ﰡ
مكية، وآيها: اثنتان وخمسون آية، وحروفها: ألف وأربعة وثمانون حرفًا، وكلمها: مئتان وست وخمسون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أنه قال: "خرجت يومًا بمكة متعرضًا لرسول الله - ﷺ -، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فجئت فوقفت وراءه، فافتتح سورة الحاقة، فلما سمعت سرد القرآن، قلت في نفسي: إنه لشاعر كما تقول قريش، حتى بلغ إلى قوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ ثم مر حتى انتهى إلى آخر السورة، فأدخل الله في قلبي الإسلام" (١).﴿الْحَاقَّةُ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ﴾ اسم فاعل من حقَّ الشيء يحق: إذا كان صحيح الوجود، والمراد: القيامة؛ لأنها حقت، فلا كاذبة لها.
[٢] ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ استفهام تعجيب؛ تفخيمًا لشأنها، التقدير: الحاقة أيُّ شيء هي؟! و ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ رفع بالابتداء، و (ما) رفعٌ بالابتداء أيضًا، و (الْحَاقَّةُ) الثانية خبر (ما)، والجملة خبر الأول، وهذا كما تقول: زيد وما زيد؟! على معنى التعظيم؛ ليتخيل السامع أقصى جهده.
...
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)﴾.
[٣] ثم زادها تفخيمًا فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ أي: إنك لا تعلمها إذا لم تر ما فيها من الأهوال.
...
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤)﴾.
[٤] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ﴾ قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وهشام: (كَذَّبَت ثَّمُودُ) بإدغام التاء في الثاء، واختلف عن ابن ذكوان، وقرأ الباقون: بالإظهار (١).
﴿بِالْقَارِعَةِ﴾ القيامة؛ لأنها تقرع القلوب بالمخافة، و (ثَمُودُ) اسم عربي معرفة فإذا أُريد به القبيلة، لم ينصرف، وإذا أُريد به الحي، انصرف، وأما (عَادٌ)، فكونه على ثلاثة أحرف ساكن الأوسط فهو مصروف.
[٥] ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة، وقيل: بطغيانهم.
...
﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ شديدةٍ تصرصر في هبوبها.
﴿عَاتِيَةٍ﴾ شديدةٍ عتت على خزنتها فلم يضبطوها.
...
﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧)﴾.
[٧] ﴿سَخَّرَهَا﴾ أرسلها بشدة وقهر ﴿عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ متتابعة لم يتخللها غير ذلك. روى عن قنبل ويعقوب: الوقفُ بالياء على (لَيَالِي)، وهذه الأيام التي تسميها العرب: أيام (١) العجوز ذاتُ برد ورياح شديدة، سميت بذلك؛ لأنها كانت في عجز الشتاء.
﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا﴾ في تلك الأيام والليالي ﴿صَرْعَى﴾ هَلْكى، جمع صريع.
﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ ساقطة فارغة.
[٨] ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ أي: بقاء. قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وهشام: (فَهَل تَّرَى) بإدغام اللام في التاء، والباقون: بالإظهار (١).
...
﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩)﴾.
[٩] ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ﴾ قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي: (قِبَلَهُ) بكسر القاف وفتح الباء؛ أي: ومن معه، وقرأ الباقون: بفتح القاف وإسكان الباء (٢)؛ أي: من تقدَّمه من الأمم.
﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ أي: المنخسفات؛ يعني: قوم لوط ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ أي: بالخطيئة، وهي الشرك. قرأ أبو جعفر: (والْمُوتَفِكَاتُ) بإسكان الواو، و (الْخَاطِيَةِ): بفتح الياء بغير همز فيهما، واختلف عن قالون في (والْمُوتَفِكَاتُ)، وقرأ الباقون بالهمز فيهما (٣).
(٢) انظر "التيسير" للداني (ص: ٢١٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٦٠)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٠٦ - ٢٠٧).
(٣) "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٩٠ و ٣٩٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٠٧ - ٢٠٨).
[١٠] ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ يعني: لوطًا وجميعَ الرسل.
﴿فَأَخَذَهُمْ﴾ العذابُ.
﴿أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ زائدة في الشدة.
...
﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)﴾.
[١١] ثم عدد تعالى على الناس نعمه في قوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح، والطغيان: الزيادة على الحدود المتعارفة، روي أنه علا على كل شيء خمسة عشر ذراعًا.
﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ أي: آباءكم ﴿فِي الْجَارِيَةِ﴾ على وجه الماء بسفينة نوح عليه السلام.
...
﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ﴾ أي: الفعلةَ، وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين ﴿تَذْكِرَةً﴾ عظةً.
﴿وَتَعِيَهَا﴾ نصب عطف؛ أي: ولتعيها؛ أي: وتحفظَها ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ حافظة لما تسمع. قرأ نافع (أُذْنٌ) بإسكان الذال، والباقون: برفعها (١).
[١٣] ثم ذكَّرَ تعالى بأمر القيامة فقال: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ هو القرن الذي ينفخ فيه، وهو من نور، فَمُه أوسعُ من السموات.
﴿نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ هي الأولى التي للفزع، ومعها يكون الصعق، ثم نفخة البعث.
...
﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَحُمِلَتِ﴾ رُفعت (١) ﴿الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ بجميع ما فيها.
﴿فَدُكَّتَا﴾ دُقَّتا ﴿دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ لا تثنى؛ لشدتها.
...
﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ قامت القيامة والطامة الكبرى.
...
﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ﴾ تفطَّرت ﴿فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ ضعيفة بعد قوتها.
...
﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿وَالْمَلَكُ﴾ اسم جنس يريد به: الملائكة ﴿عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ جوانبها؛ يعني: السماء؛ لأنها إذا انشقت، انتقلت الملائكة إلى جوانبها حتى يأمرهم
﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ﴾ أي: فوق رؤوسهم؛ يعني: الحملة.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿ثَمَانِيَةٌ﴾ من الملائكة.
روي أن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة، أُمدوا بأربعة، فصاروا ثمانية على صور الأوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء (١).
وعن ابن عباس: "أنهم ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهم إلا الله" (٢).
...
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ العاملُ فيه: ﴿تُعْرَضُونَ﴾ على الله.
﴿لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ سريرة. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (يَخفَى) بالياء على التذكير؛ للفصل بـ (مِنْكُمْ)، وقرأ الباقون: بالتاء لتأنيث (خَافِيَةٌ) (٣).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ٥٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٧٠).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٤٨)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٦٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢١٠).
[١٩] ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ﴾ سرورًا بما فيه خطابًا لجماعة.
﴿هَاؤُمُ﴾ اسم الفعل؛ أي: خذوا ﴿اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ الهاء للوقف.
...
﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ﴾ أيقنت ﴿أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ أي: أُحاسب في الآخرة.
روي عن قنبل، ويعقوب: الوقف بالياء على (مُلاَقِي).
...
﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ في حالة من العيش مرضية.
...
﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ رفيعة.
...
﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿قُطُوفُهَا﴾ ثمرتها ﴿دَانِيَةٌ﴾ قريبة المتناول للقائم والقاعد والنائم.
...
﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (٢٤)﴾.
[٢٤] فيقال لهم: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا﴾ نصبٌ على المصدر.
...
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ﴾ بأن تلُوى يسراه إلى خلف ظهره، فيأخذه بها ﴿فَيَقُولُ﴾ حزنًا (١) مما فيه: ﴿يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾.
...
﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾.
...
﴿يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿يَالَيْتَهَا﴾ أي: الموتةُ التي كانت في الدنيا.
﴿كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ القاطعةَ لحياتي، فلم أُبعث.
...
﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿مَا﴾ نفي ﴿أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ﴾ يساري لم يدفع عني شيئًا من عذاب الله.
[٢٩] ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ ضلت عني حجتي. قرأ يعقوب: (كِتَابِي) (حِسَابِي) (مَالِي) (سُلْطَانِي) بحذف الهاء منها وصلًا، وأثبتها وقفًا، وافقه حمزة في (مَالِي) و (سُلْطَانِي)، وأثبتها الباقون في الحالين اتباعًا للإمام (١).
...
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠)﴾.
[٣٠] فثَمَّ يُقال للخزنة: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ اجمعوا يديه إلى عنقه في الغُلِّ.
...
﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ﴾ نصب بفعل يفسره ﴿صَلُّوهُ﴾ أي: أدخلوه النار.
...
﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ طولها ﴿سَبْعُونَ ذِرَاعًا﴾ نصب على التمييز، قال حذاق من المفسرين: هي بالذراع المعروفة منا، وإنما خوطبنا بما نعرفه ونحصله، وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هي، وعن كعب: لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها (٢).
﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ وسلكُه فيها أن تلُوى على جسده.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٣٨٩).
[٣٣] ثم علل ذلك مستأنفًا فقال: ﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ المستحقِّ للعظمة، فمن تَعَظَّم تيهًا، استوجب ذلك.
...
﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَلَا يَحُضُّ﴾ يحثُّ ﴿عَلَى﴾ بذلِ ﴿طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ فضلًا أن يبذل من ماله، وأضاف الطعامَ إلى المسكين من حيث له إليه نسبة.
...
﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ﴾ قريب ينفعه.
...
﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ هو صديد أهل النار؛ لأنه غُسالة قروح وجروح بطونهم.
...
﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ الكافرون، والخاطِئ: الذي يفعل ضد الصواب متعمدًا لذلك، والمخطئ: الذي يفعله غير متعمد. قرأ
...
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿فَلَا﴾ ردٌّ لكلام المشركين؛ أي: ليس كما يقول المشركون، وتبتدئ.
﴿أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ﴾ ترون من الأجسام والأشباح.
...
﴿وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿وَمَا لَا تُبْصِرُونَ﴾ من الأرواح، وما استأثر الله بعلمه.
...
﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)﴾.
[٤٠] وجواب القسم: ﴿إِنَّهُ﴾ يعني: القرآن ﴿لَقَوْلُ﴾ أي: تلاوة.
﴿رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يعني: محمدًا - ﷺ - يقوله رسالة عن الله تعالى.
...
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ كما تزعمون تارة ﴿قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ واتصاف
...
﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ كما تزعمون أخرى.
﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ والقلة هنا بمعنى العدم. قرأ ابن كثير، ويعقوب، وابن عامر بخلاف عن راويه ابن ذكوان: (يُؤْمِنُونَ) (يَذْكُرُونَ) بالغيب فيهما، وقرأهما الباقون: بالخطاب، ومنهم حمزة، والكسائي، وحفص، وخلف على أصله في تخفيف الذال من (تَذَكَّرُونَ)، ورجح أبو عمرو القراءة بالخطاب بقوله: (فَمَا مِنْكُمْ) (١).
...
﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿تَنْزِيلٌ﴾ رفع بالابتداء؛ أي: هو تنزيل.
﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ نزَّله على لسان جبريل عليه السلام.
[٤٤] ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ﴾ أي: اختلقَ ﴿عَلَيْنَا﴾ محمد - ﷺ -.
﴿بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ وأتى بشيء من عند نفسه.
...
﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿لأَخَذْنَا﴾ لانتقمنا ﴿مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أي: بالقوة والقدرة؛ لأن قوة كل شيء في ميامنه.
...
﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ نياط القلب، وهو عرق أبيض غليظ كالقصبة متصل بالقلب، إذا انقطع، مات صاحبه.
...
﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ﴾ عن قتل (١) محمد - ﷺ - ﴿حَاجِزِينَ﴾ مانعين يحجزوننا، وإنما قال: ﴿حَاجِزِينَ﴾ بالجمع، وهو فعل واحد؛ ردًّا على معناه؛ كقوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥].
...
﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَتَذْكِرَةٌ﴾ عظة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون عقاب الله.
[٤٩] ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ﴾ أيها الناس ﴿مُكَذِّبِينَ﴾ فنجازيهم على تكذيبهم.
...
﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ من حيث كفروا به، ويرون من آمن به ينعم، وهم يعذبون.
...
﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١)﴾.
[٥١] ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي: إن القرآن ليقين حق.
...
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ تنزيهًا له.
وروي أن رسول الله - ﷺ - قال لما نزلت هذه الآية: "اجعلوها في ركوعكم" (١)، فالتزم ذلك جماعة العلماء، وتقدم ذكر الاختلاف في ذلك آخر سورة الواقعة، والله أعلم.