ﰡ
عليك ايها المريد القاصد نحو الحق الراجي منه القبول والرضاء ان تصفى سرك عن مطلق الرعونات المنافية للرضاء والتسليم بما جرى به القضاء وتخلى خلدك وضميرك عن الميل الى مطلق البدع والأهواء المبعدة عن التقرب نحو المولى فعليك بالتسليم والرضاء والتبتل الى الحق في السراء والضراء والتوكل عليه في الخصب والرخاء فانه لا يجرى في ملكه الا ما يشاء وما يشاء سبحانه الا على وفق الرضاء تفضلا منه وامتنانا
[سورة الزلزال]
فاتحة سورة الزلزال
لا يخفى على الموحدين المنكشفين بأحوال النشأة الاخرى التي هي نشأة انتقاد الأعمال وجزائها ان الحكمة المتقنة الإلهية الباعثة على إيجاد الموجودات واظهار عموم المخلوقات تقتضي ان تكون نشأة الاختبار والابتلاء سابقة على نشأة الجزاء لتظهر سرائر التكاليف الإلهية وفوائد الأوامر والنواهي والاحكام المنزلة من عنده وتتميز مرتبة الربوبية عن مرتبة العبودية والألوهية عن المألوهية وبعد ما قد اقتضت الحكمة المتقنة الإلهية ترتب النشأة الاخرى على الاولى أشار سبحانه الى امارات النشأة الاخرى وعلاماتها بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ المدبر لأمور عباده حسب النشأتين الرَّحْمنِ عليهم في النشأة الاولى حيث وضع عليهم التكاليف المثمرة لهم خير الجزاء الرَّحِيمِ لخواصهم في النشأة الاخرى يجزيهم جزاء الأوفى اذكر يا أكمل الرسل لمن كذب بالنشأة الاخرى وأنكر يوم العرض والجزاء كيف وقت
[الآيات]
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ اى هاجت واضطربت بعد ما وصل إليها الأمر الإلهي المتضمن للتحريك والتهييج زِلْزالَها الذي قدره الله لها عند النفخة الاولى
وَبعد ما هاجت وتحركت قد أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها اى دفائنها ومكنوناتها وما في جوفها من الأموات
وَبعد ما رأى الناس زلزالها وإخراجها قالَ الْإِنْسانُ من كمال حيرته وتعجبه ما لَها اى ما عرض على الأرض وما لحق بها حتى اضطرت الى الحركة والاضطراب مع انها ساكنة في حد ذاتها جامدة دائما وبالجملة
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض بالهام الله إياها أَخْبارَها اى الأعمال التي قد عمل عليها بنو آدم عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قال رسول الله ﷺ هذه الآية يومئذ تحدث اخبارها قال اتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبد وامة بما عمل على ظهرها اى تقول عمل على كذا وكذا يوم كذا فهذه اخبارها وذلك
بِأَنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل أَوْحى لَها اى امر لها سبحانه واذن لها بالكلام فحينئذ لتكلمت وتحدثت واذكر يا أكمل الرسل
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ يرجع ويعود النَّاسُ عن موقف العرض والحساب أَشْتاتاً متفرقين متحزبين حسب مراتبهم في الحساب كل منهم مع شاكلته لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ أجزأتهم المعدة لهم في الجنة او النار
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ اى مقدار نملة صغيرة ووزنها خَيْراً يَرَهُ اى ير جزاءه في الجنة
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ اى جزاءه في النار هذه الآية احكم آية وأقسطها من الآيات الدالة على كمال العدل الإلهي وأشملها حكما لذلك قال ﷺ إذا زلزلت تعدل نصف القرآن وقل هو الله احد تعدل ثلث القرآن وقل يا ايها الكافرون تعدل ربع القرآن