ﰡ
مكيّة وهى خمس وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ السماء مرفوع بفعل مقدر يفسره ما بعده.
وَأَذِنَتْ اى استمعت وانقادت لِرَبِّها لامره بالانشقاق وَحُقَّتْ اى حق لها الانقياد وإذ الممكن لا يمكن منه الا الانقياد لما أراده الواجب جل شانه إذا هو فى نفسه لا يقتضى شيئا.
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وزيدت فى سعتها قال المقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى فيها جبل ولا بناء اخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض كالاديم وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي - ﷺ - تمد الأرض يوم القيمة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخر ساجدا فيوذن لى فاقول يا رب يا رب أخبرني هذا جبرئيل وهو عن يمين الرحمن والله ما راه جبرئيل قبلها قطانك أرسلته الى قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله صدق ثم يأذن الله لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود.
وَأَلْقَتْ الأرض ما فِيها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ اى تكلفت فى خلوها عما فيها حتى لم يبق شىء فى بطنها.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها فى الإلقاء والتخلية وَحُقَّتْ ط جواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده اى يلاقى الإنسان ما كدح ويوتى كتابه اما بيمينه فينقلب مسرورا او بشماله فيدعوا ثبورا وتكرير إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة اخرج ابو القاسم الختلي فى الديباج بسند حسن عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - فى قوله تعالى إذا السماء انشقت الاية قال اما أول من ينشق عنه الأرض فاجلس جالسا فى قبرى فيفتح باب الى السماء بحيال رسى حتى انظر الى العرش ثم يفتح لى باب من تحتى حتى انظر الى الأرض السابعة حتى انظر الى الثرى ثم يفتح باب عن يمينى حتى انظر الى الجنة ومنازل أصحابي وان الأرض تحركت بي
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ خطاب للجنس إِنَّكَ كادِحٌ اى كدح عمل الإنسان وجهده فى الأمر من خير او شر حتى يكدح ذلك فيه اى يوثر من كدحه إذا خدشه إِلى رَبِّكَ الى لقاء ربك يعنى الموت وما بعده يعنى انك جاهد فى العمل الى الموت كَدْحاً سعيا بليغا مصدر للتأكيد فَمُلاقِيهِ ج عطف على كادح والضمير اما راجع الى الكدح يعنى فملاقى كدحه يعنى جزاء ما عمل او الى الرب اى فملاقى ربك بعد الموت يوم يقوم الناس لرب العالمين او بحذف المضاف اى فملاقى حساب ربك وجملة يايها الإنسان مستأنفة للوعد والوعيد ولما بين الله سبحانه اولا بعض الناس ولقاء كل منهم كدحد اجمالا فصل ذلك بقوله.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ ديوان عمله بِيَمِينِهِ وهم المؤمنون.
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً روى البخاري بسنده عن ابن ابى مليكة ان عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه الا راجعت فيه حتى تعرفه وان النبي ﷺ قال من حوسب عذب قالت عائشة او ليس الله يقول فسوف يحاسب حسابا يسيرا قالت فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش فى الحساب يهلك واخرج احمد عن عائشة قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال اى ينظر فى كتابه فيتجاوز عنه انه من نوقشه فى الحساب يهلك واخرج احمد يومئذ هلك.
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ اخرج البيهقي عن مجاهد فى هذه الاية قال يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه قال ابن السابت بلوى يده اليسرى من صدره انى خلف ظهره.
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً والثبور الهلاك اى يتمنى الهلاك ويقول وا ثبوراه.
وَيَصْلى قرأ عاصم وحمزة وابو عمرو بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام والباقون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية على البناء للمفعول اى يدخل سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ فى الدنيا مَسْرُوراً بالمال والجاه غافلا عن الاخرة غير خائف
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ج اى لن يرجع الى ربه للحساب والجزاء تكذيبا بالبعث تعليل للسرور.
بَلى ج إيجاب للنفى اى بلى ليحورن إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ط فى موضع التعليل لاثبات الرجوع اى ليحورن وليعذبن لان الله بصير بما يعمل فلا يهمله بل ينتقم منه.
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ البيضاء بعد الحمرة.
وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ اى جمعه الليل بعد ما كان منتشرا بالنهار من الدواب وروى منصور عن المجاهد الف واظلم عليه وقال سعيد بن جبير وما عمل فيه.
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ اى اجتمع وثم نوره فى الليالى البيض افتعال من الوسق بمعنى الجمع.
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ اما صفة بطبقا او حال من الضمير المرفوع فى لتركبن بمعنى مجاوز عن طبق او بمجاوزين له على اختلاف القراءتين قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح التاء اما على صيغة المخاطب الواحد المذكر خطابا للنبى - ﷺ - قال الشعبي ومجاهد يعنى لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وقال الله تعالى وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ففى هذه الاية بشارة للنبى صلى الله عليه واله وسلم بالمعراج والأحاديث الواردة فى قصة المعراج ذكرت فى سورة الأسرى وسورة النجم ويجوز ان يكون المراد انه يصعد درجة بعد درجة تتبع بعد رتبه فى القرب من الله والرفعة روى البخاري بسنده وعن ابن عباس قال لتركبن طبقا عن طبق حال بعد حال قال هذا نبيكم - ﷺ - واما على صيغة الواحد المؤنث والضمير حينئذ عايد الى السماء يعنى لتركبن السماء حالا بعد حال اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن مسعود فى هذه الاية قال يعنى السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر واخرج البيهقي عنه قال السماء تكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشق فيكون حالا بعد حال وقرأ الآخرون بضم الياء على صيغة جمع المخاطبين يعنى لتركبن ايها الناس حالا بعد حال وامرا بعد امر فى مواقف القيمة وقال مقاتل يعنى الموت ثم الحيوة وقال عطاء حالا فى الدنيا مرة فقيرا ومرة غنيا وقال عمرو ابن دينار عن ابن عباس يعنى الشدائد والأهوال والموت ثم البعث ثم العرض وقال عكرمة حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ وقال ابو عبيدة لتركبن سنن من كان قبلكم روى الحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي - ﷺ - لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر
فَما لَهُمْ استفهام للانكار والتعجب متصل بما مر من الوعد والوعيد وجملة فلا اقسم معترضة قلت ويحتمل ان يكون هذه الجملة متصلة لقوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق يعنى انقلابهم عن حال الى حال دليل على تحول الأحوال فما لهم لا يُؤْمِنُونَ حال من الضمير المجرور والعامل فيه معنى الفعل اى ما يصنعون.
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ط إذا متعلق بلا يسجدون والجملة الشرطية معطوفة على لا يومنون حال مرادف له وهذه الاية نزل على وجوب السجود حين استماع القرآن فانه ذم لمن سمع القران ولم يسجد فاما ان يكون المراد بالسجود الخضوع مجازا وهو الظاهر لاطلاق القران على كل اية وان لم يكن اية السجدة مع الإجماع على عدم وجوب السجود عند استماع القران مطلقا واما يكون المراد بالسجود سجود التلاوة واللام فى القران للعهد والمراد اية السجدة فحينئذ يكون حجة لابى حنيفة فى القول بوجوب التلاوة ولم يقل بالافتراض للشك فى التأويل ووقوع الخلاف فى المسألة والظاهر ان الوجوب لا يثبت بالشك بل بدليل ظنى يفيد الوجوب واحتج ابو حنيفة وصاحبيه بحديث ابى هريرة عن رسول الله ﷺ قال إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم ووجه الاحتجاج ان الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يعقبه بالإنكار كان دليلا على صحته واخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه عن ابن عمر انه قال السجدة على من سمعها وعند جمهور الفقهاء والمحدثين سجود التلاوة سنة واحتجوا بحديث زيد بن ثابت قرأت على النبي - ﷺ - النجم فلم يسجد اخرجاه فى الصحيحين وأخرجه اصحاب السنن والدار قطنى وزاد ولم يسجد منا أحد قالت الحنفية هذا لا يدل على عدم وجوب السجدة لانه واقعة حال ويجوز ان يكون ترك السجود لكون القراءة فى وقت مكروه او على غير وضوء او لتبين انه غير واجب على الفور قلنا لو كان الترك لاحد هذه الأمور لبين ذلك ولئلا يلزم ترك بيان المجمل فى وقت الحاجة وبحديث عمر بن الخطاب انه قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الاخرى فتهيا الناس السجود وفقال على المنبر رسلكم الله لم يكبتها
عبد الرحمن بن عوف قال رايت رسول الله - ﷺ - سجد فى إذا السماء انشقت عشر مرات رواه البزار (مسئلة) قال ابو حنيفة يجب السجدة على التالي والسامع سواء قصد سماع القران او لم يقصد لاطلاق الموجب اعنى الذم على ترك السجود فى هذه الاية وعند الجمهور لا يتاكد السجود
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ القران إضراب عن السجود عند استماع القران.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ بما يجمعون فى الصدور من الكفر والعداوة قال مجاهد بما يكتمون والجملة حال من فاعل يكذبون.
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الفاء للسببية فان التكذيب سبب للتبشير وذكر التبشير مقام التنذير تهكم واستهزاء.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا منهم وتابوا عن الكفر ما لاستثناء متصل او منقطع بمعنى لكن الذين أمنوا غير مبشرين بالعذاب وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ غير مقطوع ولا منقوص او ممنون عليهم تعليل الاستثناء.