ﰡ
١٩٤ - قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فحسنوا الكيل بعد ذلك.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
وقال ابن عاشور: (اجتمعت كلمة المفسرين على أن أهل يثرب كانوا من أخبث الناس كيلاً فقال جماعة من المفسرين: إن هذه الآية نزلت فيهم فأحسنوا الكيل بعد ذلك) اهـ.
وقال ابن عطية: (قال ابن عبَّاسٍ فيما روي عنه نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة لأنهم كانوا أشد الناس فساداً في هذا المعنى فأصلحهم الله تعالى بهذه السورة) اهـ.
وعندي - والله أعلم - قبل الوصول إلى نتيجة أن الأمر يحتاج إلى نظرين:
الأول: هل السورة مكية أو مدنية؟
اختلفت في هذا أقوال العلماء فذهب بعضهم إلى أنها مكية لذكر الأساطير فيها في قوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، ولأن معظم ما اشتملت عليه التعريض بمنكري البعث.
وذهب بعضهم إلى أنها مدنية لهذا الحديث الذي معنا، وغيرِه في معناه، ولأن التفصيل في الأحكام إنما كان في المدينة لا مكة.
وقال بعضهم وهو مروي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة.
والراجح - والله أعلم - أن السورة مبعضة بين مكة والمدينة، والحامل على اختيار هذا اجتماع المفسرين على أن أهل المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً.
الثاني: هل التطفيف سببُ النزول، أو سياق القرآن بعمومه تناول أحوال المطففين؟
الوجه الأول: أن اللَّه بدأ السورة بتهديدهم ووعيدهم، ولولا أهميته ما بدأ الله به إذ الشأن أن يُبدأ بالأهم فالأهم.
الوجه الثاني: أنه جاء في الحديث أنهم كانوا أخبث الناس كيلاً وهذا يستدعي المبادرة في المعالجة.
ولعل هذا سبب قول ابن عبَّاسٍ: أنها نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعة نزل المدينة. واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لاحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول، وعدم مخالفته لسياق القرآن. والله أعلم.
* * * * *