تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ١٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
تفسير المفردات
وقعت: حدثت، والواقعة القيامة، لوقعتها: أي لوقوعها، كاذبة: أي كذب، ورجت: زلزلت وحركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبال، وبست:
أي فتتت وصارت كالسويق الملتوت، من قولهم بس فلان السويق: أي لتّه، وهباء:
أي غبارا، منبثا: أي متفرقا، أزواجا: أي أصنافا. قال الراغب: الزوج يكون لكل من القرينين الذكر والأنثى فى الحيوانات المتزاوجة، ولكل قرينين منها ومن غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا اه والميمنة ناحية اليمين، والمشأمة ناحية الشمال والعرب يتيمنون بالميامن ويتشاءمون بالشمائل، والمراد أصحاب المرتبة السنية الرفيعة القدر، والسابقون: هم الذين سبقوا إلى الخيرات فى الدنيا، والمقربون:
هم أرباب الحظوة والكرامة عند ربهم.
المعنى الجملي
حين تقع الواقعة ويجىء يوم القيامة لا تكذب نفس على الله فتنكره، إذ تحقق بالمعاينة وشهده كل أحد، أما فى الدنيا فما أكثر النفوس المكذبة به، المنكرة له،
131
لأنهم لم يذوقوا العذاب كما عاينه المعذبون فى الآخرة.
ثم وصف هذه الواقعة بأنها تخفض أقواما وترفع آخرين، وأن الأرض حينئذ تزلزل فيندك ما عليها من جبال وأبنية، وأن الجبال تتفتت وتصير كالغبار المنتشر فى الجو، وأن الناس إذ ذاك ينقسمون أفواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون.
الإيضاح
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي إذا قامت القيامة لا يكون لوقعتها ارتداد ولا رجعة كالحملة الصادقة من ذى سطوة قاهر قاله الحسن وقتادة وقد يكون المعنى- ليس فى وقت وقوعها كذب، لأنه حق لا شبهة فيه.
ثم هوّل شأنها وعظم أمرها فقال:
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي هى خافضة لأقوام ورافعة لآخرين قاله ابن عباس، إذ الوقائع العظيمة شأنها الخفض والرفع كما يشاهد فى تبدل الدول من ذل الأعزة وعزّ الأذلة.
وفى هذا إيماء إلى ما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات، ورفع السعداء إلى درجات الجنات، ومن ثم قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياءه إلى الحنة.
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي إذا وقعت الواقعة تزلزل الأرض زلزالا وتضطرب اضطرابا شديدا طولا وعرضا، فتندكّ الحصون والجبال، وتهدم البيوت والصياصي.
قال الربيع بن أنس: ترجّ بما فيها كرجّ الغربال بما فيه.
ونحو الآية قوله تعالى: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» وقوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ».
ثم وصف هذه الواقعة بأنها تخفض أقواما وترفع آخرين، وأن الأرض حينئذ تزلزل فيندك ما عليها من جبال وأبنية، وأن الجبال تتفتت وتصير كالغبار المنتشر فى الجو، وأن الناس إذ ذاك ينقسمون أفواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون.
الإيضاح
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي إذا قامت القيامة لا يكون لوقعتها ارتداد ولا رجعة كالحملة الصادقة من ذى سطوة قاهر قاله الحسن وقتادة وقد يكون المعنى- ليس فى وقت وقوعها كذب، لأنه حق لا شبهة فيه.
ثم هوّل شأنها وعظم أمرها فقال:
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي هى خافضة لأقوام ورافعة لآخرين قاله ابن عباس، إذ الوقائع العظيمة شأنها الخفض والرفع كما يشاهد فى تبدل الدول من ذل الأعزة وعزّ الأذلة.
وفى هذا إيماء إلى ما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات، ورفع السعداء إلى درجات الجنات، ومن ثم قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياءه إلى الحنة.
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي إذا وقعت الواقعة تزلزل الأرض زلزالا وتضطرب اضطرابا شديدا طولا وعرضا، فتندكّ الحصون والجبال، وتهدم البيوت والصياصي.
قال الربيع بن أنس: ترجّ بما فيها كرجّ الغربال بما فيه.
ونحو الآية قوله تعالى: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» وقوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ».
132
(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي وتفتت الجبال تفتتا، وصارت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة.
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي فصارت كالهباء المنبث الذي ذرته الريح وفرقته. وقال قتادة: صارت كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح.
والخلاصة- إن الجبال تزول عن أماكنها حينئذ، وتنسف نسفا، وتكون كالعهن المنفوش.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي وصرتم أصنافا ثلاثة، وكل صنف يذكر أو يوجد مع صنف آخر يسمى زوجا كالعينين والرجلين، فكل منهما يسمى زوجا، وهما معا زوجان، فهاهنا أزواج ثلاثة لا زوجان.
ثم فصل هذه الأزواج فقال:
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي فأصحاب الميمنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أىّ شىء هم فى حالهم وصفتهم وسعادتهم؟ والمراد أنهم فى حال هى الغاية فى الحسن والكمال.
ولا يخفى ما فى هذا من تفخيم شأنهم، وتعظيم أمرهم، وأنهم بلغوا حدا لا يقدر قدره من السعادة.
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) أي وأصحاب المشأمة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، أي شىء هم فى حالهم؟ والمراد أنهم بلغوا الغاية فى سوء الحال.
وقال المبرد: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، والعرب تقول اجعلنى فى يمينك، ولا تجعلنى فى شمالك، أي اجعلنى من المتقدمين ولا تجعلنى من المتأخرين اه.
أخرج أحمد عن معاذ بن جبل «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية ثم قبض بيديه قبضتين وقال هذه فى الجنة ولا أبالى وهذه فى النار ولا أبالى».
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي فصارت كالهباء المنبث الذي ذرته الريح وفرقته. وقال قتادة: صارت كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح.
والخلاصة- إن الجبال تزول عن أماكنها حينئذ، وتنسف نسفا، وتكون كالعهن المنفوش.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي وصرتم أصنافا ثلاثة، وكل صنف يذكر أو يوجد مع صنف آخر يسمى زوجا كالعينين والرجلين، فكل منهما يسمى زوجا، وهما معا زوجان، فهاهنا أزواج ثلاثة لا زوجان.
ثم فصل هذه الأزواج فقال:
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي فأصحاب الميمنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أىّ شىء هم فى حالهم وصفتهم وسعادتهم؟ والمراد أنهم فى حال هى الغاية فى الحسن والكمال.
ولا يخفى ما فى هذا من تفخيم شأنهم، وتعظيم أمرهم، وأنهم بلغوا حدا لا يقدر قدره من السعادة.
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) أي وأصحاب المشأمة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، أي شىء هم فى حالهم؟ والمراد أنهم بلغوا الغاية فى سوء الحال.
وقال المبرد: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، والعرب تقول اجعلنى فى يمينك، ولا تجعلنى فى شمالك، أي اجعلنى من المتقدمين ولا تجعلنى من المتأخرين اه.
أخرج أحمد عن معاذ بن جبل «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية ثم قبض بيديه قبضتين وقال هذه فى الجنة ولا أبالى وهذه فى النار ولا أبالى».
133
ﯖﯗﯘ
ﰌ
ﯚﯛﯜ
ﰍ
ﯞﯟﯠ
ﰎ
ﯢﯣﯤ
ﰏ
ﭑﭒﭓﭔ
ﰐ
ﭖﭗﭘﭙﭚ
ﰑ
ﭜﭝﭞﭟﭠ
ﰒ
ﭢﭣﭤ
ﰓ
ﭦﭧﭨﭩ
ﰔ
ﭫﭬ
ﰕ
ﭮﭯﭰ
ﰖ
ﭲﭳﭴﭵ
ﰗ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﰘ
ﭾﭿﮀﮁ
ﰙ
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أي والسابقون الذين يتقدمون غيرهم إلى الطاعات- هم الذين اشتهرت أحوالهم، وعرفت فخامة أمورهم، وقد يكون المعنى والسابقون إلى طاعة الله تعالى هم السابقون إلى رحمته سبحانه، فمن سبق فى هذه الدنيا إلى فعل الخير كان فى الآخرة من السابقين إلى دار الكرامة، فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان.
وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» أخرجه أحمد.
(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي أولئك المتصفون بذلك الوصف الجليل (السبق) هم الذين نالوا حظوة عند ربهم، وهم فى جنات النعيم، يتمتعون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٣ الى ٢٦]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)
وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» أخرجه أحمد.
(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي أولئك المتصفون بذلك الوصف الجليل (السبق) هم الذين نالوا حظوة عند ربهم، وهم فى جنات النعيم، يتمتعون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٣ الى ٢٦]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)
134
تفسير المفردات
الثلة: الجماعة قلّت أو كثرت، وقيل الجماعة الكثيرة من الناس كما قال:
موضونة من الوضن وهو: النسج، والولدان: واحدهم ولد، مخلدون: أي مبقون أبدا على هذه الصفة، أكواب: أي آنية لا عرا لها ولا خراطيم، أباريق: واحدها إبريق وهو إناء له خرطوم. قال عدىّ بن الرّقاع:
كأس من معين: أي خمر جارية من العيون كما قال ابن عباس وقتادة، والمراد أنها لم تعصر كخمر الدنيا، لا يصدّعون عنها، أي لا يلحقهم صداع بسببها كما يحدث ذلك فى خمر الدنيا، ولا ينزفون: أي ولا تذهب عقولهم بالسكر منها، يقال نزف الشارب إذا ذهب عقله، ويقال للسكران نزيف ومنزوف، يتخيرون: أي يختارون ويرضون، حور: واحدتهن حوراء: أي بيضاء، عين: واحدتهن عيناء: أي واسعة العينين، المكنون: المصون الذي لم تمسسه الأيدى وهو أصفى وأبعد من التغير قال:
لغوا: أي هزاء لا خير فيه، ولا تأثيما: أي ما يقال حين سماعه وقعتم فى الإثم.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أن الناس يوم القيامة أصناف ثلاثة: سابقون وأصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة- أعقب ذلك بذكر ما يتمتع به السابقون من النعيم فى فرشهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم وأحاديثهم التي تدل على صفاء النفس، وأدب الخلق، وسمو العقل.
الثلة: الجماعة قلّت أو كثرت، وقيل الجماعة الكثيرة من الناس كما قال:
وجاءت إليهم ثلّة خندفيّة | بجيش كتيّار من السيل مزبد |
ودعوا بالصّبوح يوما فجاءت | به قينة فى يمينها إبريق |
قامت تراءى بين سجفى كلّة | كالشمس يوم طلوعها بالأسعد |
أو درّة صدفيّة غوّاصها | بهج متى يرها يهلّ ويسجد |
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أن الناس يوم القيامة أصناف ثلاثة: سابقون وأصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة- أعقب ذلك بذكر ما يتمتع به السابقون من النعيم فى فرشهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم وأحاديثهم التي تدل على صفاء النفس، وأدب الخلق، وسمو العقل.
135
الإيضاح
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي هم جماعة كثيرة من سالفى الأمم وقليل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويستأنس لهذا
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة».
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي على سرر منسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت، قال الأعشى فى وصف الدرع:
(مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) أي متكئين على السرر ينظر بعضهم إلى وجوه بعض، فهم فى صفاء وعيش رغد وحسن معاشرة، لا يوجد فى نفوسهم من الشحناء والبغضاء ما يوجب الافتراق.
ثم ذكر ما هم فيه من ترف ونعيم، وأنهم مخدومون فى شرابهم وطعامهم، مكفيون مئونة ما يريدون فقال:
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي يطوف عليهم غلمان وخدم على صفة واحدة لا يكبرون ولا يتغيرون، فهم دائما على الصفة التي تسر المخدوم إذا رأى الخادم.
(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) أي يطوفون عليهم بأداة الشراب كاملة من أكواب وأباريق وخمر تجرى من العيون ولا تعصر عصرا فهى صافية نقية لا تنقطع أبدا، وهم يطلبون منها ما يريدون، ولا صداع فى شرابها، ولا ذهاب منها للعقل كما فى خمور الدنيا.
روى عن ابن عباس أن فى خمر الدنيا أربع خصال: السكر والصداع والقيء والبول، نزه الله خمر الجنة عنها».
وبعد أن وصف الشراب وصف الطعام فقال:
(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي ويطوفون بألوان من الفاكهة
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي هم جماعة كثيرة من سالفى الأمم وقليل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويستأنس لهذا
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة».
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي على سرر منسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت، قال الأعشى فى وصف الدرع:
ومن نسج داود موضونة | تسير مع الحىّ عيرا فعيرا |
ثم ذكر ما هم فيه من ترف ونعيم، وأنهم مخدومون فى شرابهم وطعامهم، مكفيون مئونة ما يريدون فقال:
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي يطوف عليهم غلمان وخدم على صفة واحدة لا يكبرون ولا يتغيرون، فهم دائما على الصفة التي تسر المخدوم إذا رأى الخادم.
(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) أي يطوفون عليهم بأداة الشراب كاملة من أكواب وأباريق وخمر تجرى من العيون ولا تعصر عصرا فهى صافية نقية لا تنقطع أبدا، وهم يطلبون منها ما يريدون، ولا صداع فى شرابها، ولا ذهاب منها للعقل كما فى خمور الدنيا.
روى عن ابن عباس أن فى خمر الدنيا أربع خصال: السكر والصداع والقيء والبول، نزه الله خمر الجنة عنها».
وبعد أن وصف الشراب وصف الطعام فقال:
(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي ويطوفون بألوان من الفاكهة
136
المختلفة المطاعم، يختارون منها ما تميل إليه نفوسهم، وبأنواع من لحوم الطير مما لذّ وطاب، فيأخذون منها ما يشتهون، وفيه يرغبون.
وبعد أن ذكر طعامهم وشرابهم أعقبه بذكر نسائهم فقال:
(وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي ويتمتعون بنساء بيض مشرقات الوجوه تبدو عليهم نضرة النعيم، وكأنهن اللآلئ صفاء وبهجة.
ثم ذكر السبب فى متعتهم بكل هذا النعيم فقال:
(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي جازاهم ربهم على ما عملوا، وأثابهم بما كسبوا فى الدنيا، وزكّوا به أنفسهم من صالح الأعمال، ونصبوا له بأداء فروض دينهم على أتم الوجوه وأكملها، فهم كانوا قوّامين لليل، صوّامين للنهار «كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» وبعد أن وصف النساء وصف حديثهم حينئذ فقال:
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً) أي لا يسمعون اللغو الهراء من الحديث، ولا هجر القول وما تتقزز منه النفوس الراقية، ذات الأخلاق العالية، ولكن يسمعون أطيب السلام، وسامى الكلام، مما يستساغ كما قال سبحانه:
«تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٧ الى ٤٠]
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
وبعد أن ذكر طعامهم وشرابهم أعقبه بذكر نسائهم فقال:
(وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي ويتمتعون بنساء بيض مشرقات الوجوه تبدو عليهم نضرة النعيم، وكأنهن اللآلئ صفاء وبهجة.
ثم ذكر السبب فى متعتهم بكل هذا النعيم فقال:
(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي جازاهم ربهم على ما عملوا، وأثابهم بما كسبوا فى الدنيا، وزكّوا به أنفسهم من صالح الأعمال، ونصبوا له بأداء فروض دينهم على أتم الوجوه وأكملها، فهم كانوا قوّامين لليل، صوّامين للنهار «كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» وبعد أن وصف النساء وصف حديثهم حينئذ فقال:
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً) أي لا يسمعون اللغو الهراء من الحديث، ولا هجر القول وما تتقزز منه النفوس الراقية، ذات الأخلاق العالية، ولكن يسمعون أطيب السلام، وسامى الكلام، مما يستساغ كما قال سبحانه:
«تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٧ الى ٤٠]
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
137
تفسير المفردات
السدر: شجر النبق، مخضود: أي خضد شوكه أي قطع، والطلح: شجر الموز، منضود: أي نضد حمله من أسفله إلى أعلاه فليست له سوق بارزة، ممدود: أي منبسط ممتد لا يتقلص ولا يتفاوت، مسكوب: أي مصبوب يسكب لهم كما يشاءون بلا نصب ولا تعب، فرش: واحدها فراش كسرج وسراج، مرفوعة: أي عالية منضدة، عربا: واحدتهنّ عروب كصبر وصبور، أترابا: أي متساويات فى السن واحدتهن ترب.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال السابقين وبين مالهم من نعيم مقيم، فى جنات النعيم- أردف ذلك ذكر حال أصحاب اليمين، فبين أنهم فى جنات يتخللها السدر المخضود، والموز المنضّد بعضه فوق بعض، والفاكهة الكثيرة التي لا تنقطع أبدا، ولا تمتنع عنهم متى شاءوا، وفيها فرش وثيرة مرتفعة عالية، ونساء حسان أبكار فى سن واحدة.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) أي وأصحاب اليمين هم الغاية فى فخامة شأنهم، ورفعة قدرهم، وعلوّ منزلتهم.
وقد جاء هذا الأسلوب فى كلام العرب لإفادة المبالغة فى مدح أو ذم فيقولون فلان ما فلان.
السدر: شجر النبق، مخضود: أي خضد شوكه أي قطع، والطلح: شجر الموز، منضود: أي نضد حمله من أسفله إلى أعلاه فليست له سوق بارزة، ممدود: أي منبسط ممتد لا يتقلص ولا يتفاوت، مسكوب: أي مصبوب يسكب لهم كما يشاءون بلا نصب ولا تعب، فرش: واحدها فراش كسرج وسراج، مرفوعة: أي عالية منضدة، عربا: واحدتهنّ عروب كصبر وصبور، أترابا: أي متساويات فى السن واحدتهن ترب.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال السابقين وبين مالهم من نعيم مقيم، فى جنات النعيم- أردف ذلك ذكر حال أصحاب اليمين، فبين أنهم فى جنات يتخللها السدر المخضود، والموز المنضّد بعضه فوق بعض، والفاكهة الكثيرة التي لا تنقطع أبدا، ولا تمتنع عنهم متى شاءوا، وفيها فرش وثيرة مرتفعة عالية، ونساء حسان أبكار فى سن واحدة.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) أي وأصحاب اليمين هم الغاية فى فخامة شأنهم، ورفعة قدرهم، وعلوّ منزلتهم.
وقد جاء هذا الأسلوب فى كلام العرب لإفادة المبالغة فى مدح أو ذم فيقولون فلان ما فلان.
138
ﯗﯘﯙﯚﯛ
ﰨ
ﯝﯞﯟ
ﰩ
ﯡﯢﯣ
ﰪ
ﯥﯦﯧﯨ
ﰫ
ﯪﯫﯬﯭﯮ
ﰬ
ﯰﯱﯲﯳﯴ
ﰭ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰮ
ﰀﰁ
ﰯ
ﰃﰄﰅﰆ
ﰰ
ﰈﰉﰊﰋﰌ
ﰱ
ﭑﭒﭓﭔﭕ
ﰲ
ﭗﭘﭙﭚﭛ
ﰳ
ﭝﭞﭟ
ﰴ
ﭡﭢﭣﭤ
ﰵ
ﭦﭧﭨ
ﰶ
ﭪﭫﭬﭭ
ﰷ
ثم فصل ما أبهم من حالهم بقوله:
(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَماءٍ مَسْكُوبٍ. وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي هم يتمتعون بجنات فيها السدر الذي قطع شوكه لا كسدر البرية فى الدنيا، وفيها الموز الذي ملىء ثمرا، فلا تظهر له سيقان، وفيها ظل ظليل يقيهم شديد الحر ووهج الشمس، وفيها ماء مصبوب لا يحتاج أهلها إلى تعب ونصب للحصول عليه، وفيها ضروب من الفاكهة التي لا تنقطع أبدا، ولا تمتنع عنهم فى وقت، فهم يجدونها متى شاءوا وأحبوا.
ثم ذكر ما يمتعون به من الفرش فقال:
(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي وهم يجلسون على فرش وثيرة عالية وطيئة لا تتعب الجالس عليها.
وبعدئذ ذكر ما يمتعون به من النساء فقال:
(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي إنا أعددناهن نساء أبكارا متحببات إلى أزواجهن، إذ هنّ يحسنّ التبعّل، كلهن فى سن واحدة، لا تمتاز واحدة عن أخرى، وأعطيناهن لأصحاب اليمين.
وأعاد ذكر (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) للتأكيد والتحقيق.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي أصحاب اليمين جماعة من مؤمنى الأمم السالفة، وجماعة من مؤمنى أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنما لم يقل فى حق هؤلاء جزاء بما كانوا يعملون كما قال ذلك فى حق السابقين إشارة إلى أن عملهم لقصوره عن عمل السابقين لم يعتبر اعتباره.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٦]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)
(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَماءٍ مَسْكُوبٍ. وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي هم يتمتعون بجنات فيها السدر الذي قطع شوكه لا كسدر البرية فى الدنيا، وفيها الموز الذي ملىء ثمرا، فلا تظهر له سيقان، وفيها ظل ظليل يقيهم شديد الحر ووهج الشمس، وفيها ماء مصبوب لا يحتاج أهلها إلى تعب ونصب للحصول عليه، وفيها ضروب من الفاكهة التي لا تنقطع أبدا، ولا تمتنع عنهم فى وقت، فهم يجدونها متى شاءوا وأحبوا.
ثم ذكر ما يمتعون به من الفرش فقال:
(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي وهم يجلسون على فرش وثيرة عالية وطيئة لا تتعب الجالس عليها.
وبعدئذ ذكر ما يمتعون به من النساء فقال:
(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي إنا أعددناهن نساء أبكارا متحببات إلى أزواجهن، إذ هنّ يحسنّ التبعّل، كلهن فى سن واحدة، لا تمتاز واحدة عن أخرى، وأعطيناهن لأصحاب اليمين.
وأعاد ذكر (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) للتأكيد والتحقيق.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي أصحاب اليمين جماعة من مؤمنى الأمم السالفة، وجماعة من مؤمنى أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنما لم يقل فى حق هؤلاء جزاء بما كانوا يعملون كما قال ذلك فى حق السابقين إشارة إلى أن عملهم لقصوره عن عمل السابقين لم يعتبر اعتباره.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٦]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)
139
تفسير المفردات
السموم: حر نار ينفذ فى المسامّ، والحميم: الماء الشديد الحرارة، واليحموم:
دخان أسود كما قال ابن عباس وابن زيد، لا بارد ولا كريم: أي لا هو بارد كسائر الظلال، ولا دافع أذى الحر لمن يأوى إليه، مترفين: أي منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون على شىء مما جاء به الرسل، يصرون: أي يقيمون ولا يقلعون، والحنث العظيم: أي الذنب العظيم وهو الشرك بالله وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله، والميقات: ما وقت به الشيء والمراد به يوم القيامة، وسمى به لأنه وقتت به الدنيا، وشجر الزقوم: شجر ينبت فى أصل الجحيم، والهيم: واحدها أهيم وهو الجمل الذي يصيبه الهيام (بالضم) وهو داء يشبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب حتى تموت أو تسقم سقما شديدا، والنزل: ما يقدم للضيف إذا نزل تكرمة له، ويوم الدين:
يوم الجزاء.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر زوجين من الأزواج الثلاثة، وبين ما يلقاه كل منهم من عز مقيم، وشرف عظيم، فى جنات ونعيم، فى جملة شئونهم، فى مآكلهم ومشاربهم وفرشهم
السموم: حر نار ينفذ فى المسامّ، والحميم: الماء الشديد الحرارة، واليحموم:
دخان أسود كما قال ابن عباس وابن زيد، لا بارد ولا كريم: أي لا هو بارد كسائر الظلال، ولا دافع أذى الحر لمن يأوى إليه، مترفين: أي منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون على شىء مما جاء به الرسل، يصرون: أي يقيمون ولا يقلعون، والحنث العظيم: أي الذنب العظيم وهو الشرك بالله وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله، والميقات: ما وقت به الشيء والمراد به يوم القيامة، وسمى به لأنه وقتت به الدنيا، وشجر الزقوم: شجر ينبت فى أصل الجحيم، والهيم: واحدها أهيم وهو الجمل الذي يصيبه الهيام (بالضم) وهو داء يشبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب حتى تموت أو تسقم سقما شديدا، والنزل: ما يقدم للضيف إذا نزل تكرمة له، ويوم الدين:
يوم الجزاء.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر زوجين من الأزواج الثلاثة، وبين ما يلقاه كل منهم من عز مقيم، وشرف عظيم، فى جنات ونعيم، فى جملة شئونهم، فى مآكلهم ومشاربهم وفرشهم
140
وأزواجهم- أردف ذلك ذكر الزوج الثالث، وبين ما يلقاه من النكال والوبال وسوء الحال، فهو يتظلى فى السموم، ويشرب ماء كالمهل يشوى الوجوه، ثم أعقبه بذكر السبب فى هذا، بأنهم كانوا فى دنياهم مترفين غارقين فى ذنوبهم، منكرين هذا اليوم يوم الجزاء ثم أمره أن يخبرهم بأن هذا اليوم واقع حتما وأن مأكلهم سيكون من شجر الزقوم يملئون منه بطونهم، ثم يشربون ولا يرتوون كالإبل الهيم، وهذا ما أعد لهم من كرم وحسن وفادة فى هذا اليوم.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ، ما أَصْحابُ الشِّمالِ) أي أصحاب الشمال فى حال لا يستطاع وصفها، ولا يقدر قدرها من نكال ووبال وسوء منقلب.
ثم فسر هذا المبهم بقوله:
(فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي هم فى حرّ ينفذ فى المسامّ، وماء متناه فى الحرارة، وظل من دخان أسود، ليس بطيّب الهبوب، ولا حسن المنظر، لأنه دخان من سعير جهنم يؤلم من يستظل به.
قال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة (الكريم) فى النفي فيقولون هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، وهذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، وهذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة اه.
وذكر السموم والحميم ولم يذكر النار، إشارة بالأدنى إلى الأعلى، فإن هواءهم إذا كان سموما، وماءهم الذي يستغيثون به حميما، مع أن الهواء والماء من أبرد الأشياء وأنفعها، فما ظنك بنارهم، فكأنه قال: إن أبرد الأشياء لديهم أحرها، فما بالك بحالهم مع أحرّها؟.
ونحو الآية قوله تعالى: «انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ. إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ، ما أَصْحابُ الشِّمالِ) أي أصحاب الشمال فى حال لا يستطاع وصفها، ولا يقدر قدرها من نكال ووبال وسوء منقلب.
ثم فسر هذا المبهم بقوله:
(فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي هم فى حرّ ينفذ فى المسامّ، وماء متناه فى الحرارة، وظل من دخان أسود، ليس بطيّب الهبوب، ولا حسن المنظر، لأنه دخان من سعير جهنم يؤلم من يستظل به.
قال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة (الكريم) فى النفي فيقولون هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، وهذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، وهذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة اه.
وذكر السموم والحميم ولم يذكر النار، إشارة بالأدنى إلى الأعلى، فإن هواءهم إذا كان سموما، وماءهم الذي يستغيثون به حميما، مع أن الهواء والماء من أبرد الأشياء وأنفعها، فما ظنك بنارهم، فكأنه قال: إن أبرد الأشياء لديهم أحرها، فما بالك بحالهم مع أحرّها؟.
ونحو الآية قوله تعالى: «انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ. إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ.
141
كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ».
والخلاصة- إن السموم تضربهم فيعطشون، وتلتهم تارة أحشاءهم، فيشربون الماء فيقطّع أمعاءهم، ويريدون الاستظلال بظل، فيكون ظل اليحموم.
ثم ذكر السبب فى تعذيبهم فقال:
(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ. وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ. وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؟) أي إنهم كانوا فى الدنيا منعمين بألوان من المآكل والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، مهمكين فى الشهوات، فلا جرم عذّبوا بنقائضها، إلى أنهم كانوا ينكرون هذا اليوم ويقولون: أنبعث نحن وآباؤنا الأولون ونعود كرّة أخرى، وقد صرنا أجسادا بالية، وعظاما نخرة؟.
والخلاصة- إنهم كانوا يمتّعون بوافر النّعم وجزيل المنن، وهم مع ذلك أصروا على كفرانهم، ولم يشكروا أنعم الله عليهم، فاستحقوا عقاب ربهم، وكانوا مكذبين بهذا اليوم، مستبعدين وقوعه، وركبوا رءوسهم فلم يلووا على شىء، وهاموا فى أودية الضلالة، وساروا فى سبيل الغواية، لا رقيب ولا حسيب.
وقد جرت سنة القرآن أن يذكر أسباب العقاب، ولا يذكر أسباب الثواب، لأن الثواب فضل، والعقاب عدل، والفضل إن ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم فى المتفضل به نقص ولا ظلم، أما العدل فإن لم يعلم سببه فربما يظن أنه ضرب من الظلم.
وقد ذكروا لاستبعاد هذا البعث أسبابا:
(١) الحياة بعد الموت.
(٢) طول العهد بعد الموت حتى صارت اللحوم ترابا والعظام رفاتا.
(٣) بلغ الأمر منهم أن قالوا متعجبين: أو يبعث آباؤنا الأولون؟
فرد الله عليهم كل هذا وأمر رسوله أن يجيبهم.
والخلاصة- إن السموم تضربهم فيعطشون، وتلتهم تارة أحشاءهم، فيشربون الماء فيقطّع أمعاءهم، ويريدون الاستظلال بظل، فيكون ظل اليحموم.
ثم ذكر السبب فى تعذيبهم فقال:
(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ. وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ. وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؟) أي إنهم كانوا فى الدنيا منعمين بألوان من المآكل والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، مهمكين فى الشهوات، فلا جرم عذّبوا بنقائضها، إلى أنهم كانوا ينكرون هذا اليوم ويقولون: أنبعث نحن وآباؤنا الأولون ونعود كرّة أخرى، وقد صرنا أجسادا بالية، وعظاما نخرة؟.
والخلاصة- إنهم كانوا يمتّعون بوافر النّعم وجزيل المنن، وهم مع ذلك أصروا على كفرانهم، ولم يشكروا أنعم الله عليهم، فاستحقوا عقاب ربهم، وكانوا مكذبين بهذا اليوم، مستبعدين وقوعه، وركبوا رءوسهم فلم يلووا على شىء، وهاموا فى أودية الضلالة، وساروا فى سبيل الغواية، لا رقيب ولا حسيب.
وقد جرت سنة القرآن أن يذكر أسباب العقاب، ولا يذكر أسباب الثواب، لأن الثواب فضل، والعقاب عدل، والفضل إن ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم فى المتفضل به نقص ولا ظلم، أما العدل فإن لم يعلم سببه فربما يظن أنه ضرب من الظلم.
وقد ذكروا لاستبعاد هذا البعث أسبابا:
(١) الحياة بعد الموت.
(٢) طول العهد بعد الموت حتى صارت اللحوم ترابا والعظام رفاتا.
(٣) بلغ الأمر منهم أن قالوا متعجبين: أو يبعث آباؤنا الأولون؟
فرد الله عليهم كل هذا وأمر رسوله أن يجيبهم.
142
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي أجبهم أيها الرسول الكريم قائلا لهم: إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم أشد الاستبعاد، والآخرين الذين تظنون أن لن يبعثوا- ليجمعون فى صعيد واحد فى ذلك اليوم المعلوم، ولا شك أن اجتماع عدد لا يحصى كثرة أعجب من البعث نفسه.
ونحو الآية قوله فى سورة الصافات: «فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ».
ثم بين ما يلقاه أولئك المكذبون من الجزاء فى مآكلهم ومشاربهم فقال:
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم، إذ لم توحّدوا الله ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه، ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء فى هذا اليوم- إنكم لآكلون من شجر الزقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حارّ لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفى الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون، فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروى لها الماء غليلا.
وخلاصة ذلك- إنه لزيادة العذاب لا ترتوون من شرب هذا الماء المنتن الحار فلا تمسكوا عنه، بل يكون شربكم كشرب الإبل التي تشرب ولا تروى.
ثم بين أنه ليس هذا كل العذاب بل هو أوله وقطعة منه فقال:
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي هذا الزقوم المأكول، والحميم المشروب، أول الضيافة التي تقدم لهم كما يقدم للنازل مما حضر، فما بالك بهم بعد ما يستقر بهم المقام فى النار؟.
ولا يخفى ما فى هذا من التهكم بهم، والتوبيخ لهم كما قال:
ونحو الآية قوله فى سورة الصافات: «فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ».
ثم بين ما يلقاه أولئك المكذبون من الجزاء فى مآكلهم ومشاربهم فقال:
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم، إذ لم توحّدوا الله ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه، ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء فى هذا اليوم- إنكم لآكلون من شجر الزقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حارّ لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفى الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون، فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروى لها الماء غليلا.
وخلاصة ذلك- إنه لزيادة العذاب لا ترتوون من شرب هذا الماء المنتن الحار فلا تمسكوا عنه، بل يكون شربكم كشرب الإبل التي تشرب ولا تروى.
ثم بين أنه ليس هذا كل العذاب بل هو أوله وقطعة منه فقال:
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي هذا الزقوم المأكول، والحميم المشروب، أول الضيافة التي تقدم لهم كما يقدم للنازل مما حضر، فما بالك بهم بعد ما يستقر بهم المقام فى النار؟.
ولا يخفى ما فى هذا من التهكم بهم، والتوبيخ لهم كما قال:
وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا | جعلنا القنا والمرهفات له نزلا |