تفسير سورة يس

المحرر في أسباب نزول القرآن
تفسير سورة سورة يس من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن .
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة يس
(١٤٨) - قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النُقلَةَ إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن آثاركم تكتب فلا تنتقلوا).
833
وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بلفظ: كانت الأنصار بعيدةً منازلهم من المسجد فأرادوا أن يقتربوا فنزلت: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) قال: فثبتوا.
834
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر بعض المفسرين هذه الأحاديث ولم يتعقبها بشيء كالطبري والبغوي والقرطبي.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليقرب عليهم) اهـ ذكر من قال ذلك ثم ساق الروايات.
وذكر بعض المفسرين هذه الأحاديث وأبوا أن تكون سبب نزول الآية كابن عطية وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن عطية: (هذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهم: دياركم تكتب آثاركم وكره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تعروا المدينة وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك، وإنما نزلت الآية بمكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة ووافقها قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال أنها نزلت في بني سلمة) اهـ.
وقال ابن كثير بعد ذكر حديث أبي سعيد: (وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية فاللَّه أعلم) اهـ.
835
وقال ابن عاشور: (وتوهم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك، وسياق الآية يخالفه، ومكيتها تنافيه) اهـ.
وخلاصة ما تقدم أن الأحاديث المذكورة ليست سبباً للنزول للأسباب التالية:
١ - أن أسانيد هذه الأحاديث وطرقها ضعيفة.
٢ - أن الآية مكية والقصة مدنية.
٣ - أن سياق الآية يخالف الحديث لأن حديث الآية عن الموتى بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) بينما الحديث في الأحياء فكيف تنزل الآية بسببه.
ولعل سبب الخطأ ما ذكره ابن عطية بقوله: (ووافقها - أي الآية - قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال إنها نزلت في بني سلمة).
والمراد بقوله - عليه الصلاة والسلام -: (دياركم تكتب آثاركم).
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبب نزول الآية لضعف سنده، ومخالفته لسياق القرآن، ووقوعه بعد نزول الآية والله أعلم.
* * * * *
836
سورة (ص)
837
Icon