تفسير سورة الشورى

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الشّورى
مكيّة وهى ثلاث وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
حم (١) عسق (٢) قال البغوي سئل الحسن بن الفضل لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص فقال لانها سورة من سور اوائلها حم فجرت مجرى نظائرها ولان حم مبتدا وعسق خبره ولانهما عدا ايتين وأخواتها مثل كهيعص والمص عدت اية واحدة وقيل اهل التأويل لم يختلفوا فى كهيعص وأخواتها انها حروف للتهجى لا غير واختلفوا فى حم وأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا معناه حمّ اى قضى ما هو كائن وروى عكرمة عن ابن عباس انه قال ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته اقسم الله بها وقال شهر بن حوشب وعطاء بن ابى رباح ح حرف يعز فيها الذليل ويزل فيها العزيز من فرس م ملك يتحول من قوم الى قوم اخر ع عدو لقريش يقصدهم س سيء بكور فيهم ق قدرة الله النافذة فى خلقه وروى عن ابن عباس انه قال ليس من نبى صاحب كتاب الا وقد أوحيت اليه حم عسق حيث قال الله تعالى.
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الغالب لقهره الْحَكِيمُ (٣) المصيب فى حكمه اى مثل ما فى هذه السورة من المعاني او ايحاء مثل ايحائها اوحى الله إليك والى الرسل من قبلك ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحى وان ايحاء مثله عادته تعالى- قرأ الجمهور يوحى بكسر الحاء على المضارع المبنى
للفاعل والله فاعله وقرا ابن كثير بفتح الحاء على البناء للمفعول على ان كذلك مرفوع على الابتداء اى مثل ذلك ويوحى خبره المسند الى ضميره او كذلك منصوب على المصدر ويوحى مسند الى إليك والله مرفوع على انه فاعل لفعل محذوف دل عليه السؤال المقدر يعنى من يوحى اليه فقال الله كما فى قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة- على البناء للمفعول والعزيز الحكيم صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به او الله مبتدا والعزيز وما بعد اخبار او العزيز الحكيم صفتان وكذا قوله.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ صفة بتقدير الذي او حال وَهُوَ الْعَلِيُّ على خلقه الْعَظِيمُ (٣) حال اخر او تذييل وهو على الوجوه الاخر جملتان مستأنفتان مقررتان لعزته وحكمته-.
تَكادُ قرأ نافع والكسائي بالياء التحتانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ اى يتشققن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه يدل عليه ذكره بعد قوله العلىّ العظيم وقيل يتفطرن من قول المشركين اتخذ الله ولدا نظيره فى سورة مريم لقد جئتم شيئا ادّا تكاد السّموت يتفطّرن وقيل يتشققن من كثرة الملائكة قال رسول الله ﷺ أطت «١» السماء وحقها ان تاط والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر الا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده- رواه ابن مردوية عن انس ورواه البغوي بلفظ ما فيها موضع قدم الا وعليه ملك قائم او راكع او ساجد- قرأ البصريان وابو بكر ينفطرن من الانفطار مِنْ فَوْقِهِنَّ اى يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية وتخصيصها على الاول لانه أعظم الآيات وادلها على علو شأنه وعلى الثاني ليدل على ان الانفطار من تحتهن بالطريق الاولى وعلى الثالث لازدحام الملائكة على الفوق وقيل الضمير للارض فان المراد بها الجنس وهذا على الثاني وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اى ينزهون عما يقول الظالمون من نسبة الولد وكل ما لا يليق بشأنه خضوعا لما يرون من عظمة الله
(١) الأطيط صوت الاقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها اى ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. ١٢ نهايه منه رحمه الله
سبحانه ملابسين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أداء لشكر نعمائه وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين أداء لحق المشاركة فى الايمان والجملة حال أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لاوليائه الرَّحِيمُ (٥) بهم.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء وأندادا اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ رقيب على أحوالهم وأعمالهم يحصى عليهم فيجازيهم بها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ (٦) بموكل بهم تحصل المطلوب منهم او موكول إليك أمرهم.
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاشارة الى مصدر يوحى وقوله قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المفعولية او هو اشارة الى معنى الاية المتقدمة فانه مكرر فى القران فى مواضع فيكون الكاف مفعولا به وقوله قرءانا عربيّا حالا منه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى اى أهلها وهى مكة فان اكثر قرى العرب خرجت منها وَمَنْ حَوْلَها اى العرب لينصروه فى إعلاء كلمة الله او قرى الأرض كلها مشرقها ومغربها وجنوبها وشمالها قال رسول الله ﷺ فضلت على الأنبياء بخمس بعثت الى الناس كافة وذخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا امامى وشهرا خلفى وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى رواه الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد وروى مسلم فى الصحيح والترمذي عن ابى هريرة قوله ﷺ فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ اى لتنذرهم بيوم القيامة التي يجمع فيه الأولون والآخرون حذف ثانى مفعولى تنذر الاول وأول مفعولى الثاني للتهويل والتعميم لا رَيْبَ فِيهِ اعتراض لا محل له من الاعراب فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) تقديره فريق منهم فى الجنّة وفريق منهم فى السّعير وضمير منهم للمجموعين لدلالة الجمع عليه والجملتان منصوبتان على الحال منهم اى وينذرهم يوم يجمعون كائنين متفرقين فى دارى الثواب والعقاب او مستأنفتان عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله ﷺ ذات يوم قابض على كفيه ومعه كتابان قال أتدرون ما هذان الكتابان
قلنا لا يا رسول الله فقال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل الجنة واسماء ابائهم وعشائرهم وعدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب وقبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون «اى ملقون على الجدالة وهى الأرض منه ره» فليس بزائد منهم ولا ناقص منهم إجمال من الله عليهم الى يوم القيامة ثم قال للذى فى يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل النار واسماء ابائهم وعشائرهم وعدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب وقبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا نافض منهم إجمال من الله عليهم الى يوم القيامة- فقال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذا فقال اعملوا وسددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اىّ عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اىّ عمل ثم قال فريق فى الجنّة وفريق فى السعير عدل من الله عزّ وجل- رواه البغوي وكذا روى الترمذي-.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً عطف على مضمون فريق فى الجنّة اى الامة اى يفترقون فريقين قال ابن عباس على دين واحد وقال مقاتل على دين الإسلام لقوله تعالى ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بالهداية الى دين الإسلام وَالظَّالِمُونَ الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) اى لا يدخلهم فى رحمته فلا يكون لهم ولى يدفع عنهم العذاب ولا نصير يمنعهم من النار ولعل تغير المقابلة للمبالغة فى الوعيد إذ الكلام فى الانذار.
أَمِ اتَّخَذُوا عطف على والظّالمون الاية أم منقطعة بمعنى بل للاضراب والهمزة للانكار يعنى الكافرون لم يتخذوا الله وليّا ونصيرا بلء اتخذوا مِنْ دُونِهِ كالاصنام والشياطين أَوْلِياءَ لا ينبغى ذلك او المعنى ليس المتخذون اولياء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ جواب شرط محذوف مثل ان أرادوا اولياء فالله هو الولي يعنى هو الحقيق بان يتخذ وليا وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ليجزى كل نفس ما عملت وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) هذه الجملة فى مقام التعليل لقوله هو الولي وقال ابن عباس فالله وليك وولى من تبعك اى ناصرك وإياهم والفاء حينئذ لمجرد العطف لا لجزاء الشرط.
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ ايها الناس فِيهِ مِنْ شَيْءٍ من امر الدين فَحُكْمُهُ مفوض إِلَى اللَّهِ يحكم يوم القيامة بينهم فيميز المحق من المبطل وقيل ما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا فيه الى المحكم من الله ذلِكُمُ الذي يحكم بينكم اللَّهِ اى قل لهم يا محمد ذلكم الله رَبِّي بدل من الله او عطف بيان عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فى رد كيد الأعداء وفى الأمور كلها وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) اى ارجع فى المعضلات.
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما خبر اخر لذلكم او خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم أَزْواجاً نساء وَمِنَ الْأَنْعامِ اى جعل للانعام من الانعام أَزْواجاً او جعل لكم من الانعام أصنافا او ذكورا وإناثا جملة جعل على التقدير الأولين حال بتقدير قد يَذْرَؤُكُمْ اى يكثركم من الذرء وهو البث الضمير للمخاطبين والانعام تغليبا فِيهِ اى فى هذا التدبير وهو جعل الناس والانعام أزواجا ليكون بينهم توالد وقيل فيه اى فى الرحم وقيل فى البطن وقيل فى بمعنى الباء اى يذرؤكم به قيل معناه يكثركم بالتزويج لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ المثل زائد والمعنى ليس هو كشئ فادخل المثل للتأكيد كقوله فان أمنوا بمثل ما أمنتم به وقيل الكاف زائدة ومعناه ليس مثله شىء يزاوجه ويناسبه قال ابن عباس ليس له نظير وقيل هذا من باب الكناية نظيره قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فانه إذا نفى عمّن يناسبه ويسدّ مسده كان نفيه عنه بالطريق الاولى وإذا كان كناية فلا يقتضى ان يكون له مثل فان فى الكناية لا يشترط تحقق المعنى الحقيقي كما يقال فلان طويل النجاد وان لم يكن له نجاد أصلا ونظيره قوله تعالى بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ كناية عن كونه جوادا مع استحالة الجارحة وقيل معنى مثله صفته اى ليس كصفته صفة شىء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لكل ما يسمع ويبصر وكل سميع وبصير فسمعه وبصره مستعار منه تعالى كانه ذكرهما لئلا يتوهم انه لا صفة له كما انه لا مثل له.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خزائن الرزق فى السماوات والأرض قال الكلبي المطر والنبات يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يوسع ويضيق على وفق مشيته
ابتلاء وامتحانا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) فيفعل على ما ينبغى..
شَرَعَ لَكُمْ يا امة محمد ﷺ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى يعنى ان دين الإسلام الذي شرع الله لامة محمد ﷺ ليس امرا مبتدعا بل هو دين الأنبياء كلهم فان الحق لا يكون الا واحدا وماذا بعد الحقّ الّا الضّلال وما أنكر من اهل الكتاب الا تعنتا وعنادا عن ابن مسعود قال خطّ لنا رسول الله ﷺ خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ وانّ هذا صراطى مستقيما فاتّبعوه الاية- رواه احمد والنسائي والدارمي وذلك الدين هو الايمان بالله وحده وبصفاته وبانبيائه وكتبه وملائكته والبعث بعد الموت وبكل ما جاء به الانبيا والإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى عنه- وهذا امر جامع للشرائع متفق عليها والنسخ فى بعض الاحكام العملية لا يستلزم اختلاف الأديان الا ترى ان النسخ قد يكون فى دين نبى واحد فان النبي ﷺ صلى الى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم صلى الى الكعبة فكما ان هذا لا يقتضى اختلاف الأديان فكذلك الاختلاف فى الفروع فى شرائع الأنبياء لا يقتضى اختلاف الدين فان مال الكل الإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى عنه أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ان مفسرة لاوحينا ووصّينا فان فيها معنى القول او مصدرية والمصدر منصوب بدل من ما وصّى مفعول شرع او مرفوع خبر مبتدا محذوف اى هو يعنى خذوا ما أتاكم الرّسول بلا زيغ وانحراف وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ باتباع الآراء الأهواء او بالتعصب والعناد فان افتراق امة محمد ﷺ الى ثلاث وسبعين فرقة انما نشأ باتباع الآراء والأهواء وهو المراد بما ذكرنا من حديث رسول الله ﷺ انه خط خطا وقال هذا سبيل الله وخطوطا وقال هذه سبل على كل منها شيطان وترك اليهود والنصارى الايمان بمحمد ﷺ انما نشأ من العناد والتعصب وعن على رضى الله عنه قال لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب- وعن ابى ذر
قال قال رسول الله ﷺ من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه- رواه احمد وابو داود وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ يد الله على الجماعة- رواه الترمذي بسند حسن وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ﷺ ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذّة «متفرقة منه ره» والقاصية «دور رفته منه ره» والناحية «يسكو رونده منه ره» وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة رواه احمد كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من الدين القويم الناطق بالتوحيد وترك الأصنام اللَّهُ يَجْتَبِي اى يصطفى إِلَيْهِ اى الى دينه او الى ما تدعوهم اليه او الى نفسه مَنْ يَشاءُ سواء وجد من المجتبى سعى وارادة اولا وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) اى يقبل اليه قالت الصوفية من يجتبيه ويجذبه الى نفسه من غير اختياره فهو مراد الله وهم الأنبياء والصديقون ومن أناب الى الله فهداه الله فهو المريد وهم اولياء الله الصالحون من عباده-.
وَما تَفَرَّقُوا عطف على شرع قال ابن عباس يعنى اهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من الكتب السّماوية السابقة بان دين الأنبياء كلهم واحد وان الذي اوحى الى محمد ﷺ هو الذي جاء به ابراهيم وموسى وعيسى بَغْياً بَيْنَهُمْ قال عطاء بغيا بينهم على محمد ﷺ يعنى تكبرا واستطالة قال فى القاموس بغى عليه يبغى بغيا علا وظلم وعدل واستطال وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى دار الجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين من أمن ومن كفر فى الدنيا باستيصال المبطلين واستيلاء المحقين وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد أنبيائهم وقيل بعد الأمم الخالية وقيل المراد مشركى مكة الّذين أورثوا الكتاب اى القرءان من بعدهم اى بعد اهل الكتاب لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من كتابهم لا يعلمونه كما هو ولا يؤمنون به حق الايمان او من القران مُرِيبٍ (١٤) مقلق او مدخل فى الريبة.
فَلِذلِكَ اى للتفرق من اهل الكتاب فَادْعُ الفاء فى جواب اما المحذوف تقديره اما أنت فادع الناس الى اقامة الدين وعدم التفرق واتباع ما أوتيت وَاسْتَقِمْ أنت عليه كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الزائغة وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ اى بجميع الكتب المنزلة لا كما قالت اليهود والنصارى نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتّخذوا بين ذلك سبيلا وَأُمِرْتُ بالعدل لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ فى تبليغ الشرائع والحكم بين المتخاصمين الاول اشارة الى كمال القوة النظرية وهذا اشارة الى كمال القوة العملية اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ خالق الكل ومتولى أمورهم لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ كل يجزى على حسب عمله لا حُجَّةَ اى لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ لان أعمالكم لا يضرّنا واعمالنا لا يضرّكم انما ندعوكم الى الإسلام نصحا لّكم فلا وجه للخصومة والعداوة كان نزول هذه الاية فى مكة قبل الأمر بالقتال والمعادات فنسختها اية القتال وقوله تعالى يا ايّها الّذين أمنوا لا تتّخذوا عدوّى وعدوّكم اولياء الى قوله بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتّى تؤمنوا بالله وحده اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة فيحكم بيننا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح ورايت النّاس يدخلون فى دين الله أفواجا قال المشركون بمكة لمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قد دخل الناس فى دين الله أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا فعلى كم تقيمون بين أظهرنا فنزلت.
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ اى فى دينه واخرج عبد الرزاق انه قال قتادة هم اليهود والنصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ اى بعد ما استجاب الناس دعوته فاسلموا ودخلوا فى دينه لظهور معجزته وحسن دعوته حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى خصومتهم باطلة زائلة او المعنى ما يزعمونه حجة فهو فى الحقيقة شبهة باطلة وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ من الله لمعاندتهم وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) على كفرهم.
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ اى جنس الكتب بِالْحَقِّ اى متلبسا به بعيدا من الباطل وبما يحق به انزاله من العقائد الحقة والاحكام وَالْمِيزانَ قال قتادة ومجاهد ومقاتل بالعدل سمى العدل ميزانا لان الميزان فمعز الدولة الانصاف والتسوية وقال ابن عباس امر الله تعالى بالإيفاء ونهى عن البخس وقيل المراد به الشرع فانه توازن به الحقوق وتسوى بين الناس وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) قال الكسائي اى قريب إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل ان نفاجئك الساعة يؤزن حينئذ أعمالك ويوفى جزاؤك وقيل تذكير القريب كانه بمعنى ذات قرب او لان الساعة بمعنى البعث وجملة لعلّ السّاعة قريب سدّ مسد المفعولين ليدريك ولعل علق الفعل عن العمل قال مقاتل ذكر النبي ﷺ الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا متى الساعة فانزل الله تعالى.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء وظنّا انها غير اتية وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها اى خائفون منها لاحتمال العذاب وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الكائن لا محالة أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ اى يجادلون فيها ويشكون فى إتيانها فى القاموس المرية بالكسر والضم الشك والجدل وماراه مماراة شك واصل ذلك من مرنت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لان كلّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) عن الحق فان البعث أشبه الغائبات بالمحسوسات فمن لم يهتد الى تجويزه مع كمال قدرة الله بعد دلالة الكتاب والسنة عليه وشهادة العقل على دار الجزاء فهو ابعد من الاهتداء الى ما وراء.
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قال ابن عباس حفىّ بهم قال عكرمة بارّ بهم قال السدىّ رفيق وقال مقاتل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جزاء لمعاصيهم وقيل لطيف فى إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه بلطف إدراكه قيل لطيف بالغوامض علمه وعظيم عن الجرائم حلمه وينشر المناقب ويستر العيوب ويعطى العبد فوق الكفاية ويكلفه بالطاعة دون الطاقة يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ما يشاء فيختص كلّا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته وكل من يرزق من مؤمن وكافر وذى
روح فهو ممن يشاء الله ان يرزقه- قال جعفر بن محمد عليهما السلام اللطيف فى الرزق من وجهين أحدهما انه جعل رزقك من الطيبات والثاني انه لم يدفعه إليك بمرة واحدة وَهُوَ الْقَوِيُّ الباهر قدرته الْعَزِيزُ (١٩) المنيع الذي لا يغلب والجملة حال او تذييل.
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الحرث فى الأصل إلقاء البذر فى الأرض ويقال للزرع الحاصل منه وفى القاموس الحرث الكسب وجمع المال والزرع والمراد هاهنا ثواب الاخرة شبهه بالزرع من انه ثمرة للعمل فى الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الاخرة او شبهه بالكسب اى ما حصل منه فانه يحصل بما يكسب فى الدنيا نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ اى فى كسبه وزرعه فنعطيه بالواحد عشرا الى سبع مائة كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فى كلّ سنبلة مائة حبّة وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا اى يريد بعمله نصيبا من الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها
شيئا على ما قسمنا له وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) عطف على نؤته عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ﷺ انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه- متفق عليه وعن أبيّ بن كعب قال قال رسول الله ﷺ بشر هذه الامة بالسّناء والرفعة والنصرة والتمكين فى الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له فى الاخرة نصيب- رواه البغوي-.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة للانكار يعنى بل الهم ما زعموا شركاء لله سبحانه خصص الشركاء بهم لانهم اتخذوها شركاء شَرَعُوا اى تلك الشركاء لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ قال ابن عباس شرعوا دينا غير دين الإسلام يعنى الشرك وانكار البعث والعمل للدنيا والجملة متصلة بقوله شرع لكم من الدّين وقيل أم متصلة معادلة لجملة محذوفة مصدرة بالهمزة تقديرها أيقبلون ما شرع الله أم يقبلون ما شرع لهم شركاؤهم ولولا كَلِمَةُ الْفَصْلِ اى القضاء السابق بتأخير الجزاء الى يوم القيامة كما قال بل السّاعة موعدهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الكافرين والمؤمنين وفرغ من تعذيب من كذّبك فى الدنيا والجملة معترضة وَإِنَّ الظَّالِمِينَ
اى المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) فى الاخرة وضع المظهر موضع المضمر لبيان استحقاقهم والتقدير انّهم لهم عذاب اليم لما كانوا ينكرونه.
تَرَى الظَّالِمِينَ اى المشركين يوم القيامة مُشْفِقِينَ خائفين مفعول ثان لترى او حال مِمَّا كَسَبُوا اى من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي وَهُوَ اى جزاء ما كسبوا واقِعٌ بِهِمْ لا محالة اشفقوا او لم يشفقوا حال مقدرة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ اى أطيب بقاعها وأنزهها لَهُمْ ما يَشاؤُنَ اى ما يشتهونه ثابت لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ الذي ذكرت من نعيم الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) الذي يصغر دونه ما لهم فى الدنيا.
ذلِكَ الثواب الَّذِي يُبَشِّرُ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحمزة والكسائي يبشر بالتخفيف من البشرة والباقون من التفعيل اللَّهُ به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة أَجْراً اى نفعا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى حال من المودة اى الا ان تودونى لقرابتى منكم والجملة معترضة روى البخاري فى الصحيح بسند عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاءوسا انه قال سئل ابن عباس عن المودة فى القربى فقال سعيد بن جبير القربى ال محمد فقال ابن عباس عجلت ان النبي ﷺ لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا ان تصلوا بينى وبينكم من القرابة قال البغوي وكذلك روى الشعبي عن ابن عباس قال المودة فى القربى يعنى ان تحفظوني قرابتى وتودونى وتصلحوا رحمى- واليه ذهب مجاهد وعكرمة ومقاتل والسدى والضحاك قال عكرمة لا اسئلكم على ما أدعوكم اجرا الا ان تحفظوني وقرابتى بينى وبينكم وليس كما يقول الكذابون- قال البغوي قال قوم هذه الاية منسوخة وانما نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله ﷺ فانزل الله هذه الاية فامرهم بمودة رسول الله ﷺ وصلة رحمه فلمّا هاجر الى المدينة واواه الأنصار ونصروه أحب الله ان يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا وما اسئلكم عليه من اجر ان اجرى الّا على
317
ربّ العالمين فانزل الله قل لا اسئلكم عليه اجرا فهى منسوخة بهذه الاية وبقوله قل لا اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلّفين وغيرها من الآيات والى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل قال البغوي وهذا قول غير مرضى لان مودة النبي ﷺ وكف الأذى عنه وكذا مودة أقاربه من فرائض الدين قلت لا شك ان مودة رسول الله ﷺ وأقاربه فريضة محكمة لا يحتمل النسخ لحديث انس قال قال رسول الله ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والنّاس أجمعين- وعنه قال قال رسول الله ﷺ ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحبه الا لله ومن يكره ان يعود فى الكفر بعد ان أنقذه الله منه كما يكره ان يلقى فى النار- روى الحديثين الشيخان فى الصحيحين وعلى ذلك انعقد الإجماع- لكن يمكن ان يقال ان المنسوخ انما هو ما امر الله تعالى رسوله بسوال الاجر وروى ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فى معنى الاية الا ان تودوا الله وتتقربوا اليه بطاعته- وهذا قول الحسن قال هو القربى الى الله يقول الا التقرب الى الله والتودد اليه بالطاعة والعمل الصالح- وقال بعضهم معناه الا ان تودوا قرابتى وعترتى وتحفظوني فيهم وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن ابن عباس قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء قال على وفاطمة وابناهما- واستدل الروافض بهذه الاية مع هذا الحديث على حصر الخلافة فى على وبطلان خلافة الخلفاء الثلاثة المرضيين رضى الله عنهم أجمعين وجه احتجاجهم انهم قالوا وجب حب علىّ بهذه الاية مع هذا الحديث وحب غير على ليس بواجب ووجوب المحبة يستلزم وجوب الطاعة فهو الامام لا غير- وقولهم هذا باطل بوجوه (أحدها) ان هذا الحديث غير صحيح فى اسناده حسين الأشعري شيعى غليط وهذه الاية مكية ولم يكن لفاطمة حينئذ ولد (وثانيها) انا نسلم ان حب على وفاطمة وابناهما واجب
318
لكن لا نسلم ان حب غيرهم ليس بواجب كيف وقد قال رسول الله ﷺ حب ابى بكر وعمر ايمان وبغضهما كفر- رواه ابن عدى عن انس وقال رسول الله ﷺ حب ابى بكر وعمر من الايمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الايمان وبغضهم كفر وحب العرب من الايمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر عن
جابر وقال رسول الله ﷺ حب الأنصار اية الايمان وبغض الأنصار اية النفاق- رواه النسائي عن انس وقال رسول الله ﷺ حب قريش ايمان وبغضهم كفر وحب العرب ايمان وبغضهم كفر ومن أحب العرب فقد أحبني ومن ابغض العرب فقد ابغضنى- رواه الطبراني فى الأوسط عن انس وقولهم ان من وجب محبته يكون اماما مفروض الطاعة باطل- وقيل هذه الاية لوجوب محبته من حرم عليهم الصدقة وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب الذين لم يتفرقوا فى الجاهلية ولا فى الإسلام وقيل هم ال على وعقيل وجعفر وعباس وفيهم قوله ﷺ انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله ﷺ فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله واثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال اما بعد الا يا ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتينى رسول ربى فأجيب وانا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي قال البغوي قيل لزيد بن أرقم من اهل بيته قال هم ال على وال عقيل وال عباس- فان قيل كيف امر رسول الله ﷺ بسوال مودته او مودة أقربائه اجرا على تبليغ الرسالة مع ان التبليغ كان عليه فريضة ولا يجوز طلب الاجرة على أداء الفريضة بل على العبادة النافلة ايضا لما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى من كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له فى الاخرة من نصيب قوله ﷺ من عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له للاخرة نصيب- قلنا اطلاق الاجر على ما امر النبي صلى الله عليه وسلم
319
بسواله على التبليغ انّما هو على المجاز والمشاكلة فان الاجر للسائل على الحقيقة ليس الا ما يكون نافعا له مسئولا لانتفاعه به وهاهنا ليس كذلك بل انما سال النبي ﷺ أمته مودته ومودة أقربائه وامره الله سبحانه ان يسئل ذلك لكى ينتفع الناس بمحبته فان محبة النبي ﷺ مثمرة لمحبة الله تعالى وقربه وولايته وموجبة لكمال الايمان ومن هاهنا أقول ان الاولى ان يقال فى تأويل الاية لا اسئلكم اجرا الا ان تودوا اقربائى واهل بيتي وعترتى وذلك لانه ﷺ كان خاتم النبيين لا نبى بعده وانما انتصب للدعوة الى الله بعده ﷺ علماء أمته من اهل الظاهر والباطن ولذلك امر الله تعالى نبيه ﷺ ان يأمر أمته بمودة اهل بيته لان عليّا رضى الله عنه والائمة من أولاده كانوا اقطابا لكمالات الولاية ومن أجل ذلك قال رسول الله ﷺ انا مدينة العلم وعلى بابها- رواه البزار والطبراني عن جابر وله شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس وعلىّ وأخيه وصححه الحاكم ومن أجل ذلك ترى كثيرا من سلاسل المشائخ تنتهى الى ائمة اهل البيت ومضى كثير من الأولياء فى السادات العظام منهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي الحسنى الحسيني وبهاء الدين النقشبندي والسيد السند مودود الچشتى وسيد معين الدين الچشتى وابو الحسن الشاذلى وغيرهم ومن أجل ذلك قال رسول الله ﷺ انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى.
وقال اكثر علماء التفسير الاستثناء منقطع والاجر مستعمل فى معناه الحقيقي فالمعنى لا اسئلكم اجرا قط ولكنى أذكركم المودة فى القربى وأذكركم قرابتى منكم كما ورد فى حديث زيد بن أرقم أذكركم الله فى بيتي ومما يدل على ان سوال ﷺ مودة نفسه وأقربائه كان لينتفع بها أمته قوله تعالى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً اى من يكتسب حسنة والمراد بها حب رسول الله ﷺ واله ونوابه والا فلا مناسبة لهذه الجملة بما سبق لكن اللفظ عام يعم كل حسنة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً وذلك ان حب ال رسول الله ﷺ (وهم مشائخ
320
الطريقة) مثمر للمزيد فى حب النبي ﷺ وحبه ﷺ مثمر للمزيد فى حب الله تعالى ومن هاهنا قالت الصوفية يحصل للصوفى اولا الفناء فى الشيخ ثم الفناء فى الرسول ثم الفناء فى الله تعالى- والفناء عبارة عن شدة الحب بحيث يذهل نفسه عند ذكر المحبوب حتى لا يرى من نفسه ولا من غيره عنها ولا اثرا ما عدا المحبوب وقيل هذه الاية نزلت فى ابى بكر الصديق ومودته للنبى صلى الله عليه وسلم- روى البخاري فى الصحيح عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه انه قال ارقبوا محمدا فى اهل بيته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر ذنوب من يحب رسوله وأولياءه لعل هو المراد بقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر اى من ذنب أوليائك وأحبائك شَكُورٌ (٢٣) على طاعته ومحبته-.
أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة والجملة متصلة بقوله قل لا اسئلكم عليه اجرا ومعنى الهمزة الإنكار والتوبيخ وبل للاضراب عن أداء الاجر يعنى انهم لا يؤدون اجر الرسالة بل أيقولون يعنى كفار مكة افْتَرى محمد عَلَى اللَّهِ كَذِباً بدعوى النبوة او القران فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ جملة معترضة أوردت استبعادا للافتراء عن مثله بالاشعار على انه لا يجترى عليه الا من كان مختوما على قلبه جاهلا بربّه فامّا من كان ذا بصيرة معرفة بربه فلا وكانه قال ان يشا الله حد لانك يختم على قلبك لتجترى بالافتراء عليه وقال مجاهد يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك إذا هم وقولهم انك مفتر- وقال قتادة يعنى طبع على قلبك فينسيّك القران وما أتاك فاخبرهم انه لو افترى على الله لفعل به ما اخبر فى هذه الاية وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ استيناف لنفى الافتراء عما يقوله بانه لو كان مفتر لمحاه إذ من عادته تعالى محو الباطل واثبات الحق بوحيه او بقضائه او بوعده بمحق باطلهم واثبات حقه بالقران او بقضائه الذي لا مرد له قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمحو الباطل وهو فى محل الرفع وليس بمجزوم عطفا على يختم لان المحو غير معلق بالشرط بل هو وعد مطلق وانما حذفت الواو فى الخط
باتباع اللفظ كما حذفت فى قوله تعالى ويدع الإنسان وسندع الزّبانية- وقد فعل ذلك فمحى باطلهم وأعلى كلمة الإسلام بما انزل من آياته إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) قال البغوي قال ابن عباس وكذا اخرج عنه الطبراني بسند ضعيف انه قال لما نزل قل لا اسئلكم عليه اجرا الّا المودّة فى القربى وقع فى قلوب قوم منها شىء وقالوا هذا يريد ان يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبرئيل فاخبره انهم اتهموه وانزل الله هذه الاية فقال القوم يا رسول الله فانا نشهد انك صادق فنزل.
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن عباس يريد أولياءه واهل طاعته يقال قبلت منه الشيء إذا أخذته وجعلته مبدأ قبول وقبلت عنه اى عزلته عنه قيل التوبة ترك المعاصي نية وفعلا والإقبال على الطاعة نية وفعلا وقال سهل بن عبد الله التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة الى الأحوال المحمودة وذكر البيضاوي عن على كرم الله وجهه هى اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضيع الفرائض ال عادة ورد المظالم واذابة النفس فى الطاعة كما اذبتها فى المعصية واذاقتها مرارة الطاعة كما اذاقتها حلوة المعصية والبكاء بدل ضحك ضحكت وروى البغوي فى شرح السنة عن ابن مسعود موقوفا الندم توبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له- (فصل) عن حارث بن سويد قال دخلت على عبد الله أعوده فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول لله افرح بتوبة عبده من رجل (أظنه قال) فى برية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنزل فنام فاستيقظ وقد هلكت راحلته فطاف عليها حتى أدركه العطش قال ارجع الى حيث كانت راحلتى فاموت عليه فرجع فاغفى فاستيقظ فاذ هى عنده عليها طعامه وشرابه- رواه البغوي ( «١» ) وروى مسلم عن انس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانقلبت وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد يئس من راحلته فبينما هو كذلك
(١) هكذا بياض فى الأصل ١٢
إذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وانا ربك اخطأ من شدة الفرح- وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه- متفق عليه وروى مسلم ايضا عنه قال قال رسول الله ﷺ من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه- وروى ابن ماجة والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ التائب من الذنب كمن لا ذنب له- وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها وكبيرها بالتوبة وبلا توبة لمن شاء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال رجل (لم يعمل خيرا قط) لاهله إذا مات فحرقوه ثم إذ روا نصفه فى البر ونصفه فى البحر فو الله لئن قدر الله عليه.......... ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فامر الله البحر فجمع ما فيه وامر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت اعلم فغفر له- وروى احمد عن ابى الدرداء انه سمع النبي ﷺ يقول على المنبر ولمن خاف مقام ربه جنّتان قال قلت وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثانية ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان رغم انف ابى الدرداء وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) قرأ حمزة والكسائي وحفص بالتاء الفوقانية «وخلف ورويس بخلاف عنه- ابو محمد» قالوا هو خطاب للمشركين والباقون بالياء التحتانية لانه بين خبرين عن قوم غيب قبله عن عباده وبعده ويزيدهم من فضله.
وَيَسْتَجِيبُ عطف على يقبل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى يستجيب الله دعاءهم إذا دعوا فحذف اللام كما حذف فى وإذا كالوهم وقال عطاء عن ابن عباس معناه ويثبت الذين أمنوا قال البيضاوي معنى الاستجابة الاثابة على الطاعة فانها كدعاء وطلب ومنه قوله ﷺ أفضل الدعاء الحمد لله أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبّان
من حديث جابر والله اعلم روى عن ابراهيم بن أدهم انه قيل له ما بالنا ندعو فلا نجاب قال لانه تعالى دعاكم فلم تجيبوه وَيَزِيدُهُمْ اى يعطيهم زائدا على ما سالوه او استحقوه مِنْ فَضْلِهِ قال ابو صالح عن ابن عباس يشفعهم فى إخوانهم ويزيدهم من فضله فى اخوان إخوانهم وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) فى مقابله ما للمؤمنين من الثواب والفضل والجملة معطوفة على قوله وهو الّذى يقبل التّوبة-.
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ قال البغوي قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الاية وذلك انا نظرنا الى بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنّيناها فانزل الله عز وجل ولو بسط الله الرّزق لعباده لَبَغَوْا اى لتكبروا وأفسدوا فِي الْأَرْضِ بطرا او لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وقال ابن عباس بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس واصل البغي التجاوز عن الاقتصاد فيما يتجزى كمية وكيفية وَلكِنْ يُنَزِّلُ أرزاقهم بِقَدَرٍ يقتضيه حكمته ما يَشاءُ الموصول مفعول لينزل وبقدر حال منه مقدم عليه إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) يعلم خفايا حالهم وما يؤل اليه أمرهم اخرج الحاكم وصححه عن على رضى الله عنه قال نزلت هذه الاية فى اصحاب الصفة وذلك انهم قالوا لو ان لنا فتمنووا الغنى واخرج الطبراني عن عمرو بن حريث مثله روى البغوي بسنده عن انس بن مالك عن النبي ﷺ عن جبرئيل عن الله تعالى قال يقول الله عزّ وجلّ من أهان لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة وانى لا غضب لاوليائى كما يغضب الليث الحرد وما «القطع- منه ره» تقرّب الىّ عبدى المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما زال عبدى المؤمن يتقرّب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ان دعانى أجبته وان سالنى أعطيته وما ترددتّ فى شىء انا فاعله ترددى فى قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته ولا بد له منه وان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغنى ولو أفقرته لافسده ذلك وان من عبادى
المؤمنين لا يصلح إيمانه الا الفقر ولو أغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة ولو أسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا السقم ولو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير ( «١» ).
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عطف على قوله وهو الّذى يقبل التّوبة وما ذكر من الشرطية معترضة قرأ نافع وابن عامر وعاصم «وابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال الْغَيْثَ اى المطر النافع الذي يغيثهم من الجدب «القحط- منه ره» مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا اى ايئس الناس من نزوله وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ اى مطره او رزقه فى السهل والجبل من النبات والحيوان وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه وينشر الْحَمِيدُ (٢٨) المستحق للحمد فى نفسه وعلى إحسانه.
وَمِنْ آياتِهِ اى من دلائل وجوده ووحدته وقدرته وصفات كماله خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فانها بذواتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم وَما بَثَّ فِيهِما عطف على السماوات او على الخلق مِنْ دابَّةٍ من حىّ على اطلاق اسم المسبب للسبب فحينئذ يشتمل الملائكة والجن والشياطين والانس وسائر الحيوانات او المراد مما يدب على الأرض وما يكون فى أحد الشيئين يصدق انه فيهما فى الجملة وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) فيجمعهم يوم القيامة-.
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اى بسبب معاصيكم وما شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط وكذلك جئ بالفاء فى خبره على قراءة الجمهور وقرأ نافع وابن عامر «وابو جعفر- ابو محمد» بما كسبته بغير الفاء وكذا هو فى مصاحف المدينة والشام لم يذكر الفاء استغناء بما فى الباء من معنى السببية وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) عطف على الجملة الاسمية او معترضة قال الحسن لما نزلت هذه الاية قال رسول الله ﷺ والذي نفسى بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق الا بذنب وما يعفو الله عنه اكثر- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله
(١) هكذا بياض فى الأصل
عليه وسلم وصب المؤمن كفارة لخطاياه- «الوصب المرض والتعب منه ره» رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي وروى البغوي بسنده عن على رضى الله عنه قال الا أخبركم بأفضل اية من كتاب الله عزّ وجلّ حدثنا بها رسول الله ﷺ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير وسافسرها لك يا على ما أصابكم من مرض او عقوبة او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم والله عزّ وجلّ أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله احكم ان يعود بعد عفوه- رواه احمد وغيره قال البيضاوي الاية مخصوصة بالمجرمين فان ما أصاب غيرهم فلا سباب اخر منها تعريضه للاجر العظيم بالصبر عليه قال البغوي قال عكرمة ما من نكبة أصاب عبدا فما فوقها الا بذنب لم يكن الله ليغفر له الا بها او درجة لم يكن الله ليبلغه الا بها.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فائتين ما قضى عليكم من المصائب حال من مفعول أصابكم او عطف على جملة ما أصابكم وعطف على هذا قوله وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يحرسكم منها وَلا نَصِيرٍ (٣١) يدفعها عنكم..
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ قرأ ابن كثير «ويعقوب- ابو محمد» الجواري بالياء وصلا ووقفا ونافع وابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» وصلا فقط والباقون بحذفها فى الحالين فِي الْبَحْرِ السفن الجارية فيه كَالْأَعْلامِ (٣٢) اى كالجبال صفة للجوار وكذا الجملة الشرطية التالية على طريقة ولقد امرّ على اللّيم يسبّنى.
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تجرى بها فَيَظْلَلْنَ اى يبقين بعد سكونها رَواكِدَ اى ثوابت عَلى ظَهْرِهِ اى ظهر البحر لا تجرى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) جملة معترضة اى آيات لكل مؤمن لأن من صفة المؤمن الصبر فى الشدة والشكر فى الرخاء قال رسول الله ﷺ الايمان نصفان فنصف فى الصبر ونصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس.
أَوْ يُوبِقْهُنَّ عطف على فيظللن اى او ان يشأ يسكن الرّيح فيوبقهنّ بدوام السكون اى يهلك أهلهن باغراقها وقيل عطف على يسكن الرّيح والتقدير او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ بِما كَسَبُوا اى بسبب ما كسب
أهلها من المعاصي وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) اى وينج ناسا على العفو منهم جملة معترضة او معطوفة على ما سبق والتقدير ان يشأ يسكن الرّيح فيظللن رواكد او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ او طيبة فيعف عن كثير وانما حذف ما حذف اقتصارا على المقصود.
وَيَعْلَمَ قرأ نافع وابن عامر «وابو جعفر» بالرفع على الاستئناف والباقون بالنصب عطفا على علة مقدرة لاسكان الريح والايباق اى ان يشأ يسكن الرّيح لينتقم من اهل السفينة وليعلم الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب والابطال وقيل هو معطوف على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للاشياء الستة بتقدير ان عطف المصدر على المصدر يعنى ان يشا الله تعالى اسكان الريح وإهلاك قوم وإنجاء قوم وعلم من يجادل فى آياتنا بانه ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) من العذاب الجملة سدّت مسد المفعولين ليعلم معلق عنها يعلم بحرف النفي اى يعلم الذين يكذبون بالقران ولم يعتبروا بايات الرحمان إذا صاروا الى الله بعد البعث ان لا مهرب لهم من العذاب او يعلموا حين يحيط بهم الرياح فى البحر ان لا مهرب لهم من الغرق-.
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فى الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ اى فهو متاع الحيوة الدُّنْيا اى تمتعون به مدة حياتكم القريبة الفانية ليس منها رادا للمعاد فاجملوا فى طلبها واقتصروا على ما يكفيكم عمّا يلهيكم وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب فى دار الجزاء خَيْرٌ منها كمّا وكيفا وخالص منفعة بلا شوب مشقة وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) روى عن على رضى الله عنه انه تصدّق ابو بكر بما له كله فلامه جمع فنزلت هذه الاية- ما الاولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث ان إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها فى الحيوة الدنيا فجاءت الفاء فى جوابها بخلاف الثانية. وفى الاية بيان ان المؤمن والكافر يستويان فى ان الدنيا متاع لهما يتمتعان بها فاذا صاروا الى الاخرة كان ما عند الله خيرا للمؤمنين.
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ عطف على قوله للّذين أمنوا قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» كبير الإثم على الواحد هاهنا وفى سورة النجم
والباقون كبائر بالجمع وَالْفَواحِشَ هى الكبائر وقال السدىّ هى الزنى وقال مقاتل ما يوجب الحد وقد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٤٨) عطف على يجتنبون والظرف متعلق بيغفرون وبناء يغفرون على ضميرهم خبرا للدلالة على انهم أحقاء بالمغفرة حال الغضب والجملة معطوفة على الصلة والموصول اما مجرور عطفا على الّذين أمنوا او منصوب على المدح او مرفوع.
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ اى أجابوه الى ما دعاهم اليه من طاعته وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور اى يتشاورون بَيْنَهُمْ فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا شك ان المؤمن إذا استشار مؤمنا يشيره بما هو خير له فى الدارين يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر قال رسول الله ﷺ المستشار مؤتمن- رواه مسلم عن ابى هريرة والترمذي عن أم سلمة وابن ماجة عن ابن مسعود وروى الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن على رضى الله عنه المستشار مؤتمن فاذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه- وروى الطبراني فى الكبير بسند حسن عن سمرة بن جندب المستشار مؤتمن ان شاء أشار وان شاء لم يشر وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) فى سبيل الخير عطف او حال..
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ اى الظلم والعدوان هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) اى ينتقمون ممن ظلمهم من غير ان يعتدوا قال ابن زيد جعل الله المؤمنين صنفين صنفا يعفون عن ظالميهم وصنفا ينتقمون منهم وهم الذين ذكروا فى هذه الاية قال ابراهيم فى هذه الاية انهم كانوا يكرهون ان يستذلوا فاذا قدروا عفوا قال عطاءهم المؤمنون الذين اخرجوا من مكة بغيا عليهم يعنى من غير حقّ الّا ان يّقولوا ربّنا الله ثم مكنّهم الله فى الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم- وقال البيضاوي وصفهم بسائر أمهات الفضائل منها كراهة التذلل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران فانه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لانه اجراء وإغراء
على البغي- قلت الباغي ان كان ظالما متعديا على حق الله تعالى وعلى عامة المؤمنين فالاولى بل الواجب هناك الانتقام وسدّ باب الفتنة- وان كان متعديا على نفس أحد فالانتصار «١» والانتقام من غير اعتداء له منه جائز لكن العفو والإصلاح ودفع السيئة بالحسنة أفضل والله اعلم- ولمّا ذكر الله سبحانه جواز الانتصار منعهم عن التعدي فيه فقال.
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها جملة معترضة سمى الجزاء سيئة لتشابهما فى الصورة او لانه تسوء بمن تنزل به او لانه أسوأ من العفو قال مقاتل يعنى القصاص فى الجراحات والدماء وقال مجاهد والسدىّ هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله فيقول أخزاك الله وإذا شتم أحد شتمه بمثلها من غير ان يعتدى- وقال سفيان بن عيينة قلت لسفيان الثوري ما قوله عزّ وجلّ وجزؤا سيّئة سيّئة مثلها ان كان يشتمك رجل تشتمه او يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئا فسالت هشام بن حجيرة عن هذه الاية فقال الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو ان يشتمك فتشتمه «٢» ويؤبد قول هشام قوله ﷺ المستبّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان- رواه احمد والبخاري فى الأدب بسند
(١) عن ابن عون قال كنت اسئل عن الانتصار وعن قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل فحدثنى على بن زيد بن ضرعان عن أم محمد امراة أبيه قال ابن عون (وزعموا انها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة) قالت قالت عائشة أم المؤمنين دخل علىّ رسول الله ﷺ وعندنا زينب بنت جحش فجعل يصنع بيده شيئا فقلت بيده حتى فطنته لها فامسك وأقبلت زينب تقحم لعائشة فنهاها فابت ان تنتهى فقال لعائشة سبيها فسبتها فانطلقت زينب الى على فقالت ان عائشة وقعت بكم وفعلت فجاءت فاطمة فقال لها انها حبة أبيك ورب الكعبة فانصرفت فقالت لهم الى قلت وكذا وكذا فقال لى كذا وكذا قالت وجاء على الى النبي ﷺ فكلمه فى ذلك- أخرجه ابو داود منه برد الله مضجعه
(٢) عن ابى هريرة ان رجلا شتم أبا بكر والنبي ﷺ جالس فجعل النبي ﷺ يتعجب ويتبسم فلما اكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي ﷺ وقام فلحقه ابو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمنى وأنت جالس فلمّا رددت بعض قوله غضبت وقمت قال انه كان معك ملك يرد عنك فلمّا رددتّ عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لاقعد مع الشيطان ثم قال يا أبا بكر ثلاث هن حق ما من عبد ظلم مظلمة فيغفر عنها الله الا أعزّه الله بها نصرة وما فتح رجل باب عطية يريد بها سلبه الا زاده الله كثرة وما فتح رجل باب مسئلة يريد بها كثرة الا زاد الله بها قلة- رواه احمد منه نور الله ضريحه ١٢.
صحيح عن عياض بن حمار وقوله ﷺ لا يكون اللعّانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة- رواه مسلم وابو داود عن ابى الدرداء لكن قوله ﷺ المستبّان ما قالا فعلى المبادي منهما حتى يعتدى المظلوم- رواه احمد ومسلم وابو داود عن ابى هريرة يدل على كون البادي اظلم والمجيب له نوع رخصة فَمَنْ عَفا عن ظلم صاحبه وَأَصْلَحَ بينه وبين ظالمه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ اى ان الله يأجره لا محالة قال البغوي قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان اجره على الله فليقم فلا يقوم الا من عفا ثم قرأ هذه الاية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) المبتدين بالسبّ والمتجاوزين على المثل فى الانتقام وقال ابن عباس الذين يبدون بالظلم..
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ المصدر مضاف الى المفعول اى بعد ظلم الظالم إياه فَأُولئِكَ اى المنتصرين ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) بالمعاتبة والمؤاخذة.
إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب فى الاخرة والمعاتبة والمؤاخذة فى الدنيا عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبدونهم بالإضرار ويؤذونهم فى أنفسهم او أموالهم او اعراضهم بغير حق وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فى القاموس بغى يبغى بغيا علا وظلم وعدا عن الحق واستطال أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ عطف على من انتصر وبينهما اعتراض اى من صبر على ظلم من ظلم عليه وَغَفَرَ الظالم ولم ينتصر مبتدا حذف خبره اى فهو أفضل الناس وأقيم علته مقامه وهى قوله إِنَّ ذلِكَ الصبر والغفران لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) اى من معزوماته بمعنى المطلوبات شرعا قال مقاتل يعنى من الأمور التي امر الله بها وقال الزجاج الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة فى الثواب أتم عزم.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ اى ناصر يتولاه اى يلى هدايته ويمنعه من عذاب الله مِنْ بَعْدِهِ اى بعد خذلان الله إياه جملة معترضة وَتَرَى الظَّالِمِينَ ايها المخاطب لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ اى حين يرون العذاب
ذكر بلفظ الماضي تحقيقا يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) الجملة قائم مقام المفعولين لترى اى تراهم قائلين هذا القول استفهام لفظا ومعناه السؤال يسئلون الرجعة الى الدنيا-.
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها اى على النار يدل عليها العذاب خاشِعِينَ اى خائفين متذللين متقاصرين مِنَ الذُّلِّ اى مما يلحقهم من التذلل يَنْظُرُونَ حال بعد حال من فاعل يعرضون مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ اى يبتدئ نظرهم الى النار من تحريك لاجفانهم ضعيف كالصبور ينظر الى السيف بمسارقة النظر خوفا وذلة فى نفسه وقيل من بمعنى الباء وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يعنى من تبعهم فى الكفر بالتعريض للعذاب المخلد وقيل المراد بالأهل الحور فانهم خسروهن بعدم وصولهم إليهن المعدة لهم فى الجنة لو أمنوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف للخسران والقول فى الدنيا او للقول اى يقولون إذا راوهم على تلك الحال أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) دائم تمام كلامهم او تصديق من الله بهم.
وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ اى يدفعون العذاب عنهم مِنْ دُونِ اللَّهِ حال من اولياء وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) الى الوصول الى الحق فى الدنيا والى الجنة فى العقبى قد انسدّ عليه طرق الخبر كلها-.
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ اى أجيبوا داعى الله محمدا ﷺ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ اى لا يرده الله بعد ما حكم به ومن صلة لمرد وقيل صلة يأتى اى من قبل ان ياتي يوم من الله لا يمكن رده وذلك يوم الموت او يوم القيامة ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ مفر يلحئون اليه يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) اى انكار لما اقترفتموه لانه مدون فى صحائف أعمالكم ويشهد عليه السنتكم وجوارحكم او ما لكم من منكر بغير ما بكم.
فَإِنْ أَعْرَضُوا عن إجابتك يا محمد فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً حذف جزاء الشرط وأقيم تعليله مقامه تقديره فلا تحزن لان ما أرسلناك عليهم رقيبا مؤاخذا على اعراضهم إِنْ عَلَيْكَ
إِلَّا الْبَلاغُ
وقد بلّغت تعليل لقوله ما أرسلناك عليهم حفيظا وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ أراد به الجنس مِنَّا رَحْمَةً اى نعمة فى الدنيا قال ابن عباس يعنى الغناء والصحة فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من القحط او الفقر او المرض بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بسبب معاصيهم التي قدموه وعبر بالأيدي لان اكثر الافعال بها فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) بليغ الكفران لما تقدم من نعم الله عليه ينسى ويجحد باقل شىء من الشدة جميع ما أسلف عليه من النعم ويذكر البليّة ويعظّمها ولا يتامل فى سببها- وهذا الحكم وان اختص بالمجرمين جاز اسناده الى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه وتصدير الشرطية الاولى بإذا والثانية بان لان اذاقة النعمة محققة من حيث انها عادة الله تعالى يقتضيه رحمته الذاتية بخلاف إصابة البليّة وأقيم علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع الضمير فى الثانية للدلالة على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فله التصرف فيها كيف يشاء من انعام وانتقام الجملة متصلة بقوله ومن آياته الجوار يَخْلُقُ ما يَشاءُ تعليل لما سبق وقوله يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً الاية قيل بيان للخلق يعنى يهب لبعض الناس أنثى لا يكون له ولد ذكر قيل من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لان الله تعالى بدا بالإناث وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) فلا يكون له أنثى.
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فيجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فلا يولد له وقيل الجملة بدل من يخلق بدل البعض إِنَّهُ عَلِيمٌ بما يخلق قَدِيرٌ (٥٠) على ما يشاء فيفعل بحكمته واختياره.
قال البغوي قالت اليهود للنبى ﷺ الا تكلم الله وتنظر اليه ان كنت نبيّا كما كلمه موسى ونظر اليه فقال لم تنظر موسى الى الله عزّ وجلّ فانزل الله تعالى.
وَما كانَ لِبَشَرٍ اى ما صح له أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً وحيا وما عطف عليه منصوب على المصدرية لأن من وراء حجاب صفة كلام محذوف والإرسال نوع من الكلام وهو ما كان بتوسط الرسول وجاز ان يكون منصوبا على الحال ويكون المصدر بمعنى المفعول تقديره الا موحى
332
او مستمعا من وراء حجاب او مرسلا والوحى فى اللغة الاشارة السريعة والمراد هاهنا كلاما خفيا غير مركب من حروف مقطعة متعاقبة يلقيه تعالى فى قلب النبي ﷺ فى المنام او اليقظة ويعبر عنه بالإلهام وهو تعم المشافهة به كما روى فى حديث المعراج وما وعد به فى حديث الرؤية فى الاخرة والمهتف به كما اتفق لموسى على طوى والطور لكن قوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ يخصه بالأول فالاية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها قلت لكن ما ذكر البغوي فى شأن نزول الاية يدل على نفى النظر الى الله عند الوحى فى الدنيا فالمراد بالوحى هاهنا إلقاء كلام بسيط فى القلب وبقوله من وراء حجاب كلام مسموع بلا توسط الملك بغير معائنة كما اتفق لموسى فى طوى والطور كذا قال البغوي أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا اما جبرئيل او غيره من الملائكة فَيُوحِيَ ذلك الرسول الى المرسل اليه بِإِذْنِهِ اى بإذن الله ما يَشاءُ قرأ الجمهور يرسل فيوحى بالنصب عطفا على وحيا بتقدير ان المصدرية وقرأ نافع بضم اللام وسكون الياء رفعا على الاستئناف فتكلم الله حينئذ ينحصر فيما كان بلا واسطة الملك ويقابله إرساله الملك بكلامه الى الأنبياء عن عائشة رضى الله عنها قالت ان الحارث بن هشام سال رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله ﷺ أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد علىّ فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول- قالت عائشة ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه لينفصد عرقا- متفق عليه وعن عبادة بن الصامت قال كان النبي ﷺ إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه رواه مسلم وعن ابن عباس قال اقام رسول بمكة خمس عشر سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين يوحى اليه واقام بالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن خمس وستين سنة- متفق عليه وعن عائشة قالت أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم الحديث- متفق
333
عليه إِنَّهُ عَلِيٌّ عن صفات المخلوقين حَكِيمٌ (٥١) يفعل ما يقتضيه حكمته فتكلم تارة بغير وسط وتارة بوسط-.
وَكَذلِكَ اى ايحاء كايحائنا الى سائر الرسل او كما وصفنا لك أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً اى كتابا وهو القران كذا قال الكلبي ومالك بن دينار وقال السدىّ سماه روحا لان القلوب يحيى به كما يحيى الأبدان بالأرواح وقال الربيع الروح جبرئيل والمعنى أرسلنا إليك جبرئيل وما قال ابن عباس انه النبوة وقال الحسن الرحمة فالمراد به ايضا القران فانه اثر النبوة والرحمة مِنْ أَمْرِنا الذي نوحيه إليك ظرف مستقر لروح اى روحا كائنا من أمرنا ما كُنْتَ تَدْرِي قبل الوحى حال من كاف إليك مَا الْكِتابُ سدّ مسد المفعولين لتدرى وحرف الاستفهام علقه عن العمل وَلَا الْإِيمانُ يعنى شرائعه ومعاملة التي لا طريق اليه غير السمع فقال محمد بن إسحاق المراد بالايمان فى هذه المقام الصلاة كما فى قوله تعالى ما كان الله ليضيع ايمانكم وهذا التفسير مبنى على ان اهل العلم اتفقوا على ان الأنبياء عليهم السلام كانوا ملهمين من الله تعالى بالايمان بالصانع المتوحد بصفات الكمال المنزه عن النقص والزوال. وما قيل ان النبي ﷺ كان قبل الوحى يعبد الله على دين ابراهيم فشئ لا يصاعده العقل والنقل فانه ﷺ كان اميّا لم يقرأ الكتاب ولم يكن دين ابراهيم شائعا فى قريش كانوا يعبدون الحجارة غير انه ﷺ يرغب الى الخلوة قلت ويمكن ان يقال انه ﷺ كان مؤمنا كاملا محققا بحقيقة الايمان لكن لم يدر انّ هذه الحالة ايمان والله اعلم.
وَلكِنْ جَعَلْناهُ قال ابن عباس يعنى الايمان وقال السدىّ يعنى القران نُوراً لظلمة الجهل نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا اى نوصل به الى العقيدة الحقة فى الدنيا والى الجنة والى مراتب القرب فى الاخرة وَإِنَّكَ يا محمد لَتَهْدِي الناس كافة إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) وهو الإسلام الموصل الى الجنان والمراد بالهداية هاهنا اراءة
الطريق.
صِراطِ اللَّهِ بدل من الاول الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وخلقا أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣) اى امور الخلائق كلها فى الاخرة بارتفاع الوسائط والتعلقات وفيه وعد للمطيعين ووعيد للمجرمين والله اعلم تم تفسير سورة الشورى من تفسير المظهرى يوم السبت ثالثة عشر من الربيع الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة ١٢٠٨ هـ- ومائتين ويتلوه تفسير سورة الزخرف ان شاء الله تعالى وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
[فهرس السور القرآنية من التفسير المظهرى]
فهرس تفسير سورة الزخرف من التفسير المظهرى
مضمون صفحه ما ورد فى البعث انه يمطر السماء فينبتون ٣٤٠ ما يقال عند ركوب الدابة ٣٤٠ حديث فاطمة بضعة منى- ٣٤١ ما ورد فى كون الدنيا مهانا عند الله مبغوضا ٣٤٧ حديث الدنيا حرام على اهل الاخرة والاخرة حرام على اهل الدنيا والدنيا والاخرة حرام على اهل الله ٣٤٨ حديث من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه- ٣٤٩ حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ٣٤٩ حديث أيما رجل كسب مالا من حلال ٣٤٩ حديث اجملوا فى طلب الدنيا- ٣٥٠ ما ورد فى كون امر الخلافة فى قريش- ٣٥٢ مضمون صفحه حديث ما ضل قوم بعد هدى الا أوتوا الجدل ٣٥٧ ما ورد فى اشراط الساعة ونزول عيسى عليه السلام ٣٥٨ حديث افترقت اليهود الى احدى وسبعين فرقة والنصارى الى اثنين وسبعين وهذه الامة الى ثلاث وسبعين- ٣٥٩ حديث ليأتين على أمتي كما اتى على اليهود والنصارى ٣٦٠ حديث خليلان مؤمنان وخليلان كافران الحديث ٣٦٠ حديث اين المتحابين فى جلالى أظلهم تحت ظلى ٣٦١ حديث يجمع الله بين المتحابين فى الله يوم القيامة ٣٦١ ما ورد فى خليل الجنة وثمارها- ٣٦٢ ما ورد فى دعاء اهل النار مالكا ودعاء الله ٣٦٣ سبحانه-
فهرس تفسير سورة الدّخان من التفسير المظهرى
ما ورد فى فضل ليلة النصف من شعبان ٣٦٧ ما ورد فى آيات الساعة الدخان ونزول عيسى السلام ٣٦٩ ما ورد فى الزقوم طعام اهل النار ٣٧٥ ما ورد فى ثياب الجنة ٣٧٧
335
حديث ما من عبد إلا وله فى السماء بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فاذا مات فقداه وبكيا عليه ٣٧٢ ما ورد فى الحور وفى ثمار الجنة- ٣٧٧ ما ورد فى فضل سورة الدخان ٣٧٨
فهرس تفسير سورة الجاثية من التفسير المظهرى
حديث لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر ٣٨٨ حديث كانى أراكم بالكرم دون جهنم جاثين- ٣٨٩ حديث الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله الريح فتطير بالايمان والشمائل ٣٩٠ حديث لا بعد الموت من مستعتب ٣٩٢ حديث يقول الله تعالى الكبرياء ردائى الحديث ٣٩٢
فهرس تفسير سورة الأحقاف من التفسير المظهرى
قصة اسلام عبد الله بن سلام الاسرائيلى الأنصاري رضى الله عنه ٣٩٨ حديث صل أمك ثم أمك الحديث ٤٠٣ الكلام فى اقل مدة الحمل وأكثره- ٤٠٣ ذكر بعض مناقب ابى بكر الصديق رضى الله عنه ٤٠٥ ما ورد فى ترك التمتع بالدنيا وعيش النبي ﷺ وأصحابه ٤٠٨ حديث ما رايت رسول الله ﷺ مستجمعا ٤١٣ ضاحكا انما كان يتبسم وكان إذا راى غيما او ريحا عرف ذلك فى وجهه- خوف النبي ﷺ من عذاب الله ٤١٣ ما كان يقول إذا عصفت الريح او راى السحاب او المطر ٤١٣ فى اولى العزم من الرسل ٤١٧ حديث ان الدنيا لا ينبغى لمحمد ولا لال محمد الحديث ٤١٨ ما ورد فى صبر نبى من الأنبياء على إيذاء قومه ٤١٨
فهرس تفسير سورة محمّد صلّى الله عليه وسلم من التفسير المظهرى
مسئلة اختلاف العلماء فى جواز المن والفداء فى الأسارى ٤٢٠ حديث لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الحديث ٤٢٣ ما ورد فى مراتب الشهداء وفضلهم ٤٢٣ فيمن يقضى عنه دينه يوم القيامة ٤٢٤ حديث ما أنتم فى الدنيا باعرف بازواجكم ومساكتكم من اهل الجنة ٤٢٥ قوله ﷺ لمكة أنت أحب بلاد الله الى الله وإلىّ لو لم يخرجونى لم اخرج منك ٤٢٦ ما ورد فى انهار الجنة وفى ثمار الجنة- ٤٢٨ ما ورد فى اشراط الساعة- ٤٣٠ حديث انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم مائة مرة- ٤٣٢ قول المجدد رضى الله عنه معرفة الله حرام ٤٣٢ على من لم ير نفسه شرا من الكافر- ٤٣٢ قول احمد بن حنبل فى لعن يزيد- ٤٣٤ مسئلة من شرع فى صلوة او صوم تطوعا هل يجوز له الإفساد وهل يجب عليه القضاء بالإفساد وما ورد فيه ٤٣٥ ما ورد فى فضل الانفاق وذم البخل ٤٤٦ حديث لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجل من فارس- ٤٤٧.
336
Icon