ﰡ
١٦٨ - قال الله تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزلت: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) وقليل من الآخرين شق ذلك على المسلمين فنزلت: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ)، فقال: (أنتم ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الباقي).
هكذا جاء في سبب نزولها ولم يذكر هذا الحديث أحد من المفسرين الذين وقفت على أقوالهم.
والحديث حري بالإعراض عنه فلا إسناد صحيح، ولا متن مستقيم،
يوجب القبول والاحتجاج، لأنه إذا كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أصحاب اليمين فمن الذي يكون من المقربين إذن؟
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا للنزول لضعف سنده، وإعراض المفسرين عنه، وعدم موافقته لسياق القرآن، والله أعلم.
* * * * *
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: قال: مُطِر الناس على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة اللَّه. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا) قال: فنزلت هذه الآية: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر هذا الحديث بعض المفسرين بلا تعقب كالبغوي والقرطبي، ومنهم من تعقبه كابن عاشور.
قال البغوي: (وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا: مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من فضل اللَّه تعالى فقيل لهم: أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقتم يعني شكر رزقكم التكذيب). اهـ.
أما ابن عاشور فإنه لما ذكر حديث زيد بن خالد الجهني في صلاة الصبح في الحديبية مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (وليس فيه زيادة فنزلت هذه الآية ولو
أما الطبري وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث ابن عبَّاسٍ سببًا لنزولها.
قال الطبري: (وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب ثم ذكر الآثار عن السلف من الصحابة والتابعين الدالة على أن المراد بتكذيبهم هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا) اهـ.
وقال ابن عطية: (أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله اللَّه للعباد هذا بنوء كذا وكذا، وهذا بعثانين الأسد، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك) اهـ.
قال السعدي: (أي تجعلون مقابلة منة اللَّه عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة اللَّه فتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها، فهلا شكرتم اللَّه على إحسانه، إذا أنزله إليكم ليزيدكم من فضله فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم، وحلول النقم) اهـ.
أما حديث زيد بن خالد الجهني فقد خلا من ذكر النزول، وهو حري بذلك لأن قصة الحديبية كانت بعد الهجرة، وسورة الواقعة نزلت قبلها فلا تكون سبباً لها.
وإذا استبعدنا حديث زيد من السببية، بقي حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والراجح عندي - واللَّه أعلم - أن الآية لم تنزل على السبب المصطلح عليه بين العلماء لعدم وجود حدث أو سؤال تعالجه الآية أو تجيب عنه.
لأن قوله في الحديث: (أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا هذه رحمة اللَّه، وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا) حكاية عن حال الناس تجاه رحمة اللَّه عموماً، وليس في الحديث دلالة على أن هذا حدث خاص قاله الناس ونزلت الآية بشأنه.
وإذا كان حديث زيد قد خلا من ذكر النزول مع أنه سُبق بمطر فمن باب أولى أن يخلو حديث ابن عبَّاسٍ من هذا حيث لم يُسبق بمطر.
وإذا كان الطبري وابن كثير مع عنايتهما بالأحاديث وتطريقها قد أعرضا عن ذكر هذا السبب كان هذا أيضاً مما يوجب الريب والتردد.
وبناءً على ما تقدم فإن الآيات إنما نزلت لإبطال ما كان يعتاده أهل
أما الجواب عن قوله: (فنزلت هذه الآية) فالمعنى أن عموم لفظها يتناول بالإبطال أقوال المشركين المنافية للتوحيد.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا ليس سبباً لنزول الآية لعدم وجود الحدث المعين ولإعراض بعض المفسرين المعتنين بالأحاديث عن ذكره والله أعلم.
* * * * *