن جعله بمعنى صيره فدكا مفعول ثان * قال ابن عطية ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق وينصب دكاً على الحال " انتهى " هذا بعيد جداً لأن السد إذ ذاك موجود مخلوق ولا يخلق المخلوق لكنه ينتقل من بعض هيئاته إلى هيئة أخرى.﴿ وَتَرَكْنَا ﴾ هذا الضمير لله والأظهر أن الضمير في بعضهم يعود على الخلق أي يوم إذ جاء وعد الله وهو يوم القيامة ويقويه قوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ ويظهر أن ذلك هو يوم القيامة ولذلك ما جاء بعده من الجمع وعرض جهنم وتقدم الكلام على النفخ في الصور في سورة الانعام وجمعاً مصدر مؤكد.﴿ وَعَرَضْنَا ﴾ أي أبرزنا جهنم يومئذٍ أي يوم إذ جمعناهم.﴿ ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ ﴾ صفة ذم استعار الغطاء لأعينهم والمراد أنهم لا يبصرون آياتي التي ينظر إليها فيعتبر بها * وكانوا لا يستطيعون سمعاً مبالغة في انتفاء السمع إذ نفيت الاستطاعة وهم إن كانوا يسمعون جعلوا كمن نفيت قدرته على السمع لما لم ينتفعوا بسمعهم.﴿ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ الآية هم من عبد من الملائكة وعزير وعيسى واتخذوهم أولياء من دون الله وهم بعض العرب واليهود والنصارى وهو استفهام فيه معنى الإِنكار والتوبيخ والمعنى أنهم ليس لهم من ولاية هؤلاء الذين تولوهم شىء ولا يجدون عندهم منتفعاً وحسب يتعدى لمفعولين سدت أن مع معمولها مسدهما وقرأ علي ابن أبي طالب وجماعة أفحسب بإِسكان السين وضم الباء مضافاً إلى الذين أي أفكافيهم ومحسبهم ومنتهى غرضهم والمعنى أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله فارتفع حسب على الابتداء والخبر أن يتخذوا * وقال الزمخشري: أو على الفعل والفاعل لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل كقولك: أقائم الزيدان أو هي قراءة محكمة جيدة انتهى والذي يظهر أن هذا الاعراب لا يجوز لأن حسباً ليس باسم فاعل فيعمل ولا يلزم من تفسير شىء بشىء أن تجري عليه جميع أحكامه وقد ذكر سيبويه أشياء من الصفات التي تجري مجرى الأسماء وان الوجه فيها الرفع ثم قال وذلك مررت برجل خير منه أبوه ومررت برجل سواء عليه الخير والشر ومررت برجل أب له صاحبه ومررت برجل حسبك من رجل هو ومررت برجل أيما رجل هو " انتهى " ولا يبعد أن يرفع به الظاهر فقد أجازوا في مررت برجل أبي عشرة أبوه ارتفاع أبوه بأبي عشرة لأنه في المعنى والد عشرة.﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا ﴾ أي أعددنا ويسرنا والنزل موضع النزول والنزل أيضاً ما يقدم للضيف ويهيأ له وللقادم من الطعام والنزول هنا يحتمل التفسيرين.﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ الآية قل يا محمد للكافرين هل ننبئكم فإِذا طلبوا ذلك فقل لهم أولئك الذين كفروا والأخسرين أعمالاً كل من دان بدين غير دين الإِسلام راءى بعمله أو أقام على بدعة والأخسر من أتعب نفسه فأدى به تعبه إلى النار وانتصب أعمالاً على التمييز وجمع لأن أعمالهم في الضلال مختلفة وليسوا مشتركين في عمل واحد والذين يصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين وكأنه جواب عن سؤال ويجوز نصبه على الذم وجره على الوصف أو على البدل.﴿ ضَلَّ سَعْيُهُمْ ﴾ أي هلك وبطل وذهب ويحسبون ويحسنون من تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط والشكل فرقاً بين الكلمتين ومنه * قول أبي عبادة: ولم يكن المعتز بالله إذ سرى   ليعجز والمعتز بالله طالبه﴿ ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ ﴾ مبتدأ وخبر وجهنم بدل وذلك إشارة إلى ترك إقامة الوزن.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية لما ذكر ما أعد للكافرين ذكر ما أعد للمؤمنين وفي الصحيح جنات الفردوس أربع ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما وفي حديث عبادة الفردوس أعلاها يعني أعلا الجنة ويقال كرم مفردس أي معرش ولذلك سميت الروضة التي دون اليمامة فردوساً لاجتماع نخلها وتعرشها على أرضها. و ﴿ نُزُلاً ﴾ يحتمل من التأويل ما يحتمل نزلاً المتقدم ومعنى حولاً تحولاً إلى غيرها قال ابن عيسى هو مصدر كالعوج والصغر.﴿ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً ﴾ أي ماء البحر مداداً وهو ما يمد به الدواة من الجر وما يمد به السراج من السليط ويقال السماء مداد الأرض.﴿ لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾ أي ممداً لكتب كلمات ربي وهو علمه وحكمته وكتب بذلك المداد.﴿ لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ ﴾ أي فنى ماؤه الذي هو المداد قبل أن تنفد الكلمات لأن كلماته تعالى لا يمكن نفادها لأنها لا تتناهى والبحر ينفد لأنه متناه ضرورة وجواب لو الأولى لنفذ وجواب الثانية محذوف تقديره لم تنفد الكلمات وفي قوله:﴿ وَلَوْ جِئْنَا ﴾ التفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم والضمير في بمثله عائد على البحر ومددا تمييز لجواز دخول من عليه كما قال الشاعر: فإِن الهوى يكفيه مثله صبراً*   والمدد هو الممدود به فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض وفي قوله:﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ اعلام بالبشرية والمماثلة في ذلك لا أدعي أني ملك يوحى إلي أي علمي إنما هو مسند إلي وحي وربي ونبه على الوحدانية لأنهم كانوا كفار بعبادة الأصنام ثم حض على ما فيه النجاة ويرجو بمعنى يطمع ولقاء ربه على تقدير محذوف أي حسن لقاء ربه.﴿ وَلاَ يُشْرِكْ ﴾ نهي عن الإِشراك بعبادة الله وقال ابن جبير لا يرائي في عمله فلا يبتغي إلا وجه ربه خالصاً لا يخلط به غيره قيل:" نزلت في جندب بن زهير، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني أعمل العمل لله فإِذا أطلع عليه سرني فقال: ان الله لا يقبل ما شورك فيه "وقرىء: تشرك بالتاء خطاباً للسامع والتفاتاً من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب وهو المأمور بالعمل الصالح ثم عاد إلى الإِلتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله ربه ولم يأت التركيب بربك إيذاناً بأن الضميرين لمدلول واحد وهو من قوله فمن كان يرجو لقاء ربه.
Icon