ﰡ
في السورة إنذار بيوم القيامة وهوله وحسابه. وحثّ على الخير وتحذير من الشرّ بصورة عامة. ومن المفسّرين من روى مكيتها وحسب «١» ومنهم من قال إنها من المختلف على مكيته ومدنيته بسبب تعدّد الروايات «٢» والطابع المكي قويّ البروز عليها بحيث يسوغ ترجيح مكيّتها إن لم نقل الجزم بذلك، بل ويلهم أنها من السور المبكرة في النزول. وتكاد تكون هي وسورة القارعة المتفق على مكيتها ونزولها مبكرة صورتين متماثلتين. ولقد جاء في حديث رواه الترمذي عن أنس أن قراءة هذه السورة تعدل نصف القرآن وفي حديث آخر عنه أنها تعدل بربع القرآن «٣».
وقد يكون التباين من الرواة. وعلى كل حال فقد يكون قصد التذكر بأهوال يوم القيامة والحثّ على الخير واجتناب الشرّ من الحكمة المتوخاة في الحديث والله تعالى أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨).
(٢) انظر تفسير الخازن والنسفي والطبرسي والزمخشري والقاسمي.
(٣) التاج ج ٤ ص ٢١.
في الآيات إشارة إلى يوم القيامة وهوله وحسابه: فالأرض ترتجف وتتشقق وتقذف ما في بطنها كأنها تتزلزل. والناس يتساءلون عما كان ويكون. ولا يلبثون أن يعرفوا أن الله قد حقق بذلك وعده بيوم القيامة والحساب. وحينئذ يهرعون جماعات جماعات ليروا نتائج أعمالهم ويوفوا عليها أجورهم كلّ بما قدّم من خير أو شرّ. فالذين يعملون خيرا مهما قلّ سيلقون خيرا ولا يضيع عليهم منه شيء.
والذين يعملون شرا مهما قلّ سيلقون شرا.
والسورة مع احتوائها حقيقة يوم القيامة والحساب الإيمانية هي سورة وعظ وترغيب وترهيب مطلقة التوجيه للناس عموما، واستهدفت كما هو المتبادر إثارة الخوف من ذلك اليوم وحمل الناس على الإقبال على العمل الصالح والابتعاد عن الأعمال السيئة وعدم الاستهانة بالشرّ مهما قلّ وعدم إهمال الخير مهما ضؤل.
وهي من هذه الناحية تنطوي على تلقين مستمر المدى.
طائفة من الروايات والأحاديث في سياق آيات هذه السورة
ولقد روى البغوي في سياق وتأويل جملة وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها حديثا عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقيء الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت. ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي. ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا». والحديث إن صحّ فإن روايته لم تذكر أنه بسبيل تفسير الجملة.
كما أن أثقال الأرض التي في بطنها ليست فقط القاتل والقاطع والسارق. ولذلك نظل نرجّح التأويل الذي أوّلنا به الجملة.
ولقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة حديثا في سياق آيتي وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ جاء فيه: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الحمر- وقد أوضح الشارح أن السؤال عن ما إذا كان يجب على ما يقتنيه المسلم من الحمر زكاة- فقال لم ينزل عليّ فيها شيء إلّا هذه الآية الجامعة الفاذة وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «٢». حيث ينطوي في الحديث حثّ على عمل الخير ومن ذلك الصدقات مهما قلّت وبأي اسم كان ونهى عن الشرّ مهما تفه فيتساوق التلقين النبوي كذلك مع التلقين القرآني.
ولقد روى البغوي بطرقه عن مقاتل قوله إن الآيتين المذكورتين نزلتا في رجلين وذلك أنه لما نزلت وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ونحوها ويقول ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبّه وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ويقول إنما وعد الله النار على الكبائر وليس في هذا إثم فأنزل الله الآيتين يرغّبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر. ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر.
والآيتان منسجمتان مع آيات السورة وهما بسبيل تبشير وإنذار عامين ومبدأين
(٢) انظر المصدر نفسه.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآيتين حديثا عن أبي إدريس قال: «إنّ أبا بكر كان يأكل مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأنزلت هذه الآية فرفع يده من الطعام وقال إني لراء ما عملت من خير وشرّ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إن ما ترى مما تكره فهو بمثاقيل ذرّ الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذرّ الخير حتى تعطاه يوم القيامة». وحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «أنزلت إِذا زُلْزِلَتِ وأبو بكر قاعد فبكى فقال له رسول الله: ما يبكيك؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال له: لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم». فإذا صحّت الأحاديث فتكون الحكمة النبويّة قد توخّت تطمين المخلصين من المؤمنين في صدد ما قد يصدر منهم من هفوات والله أعلم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيتين حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: «لما أنزلت وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قلت يا رسول الله إني لراء عملي؟ قال: نعم، قلت: تلك الكبار الكبار؟ قال: نعم، قلت:
الصغار الصغار؟ قال: نعم، قلت: وأثكل أمي؟ قال: أبشر يا أبا سعيد فإنّ الحسنة بعشر أمثالها ثم إلى سبعمائة ضعف ويضاعف الله لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يغفر الله ولن ينجو أحد منكم بعمله إلّا أن يتغمدني الله منه برحمة».
فإن صحّ الحديث فتكون الحكمة النبوية قد توخت فيه التحذير من الكبائر والصغائر معا والتحذير كذلك من اعتداد الإنسان بأعماله ومنه على الله بها مع تأميل المؤمنين المخلصين في نفس الوقت بعفو الله ورحمته.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآيتين كذلك حديثا عن عائشة قالت:
«قلت يا رسول الله إن عبد الله بن جدعان كان يصل الرحم ويفعل ويفعل هل ذاك نافعه؟ قال: لا إنه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين». وحديث عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: «ذهبت أنا وأخي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول
نعم، قال: لن ينفعه ذلك. فولّى، فقال رسول الله عليّ بالشيخ، فجاء فقال له:
إنها لن تنفعه ولكنها تكون في عقبه فلن تخزوا أبدا ولن تذلوا أبدا ولن تفتقروا أبدا». وحديث عن أنس جاء فيه: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيعطيه بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة».
وهذه الأحاديث لم ترد بصيغها في كتب الأحاديث الصحيحة. وهذا لا يمنع صحّتها. وفحواها متّسق مع التقريرات والتلقينات التي انطوت في آيات عديدة والتي تنبّه على أن الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر شرط لا بد منه لنفع الأعمال الصالحة في الآخرة.
مقدمة للسورة
في هذه السورة مواضيع عديدة وفصول ومواقف ومشاهد متنوعة، منها الحجاجية ومنها التنديدية ومنها التشريعية ومنها التعليمية ومنها التذكيرية ومنها الإيمانية ومنها الكونية. وفيها قصة خلق آدم وسجود الملائكة وكفر إبليس.
وسلسلة طويلة في بني إسرائيل ومواقفهم من الدعوة المحمدية وأخلاقهم وربط ذلك بتاريخهم القديم. وبعض صور من تاريخهم بعد موسى وإشارة إلى المنافقين وتآمر اليهود معهم ضد الدعوة. وفيها تشريعات في القبلة والوصية والصيام والقتال في سبيل الله والحج والحيض والأنكحة والطلاق وعدة الزوجة المتوفى عنها زوجها والربا وتسجيل الأعمال التجارية والديون والحث على الإنفاق في سبيل الله. وقد تخللتها عظات وتلقينات وتعليمات إيمانية وأخلاقية واجتماعية، وانطوى فيها صور عديدة من العهد المدني وظروف المسلمين فيه.
وهي أطول سور القرآن عدد آيات وسعة حيز، وطابع العهد المدني بارز على فصولها وأسلوبها، وبعض فصولها منسجمة مع بعض بحيث يصح أن يقال إنها نزلت معا أو متتابعة. وبعض فصولها غير منسجمة ظرفا ولكنها منسجمة موضوعا مع بعض بحيث يصح أن يقال إنها نزلت في ظروف متباعدة. ولا يستبعد أن يكون بعضها نزل متأخرا وبعد نزول سور أو مجموعات قرآنية من سور أخرى ثم وضع بعضها وراء بعض بسبب التساوق الموضوعي. ولا يستبعد أن يكون بعضها أخر في الترتيب مع تبكيره في النزول وبعضها قدم في الترتيب مع تأخره في النزول حتى إن منه ما نزل قبيل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم مما تلهمه المضامين وتسوغه المقارنات. وكل هذا
ولقد أثر حديث عن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) أخرجه الحاكم ووصف بأنه بسند صحيح على شرط الشيخين- وزيد هو الذي تولّى عمل تدوين المصحف بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي كان من كتّاب وحي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- جاء فيه «كنا نؤلف القرآن من الرقاع» وقد علق البيهقي على ذلك بقوله: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلّى الله عليه وسلّم «١». مما فيه توضيح لما قلناه في صدد تأليف فصول هذه السورة بعد أن تكامل نزولها في ظروف متباعدة. وهذا يصدق على كل السور المدنية الطويلة على ما سوف ننبه عليه في مناسباتها، حيث يبدو أن ظروف العهد المدني كانت تقتضي أن تدون فصول القرآن النازلة فيه متفرقة لأنها مواضيع متنوعة نزلت في مناسبات مختلفة ثم تؤلف السور منها.
وطابع البدء والختام على مطلع سورة البقرة وخاتمتها بارز حتى ليسوغ القول إنهما وضعا ليكونا كالإطار للسورة. ولعل الفصل الأول من السورة كان أول فصول السورة نزولا في المدينة وأول فصول القرآن المدني نزولا، مما قد يلهمه مضمونه فاعتبرت السورة من أجل ذلك في ترتيب النزول كأولى السور المدنية نزولا مثل سورة العلق التي اعتبرت في ترتيب النزول كأولى سور القرآن المكي نزولا لأن آياتها الخمس الأولى دون بقيتها هي أول القرآن نزولا.
ولقد أثر حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء فيه: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش» «٢» وحديث آخر جاء فيه: «إنّ ملكا نزل من السماء فقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم:
(٢) انظر تفسير ابن كثير للآيات الأخيرة من سورة البقرة، وهذا الحديث ورد في التاج برواية مسلم عن ابن عباس أيضا. انظر التاج ج ٤ ص ١٣ و ١٤. [.....]
لن تقرأ منهما حرفا إلّا أوتيته» «١» حيث يدل هذا دلالة قوية بل قاطعة على أن هذه السورة قد تمّ تأليفها على الوجه الذي ورد في المصحف في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ما نعتقده بالنسبة لسائر السور الطويلة المدنية التي فيها فصول مختلفة المواضيع نزلت في ظروف مختلفة ومتباعدة.
ولقد روى المفسرون بعض الأحاديث في فضل سورة البقرة منها حديث جاء فيه: «لكلّ شيء سنام وإنّ سنام القرآن سورة البقرة» «٢». وهذا الحديث إذ يذكر سورة البقرة يدل أيضا على أنها كانت مؤلفة تامة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والمجمع عليه أن تفوقها على غيرها في عدد الآيات والحيز من أسباب وضعها في أول المصحف بعد سورة الفاتحة التي وصفت بأنها مفتتح القرآن وبراعته الاستهلالية على ما شرحناه في سياق تفسيرها. وليس من شأن هذا أن ينقض ما وضحناه من أن جعلها أولى سورة مدنية هو بسبب احتمال كون فصلها الأول هو أول فصول القرآن نزولا في المدينة، والله تعالى أعلم.
تعليق على ترتيب السور في المصحف
وننبه بهذه المناسبة على أن علماء القرآن قالوا إن ترتيب سور القرآن في المصحف قد جاء حسب أطوالها. حيث قدمت السور المسماة بالطوال ثم ما عرف بالمئين- أي التي عدد آياتها في حدود المائة تزيد قليلا أو تنقص قليلا- ثم ما عرف بالمثاني ثم ما عرف بالقصار ثم ما عرف بالمفصل أي القصار جدا «٣».
(٢) انظر تفسير السورة في تفسير ابن كثير وغيره.
(٣) انظر أيضا الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ٦٠- ٦٨. والمفصل هي السور القصيرة. وسمّيت كذلك لكثرة الفصل بينها. وهناك أقوال مختلفة في تعيين كل مجموعة من المجموعات الأربع، منها أن السبع الطوال هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف وقد ذكر الراوي أنه نسي السابعة. وهناك ما يذكر الأنفال والتوبة معا كسابعة وهناك ما يذكر سورة يونس كسابعة. والمئين بعد يونس إلى الكهف وبعدها المثاني.
والمفصل يبدأ في رواية بالحجرات وفي رواية بسورة (ق) وفي رواية بسورة الضحى.
والملاحظ أن القول: إن سور القرآن رتبت على النحو المذكور آنفا أي الطوال فالمئين فالمثاني فالمفصل ليس دقيقا كل الدقة إلا بالنسبة لسورة البقرة فقط. فثانية السور في عدد الآيات هي سورة الشعراء مثلا غير أنها وضعت في عداد المثاني وبعد عدد كبير من السور التي منها ما هو أقل منها حيزا أي أقصر طولا فضلا عن كونه أقل في عدد الآيات مثل سورة الرعد وإبراهيم والحجر والفرقان والنور والمؤمنون والأنبياء والحج. وسورة الرعد وإبراهيم والحجر قد قدمت في الترتيب مع أن بعدها سورا كثيرة أكثر منها عدد آيات وأطول حيزا. ومثل هذا يلاحظ في سور عديدة أخرى في الطوال والمئين والمثاني والقصار والمفصل.
ولما كنا نعتقد أن ترتيب السور في المصحف قد تم في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم وبإرشاده وهو بمصطلح علماء القرآن توقيفي «٣» فنحن نعتقد أنه لا بد من أن يكون لهذا الترتيب حكمة وإن كانت قد خفيت علينا وعلى غيرنا.
هذا، والذي نرجحه أن تأليف السور على الصورة التي شرحناها إنما هو بالنسبة للسور المدنية فقط وبخاصة للطوال والمئين والمثاني منها دون السور المكية. ففي السور المكية وحدة مواضيع وتشابه قوي في الفصول. وهي قاصرة على الدعوة ومبادئها وتدعيماتها المتنوعة والحجاج حول ذلك، مما لا يقتضي أن ينزل فصل من سورة ثم يعقبه فصل من سورة أخرى قبل أن تتم فصول السورة التي
(٢) انظر تفسير الآية [٨٧] من سورة الحجر في تفسير البغوي.
(٣) انظر المصدر السابق.
ولا يتعارض هذا مع ما هو محقق من إضافة بعض الآيات المدنية إلى بعض السور المكية إذ أن هذه الآيات قد أضيفت إلى مناسباتها على ما شرحناه في سياقها في سور المزمل والأعراف والشعراء، والله سبحانه وتعالى أعلم «٢».
أما ما روي عن تدوين القرآن أو جمعه في زمن أبي بكر وعثمان (رضي الله عنهما) فليس ذلك جمعا وتدوينا وترتيبا جديدا. فالقرآن كان مدونا ومرتبا وكان لكثير من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصاحف. غير أن القرآن كان مفتوح الصحف لاحتمال نزول الوحي بقرآن جديد. فلما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعد هناك احتمال لذلك رأى أبو بكر وعمر وكبار الصحابة أن يكون هناك مصحف إمام ليكون المرجع لما قد يكون من خلاف في المصاحف المتداولة فكتب هذا المصحف الذي بذلت الجهود العظيمة في كتابته وقورن وقوبل كل ما كان متداولا مخطوطا ومحفوظا من القرآن بسبيل ذلك «٣».
غير أن هذا على ما يظهر لم يحل المشكلة، لأن المسلمين كثروا وتفرقوا في البلاد وكانوا يكتبون مصاحفهم بخطوطهم. وكان يقع تباين في الكتابة وصار الناس في زمن عثمان (رضي الله عنه) يقرؤون قراءات متباينة نتيجة لذلك فرأى بعض كبار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلافيا لذلك أن يكتب المصحف من جديد بإملاء واحد
(٢) انظر كتابنا القرآن المجيد ص ٥٢- ١١٢ ففي هذه الصفحات بحث مسهب واستعراض للروايات والأحاديث واستدلالات من القرآن على صحة ما قررناه إن شاء الله.
(٣) انظر كتابنا القرآن المجيد ص ٥٢- ١١٢ ففي هذه الصفحات بحث مسهب واستعراض للروايات والأحاديث واستدلالات من القرآن على صحة ما قررناه إن شاء الله.