ﰡ
مكية وهي ثلاث وخمسون آية وتسمه سورة «الشورى»
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)حَمَ. عَسَقَ لعله اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين، وإن كانا اسماً واحداً فالفصل ليطابق سائر الحواميم، وقرئ «حم سق».
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي مثل ما في هذه السورة من المعاني، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته، وقرأ ابن كثير يُوحِي بالفتح على أن كذلك مبتدأ ويُوحِي خبره المسند إلى ضميره، أو مصدر ويُوحِي مسند إلى إليك، واللَّهُ مرتفع بما دل عليه يُوحِي، والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة، أو بالابتداء كما في قراءة «نوحي» بالنون والْعَزِيزُ وما بعده أخبار أو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان. وقوله:
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٥]
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥)
تَكادُ السَّماواتُ وقرأ نافع والكسائي بالياء. يَتَفَطَّرْنَ يتشققن من عظمة الله، وقيل من ادعاء الولد له. وقرأ البصريان وأبو بكر «ينفطرن» بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع فطر وهذا مطاوع فطر، وقرئ «تتفطرن» بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر. مِنْ فَوْقِهِنَّ أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية، وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة، وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأولى. وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس. وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإِلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة، وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد، وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة. أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته، والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه، وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٦ الى ٧]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا الإِشارة إلى مصدر يُوحِي أو إلى معنى الآية المتقدمة، فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولاً به وقُرْآناً عَرَبِيًّا حال منه. لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى. وَمَنْ حَوْلَها من العرب. وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح، أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعولي الأول وأول مفعولي الثاني للتهويل وإيهام التعميم، وقرئ «لينذر» بالياء والفعل «للقرآن». لاَ رَيْبَ فِيهِ اعتراض لا محل له من الإعراب.
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولاً ثم يفرقون، والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه، وقرئا منصوبين على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق، أو متفرقين في داري الثواب والعقاب.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٨ الى ١٠]
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً مهتدين أو ضالين. وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بالهداية والحمل على الطاعة. وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه، ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإِنذار.
أَمِ اتَّخَذُوا بل اتخذوا. مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ كالأصنام. فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق. وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كالتقرير لكونه حقيقاً بالولاية.
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ أنتم والكفار. فِيهِ مِنْ شَيْءٍ من أمر من أمور الدنيا أو الدين. فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ مفوض إليه يميز المحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة. وقيل وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله. ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في مجامع الأمور. وَإِلَيْهِ أُنِيبُ إليه أرجع في المعضلات.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١١ الى ١٢]
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خبر آخر ل ذلِكُمُ أو مبتدأ خبره. جَعَلَ لَكُمْ وقرئ بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله. مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم. أَزْواجاً نساء. وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً، أو خلق لكم منَّ الأنعام أصنافاً أو ذكوراً وأناثاً. يَذْرَؤُكُمْ يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس، والْأَنْعامِ على تغليب المخاطبين
مثلك لا يفعل كذا، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب: أَلاَ وَفِيهِمْ الطَّيِّبُ الطَاهِرُ لِذَاتِهِ. ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى لَّيْسَ مّثْلِهِ غير أنه آكد لما ذكرناه. وقيل «مثله» صفته أي ليس كصفته صفة.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لكل ما يسمع ويبصر.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خزائنها. يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يوسع ويضيق على وفق مشيئته. إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فيفعله على ما ينبغي.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٣ الى ١٤]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وهو الإِيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول شَرَعَ، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به. وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال. لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عظم عليهم. مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من التوحيد. اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين. وَيَهْدِي إِلَيْهِ بالإِشارة والتوفيق. مَنْ يُنِيبُ يقبل إليه.
وَما تَفَرَّقُوا يعني الأمم السالفة. وقيل أهل الكتاب لقوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. بَغْياً بَيْنَهُمْ عداوة أو طلباً للدنيا. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بالإِمهال. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا. وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب. وقرئ «ورّثوا» و «وورثوا». لَفِي شَكٍّ مِنْهُ من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان، أو من القرآن.
مُرِيبٍ مقلق أو مدخل في الريبة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)
فَلِذلِكَ فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب، أو العلم الذي أوتيته. فَادْعُ إلى الاتفاق على الملة
وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الباطلة. وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ في تبليغ الشرائع والحكومات، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية. اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ خالق الكل ومتولي أمره. لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وكل مجازى بعمله. لاَ حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة. وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ مرجع الكل لفصل القضاء، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأساً حتى تكون منسوخة بآية القتال.
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ في دينه. مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه، أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصره يوم بدر، أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به. حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ زائلة باطلة. وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ لمعاندتهم. وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ على كفرهم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ جنس الكتاب. بِالْحَقِّ ملتبساً بعيداً من الباطل، أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام. وَالْمِيزانَ والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوى بين الناس، أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك، وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب، أو لأن الساعة بمعنى البعث.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء. وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب. وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أي الكائن لا محالة. أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ يجادلون فيها من المرية، أو من مريب الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة. لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات، فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام. يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ أي يرزقه كما يشاء فيخص كلاً من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته. وَهُوَ الْقَوِيُّ الباهر القدرة. الْعَزِيزُ المنيع الذي لا يغلب.
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل الدنيا ولذلك قيل:
الدنيا مزرعة الآخرة، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه. نَزِدْ لَهُ فِي
فنعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها. وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها شيئاً منها على ما قسمنا له. وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢١]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١)
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ بل ألهم شركاء، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم. شَرَعُوا لَهُمْ بالتزيين. مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا. وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به، أو صور من سنة لهم. وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين الكافرين والمؤمنين، أو المشركين وشركائهم. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقرئ «أن» بالفتح عطفاً على كلمة الْفَصْلِ أي وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا، فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
تَرَى الظَّالِمِينَ في القيامة. مُشْفِقِينَ خائفين. مِمَّا كَسَبُوا من السيئات. وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ في أطيب بقاعها وأنزهها. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم. ذلِكَ إشارة إلى المؤمنين. هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد، أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي يُبَشِّرُ من بشره وقرئ «يُبَشّرُ» من أبشره. قُلْ لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة. أَجْراً نفعاً منكم. إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي تودوني لقرابتي منكم، أو تودوا قرابتي، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى:
لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة، وفِي الْقُرْبى حال منها أي إِلَّا الْمَوَدَّةَ ثابتة في ذوي الْقُرْبى متمكنة في أهلها، أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء
في الحديث «الحب في الله والبغض في الله».
روي: أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال: «علي وفاطمة وابناهما».
وقيل الْقُرْبى التقرب إلى الله أي إلا أن تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح، وقرئ «إلا مودة في القربى». وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ومن يكتسب طاعة سيما حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومودته لهم. نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً في الحسنة بمضاعفة الثواب، وقرئ «يزد» أي يزد الله وحسنى. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن أذنب. شَكُورٌ لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٤]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ بالتجاوز عما تابوا عنه، والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإِبانة، وقد عرفت حقيقة التوبة.
وعن علي رضي الله عنه: هي اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإِعادة، ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها وكبيرها لمن يشاء. وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تَفْعَلُونَ بالتاء.
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في وَإِذا كالُوهُمْ والمراد إجابة الدعاء أو الإِثابة على الطاعة، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها. ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام «أفضل الدعاء الحمد لله»
، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها. وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة. وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٧]
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ لتكبروا وأفسدوا فيها بطراً، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية. وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ بتقدير. مَا يَشاءُ كما اقتضته مشيئته. إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم.
روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت.
وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يُنَزِّلُ بالتشديد. مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أيسوا منه، وقرئ بكسر النون. وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان. وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته.
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم. وَما بَثَّ فِيهِما عطف على السَّماواتِ أو ال خَلْقُ. مِنْ دابَّةٍ من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيهما في الجملة. وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ أي في أي وقت يشاء. قَدِيرٌ متمكن منه وإِذا كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١)
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فبسبب معاصيكم، والفاء لأن مَا شرطية أو متضمنة معناه، ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية. وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ من الذنوب فلا يعاقب عليها. والآية مخصوصة بالمجرمين، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فائتين ما قضى عليكم من المصائب. وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يحرسكم عنها. وَلا نَصِيرٍ يدفعها عنكم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ السفن الجارية. فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ كالجبال. قالت الخنساء:
وَإِنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِه | كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ |
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه، أو لكل مؤمن كامل الإِيمان فإن الإِيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.
أَوْ يُوبِقْهُنَّ أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة، والمراد إهلاك أهلها لقوله: بِما كَسَبُوا وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناساً بذنوبهم وينج ناساً على العفو منهم، وقرئ «ويعفو» على الاستئناف.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم وَيَعْلَمَ، أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جواباً للأشياء الستة لأنه أيضاً غير واجب، وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف، وقرئ بالجزم عطفاً على يَعْفُ فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير آخرين. مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل.
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون به مدة حياتكم. وَما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الآخرة.
خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لخلوص نفعه ودوامه وما الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بِهَا فِي الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ بما بعده عطف على لِلَّذِينَ آمَنُوا أو مدح منصوب أو مرفوع، وبناء يَغْفِرُونَ على ضميرهم خبراً للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب، وقرأ حمزة والكسائي «كبير الإِثم».
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الإِيمان فاستجابوا له. وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور، وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في سبيل الله الخير.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ على ما جعله الله لهم كراهة التذلل، وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران، فإنه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم، والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي، ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي.
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وسمى الثانية سَيِّئَةٍ للازدواج، أو لأنها تسوء من تنزل به. فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ بينه وبين عدوه. فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عدة مبهمة تدل على عظم الموعود. إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ بعد ما ظلم، وقد قرئ به. فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ بالمعاتبة والمعاقبة.
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبتدئونهم بالإِضرار ويطلبون ما لا يستحقونه تجبراً عليهم.
وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ على ظلمهم وبغيهم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤)
وَلَمَنْ صَبَرَ على الأذى. وَغَفَرَ ولم ينتصر. إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي إن ذلك منه فحذف كما حذف في قولهم: السمن منوان بدرهم، للعلم به.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله إياه. وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين يرونه فذكر بلفظ الماضي تحقيقاً. يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ هل إلى رجعة إلى
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها على النار، ويدل عليه الْعَذابَ. خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل. يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف. وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ بالتعريض للعذاب المخلد. يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف ل خَسِرُوا والقول في الدنيا، أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال. أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم.
وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ إلى الهدى أو النجاة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ لا يرده الله بعد ما حكم به ومِنْ صلة ل مَرَدَّ. وقيل صلة يَأْتِيَ أي من قبل أن يأتى يوم من الله لا يمكن رده. مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ مفر.
يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ إنكار لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالكم تشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم.
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً رقيباً أو محاسباً. إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وقد بلغت. وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها أراد بالإِنسان الجنس لقوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ بليغ الكفران ينسى النعمة رأساً ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها، وهذا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه. وتصدير الشرطية الأولى ب إِذا والثانية ب إِنْ لأن أذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية، وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء. يَخْلُقُ مَا يَشاءُ من غير لزوم ومجال اعتراض. يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ.
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً بدل من يَخْلُقُ بدل البعض، والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفاً واحداً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى أو الصنفين جميعاً ويعقم آخرين، ولعل تقديم الإِناث لأنها أكثر لتكثير النسل، أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإِنسان والإِناث كذلك، أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء، أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور، أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٥١]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)
وَما كانَ لِبَشَرٍ وما صح له. أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً كلاماً خفياً يدرك لأنه بسرعة تمثيل ليس في ذاته مركباً من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة، وهو ما يعم المشافه به كما روي في حديث المعراج، وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى في طوى والطور، ولكن عطف قوله:
أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها. وقيل المراد به الإِلهام والإِلقاء في الروع أو الوحي المنزل به الملك إلى الرسل فيكون المراد بقوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ أو يرسل إليه نبياً فيبلغ وحيه كما أمره، وعلى الأول المراد بالرسول الملك الموحي إلى الرسل، ووحياً بما عطف عليه منتصب بالمصدر لأن مِنْ وَراءِ حِجابٍ صفة كلام محذوف والإِرسال نوع من الكلام، ويجوز أن يكون وحياً ويرسل مصدرين ومِنْ وَراءِ حِجابٍ ظرفاً وقعت أحوالاً، وقرأ نافع أَوْ يُرْسِلَ برفع اللام. إِنَّهُ عَلِيٌّ عن صفات المخلوقين. حَكِيمٌ يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بوسط، وتارة بغير وسط إما عياناً وإما من وراء حجاب.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا يعني ما أوحي إليه، وسماه روحاً لأن القلوب تحيا به، وقيل جبريل والمعنى أرسلناه إليك بالوحي. مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ أي قبل الوحي، وهو دليل على أنه لم يكن متعبداً قبل النبوة بشرع. وقيل المراد هو الإِيمان بما لا طريق إليه إلا السمع. وَلكِنْ جَعَلْناهُ أي الروح أو الكتاب أو الإِيمان. نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا بالتوفيق للقبول والنظر فيه.
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هو الإسلام، وقرئ «لَتَهْدِى» أي ليهديك الله.
صِراطِ اللَّهِ بدل من الأول. الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقاً وملكاً. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ بارتفاع الوسائط والتعلقات، وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له».