تفسير سورة يس

تفسير البيضاوي
تفسير سورة سورة يس من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي .
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة يس مكية وعنه عليه الصلاة والسلام " يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة " وآيها ثلاث وثمانون.

(٣٦) سورة يس
مكية وعنه عليه الصلاة والسلام «يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة» وآيها ثلاث وثمانون آية
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)
يس ك الم في المعنى والإِعراب، وقيل معناه يا إنسان لغة طيئ، على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل (من الله) في أيمن. وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين، أو الإِعراب على اتل يس أو بإضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث، أو إعراباً على هذه يس وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر، وأدغم النون في واو: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب، وهي واو القسم أو العطف إن جعل يس مقسماً به.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لمن الذين أرسلوا.
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو التوحيد والإِستقامة في الأمور، ويجوز أن يكون عَلى صِراطٍ خبراً ثانياً أو حالاً من المستكن في الجار والمجرور، وفائدته وصف الشرع صريحاً بالاستقامة وإن دل عليه لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ التزاما.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥ الى ٦]
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار أعني أو فعله على أنه على أصله، وقرئ بالجر على البدل من القرآن.
لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق ب تَنْزِيلَ أو بمعنى لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. مَّا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قوماً غير منذر آباؤهم يعني آباءَهم الأقربين لتطاول مدة الفترة، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله، أو الذي أنذر به أو شيئاً أنذر به آباؤهم الأبعدون، فيكون مفعولاً ثانياً لِتُنْذِرَ، أو إنذار آبائَهم على المصدر. فَهُمْ غافِلُونَ متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين، أو بقوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧ الى ٩]
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (٩)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يعني قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون.
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم. فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فالأغلال، واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له. فَهُمْ مُقْمَحُونَ رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له.
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وبمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل. وقرأ حمزة والكسائي وحفص سَدّا بالفتح وهو لغة فيه، وقيل ما كان بفعل الناس فبالفتح وما كان بخلق الله فبالضم. وقرئ «فأعشيناهم» من العشاء. وقيل الآيتان في بني مخزوم حلف أبو جهل أن يرضخ رأس النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ سبق في «البقرة» تفسيره.
إِنَّما تُنْذِرُ إنذاراً يترتب عليه البغية المرومة. مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به.
وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله، أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن، منتقم قهار. فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ.
[سورة يس (٣٦) : آية ١٢]
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى الأموات بالبعث أو الجهال بالهداية. وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة. وَآثارَهُمْ الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه، والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم.
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ يعني اللوح المحفوظ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)
وَاضْرِبْ لَهُمْ ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد، وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما: مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلاً، ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلاً من الملفوظ أو بياناً له، والقرية انطاكية. إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ بدل من أصحاب القرية، والْمُرْسَلُونَ رسل عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أهلها وإضافته إلى نفسه في قوله:
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس، وقيل غيرهما. فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا فقوينا، وقرأ أبو بكر مخففاً من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به. بِثالِثٍ وهو شمعون. فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ وذَلِكَ أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيباً النجار يرعى غنماً فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية
فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر، فشفي على أيديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟
قالا: نعم من أوجدك وآلهتك قال حتى أنظر في أمركما فحبسهما، ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به، فقال له يوماً: سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه، قال لا، فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، قال وما آيتكما، قالا: ما يتمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصره، وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما، فقال شمعون أرأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف، قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع، ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسناً يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام فهلكوا.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٥ الى ١٧]
قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)
قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون، ورفع بشر لانتقاض النفي المقتضي إعمال ما بإلا. وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ وحي ورسالة. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ في دعوى الرسالة.
قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ استشهدوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم، وزادوا اللام المؤكدة لأنه جواب عن إنكارهم.
وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته، وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٨ الى ١٩]
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ تشاءمنا بكم، وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه. لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه. لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ.
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ سبب شؤمكم معكم وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم، وقرئ «طيركم معكم».
أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ وعظتم، وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب، وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وإن وأن بغير الاستفهام و «أين ذكرتم» بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ قوم عادتكم الإِسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم، أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن بمحمّد عليه الصلاة والسلام وبينهما ستمائة سنة، وقيل كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه.
قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.
اتَّبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على النصح وتبليغ الرسالة. وَهُمْ مُهْتَدُونَ إلى خير الدارين.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل، تلطف في الإِرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال:
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً لا تنفعني شفاعتهم. وَلا يُنْقِذُونِ بالنصرة والمظاهرة.
إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فإن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضراً بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل، وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي خلقكم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء. فَاسْمَعُونِ فاسمعوا إيماني، وقيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة، أو إكراماً وإذناً في دخولها كسائر الشهداء، أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم، والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه وكذلك: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإِيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على حق، وقرئ «المكرمين» و «ما» خبرية أو مصدرية والباء صلة يَعْلَمُونَ أو استفهامية جاء على الأصل، والباء صلة غفر أي بأي شيء غَفَرَ لي، يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم.
[سورة يس (٣٦) : آية ٢٨]
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ من بعد إهلاكه أو رفعه. مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإِهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار لإِهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول عليه السلام.
وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ وما صح في حكمتنا أن ننزل جنداً لإِهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سبباً وجعلنا ذلك سبباً لانتصارك من قومك، وقيل مَا موصولة معطوفة على جُنْدٍ أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من
حجارة وريح وأمطار شديدة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠)
إِنْ كانَتْ ما كانت الأخذة أو العقوبة. إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبريل عليه السلام، وقرئت بالرفع على كان التامة. فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ميتون، شبهوا بالنار رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد:
وَمَا المَرْءُ إِلاَّ كَالشّهَابِ وَضَوْئِه يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ تعالي فهذه من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها، وهي ما دل عليها:
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم، وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين، ويجوز أن يكون تحسراً من الله عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة يا حَسْرَتى ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها، وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف، وقرئ «يا حسرة العباد» بالإِضافة إلى الفاعل أو المفعول، و «يا حسرة» بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)
أَلَمْ يَرَوْا ألم يعلموا وهو معلق عن قوله: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لأن كَمْ لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام. أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ بدل من كَمْ على المعنى أي ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم، وقرئ بالكسر على الاستئناف.
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يوم القيامة للجزاء، وإِنْ مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة و «ما» مزيدة للتأكيد، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لَمَّا بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية وجميع فعيل بمعنى مفعول، ولَدَيْنا ظرف له أو ل مُحْضَرُونَ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ وقرأ نافع بالتشديد. أَحْيَيْناها خبر ل الْأَرْضُ، والجملة خبر آيَةٌ أو صفة لها إذ لم يرد بها معينة وهي الخبر أو المبتدأ والآية خبرها، أو استئناف لبيان كونها آيَةٌ. وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا جنس الحب. فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به.
وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ من أنواع النخل والعنب، ولذلك جمعهما دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الأنواع، وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والأعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع. وَفَجَّرْنا فِيها وقرئ بالتخفيف، والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظاً ومعنى. مِنَ الْعُيُونِ أي شيئاً من العيون، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، أو الْعُيُونِ ومِنْ مزيدة عند الأخفش.

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]

لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ثمر ما ذكر وهو الجنات، وقيل الضمير لله تعالى على طريقة الالتفات والإِضافة إليه لأن الثمر بخلقه، وقرأ حمزة والكسائي بضمتين وهو لغة فيه، أو جمع ثمار وقرئ بضمة وسكون. وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما، وقيل مَا نافية والمراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم، ويؤيد الأول قراءة الكوفيين غير حفص بلا هاء فإن حذفه من الصلة أحسن من غيرها. أَفَلا يَشْكُرُونَ أمر بالشكر من حيث أنه إنكار لتركه.
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها الأنواع والأصناف. مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات والشجر. وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ الذكر والأنثى. وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ وأزواجاً مما لم يطلعهم الله تعالى عليه ولم يجعل لهم طريقاً إلى معرفته.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد والكلام في إعرابه ما سبق. فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ داخلون في الظلام.
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحد معين ينتهي إليه دورها، فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره، أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال:
وَالشَّمْسُ حَيْرَى لَهَا بِالجَوِّ تَدْوِيمُ أو لاستقرار لها على نهج مخصوص، أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقاً ومغرباً، تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل، أو لمنقطع جريها عند خراب العالم. وقرئ «لا مستقر لها» أي لا سكون فإنها متحركة دائماً و «لا مستقر» على أن «لا» بمعنى ليس. ذلِكَ الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن إحصائها. تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الغالب بقدرته على كل مقدور. الْعَلِيمِ
المحيط علمه بكل معلوم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ قدرنا مسيره. مَنازِلَ أو سيره في منازل وهي ثمانية وعشرون: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانا، الإِكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا، وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، فإذا كان في آخر منازله وهو الذي يكون فيه قبيل الإِجتماع دق واستقوس، وقرأ الكوفيون وابن عامر وَالْقَمَرَ بنصب الراء. حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ كالشمراخ المعوج، فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج، وقرئ «كالعرجون» وهما لغتان كالبزيون والبزيون. الْقَدِيمِ العتيق وقيل ما مر عليه حول فصاعداً.
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها يصح لها ويتسهل. أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره فإن ذلك يخل بتكون
النبات وتعيش الحيوان، أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله، أو سلطانه فتطمس نوره، وإيلاء حرف النفي الشَّمْسُ للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها. وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه، وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران، وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكساً للأول وتبديل الإِدراك بالسبق لأنه الملائم لسرعة سيره. وَكُلٌّ وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه، والضمير للشموس والأقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعدداً ما في الذات، أو للكواكب فإن ذكرهما مشعر بهما. فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يسيرون فيه بانبساط.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم، فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها. وتخصيصهم لأن استقرارهم في السفن أشق وتماسكهم فيها أعجب، وقرأ نافع وابن عامر ذرياتهم. فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملوء، وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام، وحمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم، وتخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان وأدخل في التعجب مع الإِيجاز.
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ من مثل الفلك. مَا يَرْكَبُونَ من الإِبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق، أو فلا إغاثة كقولهم أتاهم الصريخ. وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ينجون من الموت به.
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة. إِلى حِينٍ زمان قدر لآجالهم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة، أو نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه، أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر. لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لتكونوا راجين رحمة الله، وجواب إذا محذوف دل عليه قوله: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ كأنه قال وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا العذاب أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه.
[سورة يس (٣٦) : آية ٤٧]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ على محاويجكم. قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة. لِلَّذِينَ آمَنُوا تهكماً بهم من إقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته. أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ على زعمكم، وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين إيهاماً بأن الله تعالى لما كان قادراً أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن أحق بذلك، وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ حيث أمرتمونا ما يخالف مشيئة الله، ويجوز أن
يكون جواباً من الله لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعنون وعد البعث.
مَا يَنْظُرُونَ ما ينتظرون. إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي النفخة الأولى. تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله: أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ وأصله يختصمون فسكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين، وقرأ أبو بكر بكسر الياء للاتباع، وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على إلقاء حركة التاء إليه، وأبو عمرو وقالون به مع الإِختلاس وعن نافع الفتح فيه والإِسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغماً، وقرأ حمزة يَخِصِّمُونَ من خصمه إذا جادله.
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شيء من أمورهم. وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ فيروا حالهم بل يموتون حيث تبغتهم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة «المؤمنين». فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء. إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يسرعون وقرئ بالضم.
قالُوا يا وَيْلَنا وقرئ «يا ويلتنا» مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وقرئ «من أهبنا» من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا، وفيه ترشيخ ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما، ومَنْ بَعَثَنا و «من هبنا» على من الجارة والمصدر، وسكت حفص وحده عليها سكتة لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن. هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ مبتدأ وخبر وما مصدرية، أو موصولة محذوفة الراجع، أو هذا صفة ل مَرْقَدِنا وما وَعَدَ خبر محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، أو مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ حق وهو من كلامهم، وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم، معدول عن سننه تذكيراً لكفرهم وتقريعاً لهم عليه وتنبيهاً بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون، فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)
إِنْ كانَتْ ما كانت الفعلة. إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي النفخة الأخيرة، وقرئت بالرفع على كان التامة.
فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ بمجرد تلك الصيحة وفي كل ذلك تهوين أمر البعث والحشر واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه.
فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويراً للموعود
وتمكيناً له في النفوس وكذا قوله:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦)
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ متلذذون في النعمة من الفكاهة، وفي تنكير شُغُلٍ وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ، وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو فِي شُغُلٍ بالسكون، ويعقوب في رواية «فكهون» للمبالغة وهما خبران ل إِنَّ، ويجوز أن يكون فِي شُغُلٍ صلة ل فاكِهُونَ، وقرئ «فكهون» بالضم وهو لغة كنطس ونطس «وفاكهين» «وفكهين» على الحال من المستكن في الظرف، وشُغُلٍ بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات.
هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي في «ظلل».
عَلَى الْأَرائِكِ على السرر المزينة. مُتَّكِؤُنَ وهُمْ مبتدأ خبره فِي ظِلالٍ، وعَلَى الْأَرائِكِ جملة مستأنفة أو خبر ثان أو مُتَّكِؤُنَ والجاران صلتان له، أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون، وعلى الأرائك متكئون خبر آخر لإِن وأزواجهم عطف على هُمْ للمشاركة في الأحكام الثلاثة، وفِي ظِلالٍ حال من المعطوف والمعطوف عليه.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)
لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه، أو ما يتداعونه كقولك ارتموه بمعنى تراموه، أو يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت بمعنى تمنه علي، أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها وما موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء، ولَهُمْ خبرها وقوله:
سَلامٌ بدل منها أو صفة أخرى، ويجوز أن يكون خبرها أو خبرها محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام، وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصاً. قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ أي يقول الله أو يقال لهم قولاً كائناً من جهته، والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيماً لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم، ويحتمل نصبه على الاختصاص.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتاً ينفرد به لا يرى ولا يرى.
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ من جملة ما يقال لهم تقريعاً وإلزاماً للحجة، وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان، لأنه الآمر بها والمزين لها، وقرئ «أَعْهَدْ» بكسر حرف المضارعة و «أحهد» و «أحد» على لغة بني تميم.
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيما يحملهم عليه.
وَأَنِ اعْبُدُونِي عطف على أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته، فالجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقيه أو بالشق الآخر، والتنكير للمبالغة والتعظيم، أو للتبعيض
فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي، والجبل الخلق، وقرأ يعقوب بضمتين وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام وابن عامر وأبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات، وقرئ «جِبِلاًّ» جمع جبلة كخلقة وخلق و «جيلاً» واحد الأجيال.
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ نمنعها عن الكلام. وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بظهور آثار المعاصي عليها ودلالتها على أفعالها، أو إنطاق الله إياها
وفي الحديث «إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم».
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة. فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه، وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار، أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع أو بالظرف. فَأَنَّى يُبْصِرُونَ الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]
وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨)
وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ بتغيير صورهم وإبطال قواهم. عَلى مَكانَتِهِمْ مكانهم بحيث يجمدون فيه، وقرأ أبو بكر «مكاناتهم». فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ذهاباً. وَلا يَرْجِعُونَ ولا رجوعاً فوضع الفعل موضعه للفواصل، وقيل لاَ يَرْجِعُونَ عن تكذيبهم، وقرئ «مُضِياً» بإتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالعتي والعتي و «مضيا» كصبي، والمعنى أنهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم أحقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة إمهالهم.
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ ومن نطل عمره. نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله، وقرأ عاصم وحمزة نُنَكِّسْهُ من التنكيس وهو أبلغ والنكس أشهر. أَفَلا يَعْقِلُونَ أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما وزيادة غير أنه على تدرج، وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ رد لقولهم إن محمداً شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن، فإنه لا يماثله لفظاً ولا معنى لأنه غير مقفى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها.
وَما يَنْبَغِي لَهُ وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحواً من أربعين سنة،
وقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»
وقوله: هَلٌ أَنَتَ إلا إِصبعٌ دَميت وفي سَبِيلِ الله مَا لقيتِ
اتفاقيٌ من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك، وقد يقع مثله كثيراً في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعراً، هذا وقد روي أنه حرك الباءين وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية، وقيل الضمير لل قُرْآنٌ أي وما يصح للقرآن أن يكون شعراً. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة وإرشاد من الله تعالى.
وَقُرْآنٌ مُبِينٌ وكتاب سماوي يتلى في المعابد، ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإِعجاز.
لِيُنْذِرَ القرآن أو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء. مَنْ كانَ حَيًّا عاقلاً فهما فإن الغافل كالميت، أو مؤمناً في علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإِيمان، وتخصيص الإِنذار به لأنه المنتفع به. وَيَحِقَّ الْقَوْلُ وتجب كلمة العذاب. عَلَى الْكافِرِينَ المصرين على الكفر، وجعلهم في مقابلة من كان حياً إشعاراً بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص، والتفرد بالإِحداث. أَنْعاماً خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع. فَهُمْ لَها مالِكُونَ متملكون لها بتمليكنا إياها، أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال:
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلا أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إِنْ نَفَرَا
وَذَلَّلْناها لَهُمْ وصيرناها منقادة لهم. فَمِنْها رَكُوبُهُمْ مركوبهم، وقرئ «ركوبتهم»، وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة، وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها رَكُوبُهُمْ. وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي ما يأكلون لحمه.
وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والأصواف والأوبار. وَمَشارِبُ من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع، أو المصدر وأمال الشين ابن عامر وحده برواية هشام. أَفَلا يَشْكُرُونَ نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف أمكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة، وعلموا أنه المتفرد بها. لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم.
لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ لآلهتهم. جُنْدٌ مُحْضَرُونَ معدون لحفظهم والذب عنهم، أو مُحْضَرُونَ أثرهم في النار.
فَلا يَحْزُنْكَ فلا يهمك، وقرئ بضم الياء من أحزن. قَوْلُهُمْ في الله بالإِلحاد والشرك، أو فيك بالتكذيب والتهجين. إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به، وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ إِنَّا بالفتح على حذف لام التعليل جاز.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر، وفيه تقبيح بليغ لإِنكاره حيث عجب منه وجعله إفراطاً في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون مما عمله في بدء خلقه، ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفاً مكرماً بالعقوق والتكذيب.
روي «أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعظم بال يفتته بيده وقال:
أترى الله يحيي هذا بعد ما رم، فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت.
وقيل معنى فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ فإذا هو بعد ما كان ماء مهيناً مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه.
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا أمراً عجيباً وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، أو تشبيهه بخلقه بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه. وَنَسِيَ خَلْقَهُ خلقنا إياه. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكراً إياه مستبعداً له، والرميم ما بلي من العظام، ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسماً بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو بمعنى مفعول من رممته. وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها. وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها، فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو إحداث مثلها.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ كالمرخ والعفار. نَارًا بأن يسحق المرخ على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار. فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ لا تشكون في أنها نار تخرج منه، فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضاً فيبس وبلي، وقرئ «من الشجر الخضراء»
على المعنى كقوله فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع كبر جرمهما وعظم شأنهما. بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصغر والحقارة بالإِضافة إليهما، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وعن يعقوب «يقدر».
بَلى جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه. وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ كثير
المخلوقات والمعلومات.
إِنَّما أَمْرُهُ إِنَّمَا شأنه. إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ أي تكون. فَيَكُونُ فهو يكون أي يحدث، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعاً لمادة الشبهة، وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق، ونصبه ابن عامر والكسائي عطفاً على يَقُولَ.
[سورة يس (٣٦) : آية ٨٣]
فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)
فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ تنزيه عما ضربوا له، وتعجيب عما قالوا فيه معللاً بكونه مالكاً للأمر كله قادراً على كل شيء. وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وعد ووعيد للمقرين والمنكرين، وقرأ يعقوب بفتح التاء.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا أنه بهذه الآية.
وعنه عليه الصلاة والسلام «إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس، وأيما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً يصلون عليه ويستغفرون له، ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة، فيشربها وهو على فراشه، فيقبض روحه وهو ريان، ويمكث في قبره وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان».
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الرابع من تفسير البيضاوي في مطابع دار إحياء التراث العربي- بيروت الزاهرة، أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة، وآخر دعوانا أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين والعاقبة للمتّقين ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم
275
محتوى الجزء الرابع من تفسير البيضاوي
تفسير سورة مريم ٥
بيان الحكم الّذي آتاه الله يحيى عليه السلام وهو صبي ٧
بيان ما ذهبت إليه النسطورية والملكانية في السيد عيسى عليه السلام ١٠
بيان ما قام به إبراهيم عليه السلام مع أبيه من النصيحة والأدب ١١
بيان ما يلزم قارئ القرآن من البكاء ١٤
بيان ورود المؤمنين وغيرهم على النار ١٧
تفسير سورة طه ٢٢
بيان سبب العقدة الّتي كانت في لسان سيدنا موسى عليه السلام ٢٦
بيان المحبة الّتي أعطاها الله لسيدنا موسى في صغره ٢٧
بيان الخطأ والنسيان واستحالتهما على الله تعالى ٢٩
بيان ما صنعته السحرة من السحر لموسى عليه السلام ٣١
بيان أصل موسى السامريّ وما فعله ٣٤
بيان ما كان عليه آدم عليه السلام من الحلم ٤٠
تفسير سورة الأنبياء ٤٥
بيان الفرق بين إلا الاستثنائية والّتي بمعنى غير ٤٨
بيان معنى رتق الأرض والسموات وفتقهما ٥٠
بيان ما فعل بإبراهيم عليه السلام حين رمي في النار وما قاله ٥٥
بيان الخصومة الّتي عرضت على داود وسليمان وحكم كل فيها وبيان الحكم في شريعتنا ٥٧
تفسير سورة الحج ٦٤
بيان الخلاف في جواز بيع دور الحرم وإجارتها وبسط الدليل لكل ٦٩
بيان ما كان يفعله أهل الجاهلية مع المسلمين في ابتداء الأمر ٧٢
بيان الفرق بين النبي والرسول وبيان عدد الأنبياء ٧٥
بيان ما قيل في الغرانيق ٧٦
بيان السجدة الثانية من تلك السورة ٨٠
تفسير سورة المؤمنون ٨٢
277
بيان ما في عصا موسى عليه السلام من الآيات ٨٨
بيان معنى فساد السموات عند اتباع الحق الأهواء ٩٢
تفسير سورة النور ٩٨
بيان معنى الإحصان وبيان الخلاف في أن التائب عن القذف تقبل شهادته أم لا؟ ٩٩
بيان أسباب حديث الإفك ١٠٠
بيان أن القاذف لأزواج النبي هل له توبة أم لا؟ ١٠٣
بيان الأربعة الذين برأهم الله ١٠٤
بيان ما يجوز إظهاره للمرأة من زينتها وبدنها ١٠٤
بيان الكتابة للأرقاء ١٠٦
بيان معنى النور ووجه إطلاقه على الله تعالى ١٠٧
بيان ما قيل في المطر والسحاب والبرد والثلج ١١٠
تفسير سورة الفرقان ١١٧
بيان السبب في إحباط أعمال الكفار ١٢٢
بيان السبب الّذي يدعو إلى التوكل ١٢٩
تفسير سورة الشعراء ١٣٣
بيان أنّ الواجب تعالى لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية ١٣٦
بيان أنّ الموت لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب ١٤١
بيان أن المعاني الروحانية تتنزل أولاً على الروح، ثم منها إلى القلب، ثم منه إلى الدماغ ١٤٩
تفسير سورة النمل ١٥٤
بيان ما أوتيه سليمان عليه السلام من معرفة منطق الطير ١٥٦
بيان السبب في تفقد سليمان الطير حتى علم بغياب الهدهد ١٥٧
بيان أنّ إحضار عرش بلقيس من المعجزات ١٦١
بيان الدابة الّتي تخرج آخر الزمان تكلّم النّاس ١٦٧
تفسير سورة القصص ١٧١
بيان المدينة الّتي دخلها موسى عليه السلام ١٧٤
بيان الشروط الّتي جرى عقد زواج موسى عليها ١٧٥
بيان معنى الاختيار ١٨٣
بيان نسب قارون وأسباب حسده ١٨٥
278
تفسير سورة العنكبوت ١٨٨
بيان معنى المجادلة بالتي هي أحسن ١٩٦
تفسير سورة الروم ٢٠١
بيان أن آية فسبحان الله، جامعة للصلوات الخمس وبيان فضلها ٢٠٣
بيان الأسباب الّتي تقتضي عدم التوكل ٢١١
تفسير سورة لقمان ٢١٢
بيان نسب لقمان ومعنى الحكمة ٢١٣
تفسير سورة السجدة ٢١٩
تفسير سورة الأحزاب ٢٢٤
بيان معنى كون النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ٢٢٥
بيان غزوة الخندق ٢٢٦
بيان غزوة بني قريظة ٢٢٩
بيان زواجه صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش ٢٣٢
بيان وجوب الصلاة والسلام عليه صلّى الله عليه وسلّم ٢٣٧
تفسير سورة سبأ ٢٤١
بيان معنى تسبيح الجبال والطير مع داود عليه السلام ٢٤٣
بيان كيفية موت سليمان عليه السلام وما فيه من الآيات ٢٤٤
بيان نسب سبأ ومسكنهم ٢٤٤
بيان ما فعل بسبإ وتخريب ديارهم ٢٤٥
تفسير سورة فاطر الملائكة ٢٥٣
تفسير سورة يس ٢٦٣
بيان رسل عيسى عليه السلام إلى أنطاكية وما فعلوه ٢٦٤
بيان العذاب الّذي فعل بأصحاب القرية ٢٦٧
279
Icon