ﰡ
﴿ عوجا ﴾ العوج هو الاعوجاج.
تفسير المعاني :
الحمد لله الذي أنزل على عبده محمد القرآن، ولم يجعل فيه شيئا من الاعوجاج لا باختلال ألفاظه، ولا بتباين في معانيه.
﴿ قيما ﴾ أي مستقيما. ﴿ لينذر ﴾ الإنذار هو الإخبار مع تخويف من العاقبة. ﴿ بأسا شديدا ﴾ أي عذابا شديدا.
تفسير المعاني :
مستقيما معتدلا لا إفراط ولا تفريط فيه، لينذر عذابا شديدا من عنده، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، مقيمين فيه أبدا.
وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا.
ما لهم به من علم ولا لآبائهم الذين تخيلوا هذا التبنى. فما أكبر هذه الكلمة التي تخرج من أفواههم ما يقولون إلا كذبا.
﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم ﴾ أي فلعلك قاتل نفسك على آثارهم، شبهه لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم، ويبخع نفسه وجدا عليهم، وأصل البخع قتل النفس غما.
تفسير المعاني :
فلعلك قاتل نفسك كما يقتل الصب نفسه على آثار أحبابه الراحلين، إن لم يؤمنوا بهذا القرآن أسفا.
﴿ لنبلوهم ﴾ أي لنمتحنهم.
تفسير المعاني :
إنا جعلنا ما على الأرض من جميع الكائنات زينة لها، لنمتحنهم أيهم أحسن عملا.
﴿ صعيدا جرزا ﴾ الصعيد وجه الأرض، والجرز الأرض التي قطع نباتها.
تفسير المعاني :
وإنا لجاعلون ما عليها أرضا مستوية لا نبات فيها.
﴿ الكهف ﴾ هو الغار في الجبل. ﴿ والرقيم ﴾ هو اسم الجبل أو الوادي الذي كان فيه الكهف. ﴿ كانوا من آياتنا عجبا ﴾ أي كانوا عجبا من آياتنا.
تفسير المعاني :
أم حسبت أن أصحاب الكهف واللوح الذي كان عليه آباؤهم كانوا آية من أعجب آياتنا.
﴿ أوى ﴾ أي أقام. يقال أوى إلى بيته يأوي أويا أقام فيه. ﴿ رشدا ﴾ أي رشدا.
تفسير المعاني :
أما قصتهم، فهي أن جماعة آمنوا بربهم وهربوا بدينهم من الاضطهاد، فلجئوا إلى كهف قائلين : ربنا آتنا من عندك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
﴿ فضربنا على آذانهم ﴾ أي ضربنا عليها حجابا.
تفسير المعاني :
فضربنا على آذانهم، أي فأنمناهم في الكهف سنين عديدة لا ينتبهون.
﴿ ثم بعثناهم ﴾ أي أيقظناهم.
تفسير المعاني :
ثم أيقظناهم لنعلم أي الحزبين اللذين اختلفا في مدة مكثهم بالكهف، اضبط إحصاء لطول المدة التي مكثوها هنالك.
نحن نروي لك خبرهم بالحق، إنهم كانوا فتيانا آمنوا بربهم وزدناهم هدى.
﴿ وربطنا على قلوبهم ﴾ الربط على القلب هو تقويته بالصبر على المكروه. ﴿ شططا ﴾ الشطط هو الإفراط في البعد عن الحق.
تفسير المعاني :
وقوينا قلوبهم بالصبر، إذ قاموا بين يدي ملكهم، فقالوا : ربنا رب السموات والأرض لن نعبد من دونه إلها، ولو قلنا بوجود شركاء له كان قولنا مفرطا في البعد عن الحقيقة.
﴿ لولا ﴾ أي هلا. ﴿ بسلطان بين ﴾ أي ببرهان ظاهر.
تفسير المعاني :
هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة فهلا يأتون عليهم ببرهان واضح ؟ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ؟
﴿ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ﴾ أي وإذ تجنبتموهم وما يعبدون من الآلهة إلا الله، لأنهم كانوا يعبدون الله ويشركون معه آلهة، فإن قال قائلهم وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون، كان الله داخلا في جملة المطلوب اعتزالهم، وليس هذا من الأدب في شيء. ﴿ مرفقا ﴾ يا ما ترفقون به، أي ما تنتفعون به.
تفسير المعاني :
وقال قائل منهم إذ تجنبتموهم وما يعبدون من الآلهة ما عدا الله، فالجئوا إلى الكهف يبسط لكم ربكم في الرزق، ويهيئ لكم من أمركم ما تنتفعون به.
﴿ تزاور ﴾ أي تتزاور ومعناه تميل حتى لا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم. ﴿ تقرضهم ﴾ القرض ضرب من القطع. وقد سمى قطع المكان قرضا. فمعنى الآية وإذا غربت تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين. ﴿ فجوة منه ﴾ أي ساحة واسعة منه.
تفسير المعاني :
وترى الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم حتى لا يؤذيهم شعاعها. وإذا غربت تجوزهم وتدعهم إلى جانب وهم في ساحة منه. ذلك من آيات الله، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلله فلن تجد له من يتولاه بالإرشاد.
﴿ بالوصيد ﴾ أي بفناء الكهف، وهو ما نسميه الآن " الحوش ".
تفسير المعاني :
وتحسبهم متنبهين وهم نائمون، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال كي لا تأكلهم الأرض، وكلبهم باسط ذراعيه بفناء الكهف، لو اطلعت عليهم لهربت منهم هروبا ولملئت منهم خوفا.
﴿ بعثناهم ﴾ أي أحييناهم بعد الموت. ﴿ كم لبثتم ﴾ أي كم مكثتم. ﴿ بورقكم ﴾ الورق الفضة، والمقصود في الآية قطعة من النقود الفضية. ﴿ أزكى ﴾ أي أطهر. يقال زكا يزكو زكاء، أي طهر.
تفسير المعاني :
وكما أنمناهم أيقظناهم ليسأل بعضهم بعضا عما حدث لهم. فقال قائل منهم : كم مكثتم نائمين ؟ قالوا : مكثنا يوما أو بعض يوم ثم أحالوا العلم إلى الله، فقالوا : الله أعلم بما لبثتم، فابعثوا أحدكم بفضتكم هذه إلى المدينة، فلينظر أي الأطعمة أزكى وأشهى فليأتنا برزق منه وليتلطف في التخفي حتى لا يعرفه أحد.
﴿ إنهم إن يظهروا عليكم ﴾ أي إن يطلعوا عليكم، أو يتغلبوا عليهم.
تفسير المعاني :
إنهم إن يطلعوا عليكم يقتلونكم رجما بالحجارة ويرجموكم إلى دينهم. ولن تفلحوا إذن أبدا.
﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ﴾ أي وكما أنمناهم بعثناهم، أي أحييناهم. ﴿ ليعلموا ﴾ ليعلم الذين أطلعناهم عليهم. ﴿ أن وعد الله حق ﴾ في أمر البعث. ﴿ لا ريب فيها ﴾ أي لا شك فيها.
تفسير المعاني :
وكما أنمناهم وأيقظناهم أطلعنا بعض الناس على حالهم ليعلموا أن وعد الله بالبعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا شك فيها، أطلعناهم عليهم حين كانوا يتنازعون بينهم أمر البعث : أبالأرواح دون الأجساد أم هما يبعثان معا ؟ فلرفع هذا الخلاف والدلالة على أن الأرواح والأجساد تبعث معا أطلعناهم على أهل الكهف، فلما رأوهم، قال بعضهم : ابنوا عليهم بنيانا، وقال الذين غلبوا على أمرهم : لنتخذن عليهم مسجدا.
﴿ رجما بالغيب ﴾ ظنا بدون يقين. الرجم القذف بالحجارة. والغيب هو الشيء الخفي. ﴿ فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ﴾ أي فلا تجادل في شأن أهل الكهف إلا جدالا ظاهرا غير متعمق. يقال ماراه مماراة أي جادله. والمراء الجدال.
تفسير المعاني :
سيقول المتكلمون في أهل الكهف : إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون : خمسة سادسهم كلبهم ظنا بدون تحقيق، ويقولون : سبعة وثامنهم كلبهم. فقل لهم : ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل من أهل العلم، فلا تجادل فيهم إلا جدالا ظاهرا، ولا تستفت فيهم منهم أحدا.
ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله.
﴿ عسى ﴾ فعل جامد معناه يُتَوقّّّع أو يُرجى. ﴿ أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ﴾ أي أرجو أن يهديني ربي إلى رشد يكون أقرب من هذا، والرّشد هو الرُّشد بمعنى الهداية.
تفسير المعاني :
واذكر ربك إذا نسيت، وقل : أرجو أن يهديني ربي إلى علم أقرب من هذا رشدا.
ومكث أهل الكهف في كهفهم تسعا وثلاثمائة من السنين.
﴿ أبصر به وأسمع ﴾ أي ما أبصره وما أسمعه ! الصيغة الثانية للتعجب، فلك إن أردت أن تتعجب من علم زيد أن تقول ما أعلمه وأعلم به. ﴿ وليّ ﴾ أي صديق وناصر.
تفسير المعاني :
فقل لمن يجادل فيهم : الله أعلم بما مكثوا له غيب السماوات والأرض ما أبصره بما يحدث في ملكه، وما أسمعه لما يدور من الكلام بين الناس بشأنه ! ما لهم من دونه من ناصر، ولا يشرك في حكمه أحدا.
واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك، لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملجأ.
﴿ بالغداة ﴾ هي الوقت الذي يمضي بين أذان الصبح وظهور الشمس. ﴿ والعشي ﴾ جمع عشية. وهي ما بين الزوال إلى الغروب. ﴿ ولا تعد عيناك عنهم ﴾ أي ولا تجاوزهم عيناك، عدا يعدوا عدوا جاوز الحد. ﴿ من أغفلنا قلبه ﴾ أي من جعلنا قلبه غافلا. ﴿ وكان أمره فرطا ﴾ الفرط المتقدّم والمعنى وكان أمره تقدّما على الحق وتجاوزا له، أو نبذا له وراء ظهره. يقال فرس فرط أي متقدم على الخيل.
تفسير المعاني :
واصبر نفسك مع المؤمنين الذين يعبدون الله صباحا ومساء ويتحرّون طاعته، ولا تتجاوزهم عيناك تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا واتبع هواه، وكان أمره تقدما على الحق ونبذا له.
﴿ إنا أعتدنا ﴾ أي هيّأنا، من العتاد وهو الآلة ﴿ سرادقها ﴾ أي فسطاطها. والفسطاط الخيمة. ﴿ يغاثوا بماء كالمهل ﴾ أي كذَوْب الأجساد، وقيل كدردى الزيت. ﴿ مرتفقا ﴾ أي متكأ. وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد.
تفسير المعاني :
وقل لهم الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، لست أضطر أحدا لترك دينه، إنا هيأنا للظالمين نارا أحاط بهم فسطاطها، إن يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كدردى الزيت في الكدورة والقذر، يشوى الوجوه، بئس الشراب وساءت جهنم متكأ.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا.
﴿ جنات عدن ﴾ أي جنات استقرار وإقامة، من عدن بالمكان يعدن عدنا أقام به. ﴿ الأرائك ﴾ السرر جمع أريكة.
تفسير المعاني :
أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يتزينون فيها بلبس أساور من ذهب ويلبسون ثيابا من الحرير الصرف السندس والإستبرق، أي مما رقّ منه وما غلظ، متكئين فيها على الأسرة نعم الجزاء من الله وحسنت متكأ.
﴿ جنتين ﴾ أي بساتين. ﴿ وحففناهما بنخل ﴾ أي وجعلنا النخل محيطا بهما. يقال حفّه القوم إذا أحاطوا به، وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله.
تفسير المعاني :
واضرب لهم يا محمد مثلا رجلين، آتينا أحدهما بستانين من أعناب وأحطناهما بنخل وجعلنا وسطهما زرعا.
﴿ أكلها ﴾ أي ثمرها. ﴿ وفجرنا ﴾ أي وأنبعنا.
تفسير المعاني :
كلا البساتين أعطى ثمره ولم ينقص منه شيئا، وأنبعنا به فيهما نهرا.
﴿ وكان له ثمر ﴾ أي وكان لذلك الغنى ثمر آخر غير الجنتين، أي أنواع أخرى من الأموال. ﴿ وأعزّ نفرا ﴾ أي أعزّ خدما وأعوانا، والنفر الذين ينفرون مع الرجل للدفاع عنه.
تفسير المعاني :
وكان للرجل أنواع من أموال أخرى، فقال يوما لصاحبه مفتخرا عليه : أنا أكثر منك مالا وأعزّ حشما وأعوانا.
﴿ تبيد ﴾ أي تفنى.
تفسير المعاني :
ودخل بستانه وهو ظالم لنفسه بعجبه وكفره، قائلا ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا.
﴿ لأجدن خيرا منها منقلبا ﴾ أي لأجدن مرجعا خيرا منها. والمنقلب المرجع من قولهم انقلب إلى أهله أي رجع إليهم.
تفسير المعاني :
وما أظن الساعة كائنة، ولئن أرجعت إلى ربي كما يزعمون لأجدنّ مرجعا خيرا منها عنده.
﴿ من نطفة ﴾ أصل النطفة الماء القليل، وهي هنا كناية عن ماء الرجل.
تفسير المعاني :
فقال له صاحبه : أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا.
﴿ لكنا ﴾ أصلها لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن.
تفسير المعاني :
لكن أنا أقول هو الله ربي ولا أشرك به أحدا.
﴿ ولولا ﴾ أي وهلا. ﴿ ما شاء الله ﴾ أي الأمر ما شاء الله.
تفسير المعاني :
فهلا حين دخلت جنتك قلت هذا ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، معترفا بعجزك ؟
﴿ فعسى ﴾ عسى فعل جامد معناه يُتوقع ويُرجّى. ﴿ حسبانا ﴾ أي صواعق جمع حسبانة. وقيل الحسبان مصدر بمعنى الحساب، ويكون المعنى ويرسل عليها تقديرا من السماء بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة. ﴿ فتصبح صعيدا زلقا ﴾ أي فتصبح أرضا ملساء لا شيء عليها.
تفسير المعاني :
فإن ترني أنا أقلّ منك مالا وولدا فأرجو أن يمنحني ربي خيرا من جنتك ويرسل عليها صواعق من السماء فتصبح أرضا ملساء.
﴿ غورا ﴾ أي غائرا وهو مصدر وصف به.
تفسير المعاني :
أو يغور ماؤها فلا تستطيع أن تطلبه.
﴿ وأحيط بثمره ﴾ أي وأهلكت أمواله. مأخوذ من أحاط به العدوى أي غلبه وأهلكه. ﴿ وهي خاوية على عروشها ﴾ أي وهي ساقطة على سقوفها. والعروش جمع عرش ومن معانيه السقف.
تفسير المعاني :
وقد تحقق ما قاله فهلك مال صاحبه فأصبح يقلب كفيه تحسرا على ما بذل في عمارتها وندم على شركه بالله وعدم كل ناصر ومعين.
وقد تحقق ما قاله فهلك مال صاحبه فأصبح يقلب كفيه تحسرا على ما بذل في عمارتها وندم على شركه بالله وعدم كل ناصر ومعين.
﴿ الولاية ﴾ أي النصرة والإسعاف، وقرئ الولاية بمعنى السلطان والملك. ﴿ وخير عقبا ﴾ وقرئ عقبا وعقبى وكلها بمعنى العاقبة.
تفسير المعاني :
هنالك في تلك الحالة السلطان لله الحق، هو أحسن ثوابا، أي مكافأة لأوليائه، وأحسن عاقبة.
﴿ فاختلط به نبات الأرض ﴾ أي فنما البنات بسببه واختلط بعضه ببعض. ﴿ هشيما ﴾ أي مهشوما مفتتا. ﴿ تذروه الرياح ﴾ أي تفرقه. يقال ذرته الريح تذروه ذروا فرّقته إلى كل جهة.
تفسير المعاني :
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا في سرعة زوالها بنبات نما والتفّ بعضه ببعض بسبب ماء نزل عليه من السماء فما لبث أن صار هشيما تثيره الرياح.
﴿ الباقيات الصالحات ﴾ أعمال البر الباقية.
تفسير المعاني :
المال والأولاد زينة هذه الحياة الدنيا، وأفضل منهم الأعمال البارّة الباقية.
﴿ وترى الأرض بارزة ﴾ أي بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها. ﴿ وحشرناهم ﴾ أي وجمعناهم. وأصل الحشر هو حشد الناس للحرب. ﴿ فلم نغادر ﴾ أي فلم نترك.
تفسير المعاني :
واذكر يوم نسير الجبال في الجوّ ونحطمها فنجعلها هباء منثورا، وترى الأرض بادية ليس عليها ما يسترها، وجمعنا الكافرين إلى الموقف فلم نترك منهم أحدا.
وعرضوا على ربك صفّا لا يحجب أحد أحدا، فيقول لهم : لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّة عراة ليس معكم مال ولا ولد، بل زعمتم أن لن نجعل لكم وقتا نجمعكم فيه وادّعيتم أن الأنبياء قد كذبوكم.
﴿ ووضع الكتاب ﴾ أي صحائف الأعمال، وقيل وضع في الميزان، وقيل هو كناية عن وضع الحساب. ﴿ مشفقين ﴾ أي خائفين. والإشفاق الخوف. ﴿ يا ويلتنا ﴾ الويل كلمة عذاب، ومعنى يا ويلتنا يا هلكتنا. ﴿ صغيرة ﴾ أي هنة صغيرة.
تفسير المعاني :
ووضع كتاب الأعمال فترى المجرمين خائفين مما فيه لسوء ما قدّموه بين أيديهم. ويقولون : يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة من أمورنا إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.
﴿ ففسق عن أمر ربه ﴾ معنى الفسق الخروج والعصيان. فعله فسق يفسق فسقا وفسوقا. ﴿ أولياء ﴾ أي متولي أموركم، جمع ولّي.
تفسير المعاني :
وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم فأطاعوا الأمر إلا إبليس كان من الجنّ فخرج عن أمر ربه، أفتتخذونه وذريته موالي لكم من دوني وهم لكم عدو ؟ بئس للظالمين بدلا.
﴿ ما أشهدتهم ﴾ ما أحضرتهم. ﴿ عضدا ﴾ أي عونا، جمعه أعضاد، مأخوذ من عضده يعضده عضدا، وعضّده أي قوّاه، ويقال اعتضد به أي تقوّى به.
تفسير المعاني :
ما أحضرتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم، وما كنت متخذا المضلين أعوانا، فعلام تتخذونهم شركاء لله في العبادة ؟
﴿ موبقا ﴾ أي مهلكا هو النار. يقال وبق يبق وبقا وموبقا أي هلك، وأوبقه أهلكه.
تفسير المعاني :
ويوم يقول الله للكافرين : نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركائي وشفعاؤهم، فنادوهم للإغاثة فلم يغيثوهم، وجعلنا بين الكفار وآلهتهم مهلكا هي النار يصلونها جميعا.
﴿ مواقعوها ﴾ أي مخالطوها وواقعون فيها. ﴿ مصرفا ﴾ أي مكانا ينصرفون إليه، أو انصرافا.
تفسير المعاني :
ورأى المجرمون النار فتحققوا من أنهم مخالطوها ولم يجدوا عنها مكانا ينصرفون إليه.
﴿ ولقد صرّفنا ﴾ أي كررنا على وجوه شتى من البيان.
تفسير المعاني :
ولقد ردّدنا للناس في هذا القرآن من كل مثل على وجوه شتى، وكان الإنسان أكثر الكائنات جدلا بالباطل.
﴿ إلا أن تأتيهم سنّة الأوّلين ﴾ أي إلا انتظار أن تأتيهم سنّة الأوّلين وهي الاستئصال. ﴿ قبلا ﴾ قيل هو جمع قابل، ومعناه مقابل لحواسهم، وقيل قبلا جمع قبيل فيكون المعنى أو يأتيهم العذاب جماعة جماعة. وقرئ أو يأتيهم العذاب قبلا أي عيانا.
تفسير المعاني :
وما منع الناس أن يؤمنوا، وقد جاءهم الهدى وهو الرسول معه القرآن، إلا انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الاستئصال، أو يأتيهم العذاب مقابلا لحواسهم.
﴿ مبشرين ومنذرين ﴾ التبشير الإخبار بشيء سار. والإنذار الإخبار مع تخويف من العاقبة. ﴿ ليدحضوا ﴾ أي ليبطلوا. يقال دحض حجّته يدحضها دحضا وأدحضها أي أبطلها.
تفسير المعاني :
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، ويجادل الذين كفروا بالباطل باقتراح الآيات، واتخذوا آياتي والذي أنذروا به هزوّا.
﴿ أكنة ﴾ أي أغطية جمع كنان. من كنّه يكنّه كنّا وأكنّه أي جعله في كنّ وهو ما يحفظ فيه الشيء. ﴿ وقرا ﴾ أي ثقيلا يقال وقرت أذنه تقر وتوقر. وقيل وقرت توقر فهي موقورة أي ثقلت عن السمع.
تفسير المعاني :
ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ولم يتدبرّها، ونسى ما قدمّت يداه من الأعمال المنكرة. إنا جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفهموه، وجعلنا في آذانهم ثقلا، وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا.
﴿ موئلا ﴾ أي منجيّ وملجأ، ويقال وأل يئل وألا، نجا.
تفسير المعاني :
وربك البليغ المغفرة الموصوف بالرحمة، لو يؤاخذهم بما أذنبوا لعجّل لهم العذاب، بل لهم موعد هو يوم القيامة لن يجدوا من دونه ملجأ.
﴿ لمهلكهم ﴾ أي لإهلاكهم.
تفسير المعاني :
وتلك قوى عاد وثمود وغيرهم أهلكناهم لما ظلموا أنفسهم بالكفر وجعلنا لإهلاكهم وقتا مقررا.
﴿ لفتاه ﴾ هو يوشع بن نون بن فرائيم ابن يوسف، وقيل لعبده. ﴿ لا أبرح ﴾ أي لا أزال أسير. ﴿ أو أمضي حقبا ﴾ أي : أو أسير زمانا طويلا. والحقب الدهر، قيل ثمانون سنة، وقيل سبعون.
تفسير المعاني :
واذكر إذ قال موسى لفتاه : لا أزال أجدّ حتى أبلغ مجمع البحرين، أو أسير دهرا طويلا.
﴿ مجمع بينهما ﴾ أي مجمع البحرين، وبينهما ظرف أضيف إليه على الاتساع. ﴿ حوتهما ﴾ أي سمكتهما، جمع الحوت حيتان. ﴿ سربا ﴾ السّرب هو الذهاب في حدور، والسّرب المكان المنحدر، يقال سرب يسرب سربا أي ذهب على وجهه.
تفسير المعاني :
فلما بلغا مجمع البحرين نسيا حوتهما الذي أعداه لغذائهما فاتخذ الحوت سبيله في البحر منحدرا.
﴿ نصبا ﴾ أي تعبا.
تفسير المعاني :
فلما جاوزا مجمع البحرين قال لفتاه : آتنا غذاءنا لقد لقينا من سفرنا هذا تعبا.
﴿ أوينا ﴾ أي نزلنا. ﴿ واتخذ سبيله في البحر عجبا ﴾ أي سبيلا عجبا.
تفسير المعاني :
قال : أرأيت ما حدث لي حين أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت وما أنساني ذكره إلا الشيطان واتخذ الحوت في البحر سبيلا عجبا.
﴿ نبغ ﴾ أي نبغي بمعنى نطلب. يقال بغى الشيء يبغيه بغية طلبه. ﴿ فارتدا ﴾ أي فرجعا. ﴿ على آثارهما ﴾ أي في الطريق الذي جاءا فيه. ﴿ قصصا ﴾ أي يقصّان آثارهما قصصا بمعنى يتبعان آثارهما تتبعّا.
تفسير المعاني :
قال : ذلك، أي أمر الحوت، هو ما كنّا نطلبه فرجعا يقصّان آثارهما قصصا.
﴿ آتيناه رحمة من عندنا ﴾ هي الوحي والنبوّة. ﴿ وعلمناه من لدنا علما ﴾ أي وعلمناه من عندنا علما لا ينال إلا بتوفيقنا وهو علم الغيب.
تفسير المعاني :
فوجدا عبدا من عبادنا هو الحضر آتيناه النبوّة من عندنا، وعلمناه مما يختص بنا علما هو علم الغيب.
﴿ رشدا ﴾ أي علما ذا رشد.
تفسير المعاني :
قال له موسى : هل تقبل أن أتبعك على شرط أن تعلّمني مما أفاض الله عليك رشدا ؟
قال : يا موسى إنك لن تستطيع أن تصبر على ما لم تخبره ولم تفهم حقيقته.
﴿ ما لم تحط به خبرا ﴾ أي ما لم تختبره. والخبر هو الاختبار.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:تفسير المعاني :
قال : يا موسى إنك لن تستطيع أن تصبر على ما لم تخبره ولم تفهم حقيقته.
قال موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا.
قال الخضر : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء تراني أعمله حتى أكون أنا البادئ بإخبارك عنه.
﴿ شيئا إمرا ﴾ أي شيئا عظيما، من أمر الأمر يأمر أمرا وأمرة إذا اشتد.
تفسير المعاني :
فانطلقا حتى إذا ركبا في سفينة خرقها، فاعترض عليه موسى قائلا : أخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد ارتكبت أمرا عظيما بعملك هذا.
قال الخضر : ألم أقل لك إنك لا تستطيع معي صبرا ؟
﴿ ولا ترهقني من أمري عسرا ﴾ أي ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة فإن ذلك يعسر عليّ متابعتك. يقال رهقه يرهقه رهقا إذا غشيه بقهر، وأرهقه مثله، مثل ردفته وأردفته.
تفسير المعاني :
قال موسى، وقد تذكر ما عاهده عليه : لا تؤاخذني بنسياني العهد، ولا تَغْشَني من أمري عسرا بالمؤاخذة فتعسر عليّ متابعتك.
﴿ زكية ﴾ أي طاهرة. يقال زكا الشيء يزكو زكاء أي طهر. ﴿ بغير نفس ﴾ أي بغير أن تقتل نفسا لتستحق القصاص. ﴿ نكرا ﴾ أي منكرا.
تفسير المعاني :
فانطلقا، حتى إذا لقيا غلاما فقتله من غير تروٍّ واستكشاف حال، قال له موسى : أقتلت نفسا طاهرة بغير قتل نفس ارتكبته ؟ لقد جئت أمرا منكرا.
فقال له الخضر : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ؟
﴿ قد بلغت من لدني عذرا ﴾ أي قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات.
تفسير المعاني :
قال موسى، وقد خجل منه : إن سألتك عن شيء بعد هذه فلا تصاحبني قد وجدت من قبلي عذرا في مقاطعتي.
﴿ استطعما أهلها ﴾ أي طلبوا إليهم أن يطعموهم. ﴿ يريد أن ينقض ﴾ أي يكاد يسقط.
تفسير المعاني :
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية طلبا إلى أهلها أن يطعموهما، فرفضوا أن يضيفوهما فوجدا فيها حائطا يكاد يسقط فأقامه الخضر ورمّه، فقال له موسى : لو شئت لتقاضيتهم على إعادة بنائه أجرا ننتفع به.
﴿ سأنبئك ﴾ أي سأخبرك.
تفسير المعاني :
فقال له الخضر : هذا فراق بيني وبينك سأخبرك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.
أما السفينة فكانت ملك مساكين يشتغلون في البحر يقتاتون منها فأردت أن أعيبها، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة يراها صالحة للعمل غصبا.
﴿ فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ﴾ أي فخفنا أن يغشاهما بالعقوق متجاوزا الحدّ كفرا بنعمتهما عليه. يقال رهقه يرهقه رهقا وأرهقه أي غشيه. والطغيان تجاوز الحد من طغى يطغى طغيانا.
تفسير المعاني :
وأما الغلام فكان له أبوان مؤمنان صالحان فخفنا أن يغشاهما بالعقوق متجاوزا الحدّ كفرا بنعمتهما.
﴿ خيرا منه زكاة ﴾ أي أحسن منه طهارة. يقال خير بدل أخير، وشر بدل أشر طلبا للأفصح. ﴿ رحما ﴾ الرحم والرحِم القرابة.
تفسير المعاني :
فأردنا أن يبدلهما ربهما أحسن منه طهارة وأقرب إليهما رحما أي قرابة.
﴿ أن يبلغا أشدهما ﴾ أي يبلغا غاية نموهما. ﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ أي وما فعلته عن رأيي. ﴿ لم تسطع ﴾ أي لم تستطع. يقال استطاع واسطاع بمعنى قدر.
تفسير المعاني :
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما من ذهب وفضة، فأراد ربك أنت يبلغا غاية نموهما ويتولّيا استخراج كنزهما، وذلك رحمة بهما من ربك، وما فعلت كل هذا من تلقاء نفسي بل بوحي من ربي، ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا.
﴿ ذي القرنين ﴾ الإسكندر المقدوني على قول ؛ لأنه لم يعلم في تاريخ البشر من تنطبق عليه أكثر الصفات التي ذكرها الكتاب الكريم غير الإسكندر.
تفسير المعاني :
ويسألونك يا محمد عن ذي القرنين " قيل سأله مشركو مكة، وقيل سأله اليهود امتحانا له " قل : سأتلو عليكم منه ذكرا، قيل الضمير في " منه " عائد إلى ذي القرنين، وقيل عائد إلى الله تعالى.
﴿ وآتيناه من كل شيء سببا ﴾ أي وسيلة توصله إليه من العلم والقدرة.
تفسير المعاني :
إنا جعلنا له مكانا مكينا في الأرض، وأطلقنا له حرية التصرف فيها، ومنحناه من كل شيء وسيلة يتوصل بها إليه.
﴿ فأتبع ﴾ أي فاتّبع.
تفسير المعاني :
فاتبع سببا منها يبلغه بلاد المغرب.
﴿ عين حمئة ﴾ أي عين ذات حمأة، وهو الطين الأسود المبتل بالماء.
تفسير المعاني :
حتى إذا وصل إلى مغرب الشمس وجدها تغرب في عين ذات طين مبلول أسود ووجد عندها قوما. قلنا : يا ذا القرنين إما أن تعذب هؤلاء الكفرة، وإما أن تتذرع لديهم بأساليب الدعوة والإرشاد والتقويم والتعليم.
﴿ نكرا ﴾ أي منكرا.
تفسير المعاني :
فقال ذو القرنين : أما من ظلم نفسه بالكفر والإصرار عليه فإننا سنعذبه ثم يردّ إلى ربه فيعذبه عذابا منكرا.
( الحسنى ) أي المثوبة الحسنى، والحسنى مؤنث الأحسن.
تفسير المعاني :
وأما من آمن وعمل صالحا فله المثوبة الحسنى، وسنأمر بما لا يشق عليه.
( ثم أتبع سببا ) أي ثم اتبع طريقا إلى المشرق.
تفسير المعاني :
ثم اتبع ذو القرنين طريقا.
حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تشرق على قوم عرايا ولا يعرفون الأبنية، لم نجعل لهم من دونها سترا. كان أمر ذي القرنين في علو القدر وسعة الملك على ما وصفناه.
( كذلك ) أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في علو المنزلة وسعة الملك.
تفسير المعاني :
وأحطنا بما لديه من وسائل التسلط علما.
ثم اتبع طريقا ثالثا حتى إذا بلغ بين الجبلين، وجد من دونهما قوما لا يكادون يفهمون قولا.
( بين السدّين ) أي بين الجبلين اللذين بنى بينهما سدّه. قيل هما جبلا إرمينية وأذربيجان، وقيل هما جبلان في منقطع أرض الترك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:تفسير المعاني :
ثم اتبع طريقا ثالثا حتى إذا بلغ بين الجبلين، وجد من دونهما قوما لا يكادون يفهمون قولا.
( إن يأجوج ومأجوج ) هما قبيلتان من ولد يافث بن نوح. وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. ( خرجا ) أي جعلا.
تفسير المعاني :
قالوا : يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج يفسدون في أرضنا، فهل نجعل لك جعلا على أن تقيم بيننا وبينهم سدا ؟
( قال ما مكني فيه ربي خير ) أي ما جعلني فيه مكينا من الثروة والسلطان خير مما تبذلونه لي. ﴿ ردما ﴾ أي حاجزا حصينا، ومنه قولهم ثوب مردم، أي فيه رقاع فوق رقاع.
تفسير المعاني :
قال : ما جعلني الله مكينا فيه من الملك والسلطان خير مما تبذلونه لي، فأعينوني بقوّة من الفعلة أجعل بينكم وبينهم حاجزا حصينا.
﴿ زبر الحديد ﴾ أي قطع الحديد. ﴿ الصدفين ﴾ أي بين جانبي الجبلين. ﴿ قطرا ﴾ هو النحاس المذاب.
تفسير المعاني :
آتوني قطع الحديد حتى إذا سوى بين جانبي الجبلين بما وضعه منها بينهما، قال للعملة : انفخوا في الأكوار والحديد، حتى إذا جعله نارا، قال : آتوني نحاسا مذابا أفرغه عليه فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه بالصعود، وما استطاعوا له نقبا.
آتوني قطع الحديد حتى إذا سوى بين جانبي الجبلين بما وضعه منها بينهما، قال للعملة : انفخوا في الأكوار والحديد، حتى إذا جعله نارا، قال : آتوني نحاسا مذابا أفرغه عليه فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه بالصعود، وما استطاعوا له نقبا.
﴿ جعله دكاء ﴾ أي جعله أرضا مستوية.
تفسير المعاني :
قال : هذا رحمة من ربي على عباده، فإذا جاء وعده بخروج يأجوج مأجوج أو بقيام الساعة، جعله أرضا مستوية وكان وعد ربي كائنا لا محالة.
﴿ ونفخ في الصور ﴾ أي ونفخ في البوق. قيل إذا جاء موعد القيامة نفخ إسرافيل في بوق فحييت الخلائق وخرجت من قبورها للمحشر، ونرى نحن أن النفخ في البوق كناية عن الإيذان بحلول ساعة الحشر، واللغة العربية ملأى بالكنايات والاستعارات. وقال بعض المفسرين الصور جمع صورة، ويكون معنى ﴿ ونفخ في الصور ﴾ أي بُعثت الأرواح إلى أجسادها.
تفسير المعاني :
وجعلنا يأجوج ومأجوج يومئذ يموج بعضهم في بعض مزدحمين في البلاد، أو يموج بعض الخلائق في بعض حيارى، ونفخ في الصور فجمعناهم للحساب جمعا.
وأبرزنا جهنم للكافرين الذين كانت أعينهم مغطاة عن ذكرى، وكانوا لا يستطيعون له سمعا.
وأبرزنا جهنم للكافرين الذين كانت أعينهم مغطاة عن ذكرى، وكانوا لا يستطيعون له سمعا.
﴿ أولياء ﴾ أي نصراء، والمراد هنا معبودين. ﴿ أعتدنا ﴾ أي هيأنا، من العتاد وهو العدّة. ﴿ نزلا ﴾ النزل ما يقدم للضيف من الطعام.
تفسير المعاني :
أفظن الذين كفروا أن اتخاذهم عبادي آلهة من دوني يجديهم نفعا ؟ إنا هيأنا جهنم للكافرين نزلا.
وقل : هل نخبركم عن الأخسرين أعمالا ؟
﴿ ضل سعيهم ﴾ أي ضاع سعيهم.
تفسير المعاني :
الذين حبط سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون عملا، اعتقادا منهم أنهم على الحق !
﴿ فحبطت ﴾ أي فبطلت. يقال حبط عمله يحبط حبوطا، أي بطل. ﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾ أي فلا نضع لهم ميزانا توزن به أعمالهم لحبوطها.
تفسير المعاني :
أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه بالبعث فبطلت أعمالهم فلا نضع لهم يوم القيامة ميزانا لضياع أعمالهم سدى.
ذلك جزاؤهم جهنم بسبب كفرهم واتخاذهم آياتي ورسلي هزوا.
﴿ الفردوس ﴾ هي أعلى درجات الجنة. وأصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل. ﴿ نزلا ﴾ النزل ما يقدم للضيف.
تفسير المعاني :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم أعلى طبقات الجنان.
﴿ لا يبغون ﴾ أي لا يطلبون. يقال بغى يبغي بغية، أي طلب. ﴿ حولا ﴾ أي تحوّلا.
تفسير المعاني :
خالدين فيها لا يطلبون عنها تحولا.
﴿ مدادا ﴾ المداد جمع مدّة وهو ما يستمده الكاتب. ﴿ لنفد ﴾ أي لفنى. ﴿ مددا ﴾ أي زيادة ومعونة.
تفسير المعاني :
قل : لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لفني البحر قبل أن تفنى كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا.
قل يا محمد لهؤلاء الكافرين : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له، فمن كان يرجو لقاء ربه، أي يأمل حسن لقائه، فليعمل عملا صالحا يرتضيه مولاه، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.