تفسير سورة الزلزلة

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب تفسير المراغي المعروف بـتفسير المراغي .
لمؤلفه أحمد بن مصطفى المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ

ثم ذكر أسباب هذا الجزاء فقال:
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أي إنهم حازوا رضا الله بالتزام حدود شريعته، فحمدوا مغبة أعمالهم، ونالوا ما يرضيهم فى دنياهم وآخرتهم.
(ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) أي هذا الجزاء الحسن إنما يكون لمن ملأت قلبه الخشية والخوف من ربه.
وفى ذلك تحذير من خشية غير الله، وتنفير من إشراك غيره به فى جميع الأعمال كما أن فيه ترغيبا فى تذكر الله ورهبته لدى كل عمل من أعمال البر حتى يكون العمل له خالصا، إلى أن فيه إيماء إلى أن أداء بعض العبادات كالصلاة والصوم بحركات وسكنات مجردين عن الخشية لا يكفى فى نيل ما أعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات من الجزاء، لأن الخشية لم تحلّ قلوبهم، ولم تهذب نفوسهم.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا، وينير بصائرنا، حتى لا نرهب سواه، ولا نخشى إلا إياه، والحمد لله رب العالمين.
سورة الزلزلة
هى مدنية، وآياتها ثمان، نزلت بعد سورة النساء.
ووجه مناسبتها لما قبلها- أنه لما ذكر فيما سلف جزاء المؤمنين والكافرين، بين هنا وقت ذلك الجزاء وعلاماته.
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
217
شرح المفردات
الزلزلة: الحركة الشديدة مع اضطراب، والأثقال: واحدها ثقل، وهو فى الأصل متاع البيت كما قال: «وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ» والمراد هنا ما فى جوف الأرض من الدفائن كالموتى والكنوز، وتقول أوحيت له وأوحيت إليه ووحي له ووحي إليه، أي كلمه خفية أو ألهمه كما جاء فى قوله: «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» يصدر: أي يرجع، فالوارد هو الآتي للماء ليشرب أو يستقى، والصادر: هو الراجع عنه، أشتاتا: واحدهم شتيت أي متفرقين متمايزين لا يسير محسنهم ومسيئهم فى طريق واحدة، الذرة: النملة الصغيرة، أو هى الهباء الذي يرى فى ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة، ومثقال الذرة: وزنها، وهو مثل فى الصغر.
سبب نزول هذه السورة
كان الكفار كثيرا ما يسألون عن يوم الحساب فيقولون «أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ» ويقولون: «مَتى هذَا الْوَعْدُ؟» وما أشبه ذلك، فذكر لهم فى هذه السورة علامات ذلك فحسب، ليعلموا أنه لا سبيل إلى تعيين ذلك اليوم الذي يعرض الناس فيه على ربهم لعقاب المذنبين وثواب المؤمنين.
الإيضاح
(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) أي إذا اضطربت الأرض وتحركت حركة شديدة ونحو الآية قوله: «إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا»، وقوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ».
وفى ذلك إيماء إلى شدة الحال يومئذ، ولفت لأنظار الكافرين إلى أن يتدبروا
218
الأمر ويعتبروا، وكان يقال لهم: إذا كان الجماد يضطرب لهول هذا اليوم، فهل لكم أن تستيقظوا من غفلتكم، وترجعوا عن عنادكم؟.
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) أي وأخرجت الأرض ما فى جوفها من الكنوز والدفائن والأموات، فإنها لشدة اضطرابها يثور باطنها ويقذف ما فيه.
ونحو الآية قوله: «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ. وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ».
ومثال هذا ما نراه فى حياتنا الدنيا من جبال النار الثائرة (البراكين) كما حدث فى إيطاليا سنة ١٩٠٩ من ثوران بركان ويزوف وابتلاعه مدينة مسينا ولم يبق من أهلها ديّارا ولا نافخ نار.
(وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها؟) أي وقال من يكون من الناس مشاهدا لهذا الزلزال الذي يخالف أمثاله فى شدته، ويحار العقل فى معرفة أسبابه، ويصيبه الدّهش مما يرى ويبصر: ما لهذه الأرض، وما الذي وقع لها مما لم يعهد له نظير من قبل؟ كما جاء فى آية أخرى: «وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى».
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي فى ذلك الوقت وقت الزلزلة تحدثك الأرض أحاديثها، والمراد أن حالها وما يقع فيها من الاضطراب والانقلاب، وما لم يعهد له نظير من الخراب، تعلم السائل وتفهمه أن ما يراه لم يكن لسبب من الأسباب التي وضعت لأمثاله مما نراه حين استقر نظام هذا الكون.
ثم بين سبب ما يرى فقال:
(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أي إن ما يكون للأرض يومئذ إنما هو بأمر إلهي خاص، فيقول لها كونى خرابا كما قال لها حين بدء النشأة الأولى كونى أرضا، وإنما سمى ذلك وحيا، لأنه أتى على خلاف ما عهد منذ نشأة الأرض، قاله الأستاذ الإمام.
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) أي يوم يقع الخراب العظيم لهذا العالم الأرضى، ويظهر ذلك الكون الجديد كون الحياة الأخرى، يصدر الناس متفرقين
219
متمايزين فلا يكون محسن فى طريق واحد مع مسىء، ولا مطيع مع عاص، ليريهم الله جزاء ما قدمت أيديهم، ويجنوا ثمر ما غرسته أيمانهم.
ثم فصل ذلك بقوله:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أي فمن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره فإنه يجد جزاءه، ومن يعمل الشر ولو قليلا يجد جزاءه، لا فرق بين المؤمن والكافر.
وحسنات الكافرين لا تخلصهم من عذاب الكفر فهم به خالدون فى الشقاء، وما نطق من الآيات بحبوط أعمال الكافرين وأنها لا تنفعهم، فالمراد به أنها لا تنجيهم من عذاب الكفر وإن خففت عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم من السيئات الأخرى، أما عذاب الكفر فلا يخفف عنهم منه شىء، يرشد إلى ذلك قوله تعالى:
«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ». فقوله: «فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً» صريح فى أن المؤمن والكافر فى ذلك سواء. وأن كلا يوفّى يوم القيامة جزاءه، وقد ورد أن حاتما يخفف عنه لكرمه، وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تلخيص ما قاله الأستاذ الإمام فى تفسير الآية.
مقاصد السورة
اشتملت هذه السورة الكريمة على مقصدين:
(١) اضطراب الأرض يوم القيامة ودهشة الناس حينئذ.
(٢) ذهاب الناس لموقف العرض والحساب ثم مجازاتهم على أعمالهم.
220
Icon