تفسير سورة الحاقة

روح البيان
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

والثاني الكركي لا يطا الأرض بقدميه بل بإحداهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الأرض والثالث الطائر الذي يقعد على سواقى الماء من الأنهار يعرف بمالك الحزين شبيه الكركي لا يشبع من الماء خشية ان يفنى فيموت عطشا ففى الاول اشارة الى ذم العجب وفى الثاني الى مدح الخوف وفى الثالث الى قدح الحرص فليعتبر العاقل من غير العاقل والسعيد من وعظ بغيره وأخذ الاشارة من كل شىء نسأل الله البصيرة التامة بمنه وَيَقُولُونَ لغاية حيرتهم فى امره عليه السلام ونهاية جهلهم بما فى القرآن من بدائع العلوم ولتنفير الناس عنه والا فقد علموا انه اعقلهم إِنَّهُ عليه السلام لَمَجْنُونٌ الظاهر أنه مثل قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون (وقال الكاشفى) بدرستى كه اين مرد ديو كرفته يعنى با او جنى است كه او را تعليم ميدهند. كما قال الوليد ابن المغيرة معلم مجنون يعنى يأتيه رئيى من الجن فيعلمه وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه عليه السلام رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ على انه حال من فاعل يقولون مفيدة لغاية بطلان قولهم وتعجيب للسامعين من جراءتهم على التفوه بتلك العظيمة اى يقولون ذلك والحال ان القرآن ذكر للعالمين من الجن والانس اى تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون اليه من امور دينهم فأين من انزل عليه ذلك وهو مطلع على أسراره طرا ومحيط بجميع حقائقه خبرا مما قالوا فى حقه من الجنون اى انه من أول الأمور على كمال عقله وعلو شأنه فمن نسب اليه القصور فانما هو من جهله وجنته فان الفضل لا يعرفه إلا ذووه
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غروأن يرتاب والصحيح مسفر
وقيل معناه شرف وفضل لقوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك وفيه اشارة الى الإلهام فانه ذكر لصاحبه ولمن اعتقده واقتدى به إذا الآثار باقية الى يوم القيامة وقيل الضمير لرسول الله ﷺ وكونه ذكرا وشرفا للعالمين لا ريب فيه
اى شرف جمله عالم بتو روشنى ديده عالم بتو
وفيه اشارة الى سادات أمته واركان دينه تمت سورة نون بعونه خالق القلم وما يسطرون فى الخامس والعشرين يوم الاثنين من شعبان من سنة ست عشرة بعد المائة
تفسير سورة الحاقة
وآيها احدى وخمسون اية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَاقَّةُ هى من اسماء القيامة من حق يحق بالكسر إذا وجب وثبت لانها يحق اى يجب مجيئها ويثبت وقوعها كما قال تعالى ان الساعة آتية لا ريب فيها فالاسناد حقيقى وقال الراغب فى المفردات لانها يحق فيها الجزاء فالاسناد مجاذى كنهاره صائم ونحو مَا الْحَاقَّةُ الأصل ما هى اى اى شىء هى فى حالها وصفتها فان ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر
فى الظاهر وذلك لانهم لم يتبعوا صالحا من الصلحاء الحقيقيين فيقوا فى فساد النفس وَأَمَّا عادٌ وكانت منازلهم بالأحقاف وهى الرمل بين عمان الى حضر موت واليمن وكانوا عربا ايضا ذوى بسطة فى الخلق وكان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين وأوسطهم ما بين ذلك وكان رأس الرجل منهم كالقبة يفرخ فى عينيه ومنخره السباع وتأخيره عن ثمود مع تقدمهم زمانا من قبيل الترقي من الضال الشديد الى الاضل الأشد فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ هى الدبور لقوله عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور صَرْصَرٍ اى شديدة الصوت لها صرصرة فى هبوبها وهى بالفارسية بانك كردن باز و چرغ وآنچهـ بدان ماند. او شديدة البرد تحرق ببردها النبات والحرث فان الصر بالكسر شدة البرد عاتِيَةٍ مجاوزة للحد فى شدة العصن كأنها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها والرياح مسخرة لميكائيل تهب باذنه وتنقطع باذنه وله أعوان كأعوان ملك الموت (روى انه ما يخرج من الريح شىء الا بقدر معلوم ولما اشتد غضب الله على قوم عاد أصابتهم ريح خارجة عن ضبط الخزان ولذلك سميت عاتية او المعنى عاتية على عاد فلم يقدر وأعلى ردها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل او اختفاء فى حفرة فانها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم سَخَّرَها عَلَيْهِمْ التسخير سوق الشيء الى الغرض المختص به قهرا والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط الله تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة اخرى ويقال استئناف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع انه لو كان كذلك لكان بتسبيبه وتقديره فلا يخرج من تسخيره تعالى سَبْعَ لَيالٍ منصوب على الظرفية لقوله سخرها أنت العدد لكون الليالى جمع ليلة وهى مؤنث فتبع مفرد موصوفه يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويومة وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالى بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالاعلال مثل الاهالى والاهال فى جمع اهل إلا حالة النصب نحو قوله تعالى سيروا فيها ليالى وأياما آمنين لانه غير منصرف والفتح خفيف وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ ذكر العدد لكون الأيام جمع يوم وهو مذكر حُسُوماً جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها فى تلك الليالى والأيام وقال بعضهم صفة لما قبله (كما قال الكاشفى) روزها وشبهاى متوالى. والمعنى على الاول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها فى تلك المدة ساعة حتى أهلكتهم تمثيلا لتنابعها بتتابع فعل الحاسم فى إعادة الكي على داء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال فى تاج المصادر الحسم بريدن و پيوسته داغ كردن. فهو من استعمال المقيد فى المطلق إذا لخسم هو تتابع الكي او نحسات حسمت كل خير واستأصلته او قاطعات قطعت دابرهم والحاصل ان تلك الرياح فيها ثلاث حبثيات الاولى تتابع هبوبها والثانية كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة أتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حسوما بمعنى حاسمات اما تشبيها لها بمن يحسم الداء فى تتابع الفعل واما لان الحسم فى اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لانه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته وهى كانت ايام برد العجوز
132
من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر الى غروب الأربعاء الآخر وهو آخر الشهر وعن ابن عباس رضى الله عنه برفعه آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وانما سميت عجوزا لان عجوزا من عاد تورات فى سرب اى فى بيت فى الأرض فانتزعتها الريح فى اليوم الثامن فأهلكتها وقبل هى ايام العجز وهى آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر الى الاول قال برد العجوز ومن نظر الى الثاني قال برد العجز وفى روضة الاخبار رغبت عجوز الى أولادها أن يزوجوها وكان لها سبعة بنين فقالوا الى أن تصبرى على البرد عارية لكل واحد مناليلة ففعلت فلما كانت فى السابعة ماتت فسميت تلك الأيام ايام العجوز واسماء هذه الأيام الصن وهو بالكسر أول ايام العجوز كما فى القاموس والصنبر وهى الريح الباردة والثاني من ايام العجوز كما فى القاموس والوبر وهو ثالث ايام العجوز والمعلل كمحدث وهو الرابع من أيامها
ومطفئ الجمر وهو خامس ايام العجوز او رابعها كما فى القاموس وقيل مكفئ الظعن اى مميلها وهو جمع ظعينة وهو الهودج فيه امرأة أم لا والآمر والمؤتمر قال فى القاموس آمر ومؤتمر آخر ايام العجوز قال الشاعر
كسع الشتاء بسبعة غبر... ايام شهلتنا من الشهر
فاذا انقضت ايام شهلتنا... بالصن والصنبر والوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر... ومعلل وبمطفئ الجمر
ذهب الشتاء موليا هربا... وأتتك موقدة من الحر
قال فى الكواشي ولم يسم الثامن لان هلاكهم واهلاكها كان فيه وفى عين المعاني ان الثامن هو مكفئ الظعن ثم قال فى الكواشي ويجوز انها سميت ايام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لاهلاكهم فيه والذي لم يسم هو الاول وان كان العذاب واقعا فى ابتدائه لان ليلته غير مذكورة فلم يسم اليوم تبعا للتلة لان التاريخ يكون بالليالي دون الأيام فالصن ثانى الأيام الثمانية أول الأيام المذكورة لياليها انتهى. يقول الفقير سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة الى الانس سبعة ايام من ايام الآخرة وفى اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم فى الليالى السبع اشارة الى الليالى البشرية الساترة للصفات السبع الالهية التي هى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وفى الأيام اشارة الى الأيام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهى الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التي تقطع امور الحق وأحكامه من الخيرات والمبرات يعنى قاطعات كل خير وبر وقال القاشاني واما عاد المغالون المجاوزون حد الشرائع بالزندقة والإباحة فى التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية اى الشديدة الغالبة عليم الذاهبة بهم فى اودبة الهلاك سخرها الله عليهم فى مراب الغيوب السبع التي هى لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالايام وهى الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم فَتَرَى يا محمد او يا من شأنه أن يرى ويبصر ان كنت حاضرا حينئذ الْقَوْمَ اى
133
اى قرى قوم لوط اى أهلها لانها عطفت على ما قبلها من فرعون ومن قبله يقال افكه عن الشيء اى قلبه وائتفكت البلدة بأهلها اى انقلبت والله تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم فهى المنقلبات بالخسف وهى خمس قريات صعبه وصعده وعمره ودوما سدوم وهى أعظم القرى ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتتميم لان قوم لوط أتوا بفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين بِالْخاطِئَةِ الباء للملابسة والتعدية وهو الأظهر اى بالخطأ او بالغفلة او الافعال ذات الخطأ العظيم التي من جملتها تكذيب البعث والقيامة فالخاطئة على الاول مصدر كالعاقبة وعلى الأخيرين صفة لمحذوف والبناء للنسبة على التجريد والأظهر انه من المجاز العقلي كشعر شاعر فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ اى فعصى كل امة رسولهم حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح فالرسول هنا بمعنى الجمع لان فعولا وفعيلا يستوى فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع فهو من مقابلة الجمع بالجمع المستدعية لانقسام الآحاد على الآماد فالاضافة ليست للعهد بل للجنس فَأَخَذَهُمْ اى الله تعالى بالعقوبة اى كل قوم منهم أَخْذَةً رابِيَةً اى زائدة فى الشدة على عقوبات سائر الكفار أو على القدر المعروف عند الناس لما زادت معاصيهم فى القبح على معاصى سائر الكفرة أغرق من كذب نوحا وهم كل اهل الأرض غير من ركب معه فى السفينة وحمل مدائن لوط بعد ان نتقها من الأرض على متن الريح بواسطة من امره بذلك من الملائكة ثم قلبها واتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتن الذي ليس فى الأرض ما يشبهه وأغرق فرعون وجنوده ايضا فى بحر القلزم او فى النيل وهكذا عوقب كل امة عاصية بحسب أعمالهم القبيحة وجوزيت جزاء وفاقا وفى كل ذلك تخويف لقريش وتحذير لهم عن التكذيب وفيه عبرة موقظة لأولى الألباب يقال ربا الشيء يربو إذا زاد ومنه الربا الشرعي وهو الفضل الذي يأخذه آكل الربا زائدا على ما أعطاه إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ المعهود وقت الطوفان اى جاوز حده المعتاد حتى ارتفع على كل شىء خمسمائة ذراع وقال بعضهم ارتفع على ارفع جبل فى الدنيا خمسة عشر ذاعا أوحده فى المعاملة مع خزانه من الملائكة بحيث لم يقدروا على ضبطه وذلك الطغيان ومجاوزة الحد بسبب اصرار قوم نوح على فنون الكفر والمعاصي ومبالغتهم فى تكذيبه فيما اوحى اليه من الاحكام التي جملتها احوال القيامة فانتقم الله منهم بالاغراق حَمَلْناكُمْ ايها الناس اى حملنا آباءكم وأنتم فى أصلابهم فكأنكم محمولون باشخاصكم وفيه تنبيه على المدة فى الحمل لان نجاة آبائهم سبب ولادتهم فِي الْجارِيَةِ يعنى فى سفينة نوح لان من شانها أن تجرى على الماء والمراد بحملهم فيها رفعهم فوق الماء الى انقضاء ايام الطوفان لا مجرد رفعهم الى السفينة كما يعرب عنه كلمة فى فانها ليست بصلة للحمل بل متعلقة بمحذوف هو حال من مفعوله اى رفعناكم فوق الماء وحفظناكم حال كونكم فى السفينة الجارية بأمرنا وحفظنا من غير غرق وخرق وفيه تنبيه على ان مدار نجاتهم محض عصمته تعالى وانما السفينة سبب صورى لِنَجْعَلَها
اى لنجعل الفعلة التي هى عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لَكُمْ تَذْكِرَةً
عبرة ودلالة على كمال قدرة الصانع وحكمته وقوة قهره وسعة رحمته
اثر بيان عظم شأنها باهلاك مكذبيها والنفخ إرسال الريح من الفم وبالفارسية دميدن. والصور قرن من نور أوسع من السموات ينفخ فيه اسرافيل بأمر الله فيحدث صوت عظيم فاذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون الا من شاء الله والمصدر المبهم هو الذي يكون لمجرد التأكيد وان كان لا يقام مقام الفاعل فلا يقال ضرب ضرب إذ لا يفيد امرا زائدا على مدلول الفعل الا نه حسن اسناد الفعل فى الآية الى المصدر وهو النفخة لكونها نفخا مقيدا بالوحدة والمرة لا نفخا مجردا مبهما والمراد بها هاهنا النفخة الاولى التي لا يبقى عندها حيوان إلا مات ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان وفى الكشاف فان قلت هما نفختان فلم قيل واحدة قلت معناه انها لا تثنى فى وقتها انتهى يعنى ان حدوث الأمر العظيم بالنفخة وعلى عقبها انما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة لا من حيث انه نفخ فنبه على ذلك بقوله واحدة وفى كشف الاسرار ذكر الواحدة للتأكيد لان النفخة لا تكون إلا واحدة وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ اى قلعت ورفعت من أماكنها بمجرد القدرة الالهية او بتوسط الزلزلة والريح العاصفة فان الريح من قوة عصفها تحمل الأرض والجبال كما حملت ارض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً اى فضربت الجملتان جملة الأرضين وجملة الجبال اثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج الى تكرار الضرب وتثنية الدق حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا والا فالظاهر فدككن دكة واحدة لاسناد الفعل الى الأرض والجبال وهى امور متعددة ونظيره قوله تعالى ان السموات والأرض كانتا رتقا حيث لم يقل كن والدك ابلغ من الدق وفى الصحاح الدك الدق وقد دكه إذا ضربه وكسره حتى سواه بالأرض وبابه رد وفى المفردات الدك الأرض اللينة السهلة ودكت الجبال دكا اى جعلت بمنزلة الأرض اللينة ومنه الدكان فَيَوْمَئِذٍ اى فحينئذ وهو منصوب بقوله وَقَعَتِ الْواقِعَةُ هى من اسماء القيامة بالغلبة لتحقق وقوعها وبهذا الاعتبار أسند اليه وقعت اى إذا كان الأمر كذلك قامت القيامة التي توعدون بها او نزلت النازلة العظيمة التي هى صيحة القيامة وهو جواب لقوله فاذا نفخ فى الصور ويومئذ بدل من إذا كرر لطول الكلام والعامل فيهما وقعت وَانْشَقَّتِ السَّماءُ وآسمان بر شكافت از طرف مجره. يعنى انفرجت لنزول الملائكة لامر عظيم أراده الله كما قال يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا او بسبب شدة ذلك اليوم وهو معطوف على وقعت فَهِيَ اى السماء يَوْمَئِذٍ ظرف لقوله واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية ساقطة القوة جدا كالغزل المنقوض بعد ما كانت محكمة مستمسكة وان كانت قابلة للخرق والالتئام يقال وهى البناء يهى وهيا فهو واه إذا ضعف جدا قال فى القاموس وهى كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه وفى المفردات الوهي شق فى الأديم والثوب ونحوهما وَالْمَلَكُ اى الخلق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى الى قولك ما من ملك الا وهو شاهد أعم من قولك ما من ملائكة عَلى أَرْجائِها اى جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهى جملة حالية ويحتمل ان تعطف على ما قبلها كذا قالوا والمعنى تنشق السماء التي هى مساكنهم فيلجأون الى أكنافها
137
وحافلتها قالوا وقوفهم لحظة على أرجائها وموتهم بعدها فان الملائكة يموتون عند النفخة الاولى لا ينافى التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال انهم هم المستثنون بقوله الا من شاء الله اى ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض الا الملائكة ونحوهم قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة فاذا وهت السماء نزلت ملائكتها على أرجائها فيرون اهل الأرض خلقا عظيما أضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون ان الله نزل فيهم لما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون أفيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهوآت فيصطف الملائكة صفا مستدبرا على نواحى الأرض محيطين بعالمى الانس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل اهل السماء الثانية بعد ما يقبضها الله ايضا ويرمى بكوكبها فى النار وهو المسمى كاتبا وهم اكثر عددا من اهل السماء الدنيا فيقول الخلائق أفيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا
وهو آت فيفعلون فعل الأولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل اهل السماء الثالثة ويرمى بكوكبها المسمى زهرة فى النار فيقبضها الله بيمينه فيقول الخلائق أفيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان دبنا ليس هو فينا وهو آت فلا يزال الأمر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل اهل السماء السابعة فيرون خلقا اكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق أفيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وان كان وعد ربنا لمفعولا فيأتى الله فى ظلل من الغمام والملائكة على المجنية اليسرى منهم ويكون إتيانه إتيان الملك فانه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسمى بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فاذا ابصر الخلائق جهنم لها فوران وتغيظ على الجبابرة المتكبرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الأكبر الا الطائفة التي لا يحزنهم الفزع الأكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على أنفسهم غيران النبيين يفزعون على أممهم للشففة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون فى ذلك سلم سلم وكان قد امر أن ينصب للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم فى الموقف فيجلسون عليها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيئ الرب تعالى فاذا فر الناس خوفا من جهنم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزعة الملك الحق سبحانه وتعالى الى الحشر فيناديهم انبياؤهم ارجعوا ارجعوا او ينادى بعضهم بعضا فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله عليه السلام انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم انتهى. يقول الفقير دل هذا البيان على ان المراد بالوهى سقوط السماء على الأرض التي تسمى بالساهرة وان نزول الملائكة على ارجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وان ذكر فى أثناء النفخة الاولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والأرض اللذين انما يكونان بعد النفخة الثانية وان معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى لا تنفذون الا بسلطان اى لا تقصدون مهربا الا وهناك لى أعوان ولى به سلطان وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ وهو الفلك التاسع وهو جسم عظيم لا يعلم عظمه الا الله تعالى لانه فى الآفاق بمنزلة لقلب فى الأنفس والقلب أوسع شىء لما وسع الله
138
وذهب المشبهة من حمل العرش والعرض الى كونه تعالى محمولا حاضرا فى العرش وأجيب بانه تمثيل لعظمة الله بما يشاهد من احوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من إتيانه تعالى فى ظلل من الغمام إتيان امره وقضائه واما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى فى مرتبة الصفات ولا مناقشة فيه لان النبي عليه السلام رآه ليلة المعراج فى صورة شاب امرد لان الصورة الانسانية اجمع الصور ومثله الرؤيا المنامية والله تعالى منزه فى ذاته عن أوصاف الجسمانيات لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان فى الأصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالا اى تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفية اى سر من اسراركم وانما العرض لافشاء الحال والمبالغة فى العدل وغير خاف يومئذ على الناس كقوله تعالى يوم تبلى السرائر فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب (قال فى الكشاف) خافية اى سريرة وحال كانت تخفى فى الدنيا بستر الله عليكم والسر والسريرة الذي يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة احوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر احوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح ففى الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها الى الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الإنسان ينبغى ان يكون بحال لو وضع فى طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة اهل الإخلاص والنصيحة فَأَمَّا تفصيل لاحكام العرض مَنْ موصولة أُوتِيَ كِتابَهُ اى مكتوبه الذي كتبت الحفظة فيه تفاصيل اعماله بِيَمِينِهِ تعظيما له لان اليمين يتيمن بما والباء بمعنى فى او للالصاق وهو الا وجه والمراد منهم الأبرار فان ال مقربين لا كتاب لهم ولا حساب لهم لمكانتهم من الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه عليه السلام قال أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس قيل له فأين أبو بكر فقال هيهات زفته الملائكة الى الجنة. يقول الفقير لعل هذا مكافاة له حين أخذ سيفه بيده وخرج من دار الأرقم وهو يظهر الإسلام على ملأ من قريش فبسيفه ظهر الإسلام فرضى الله عنه وعن مجيه وفى الحديث اثبت أحد فانما عليك نبى والصديق وشهيدان وكان عليه رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فتحرك فقاله دل الحديث على أن رتبة أبى بكر فوق رتبة غيره لان الصديقية تلى النبوة فَيَقُولُ فرحا وسرورا فانه لما اوتى كتابه بيمينه علم انه من الناجين من النار ومن الفائزين بالجنة فأحب ان يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ اى خذوا يا اهل بيتي وقرابتى وأصحابي كتابى وتناولوه اقرأوا كتابى زيرا در اينجا عملى نيست كه از اظهار آن شرم دارم ودر تبيان آورده كه اين كتاب ديكر است بغير كتاب اعمال كه نوشته ودر او بشارت جنت است و پس چهـ كتاب حفظ ميان بنده وخداوندست وكسى آنرا نه بيند ونه خواند. وفى الخبر حسنات المؤمن فى ظاهر كتابه وسيئاته فى باطنه لا يراها الا هو فاذا انتهى يرى مكتوبا فقد غفر تهالك فاقلب فيرى فى الظاهر قد قبلتها منك فيقول من فرط السرور هاؤم اقرأوا كتابيه اى هلموا أصحابي كما فى عين المعاني
أن تدنو الى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فان فى قطفها وتحصيلها تعبا ومشقة غالبا وكذا لا تؤكل الا بمزاولة اليد. يقول الفقير أشجار الجنة على صورة الإنسان يعنى ان اصل الإنسان رأسه وهى فى طرف العلو ورجله فرعه مع انها فى طرف السفل فكذلك اصول أشجار الجنة فى طرف العلو وأغصانها متدلية الى جانب السفل ولذا لا يرون تعبا فى القطف على ان نعيم الجنة تابع لارادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة كُلُوا وَاشْرَبُوا بإضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والأمر امر امتنان واباحة لا امر تكليف ضرورة ان الآخرة ليست بدار تكليف وجمع بين الاكل والشرب لان أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وان ذكرت فى موضع آخر يقال لمن اوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقا هَنِيئاً أكلا وشربا هنيئا اى سائغا لا تنغيص فيه فى الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشاميدنى كوارنده. وجعل الهنيء صفة لهما لان المصدر يتناول المثنى ايضا من هنؤ الطعام والشراب وهنئ يهنأ ويهنؤ ويهنئ هناءة وهناء اى صار هنيئا سائغا فهو هنيئ ومنه اليهنئ المشتهر فى اللسان التركي فى اللحم المطبوخ ويستعمله العجم بالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال فى المثنوى
وين پزاز بهر ميان روز را يخنئ باشد شه فيروز را
واسناد الهناءة الى الاكل والشرب مجاز للمبالغة لانها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئا عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لان السائغ محظوظ منه بسبب الصحة والعافية غالبا بِما أَسْلَفْتُمْ بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة او بدله او بسببه ومعنى الاسلاف فى اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالاقراض ومنه يقال أسلف فى كذا إذا قدم فيه ماله فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ اى الماضية فى الدنيا وعن مجاهد ايام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه الله فى ايام الصيام لا سيما فى الأيام الحارة وهو الاولى لان الجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل وملائما له كما قال بعض الكبار لم يقل اشهدوا ولا اسمعوا وانما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله ان تسخروا منا فانا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم فى المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمنى وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فان هذا ما لا تعطيه الحكمة كما فى مواقع النجوم (وروى) يقول الله يا أوليائي طالما نظرت إليكم فى الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الاشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم فى نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الأيام الخالية. قوله قلصت من الباب الثاني يقال قلص الظل اى نقص والماء اى ارتفع فى البئر والشفة اى انزوت والثوب اى انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شىء بعضه الى بعض وخمصه الجوع خمصا ومخمصة من الباب الاول يعنى باريك ميان كرد ويرا كرسنكى. وفيه اشارة الى ايام الأزل الخالية عن الأعمال والعلل والأسباب اى كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما اسلفه الله لكم فى الأزل
ملكى وتسلطى على الناس وبقيت فقيرا ذليلا أو ضلت عنى حجتى كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ومعناه بطلت هجتى التي كنت احتج بها عليهم فى الدنيا وبالفارسية كم كشت از من حجتى كه در دنيا چنك در ان زده بودم. ورجح هذا المعنى بأن من اوتى كتابه بشماله لا اختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع اهل الشقاوة. بقول الفقير قوله تعالى ما اغنى عنى ماليه يدل على الاول على ان فيه تعريضا بنحو الوليد من رؤساء قريش واهل ثروتهم ويجوز أن يكون المعنى تسلطى على القوى والآلات فعجزت عن استمالها فى العبادات وذلك لان كل أحد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول فى القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعا خُذُوهُ حكاية لما يقول الله يومئذ لخزنة النار وهم الزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع الى من الثاني اى خذوا العاصي لربه فَغُلُّوهُ بلا مهلة اى اجمعوا يديه الى عنقه بالقيد ولحديد وشدوه به يقال غل فلان وضع فى عنقه او يده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد الى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالفتح دست با كردن بستن. وفى الفقه وكره جعل الغل فى عنق عبده لانه عقوبة اهل النار وقال الفقيه ان فى زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الإباق كمال فى الكبرى بخلاف التقييد فانه غير مكروه لانه سنة المسلمين فى المتمردين ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه اى لا تدخلوه الا الجحيم ولا تحرقوه الا فيها وهى النار العظمى ليكون الجزاء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتى فيكون مخصوصا بالمتعظمين وفيه بحث انتهى وقد مر جوابه ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ من نار وهى حلق منتظمة كل حلقة منها فى حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق ذَرْعُها طولها وبالفارسية كزان. والذراع ككتاب ما يذرع به حديدا او قضيبا وفى المفردات الذارع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والأرض والذرع پيمودن. قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله سَبْعُونَ والجملة فى محل الجر على انها صفة سلسلة وقوله ذِراعاً تمييز فَاسْلُكُوهُ السلك هو الإدخال فى الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك فى السلسلة فى الشدة لا على تراخى المدة يعنى ان ثم اخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك إذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ ان كلمتى ثم وإلقاء ان كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفى العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغى ان يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه اى قيل لخزية النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع إفادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على ان الأمر الأخير أشد وأهول مما قبله من الأوامر مع تعاقب المأمور بها من الاخذ وجعل يده مغلولة الى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم إياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطابها فهو فيما بينهما مرهق مضيق عليه
الحض التحريك كالحث الا ان الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك وأصله من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض والمعنى ولا يحث اهله وغيرهم على إعطاء طعام يطعم به الفقير فضلا عن ان يعطى ويبذل من ماله على ان يكون المراد من الطعام العين فاضمر مثل إعطاء او بذل لان الحث والتحريض لا يتعلق بالأعيان بل بالأحداث وأضيف الطعام الى المسكين من حيث ان له إليه نسبة أو المعنى ولا يحثهم على إطعامه على ان يكون اسما وضع موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء فالاضافة الى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم ان تارك الحض بهذه المنزلة فيكف بتارك الفعل يعنى يكون ترك الفعل أشد فى ان يكون سبب المؤاخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام البخل كفر والكافر فى النار فتخصيص الامرين بالذكر لما ان أقبح العقائد الكفر واشنع الرذائل البخل والعطف للدلالة على ان حرمان المسكين صفة الكفرة كما فى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فلا يلزم ان يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفى عين المعاني وبه تعلق الشافعي فى خطاب الكفار بالشرائع ولا يصح عندنا لان توجيه الخطاب بالأمر ولا امر هاهنا على انه ذكر الايمان مقدما وبه نقول انتهى وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى انهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى انهم يطالبون بها حال كفرهم فانهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام اهلية الأداء فيهم لان مدار اهلية الأداء هو استحقاق الثواب بالاداء ولا ثواب لاعمال الكفار واهلية الوجوب لا تستلزم اهلية الأداء كما تقرر فى الأصول انتهى والحاصل ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة لا غير وعن أبى الدرداء رضى الله عنه انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان أفلا نخلع نصفها الآخر بالاطعام والحض عليه
جوى باز دارد بلاي درشت عصايى شنيدى كه عوجى بكشت
كسى نيك بيند بهر دو سراى كه نيكى رساند بخلق خداى
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ وهو يوم القيامة هاهُنا اى فى هذا المكان وهو مكان الاخذ والغل حَمِيمٌ اى قريب نسبا او ودا يحميه ويدفع عنه ويحزن عليه لان أولياءه يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميما وقال فى عين المعاني قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشاني لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيره منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية فى حقه اعلاما بانه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ قال فى القاموس الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر فى النار انتهى والمعنى ولا طعام الا من غسالة اهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارسية زردابه وريمى كه از تنهاى ايشان ميرود (روى) انه لو وقعت قطرة منه على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم
وفى كشف الاسرار أضاف القول اليه لانه لما قال قول رسول اقتضى مرسلا وكان معلوما ان ما يقرأه كلام مرسله وانما هو مبلغه فالاضافة الاختصاصية الى رسول الله تدل على اختصاص القول بالرسول من حيث التبليغ ليس الا إذ شأن الرسول التبليغ لا الاختراع وقد يأتى القول فى القرآن والمراد به القراءة قال الله تعالى حتى تعلموا ما تقولون اى ما تقرءون فى صلاتكم كَرِيمٍ على الله تعالى يعنى بزركوار نزد خداى تعالى. وهو النبي عليه السلام ويدل عليه مقابلة رسول بشاعر وكاهن لان المعنى على اثبات انه رسول لا شاعر ولا كاهن ولم يقولو الجبريل شاعر ولا كاهن وقيل هو جبريل اى هو قول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون انه شاعر أو كاهن فالمقصود حينئذ اثبات حقية القرآن وانه من عند الله والحاصل ان القرآن كلام الله حقيقة أظهره فى اللوح المحفوظ وكلام جبريل ايضا من حيث انه أنزله من السموات الى الأرض وتلاه على خاتم النبيين وكلام سيد المرسلين ايضا من حيث انه أظهره للخلق ودعا الناس الى الايمان به وجغله حجة لنبوته وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمون تارة (قال الكاشفى) چنانچهـ ابو جهل ميكويد وسبق معنى الشعر فى يس قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ايمانا قليلا تؤمنون بالقرءان وكونه كلام الله او بالرسول وكونه مرسلا من الله والمراد بالقلة النفي اى لا تؤمنون أصلا كقولك لمن لا يزورك قلما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلا. يقول الفقير يجوز عندى أن تكون قلة الايمان باعتبار قلة المؤمن بمعنى ان القليل منكم يؤمنون وقس عليه نظائره وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ كما تدعون ذلك تارة اخرى (قال الكاشفى) چنانچهـ عقبة بن ابى معيط كمان ميبرد. كرر القول مبالغة فى ابطال أقاويلهم الكاذبة على القرآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب وفى كشف الاسرار الكاهن هو الذي يزعم ان له خدما من الجن يأتونه بضرب من الوحى وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام لان الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى وقال الراغب فى المفردات الكاهن الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطئ ويصيب قال عليه السلام من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل الله على محمد ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى وفى شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما أخفى من المسروق ومكان الضالة والكاهن من يخبر بما يكون فى المستقبل وفى الصحاح العراف الكاهن قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون اى لا تتذكرون أصلا (قال الكاشفى) اندكى پند ميكيريد يعنى پند كير نمى شويد (وفى كشف الاسرار) اندك پند مى پذيريد ودر مى يابيد (وفى تاج المصادر) التذكر ياد كردن ويا ياد آوردن و پند كرفتن ومذكر شدن كلمه كه مؤنث بود. وقال بعضهم المراد من الايمان القليل ايمانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفي وقال بعضهم ان كان المراد منه الايمان الشرعي فالتقليل للنفى وان كان اللغوي فالتقليل على حاله لانهم كانوا يصدقون
كالاعجوبة لما يتعجب منه والا ضحوكة لما يضحك منه وكان الأقاويل جمع أقوولة من القول وان لم يثبت عن نقلة اللغلة ولم يكن أقوولة مستعملا لكن كونه على صورة جمع افعولة كاف فى التحقير ويؤيد انه ليس جمع الأقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة اقوال فالاقاويل هاهنا بمعنى الأقوال لا انه جمعه وفى حواشى ابن لشيخ الظاهر ان الأقاويل جمع اقوال جمع قول كأناعيم جمع انعام جمع نعم لَأَخَذْنا مِنْهُ حال من قوله بِالْيَمِينِ اى بيمينه وقال سعدى المفتى هو من باب ألم نشرح لك فى التفصيل بعد الإجمال ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ اى نياط قلبه بضرب عنقه والنياط عرق ابيض غليظ كالقصبة علق به القلب إذا انقطع مات صاحبه وفى المفردات الوتين عرق يسقى الكبد إذا انقطع مات صاحبه ولم يقل لا هلكناه او لضربنا عنقه لانه تصوير لاهلاكه بافظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنفه فانه إذا أراد أن يوقع الضرب فى قفاء أخذ بيساره وإذا أراد أن يوقعه فى جيده وأن يكفحه بالسيف اى يواجهه وهو أشد من المصبور لنظره الى السيف أخذ بيمينه فلذا خص اليمين درن اليسار وفى المفردات لاخذنا منه باليمين اى منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك بالأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان انتهى وقيل اليمين بمعنى القوة فالمعنى لانتقمنا بقوتنا وقدرتنا وقيل المعنى حينئذ لأخذنا منه اليمين وسلبنا منه القوة والقدرة على التكلم بذلك على ان الباء صلة اى زائدة وعبر عن القوة باليمين لان قوة كل شىء فى ميا منه فيكون من قبيل ذكر المحل وارادة الحال او ذكر الملزوم وارادة اللازم فَما مِنْكُمْ ايها الناس مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ اى عن القتل او المقتول وهو متعلق بقوله حاجِزِينَ دافعين وهو وصف لاحد فانه عام لوقوعه فى سياق النفي كما فى قوله عليه السلام لم تحل الغنائم لاحد اسود الرأس غيرنا فمن أحد فى موضع الرفع بالابتداء ومن زائدة لتأكيد النفي ومنكم خبره والمعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول او عن قتله وإهلاكه المدلول عليه بقوله ثم لقطعنا منه الوتين اى لا يقدر على الحجز والدفع وهذا مبنى على اصل بنى تميم فانهم لا يعلمون ما لدخولها على القبيلتين وقد يجعل حاجزين خبرا لما على اللغة الحجازية ولعله اولى فتكون كلمة ما هى المشبهة بليس فمن أحد اسم ما وحاجزين منصوب على انه خبرها ومنكم حال مقدم وكان فى الأصل صفة لاحد وفى الآية تنبيه على ان النبي عليه السلام لو قال من عند نفسه شيأ او زادأ ونقص حرفا واحدا على ما اوحى اليه لعاقبه الله وهو أكرم الناس عليه فما ظنك بغيره ممن قصد تغيير شىء من كتاب الله او قال شيأ من ذات نفسه كما ضل بذلك بعض الفرق الضالة وَإِنَّهُ اى القرآن لَتَذْكِرَةٌ موعظة وبالفارسية پنديست لِلْمُتَّقِينَ لمن اتقى الشرك وحب الدنيا فانه يتذكر بهذا القرآن وينتفع به بخلاف المشرك ومن مال الى الدنيا وغلبه حبها فانه يكذب به ولا ينتفع وفى تاج المصادر التذكير والتذكرة با ياد دادن وحرف را مذكر كردن. ومنه الحديث فذكروه اى فأجلوه لان فى تذكير الشيء إجلالا له وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ اى ان منكم ايها الناس مكذبين بالقرءان فنجازيهم
على تكذيبهم قال مالك رحمه الله ما أشد هذه الآية على هذه الامة وفيه اشارة الى مكذبى الإلهام ايضا فانهم ملتحقون بمكذبى الوحى لان الكل من عند الله لكن اهل الاحتجاب لا يبصرون النور كالاعمى فكيف يقرون وَإِنَّهُ اى القرآن لَحَسْرَةٌ وندامة يوم القيامة عَلَى الْكافِرِينَ المكذبين له عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به وفى الدنيا ايضا إذا رأوا دولة المؤمنين ويجوز أن يرجع الضمير الى التكذيب المدلول عليه بقوله مكذبين وَإِنَّهُ اى القرآن لَحَقُّ الْيَقِينِ اى لليقين الذي لا ريب فيه فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد أضيف أحدهما الى الآخر اضافة الشيء الى نفسه كحب الحصيد للتأكيد فان الحق هو الثابت الذي لا يتطرق اليه الريب وكذا اليقين قال الراغب فى المفردات اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتهما يقال علم اليقين عين اليقين حق اليقين وبينها فرق مذكور فى غير هذا الكتاب انتهى وقد سبق الفرق من شرح الفصوص فى آخر سورة الواقعة فالرجع وقال الامام معناه انه حق يقين اى حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه ثم أضيف أحد الوصفين الى الآخر للتأكيد وقال الزمخشري لليقين حق اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم ويراد به البليغ الكامل فى شأنه وفى تفسير القاشاني محض اليقين وصرف اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم اى خلاصة العالم وحقيقته من غير شوب شىء آخر وقال الجنيد قدس سره حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك معرفة بالحق وهو أن يشاهد الغيوب كمشاهدته للمرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما اخبر الصديق الأكبر فى مشاهدة النبي عليه السلام حين سأله ماذا أبقيت لنفسك قال الله ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وانقطاعه عن كل ما سوى الله ووقوفه على الصدق معه ولم يسأله النبي عليه السلام عن كيفيته ما أشار اليه لما عرف من صدقه وبلوغه المنتهى فيه ولما سأل عليه السلام حارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمنا حقا فأخبر عن حقيقة إيمانه فسأله عليه السلام عن ذلك لما كان يجد فى نفسه من عظيم دعواه ثم لما اخبر لم يحكم له بذلك فقال عرفت فالزم اى عرفت الطريق الى حقيقة الايمان فالزم الطريق حتى تبلغ اليه وكان يرى حال أبى بكر رضى الله عنه مستورا من غير استخبار عنه ولا استكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى وهذا مقام حق اليقين واليقين اسم للعلم الذي زال عنه اللبس ولهذا لا يوصف علم رب العزة باليقين فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ اى فسبح الله بذكر اسمه العظيم بأن تقول سبحانه الله تنزيها له عن الرضى بالتقول الله وشكرا على ما أوحى إليك فمفعول سبح محذوف والباء فى باسم ربك للاستعانة كما فى ضربته بالسوط فهو مفعول ثان بواسطة حرف الجر على حذف المضاف والعظيم صفة الاسم ويحتمل أن يكون صفة ربك ويؤيده ما روى ان رسول الله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية اجعلوها فى ركوعكم فالتزم ذلك جماعة من العلماء كما فى فتح الرحمن وقال فى التأويلات النجمية نزه وقدس تنزيها فى عين التشبيه اسم ربك اى مسمى ربك إذا لاسم عين المسمى عند أرباب
Icon