تفسير سورة المطفّفين

معاني القرآن
تفسير سورة سورة المطففين من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾.
نزلت أول قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكأن أهلها إذا ابْتاعوا كَيْلاً أو وزناً استوفَوْا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلا أو وزناً نقَصُوا ؛ فنزلت ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ فانتهَوْا، فهم أوفى الناس كيْلاً إلى يومهم هذا.
[ قال ] قال الفراء : ذُكِرَ أن «ويل » وادٍ في جهنم، والويل الذي نعرف.
وقوله عز وجل :﴿ اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ ﴾.
يريد : اكتالوا من الناس، وهما تعتقبان : عَلَى ومِن في هذا الموضع ؛ لأنه حقّ عليه ؛ فإذا قال : اكتلتُ عليك، فكأنه قال : أخذتُ ما عليك، وإذا قال : اكتلت منك، فهو كقولك : استوفيت منك.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ [ ١٣١/ا ] وَّزَنُوهُمْ ﴾.
الهاء في موضع نصب، تقول : قد كِلتك طعاما كثيرا، وكِلتني مثله. تريد : كِلتَ لي، وكِلتُ لك، وسُمِعَت أعرابية تقول : إذا صَدَرَ الناس أتينا التاجر، فيكيلنا المُدَّ والمُدَّين إلى الموسم المقبل، فهذا شاهد، وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس.
وقوله عز وجل :﴿ يَوْمَ يَقُومُ الناسُ ﴾.
هو تفسير اليوم المخفوض لمَّا ألقى اللام من الثاني ردّه إلى «مبعوثونَ، يومَ يقومُ الناسُ » فلو خفضت يومَ بالرَّد على اليوم الأوَّلِ كان صوابا.
وقد تكونُ في موضع خفض إلاَّ أنها أضيفت إلى يفعلُ، فنصبت إذ أضيفت إلى غير محضٍ، ولو رفع على ذلك ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الناسُ ﴾ كما قال الشاعر :
فَكُنْتُ كذى رِجْلين : رجلٌ صحيحةٌ *** وأخرى رمَى فيها الزَّمانُ فَشَلَّتِ
وقوله عز وجل :﴿ وَما أَدْرَاكَ ما سِِجِّينٌ ﴾.
ذكروا أنها الصخرة التي تحت الأرض، ونرى أنه صفة من صفاتها ؛ لأنه لو كان لها اسما لم يجر.
وإِن قلت : أجريتُه لأني ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.
وقوله عز وجل :﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ ما كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾.
يقول : كثرت المعاصي والذنوب منهم، فأَحاطت بقلوبهم فذلك الرَّين عليها. وجاء في الحديث : أن عمرَ بن ِالخطاب رحمه الله، قال للأسيفع أصبَح قدرِين به. يقول : قد أحاط بماله [ ١٣١/ب ]، الدين وأنشدني بعض العرب :
لم ترو حتى هجرت ورين بي ***...
يقول : حتى غُلبتُ من الإعياء، كذلك غلبَةُ الدَّينِ، وغلبةُ الذنوبِ.
وقوله عز وجل :﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي علِّيِّينَ ﴾.
يقول القائل : كيف جمعت ( عِلِّيون ) بالنون، وهذا من جمع الرجال ؛ فإن العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناءً من واحد واثنين، فقالوه في المؤنث، والمذكر بالنون، فمن ذلك هذا، وهو شيء فوق شيء غير معروف واحده ولا أثناه.
وسمعتُ بعضَ العرب يقول : أَطْعَمَنا مرقة مَرَقَيْن يريد : الألحُمَ إذا طبخت بمرق.
قال، وقال الفراء مرة أخرى : طبخت بماء واحد. قال الشاعر :
قد رَوِيَتْ إلا الدُّهَيْدِهينا قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينَا
فجمع بالنون ؛ لأنه أراد : العدد الذي لا يُحَدُّ، وكذلك قول الشاعر :
فأصبحت المذَاهِبُ قد أذاعت بِهَا الإعصارُ بعد الوابلينا
أراد : المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب :
عشرون، وثلاثون ؛ إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الذي يشبه هذا النوع، وكذلك عليّون : ارتفاعٌ بعد ارتفاع ؛ وكأنه لا غاية له.
وقوله عز وجل :﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾.
يقول. بريق النعيم ونداه، والقراء مجتمعون على ( تعرف ) إلا أبا جعفر المدني ؛ فإنه قرأ :«تُعرَفُ في وجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيم »، و «يُعرف » أيضا يجوز ؛ لأنّ النَّضْرَةَ اسمٌ مؤنثٌ مأخوذ من فعلٍ وتذكير فعله قبله [ ١٣٢/ا ] وتأنيثه جائزان.
مثل قوله :﴿ وأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ وفي موضع آخر :﴿ وأخذَت ﴾.
وقوله عز وجل :﴿ خَاتَمُهُ مِسْكٌ ﴾.
قرأ الحسنُ وأهل الحجاز وعاصم والأعمش «ختامه مسك ». حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال :[ و ] حدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السَّائب عن أبي عبد الرحمان عن على أنه قرأ «خَاتَمُهُ مِسْكٌ » [ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء قال :[ و ] حدثني أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعناء المحاربي قال : قرأ علقمة بن قيس «خاتَمُهُ مِسْكٌ ». وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لي خاتمه مسكا تريد : آخره، والخاتم والختام متقاربان في المعنى، إلا أن الخاتم : الاسم، والختام : المصدر، قال الفرزدق :
فَبِتْنَ جنابَتيَّ مُصَرَّعَاتٍ وبِتُّ أفُضُّ أَغْلاَقَ الخِتامِ
ومثل الخاتم، والختام قولك للرجل : هو كريم الطابع، والطباع، وتفسيره : أنّ أحدهم إذا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.
وقوله عز وجل :﴿ وَمِزَاجُهُ ﴾.
مزاج الرحيق ﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ من ماء يتنزل عليهم من مَعالٍ. فقال :﴿ من تسنيم، عيناً ﴾ تتسنمهم عينا فتنصب ( عينا ) على جهتين : إحداهما أن تنوِيَ من تسنيمِِ عينٍ، فإذا نونت نصبت. كما قرأ من قرأ ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يتيماً ﴾، وكما قال :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ﴾، وكما قال من قال :﴿ فَجَزَاء مِثْلَ ما قَتلَ مِنَ النِّعمِ ﴾ والوجه الآخر : أَن تَنْوِىَ من ماء سُنِّم عينا.
كقولك : رفع عينا يشرب بها، وإن [ لم ] يكن التسنيم اسمًا للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسما للماء فالعين معرفة، فخرجت أيضا نصبا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:وقوله عز وجل :﴿ وَمِزَاجُهُ ﴾.
مزاج الرحيق ﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ من ماء يتنزل عليهم من مَعالٍ. فقال :﴿ من تسنيم، عيناً ﴾ تتسنمهم عينا فتنصب ( عينا ) على جهتين : إحداهما أن تنوِيَ من تسنيمِِ عينٍ، فإذا نونت نصبت. كما قرأ من قرأ ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يتيماً ﴾، وكما قال :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً ﴾، وكما قال من قال :﴿ فَجَزَاء مِثْلَ ما قَتلَ مِنَ النِّعمِ ﴾ والوجه الآخر : أَن تَنْوِىَ من ماء سُنِّم عينا.
كقولك : رفع عينا يشرب بها، وإن [ لم ] يكن التسنيم اسمًا للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسما للماء فالعين معرفة، فخرجت أيضا نصبا.

وقوله جل وعز :﴿ فَاكِهِينَ ﴾ : مُعجَبين، وقد قرِئ :«فَكِهين ».
وكلّ صواب مثل : طمِع وطامع.
Icon