تفسير سورة الحاقة

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ يَقُول السَّاعَة مَا السَّاعَة يُعجبهُ بذلك
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا الحاقة﴾ وَإِنَّمَا سميت الحاقة لحقائق الْأُمُور تحق لِلْمُؤمنِ بإيمانه الْجنَّة وتحق للْكَافِرِ بِكُفْرِهِ النَّار
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ قوم صَالح ﴿وَعَادٌ﴾ قوم هود ﴿بالقارعة﴾ بِقِيَام السَّاعَة وَإِنَّمَا سميت القارعة لِأَنَّهَا تقرع قُلُوبهم
﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية﴾ بطغيانهم وشركهم أهلكوا وَيُقَال طغيانهم حملهمْ على التَّكْذِيب حَتَّى أهلكوا
﴿وَأَمَا عَادٌ﴾ قوم هود ﴿فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾
482
بَارِد ﴿عَاتِيَةٍ﴾ شَدِيدَة عَتَتْ عَصَتْ وأبت على خزانها
483
﴿سَخَّرَهَا﴾ سلطها ﴿عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ دَائِما مُتَتَابِعًا لَا يفتر عَنْهُم ﴿فَتَرَى الْقَوْم﴾ قوم هود ﴿فِيهَا﴾ فِي الْأَيَّام وَيُقَال فِي الرّيح ﴿صرعى﴾ هلكى مطروحين ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾ أوراك نخل ﴿خَاوِيَةٍ﴾ سَاقِطَة
﴿فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ يَقُول لم يبْق مِنْهُم أحد إِلَّا أهلكته الرّيح
﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ﴾ من مَعَه من جُنُوده إِلَى الْبَحْر فَغَرقُوا فِي الْبَحْر وَيُقَال وَجَاء فِرْعَوْن تكلم فِرْعَوْن بِكَلِمَة الشّرك وَمن قبله وَمن كَانَ من قبل فِرْعَوْن من الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿والمؤتفكات﴾ المنخسفات أَيْضا قريات لوط وائتفكها خسفها ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ تكلمُوا بِكَلِمَة الشّرك
﴿فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ مُوسَى ﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ فعاقبهم عُقُوبَة شَدِيدَة
﴿إِنَّا لما طَغى المآء﴾ ارْتَفع المَاء فِي زمَان نوح ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْخلق فِي أصلاب آبائكم ﴿فِي الْجَارِيَة﴾ فِي سفينة نوح
﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ﴾ يَعْنِي سفينة نوح وَيُقَال هَذِه الْقِصَّة لكم ﴿تذكرة﴾ عظة تتعظون بهَا ﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ يحفظها قلب حَافظ وَيُقَال تسمع هَذَا الْأَمر أذن سامعة فتنتفع بِمَا سَمِعت
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث
﴿وَحُمِلَتِ الأَرْض وَالْجِبَال﴾ يُقَال مَا على الأَرْض من الْبُنيان وَالْجِبَال ﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ فكسرتا كسرة وَاحِدَة
﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم حملت الأَرْض وَالْجِبَال ﴿وَقَعَتِ الْوَاقِعَة﴾ قَامَت الْقِيَامَة
﴿وانشقت السمآء﴾ لهيبة الرَّحْمَن ونزول الْمَلَائِكَة ﴿فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ منشقة ضَعِيفَة
﴿وَالْملك﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿على أَرْجَآئِهَآ﴾ حروفها وجوانبها ونواحيها وأطرافها ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ﴾ سَرِير رَبك ﴿فَوْقَهُمْ﴾ على أَعْنَاقهم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿ثَمَانِيَةٌ﴾ يَقُول ثَمَانِيَة رَهْط من الْمَلَائِكَة لكل ملك أَرْبَعَة وُجُوه وَجه إِنْسَان وَوجه نسر وَوجه أَسد وَوجه ثَوْر وَيُقَال ثَمَانِيَة صُفُوف وَيُقَال ثَمَانِيَة أَجزَاء من الكروبيين وهم أهل السَّمَاء السَّابِعَة
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تُعْرَضُونَ﴾ على الله ثَلَاث عرضات عرض لِلْحسابِ والمعاذير وَعرض للخصومات وَالْقصاص وَعرض لتطاير الْكتب وَالْقِرَاءَة ﴿لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ لَا يتْرك مِنْكُم أحد وَيُقَال لَا تخفى على الله مِنْكُم خافية أحد وَيُقَال لَا يخفى على الله من أَعمالكُم شىء
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ﴾ أعطي ﴿كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ وَهُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد زوج أم سَلمَة وَكَانَ مُسلما ﴿فَيَقُولُ﴾ لأَصْحَابه ﴿هَآؤُمُ﴾ تَعَالَوْا ﴿اقرؤوا كِتَابيَهْ﴾ انْظُرُوا مَا فِي كتابي من الثَّوَاب والكرامة
﴿إِنِّي ظَنَنتُ﴾ علمت وأيقنت ﴿أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ﴾ معاين حسابى
﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ فِي عَيْش قد رضيه لنَفسِهِ أَي مرضية
﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ مُرْتَفعَة
﴿قُطُوفُهَا﴾ ثَمَرهَا واجتناؤها ﴿دَانِيَةٌ﴾ قريبَة يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم
﴿كُلُواْ﴾ يَقُول الله لَهُم كلوا من الثِّمَار ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من الْأَنْهَار ﴿هَنِيئَاً﴾ بِلَا دَاء وَلَا موت ﴿بِمَآ أَسْلَفْتُمْ﴾ بِمَا قدمتم من الْعَمَل الصَّالح وَيُقَال من الصَّوْم وَالصَّلَاة ﴿فِي الْأَيَّام الخالية﴾ الْمَاضِيَة يَعْنِي أَيَّام الدُّنْيَا
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ﴾ أعطي ﴿كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ﴾ وَهُوَ الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة وَكَانَ كَافِرًا ﴿فَيَقُول يَا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ لم أعْط كتابي هَذَا
﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾ لم أعلم حسابي
﴿يَا ليتها كَانَتِ القاضية﴾ يتَمَنَّى الْمَوْت يَقُول يَا لَيْتَني بقيت على موتِي الأول
﴿مَآ أغْنى عَنِّي﴾ من عَذَاب الله ﴿مَالِيَهْ﴾ مالى الذى جمعت فى الدُّنْيَا
﴿هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ بَطل عني حجتي وعذري
فَيَقُول الله للْمَلَائكَة ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾
﴿ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ﴾
483
أدخلوه
484
﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ طولهَا وباعها ﴿سَبْعُونَ ذِرَاعاً﴾ بِذِرَاع الْملك وَيُقَال باعاً ﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ فأدخلوه فِي دبره وأخرجوه من فَمه والووا مَا فضل على عُنُقه
﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّه الْعَظِيم﴾ إِذْ كَانَ فِي الدُّنْيَا
﴿وَلاَ يَحُضُّ﴾ لَا يحث ﴿على طَعَامِ الْمِسْكِين﴾ على صَدَقَة الْمِسْكِين
﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾ قريب يَنْفَعهُ
﴿وَلاَ طَعَامٌ﴾ فِي النَّار ﴿إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ من عصارة أهل النَّار وَهِي مَا يسيل من بطونهم وجلودهم من الْقَيْح وَالدَّم والصديد
﴿لاَّ يَأْكُلُهُ﴾ يَعْنِي الغسلين ﴿إِلاَّ الخاطئون﴾ الْمُشْركُونَ
﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ يَقُول أقسم ﴿بِمَا تُبْصِرُونَ﴾ من شىء
﴿وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴾ من شَيْء يَا أهل مَكَّة وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَمَا لَا تبصرون الْعَرْش والكرسي وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي جِبْرِيل أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء
﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يَقُول الْقُرْآن قَول الله نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَمَا هُوَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ ينشئه ﴿قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ﴾ يَقُول مَا تؤمنون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير
﴿وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ يخبر بِمَا فِي الْغَد ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير
﴿تَنْزِيل﴾ يَقُول الْقُرْآن تَنْزِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِّن رَّبِّ الْعَالمين﴾
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ وَلَو اختلق علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بعض الْأَقَاوِيل﴾ من الْكَذِب فَقَالَ علينا مالم نَقله
﴿لأخذنا﴾ لانتقمنا ﴿مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ بِالْحَقِّ وَالْحجّة وَيُقَال أخذناه بِالْقُوَّةِ
﴿ثمَّ لقطعنا مِنْهُ﴾ من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الوتين﴾ عرق قلبه وَهُوَ نِيَاط قلبه
﴿فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ يَقُول فَلَيْسَ مِنْكُم أحد يحجزنا عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَتَذْكِرَةٌ﴾ عظة ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ﴾ بِالْقُرْآنِ ومصدقين بِهِ
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَحَسْرَةٌ﴾ ندامة ﴿عَلَى الْكَافرين﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَحَقُّ الْيَقِين﴾ حَقًا يَقِينا إِنَّه كَلَامي نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم وَيُقَال إِنَّه الَّذِي ذكرت من الْحَسْرَة والندامة على الْكَافرين لحق الْيَقِين يَقُول حَقًا يَقِينا أَن تكون عَلَيْهِم الْحَسْرَة والندامة يَوْم الْقِيَامَة
﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ﴾ فصل بِأَمْر رَبك ﴿الْعَظِيم﴾ وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شَيْء
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المعارج وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مِائَتَان وست عشر وحروفها ثَمَانمِائَة وَأحد وَسِتُّونَ ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon