تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
ﮯ
ﰀ
ﮱﯓ
ﰁ
ﯕﯖﯗﯘ
ﰂ
ﯚﯛﯜﯝ
ﰃ
ﯟﯠﯡﯢ
ﰄ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰅ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ
ﰆ
ﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰇ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﰈ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰉ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﰊ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰋ
سورة الحاقة
هى مكية، وآيها ثنتان وخمسون، نزلت بعد سورة الملك.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) إنه وقع فى ن ذكر يوم القيامة مجملا، وهنا فصّل نبأه وذكر شأنه العظيم.
(٢) إنه ذكر فيما قبلها من كذب بالقرآن وما توعده به، وهنا ذكر أحوال أمم كذبوا الرسل وما جرى عليهم، ليزدجر المكذبون المعاصرون له عليه الصلاة والسلام.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ١٢]
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)
هى مكية، وآيها ثنتان وخمسون، نزلت بعد سورة الملك.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) إنه وقع فى ن ذكر يوم القيامة مجملا، وهنا فصّل نبأه وذكر شأنه العظيم.
(٢) إنه ذكر فيما قبلها من كذب بالقرآن وما توعده به، وهنا ذكر أحوال أمم كذبوا الرسل وما جرى عليهم، ليزدجر المكذبون المعاصرون له عليه الصلاة والسلام.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ١٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)
49
شرح المفردات
الحاقة: من حق الشيء، إذا ثبت ووجب، أي الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء وهى يوم القيامة، ما الحاقة: أي أىّ شىء هى؟ تفخيما لشأنها، وتعظيما لهولها، وما أدراك ما الحاقة: أي أىّ شىء أعلمك ما هى؟ فلا علم لك بحقيقتها، إذ بلغت من الشدة والهول أن لا يبلغها علم المخلوقين، والقارعة: هى الحاقة التي تقرع قلوب الناس بالمخافة والأهوال، وتقرع الأجرام بالانفطار والانتشار، وسميت قارعة لشدة هولها، إذ القرع ضرب شىء بشىء، والطاغية: هى الواقعة التي جاوزت الحد فى الشدة والقوة كما قال «إنّا لمّا طغى الماء» أي جاوز الحد، والمراد بها الصاعقة، والصرصر:
الشديدة الصوت التي لها صرصرة، عانية: أي بالغة منتهى القوة والشدة، سخرها عليهم: أي سلطها عليهم، حسوما: أي متتابعة واحدها حاسم، والحسم: القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لأنه يحسم العدو عما يريد من عداوته، وصرعى:
واحدهم صريع أي ميت، وأعجاز: واحدها عجز، وهو الأصل، وخاوية: أي خالية الأجواف لا شىء فيها، والباقية: البقاء، والمؤتفكات: أي المنقلبات وهى قرى قوم لوط، جعل الله عاليها سافلها بالزلزلة، والخاطئة: الخطأ، رابية: من ربا الشيء إذا زاد أي الزائدة فى الشدة، وطغى الماء: تجاوز حده وارتفع، حملناكم: أي حملنا آباءكم وأنتم فى أصلابهم، والجارية: السفينة التي تجرى فى الماء، وتعيها: أي تحفظها، وتقول لكل ما حفظته فى نفسك: وعيته، وتقول لكل ما حفظته فى غير نفسك:
أوعيته فيقال أوعيت المتاع فى الوعاء قال: «والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد».
المعنى الجملي
ذكر سبحانه أن يوم القيامة حق لا شك فيه، وأن الأمم التي عصت رسلها وكذبتهم، أصابها الهلاك والاستئصال بألوان من العذاب، فثمود أهلكت بالصاعقة
الحاقة: من حق الشيء، إذا ثبت ووجب، أي الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء وهى يوم القيامة، ما الحاقة: أي أىّ شىء هى؟ تفخيما لشأنها، وتعظيما لهولها، وما أدراك ما الحاقة: أي أىّ شىء أعلمك ما هى؟ فلا علم لك بحقيقتها، إذ بلغت من الشدة والهول أن لا يبلغها علم المخلوقين، والقارعة: هى الحاقة التي تقرع قلوب الناس بالمخافة والأهوال، وتقرع الأجرام بالانفطار والانتشار، وسميت قارعة لشدة هولها، إذ القرع ضرب شىء بشىء، والطاغية: هى الواقعة التي جاوزت الحد فى الشدة والقوة كما قال «إنّا لمّا طغى الماء» أي جاوز الحد، والمراد بها الصاعقة، والصرصر:
الشديدة الصوت التي لها صرصرة، عانية: أي بالغة منتهى القوة والشدة، سخرها عليهم: أي سلطها عليهم، حسوما: أي متتابعة واحدها حاسم، والحسم: القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لأنه يحسم العدو عما يريد من عداوته، وصرعى:
واحدهم صريع أي ميت، وأعجاز: واحدها عجز، وهو الأصل، وخاوية: أي خالية الأجواف لا شىء فيها، والباقية: البقاء، والمؤتفكات: أي المنقلبات وهى قرى قوم لوط، جعل الله عاليها سافلها بالزلزلة، والخاطئة: الخطأ، رابية: من ربا الشيء إذا زاد أي الزائدة فى الشدة، وطغى الماء: تجاوز حده وارتفع، حملناكم: أي حملنا آباءكم وأنتم فى أصلابهم، والجارية: السفينة التي تجرى فى الماء، وتعيها: أي تحفظها، وتقول لكل ما حفظته فى نفسك: وعيته، وتقول لكل ما حفظته فى غير نفسك:
أوعيته فيقال أوعيت المتاع فى الوعاء قال: «والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد».
المعنى الجملي
ذكر سبحانه أن يوم القيامة حق لا شك فيه، وأن الأمم التي عصت رسلها وكذبتهم، أصابها الهلاك والاستئصال بألوان من العذاب، فثمود أهلكت بالصاعقة
50
وعاد أهلكت بريح صرصر عانية سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة، فصاروا صرعى كأنهم أصول نخل جوفاء، لم يبق منهم ديّار، ولا نافخ نار وكذلك أهلك فرعون وقومه بالغرق، وقوم لوط بالزلزال الشديد الذي قلب قراهم وجعل عاليها سافلها، وأهلك قوم نوح بالطوفان.
الإيضاح
(الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ؟) هذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة فى الغرض الذي يساق له، فكأنه قيل: أي شىء هى فى حالها وصفتها؟ فهى لا تحيط بها العبارة، ولا يبلغ حقيقتها الوصف.
ثم زاد سبحانه فى تفظيع شأنها، وتفخيم أمرها، وتهويل حالها فقال:
(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟) أي أىّ شىء أعلمك ما هى؟ فهى خارجة عن دائرة علوم المخلوقات، لعظم شأنها، ومدى هولها وشدتها، فلا تبلغها دراية أحد ولا وهمه، فكيفما قدرت حالها، فهى فوق ذلك وأعظم.
قال سفيان بن عيينة: كل ما فى القرآن قال فيه: وما أدراك، فإنه ﷺ أخبر به، وكل شىء قال فيه: وما يدريك، فإنه لم يخبر به.
ثم ذكر بعض الأمم التي كذبت بها، وما حاق بها من العذاب فقال:
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) أي كذبت ثمود وعاد بالقيامة التي تقرع الناس بالفزع والهول، والسماء بالانفجار، والأرض والجبال بالنسف، والنجوم بالطمس والانكدار.
ثم فصل ما نزل بكل أمة من العذاب فقال:
(١) (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أي فأما ثمود فأهلكهم الله بصيحة جاوزت الحد فى الشدة كما جاء فى هود «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ» وهى الصاعقة التي جاءت فى حم السجدة، والرجفة والزلزلة التي جاءت فى سورة الأعراف، فلا تعارض
الإيضاح
(الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ؟) هذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة فى الغرض الذي يساق له، فكأنه قيل: أي شىء هى فى حالها وصفتها؟ فهى لا تحيط بها العبارة، ولا يبلغ حقيقتها الوصف.
ثم زاد سبحانه فى تفظيع شأنها، وتفخيم أمرها، وتهويل حالها فقال:
(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟) أي أىّ شىء أعلمك ما هى؟ فهى خارجة عن دائرة علوم المخلوقات، لعظم شأنها، ومدى هولها وشدتها، فلا تبلغها دراية أحد ولا وهمه، فكيفما قدرت حالها، فهى فوق ذلك وأعظم.
قال سفيان بن عيينة: كل ما فى القرآن قال فيه: وما أدراك، فإنه ﷺ أخبر به، وكل شىء قال فيه: وما يدريك، فإنه لم يخبر به.
ثم ذكر بعض الأمم التي كذبت بها، وما حاق بها من العذاب فقال:
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) أي كذبت ثمود وعاد بالقيامة التي تقرع الناس بالفزع والهول، والسماء بالانفجار، والأرض والجبال بالنسف، والنجوم بالطمس والانكدار.
ثم فصل ما نزل بكل أمة من العذاب فقال:
(١) (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أي فأما ثمود فأهلكهم الله بصيحة جاوزت الحد فى الشدة كما جاء فى هود «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ» وهى الصاعقة التي جاءت فى حم السجدة، والرجفة والزلزلة التي جاءت فى سورة الأعراف، فلا تعارض
51
بين الآيات، لأن الهلاك فى بعضها نسب إلى السبب القريب، وفى بعضها نسب إلى السبب البعيد.
(٢) (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) أي وأما عاد فأهلكوا بريح مهلكة عتت عليهم بلا شفقة ولا رحمة، فما قدروا على الخلاص منها بحيلة: من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء فى حفرة، فقد كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكهم، وقد دامت سبع ليال وثمانية أيام بلا انقطاع ولا فتور.
ثم ذكر نتائجها فقال:
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ؟) أي فترى قوم عاد فى تلك السبع الليالى والثمانية الأيام المتتابعة صرعى هالكين، كأنهم أصول نخل متأكلة الأجواف لم يبق منهم ولا من نسلهم أحد، وجاء فى آية أخرى: «فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ».
(٣) (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) أي وجاء فرعون ومن تقدمه من الأمم التي كفرت بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود والقرى التي ائتفكت بأهلها، وصار عاليها سافلها، بسبب خطيئتها ومعصيتها.
ثم بيّن هذه الخطيئة بقوله:
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي فعصى هؤلاء الذين تقدم ذكرهم رسل الله الذين أرسلوا إليهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأذاقهم وبال أمرهم بعقوبة زائدة على عقوبة سائر الكفار، كما زادت قبائحهم على قبائح غيرهم ونحو الآية قوله: «كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ».
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) أي إنا لما ارتفع الماء، وجاوز الحد،
(٢) (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) أي وأما عاد فأهلكوا بريح مهلكة عتت عليهم بلا شفقة ولا رحمة، فما قدروا على الخلاص منها بحيلة: من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء فى حفرة، فقد كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكهم، وقد دامت سبع ليال وثمانية أيام بلا انقطاع ولا فتور.
ثم ذكر نتائجها فقال:
(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ؟) أي فترى قوم عاد فى تلك السبع الليالى والثمانية الأيام المتتابعة صرعى هالكين، كأنهم أصول نخل متأكلة الأجواف لم يبق منهم ولا من نسلهم أحد، وجاء فى آية أخرى: «فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ».
(٣) (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) أي وجاء فرعون ومن تقدمه من الأمم التي كفرت بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود والقرى التي ائتفكت بأهلها، وصار عاليها سافلها، بسبب خطيئتها ومعصيتها.
ثم بيّن هذه الخطيئة بقوله:
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي فعصى هؤلاء الذين تقدم ذكرهم رسل الله الذين أرسلوا إليهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأذاقهم وبال أمرهم بعقوبة زائدة على عقوبة سائر الكفار، كما زادت قبائحهم على قبائح غيرهم ونحو الآية قوله: «كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ».
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) أي إنا لما ارتفع الماء، وجاوز الحد،
52
وجاء الطوفان حملنا آباءكم من مؤمنى قوم نوح فى السفينة، لننجيهم من الغرق الذي عمّ هؤلاء الكافرين جميعا.
والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته.
ثم ذكر ما فى هذه النجاة من العبرة فقال:
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً)
أي لنجعل نجاة المؤمنين، وإغراق الكافرين عظة وعبرة، لدلالتها على كمال قدرة الصانع وحكمته، وسعة رحمته.
(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)
أي وتفهمها أذن حافظة سامعة عن الله، فتنتفع بما سمعت من كتابه ولا تضيع العمل بما فيه.
روى أن النبي ﷺ قال لعلىّ: «إنى دعوت الله أن يجعلها أذنك يا علىّ» قال علىّ كرم الله وجهه: فما سمعت شيئا فنسيته، وما كان لى أن أنسى.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ١٨]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)
شرح المفردات
نفخة واحدة: هى النفخة الأولى، حملت الأرض والجبال: أي رفعت من أه كنها، فد كتادكة واحدة: أي ضرب بعضها ببعض حتى اندقت وصارت كثيبا مهيلا، الواقعة: النازلة وهى يوم القيامة، انشقت السماء: أي فتحت أبوابا، واهية:
أي مسترخية ضعيفة القوة، من قولهم: وهى السقاء إذا انخرق، ومن أمثالهم قول الراجز:
والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته.
ثم ذكر ما فى هذه النجاة من العبرة فقال:
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً)
أي لنجعل نجاة المؤمنين، وإغراق الكافرين عظة وعبرة، لدلالتها على كمال قدرة الصانع وحكمته، وسعة رحمته.
(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)
أي وتفهمها أذن حافظة سامعة عن الله، فتنتفع بما سمعت من كتابه ولا تضيع العمل بما فيه.
روى أن النبي ﷺ قال لعلىّ: «إنى دعوت الله أن يجعلها أذنك يا علىّ» قال علىّ كرم الله وجهه: فما سمعت شيئا فنسيته، وما كان لى أن أنسى.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ١٨]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)
شرح المفردات
نفخة واحدة: هى النفخة الأولى، حملت الأرض والجبال: أي رفعت من أه كنها، فد كتادكة واحدة: أي ضرب بعضها ببعض حتى اندقت وصارت كثيبا مهيلا، الواقعة: النازلة وهى يوم القيامة، انشقت السماء: أي فتحت أبوابا، واهية:
أي مسترخية ضعيفة القوة، من قولهم: وهى السقاء إذا انخرق، ومن أمثالهم قول الراجز:
خلّ سبيل من وهى سقاؤه | ومن هريق بالفلاة ماؤه |
وشرّ من الموت الذي إن لقيته | تمنيت منه الموت والموت أعظم |
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي ذهب ملكى وتسلطى على الناس، وبقيت فقيرا ذليلا، ومراده التحسر والندم، إذ كان ينازع المحقين بسبب الملك والسلطان، فالآن ذهب ذلك وبقي الوبال.
ثم ذكر سبحانه سوء منقلبه فقال:
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي فيقال لزبانية جهنم: خذوه فضعوا الغلّ فى عنقه، ثم أدخلوه فى النار الموقدة لقاء كفره بالله واجتراحه عظيم الآثام.
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) أي ثم أدخلوه فى سلسلة طولها سبعون ذراعا تلفّ على جميع جسمه حتى لا يستطيع تحركا ولا انفلاتا.
59
والعرب إذا أرادت الكثرة عبرت بالسبعة والسبعين والسبعمائة، والمقصد إثبات أنها طويلة المدى.
ثم بيّن سبب استحقاق هذا العذاب فقال:
(إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) أي افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله فى الدنيا وإشراكه به سواه، وعدم القيام بحق عبادته وأداء فرائضه.
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي ولا يحث الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة، فضلا عن بذل المال لهم.
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي فليس له يوم القيامة من ينقذه من عذاب الله تعالى، لأنه يوم يفرّ فيه القريب من قريبه ويهرب الحبيب من حبيبه.
وجاء فى آية أخرى: «وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» وقال: «ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ».
(وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ. لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) أي وليس له طعام إلا ما يسيل من لحوم أهل النار من الدم والصديد الذي لا يأكله إلا من مرن على اجتراح السيئات، ودسّى نفسه وأحاطت به الخطايا.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
شرح المفردات
ما تبصرون: هى المشاهدات، وما لا تبصرون: هى المغيبات.
ثم بيّن سبب استحقاق هذا العذاب فقال:
(إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) أي افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله فى الدنيا وإشراكه به سواه، وعدم القيام بحق عبادته وأداء فرائضه.
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي ولا يحث الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة، فضلا عن بذل المال لهم.
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي فليس له يوم القيامة من ينقذه من عذاب الله تعالى، لأنه يوم يفرّ فيه القريب من قريبه ويهرب الحبيب من حبيبه.
وجاء فى آية أخرى: «وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» وقال: «ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ».
(وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ. لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) أي وليس له طعام إلا ما يسيل من لحوم أهل النار من الدم والصديد الذي لا يأكله إلا من مرن على اجتراح السيئات، ودسّى نفسه وأحاطت به الخطايا.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
شرح المفردات
ما تبصرون: هى المشاهدات، وما لا تبصرون: هى المغيبات.
60
المعنى الجملي
بعد أن أقام الدليل على إمكان القيامة، ثم على وقوعها، ثم ذكر أحوال المؤمنين السعداء، والكافرين الأشقياء- أردف ذلك بتعظيم القرآن والرسول المنزل عليه هذا القرآن.
قال مقاتل: سبب نزول الآية أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن.
الإيضاح
(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) أي أقسم بما تشاهدون من المخلوقات وبما غاب عنكم، قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر، وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة.
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي إن هذا القرآن كلام الله ووحيه أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
(وما هو بقول شاعر) لأن محمدا لا يحسن قول الشعر.
(قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ) أي تؤمنون بذلك القرآن إيمانا قليلا، والمراد أنهم لا يؤمنون أصلا، فالعرب تقول: قلما يأتينا، يريدون أنه لا يأتينا.
وقد يكون المراد بالقلة أنهم قد يؤمنون فى قلوبهم ثم يرجعون عنه سريعا.
(وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) أي وليس بقول كاهن كما تزعمون، لأنه سبّ الشياطين وشتمهم، فلا يمكن أن يكون بإلهامهم، ولكنكم لما لم تستطيعوا فهم أسرار نظمه- قلتم: إنه من كلام الكهان.
بعد أن أقام الدليل على إمكان القيامة، ثم على وقوعها، ثم ذكر أحوال المؤمنين السعداء، والكافرين الأشقياء- أردف ذلك بتعظيم القرآن والرسول المنزل عليه هذا القرآن.
قال مقاتل: سبب نزول الآية أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن.
الإيضاح
(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) أي أقسم بما تشاهدون من المخلوقات وبما غاب عنكم، قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر، وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة.
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي إن هذا القرآن كلام الله ووحيه أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
(وما هو بقول شاعر) لأن محمدا لا يحسن قول الشعر.
(قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ) أي تؤمنون بذلك القرآن إيمانا قليلا، والمراد أنهم لا يؤمنون أصلا، فالعرب تقول: قلما يأتينا، يريدون أنه لا يأتينا.
وقد يكون المراد بالقلة أنهم قد يؤمنون فى قلوبهم ثم يرجعون عنه سريعا.
(وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) أي وليس بقول كاهن كما تزعمون، لأنه سبّ الشياطين وشتمهم، فلا يمكن أن يكون بإلهامهم، ولكنكم لما لم تستطيعوا فهم أسرار نظمه- قلتم: إنه من كلام الكهان.
61
ثم أكد ما تقدم بقوله:
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي بل هو تنزيل من رب العالمين نزل به الروح الأمين على رسوله صلى الله عليه وسلم.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
شرح المفردات
التقوّل: الافتراء، وسمى بذلك لأنه قول متكلّف، والأقاويل: الأقوال المفتراة، واحدها قول على غير قياس، لأخذنا منه: أي لأمسكناه، باليمين: أي بيمينه، والوتين: عرق يخرج من القلب ويتصل بالرأس، حاجزين: أي ما نعين، حق اليقين: أي عين اليقين.
المعنى الجملي
بعد أن أثبت أن القرآن تنزيل من رب العالمين، وليس بشعر ولا كهانة- أكد هذا بأن محمدا لا يستطيع أن يفتعله، إذ لو فعل ذلك لأبطلنا حجته، وأمتنا دعوته، أو سلبناه قوة البيان فلا يتكلم بهذا الكذب، أو قتلناه فلم يستطع نشر الأكاذيب، وقد جرت سنتنا بأن كل متكلف للقول لا يقبل قوله، ولا يصغى
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي بل هو تنزيل من رب العالمين نزل به الروح الأمين على رسوله صلى الله عليه وسلم.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
شرح المفردات
التقوّل: الافتراء، وسمى بذلك لأنه قول متكلّف، والأقاويل: الأقوال المفتراة، واحدها قول على غير قياس، لأخذنا منه: أي لأمسكناه، باليمين: أي بيمينه، والوتين: عرق يخرج من القلب ويتصل بالرأس، حاجزين: أي ما نعين، حق اليقين: أي عين اليقين.
المعنى الجملي
بعد أن أثبت أن القرآن تنزيل من رب العالمين، وليس بشعر ولا كهانة- أكد هذا بأن محمدا لا يستطيع أن يفتعله، إذ لو فعل ذلك لأبطلنا حجته، وأمتنا دعوته، أو سلبناه قوة البيان فلا يتكلم بهذا الكذب، أو قتلناه فلم يستطع نشر الأكاذيب، وقد جرت سنتنا بأن كل متكلف للقول لا يقبل قوله، ولا يصغى
62
السامعون إلى كلامه كما قال: «وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» ولا يستطيع أحد بعدئذ أن يدافع عنه.
ثم ذكر أن القرآن عظة لمن يتقى الله ويخشى عقابه، وإنه حسرة على الكافرين حينما يرون ثواب المؤمنين، وإنه لحق لا ريب فيه.
ثم أمر رسوله بأن يقدس ربه العظيم ويشكره على ما آتاه من النعم، وعلى ما أوحى به إليه من القرآن العظيم.
الإيضاح
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي ولو افترى محمد علينا بعض الأقوال الباطلة ونسبها إلينا لعاجلناه بالعقوبة، وانتقمنا منه أشد الانتقام.
والأخذ باليمين يكون عند ضرب الرقبة وإزهاق الروح، وقد جرى ذكر هذا على التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم فإنهم لا يمهلونه، بل يضربون رقبته على الفور.
(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) الوتين: عرق غليظ تصادفه شفرة الناخر.
قال الشماخ ابن ضرار:
والمراد- أنه لو كذب علينا لأزهقنا روحه، فكان كمن قطع وتينه، وهذا تصوير للإهلاك بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه، إذ يأخذه القتّال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه.
(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) أي فما أحد منكم يمنعنا عن عقوبته، والتنكيل به.
وجمع «حاجِزِينَ» باعتبار أحد، إذ هو فى معنى الجماعة، ويقع على الواحد والجمع
ثم ذكر أن القرآن عظة لمن يتقى الله ويخشى عقابه، وإنه حسرة على الكافرين حينما يرون ثواب المؤمنين، وإنه لحق لا ريب فيه.
ثم أمر رسوله بأن يقدس ربه العظيم ويشكره على ما آتاه من النعم، وعلى ما أوحى به إليه من القرآن العظيم.
الإيضاح
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي ولو افترى محمد علينا بعض الأقوال الباطلة ونسبها إلينا لعاجلناه بالعقوبة، وانتقمنا منه أشد الانتقام.
والأخذ باليمين يكون عند ضرب الرقبة وإزهاق الروح، وقد جرى ذكر هذا على التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم فإنهم لا يمهلونه، بل يضربون رقبته على الفور.
(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) الوتين: عرق غليظ تصادفه شفرة الناخر.
قال الشماخ ابن ضرار:
إذا بلّغتنى وحملت رحلى | عرابة فاشرقى بدم الوتين |
(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) أي فما أحد منكم يمنعنا عن عقوبته، والتنكيل به.
وجمع «حاجِزِينَ» باعتبار أحد، إذ هو فى معنى الجماعة، ويقع على الواحد والجمع
63
والمذكر والمؤنث كما جاء فى قوله: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» وقوله:
«لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ».
(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي وإن هذا القرآن لعظة وذكرى لمن يخشى عقاب الله فيطيع أوامره، وينتهى عما نهى عنه، وخص (المتقين) بالتذكرة والعظة، لأنهم هم الذين ينتفعون بها.
(وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) له بسبب حبكم للدنيا وحسدكم للداعى، وإنا لنجازيكم على ذلك بما تستحقون إظهارا للعدل.
والخلاصة- إن منكم من اتقى الله فتذكر بهذا القرآن وانتفع به، ومنكم من مال إلى الدنيا فكذب به وأعرض عنه.
وفى هذا وعيد شديد لا يخفى.
(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) أي وإن هذا القرآن لحسرة عظيمة على الكافرين فى دار الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين، وفى الآخرة إذا رأوا ثواب المصدقين.
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) أي وإنه للحق الذي لا شك فى أنه من عند الله لم يتقوّله محمد صلى الله عليه وسلم.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي فسبح الله تعالى بذكر اسمه، تنزيها له عن لرضا بالتقوّل عليه، وشكرا له على ما أوحى به إليك من هذا القرآن الجليل الشأن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
ما تضمنته هذه السورة الكريمة
تضمنت هذه السورة ثلاثة مقاصد:
(١) هلاك الأمم المكذبة لرسلها فى الدنيا من أول السورة إلى قوله: «أُذُنٌ واعِيَةٌ»
(٢) عذاب الآخرة جزاء على التكذيب فى الدنيا.
(٣) إثبات أن القرآن العظيم وحي من عند الله وليس بقول شاعر ولا كاهن.
«لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ».
(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي وإن هذا القرآن لعظة وذكرى لمن يخشى عقاب الله فيطيع أوامره، وينتهى عما نهى عنه، وخص (المتقين) بالتذكرة والعظة، لأنهم هم الذين ينتفعون بها.
(وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) له بسبب حبكم للدنيا وحسدكم للداعى، وإنا لنجازيكم على ذلك بما تستحقون إظهارا للعدل.
والخلاصة- إن منكم من اتقى الله فتذكر بهذا القرآن وانتفع به، ومنكم من مال إلى الدنيا فكذب به وأعرض عنه.
وفى هذا وعيد شديد لا يخفى.
(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) أي وإن هذا القرآن لحسرة عظيمة على الكافرين فى دار الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين، وفى الآخرة إذا رأوا ثواب المصدقين.
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) أي وإنه للحق الذي لا شك فى أنه من عند الله لم يتقوّله محمد صلى الله عليه وسلم.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي فسبح الله تعالى بذكر اسمه، تنزيها له عن لرضا بالتقوّل عليه، وشكرا له على ما أوحى به إليك من هذا القرآن الجليل الشأن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
ما تضمنته هذه السورة الكريمة
تضمنت هذه السورة ثلاثة مقاصد:
(١) هلاك الأمم المكذبة لرسلها فى الدنيا من أول السورة إلى قوله: «أُذُنٌ واعِيَةٌ»
(٢) عذاب الآخرة جزاء على التكذيب فى الدنيا.
(٣) إثبات أن القرآن العظيم وحي من عند الله وليس بقول شاعر ولا كاهن.
64