تفسير سورة الحاقة

زاد المسير
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة الحاقة وهي مكية كلها بإجماعهم.

سورة الحاقّة
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ١٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)
الْحَاقَّةُ: القيامة. قال الفراء: إنما قيل لها: حاقة، لأن فيها حواق الأمور. وقال الزجاج: إنما سميت الحاقة، لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشرّ.
قوله عزّ وجلّ: مَا الْحَاقَّةُ هذا استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد، ما زيد؟ على التعظيم لشأنه. ثم زاد في التهويل بأمرها، فقال عزّ وجلّ: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ أي: لأنك لم تعاينها، ولم تدر ما فيها من الأهوال. ثم أخبر عن المكذّبين بها، فقال عزّ وجلّ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ قال ابن عباس: القارعة: اسم من أسماء يوم القيامة. قال مقاتل: وإنما سميت بالقارعة، لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب. وقال ابن قتيبة: القارعة: القيامة لأنها تقرع، يقال: أصابتهم قوارع الدهر. وقال الزجاج: لأنها تقرع بالأهوال. وقال غيرهم: لأنها تقرع القلوب بالفزع.
فأما بِالطَّاغِيَةِ ففيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها طغيانهم وكفرهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبو عبيدة وابن قتيبة. قال الزجاج: ومعنى الطاغية عند أهل اللغة: طغيانهم. و «فاعلة» قد يأتي بمعنى المصادر، نحو عاقبة، وعافية. والثاني: بالصيحة الطاغية، قاله قتادة. وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح، فأهلكتهم. والثالث: أن الطاغية: عاقر الناقة، قاله ابن زيد. والريح الصرصر قد فسرناها في حم السجدة «١». والعاتية: التي جاوزت المقدار. وجاء في التفسير أنها عَتَتْ على خُزَّانها يومئذ، فلم يكن لهم عليها سبيل.
(١) فصلت: ١٦.
328
قوله عزّ وجلّ: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ أي أرسلها وسلَّطها. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار.
وفي قوله عزّ وجلّ: حُسُوماً ثلاثة أقوال «١» : أحدها: تباعاً، قاله ابن عباس. قال الفراء:
الحسوم: التِّباع، يقال في الشيء إذا تتابع فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم. وإِنما أُخِذَ- والله أعلم- من حَسْمِ الدَّاءِ: إذا كُوي صاحبُه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه. والثاني: كاملة، قاله الضحاك. فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها. قال مقاتل: هاجت الريح غُدْوَةً، وسكنت بالعَشِيِّ في اليوم الثامن، وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيراً أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر. والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحداً، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد، قال الزّجّاج: وهذا هو الذي توجبه اللغة.
قوله عزّ وجلّ: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها أي: في تلك الليالي والأيام صَرْعى وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ أي: أصول نخل خاوِيَةٍ أي: بالية. وقد بيَّنَّا هذا في سورة القمر «٢».
قوله عزّ وجلّ: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من بقاءٍ، قاله الفراء. والثاني:
من بقية، قاله أبو عبيدة. قال: وهو مصدر كالطاغية. والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة، قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان: بكسر القاف، وفتح الباء.
والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء. فمن كسر القاف أراد به: من يليه ويَحفّ به من جنوده وأتباعه.
ومن فتحها أراد من كان قبله من الأمم الكافرة. وفي «المؤتفكات» ثلاثة أقوال: أحدها: قرى قوم لوط.
والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون. والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذّنوب التي أعظمها الإفك، وهو الكذب، قاله الزجاج. والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي.
قوله عزّ وجلّ: بِالْخاطِئَةِ قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: الخاطئة: الخطأ العظيم فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ أي: كذَّبوا رسلهم فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً أي: زائدة على الأخذات، قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي: تجاوز حدَّه حتى علا على كل شيء في زمن نوح حَمَلْناكُمْ يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم فِي الْجارِيَةِ وهي: السفينة التي تجري في الماء لِنَجْعَلَها
أي: لنجعل تلك الفَعْلةَ التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه تَذْكِرَةً
أي: عبرةً، وموعظةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
أي
(١) قال الزمخشري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠٢- ٦٠٣: قوله تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً. والصرصر: الشديدة الصوت لها صرصرة. وقيل الباردة من الصرّ، كأنها التي كرر فيها البرد وكثر: فهي تحرق لشدة بردها عاتِيَةٍ شديدة العصف والعتو استعارة، أو عتت على عاد، فما قدروا على ردّها بحيلة، من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء في حفرة. فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم والحسوم لا يخلو من أن يكون حاسم كشهود وقعود أو مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله: حُسُوماً نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة، أو متتابعة هبوب الرياح: ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء.
وتحسم حسوما: تستأصل استئصالا.
(٢) القمر: ٢٠.
329
أذن واعية أي أُذُنٌ تحفظُ ما سمعَتْ، وتعمل به. وقال الفراء: لتحفظها كل أُذُن، فتكون عظة لمن يأتي بعده.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ٣٧]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
قوله عزّ وجلّ: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وفيها قولان: أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله عطاء. والثاني: الأخيرة، قاله ابن السّائب، ومقاتل. قوله: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ أي: حملت الأرض والجبال وما فيها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً أي: كسرتا، ودقَّتا دقَّةً واحدة، لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيءٍ، فتصير كالأديم الممدود. وقد أشرنا إلى هذا المعنى في الأعراف عند قوله عزّ وجلّ:
جَعَلَهُ دَكًّا «١». قال الفراء: وإنما قال: فدكتا، ولم يَقُل: فَدُكِكْنَ، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد، كقوله عزّ وجلّ: أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً «٢» وانشدوا:
هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمانِ وَإنَّما يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَماهُما «٣»
والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت، أو تهيّأت للولادة.
قوله عزّ وجلّ: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي: قامت القيامة وَانْشَقَّتِ السَّماءُ لنزول من فيها من الملائكة فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ فيه قولان: أحدهما: أن وَهْيَها: ضَعْفُها وتمزُّقْها من الخوف، قاله مقاتل.
والثاني: أنه تشققها، قاله الفراء: وَالْمَلَكُ يعني: الملائكة، فهو اسم جنس عَلى أَرْجائِها أي: على جوانبها. قال الزجاج: ورجاء كل شيء: ناحيته، مقصور. والتثنية: رجوان، والجمع: أرجاء. وأكثر المفسرين على أن المشار إليها السماء. قال الضحاك: إذا انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بها، ومن عليها. وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: على أرجاء الدنيا.
قوله عز وجل: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ فيه ثلاثة أقوال «٤» : أحدها: فوق رؤوسهم، أي: العرش
(١) الأعراف: ١٤٣.
(٢) الأنبياء: ٣٠.
(٣) البيت لأبي أسيدة الدبيري، كما في «اللسان» يسبر-.
(٤) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٨٩: أي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش، العرش العظيم، أو العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء، والله أعلم بالصواب اه.
330
على رؤوس الحَمَلة، قاله مقاتل. والثاني: فوق الذين على أرجائها، أي: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجائها. والثالث: أنهم فوق أهل القيامة، حكاهما الماوردي، يَوْمَئِذٍ أي:
يوم القيامة ثَمانِيَةٌ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ثمانية أملاك.
(١٤٨٣) وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين، وهذا قول الجمهور.
والثاني: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدّتهم إلا الله عزّ وجلّ، قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة. والثالث: ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إلا الله عزّ وجلّ، قاله مقاتل.
(١٤٨٤) وقد روى أبو داود في «سننه» من حديث جابر بن عبد الله عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أُذِنَ لي أن أُحَدِّثَ عن مَلَك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أُذُنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام».
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ على الله لحسابكم لا تَخْفى عليه. قرأ حمزة، والكسائي: «لا يخفى» بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. والمعنى: لا يخفى عليه مِنْكُمْ خافِيَةٌ أي: نفس خافية، أو فَعْلَة خافية.
(١٤٨٥) وفي حديث أبي موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال، ومعاذير، وأما الثالثة، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، وكان عمر بن الخطاب يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية. قوله: فَيَقُولُ هاؤُمُ قال الزّجّاج: «هاؤم» أمر للجماعة بمنزلة هاكم. تقول للواحد: ها يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان. وللثلاثة: هاؤم يا رجال. قال المفسرون: إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسروراً بنجاته. وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي
ضعيف. أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» ١٤٨ والطبري ٣٤٧٩٣ من طريق محمد بن إسحاق قال: بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم... فذكره. وهذا معضل. وأخرجه البيهقي في «البعث والنشور» ٦٦٩ والطبراني في «المطوّلات» ٣٦٠ من حديث أبي هريرة في أثناء حديث الصور الطويل. وفي إسناده إسماعيل بن رافع وهو ضعيف، قال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء اه.
حسن. أخرجه أبو داود ٤٧٢٧ وابن طهمان في «مشيخته» ٢٣٨/ ٢ من حديث جابر، وإسناده حسن لأجل إبراهيم بن طهمان، فهو وإن روى له البخاري ومسلم، فقد تكلم فيه غير واحد. لكن لأصله شواهد.
انظر «الصحيحة» ١٥١.
ضعيف. أخرجه أحمد ٤/ ٤١٤ وابن ماجة ٤٢٧٧ والطبري ٣٤٧٩٥ عن الحسن عن أبي موسى، وإسناده ضعيف لانقطاعه بينهما، وأخرجه الترمذي ٢٤٢٥ عن الحسن عن أبي هريرة، وهذا منقطع أيضا، الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا. وورد عن قتادة مرسلا. أخرجه الطبري ٣٤٧٩٧، وهذا ضعيف أيضا، فإن عامة مراسيل قتادة إنما هي عن الحسن، فالحديث مداره على الحسن، ولم تتعدد مخارجه، فهو ضعيف والراجح فيه الوقف، والله أعلم. وقد أخرجه الطبري وغيره من قول ابن مسعود غير مرفوع، وهو أصح والله أعلم.
وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٥٨٠ بتخريجنا.
331
سلمة بن عبد الأسد «١».
قوله عزّ وجلّ: إِنِّي ظَنَنْتُ أي: علمت وأيقنت في الدنيا أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ أي: أبعث، وأحاسب في الآخرة فَهُوَ فِي عِيشَةٍ أي: في حالة من العيش راضِيَةٍ قال الفراء: أي: فيها الرضى.
وقال الزجاج: أي: ذات رضىً يرضاها من يعيش فيها. وقال أبو عبيدة: مجازها مجاز مرضيّة، قوله:
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ أي: عالية المنازل قُطُوفُها أي: ثمارها دانِيَةٌ أي: قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف. والقطف: ما يقطف من الثمار. قال البراء بن عازب: يتناول الرجل الثمرة وهو نائم.
قوله عزّ وجلّ: كُلُوا أي: يقال لهم: كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ أي: قَدَّمتم من الأعمال الصالحة فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية، وهي أيام الدنيا. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ قال مقاتل: نزلت في الأسود بن عبد الأسد، قتله حمزة ببدر، وهو أخو أبي سلمة. وقيل: نزلت في أبي جهل «٢».
قوله عزّ وجلّ: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وذلك لما يرى فيه من القبائح وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب، إنما كلُّه عليه. وكان ابن مسعود، وقتادة، ويعقوب، يحذفون الهاء من «كتابيه»، و «حسابيه» في الوصل. قال الزّجّاج: والوجه أن يوقف على هذه الهاءات، ولا توصل، لأنها أدخلت للوقف. وقد حذفها قوم في الأصل، ولا أُحبُّ مخالفة المصحف، وكذلك قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ «٣».
قوله عزّ وجلّ: يا لَيْتَها يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا كانَتِ الْقاضِيَةَ أي: القاطعة للحياة، فكأنه تمنَّى دوام الموت، وأنه لم يُبْعَثْ للحساب.
قوله هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ فيه قولان: أحدهما: ضلَّت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي. والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد.
قوله عزّ وجلّ: خُذُوهُ أي: يقول الله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ أي: اجمعوا يده إلى عنقه ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أي: أدخلوه النار. وقال الزجاج: اجعلوه يصلى النّار. قوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ وهي: حَلَقٌ منتظمة ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً وقال ابن عباس: بذراع المَلَك. وقال نوفٌ الشامي: كل ذراع سبعون باعاً، الباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة. وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعاً. وقال مقاتل: ذرعها سبعون ذراعاً بالذراع الأول. ويقال: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة.
قوله عزّ وجلّ: فَاسْلُكُوهُ أي: أدخلوه. قال الفراء: وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها. والمعنى: ثم اسلكوا فيه السلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي. ويقال: الخاتم لا يدخل في يدي، وإنما اليد تدخل في الخاتم، وإنما استجازوا ذلك، لأن معناه معروف.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ أي: لا يصدّق بوحدانيته وعظمته
(١) عزاه المصنف لمقاتل، وهو ساقط الرواية، ليس بشيء. [.....]
(٢) الصحيح عموم الآية في كل من يؤتى كتابه بشماله.
(٣) القارعة: ١٠.
332
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي: لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ أي: قريب ينفعه، أي: يشفع له وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ في ثلاثة أقوال: أحدها: أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس. قال مقاتل: إِذا سال القيح، والدم، بادروا أكله قبل أن تأكله النار. والثاني: شجر يأكله أهل النار، قاله الضحاك، والربيع. والثالث: أنه غُسَالَةُ أجوافهم، قاله يحيى بن سلام. قال ابن قتيبة: وهو «فعلين» من «غسلت» كأنه غسالة.
قوله عزّ وجلّ: إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: الكافرين.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
قوله عزّ وجلّ: فَلا أُقْسِمُ «لا» ردٌّ لكلام المشركين، كأنه قيل: ليس الأمر كما يقول المشركون أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ وقال قوم: «لا» زائدة مؤكدة والمعنى: أقسم بما ترون، وما لا ترون، فأراد جميع الموجودات. وقيل: الأجسام والأرواح إِنَّهُ يعني: القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ فيه قولان: أحدهما: محمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله الأكثرون. والثاني: جبريل، قاله ابن السائب، ومقاتل.
قال ابن قتيبة: لم يرد أنه قول الرسول، وإِنما أراد أنه قول الرسول عن الله تعالى، وفي الرسول ما يدل على ذلك، فاكتفى به من أن يقول عن الله، قوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وقرأ ابن كثير:
«يؤمنون» و «يَذَكَّرون» بالياء فيهما. قال الزجاج: «ما» مؤكدة، وهي لغو في باب الإعراب. والمعنى: قليلاً تؤمنون. وقال غيره: أراد نفي إيمانهم أصلاً. وقد بيَّنَّا معنى «الكاهن» في الطور «١» قال الزجاج: وقوله عزّ وجلّ: «تنزيل» مرفوع ب «هو» مضمرة يدل عليها قوله عزّ وجلّ: «وما هو بقول شاعر» هو تنزيل.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
قوله عزّ وجلّ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا أي: لو تكلَّف محمد أن يقول علينا ما لم نقله لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ أي: لأخذناه بالقوة والقدرة، قاله الفراء، والمبرد، والزجاج. قال ابن قتيبة: إنما أقام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه.
قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع بطلت القوى، ومات صاحبه. قال أبو عبيدة: الوتين: نياط القلب، وأنشد الشَّمَّاخ:
إِذَا بَلَّغْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي عَرَابَةَ فَاشْرَقِي بِدَمِ الوَتينِ
وقال الزجاج: الوتين: عرق أبيض غليظ كأنه قصبة.
قوله عزّ وجلّ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ أي: ليس منكم أحد يحجزنا عنه، وإنما قال تعالى: حاجِزِينَ لأن أحداً يقع على الجمع، كقوله عزّ وجلّ: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «٢»،
(١) الطور: ٢٩.
(٢) البقرة: ٢٨٥.
333
هذا قول الفراء، وأبي عبيدة، والزجاج. ومعنى الكلام: لا يتكلَّف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلَّف ذلك لعاقبناه، ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه وَإِنَّهُ يعني: القرآن لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ في يوم القيامة. يندمون إذا لم يؤمنوا به وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ إضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين، كقوله عزّ وجلّ: وَلَدارُ الْآخِرَةِ «١». وقال الزجاج: المعنى: وإنه لليقين حق اليقين، وقد شرحنا هذا المعنى، وما بعدها في الواقعة «٢».
(١) يوسف: ١٠٩.
(٢) الواقعة: ٩٥- ٩٦.
334
Icon