تفسير سورة الكهف

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
هذه السورة مكية، ماعدا الآية ٣٨ والآيات التي تبدأ من ٨٣ إلى ١٠١ ففيها عشرون آية مدنية، وقد ابتدأت بحمد الله تعالى لإنزاله القرآن الكريم، وبيان أن القرآن هو الإنذار والتبشير، وفيه إنذار الذين ادعوا أن لله ولدا، وفيها ذكر حرص النبي صلى اله عليه وسلم على إيمان الذين يدعوهم بدعاية الله. ثم ذكر قصة أهل الكهف الذين رقدوا ثم بعثوا بعد أن لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم عدد من أهل الكتاب فروا من ظلم الحاكم الروماني، ورقدوا في الكهف تلك المدة ثم بعثوا للدلالة على قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت.
ثم بعد ذلك أمره الله عز وجل بأن يتلو القرآن، وينذر به ويبشر، ثم بيان حال أهل الجنة فيها وأهل النار، وضرب الله عز وجل مثلا لرجلين أحدهما غني يعتز بماله وبنيه، والثاني يعتز بالله، وبين سبحانه أن ولايته هي الحق، ثم بين سبحانه زينة الحياة الدنيا الفانية، ثم ما يكون يوم القيامة من نعيم مقيم أو عذاب أليم. ثم ذكر سبحانه قصة موسى مع العبد الصالح الذي أوتي علما من الله. وفي هذه القصة يصور ما يجهله الإنسان، ولو كان نبيا مرسلا من أولي العزم من الرسل، من قدرة الله عز وجل إلا إذا آتاه الله علمه. ثم يجيء ذكر ذي القرنين ووصوله إلى أقصى الشرق وبنائه للسد، ثم يوم القيامة وما يكون فيه، وجزاء المؤمنين، وعلم الله تعالى وكلماته التي لا تنفذ وختمت السورة ببيان الطريق لإرضائه سبحانه.

١- الثناء الجميل مستحق لله تعالى الذي أنزل على عبده محمد صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن، ولم يجعل فيه شيئاً من الانحراف عن الصواب، بل كان فيه الحق الذي لا ريب فيه.
٢- وجعله قيماً مستقيماً في تعاليمه لينذر الجاحدين بعذاب شديد صادر من عنده، ويبشر المصدقين الذين يعملون الأعمال الصالحات بأن لهم ثواباً جزيلاً.
٣- هو الجنة خالدين فيها أبدا.
٤- ويُنذر - على وجه الخصوص - الذين قالوا عن الله : إنه اتخذ ولدا، وهو المنزه عن أن يكون كالحوادث يَلِدُ أو يُوَلَدُ له.
٥- وليس عندهم علم بذلك ولا عند آبائهم من قبل، فما أعظم الافتراء في هذه الكلمة التي تجرءوا على إخراجها من أفواههم ! ما يقولون : إلا افتراء ليس بعده افتراء.
٦- لا تهلك نفسك - أيها النبي - أسفاً وحزناً على إعراضهم عن دعوتك غير مصدقين بهذا القرآن.
٧- إنا قد خلقناهم للخير والشر، وصيَّرنا ما فوق الأرض زينة لها ومنفعة لأهلها، لنعاملهم معاملة المختبر ليُظهر منهم الأصلح عملا، فمن استهوته الدنيا ولم يلتفت إلى الآخرة ضلَّ، ومن آمن بالآخرة اهتدى.
٨- وإنا لمصيِّرون عند انقضاء الدنيا ما فوقها مثل أرض مستوية لا نبات فيها، بعد أن كانت خضراء عامرة بمظاهر الحياة.
٩- لقد أنكر الذين استهوتهم الدنيا بزينتها البعث، مع أن الوقائع تثبت الحياة بعد الرقود الطويل، وهذه قصة أهل الكهف في الجبل واللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم بعد موتهم لم تكن عجباً وحدها دون سائر الآيات، وإن كان شأنها خارقاً للعادة، فليس أعجب من آياتنا الدالة على قدرتنا.
١٠- اذكر حين صار هؤلاء الفتيان إلى هذه المغارة وجعلوها مأوى لهم، فراراً بدينهم من الشرك والمشركين، فقالوا : يا ربنا آتنا من عندك مغفرة وأمناً من عدونا، ويسِّر لنا من شأننا هداية وتوفيقا.
١١- فاستجبنا دعاءهم فَأنَمْنَاهُمْ آمنين في الكهف سنين عديدة.
١٢- ثم أيقظهم الله بعد أن ظلوا نياماً أمداً طويلاً، لتكون عاقبة ذلك إظهار عِلْمنا بمن أصاب من الفريقين في تقدير مدة مكثهم.
١٣- نحن نقص عليك - أيها الرسول - خبرهم بالصدق : إنهم فتيان كانوا قبل العهود السابقة على دين الحق، صدَّقوا بوحدانية ربهم وسط قوم مشركين وزدناهم يقينا.
١٤- وثبتنا قلوبهم على الإيمان والصبر على الشدائد حين قاموا في قومهم فقالوا متعاهدين : ربنا أنت الحق رب السماوات والأرض لن نعبد من غيره إلها، ولن نتحول عن هذه العقيدة. والله إذا قلنا غير هذا لكان قولنا بعيداً عن الصواب.
١٥- ثم قال بعضهم لبعض : هؤلاء قومنا أشركوا بالله غيره، هلاَّ يأتون على ألوهية من يعبدونهم من دون الله بحُجة ظاهرة ؟ إنهم لظالمون فيما فعلوا، ولا أحد أشد ظلماً ممن افترى على الله كذباً بنسبة الشريك إليه.
١٦- وقال بعضهم لبعض : ما دمنا قد اعتزلنا القوم في كفرهم وشركهم فالجأوا إلى الكهف فراراً بدينكم، يبسط لكم ربكم من مغفرته، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به١ من مرافق الحياة.
١ لم يمكن على وجه التحقيق معرفة أصحاب الكهف ولا زمانهم، ولا مكان الكهف الذي آوى إليه هؤلاء الفتية، ومع ذلك فلا بأس من القيام بمحاولة قد تلقى ضوءا ولو خافتا عليهم. ولما كان القرآن الكريم قد نص على أنهم فتية آمنوا ب ربهم: فلا بد أنهم وشعبهم قد تعرضوا لاضطهاد ديني رأى معه هؤلاء الفتية الاعتصام بالكهف. ويشير التاريخ (القديم) إلى وقوع اضطهادات دينية في الشرق القديم، حدثت في أوقات مختلفة، ونذكر فيما يلي اضطهادين قد يكون أحدهما مناسبا للمقام:
أما أولهما: فقد حدث في عهد الملك السلوقي أنتيوخوس الرابع الملقب بنابيفانيس (حوالي ١٧٦ ـ ١٨٤ ق. م) فإنه اعتلى هذا الملك عرش سوريا ـ وكان مولعا أشد الولع بالثقافة الإغريقية وحضارتها ـ فرض على اليهود بفلسطين ـ وكانت في قبضة سوريا منذ عام ١٩٨ ق. م ـ التدين بديانة الإغريق وأبطل شريعتهم، ودنس "الهيكل" بوضعه تمثال زوس معبود الإغريق الأعظم على المذبح، وتقديم الخنازير ذبائح له، ثم إنه أحرق ما وجده من نسخ التوراة.
ففي ضوء هذه الحقيقة التاريخية يبدو أن هؤلاء الفتية يهود، ويكون مكانهم في فلسطين عامة، أو في أورشليم ذاتها، ويكونون قد بعثوا حوالي عام ١٢٩ م إبان حكم الروم للشرق، أي قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم (حوالي ٥٧١ م) بأربعمائة وخمسة وأربعين عاما تقريبا.
أما الاضطهاد الثاني: فقد حدث في عهد الإمبراطور الروماني هادريانوس (١١٧ ـ ١٣٨) فهذا الإمبراطور قد فعل باليهود مثل ما فعل أنتيوخوس السالف الذكر تماما، وتفصيل ذلك أنه حدث في عهده أن أعلن اليهود العصيان على الإمبراطورية الرومانية (الروم) عام ١٣٢ م، فطردوا الحاميات الرومانية واستولوا على أورشليم، وصكوا نقودهم ذكرى لتحرير المدينة المقدسة، وقبضوا على زمام الأمور طوال ثلاث سنوات، وأخيرا تحرك هارديانوس وجيشه، وقمع الثورة، وأخضع فلسطين، واستعاد أورشليم، وقضى على القومية اليهودية قضاء تاما، وقد لاقى قوادها حتفهم، وبيع اليهود في سوق النخاسة، وكان من نتائج ذلك أن عطل هارديانوس الشعائر اليهودية، وأبطل تعاليم اليهود وقوانينهم.
وفي ضوء هذه الحقيقة التاريخية يبدو أن هؤلاء الفتية يهود، ويكون مكانهم في أي مكان في الشرق القديم أو في أورشليم نفسها، ويكون قد بعثوا حوالي عام ٤٣٥ م، أي قبل مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمائة وثلاثين عاما.
ويبدو أن الاضطهاد الأول أكثر تلاؤما مع أصحاب الكهف، لأنه كان أشد قوة، أم الاضطهادات المسيحية فلا تتلاءم مع مولد النبي صلى الله عليه وسلم..

١٧- وقد كان في الكهف فتحة متسعة في الجبل، وهي متجهة إلى الشمال يجيئهم منها النسيم العليل، وإذا طلعت الشمس من الشرق عن يمينهم مالت أشعتها عنهم، وإذا غربت عن يسارهم تجاوزتهم ولم تدخل أشعتها في كهفهم، فحرارة الشمس لا تؤذيهم. ونسيم الهواء يأتيهم، وذلك كله من دلائل قدرة الله، ومن يوفقه الله لإدراكها يهتدي، ومن لا يوفقه فلا مرشد له من بعد.
١٨- وتظنهم - أيها الناظر - منتبهين، وفي الحقيقة هم نيام، ونقلبهم في نومهم يمينا مرة ويسارا مرة لنحفظ أجسامهم من تأثير الأرض، وكلبهم - الذي صاحبهم - مادا ذراعيه بالفناء وهو نائم أيضاً في شكل اليقظان، لو اطلعت - أيها المخاطب - عليهم وهم على تلك الحال لفررت منهم هاربا، ولملئ قلبك منهم فزعا لهيبتهم في منامهم، فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم، كيلا يدنو منهم أحد، ولا تمسهم يد حتى تنتهي المدة.
١٩- وكما أنَمْنَاهم أيقظناهم ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم نائمين، فقال واحد منهم : ما الزمن الذي مكثتموه في نومكم ؟ فقالوا : مكثنا يوماً أو بعض يوم، ولما لم يكونوا مُسْتَيقنين من ذلك قالوا : اتركوا الأمر لله، فهو الأعلم به، وليذهب واحد منكم بهذه العملة الفضية إلى المدينة وليتخير أطيب الأطعمة فيأتيكم بطعام منه، وليكن حسن التفاهم، ولا يظهرن أمركم لأحد من الناس.
٢٠- إنهم إن رأوكم يقتلوكم رجماً بالحجارة أو يعيدوكم إلى الشرك بالقوة، وإذا عدتم إليه فلن تفلحوا في الدنيا والآخرة.
٢١- وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا أهل المدينة عليهم ليعلم المطلعون أن وعد الله بالبعث حق، وأن القيامة لا شك في إتيانها. فآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر، ثم أمات الله الفتية فتنازعوا في شأنهم، فقال بعضهم : ابنوا على باب الكهف بنياناً ونتركهم وشأنهم فربهم أعلم بحالهم، وقال أصحاب الكلمة في القوم : لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة.
٢٢- سيقول فريق من الخائضين في قصتهم من أهل الكتاب : هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول آخرون : هم خمسة سادسهم كلبهم. ظنا خالياً من الدليل، ويقول آخرون : هم سبعة وثامنهم كلبهم. قل لهؤلاء المختلفين : ربي عليم علماً ليس فوقه علم بعددهم. ولا يعلم حقيقته إلا قليل من الناس أطلعهم الله على عددهم، فلا تجادل هؤلاء المختلفين في شأن الفتية إلا جدالا ظاهراً ليناً دون محاولة إقناعهم، فإنهم لا يقتنعون. ولا تسأل أحداً منهم عن نبئهم، فقد جاءك الحق الذي لا مِرْيَة فيه.
٢٣- ولا تقولن لشيء تُقْدِم عليه وتهتم به : إني فاعل ذلك فيما يستقبل من الزمان.
٢٤- إلا قولا مقترناً بمشيئة الله بأن تقول : إن شاء الله ! وإذا نسيت أمراً فتدارك نفسك بذكر الله، وقل عند اعتزامك أمراً وتعليقه على مشيئة الله : عسى أن يوفقني ربي إلى أمر خير مما عزمت عليه وأرشد منه.
٢٥- وإن الفتية مكثوا في كهفهم نياماً ثلاثمائة سنين زادت تسعا١.
١ تشير هذه الآية إلى حقيقة فلكية، وهي أن ثلاثمائة سنة شمسية تقابلها ثلاثمائة وتسع سنوات قمرية، وقد سبقت الآية علم الفلك..
٢٦- وقل - أيها الرسول - للناس : إن الله - وحده - هو العالم بزمنهم كله، إنه - سبحانه - هو المختص بعلم الغيب في السماوات والأرض، فما أعظم بصره في كل موجود، وما أعظم سمعه لكل مسموع، وما لأهل السماوات والأرض من يتولى أمورهم غيره، ولا يشرك في قضائه أحداً من خلقه.
٢٧- واقرأ - أيها الرسول - ما أُوحى إليك من القرآن، ومنه ما أُوحى إليك من نبأ الفتية، ولا تستمع لما يهزأون به من طلب تبديل معجزة القرآن بمعجزة أخرى، فإنه لا مغيِّر لما ينبئه الله بكلمة الحق في معجزاته، فإنه لا يقدر أحد على تبديله، ولا تخالف أمر ربك، فإنك حينئذ لن تجد غيره ملجأ يحفظك منه.
٢٨- واحتفظ - أيها الرسول - بصحبة صحابتك من المؤمنين الذين يعبدون الله - وحده - في الصباح وفي العشي دائماً، يريدون رضوانه، ولا تنصرف عيناك عنهم إلى الجاحدين من الكفار لإرادة التمتع معهم بزينة الحياة الدنيا، ولا تطع في طرد فقراء المؤمنين من مجلسك من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، لسوء استعداده، وصار عبداً لهواه، وصار أمره في جميع أعماله بعيداً عن الصواب، والنهي للنبي نهي لغيره، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يريد الحياة الدنيا وزينتها، ولكن كان اتجاه النهي إليه لكي يحترس غيره من استهواء الدنيا، فإنه إذا فرض فيه إرادة الزينة للأبدان ؛ لفرض كل إنسان في نفسه ذلك ليحترس.
٢٩- وقل - أيها الرسول - : إن ما جئت به هو الحق من عند ربكم، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن، فذلك خير له، ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه لم يظلم إلا نفسه. إننا أعددنا لمن ظلم نفسه بالكفر ناراً تحيط بهم كالسرادق. وإن يستغث الظالمون بطلب الماء وهم في جهنم ؛ يؤت لهم بماء كالزيت العكر الشديد الحرارة يحرق الوجوه بلهيبه. قَبُحَ هذا الشراب لهم، وقبحت جهنم مكاناً لراحتهم.
٣٠- أما الذين آمنوا بالله وبدينه الحق الذي يُوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم من الأعمال الصالحة، فإنا لا نضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال.
٣١- هؤلاء لهم جنات يقيمون فيها منعَّمين أبدا، تنساب الأنهار من بين أشجارها وقصورها، يتحلون فيها بمظاهر السعادة في الدنيا، كالأساور الذهبية، وملابسهم فيها الثياب الخضر من الحرير على اختلاف أنواعه، متكئين فيها على السرر بين الوسائد والستائر، نعم الثواب لهم، وحَسُنت الجنة دار مقام وراحة، يجدون فيها كل ما يطلبون.
٣٢- بيِّن - أيها الرسول - في شأن الكفار الأغنياء مع المؤمنين الفقراء مثلا وقع فيما سلف بين رجلين : كافر ومؤمن، وللكافر حديقتان من أعناب، وأحطناهما بالنخيل زينة وفائدة، وجعلنا بين الجنتين زرعا نضِراً مثمراً.
٣٣- وقد أثمرت كل واحدة من الجنتين ثمرها ناضجاً موفوراً، ولم تنقص منه شيئاً، وفجَّرنا نهراً ينساب خلالهما.
٣٤- وكان لصاحب الجنتين أموال أخرى مثمرة، فداخله الزهو بتلك النعم، فقال لصاحبه المؤمن في غرور وهما يتناقشان : أنا أكثر منك مالا وأقوى عشيرة ونصيرا.
٣٥- ثم دخل إحدى جنتيه مع صاحبه المؤمن، وهو مأخوذ بغروره فقال : ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا !.
٣٦- وما أظن القيامة حاصلة، ولو فرض ورجعت إلى ربي بالبعث كما تزعم، والله لأجدن خيراً من هذه الجنة عاقبة لي ؛ لأنني أهل للنعيم في كل حال، فهو يقيس الغائب على الحاضر، ولا يعلم أن الغائب فيه الجزاء على الإيمان وفعل الخير.
٣٧- قال صاحبه المؤمن مجيباً له : أتسوغ لنفسك أن تكفر بربك الذي خلق أصلك آدم من تراب، ثم من نطفة مائية، ثم صوّرك رجلا كاملا، فإن اعتززت بمالك وعشيرتك، فاذكر ربك وأصلك الذي هو من الطين.
٣٨- لكن أقول : إن الذي خلقني وخلق هذا العالم كله هو الله ربي، وأنا أعبده - وحده - ولا أشرك معه أحدا.
٣٩- ولولا قلت عند دخولك جنتك والنظر إلى ما فيها : هذا ما شاء الله ولا قوة لي على تحصيله إلا بمعونة الله، فيكون ذلك شكراً كفيلا بدوام نعمتك. ثم قال له : إن كنت تراني أقل منك مالا وأقل ولدا ونصيرا.
٤٠- فلعل ربي يعطيني خيراً من جنتك في الدنيا أو الآخرة، ويرسل على جنتك قدَراً قدَّره لها كصواعق من السماء، فتصير أرضاً ملساء لا ينبت فيها شيء، ولا يثبت عليها قدم.
٤١- أو يصير ماؤها غائراً في الأرض لا يمكن الوصول إليه، فلا تقدر على إخراجه لسقيها.
٤٢- قد عاجل الله الكافر، وأحاطت المهلكات بثمار جنته، وأهلكتها، وأبادت أصولها، فأصبح يقلب كفيه ندماً وتحسراً على ما أنفق في عمارتها، ثم عاجلها الخراب، فتمنى أن لم يكن أشرك بربه أحدا.
٤٣- عند هذه المحنة لم تكن له عشيرة تنصره من دون الله كما كان يعتز، وما كان هو بقادر على نصرة نفسه.
٤٤- فإن النصرة في كل حال ثابتة لله الحق - وحده - وهو - سبحانه - خير لعبده المؤمن يجزل له الثواب ويحسن له العاقبة.
٤٥- واذكر - أيها الرسول - للناس مثلا للحياة الدنيا في نضرتها وبهجتها ثم سرعة فنائها، بأنها كماء أُنزل من السماء فارتوى به نبات الأرض فاخضر وأينع، ثم لم يلبث طويلا حتى جف وصار يابسا متكسراً تفرقه الرياح، والله قادر على كل شيء إنشاءً وإفناءً.
٤٦- المال والبنون جمال ومتعة لكم في الحياة الدنيا وهما قوتها، ولكن لا دوام لها، بل هي فانية غير باقية، والأعمال الصالحة الباقية خير لكم عند الله، يجزل ثوابها، وخير أمل يتعلق به الإنسان.
٤٧- وأنذر الناس - أيها الرسول - بيوم يفنى هذا الوجود، فيزيل فيه الجبال، وتبصر فيه الأرض ظاهرة مستوية لا يسترها شيء مما كان عليها، ونحشر فيه الناس للحساب فلا نترك منهم أحدا.
٤٨- ويعرض الناس في هذا اليوم على الله في جموع مصفوفة للحساب، ويقول الله تعالى : لقد بعثناكم بعد الموت كما أحييناكم أول مرة، وجئتمونا فرادى بلا مال ولا بنين، وكنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والحساب.
٤٩- ووضع في يد كل واحد كتاب أعماله، فَيبْصره المؤمنون فرحين مما فيه، ويبصره الجاحدون خائفين مما فيه من الأعمال السيئة، ويقولون إذا رأوها : يا هلاكنا، إنا نعجب لهذا الكتاب الذي لم يترك من أعمالنا صغيرة ولا كبيرة إلا سجَّلها علينا، ووجدوا جزاء ما عملوا حقاً، ولا يظلم ربك أحداً من عباده.
٥٠- واذكر - أيها الرسول - لهم بدء خلقهم ليعلموا أنهم من الطين، وليس لهم أن يغتروا بما هم فيه، ويخضعوا لعدوّ أبيهم إبليس، لأنه كان من الجن، فاستكبر وتمرد على الله، فكيف بعد ما عرفتم من شأنه تتخذونه وذريته أنصاراً لكم من دون الله، وهم لكم أعداء ؟ ! قبُح هذا البدل لمن ظلم نفسه فأطاع الشيطان.
٥١- ما أحضرت إبليس ولا ذريته خلْق السماوات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلْق بعض لأستعين بهم، وما كنت في حاجة إلى معين. فضلا عن أن أتخذ المفسدين أعواناً، فكيف تطيعون الشيطان وتعصونني ؟.
٥٢- واذكر لهم يوم يقول الله للمشركين : نادوا الذين ادعيتم في الدنيا أنهم شركائي في العبادة ليشفعوا لكم بزعمكم، فاستغاثوا بهم فلم يجيبوهم، وجعلنا الآن ما كان بينهم هلاكاً للكفار بعد أن كان في الدنيا تواصل عبادة ومحبة.
٥٣- وعاين المجرمون النار فأيقنوا أنهم واقعون فيها، ولم يجدوا بديلا عنها مكاناً يحلُّون فيه.
٥٤- ولقد ذكر الله للناس في هذا القرآن الذين كفروا به، وطلبوا معجزة أخرى غيره، أمثلة متنوعة ليعظهم بما فيها، ولكن الإنسان في طبيعته حب الجدل، فإذا كان جاحدا جادل بالباطل.
٥٥- وما منع المشركين من الإيمان حين جاءهم سبب الهدى - وهو الرسول والقرآن ليؤمنوا ويستغفروا الله - إلا تعنتهم وطلبهم من الرسول أن تأتيهم سنة الله في الأولين، وهي الهلاك المستأصل الذي أتى الأولين، أو يأتيهم العذاب عياناً.
٥٦- ولكن الله لا يرسل رسله إلا للتبشير والإنذار، ولم يرسلهم ليقترح عليهم المعاندون معجزات معينة، ولكن الذين كفروا يعرضون عن الحُجَّة، ويجادلون المرسلين بالباطل ليبطلوا الحق، وقد وقفوا من القرآن والنُّذر موقف المستهزئ الساخر الذي لا يُعْنى بطلب الحقائق.
٥٧- وليس أحد أظلم ممن وُعِظ بآيات ربه فلم يتدبرها، ونسى عاقبة ما عمل من المعاصي. إنا بسبب ميلهم إلى الكفر جعلنا على قلوبهم أغطية، فلا تعقل ولا يصل إليها النور، وفي آذانهم صمما فلا تسمع سماع فهم، وإن تدعهم - أيها الرسول - إلى الدين الحق فلن يهتدوا ما دامت هذه طبيعتهم البتة.
٥٨- وربك العظيم المغفرة لذنوب عباده، صاحب الرحمة الواسعة لمن أناب إليه منهم، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من السيئات لعجَّل لهم العذاب كما سلف لغيرهم، ولكنه - لحكمة قدَّرها - أخرهم لموعد يذوقون فيه أشد العقاب، ولن يجدوا ملجأ يحفظهم منه.
٥٩- وها هي ذي القرى الماضية التي دمرناها لما ظلم أهلها بتكذيب رسلهم، وجعلنا لهلاكهم موْعدا لا يتخلف، فكذلك حال المكذبين من قومك إذا لم يؤمنوا.
٦٠- وإن علم الله لا يحيط به أحد، إلا أن يعطيه نبياً أو صالحاً، واذكر - أيها الرسول - أن موسى ابن عمران قال لفتاه - خادمه وتلميذه - : لا أزال أسير حتى أبلغ ملتقى البحرين أو أسير زمناً طويلاً.
٦١- فلما بلغ موسى وفتاه المكان الجامع بين البحرين، نسيا فيه حوتهما الذي حملاه بأمر الله، فانحدر في البحر واتخذ طريقه في الماء.
٦٢- فلما ابتعد موسى وفتاه عن المكان، وأحسا بالجوع والتعب، قال موسى لفتاه : آتنا ما نتغذى به، لقد لقينا في سفرنا هذا تعبا ومشقة.
٦٣- قال له فتاه : أتذكر حين التجأنا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت، وما أنساني ذلك إلا الشيطان، ولا بد أن يكون الحوت قد اتخذ سبيله في البحر، وإني لأعجب من نسياني هذا.
٦٤- قال له موسى : إن هذا الذي حدث هو ما كنا نطلبه لحكمة أرادها الله، فرجعا في الطريق الذي جاءا منه يتتبعان أثر سيرهما.
٦٥- حتى وصلا الصخرة، فوجدا عبداً من عبادنا الصالحين أعطيناه الحكمة، وعلمناه من عندنا علماً غزيراً.
٦٦- قال موسى للعبد الصالح : هل أسير معك على أن تعلمن مما علمك الله ؟.
٦٧- قال له : إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتي.
٦٨- وكيف يمكنك الصبر على شيء لا خبرة لك بمثله ؟
٦٩- قال موسى : ستراني إن شاء الله صابراً مطيعاً لك فيما تأمر به.
٧٠- قال العبد الصالح : فإن اتبعتني ورأيت ما تنكره، فلا تفاتحني بالسؤال عنه حتى أحدثك عنه.
٧١- فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى وجدا سفينة، فركباها، فخرقها العبد الصالح في أثناء سيرها، فاعترض موسى قائلا : أخرقتها قاصداً إغراق أهلها ؟ لقد ارتكبت أمراً منكراً !.
٧٢- قال العبد الصالح : إنني قلت لك : إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتي.
٧٣- قال له موسى : لا تؤاخذني على نسيان وصيتك، ولا تكلفني مشقة في تحصيل العلم منك وتجعله عسيراً.
٧٤- وبعد أن خرجا من السفينة ذهبا منطلقين، فلقيا في طريقهما صَبِياً فقتله العبد الصالح، فقال موسى مستنكراً : أتقتل نفساً طاهرة بريئة من الذنوب بغير أن يقتل صاحبها أحدا ؟ ! لقد أتيت فعلا مستنكراً !.
٧٥- قال العبد الصالح لموسى : لقد قلت لك : إنك لن تستطيع صبرا على السكوت عن سؤالي.
٧٦- قال موسى : إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني، لأنك قد بلغت الغاية التي تعذر بها في فراقي.
٧٧- فسارا حتى أتيا قرية، فطلبا من أهلها طعاماً، فأبوا ضيافتهما، فوجدا فيها جداراً مائلاً يكاد يسقط، فنقضه العبد الصالح وبناه حتى أقامه، قال موسى : لو شئت طلب أجر على النقض والبناء لفعلت.
٧٨- قال العبد الصالح : هذا التعرض منك مراراً لما أفعل سبب الفراق بيني وبينك. وسأخبرك بحكمة هذه التصرفات التي خفي عليك أمرها، ولم تستطع صبراً على ما خفي حتى تعرف حقيقته وسره.
٧٩- أما السفينة التي خرقتها، فهي لضعفاء محتاجين يعملون بها في البحر لتحصيل رزقهم، فأردت أن أحدث بها عيباً يُزهد فيها، لأن خلفهم ملكاً يغتصب كل سفينة صالحة.
٨٠- وأما الغلام الذي قتلته فكان أبواه مؤمنين، فعلمنا - إن عاش - أنه سيصير سبباً لكفرهما.
٨١- فأردنا بقتله أن يعوِّضهما الله عنه ولداً خيراً منه ديناً وأعظم براً وعطفاً.
٨٢- وأما الجدار الذي أقمته - دون أجر - فكان لغلامين يتيمين من أهل المدينة، وكان تحته كنز تركه أبوهما لهما، وكان رجلا صالحاً، فأراد الله أن يحفظ لهما الكنز حتى يبلغا رشدهما، ويستخرجاه، رحمة بهما، وتكريماً لأبيهما في ذريته. وما فعلت ما فعلت باجتهادي، إنما فعلته بتوجيه من الله، هذا تفسير ما خفي عليك يا موسى ولم تستطع الصبر عليه.
٨٣- يسألك - أيها الرسول - بعض الكفار عن نبإ ذي القرنين، فقل لهم : سأقص عليكم بعض أخباره.
٨٤- لقد مكنَّا لأمره في الأرض، يتصرف فيها بتدبيره وسلطانه، وآتيناه الكثير من العلم بالأسباب ما يستطيع به توجيه الأمور.
٨٥- فاستعان بهذه الأسباب على بسط سلطانه في الأرض، واتخذ سبباً يوصّله إلى بلوغ مغرب الشمس.
٨٦- وسار حتى وصل إلى مكان سحيق جهة الغرب، فوجد الشمس - في رأى العين - تغرب في مكان به عين ذات ماء حار وطين أسود، وبالقرب من هذه العين وجد ذو القرنين قوماً كافرين، فألهمه الله أن يتخذ فيهم أحد أمرين : إما أن يدعُوهم إلى الإيمان، وهذا أمر حسن في ذاته، وإما أن يقاتلهم إن لم يجيبوا داعي الإيمان.
٨٧- فأعلن ذو القرنين فيهم : أن من ظلم منهم نفسه بالبقاء على الشرك، استحق العذاب الدنيوي على يديه، ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً شديداً ليس معروفاً لهم.
٨٨- وأن من استجاب له وآمن بربّه وعمل صالحاً، فله العاقبة الحسنى في الآخرة، وسنعامله في الدنيا برفق ويسر.
٨٩- ثم سار ذو القرنين كذلك، مستعيناً بتوفيق الله، واتبع سبباً للوصول إلى مطلع الشمس مشرقا.
٩٠- حتى بلغ مشرق الشمس - في رأى العين - في نهاية ما وصل إليه من العمران، فوجدها تطلع على قوم يعيشون على الفطرة الأولى لا يسترهم من حرها ساتر.
٩١- وكما دعا ذو القرنين السابقين من أهل المغرب إلى الإيمان دعا هؤلاء وسار فيهم سيرته الأولى.
٩٢- ثم سار كذلك مستعيناً بما هيَّأ الله له من أسباب التوفيق، سالكاً طريقاً بين الشرق والغرب.
٩٣- حتى وصل - في رحلته الثالثة - إلى مكان سحيق بين جبلين مرتفعين، وهناك وجد قوماً لا يفقهون ما يُقال لهم إلا في عسر ومشقة١.
١ السد بين الجبلين المذكورين في التفسير هما جبلا: أذربيجان وأرمينية، وقيل: هما جبلان في أواخر الشمال منقطع أرض التركستان..
٩٤- فلما آنسوا فيه القوة، طلبوا منه أن يُقيم لهم سداً في وجه يأجوج ومأجوج، وهم قوم كانوا يَغِيرون عليهم، فيفسدون في أرضهم ويخربون، على أن يجعلوا له ضريبة في نظير هذا العمل.
٩٥- فرد عليهم قائلا : إن ما منحنيه الله من الثروة والسلطان خير مما تعرضون علىّ. وشرع يُقيم السد طالباً منهم أن يعينوه بكل ما يقدرون عليه من رجال وأدوات، ليحقق لهم ما أرادوا.
٩٦- وطلب منهم أن يجمعوا له قطع الحديد. فجمعوا له منها ما أراد، فأقام به سداً عالياً ساوى به بين حافتى الجبلين، ثم أمرهم أن يوقدوا عليه النار، فأوقدها حتى انصهر الحديد، فصب عليه النحاس المذاب فأصبح سداً صلباً منيعاً.
٩٧- فما استطاع هؤلاء المغيرون أن يتسلقوا السد لارتفاعه، ولا أن يثقبوه لصلابته.
٩٨- وبعد أن أتم ذو القرنين بناء السد قال شاكراً لله : هذا السد رحمة من ربي بعباده، وسيظل قائماً حتى يجئ أمر الله بهدمه، فيصير أرضاً مستوياً، وأمر الله نافذ لا محالة.
٩٩- ومنذ إتمام السد ظل يأجوج ومأجوج من ورائه يضطربون فيما بينهم، وحبس شرهم عن الآخرين، فإذا كان يوم القيامة ونفخ في الصور جمع الله الخلائق جميعاً للحساب والجزاء.
١٠٠- وعند ذلك يبرز الله جهنم للكافرين إبرازاً يروعهم ويحشرهم فيها.
١٠١- وذلك لأن أعينهم في الدنيا كانت في غفلة عن التبصر في آيات الله كأن عليها غطاء، وكانوا لضلالهم لا يستطيعون سماع دعوة الحق كفاقدي حاسة السمع١.
١ ﴿الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا﴾: الذين كانت أعينهم في غفلة عن تدبر مواضع التذكير بي في السماوات والأرض، وبذلك تدعو الآية الكريمة إلى دراسة كل ما يحيط بالإنسان من شواهد دالة على وجود الله..
١٠٢- هل عميت بصائر الذين كفروا، فظنوا أن اتخاذهم آلهة من عبادي - كالملائكة وعيسى - يعبدونها من دوني نافع لهم وصارف عنهم العذاب ؟ إنا أعتدنا لهم جهنم مقراً ينالون فيه ما يستحقون من جزاء.
١٠٣- قل - أيها الرسول - لهؤلاء الكافرين : هل أخبركم بأشد الناس خسراناً لأعمالهم، وحرماناً من ثوابها ؟
١٠٤- هم الذين بطل عملهم في الحياة الدنيا لفساد اعتقادهم، وهم يعتقدون أنهم يحسنون بعملهم صنيعاً.
١٠٥- هؤلاء هم الذين كفروا بدلائل قدرة الله، وأنكروا يوم البعث والحساب، فضاعت أعمالهم، واستحقوا يوم القيامة التحقير والإهمال، إذ ليس لهم عمل يُعْتدّ به.
١٠٦- ذلك الذي بيَّناه وفصَّلناه شأن هؤلاء، وجزاؤهم عليه جهنم، بسبب كفرهم وسخريتهم بما أنزل الله من آيات، وما أرسل من رسل.
١٠٧- إن الذين صدقوا في الإيمان وعملوا الأعمال الصالحة ؛ جزاؤهم جنات الفردوس ينزلون فيها.
١٠٨- وينعمون فيها أبدا لا يبغون عنها بديلا.
١٠٩- قل - أيها الرسول - للناس : إن علم الله محيط بكل شيء، ولو كان ماء البحر مداداً يُسطَّر به كلمات الله الدالة على علمه وحكمته، لنفد هذا المداد، ولو مُدّ بمثله قبل أن تنفد كلمات الله.
١١٠- قل - أيها الرسول - للناس : إنما أنا إنسان مثلكم، مرسل إليكم، أعلمكم ما علمني الله إياه، يوحى إلىّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له، فمن كان يطمع في لقاء الله وثوابه ؛ فليعمل الأعمال الصالحة مخلصاً، وليتجنب الإشراك بالله في العبادة.
Icon