ﰡ
[الآيات]
الم ايها الإنسان الأكمل الأليق لفيضان لوامع لطائف أنوار الوجود الإلهي ولوائح آثار جوده المكرم المؤيد من عنده بمزيد اللطف والكرم الممتاز المتخلص من بين عموم مظاهره بالمرتبة الجامعة المستجمعة لجميع المراتب العلية
تِلْكَ الآيات المتلوة عليك يا أكمل الرسل امتنانا لك واختصاصا بشأنك آياتُ الْكِتابِ اى نبذ من آيات الكتاب الْحَكِيمِ المشتمل على الحكمة المتقنة المنبعثة عن اجتماع القدرة الكاملة والارادة الخالصة المترتبتين على العلم الكامل الإلهي الذي لا يغيب عن حضرة حضوره ذرة من ذرائر ما لاحت عليه شمس الوجود ولجمعيته وشموله وصدق نزوله من عند الله قد اتصف بوصفه سبحانه تأكيدا ومبالغة ولكونه نازلا من عنده سبحانه بمقتضى الحكمة البالغة لتأييد أكمل الرسل المبعوث الى كافة الأمم قد صار
هُدىً عاما ورشدا تاما كله للممتثلين بما فيه من الأوامر والنواهي والاحكام والقصص والتذكيرات والعبر والرموز والإشارات وَرَحْمَةً خاصة نازلة من عنده سبحانه لِلْمُحْسِنِينَ الذين لا يرون غير الله في الوجود ولا يعبدون سواه من الوسائل ولا ينسبون الحوادث الكائنة في الآفاق الى الأسباب العادية والمحسنون المرضيون عند الله الراضون بما جرى عليهم من نفوذ القضاء هم
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويواظبون عليها في جميع أوقاتهم وحالاتهم سيما الأوقات المحفوظة المكتوبة وَيُؤْتُونَ وينفقون جميع ما في أيديهم من الرزق الذي يسوق الحق إليهم في سبيله طلبا لمرضاته سيما الزَّكاةَ المفروضة عليهم من عنده سبحانه تزكية لظواهرهم عن التفات الى ما يشغلهم عن الحق وَمع ذلك لا يقتصرون أولئك السعداء المقبولون بتهذيب الظاهر والباطن بل هُمْ بِالْآخِرَةِ المعدة لتنقيد الأعمال وجزاء الأفعال هُمْ يُوقِنُونَ علما وعينا وحقا وبالجملة
أُولئِكَ السعداء المتصفون بالخصائل السنية والأخلاق المرضية عَلى هُدىً صريح صحيح فائض نازل إياهم مِنْ رَبِّهِمْ تفضلا عليهم وامتنانا لهم وَأُولئِكَ الأمناء المقبولون المرضيون عند الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ المقصورون على الفوز والفلاح لا خوف عليهم ولا هم يحزنون جعلنا الله من خدامهم وتراب اقدامهم
وَمِنَ النَّاسِ المجبولين على كفران نعم الله ونسيان حقوق كرمه وجوده مَنْ يَشْتَرِي ويستبدل آيات الكتاب المشتمل على انواع الفضائل والكمالات واصناف الهدى والكرامات لَهْوَ الْحَدِيثِ اى يستبدل الآيات الإلهية ويختار بدلها من الأراجيف الكاذبة ما يلهى النفوس ويشغلها عما يعنيها ويقربها الى ما لا يعنيها بل يضرها ويرديها وما ارتكب ذلك الضال المضل بما ارتكب من الاشتراء والاستبدال الفاسد الا لِيُضِلَّ ويصرف عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ من يميل اليه ويتوجه نحوه ليتدين بدين الله وينقاد لنبيه على مقتضى الفطرة الاصلية مع انه قد صدر عنه هذا الصرف والمنع رغبة ورضاء من تلقاء نفسه بِغَيْرِ عِلْمٍ يتعلق به نقلا او عقلا بل عن جهل مرتكز في جبلته وحميته مركوزة في خبث طينته وخسة طبيعته وَبسبب ذلك الجهل الجبلي يَتَّخِذَها اى الآيات الموصلة الى طريق الحق وتوحيده هُزُواً اى محل استهزاء وسخرية لجهله وغفلته عن السرائر المودعة فيها والحكم المكتومة في مطاويها والأسرار المكنونة في فحاويها أُولئِكَ البعداء المجبولون على الغواية والضلالة أصلا وفرعا تابعا ومتبوعا لَهُمْ في النشأة الاخرى عَذابٌ مُهِينٌ
وَمن شدة شكيمته وبغضه بالله ورسوله وكتابه ونهاية عتوه وعناده إِذا تُتْلى عَلَيْهِ وقرئ عنده آياتُنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وَلَّى عنها واعرض عن استماعها وانصرف عن قبولها حال كونه مُسْتَكْبِراً عليها متجافيا كشحه عنها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها مع انها تتلى عليه مرارا قصدا لاستماعه ولم يلتفت إليها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً صمما يعوقه عن السماع والاستماع فَبَشِّرْهُ يا أكمل الرسل بعد ما اعرض عن كتاب الله واستنكف عن استماعه واصغائه مستحقا عليه مستحقرا إياه بِعَذابٍ أَلِيمٍ مؤلم في غاية الشدة والألم ثم عقب سبحانه وعيد الكفرة الهالكين في تيه الغي والضلال بوعد المؤمنين بمقتضى سنته المستمرة فقال
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله وصدقوا رسله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المرضية له سبحانه المقبولة عنده بمقتضى ما نزل عليهم من الآيات الواردة من لدنه سبحانه إياهم المصفية لظواهرهم وبواطنهم لَهُمْ في النشأة الاخرى جزاء ما أتوا به من الايمان والعمل الصالح في النشأة الاولى جَنَّاتُ النَّعِيمِ متنزهات مملوة بأنواع النعم واصناف الجود والكرم لا يتحولون منها أصلا بل يصيرون
خالِدِينَ فِيها مترفهين بنعيمها لا يمسهم فيها نصب ولا وصب وَعْدَ اللَّهِ الذي قد وعد لخلص عباده من عنده بمقتضى علمه وارادته لا بد له ان ينجزه حَقًّا صدقا بلا خلف وتردد وَكيف يخلف سبحانه في وعده مع انه سبحانه هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على جميع ما دخل في حيطة حضرة علمه المحيط وارادته التامة الْحَكِيمُ المتقن في إيجاده وإظهاره على الوجه الذي أراد وشاء ومن جملة حكمته المتقنة المتفرعة على حضرة علمه المحيط وقدرته الشاملة وارادته الكاملة انه قد
خَلَقَ واظهر السَّماواتِ وعالم الأسباب بِغَيْرِ عَمَدٍ وأسانيد وأسطوانات على الوجه الذي تَرَوْنَها معلقة على الأرض بلا استناد واتكاء وَكذا قد أَلْقى فِي الْأَرْضِ التي هي عالم المسببات رَواسِيَ شامخات وجبالا راسيات كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وتميل عليكم وقت ترددكم وتحرككم عليها وَبَثَّ فِيها وبسط عليها ونشر مِنْ كُلِّ دابَّةٍ تتحرك عليها متبادلة متقابلة كيف اتفق لتستقر وتمكن لان طبيعتها في حد ذاتها كانت على الحركة والاضطراب إذ هي محفوفة بالماء السائل المجبول على الحركة والسيلان وهو بالهواء المتموج بالطبع وهي بالنار المضطربة وهي بالأفلاك المتحركة بطبقاتها وَبعد ما مهدناها وألقينا عليها من الرواسي العظام تتميما لتقريرها أَنْزَلْنا مِنَ جانب السَّماءِ ماءً مستحدثا من الابخرة والادخنة المتصاعدة المتراكمة المستحيلة بالماء بمجاورة الكرة الزمهريرية فَأَنْبَتْنا فأخرجنا بانزال الماء عليها فِيها اى في الأرض المنبسطة اليابسة بالطبع مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من النباتات مزدوج مع شاكلته كَرِيمٍ كثير المنافع والفوائد مصلح للامزجة مقوم لها لتعيشوا عليها مترفهين متنعمين شاكرين لنعمنا غير كافرين بمقتضيات جودنا وكرمنا. ثم قال سبحانه من مقام العظمة والكبرياء وكمال المجد والبهاء على سبيل الإسكات والتبكيت لمن أشرك معه غيره عنادا ومكابرة
هذا الذي سمعتم ايها المجبولون على السمع والإصغاء خَلْقُ اللَّهِ القادر القوى المقتدر ذي الحول والقوة الغالبة والطول العظيم فَأَرُونِي ايها المشركون المسرفون المفرطون في دعوى الشرك معه سبحانه ماذا خَلَقَ وأى شيء اظهر وأوجد شركاؤكم الَّذِينَ تعبدونهم وتدعون نحوهم في الخطوب والمهام وتذعنون انهم آلهة مِنْ دُونِهِ سبحانه مستحقة للعبادة
وَلَقَدْ آتَيْنا من مقام عظيم لطفنا وجودنا لُقْمانَ ابن باعورا ابن ناخور بن آزر وكان ابن اخت أيوب عليه السلام او خالته وعاش الى ادراك داود عليه السلام فأخذ منه العلم والْحِكْمَةَ وهي عبارة عن اعتدال الأوصاف الجبلية الموعودة في النفوس البشرية بمقتضى الفطرة الاصلية والتخلق بالأخلاق المرضية المنتشئة من الأوصاف الذاتية الإلهية وقلنا له بعد ما قد أنعمنا عليه نعمة الحكمة واعددناه لقبول فيضان انواع اللطف والكرامات أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ واصرف بمقتضى الحكمة الموهوبة لك من عندنا عموم ما أعطيناك من النعم العظام على ما جبلناها لأجله لتكون أنت من زمرة الشاكرين المواظبين على أداء حقوق جودنا وكرمنا ومن جملة المطيعين بمقتضيات حكمتنا وأحكامنا وَاعلم ايها المجبول على الحكمة الفطرية انه مَنْ يَشْكُرْ نعمنا عادا على نفسه عوائد كرمنا فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ إذ فائدة شكره انما هي عائدة اليه مزيدة لنعمنا إياه مستجلبة لانواع لطفنا وإحساننا معه وَمَنْ كَفَرَ لنعمنا من خبث طينته واعرض عن أداء حقوق كرمنا إياه فوبال كفرانه وطغيانه ايضا عائد اليه إذ عندنا الشكر والكفران سيان ونحن منزهون عن الربح والخسران فَإِنَّ اللَّهَ المتجلى على عموم الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق غَنِيٌّ مطلقا بذاته عن جميع صور احسان عباده معه حَمِيدٌ حسب أوصافه وأسمائه الذاتية الظاهرة آثارها على صفائح الأكوان والمكونات المتوجهة نحو مبدعها المثنية له سبحانه حالا ومقالا سرا وجهارا
وَاذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين تذكيرا لهم وعظة عليهم وقت إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ المسمى بأنعم او اشكم او ماثان قولا ناشئا عن محض الحكمة المتقنة الموهوبة له من عنده سبحانه وَهُوَ يَعِظُهُ ويقصد تهذيب ظاهره وباطنه عن الأخلاق الردية والملكات الدنية الغير المرضية مناديا إياه مصغرا على سبيل التحنن والتعطف وكمال الترحم والتلطف مضيفا الى نفسه ليقبل منه ما أوصاه يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ المنزه عن الشريك والشبيه والكفو والنظير واعلم ان أجل اخلاقك وأعز اوصافك التوحيد وتنزيه الحق عن التشبيه والتعديد وأخس اوصافك وأرذل اخلاقك وأردأ ما جرى في خلدك وضميرك الشرك بالله إِنَّ الشِّرْكَ واعتقاد التعدد والاثنينية في حق الحق الحقيق بالحقية الوحيد بالقيومية الفريد بالديمومية المستحق بالالوهية والربوبية استحقاقا ذاتيا لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لا ظلم أعظم منه وافحش أعاذنا الله وعموم عباده منه. ثم قال سبحانه على سبيل التوصية والمبالغة تأكيدا وتحقيقا على ما قد وصى به لقمان ابنه من النهى عن الشرك والزجر عنه
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ والزمنا عليه أولا بعد ما قد أظهرناه قابلا لحمل التكاليف المكملة لذاته لائقا للكمالات المعدة له في خزانة كرمنا وجودنا بِوالِدَيْهِ اى باطاعتهما وبحفظ آداب المعاشرة والمصاحبة معهما ورعاية حقوقهما على ما ينبغي ويليق بلا فوت شيء من حقوقهما سيما والدته المتحملة لأجله انواع المحن والمشاق إذ قد حَمَلَتْهُ أُمُّهُ بواسطة حمله في بدء وجوده وَهْناً عَلى وَهْنٍ وضعفا على ضعف إذ كلما ازداد نشوه ونماؤه في بطنها قد ازداد ضعفها الى ان انفصل عنها وبعد انفصاله تداوم لحفظه وحضانته الى فطامه
وَبعد ما قد أكدنا عليكم ايها المكلفون حفظ حقوق والديكم وبالغنا فيه إِنْ جاهَداكَ يعنى والديك ايها المكلف واجتهدا في شانك وبالغا في الجهد والسعى الى ان قاتلا معك وأرادا مقتك وهلاكك عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي وتعتقد ربا سواي وتعبده مثل عبادتك إياي مع انك أنت في نفسك خالي الذهن ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يتعلق بنفي الشريك ولا بإثباته ايضا فَلا تُطِعْهُما بحال من الأحوال في أمرهما هذا وسعيهما فيه إذ اصل فطرتك مجبولة على التوحيد من لدنا سواء تعلق علمك به او لم يتعلق فلك ان لا تطيعهما بل تنصرف عن أمرهما هذا وَمع انصرافك عن أمرهما هذا صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا وان كانا مشركين مَعْرُوفاً مستحسنا عقلا وشرعا ومروة حفظا لحقوقهما وَبالجملة لا تتبع بشركهما وكفرهما مطلقا بل اتَّبِعْ في الدين والملة سَبِيلَ مَنْ أَنابَ ورجع إِلَيَّ ودين من توجه نحوي موحدا إياي بريئا من الشرك مطلقا وبالجملة امض على التوحيد واسلك طريقه ما دمت في دار الابتلاء ثُمَّ اعلم انكم بعد ما انقرضت النشأة الاولى إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ تابعا ومتبوعا موحدا ومشركا أصلا وفرعا فَأُنَبِّئُكُمْ حينئذ وأخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بتفاصيل أعمالكم التي قد صدرت عنكم في دار الاختبار واجازيكم على مقتضاها ان خيرا فخير وان شرا فشر وبعد ما قد سجل لقمان على ابنه توحيد الحق بنفي ضده على وجه المبالغة والتأكيد أراد ان ينبه عليه بانه لا بد له ان يحفظ على نفسه الأدب مع الله في كل الأحوال بحيث لا يصدر عنه شيء يخالف توحيده ولا يلائمه ولو كان مقدار ذرة حقيرة إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه المحيط من أفعاله شيء فقال ايضا مناديا
يا بُنَيَّ إِنَّها اى الخصلة الذميمة التي قد أتيت أنت بها المنافية للتوحيد او الخصلة الحميدة الملائمة له لا يعزب كلاهما عن علم الله المحيط مطلقا بعموم الكوائن والفواسد الكائنة في الأنفس والآفاق وبالجملة إِنْ تَكُ أنت فرضا وكذا ما جئت به من الخصلة الذميمة او الحميدة في صغر الجثة او الوزن والمقدار مِثْقالَ حَبَّةٍ واحدة مقدرة كائنة مِنْ خَرْدَلٍ إذ هي مثل في الحقارة والصغر فَتَكُنْ تقع وتحصل أنت بعد ما جئت بها فِي صَخْرَةٍ اى في جوفها وهي أخفى الموضع واستر الأمكنة أَوْ فِي أعلى السَّماواتِ وفوقها وهو ما وراء الفلك الأطلس أَوْ فِي أسفل الْأَرْضِ وقعرها وبالجملة ان كنت في أخفى الأماكن واحفظها يَأْتِ بِهَا اى بك وبخصلتك التي قد صدرت عنك اللَّهُ الرقيب عليك في جميع حالاتك ويجازيك بمقتضاها ان
يا بُنَيَّ وصف ربك وحيطة علمه وشمول قدرته ولطافة اطلاعه وخبرته أَقِمِ الصَّلاةَ وأدم ميلك نحوه بجميع أركانك وجوارحك مخلصا في ميلك ورجوعك اليه سبحانه محرما على نفسك جميع ما يشغلك عن ربك مجردا مصفيا عاريا قلبك عن عموم منسوباتك ومقتضيات بشريتك ولوازم هويتك وَأْمُرْ يا بنى على بنى نوعك أولا ان قصدت تكميلهم وإرشادهم الى مقصد التوحيد بِالْمَعْرُوفِ المستحسن عقلا وشرعا وكلم معهم على قدر عقولهم بلا إغراء ولا إغواء ولا تفش عليهم سر التوحيد ما لم يستحقوا لفهمه وحفظه ولم يستعدوا لقبوله وَانْهَ ايضا عَنِ الْمُنْكَرِ المستهجن عقلا وشرعا عادة ومروءة ونبههم على وجوه القبيح والهجنة والطف معهم في تبيينه لعلهم يتفطنون بقبحه بمقتضى فطرتهم وفطنتهم التي قد فطروا عليها في بدء الأمر وَبالجملة اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ في تمشية سلوك التوحيد وتقوية طريقه وكن متحملا على مشاق الطاعات ومتاعب العبادات وارض من ربك بجميع ما جرى عليك وثبت لأجلك في لوح قضائه وحضرة علمه إِنَّ ذلِكَ المذكور اى كل واحد من الأمور المذكورة والخصائل المأمورة لك انما هو مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ اى من الأمور التي قد عزم الحق عليها وأوجبها على ذوى العزائم الصحيحة من خلص عباده إرشادا لهم الى وحدة ذاته وزلال هدايته الصافية عن كدر مطلق الضلالات والجهالات
وَكن يا بنى في تمدنك ومعاشرتك مع بنى نوعك لينا ملينا بشاشا بساما ولا تُصَعِّرْ اى لا تمل ولا تعرض ولا تصرف بحال من الأحوال ووقت من الأوقات خَدَّكَ وصفحة وجهك التي بها مواجهتك لِلنَّاسِ ولا تلو عنقك عنهم كبرا وخيلاء كما يفعله ارباب النخوة من الجهلة المستكبرين المتفوقين على الأقران المفتخرين بما عندهم من المال والجاه والثروة والسيادة النسبية ولا سيما اصحاب العلوم الرسمية والفضائل الكسبية من الاعتبارات الحكمية والعويصات الفلسفية والحيل الفقهية على الفقراء والضعفاء الفاقدين لها العارين عن تلك المكدرات الظلمانية مع ان صفاء قلوب هؤلاء الفقراء اكثر وأوفر من قلوب أولئك المتكبرين المفتخرين بما معهم من موجبات النخوة وَبالجملة لا تَمْشِ يا بنى فِي الْأَرْضِ التي قد بسطت للتذلل والانكسار مَرَحاً ذا فرح وسرور مفتخرا بما عندك من الحطام الفانية او العلوم الرسمية الدينية او الرياسة النسبية إِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ يمشى على وجه الأرض خيلاء بحيث يتبادر منه الكبر والنخوة في بادى النظر فَخُورٍ بما عنده من الحسب والنسب والجاه والمال بطر بها مباه بسببها
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وتوسط يا بنى واعتدل في مشيك بين الاسراع المذهب بهاء المؤمن ووقاره وبين الدبيب الموجب للعجب والخيلاء وَاغْضُضْ ايضا مِنْ صَوْتِكَ وانقص منه ولا ترفع وان كان حسنا يستحسنه السامعون فإنك بقصدك رفعة صوتك مبالغا فيها تشبه الحمار إذ هو مخصوص من بين سائر الحيوانات بترفيع الصوت والمبالغة فيه ومن بالغ في رفع صوته وان كان حسنا مرغوبا مقبولا فقد أشبه نفسه به ولا شك ان صوت الحمار
أَلَمْ تَرَوْا ولم تعلموا ايها المجبولون على الدرية والدراية أَنَّ اللَّهَ الحكيم المتقن في عموم أفعاله قد سَخَّرَ لَكُمْ وسهل عليكم تتميما لفضلكم وكرامتكم جميع ما فِي السَّماواتِ اى العلويات التي هي علل واسباب وفواعل وان كانت معلولات في أنفسها ومسببات في حدود ذواتها وَكذا عموم ما فِي الْأَرْضِ اى السفليات التي هي مسببات عن العلويات وقوابل لما يفيض عنها بطريق جرى العادات الإلهية ليحصل من امتزاجها ما يعيشون به مترفهين متنعمين من انواع الفواضل والنعم وَبالجملة قد أَسْبَغَ اكثر وأوفر سبحانه عَلَيْكُمْ ايها المجبولون على الكرامة الفطرية والكمال الجبلي نِعَمَهُ ظاهِرَةً تدركون بها ظواهر الآيات من المبصرات والمسموعات والملموسات والمشمومات والمذوقات وَباطِنَةً تدركون بها سرائر المعلومات واسرار المعقولات وتنكشفون بها الى المعارف والحقائق الفائضة على قلوبكم التي قد اودعها الله العليم الحكيم في بواطنكم كل ذلك ليسع فيها وينزل عليها سلطان وحدته الذاتية السارية في ظواهر الأكوان وبواطنها الكائنة ازلا وابدا مع انه سبحانه لا يسع في سعة السموات والأرض وان فرض لها أضعاف أضعاف وآلاف آلاف من السعة بل يسع في قلب عبده العارف المؤمن الموقن المنكشف بوحدته الذاتية الظاهرة المتجلية على صفائح عموم ما ظهر وبطن وغاب وشهد وَمع ظهور وحدته سبحانه في ذاته واستقلاله في اظهار المظاهر الكامنة ازلا وابدا مِنَ النَّاسِ المجبولين على الجدال والنسيان المنهمكين في بحر العناد والطغيان مَنْ يُجادِلُ فِي توحيد اللَّهَ المتوحد المتفرد بالالوهية والربوبية المستقل بالتصرف في ملكه وملكوته ارادة واختيارا ويثبت له شريكا سواه ويعبده كعبادته مع ان جداله هذا ما يستند الى سند يصلح للاستناد بل بِغَيْرِ عِلْمٍ ودليل عقلي فاض عليه يمكن التوصل به الى اثبات ادعائه بطريق النظر والاستدلال وَلا هُدىً وكشف صريح لدنى قد نبع من قلبه بلا افتقار الى مقدمات الوسائل العادية التي يستنتج منها المطالب وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ودليل نقلي ينور خلده ويعده لفيضان المعارف والحقائق من المبدأ الفياض بل ما نشأ عموم ما نشأ منه من الدعاوى والمجادلات الا من محض التقليد والتخمين الحاصل من متابعة القوى الوهمية والخيالية الغالبة المستولية على القوى العقلية الفطرية التي هي من بدائع الودائع الإلهية المودعة في قالب الإنسان المصور على صورة الرحمن
وَلذلك إِذا قِيلَ لَهُمُ على سبيل العظة والتذكير امحاضا للنصح اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ المصلح لأحوالكم من الدين والكتاب المشتمل على انواع الرشد والهداية والنبي المؤيد من عنده المبعوث إليكم لهدايتكم وإصلاحكم قالُوا في الجواب ما نتبع بمفترياتكم المستحدثة التي قد ابتدعتموها أنتم من تلقاء انفسكم ونسبتموها الى الله تغريرا وترويجا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا إذ هو مستمر قديم فنحن بأثرهم متبعون وبدينهم راضون متخذون قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا أَيتبعون آباءهم أولئك الضالون المسرفون وَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ المغوى المضل إياهم يَدْعُوهُمْ وآباءهم ايضا الى الباطل ليصرفهم عن
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ الذي يلي الحق إِلَى اللَّهِ ويخلص في توجهه نحوه سبحانه وَالحال انه هُوَ مُحْسِنٌ مع الله نفسه بتوفيق الله وتيسيره ناظر الى الله سبحانه مطالع بوجهه الكريم فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بل تمسك وتشبث بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى التي لا انفصام لها ألا وهي حبل الله الممدود من أزل الذات الى ابد الأسماء والصفات ومن تمسك بها فقد فاز بكنف حفظه وجواره وأمن من شر الشيطان وغوائله وتضليلاته عن طريق الحق وصراطه المستقيم وَكيف لا إِلَى اللَّهِ المستجمع لجميع الأسماء والصفات المظهرة المرتبة لما في الكائنات لا الى غيره من الوسائل والاظلال العادية عاقِبَةُ الْأُمُورِ ومصيرها ومن تشبث بحبل الله مخلصا فقد لحق بخلص أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وَمَنْ كَفَرَ واعرض عن التشبث بحبل توفيقه سبحانه وانصرف عن الاستمساك بدلائل وحدته وشواهد استقلاله في آثاره فَلا يَحْزُنْكَ يا أكمل الرسل كُفْرُهُ واعراضه عنا وعن مقتضى الوهيتنا وربوبيتنا إذ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ومصيرهم كما ان منا مبدأهم ومنشأهم فَنُنَبِّئُهُمْ ونخبرهم ونفصل عليهم بِما عَمِلُوا بعد ما رجعوا إلينا ونجازيهم على مقتضاه بلا فوت شيء مما صدر عنهم وكيف لا يجازون بأعمالهم ولا يحاسبون عليها إِنَّ اللَّهَ المطلع على عموم ما ظهر وبطن من ذرائر الأكوان عَلِيمٌ يحيط حضرة علمه المحيط بِذاتِ الصُّدُورِ وخفيات الأمور وان دقت ولطفت بحيث لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا لا يغتروا بامهالنا وتمتيعنا إياهم وعدم التفاتنا نحوهم وعدم انتقامنا منهم ولا يحملوا امهالنا على الإهمال إذ
نُمَتِّعُهُمْ زمانا قَلِيلًا ومدة يسيرة تسجيلا للعذاب عليهم وتغريرا لهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ بعد بطشنا إياهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ لا عذاب أشد منه لغلظ غشاوتهم وقساوتهم
وَكيف لا نأخذ أولئك المكابرين المعاندين مع انهم لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ سؤال اختبار والزام مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وأوجد العلويات وما فيها من الكواكب والبروج وانواع الفجاج وَالْأَرْضَ ومن عليها وما عليها مما لا يعد ولا يحصى لَيَقُولُنَّ في الجواب مضطرين حاصرين مخصصين اللَّهُ إذ لا يسع لهم اسناد خلقها وإيجادها الى غير سبحانه لظهور الدلائل والشواهد المانعة من الاسناد الى غيره سبحانه قُلِ يا أكمل الرسل بعد ما اعترفوا بان الموجد للعلويات والسفليات ليس الا الله سبحانه بالأصالة والاستقلال الْحَمْدُ لِلَّهِ قد اعترفتم بتوحيد الله مع انكم اعتقدتم خلافه وبالجملة قد لزمكم بقولكم هذا توحيد الحق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ لزومه ولا يفهمون استلزامه لذلك ينكرون له ويشركون معه غيره عنادا واستكبارا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وكيف لا يعلمون ويفهمون مع انه
لِلَّهِ الواحد الأحد المستحق للالوهية والربوبية وفي حيطة حضرة علمه وقبضة قدرته وتحت تصرفه عموم ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى العلويات والسفليات والممتزجات سواء علموا وحدته واستقلاله في ملكه او لم يعلموا واعتقدوا توحيده او لم يعتقدوا إذ لا يرجع له سبحانه نفع من اعتقادهم وضر من عدمه بل نفع اعتقادهم وايمانهم انما يرجع إليهم وضر كفرهم وشركهم ايضا كذلك إذ هو سبحانه منزه في ذاته عن ايمان المؤمن وكفر الكافر وكذا عن فسق العاصي وزهد المطيع إِنَّ اللَّهَ المستغنى عن عموم ما ظهر وما بطن هُوَ الْغَنِيُّ المقصور على الغنى الذاتي بالاستحقاق الذاتي الْحَمِيدُ بمقتضى أوصافه الذاتية وأسمائه الحسنى التي بها ظهر ما ظهر
وَلَوْ أَنَّ جميع ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ وهي كل ماله ساق من هذا الجنس أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ المحيط الذي هو عبارة عن كرة الماء الكائن الطائف حول الأرض يَمُدُّهُ ويصير مدادا لها وحبرا لثبتها ومدها بل فرض ايضا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد نفاد البحر المحيط سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مثلا محيطات كذلك تشيعه وتمد مده فكتبت بهذه الأقلام والمداد المذكورة على الدوام كلمات الله العليم العلام القدوس السلام ما نَفِدَتْ وما تناهت وما تمت مطلقا كَلِماتُ اللَّهِ وتنفد المداد والأقلام المذكورة بل وان فرض أمثالها واضعافها وآلافها ابدا مدادا وأقلاما كذلك إذ الأمور الغير المتناهية لا تقدر بمقدار متناه ولا تكال بمكيال مقدر وكيف يكال ويقدر علمه سبحانه إِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء عَزِيزٌ غالب قادر على ما جرى في حضرة علمه المحيط مع انه لا نهاية لمعلوماته حَكِيمٌ لا ينتهى حكمته وقدرته بالنسبة الى مقدور دون مقدور بل له التصرف في كل واحدة من مقدوراته ومراداته الى ما لا يتناهى ازلا وابدا إذ لا يكتنه طور علمه وخبرته وحكمته وقدرته مطلقا ومن جملة مقدوراته الصادرة منه سبحانه بمقتضى حكمته ارادة واختيارا خلقكم وايجادكم أولا على سبيل الإبداع بمقتضى اللطف والجمال واعدامكم ثانيا على مقتضى القهر والجلال واعادتكم وبعثكم ثالثا إظهارا للحكم الموعود في هوياتكم وأشباحكم والمصلحة المندرجة في ايجادكم واظهاركم والمحجوبون المقيدون بسلاسل الازمنة والساعات والآنات يتوهمون بين الأطوار الثلاثة والنشآت المتعاقبة أمدا بعيدا وازمنة متطاولة وعند الله بعد ما تعلق ارادته ونفذ قضاؤه وصدر عنه الأمر بقوله كن يكون الكل مقضيا بلا تراخ ومهلة في اقصر مدة من آن وطرفة ولمحة إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن ولا يقدر أفعاله زمان ومكان لذلك قال سبحانه
ما خَلْقُكُمْ واظهاركم في فضاء الوجود في النشأة الاولى وَلا بَعْثُكُمْ وحشركم في المحشر في النشأة الاخرى بعد ما انقرضتم عن الاولى إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى ايجادكم جملة أولا وبعثكم ثانيا كذلك في جنب قدرتنا وارادتنا كايجاد نفس واحدة بلا تفاوت إذ متى صدر عنا قولنا كن اشارة منا الى خلقكم وبعثكم جملة فيكون الكل مقضيا في الحال ككون نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ المطلع لسرائر ما ظهر وبطن سَمِيعٌ لعموم ما صدر عن ألسنة استعدادتهم وقابلياتهم بَصِيرٌ بعموم ما قد لاح عليهم من اشراق نور الوجود وكيف لا يطلع سبحانه بجميع الكوائن والفواسد
أَلَمْ تَرَ ايها الرائي المتأمل المتدبر أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ ويدخل اللَّيْلَ اى أجزاء منه فِي النَّهارِ ويطيله بها في الربيع تتميما لتربية أرزاقكم واقواتكم
ذلِكَ الذي قد سمعت ايها المجبول على فطرة الدراية والعرفان والمترصد لانكشاف سرائر التوحيد والإيقان من بدائع القدرة الإلهية ومن عجائب العلم والارادة وغرائب الشئون والأطوار اللامعة من لوايح لوامع شروق شمس الذات الاحدية ليدل بِأَنَّ اللَّهَ المتجلى على عروش الأنفس والآفاق بالأصالة والاستحقاق هُوَ الوجود المطلق الْحَقُّ الثابت المثبت ازلا وابدا القيوم المطلق الدائم الباقي بلا انقضاء ولا انصرام وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ويدعون الوجود له من العكوس والاظلال الهالكة في شروق شمس الذات هو الْباطِلُ المقصور المنحصر على العدم الصرف والبطلان المستهلك في مضيق الإمكان بأنواع الخذلان والحرمان وَبالجملة اعلموا ايها المتأملون في آثار الوجود الإلهي المتحققون بوحدة ذاته وكثرة شئونه وتطوراته حسب أسمائه وصفاته أَنَّ اللَّهَ المستقل بالالوهية والربوبية المستحق لانواع التذلل والعبودية إياه هُوَ الْعَلِيُّ بذاته لا بالإضافة الى غيره إذ لا غير معه الْكَبِيرُ في شئونه وتطوراته حسب تجلياته الجمالية والجلالية واللطفية والقهرية وكيف لا يستقل سبحانه بتصرفات ملكه وملكوته
أَلَمْ تَرَ ايها الرائي المعتبر المستبصر أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ حاملة بِنِعْمَتِ اللَّهِ المنعم المفضل عليكم بمقتضى لطفه وسعة جوده لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ الدالة على توحيده لتتفطنوا منها الى وحدة ذاته إِنَّ فِي ذلِكَ الإجراء والإمداد بالرياح المعينة لجريها والحفظ من الغرق والهلاك لَآياتٍ دلائل قاطعات وشواهد ساطعات لِكُلِّ صَبَّارٍ قد صبر على متاعب ما جرى عليه من القضاء شَكُورٍ لما وصل اليه من الآلاء والنعماء
وَمن كمال صبرهم وشكرهم إِذا غَشِيَهُمْ وغطاهم أحيانا مَوْجٌ عظيم هائل واستعلى مغلقا عليهم كَالظُّلَلِ المغطية إياهم من الجبال والسحب دَعَوُا اللَّهَ الواحد الأحد الفرد الصمد المنجى لهم عن أمثاله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حاصرين التوجه والانقياد نحوه بلا ميل منهم الى الأسباب والوسائل العادية متضرعين نحوه داعين اليه بلا رؤية الوسائل في البين على ما هو مقتضى فطرة التوحيد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ سبحانه بفضله عن احوال البحر ومضيقة وأوصلهم إِلَى الْبَرِّ وسعة فضائه سالمين غانمين فَمِنْهُمْ حينئذ مُقْتَصِدٌ معتدل في قصده نحو الحق غير مائل الى طرفي الإفراط والتفريط ومنهم مائل عن الاعتدال منحرف عنه ساع الى تحصيل ما يضاده ويخالفه وَبالجملة ما يَجْحَدُ وينكر منهم بِآياتِنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ غدار ناقض للعهد الفطري والميثاق الجبلي كَفُورٍ للآلاء والنعماء المترادفة المتدالية صروف لها الى ما لا يعنى الله ولا يأمره
يا أَيُّهَا النَّاسُ المجبولون على الكفران والنسيان المشغوفون على البغي والعدوان اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذي قد أظهركم من
إِنَّ اللَّهَ المستقل باطلاع الغيوب عِنْدَهُ وفي حيطة حضرة علمه ولوح قضائه عِلْمُ السَّاعَةِ وتعيين وقت قيامها ولم يطلع أحدا عليها سوى انه سبحانه قد اخبر بوقوعها وقيامها في جميع الكتب المنزلة من عنده سبحانه على رسله وَايضا هو سبحانه يُنَزِّلُ الْغَيْثَ حسب اطلاعه ولم يطلع أحدا بوقت نزوله وَيَعْلَمُ ايضا هو سبحانه حسب علمه الحضوري ما فِي الْأَرْحامِ ولم يطلع أحدا عليه وَايضا ما تَدْرِي وما تعلم نَفْسٌ من النفوس الخيرة والشريرة مطلقا ماذا تَكْسِبُ وأى شيء تعمل غَداً وان تدبرت وتدربت وبذلت جهدها وسعيها لا تفوز الى دراية احوال غدها بل يومها بل ساعتها ولحظها وطرفتها بل ما هي ايضا في نفسها الا من جملة المغيبات التي قد أحاط بها علمه سبحانه خاصة بلا اطلاع احد عليها وَما تَدْرِي وما تعلم نَفْسٌ ايضا وان بالغت في السعى وبذل الجهد والطاقة بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ بل هو ايضا من جملة الغيوب التي قد استأثر الله بها وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المستقل بالالوهية والربوبية المستجمع لجميع أوصاف الكمال عَلِيمٌ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه المحيط ذرة خَبِيرٌ لا يخرج عن حيطة خبرته طرفة وان كان لا يكتنه لمية علمه وخبرته والله اعلم بحقائق أسمائه وصفاته وبدقائق معلوماته ورقائق آثاره ومصنوعاته المترتبة عليها. ربنا زدنا بفضلك وجودك علما منك ينجينا عن الجهل بك وباسمائك واوصافك انك على ما تشاء قدير وبانجاحه حقيق جدير
خاتمة سورة لقمان
عليك ايها الموحد المتحقق بمقام التوحيد المتمكن في مقعد الصدق خاليا عن امارات التخمين والتقليد ان لا تتأمل ولا تتمنى بل لا تتخمن في نفسك حصول ما لا يسع في وسعك وطاقتك من الأمور التي ليس في استعدادك وقابليتك حصولها وانكشافها دونها إذ الإنسان وان سعى وبذل جهده في طريق العرفان بعد ما وفقه الحق وجذبه نحوه لا يبلغ الا الى التخلق بأخلاق الله تعالى والفناء في ذاته منخلعا عن لوازم ناسوته بقدر ما يمكن له ويسع في قابليته واستعداده واما الاطلاع على جميع معلوماته سبحانه والانكشاف بالمغيبات التي قد استأثر الله في غيب ذاته فأمر لا يحوم حوله ادراك احد من الأنبياء والرسل والكمل من ارباب الولاء والمحبة الخالصة بل لا ينبغي ولا يليق ان يتفوه