ﰡ
[الآيات]
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ العظمى الموعودة وحدثت الطامة الكبرى المعهودة من لدنه سبحانه مع انه
لَيْسَ لِوَقْعَتِها حين وقوعها نفس كاذِبَةٌ تكذب وقوعها كما تكذب بها الآن وليس ايضا لوقوعها حين وقوعها نفس
خافِضَةٌ لها تخفض أمرها بالتردد فيها ولا نفس رافِعَةٌ ترفعها بالجزم بها بل قد وقعت حين وقعت حتما بلا ريب وتردد بلا خفض احد ولا رفع آخر اذكر يا أكمل الرسل لمن أنكر وقوعها وتردد فيها نبذا من اماراتها وأشراطها تنبيها وتوعيدا سيما وقت
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا تحريكا شديدا عنيفا بحيث قد انهدمت واندكت عموم ما عليها من الابنية المحكمة والبقاع المشيدة
وَبُسَّتِ الْجِبالُ اى تشتتت وتفتتت اجزاؤها بَسًّا اى تفتتا تاما وتشتتا كاملا بحيث اضمحلت اجزاؤها وتلاشت وصارت كالسويق الملتوت وبالجملة
فَكانَتْ الجبال الرواسي يومئذ هَباءً هشيما غبارا مُنْبَثًّا منتشرا متفرقا بحيث قد تلاشت هويات ما على الأرض مطلقا
وَكُنْتُمْ حينئذ ايها المكلفون المعتبرون المجبولون على فطرة الدراية والشعور أَزْواجاً أجناسا وأصنافا ثَلاثَةً في النشأة الاولى
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ واليمن والكرامة من الأخيار الأبرار المحسنين بصوالح الأعمال والأحوال ومحامد الأخلاق والأطوار ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ اى ما أعظم شأنهم وأكرمهم واحسن حالهم بينهم وسعادتهم الشاملة لهم حسب اتصافهم بصالحات الأعمال وبالاعتقادات الصحيحة والأخلاق الحميدة المرضية
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والشمال اى ملازمو الشآمة والملامة والخذلان والندامة من المفسدين المسرفين المصرين على انواع الكفر والفسوق واصناف العصيان والآثام من مفاسد العقائد وطوالح الأعمال ومتخالج الشيم والأخلاق
ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ اى ما أقبح حالهم وأشد عذابهم ونكالهم وشآمتهم وشقاوتهم المستمرة عليهم بشؤم مكاسبهم ومفاسدهم
وَالسَّابِقُونَ المبادرون نحو الحق من طريق الفناء الباذلون مهجهم في سبيله بالموت الإرادي شوقا الى لقائه هم السَّابِقُونَ المقصورون على السبق والحضور مع الله بلا توجه منهم الى لوازم هوياتهم الباطلة وهياكلهم العاطلة وبالجملة
أُولئِكَ السعداء المقبولون هم الْمُقَرَّبُونَ عند الله الواصلون اليه الفانون في فضاء وحدته المتنعمون
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى متنزهات التوحيد الذاتي التي هي عبارة عن اليقين العلمي والعيني والحقي وهؤلاء المقربون الواصلون الى مقر الوحدة متفاوتون في القلة والكثرة باعتبار درجاتهم العلية ومقاماتهم السنية حسب مسالكهم ومعارجهم لذلك
ثُلَّةٌ اى جماعة عظيمة مِنَ الْأَوَّلِينَ من الأمم السالفة وهم الأبرار المحسنون الذين تقربوا نحو الحق بتوحيد الصفات والأفعال
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ اى جمع قليل بالنسبة الى الأولين من امة محمد صلّى الله عليه وسلم وهم الذين قد وصلوا بل اتصلوا الى الله سبحانه من طريق توحيد الذات المسقط لعموم الإضافات والكثرات وهؤلاء أعز واقل وجودا بالنسبة الى الأمم السالفة لذلك وصفوا بالقلة وبالجملة كل منهم مع تفاوت طبقاتهم في متنزهات الوحدة متنعمون متمكنون
عَلى سُرُرٍ مصورة من صفاء عقائدهم وحالاتهم مَوْضُونَةٍ منسوجة مشبكة بالمعارف والحقائق حسب درجاتهم ومقاماتهم حال كونهم
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها اى على تلك السرر مُتَقابِلِينَ مع عموم كمالاتهم متلذذين بها بلا ترقب وانتظار ومع ذلك
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ للموانسة والخدمة وِلْدانٌ صباح ملاح مصورون من أعمالهم وأخلاقهم مُخَلَّدُونَ مستمرون على تلك الصور الصبيحة والهياكل المليحة بحيث لا يتحولون ولا يتغيرون منها أصلا
بِأَكْوابٍ يعنى يطوفون عليهم بكئوس لا عرى لها وَأَبارِيقَ وهي التي لها عرى مملوة من ماء الحياة المثمرة للعلوم اللدنية لشاربيها وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ اى كأس مملو من رحيق التحقيق وبرد اليقين الذي
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ولا يشوشون في تحصيلها كما في تحصيل العلوم الرسمية المكتسبة بأنواع العذاب وَلا يُنْزِفُونَ ولا يسكرون الى حيث ينقطع تلذذهم بها من غاية سكرهم كما في خمور الدنيا وفي سكر العلوم الرسمية بالنسبة الى المتلذذين بها
وَفاكِهَةٍ كثيرة مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ اى يختارون وينتخبون لأنفسهم من انواع المعارف والحقائق والأحوال والمقامات التي تتلذذ بها أرواحهم من آثار الأسماء والصفات الإلهية
وَلَحْمِ طَيْرٍ يتقوت ويتغذى به أشباحهم مِمَّا يَشْتَهُونَ
وَلهم ايضافيها للخدمة والمؤانسة حُورٌ عِينٌ مصورة من اعتقاداتهم الصحيحة الراسخة
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ المصون في أصداف أشباحهم وانما يعطون فيها ما يعطون
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية ومن كمال تنعمهم وامنهم وترفههم
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً باطلا من الكلام بلا طائل وَلا تَأْثِيماً اى كلاما على سبيل الإلزام والافحام موجبا لانواع الجرائم والآثام
إِلَّا قِيلًا وقولا من كل جانب سَلاماً سَلاماً على الترحيب والتكريم هذا للمقربين السابقين
وَاما أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ اى اصحاب اليمين والكرامة وانواع التعظيم والتكريم فهم ايضا متنعمون
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ اى نبق لا شوك له لخلوص أعمالهم وحسناتهم عن شوك المن والأذى والسمعة والرياء
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ اى شجر موز منضد موفور الثمر مرتب من أسفله الى أعلاه لإيفائهم وتوفيرهم في كسب الحسنات
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ الهى لا يتقلص ولا ينقص ولا يتفاوت لدوامهم على مواظبة الطاعات وملازمة العبادات
وَماءٍ مَسْكُوبٍ مصبوب لهم اين شاءوا وكيف شاءوا بلا تعب وترقب لأنهم صاروا في الإتيان بالأعمال الصالحة كذلك طلبا لمرضاته سبحانه
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ مما يتفكه به أرواحهم وأشباحهم لا مَقْطُوعَةٍ منتهية كفواكه الدنيا وَلا مَمْنُوعَةٍ لتساوى نسبتها الى الكل بلا تفاوت وتمانع لأنهم قد أتوا بصوالح الأعمال والأخلاق على الدوام بلا قطع ومنع
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ممهدة منضد بعضها فوق بعض لرسوخهم وتمكنهم على الاحكام الإلهية المرفوعة المرتفعة حسب الحكم والأسرار المودعة فيها. ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان
إِنَّا من مقام عظيم جودنا عليهم قد أَنْشَأْناهُنَّ اى انشأنا لهم في النشأة الاخرى أزواجهم اللاتي كن في حجورهم في النشأة الاولى من صالحات النسوان والأعمال والأخلاق إِنْشاءً بديعا عجيبا
فَجَعَلْناهُنَّ فيها أَبْكاراً بحيث لم يمسهن بشر ولم يتصرف بهن احد
عُرُباً متحننات لأزواجهن أَتْراباً مستويات السن مع أزواجهن في كمال سن الشباب كل ذلك
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ من ابرار المحسنين بالأعمال والأخلاق المخلصين فيها ومن هؤلاء الأبرار في الجنات
ثُلَّةٌ عظيمة وجماعة مِنَ الْأَوَّلِينَ اى من الأمم الماضية
وَثُلَّةٌ عظيمة ايضا مِنَ الْآخِرِينَ اى من امة سيد المرسلين إذ طرق الأعمال والأخلاق مشتركة بين الأولين والآخرين بخلاف طرق الأحوال والمواجيد والمشارب والأذواق
وَاما أَصْحابُ الشِّمالِ والشآمة المتصفون بالشقاوة الازلية المنهمكون المتلطخون بالقاذورات الامكانية ما أَصْحابُ الشِّمالِ وما حالهم القبيحة الفضيحة الفظيعة فهم مخلدون
فِي سَمُومٍ نار مسعرة في غاية الحرقة والحرارة بحيث تنفذ في مسامات أشباحهم كالريح السموم مثل نفوذ لوازم الإمكان النافذة
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ حاصل من دخان اسود صاعد من نار الجحيم
لا بارِدٍ كسائر الاظلال وَلا كَرِيمٍ نافع أمثالها وبالجملة
إِنَّهُمْ من شدة سكرتهم وغفلتهم كانُوا قَبْلَ ذلِكَ في النشأة الاولى مُتْرَفِينَ منهمكين في اودية الضلال واغوار اللذات والشهوات الطبيعية الامكانية
وَكانُوا حينئذ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ والذنب الكبير الذي هو الشرك بالله والإنكار لتوحيده
وَمن شدة انكارهم بمقتضيات الوحى الإلهي المتعلق بقيام الساعة وبوقوع الطامة الكبرى قد كانُوا يَقُولُونَ فيما بينهم على وجه الاستبعاد والاستنكار أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً بالية أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ مخرجون من قبورنا احياء كما كنا
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الأقدمون يخرجون من قبورهم احياء مع ان بعثهم وإخراجهم أشد استحالة وامتناعا من بعثنا واخراجنا كلا وحاشا إذ لم يعهد في ما مضى من الازمنة أمثال هذا بل ما هي الازيغ زائل وزور باطل
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في الإنكار والعناد إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ اى الاسلاف والأخلاف
لَمَجْمُوعُونَ مجتمعون بكمال قدرة الله وحكمته إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ اى وقت معين ويوم موعود ومعهود قد عينه الله سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه لا بد وان يقع في ذلك الوقت البتة بلا خلف
ثُمَّ إِنَّكُمْ بعد اجتماعكم وحشركم أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ المصرون على التكذيب والإنكار
لَآكِلُونَ من شدة جوعكم في جهنم البعد والخذلان بعد خلودكم فيها
مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ اى شجر مسمى بهذا الاسم فيكون لفظة من الثانية للبيان والاولى للابتداء
فَمالِؤُنَ مِنْهَا اى من تلك الشجرة الْبُطُونَ اى بطونكم مع انه لا يدفع الجوع بل يزيده بعد أكلكم منها ملأ بطونكم
فَشارِبُونَ عَلَيْهِ اى على الزقوم مِنَ الْحَمِيمِ اى من الماء المسخن المغلى بنار الجحيم لشدة الحرقة وغلبة العطش وبالجملة
فَشارِبُونَ من الحميم شُرْبَ الْهِيمِ اى مثل الإبل الذي له داء الهيام وهو مرض في الإبل شبيه باستسقاء الإنسان
هذا الذي سمعت ايها الفطن المعتبر نُزُلُهُمْ المعدة لهم حين نزولهم في جهنم يَوْمَ الدِّينِ والجزاء وإذا كان نزلهم فيها هذا فما ظنكم بعذابهم فيها وبزجرهم بعد حساب أعمالهم. ثم خاطبهم سبحانه إظهارا للاستيلاء التام والبسطة الغالبة الكاملة توبيخا لهم وتقريعا
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ واظهرناكم من كتم العدم حسب حولنا وقوتنا فَلَوْلا وهلا تُصَدِّقُونَ بقدرتنا على الإعادة والبعث ايها الجاهلون المكابرون
أَفَرَأَيْتُمْ اى أخبروني ايها المنكرون للبعث والجزاء ما تُمْنُونَ وتصبون في الأرحام من النطف
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ وتجعلونه بشرا سويا سالما قابلا صالحا لانواع العلوم والإدراكات الكلية والجزئية أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ المقصورون على الخلق والتسوية ومع شهود أمثال هذه المقدورات العجيبة البديعة منا كيف تنكرون قدرتنا على البعث والحشر مع انا
نَحْنُ بمقتضى علمنا وقدرتنا وحكمتنا قد قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ والأجل بان قد عينا لموت كل واحد منكم وقتا معينا وأجلا معهودا بحيث لا يسع لكم في وقت حلوله لا التقديم منه ولا التأخير عنه وَمع ذلك ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ مغلوبين من احد منكم أصلا بان يغلب علينا بتقديم الأجل المعين المقدر من لدنا
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ
ونحيى اسلافكم الذين ماتوا وانقرضوا احياء أَمْثالَكُمْ
من العدم يعنى كما قدرنا على انشائكم من العدم إنشاء إبداعيا قدرنا ايضا على احياء اسلافكم من القبور على سبيل الإعادة إذ هي أهون من الإبداع
وَبالجملة قدرنا على ان نُنْشِئَكُمْ
ونظهركم بعد موتكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ
في النشأة الاولى وعالم الدنيا لا تحيطون به علما ولا تفهمونه فهما كما لا تعلمون نشأتكم التي قد مضت عليكم قبل نشأتكم هذه لخروج أمثال هذه المعلومات عن طوق البشر وطور العقل ومقتضاه
وَكيف يتأتى لكم انكار الإعادة مع انكم لَقَدْ عَلِمْتُمُ علما يقينيا النَّشْأَةَ الْأُولى اى قدرتنا على الخلق والإيجاد في النشأة الاولى فَلَوْلا هلا تَذَكَّرُونَ منها قدرتنا على الإعادة في النشأة الاخرى مع ان من قدر على الإبداء قادر على الإعادة بالطريق الاولى
أَفَرَأَيْتُمْ أخبروني ايها المسرفون المفرطون ان ما تَحْرُثُونَ تبذرون وتطرحون الحبة في التراب
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ وتنبتونه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ المقصورون على الإنبات بالاستقلال والاختيار بلا مشاركة ولا مظاهرة مع انا
لَوْ نَشاءُ ونختار عدم إنباتها ونمائها لَجَعَلْناهُ اى الزرع النابت حُطاماً يابسا هباء هشيما فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ اى صرتم حينئذ تتعجبون وتتأسفون من يبسها وضياعها وليس لكم حينئذ سوى الأسف والحسرة وانواع التلهف والتحزن بل تقولون من شدة التضجر والتحزن
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ملزمون بتضييع البذور وإهلاك النفقة
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قد حرمنا عن بذورنا وأعمالنا وريعنا بالمرة
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ العذب القراح الفرات السائغ الَّذِي تَشْرَبُونَ تستروحون وتبردون أكبادكم به
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ اى السحاب الهامر الهاطل أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ بكمال قدرتنا وقوتنا وحكمنا وحكمتنا مع انا
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ بدلناه وصيرناه أُجاجاً مرا مالحا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ وهلا تواظبون على أداء حقوق أمثال هذه النعم العظام والفواضل الجسام ايها المجبولون على الكفران والنسيان والجرائم والآثام
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ وتقدحون
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها اى الشجرة التي يتخذ منها الزناد أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ المستقلون بانشائها وبالجملة
نَحْنُ اليوم قد جَعَلْناها اى النار تَذْكِرَةً وتبصرة لأمر البعث والنشر وأنموذجا من نار القطيعة الجهنمية وعظة للمتقين المتذكرين منها ليتزودوا بالتقوى ويتخلصوا من نيران الهوى ودركات اللظى وَقد جعلناها ايضا مَتاعاً ومنفعة عظيمة لِلْمُقْوِينَ المنزلين في القفر والبيداء جائعين خالية بطونهم عن الطعام فيطبخون بها وبالجملة
فَسَبِّحْ يا أكمل الرسل بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ الذي هو أعز وأجل من ان يطرأ عليه شيء من النقائص او يحوم حول حمى قدسه شائبة العجز والقصور وإذا كان شأن الحق هذا وامتنانه على عموم عباده هكذا
فَلا حاجة الى القسم لإثبات عظمة شأنه وجلالة سلطانه وعلو قدره ومكانته بل أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ اى بموارد وقوع نجوم القرآن ونزولها في قلوب الكمل من ارباب العزائم والعرفان
وَإِنَّهُ اى القسم بالقرآن وموارده لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ وتعرفون قدره عَظِيمٌ شأنه عال خطره رفيع قدره وكيف لا يكون القرآن عظيم الشأن رفيع القدر والمكان
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ فرقان بين الكفر والايمان موضح مبين لطريق المعرفة والإيقان كَرِيمٌ كثير الخير والنفع لحامليه وممتثلى ما فيه من الأوامر والنواهي مصون مثبت
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ
لا يَمَسُّهُ ولا يتصف بمقتضاه إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ من أوساخ التقليدات والتخمينات وإكدار الأوهام والخيالات العائقة عن الوصول الى صفاء مشرب التوحيد المسقط لعموم الإضافات وكيف يمسه غير اهل الكشف والطهارة الحقيقية مع انه
تَنْزِيلٌ منزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي هو في ذاته منزه عن شوائب النقص وسماته مطلقا
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ العظيم الشأن المنبئ عن محض الحكمة والعرفان أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ متهاونون ايها المسرفون المفرطون
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ حظكم ونصيبكم من إرشاده وهدايته أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ به جهلا وعنادا اتسرفون وتفرطون في الاجتراء على الله وتكذيب كلامه ورسوله المرسل من عنده ايها المسرفون المفرطون
فَلَوْلا تذكرون وهلا تتعظون به ولأى شيء تضيعون الفرصة ولا تغتنمونها ايها الضالون المضيعون اما تخافون وقت إِذا بَلَغَتِ النفس الْحُلْقُومَ اى لكل منكم ايها المكلفون بأمر الله وحكمه
وَالحال انه أَنْتُمْ ايها الحاضرون حول المحتضر حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ له ولا تعلمون حاله ولا تفهمون ما جرى عليه من سكرات الموت وغمراته وأهواله وافزاعه
وَنَحْنُ حينئذ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى المحتضر مِنْكُمْ واعلم بحاله وشغله لا قرب الحلول فيه ولا قرب الاتحاد معه بل قرب ذي الظل الى ظله وذي الصورة الى عكسه ومثاله وَلكِنْ أنتم لا تُبْصِرُونَ ولا تدركون قربنا لا اليه ولا إليكم ايها المحجوبون المحرومون ولا تدركون ايضا ما يجرى عليه من الافزاع والأهوال في وقت الترحال
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ اى أنتم لو لم تكونوا مضطرين مملوكين مجبورين تحت قهرنا وقدرتنا
تَرْجِعُونَها اى فهلا ترجعون النفس المخرجة البالغة الى الحلقوم الى محلها ولا تمنعونها عن الخروج إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى الاستبداد والاستقلال وعدم المبالاة بالصانع القديم الحكيم العليم فهلا تدفعون الأرواح الى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم بل وهلا ترضون بوصولها الى الحلقوم
فَأَمَّا بعد خروج الروح من البدن إِنْ كانَ المتوفى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ السابقين من الفرق المشار إليها في أول السورة
فَرَوْحٌ اى موته له راحة ورحمة وإيصال له فوحة ونفحة من نفحات عالم اللاهوت وازالة زحمة عنه عارضة عليه متعلقة به من كسوة ناسوته وَرَيْحانٌ يشمه من فوائح نفس الرحمان وَجَنَّةُ نَعِيمٍ دائم التنعم والترفه في المقام المحمود والحوض المورود في جوار الخلاق الودود
وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ اى من الأبرار الموصوفين باليمن والكرامة الموروثة له من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية
فَسَلامٌ لَكَ يا ذا اليمن والكرامة مِنْ قبل أَصْحابِ الْيَمِينِ امثالك ترحيبا لك وتكريما
وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى من اصحاب الشمال والشآمة الازلية والشقاوة الجبلية يعنى مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بيوم الدين الضَّالِّينَ المنحرفين عن جادة الاستقامة ومحجة اليقين الموصلة الى دار المقامة ومنزل الكرامة
فَنُزُلٌ اى فله نزل معد مِنْ حَمِيمٍ بدل ما لم يتعطش في النشأة الاولى الى شربة من زلال برد اليقين ولم يشرب جرعة من رحيق التحقيق ورشحة من حلاب المعرفة والتوحيد
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ اى إدخال نار عظيمة فظيعة بدل ما يتلذذ بنيران الشهوات وبالميل الى المحرمات والمكروهات وبالجملة
إِنَّ هذا الذي ذكر في حق هؤلاء الفرق الثلاث لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ بالنسبة الى ارباب الكشف والشهود المطلعين بمراتب الوجود باليقين العلمي والعيني والحقي
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ اى نزه وقدس يا سيد ارباب الشهود والحضور ذات