تفسير سورة الواقعة

تفسير الثعالبي
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي .
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مكية وآياتها ٩٦، روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" من دام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر أو قال لم تصبه فاقة أبدا " قال ( ع ) لأن فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس في الآخرة وفهم ذلك غنى لا فقر معه ومن فهمه شغل بالاستعداد.

تفسير سورة الواقعة
وهي مكّيّة بإجماع ممّن يعتدّ بقوله روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم/ أنّه قال: «من دام على قراءة سورة الواقعة، لم يفتقر» أو قال:
«لم تصبه فاقة أبدا» «١»، قال ع «٢» : لأنّ فيها ذكر القيامة، وحظوظ الناس في الآخرة، وفهم ذلك غنى لا فقر معه، ومن فهمه شغل بالاستعداد.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧)
قوله سبحانه: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ الآية، الواقعةُ: اسْمٌ من أسماء القيامة قاله ابن عباس «٣»، وقال الضَّحَّاكُ «٤» : الواقعة: الصيحة، وهي النفخة في الصور، وكاذِبَةٌ:
يحتمل أَنْ يكون مصدراً، فالمعنى: ليس لها تكذيب ولا رَدٌّ ولا مَثْنَوِيَّةٌ وهذا قول مجاهد والحسن «٥»، ويحتمل أَنْ يكونَ صفة لِمُقَدَّر، كأَنَّهُ قال: ليس لوقعتها حال كاذبة.
وقوله سبحانه: خافِضَةٌ رافِعَةٌ قال قتادة وغيره «٦» : يعني القيامة تَخْفضُ أقواماً إلى النار، وترفع أقواماً إلى الجنة، وقيل: إنَّ بانفطار السموات والأرض والجبال وانهدام هذه
(١) أخرجه الشجري في «أماليه» (٢/ ٢٣٨)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ١١٢) باب: ثواب من قرأ سورة الواقعة (١٥١).
قال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وشجاع والسري لا أعرفهما.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٣٨).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٢) برقم: (٣٣٢٤٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٥)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٢) برقم: (٣٣٢٤٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٨). [.....]
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٢) برقم: (٣٣٢٤٦) عن قتادة، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٨)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٢).
(٦) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٣) برقم: (٣٣٢٥٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
البنية، ترتفعُ طائفةٌ من الأجرام، وتَنْخَفِضُ أُخْرَى، فكأَنَّها عبارة عن شِدَّةِ هول القيامة.
ت: والأَوَّلُ أبين، وهو تفسير البخاريِّ، ومعنى رُجَّتِ: زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ بعنف قاله ابن عباس «١»، ومعنى بُسَّتِ: فُتَّتْ كما تُبَسُّ البَسِيسَةُ وهي السَّوِيقُ قاله ابن عباس وغيره «٢»، وقال بعض اللغويين: «بست» معناه: سيِّرَتْ، والهباء: ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلتْ من كُوَّةٍ قاله ابن عباس وغيره «٣»، والمُنْبَثُّ- بالثاء المثلثة-: الشائع في جميع الهواء، والخطاب في قوله: وَكُنْتُمْ لجميع العالم، والأزواج: الأنواع، قال قتادة «٤» : هذه منازل الناس يوم القيامة.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨ الى ١٢]
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
وقوله سبحانه: فَأَصْحابُ/ الْمَيْمَنَةِ: ابتداء، وما ابتداء ثان، وأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ: خبرُ مَا، والجملة خبر الابتداء الأوَّلِ، وفي الكلام معنى التعظيم كما تقول: زيد ما زيد، ونظير هذا في القرآن كثير، والميمنة أظهر ما في اشتقاقها أَنَّها من ناحية اليمين، وقيل من اليمْن، وكذلك المشأمة: إمَّا أَنْ تكونَ من اليد الشُّؤْمى، وإمَّا أَنْ تكونَ من الشؤم، وقد فُسِّرَتِ الآيةُ بهذين المعنيين.
وقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ: ابتداء، والسَّابِقُونَ الثاني: قال سيبويه: هو خبر الأَوَّلِ، وهذا على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه، وقال بعض النحاة: السابقون الثاني نَعْتٌ للأوَّلِ، ومعنى الصفة أَنْ تقولَ: والسابقون إلى الإيمان السابقونَ إلى الجنة والرحمة أَولئك، وَيَتَّجِهُ هذا المعنى على الابتداء والخبر.
وقوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ: ابتداء وخبر، وهو في موضع الخبر على قول مَنْ
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٣) برقم: (٣٣٢٥٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٦)، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٤) برقم: (٣٣٢٥٨)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٦)، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٣٩).
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٦) برقم: (٣٣٢٧٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٧)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
قال: السَّابِقُونَ الثاني صفة، والْمُقَرَّبُونَ: معناه: مِنْ اللَّه سبحانه في جَنَّةِ عَدَنٍ، فالسابقون معناه: الذين قد سبقت لهم السعادة، وكانت أعمالُهُمْ في الدنيا سبقاً إلى أعمال البِرِّ وإلى ترك المعاصي، فهذا عمومٌ في جميع الناس، وخَصَّصَ المفسرون في هذه أشياء تفتقر إلى سند قاطع، ورُوِيَ أَنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ عَنِ السَّابِقِينَ؟ فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ إذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ بِحُكْمِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ» والمقربون عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة، قال جماعة من أهل العلم: هذه الآية متضمنة أَنَّ العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٣ الى ٢٥]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥)
وقوله سبحانه: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ/ مِنَ الْآخِرِينَ الثُّلَّةُ: الجماعة، قال الحسن بن أبي الحسن وغيره «١» : المراد: السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأُمَّةِ، ورُوِيَ أَنَّ الصحابة حَزِنُوا لِقِلَّةِ سابقي هذه الأُمَّةِ على هذا التأويل، فنزلت الآية: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة: ٣٩- ٤٠] فَرَضُوا، ورُوِيَ عن عائشة «٢» أَنَّها تأوَّلَتْ: أَنَّ الفرقتين في أُمَّةِ كُلِّ نبيٍّ هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما روي عنه: «الفِرْقَتَانِ في أُمَّتِي، فَسَابِقُ أَوَّلِ الأُمَّةِ ثُلَّةٌ، وَسَابِقُ سَائِرِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قليلٌ» قال السهيليُّ: وَأَمَّا آخِرُ مَنْ يدخل الجنة، وهو آخِرُ أهل النار خروجاً منها، فرجل اسمه جُهَيْنَةُ، فيقول أهل الجنة: تعالوا نسأَله فعند جهينةَ الخبر اليقين، فيسألونه: هل بَقِيَ في النار أَحَدٌ بعدك مِمَّنْ يقول: لا إله إلا اللَّه؟ وهذا حديث ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق مالك بن أنس، يرفعه بإسناد إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكره في كتاب رواة مالك بن أنس- رحمه اللَّه «٣» -، انتهى.
وقوله تعالى: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ أي: منسوجة بتركيب بعض أجزائها على
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٦) برقم: (٣٣٢٧٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٧)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جرير.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٤١).
(٣) قال الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (٥١١) (١٢٨) : قال في «الذيل» : هذا حديث باطل.
362
بعض، كحلق الدِّرْعِ، ومنه وَضِينُ الناقة وهو حِزَامُهَا قال ابن عباس «١» : مَوْضُونَةٍ:
مرمولة بالذهب، وقالَ عِكْرَمَةُ «٢» : مُشَبَّكَةٌ بالدُّرِّ والياقوت يَطُوفُ عَلَيْهِمْ: للخدمة وِلْدانٌ: وهم صغار الخَدَمَةِ، ووصفهم سبحانه بالخلد، وإنْ كان جميعُ ما في الجنة كذلك، إشارةً إلى أَنَّهُم في حال الولدان مُخَلَّدُونَ، لا تكبر لهم سِنٌّ، أي: لا يحولون من حالة إلى حالة وقاله ابن كيسان، وقال الفَرَّاء: مُخَلَّدُونَ معناه: مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأَوَّلُ أصوب، / لأَنَّ العربَ تقول للذي كَبُرَ ولم يَشِبْ: إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ، والأكواب: ما كان من أواني الشرب لا أَذُنَ له ولا خُرْطُومَ، قال قتادة «٣» : ليست لها عُرًى، والإبريق: ماله خرطوم، والكأس: الآنية المُعَدَّةُ للشرب بشريطةِ أَنْ يكونَ فيها خمر، ولا يقال لآنية فيها ماء أو لبن كأس.
وقوله: مِنْ مَعِينٍ قال ابن عباس «٤» : معناه من خمر سائلة جارية معينة.
وقوله: لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْها ذهب أكثر المفسرينَ إلى أنّ المعنى: لا يلحق رؤوسهم الصداعُ الذي يَلْحَقُ من خمر الدنيا، وقال قوم: معناه: لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطعُ عنهم لَذَّتُهُمْ بسببٍ من الأسباب، كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواعٍ من التفريق، وَلا يُنْزِفُونَ معناه: لا تذهب عقولُهم سكراً قاله مجاهد وغيره «٥»، والنزيف: السكران، وباقي الآية بَيِّنٌ، وَخصَّ المكنون باللؤلؤ لأَنه أصفى لوناً وأبعدُ عن الغير، وسألتْ أُمُّ سَلَمَةَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ، فَقَالَ: «صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ في الأصداف الّذي لا تمسّه الأيدي» «٦» وجَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: إنَّ هذه الرتبَ والنعيمَ هي لهم بحسب أعمالهم لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قدر الأعمال، ونفس
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٨) برقم: (٣٣٢٨١)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢١٩)، وعزاه لسعيد بن منصور، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث».
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٦٢٨) برقم: (٣٣٢٨٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٦).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٣٠) برقم: (٣٣٣٠٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٢).
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٣٠) برقم: (٣٣٣٠٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٢).
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٣٠) برقم: (٣٣٣١٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٢)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٨٦). [.....]
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٦٣٣) برقم: (٣٣٣٣٠)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧/ ١٢٢) في حديث طويل.
قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه سليمان بن أبي حاتم وابن عدي.
363
دخول الجنة هو برحمة اللَّه وفضله، لا بعمل عامل كما جاء في الصحيح «١».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٦ الى ٣٨]
إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)
وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥)
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨)
وقوله تعالى: إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً قال أبو حيان «٢» :«إلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً» الظاهر أَنَّ الاستثناءَ مُنْقَطِعٌ لأَنَّهُ لا يَنْدَرِجُ في اللغو والتأثيم، وقيل مُتَّصِلٌ، وهو بعيد، انتهى، قال الزّجّاج «٣» : وسَلاماً مصدر، كأَنَّهُ يذكر أَنَّهُ يقول بعضهم لبعض: سلاماً سلاماً.
ت: قال الثعلبيُّ: والسِّدْرُ: شجر النبق ومَخْضُودٍ أي: مقطوع الشوك، قال- عليه السلام «٤» : ولأهل تحرير النظر هنا إشارةٌ في أَنَّ هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها إذ أهل اليمين تَوَّابُونَ لهم سلام، وليسوا بسابقين، قال الفخر: وقد بان لي بالدليل أَنَّ المراد بأصحاب اليمين: الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا، وعفا اللَّه تعالى عنهم بسبب أدنى حَسَنَةٍ لا الذين غلبت حسناتُهُم وكَثُرَتْ، انتهى.
والطلح (من العِضَاهِ) شَجَرٌ عظيم، كثيرُ الشوك، وصفه في الجنة على صفة مباينة لحال الدنيا، ومَنْضُودٍ معناه: مُرَكَّبٌ ثمره بعضُه على بعض من أرضه إلى أعلاه، وقرأ علي- رضي اللَّه عنه- وغيره: «وَطَلْعٍ» «٥» فقيل لعليِّ: إنَّما هو: «وطَلْحٍ» فقال: ما للطلح والجنة؟! قيل له: أَنُصْلِحُهَا في المصحف؟ فقال: إنَّ المصحفَ اليومَ لا يهاج ولا يغيّر.
(١) روي في هذا المعنى أناس من الصحابة، فقد أخرج الإمام مسلم (٤/ ٢١٧٠، ٢١٧١)، كتاب «صفات المنافقين» باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى (٧١، ٧٦/ ٢٨١٦- ٢٨١٧)، و (٧٧- ٧٨/ ٢٨١٨) عن أبي هريرة، وعائشة، وجابر رضي الله عنهم.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٥٦، ٣٣٦، ٣٤٣، ٣٤٤، ٣٨٥، ٣٨٦، ٣٩٠، ٤٦٩، ٤٧٣، ٥٠٩، ٥١٩، ٥٢٤) عن أبي هريرة (٣/ ٣٩٤) عن جابر، (٣/ ٥٢) عن أبي سعيد.
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٢٠٦).
(٣) ينظر: «معاني القرآن» (٥/ ١١٢).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٤٣).
(٥) ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٥١)، و «الكشاف» (٤/ ٤٦١)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٤٤)، وزاد نسبتها إلى جعفر بن محمّد.
وينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٢٠٦)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٥٩)، وزادا نسبتها إلى عبد الله بن مسعود.
364
وقال عليُّ أيضاً وابن عباس «١» : الطلح الموز، والظل الممدود: معناه: الذي لا تنسخه شمس، وتفسير ذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادُ المُضَمَّر في ظِّلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعْها» «٢»، واقرؤوا إنْ شِئْتُمْ: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى.
ت: وفي «صحيحي البخاريّ ومسلم» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ في الجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعُهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أوْ تَغْرُبُ» »
انتهى.
وَماءٍ مَسْكُوبٍ أي: جارٍ في غير أُخْدُودٍ.
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ أي: لا مقطوعة بالأزمان كحال فاكهة الدنيا، ولا ممنوعةٌ بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهةُ الدنيا، والفُرُشُ: الأَسِرَّةُ وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ «٤» : إنَّ في ارْتِفَاعِ السَّرِيرِ مِنْهَا مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.
ت: وهذا إنْ ثبت فلا بُعْدَ/ فيه، إذْ أحوال الآخرة كلها خَرْقُ عادة، وقال أبو عبيدةَ وغيره: أراد بالفرش النساء «٥»، ومَرْفُوعَةٍ معناه: في الأقدار والمنازل، وأَنْشَأْناهُنَّ معناه: خلقناهن شيئاً بَعْدَ شيء وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في تفسير هذه الآية: «هنّ
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٣٦) عن ابن عبّاس برقم: (٣٣٣٥٠)، وعن علي رضي الله عنه برقم:
(٣٣٣٥٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٤)، وابن كثير في «تفسيره»
(٤/ ٢٨٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٢)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه البخاري (١١/ ٤٢٤) كتاب «الرقاق» باب: صفة الجنة والنار (٦٥٥٣)، ومسلم (٤/ ٢١٧٦)، كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب: إنَّ في الجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظلها مائة عام لا يقطعها (٢٨٢٨) عن أبي سعيد الخدري.
(٣) وهم المؤلف فجعل الحديثين حديثا واحدا، فالطرف الأول: «إن في الجنة... لا يقطعها» في «الصحيحين» كما قال. وانظر السابق.
أما الطرف الثاني: فقد أخرجه البخاري (٦/ ١٧)، كتاب «الجهاد والسير» باب: الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم في الجنة (٢٧٩٣)، (٦/ ٣٦٨)، كتاب «بدء الخلق» باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٢٣٥٣)، وأحمد (٢/ ٤٨٢) عن أبي هريرة، والترمذي (٤/ ١٨١)، كتاب «فضائل الجهاد» باب: ما جاء في فضل الغدوّ والرواح في سبيل الله (١٦٥١)، وأحمد (٣/ ١٤١، ١٥٣، ١٥٧، ٢٠٧، ٢٦٣، ٢٦٤) عن أنس رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٤).
365
عّجائِزُكُنَّ في الدُّنْيَا عُمْشاً رُمْصاً جَعَلَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ أَتْرَاباً» «١»، وَقَالَ لِلْعَجُوزِ: «إنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا الْعَجُوزُ، فَحَزِنَتْ، فَقَالَ: إنَّكِ إذَا [دَخَلْتِ الْجَنَّةَ أُنْشِئْتِ خَلْقاً آخَرَ «٢» ».
وقوله سبحانه: فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً قيل: معناه: دائمة البكارة، متى عاود الوطء] «٣» وجدها بكراً، والعُرُبُ: جمع عَرُوبٍ، وهي المُتَحَبِّبَةُ إلى زوجها بإِظهار محبته قاله ابن عباس «٤»، وعبر عنهنَّ ابن عباس أيضاً بالعواشق «٥»، وقال زيد: العروب: الحسنة الكلام «٦».
ت: قال البخاريُّ: والعروب يسميها أَهْلُ مَكَّةَ العَرِبَةَ، وأهل المدينة: الغَنِجَة، وأَهل العراق: الشَّكِلَة، انتهى.
وقوله: أَتْراباً معناه: في الشكل والقَدِّ، قال قتادة «٧» : أَتْراباً يعني: سِنًّا واحدة، ويُرْوَى أَنَّ أَهل الجنة هم على قَدِّ ابن أربعةَ عَشَرَ عاماً في الشباب، والنُّضْرَةِ، وقيل: على مثال أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنةً، مُرْداً بيضاً، مُكَحَّلِينَ، زاد الثعلبيُّ: على خَلْقِ آدَم، طولُه ستون ذراعا في سبعة أذرع.
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٤٠٢)، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة الواقعة (٣٢٩٦)، من حديث أنس رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان الحديث، ومن طريق عائشة رضي الله عنها: أخرجه الطبري (١١/ ٦٤١) (٣٣٠٤٢) نحوه.
(٢) أخرجه الترمذي في «الشمائل» (١٩٧، ١٩٩) (٢٤١)، والغزالي في «الإحياء» (٣/ ١٢٩).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٤)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث» عن الحسن.
وفي الباب عن عائشة، ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٤٢٢)، كتاب «صفة الجنة» باب: فيمن يدخل الجنة من عجائز الدنيا.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في «الأوسط»، وفيه مسعد بن اليسع وهو ضعيف.
(٣) سقط في: د. [.....]
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٢) برقم: (٣٣٤٠٦)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٤)، وابن عطية (٥/ ٢٤٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٥)، وعزاه لابن جرير.
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤١) برقم: (٣٣٤٠٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٥)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي.
(٦) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٢) برقم: (٣٣٤١٥)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٦)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٧) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٤)، برقم: (٣٣٤٣٥)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٥)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
366

[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٣٩ الى ٥٠]

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)
لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
وقوله سبحانه: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال الحسن بن أبي الحسن وغيره: الأولون سالف الأُمَمِ، منهم جماعةٌ عظيمة أصحابُ يمين، والآخِرُونَ: هذه الأُمَّةُ، منهم جماعة عظيمة أهلُ يمين «١»، قال ع «٢» : بل جميعهم إلاَّ مَنْ كان مِنَ السابقين، وقال قوم من المتأولين: هاتان الفرقتان في أُمَّةِ محمد، ورَوَى ابن عبّاس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَنَّه قال: «الثُّلَّتَانِ مِنْ أُمَّتِي» «٣»، وروى ابن المبارك في «رقائقه» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «إنَّ أُمَّتِي ثُلُثَا أَهْلِ الجَنَّةِ، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، وَإِنَّ أُمَّتِي مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا» «٤» انتهى.
وقوله سبحانه: وَأَصْحابُ الشِّمالِ... الآية: في الكلام معنى الإنحاء عليهم/ وتعظيم مصائبهم، والسَّمُومُ: أشد ما يكون من الحَرِّ اليابس الذي لا بَلَلَ معه، والحميم: السخن جِدًّا من الماء الذي في جهنم، واليَحْمُومُ: هو الدخانُ الأسودُ يُظِلُّ أهلَ النار قاله ابن عباس «٥» والجمهور، وقيل: هو سرادق النار المحيط بأهلها فإنَّهُ يرتفع من كل ناحية حتى يُظِلَّهُم، وقيل: هو جبل في النار أسود.
وقوله: وَلا كَرِيمٍ معناه: ليس له صفة مدح، قال الثعلبيُّ: وعن ابن المُسَيِّبِ وَلا كَرِيمٍ أي: ولا حسن «٦» نظيره من كل زوج كريم، وقال قتادة: لاَّ بارِدٍ: النزل وَلا كَرِيمٍ: المنظر «٧»، وهو الظِلُّ الذي لا يغني من اللهب، انتهى، والمترف: المنعّم
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٤)، برقم: (٣٣٤٣٨)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٥).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٤٥).
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٧) موقوفا على ابن عبّاس، وعزاه إلى عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن مردويه.
(٤) أخرجه نعيم بن حماد في زياداته على كتاب «الزهد» (١١٣) (٣٧٩).
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٦)، برقم: (٣٣٤٥٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٨)، وعزاه للفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه.
(٦) ذكره البغوي (٤/ ٢٨٦).
(٧) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٨) برقم: (٣٣٤٦٤)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٨)، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر.
في سرف، وتخوض، ويُصِرُّونَ معناه: يعتقدون اعتقادا لا ينزعون عنه، والْحِنْثِ:
الإثم، وقال الثعلبيُّ: وَكانُوا يُصِرُّونَ: يقيمون عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ أي: الذنب، انتهى، ونحوهُ للبخاريِّ، وهو حَسَنٌ نحو ما في الرسالة، قال قتادة وغيره «١» : والمراد بهذا الإثم العظيم: الشركُ، وباقي الآية في استبعادهم للبعث، وقد تقدم بيانه.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥١ الى ٥٧]
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧)
وقوله سبحانه: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ: مخاطبة لكفّار قريش ومن كان في حالهم، ومِنْ في قوله: مِنْ زَقُّومٍ لبيان الجنس، والضمير في مِنْهَا عائد على الشجر، والضمير في عَلَيْهِ عائد على المأكول، والْهِيمِ قال ابن عباس وغيره «٢» :
جمع «أهيم» وهو الجمل الذي أصابه الهُيَامُ- بضم الهاء-، وهو داء مُعْطِشٌ يشرب الجملُ حتى يموتَ أو يسقمَ سَقَماً شديداً، وقال قوم هو: جمع «هائم» وهو أيضاً من هذا المعنى لأَنَّ الجملَ إذا أصابه ذلك الداءُ، هام على/ وجهه وذهب، وقال ابن عباس أيضاً وسفيان الثوري «٣» : الْهِيمِ: الرمال التي لا تُرْوَى من الماء، والنزل أول ما يأكل الضيف، والدِّينِ: الجزاء.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٨ الى ٦٣]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢)
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣)
وقوله سبحانه: أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ الآية: وليس يوجد مفطورٌ، يخفى عليه أَنَّ المَنِيَّ الذي يخرُجُ منه ليس له فيه عمل ولا إرادة ولا قدرة، وقرأ الجمهور: «قَدَّرْنَا» وقرأ ابن كثير وحده «٤» :«قَدَرْنَا» بتخفيف الدال، فيحتمل أَنْ يكونَ المعنى فيهما: قضينا وأثبتنا، ويحتمل
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٤٨) برقم: (٣٣٤٧٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٥/ ٢٩٥).
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٠)، برقم: (٣٣٤٧٧)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٨)، وعزاه للطستي.
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥١)، برقم: (٣٣٤٨٥)، عن سفيان، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٢٩)، وعزاه لسفيان بن عيينة في جماعة عن ابن عبّاس رضي الله عنهما. [.....]
(٤) ينظر: «السبعة» (٦٢٣)، و «الحجة» (٦/ ٢٦١)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٣٤٧)، و «حجة القراءات»
أَنْ يكون بمعنى: سَوَّيْنَا، قال الثعلبيُّ عنِ الضحاك «١» : أي: سَوَّيْنَا بين أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي: على تبديلكم إنْ أردناه، وأَنْ نُنْشِئَكُمْ بأوصاف لا يصلها علمُكُم، ولا يُحيطُ بها فكركم، قال الحسن «٢» : من كونهم قردةً وخنازيرَ لأَنَّ الآية تنحو إلى الوعيد، والنَّشْأَةَ الْأُولى: قال أكثر المفسرين: إشارة إلى خلق آدم، وقيل: المراد: نشأة الإنسان في طفولته، وهذه الآية نَصٌّ في استعمال القياس والحَضِّ عليه، وعبارة الثعلبي: ويقال: النَّشْأَةَ الْأُولى نطفة، ثم عَلَقَةٌ، ثم مُضْغَةٌ، ولم يكونوا شيئاً فَلَوْلا أي: فهلا تذكرون أَنِّي قادر على إعادتكم كما قَدَرْتُ على إبدائكم، وفيه دليل على صِحَّةِ القياس لأَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سبحانه الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، انتهى.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٦٤ الى ٧٤]
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)
وقوله سبحانه: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي: زرعاً يتم أَمْ نَحْنُ: وروى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قال: «لاَ تَقُلْ: زَرَعْتُ، وَلَكِنْ قُلْ حَرَثْتُ، ثُمَّ تَلاَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذِهِ الآية» «٣» والحطام: اليابس المُتَفَتِّتُ من النبات الصائر إلى ذهاب، وبه شبّه حطام الدنيا/ وتَفَكَّهُونَ قال ابن عباس وغيره «٤» : معناه تعجبون، أي: ممّا نزل بكم، وقال ابن
(٦٩٦)، و «العنوان» (١٨٥)، و «شرح الطيبة» (٦/ ٣٧)، و «شرح شعلة» (٥٩٦)، و «إتحاف» (٢/ ٥١٦)، و «معاني القراءات» (٣/ ٥١).
(١) ذكره البغوي (٤/ ٢٨٧)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٥).
(٢) ذكره البغوي (٤/ ٢٨٧)، وابن عطية (٥/ ٢٤٨).
(٣) أخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» (٤١١) (٧١٦)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤/ ٢١١- ٢١٢) (٥٢١٧)، وابن جرير الطبري في «تفسيره» (١١/ ٦٥٢)، برقم: (٦٥٢)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وزاد نسبته إلى البزار، وأبي نعيم.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٣)، برقم: (٣٣٤٩٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
زيد «١» : معناه: تتفجعون، قال ع «٢» : وهذا كله تفسير لا يَخُصُّ اللفظة، والذي يخص اللفظةَ هو تطرحون الفكاهةَ عن أنفسكم، وقولهم: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قبله محذوف تقديره: يقولون، وقرأ عاصم الجَحْدَرِيُّ «٣» :«أَإنَّا لَمُغْرَمُونَ» بهمزتين على الاستفهام، والمعنى يحتمل أَنْ يكونَ: إنا لمغرمون من الغرام، وهو أَشَدُّ العذاب، ويحتمل: إنَّا لمحملون الغرم، أي: غرمنا في النفقةَ، وذَهَبَ زَرْعُنَا، وقد تَقَدَّمَ تفسيرُ المحروم، وأَنَّهُ الذي تبعد عنه مُمْكِنَاتُ الرزق بعد قُرْبها منه، وقال الثعلبيُّ: المحروم ضد المرزوق، انتهى، والْمُزْنِ: هو السحاب، والأجاج: أشدّ المياه ملوحة، وتُورُونَ معناه:
تقتدحون من الأزند تقول: أوريتُ النارَ من الزِّنَادِ، والزنادُ: قد يكون من حجر وحديدة، ومن شجر، لا سيما في بلاد العرب، ولا سيما في الشجر الرَّخْوِ كالمَرَخِ والعفار والكلخ، وما أشبهه، ولعادة العرب في أزنادهم من شجر قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أي: التي تقدح منها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها: يعني نار الدنيا تَذْكِرَةً للنار الكبرى، نارِ جهنم قاله مجاهد وغيره «٤»، والمتاع: ما يُنْتَفَعُ به، والمُقْوِينَ: في هذه الآية الكائنين في الأرض القَوَاءِ، وهي الفَيَافي، ومن قال معناه:
للمسافرين فهو نحو ما قلناه، وهي عبارة ابن عباس «٥» - رضي اللَّه عنه- تقول: أَقْوَى الرَّجُلُ: إذا دَخَلَ في الأرض القواء.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٠]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)
وقوله سبحانه: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ الآية: قال بعض النحاة: «لا» زائدة،
(١) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٤٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٦).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥١).
(٣) وقرأ بها الأعمش، وأبو بكر.
ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٤٩)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢١١)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٦٤)، و «حجة القراءات» (٦٩٧).
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٦)، برقم: (٣٣٥١١)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٨)، وابن عطية (٥/ ٢٤٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وعزاه لهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٦)، برقم: (٣٣٥١٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
370
والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع معروفة، وقرأ الحسن وغيره: «فَلأُقْسِمُ» من غير ألف، وقال بعضهم: «لا» نافية كأَنَّهُ قال: فلا صِحَّةَ لما يقوله الكفار، ثم ابتدأ:
أقسم بمواقع النجوم، والنجوم: هنا قال ابن عباس وغيره»
: هي نجوم القرآن وذلك أَنَّهُ روي أَنَّ القرآن نزل في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، وقيل: إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم نُجُوماً مُقَطَّعَةً مدة من عشرين سنةً، قال ع «٢» : ويؤيده عودُ الضمير على القرآن في قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وقال كثير من المفسرين: بلِ النجوم هنا هي الكواكب المعروفة، ثم اختلف هؤلاء في مواقعها، فقيل:
غروبها وطلوعها، وقيل: مواقعها عند انقضاضها إثْرَ العفاريت.
[وقوله:] وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ: تأكيد.
وقوله: لَوْ تَعْلَمُونَ: اعتراض.
وقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ: هو الذي وقع القسم عليه.
وقوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ الآية: المكنون: المصون قال ابن عباس وغيره «٣» :
أراد الكتابَ الذي في السماء، قال الثعلبيُّ: ويقال: هو اللوح المحفوظ.
وقوله: لاَّ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ يعني: الملائكة، وليس في الآية على هذا التأويل تَعَرُّضٌ لحكم مَسِّ المصحف لسائر بني آدم، وقال بعض المتأولين: أراد بالكتاب مصاحِفَ المسلمين، ولم تكن يومئذ، فهو إخبار بغيب مضمنه النهي، فلا يَمَسُّ المصحفَ من بني آدم إلاَّ الطاهرُ من الكفر والحَدَثِ وفي كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن حَزْمٍ: «لاَ يَمَسَّ القرآنَ إلاَّ طَاهِرٌ» «٤»، وبِهِ أخذ مالك، وقرأ سليمان «٥» : إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- بكسر الهاء-.
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٨)، برقم: (٣٣٥٢٨)، وذكره البغوي (٤/ ٢٨٩)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣١)، وعزاه لابن مردويه.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥١).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٥٩)، برقم: (٣٣٥٣٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٢)، وعزاه لآدم، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «المعرفة». [.....]
(٤) تقدم.
(٥) وقرأ بها أبان بن تغلب.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٥٢)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢١٤)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٦٨).
371

[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨١ الى ٨٤]

أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)
وقوله تعالى: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ: / يعني القرآن المتضمن البعث، ومُدْهِنُونَ معناه: يلاينُ بعضُكم بعضاً، ويتبعه في الكفر مأخوذ من الدُّهْنِ للينه واملاسِّه، وقال ابن عباس «١» : المُدَاهَنَةُ: هي المهاودة فيما لا يَحِلُّ، والمُدَارَاةُ: هي المهاودة فيما يَحِلُّ، ونقل الثعلبيُّ أَنَّ أدهن وداهن بمعنى واحد، وأصله من الدُّهْنِ، انتهى.
وقوله سبحانه: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ: أجمع المفسرون على أَنَّ الآيةَ توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله اللَّه تعالى رزقاً للعباد: هذا بِنَوْءِ كذا، والمعنى:
وتجعلون شُكْرَ رزقكم، وحكى الهيثم بن عدي أَنَّ من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان بمعنى ما شكر، وكان عليٌّ يقرأ «٢» :«وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» وكذلك قرأ ابن عباس «٣»، ورويت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد أخبر اللَّه سبحانه فقال: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ [ق: ٩، ١٠، ١١] فهذا معنى قوله: أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أي: بهذا الخبر، قال ع «٤» : والمنهيُّ عنه هو أَنْ يعتقد أَنَّ للنجوم تأثيراً في المطر.
وقوله سبحانه: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ يعني: بلغت نفسُ الإنسان، والحُلْقُومُ:
مجرى الطعام، وهذه الحال هي نزع المرء للموت.
وقوله: وَأَنْتُمْ إشارة إلى جميع البشر حينئذ، أي: وقتَ النزع تَنْظُرُونَ: إليه، وقال الثعلبيُّ: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إلى أمري وسلطاني، يعني: تصريفه سبحانه في الميت، انتهى، والأَوَّلُ عندي أحسن، وعزاه الثعلبيّ لابن عبّاس.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٦١)، برقم: (٣٣٥٥١)، عن مجاهد، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٣)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
(٢) ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٥٢)، و «المحتسب» (٢/ ٣١٠)، و «الكشاف» (٤/ ٤٦٩)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢١٤)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٦٩).
(٣) ينظر: مصادر القراءة السابقة.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٣).
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أي: / بالقدرة والعلم، ولا قدرةَ لكم على دفع شيء عنه، وقيل: المعنى: وملائكتنا أقربُ إليه منكم، ولكن لا تبصرونهم، وعلى التأويل الأَوَّل من البصر بالقلب.
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي: مملوكين أَذِلاَّءَ، والمدين: المملوك، هذا أَصَحُّ ما يقال في هذه اللفظة هنا، ومَنْ عبَّرَ عنها بمُجَازَى أو بُمُحَاسَبٍ، فذلك هنا قلق، والمملوك مُقَلَّبٌ كيف شاء المالكُ، ومن هذا الملك قول الأخطل: [الطويل]
رَبَتْ وَرَبَا فِي حَجْرِهَا ابن مَدِينَةٍ تَرَاهُ على مِسْحَاتِهِ يَتَرَكَّلُ «١»
أراد ابن أَمَةٍ مملوكة، وهو عبد يخدم الكرم، وقد قيل في معنى البيت: [إِنَّه] أراد أَكَّاراً حضرياً، فنسبه إلى المدينة، فمعنى الآية: فهل لا ترجعون النفسَ البالغة الحلقوم إِنْ كنتم غير مملوكين مقهورين؟.
وقوله: تَرْجِعُونَها سَدَّ مَسَدَّ الأجوبة، والبيانات التي تقتضيها التحضيضات.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠)
وقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ الآية، ذكر سبحانه في هذه الآيةِ حال الأزواج الثلاثةَ المذكورين في أَولِ السورة، وحال كلّ امرئ منهم، فَأَمَّا المرءُ من السابقين المقربين، فَيَلْقَى عند موته رَوْحاً وريحاناً، والرَّوْحَ: الرحمة والسعة والفرح ومنه: [وَلا تَيْأَسُوا مِنْ] رَوْحِ اللَّهِ [يوسف: ٨٧] والريحان: الطيب، وهو دليل النعيم، وقال مجاهد «٢» : الريحان: الرزق، وقال الضَّحَّاكُ «٣» : الريحان الاستراحة، قال ع «٤» :
الريحان ما تنبسط إليه النفوس، ونقل الثعلبيُّ عن أبي العالية قال: لا يفارق أحد من
(١) البيت في «ديوانه» (٢٢٤).
وينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٢١٤)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٣)، ويتركل: يفتت ما اجتمع من الرمل بقدميه، وهنا يقصد: رمل الكرم الذي زرعت فيه أم الخمرة، واصفا مهارة صاحب هذا الكرم.
(٢) أخرجه الطبري (١١/ ٦٦٦)، برقم: (٣٣٥٧٩)، وذكره البغوي (٤/ ٢٩١)، وابن عطية (٥/ ٢٥٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣٠٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٣٩)، وعزاه لهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٦٦٥) برقم (٣٣٥٧٧) عن ابن عبّاس، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٤٠) وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٤).
المقربين الدنيا حتى يُؤْتَى بغصنٍ من ريحان الجنة فَيَشُمُّهُ، ثم يُقْبَضُ روحه فيه، ونحوه عن الحسن «١»، انتهى.
فإنْ أردت يا أخي اللحوق بالمقربين والكون في زمرة السابقين، فاطرح عنك دنياك وأقبلْ/ على ذكر مولاك، واجعل الآن الموت نصب عينيك، قال الغزاليُّ: وإنَّما علامةُ التوفيق أَنْ يكون الموت نصبَ عينيك، ولا تغفل عنه ساعة، فليكنِ الموتُ على بالك يا مسكين فإنَّ السير حاثٌّ بك، وأنت غافل عن نفسك، ولعلك قد قاربت المنزلَ، وقطعت المسافة فلا يكن اهتمامُك إلاَّ بمبادرة العمل، اغتناماً لكل نَفَسٍ أمهلتَ فيه، انتهى من «الإحياء»، قال ابن المبارك في «رقائقه» : أخبرنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: ما مِنْ مَيِّتٍ يموت، إلاَّ عرض عليه أهل مجلسه: إنْ كان من أهل الذِّكْرِ فمن أهل الذكر، وإِنْ كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو، انتهى «٢».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٩١ الى ٩٦]
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)
وقوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ: عبارة تقتضي جملةَ مدحٍ وصفةَ تخلُّصٍ، وحصولَ عالٍ من المراتب، والمعنى: ليس في أمرهم إلاَّ السلامُ والنجاةُ من العذاب وهذا كما تقول في مدح رجل: أَمَّا فلان فناهيك به، فهذا يقتضي جملةً غيرَ مفصلة من مدحه، وقدِ اضطربت عباراتُ المُتَأَوِّلِينَ في قوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ فقال قوم: المعنى: فيقال له سلام لك إنَّكَ من أصحاب اليمين، وقال الطبريُّ «٣» : فَسَلامٌ لَكَ: أنت من أصحاب اليمين، وقيل: المعنى: فسلام لك يا محمد، أي: لا ترى فيهم إلاَّ السلامة من العذاب.
ت: ومن حصلت له السلامةُ من العذاب فقد فاز دليله فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران: ١٨٥] قال ع «٤» : فهذه الكاف في لَكَ إمَّا أن تكون للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو الأظهر، ثم لكل مُعْتَبِرٍ فيها من أُمَّتِهِ، وإمَّا أَنْ تكونَ لمن يخاطب من
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٦٦٦) برقم (٣٣٥٨٢) عن أبي العالية، وعن الحسن برقم (٣٣٥٨١)، وذكره البغوي (٤/ ٢٩١)، وابن عطية (٥/ ٢٥٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٣٠٠) عن أبي العالية، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٢٤٠)، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية.
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٣٢٩)، برقم: (٩٣٩).
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (١١/ ٦٦٧).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٥٤). [.....]
374
أصحاب اليمين، وغيرُ هذا- مِمَّا قيل- تَكَلُّفٌ، ونقل الثعلبيُّ/ عن الزَّجَّاج: فَسَلامٌ لَكَ أي: إنَّك ترى فيهم ما تحب من السلامة، وقد علمتَ ما أَعَدَّ اللَّه لهم من الجزاء بقوله:
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الآيات...
والمكذبون الضالُّون: هم الكفار، أصحابُ الشمال والمشأَمة، والنُّزُلُ: أول شيء يقدم للضيف، والتصلية: أنْ يباشر بهم النار، والجحيم معظم النار وحيث تراكمها.
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ المعنى: إنَّ هذا الخبرَ هو نفس اليقين وحقيقتُه.
وقوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ عبارة تقتضي الأمر بالإِعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها، وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللَّه تعالى، والدعاء إليه.
ت: وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ [الْعَظِيمِ] وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنَّةِ» «١». رواه الترمذي، والنسائِيُّ، والحاكمُ، وابنُ حِبَّانَ في «صحيحيهما»، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وعند النسائِيِّ:
«شَجَرَةَ» بدل «نَخْلَةَ»، وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ التَسْبِيحَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يذكّر به» «٢»، ورواه
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٥١١)، كتاب «الدعوات» باب: (٦٠) (٣٤٦٤)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٢٠٧)، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ثواب من قال: سبحان الله العظيم (١٠٦٦٣/ ١)، والحاكم (١/ ٥٠١- ٥٠٢)، وابن حبان في «صحيحه» (٣/ ١٠٩)، كتاب «الرقاق» باب: الأذكار، ذكر تفضل الله جلّ وعلا بالأمر بغرس النخيل في الجنان لمن سبحه معظما له (٨٢٦)، ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به حجاج الصواف (٨٢٧).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. اهـ.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي، وقال: على شرط البخاري فقط اهـ.
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجه البزار (٣٠٧٩) - كشف.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٩٧)، رواه البزار وإسناده جيد.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٢٥٢)، كتاب «الأدب» باب: فضل التسبيح (٣٨٠٩)، والحاكم (١/ ٥٠٠).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي وقال: موسى بن سالم: قال أبو حاتم: منكر الحديث.
قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وأخو عوف اسمه عبيد الله بن عتبة.
375
أيضاً ابن المبارك في «رقائقه» عن كعب، وفيه أيضاً عن كعب أَنَّهُ قال: «إنَّ لِلْكَلاَمِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ» انتهى، وعن أبي هريرةَ «أَنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْساً فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ قُلْتُ: غِرَاساً، قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هذا؟ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ/ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ» روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له، والحاكم في «المستدرك»، وقال في الأول: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ، انتهى من «السلاح»، ورَوَى عُقْبَةُ بن عامر قال: «لَمَّا نزلتْ: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجْعَلُوهَا في رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ» «١»، فيحتمل أنْ يكونَ المعنى: سبح اللَّه بذكر أسمائه العلا، والاسم هنا بمعنى: الجنس، أي:
بأسماء ربك، والعظيم: صفة للرب سبحانه، وقد يحتمل أَنْ يكون الاسم هنا واحداً مقصوداً، ويكون «العظيم» صفة له، فكأَنَّه أمره أَنْ يسبِّحَهُ باسمه الأعظم، وإنْ كان لم يَنُصَّ عليه، ويؤيِّدُ هذا ويشير إليه اتصالُ سورة الحديد وأوَّلُها فيها التسبيح، وجملة من أسماء اللَّه تعالى، وقد قال ابن عباس «٢» : اسم اللَّه الأعظم موجود في سَتِّ آيات من أَوَّلِ سورة الحديد، فتأمَّل هذا، فإنَّهُ من دقيق النظر، وللَّه تعالى في كتابه العزيز غوامضُ لا تكاد الأذهان تدركها.
(١) أخرجه أبو داود (١/ ٢٩٢)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (٨٦٩)، وابن ماجه (١/ ٢٨٧)، كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب: التسبيح في الركوع والسجود (٨٨٧)، وأحمد (٤/ ١٥٥)، والدارمي (١/ ٢٩٩)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقال في الركوع، وابن خزيمة (١/ ٣٠٣)، جماع أبواب الأذان والإقامة باب: الأمر بتعظيم الرب جلّ وعلا في الركوع (٦٠٠)، والبيهقي (٢/ ٨٦)، كتاب «الصلاة» باب: القول في الركوع، والحاكم (١/ ٢٢٥)، (٢/ ٤٧٧)، وابن حبان (٥/ ٢٢٥)، كتاب «الصلاة» باب: صفة الصلاة (١٨٩٩).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه على ذلك الذهبي.
في «نصب الراية» (١/ ٣٧٦) قال الزيلعي: قال يعني الحاكم: وقد اتفقا على الاحتجاج بروايته غير إياس بن عامر، وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٥٥).
376
Icon