تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
(٤)
ذكر هناك أن النحل يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس- وهنا ذكر: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.
(٥) إنه فى تلك أمر بإيتاء ذى القربى، وكذلك هنا مع زيادة إيتاء المسكين وابن السبيل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
تفسير المفردات
سبحان الله: أي تنزيها له من كل ما لا يليق بجلاله وكماله، والإسراء كالسرى:
السير بالليل خاصة، والمسجد الحرام: مسجد مكة، والمسجد الأقصى: بيت المقدس وهو أقصى وأبعد بالنظر إلى من بالحجاز.
الإيضاح
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) أي تنزيها للذى أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلّم، فى جزء من الليل من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ورجع فى ليلته، وتبرئة له مما يقوله المشركون من أن له من خلقه شريكا وأن له صاحبة وولدا.
(الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أي الذي جعلنا حوله البركة لسكانه فى معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم.
ذكر هناك أن النحل يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس- وهنا ذكر: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.
(٥) إنه فى تلك أمر بإيتاء ذى القربى، وكذلك هنا مع زيادة إيتاء المسكين وابن السبيل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)تفسير المفردات
سبحان الله: أي تنزيها له من كل ما لا يليق بجلاله وكماله، والإسراء كالسرى:
السير بالليل خاصة، والمسجد الحرام: مسجد مكة، والمسجد الأقصى: بيت المقدس وهو أقصى وأبعد بالنظر إلى من بالحجاز.
الإيضاح
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) أي تنزيها للذى أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلّم، فى جزء من الليل من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ورجع فى ليلته، وتبرئة له مما يقوله المشركون من أن له من خلقه شريكا وأن له صاحبة وولدا.
(الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أي الذي جعلنا حوله البركة لسكانه فى معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم.
4
(لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) أي كى نرى عبدنا محمدا من عبرنا وأدلتنا، ما فيه البرهان الساطع والدليل القاطع، على وحدانيتنا وعظم قدرتنا.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة فى سرى محمد صلى الله عليه وسلّم من مكة إلى بيت المقدس، البصير بما يفعلون، لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يعزب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء، فهو محيط به علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، وسيجزيهم بما هم له أهل.
تحقيق ما قيل فى الإسراء والمعراج
اعلم أن هاهنا أمرين:
(١) إسراء النبي صلى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وهذا هو الذي ذكر فى هذه السورة.
(٢) العروج به والصعود إلى السماء الدنيا ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام بعد وصوله إلى بيت المقدس، ولم يذكر ذلك هنا، وسيأتى بيانه فى سورة النجم ونفصل فيه القول تفصيلا إن شاء الله.
آراء العلماء فى الاسراء
وهاهنا أمور- مكان الإسراء- زمانه- هل كان الإسراء بالروح والجسد أو بالروح فحسب؟:
(١) يرى جمع من العلماء أن الإسراء كان من المسجد الحرام- وقيل أسرى به من دار أم هانىء بنت أبى طالب.
(٢) أما زمانه فقد كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وعن أنس والحسن البصري أنه كان قبل مبعثه صلى الله عليه وسلّم.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة فى سرى محمد صلى الله عليه وسلّم من مكة إلى بيت المقدس، البصير بما يفعلون، لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يعزب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء، فهو محيط به علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، وسيجزيهم بما هم له أهل.
تحقيق ما قيل فى الإسراء والمعراج
اعلم أن هاهنا أمرين:
(١) إسراء النبي صلى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وهذا هو الذي ذكر فى هذه السورة.
(٢) العروج به والصعود إلى السماء الدنيا ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام بعد وصوله إلى بيت المقدس، ولم يذكر ذلك هنا، وسيأتى بيانه فى سورة النجم ونفصل فيه القول تفصيلا إن شاء الله.
آراء العلماء فى الاسراء
وهاهنا أمور- مكان الإسراء- زمانه- هل كان الإسراء بالروح والجسد أو بالروح فحسب؟:
(١) يرى جمع من العلماء أن الإسراء كان من المسجد الحرام- وقيل أسرى به من دار أم هانىء بنت أبى طالب.
(٢) أما زمانه فقد كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وعن أنس والحسن البصري أنه كان قبل مبعثه صلى الله عليه وسلّم.
5
(٣)
أكثر العلماء على أن الإسراء كان بالروح والبدن يقظة لا مناما، ولهم على ذلك أدلة:
(ا) إن التسبيح والتعجب فى قوله: سبحان الذي أسرى بعبده- إنما يكون فى الأمور العظام- ولو كان ذلك مناما لم يكن فيه كبير شأن ولم يكن مستعظما.
(ب) إنه لو كان مناما ما كانت قريش تبادر إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كانوا قد أسلموا، ولما قالت أم هانىء لا تحدّث الناس فيكذبوك، ولما فضّل أبو بكر بالتصديق،
وجاء فى الحديث عن أبى هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى، فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها (لم أعرفها حق المعرفة) فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لى أنظر إليه، فما سألونى عن شىء إلا أنبأتهم به» الحديث.
(ج) إن قوله (بعبده) يدل على مجموع الروح والجسد.
(د) إن ابن عباس قال فى قوله «وما جعلنا الرّؤيا الّتى أريناك إلّا فتنة للنّاس» هى رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة أسرى به، ويؤيده أن العرب قد تستعمل الرؤيا فى المشاهدة الحسية ألا ترى إلى قول الراعي يصف صائدا:
(هـ) إن الحركة بهذه السرعة ممكنة فى نفسها، فقد جاء فى القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه السلام إلى المواضع البعيدة فى الأوقات القليلة، فقد قال تعالى فى صفة سير سليمان عليه السلام. «غدوّها شهر ورواحها شهر» وجاء فيه أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام فى مقدار لمح البصر كما قال تعالى: «قال الّذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك» وإذا جاز هذا لدى طائفة من الناس جاز لدى جميعهم.
أكثر العلماء على أن الإسراء كان بالروح والبدن يقظة لا مناما، ولهم على ذلك أدلة:
(ا) إن التسبيح والتعجب فى قوله: سبحان الذي أسرى بعبده- إنما يكون فى الأمور العظام- ولو كان ذلك مناما لم يكن فيه كبير شأن ولم يكن مستعظما.
(ب) إنه لو كان مناما ما كانت قريش تبادر إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كانوا قد أسلموا، ولما قالت أم هانىء لا تحدّث الناس فيكذبوك، ولما فضّل أبو بكر بالتصديق،
وجاء فى الحديث عن أبى هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى، فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها (لم أعرفها حق المعرفة) فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لى أنظر إليه، فما سألونى عن شىء إلا أنبأتهم به» الحديث.
(ج) إن قوله (بعبده) يدل على مجموع الروح والجسد.
(د) إن ابن عباس قال فى قوله «وما جعلنا الرّؤيا الّتى أريناك إلّا فتنة للنّاس» هى رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة أسرى به، ويؤيده أن العرب قد تستعمل الرؤيا فى المشاهدة الحسية ألا ترى إلى قول الراعي يصف صائدا:
وكبّر للرؤيا وهشّ فواده | وبشّر قلبا كان جمّا بلابله |
6
ويرى آخرون أن الإسراء كان بالروح فحسب، ولهم على ذلك حجج:
(ا) إن معاوية بن أبى سفيان كان إذا سئل عن سرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: كان رؤيا من الله صادقة- وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ كان من المشركين فلا يقبل خبره في مثل هذا.
(ب) إن بعض آل أبى بكر قال: كانت عائشة تقول ما فقد جسد ورسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولكن أسرى بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة ولم تكن زوجا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
(ج) إن الحسن قال فى قوله (وما جعلنا الرؤيا) الآية إنها رؤيا منام رآها (والرؤيا تختص بالنوم).
قال أبو جعفر الطبري: الصواب من القول فى ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الله حمله على البراق حتى أتاه به وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن فى ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوى الفطرة الصحيحة من بنى آدم أن يرى الرائي منهم فى المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل- وبعد فإن الله إنما أخبر فى كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره- إلى أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اه.
(ا) إن معاوية بن أبى سفيان كان إذا سئل عن سرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: كان رؤيا من الله صادقة- وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ كان من المشركين فلا يقبل خبره في مثل هذا.
(ب) إن بعض آل أبى بكر قال: كانت عائشة تقول ما فقد جسد ورسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولكن أسرى بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة ولم تكن زوجا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.
(ج) إن الحسن قال فى قوله (وما جعلنا الرؤيا) الآية إنها رؤيا منام رآها (والرؤيا تختص بالنوم).
قال أبو جعفر الطبري: الصواب من القول فى ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الله حمله على البراق حتى أتاه به وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن فى ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوى الفطرة الصحيحة من بنى آدم أن يرى الرائي منهم فى المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل- وبعد فإن الله إنما أخبر فى كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره- إلى أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اه.
7
والخلاصة- إن الذي عليه المعوّل عند جمهرة المسلمين أنه أسرى به عليه السلام يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب، ودخله يصلى فى قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم ركب البراق وعاد إلى مكة بغلس.
المامة فى المعراج
يرى بعض العلماء أن عروج النبي صلى الله عليه وسلّم إلى السموات السبع كان بجسده وروحه يقظة لا مناما لدليلين:
(ا) آية الإسراء إذ صرح فيها بأنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.
(ب) الحديث المروي فى الكتب الصحاح كالبخارى ومسلم وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ثم منه إلى السموات العلى ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.
وأنكره آخرون وأثبتوا أن المعراج كان بالروح فحسب لوجوه:
(١) إن الحركة البالغة فى السرعة إلى هذا الحد غير معقوله.
(٢) إنه لو صح ذلك لكان أعظم المعجزات وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدلّ به على صدقه فى ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك فى وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإن ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.
(٣) إن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة مستحيل، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي أو يتنفس فيه.
(٤) إن حديث المعراج اشتمل على أشياء فى غاية البعد:
(ا) شق بطنه وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك فى تطهير القلب من العقائد الزائفة، والأخلاق المذمومة.
المامة فى المعراج
يرى بعض العلماء أن عروج النبي صلى الله عليه وسلّم إلى السموات السبع كان بجسده وروحه يقظة لا مناما لدليلين:
(ا) آية الإسراء إذ صرح فيها بأنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.
(ب) الحديث المروي فى الكتب الصحاح كالبخارى ومسلم وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ثم منه إلى السموات العلى ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.
وأنكره آخرون وأثبتوا أن المعراج كان بالروح فحسب لوجوه:
(١) إن الحركة البالغة فى السرعة إلى هذا الحد غير معقوله.
(٢) إنه لو صح ذلك لكان أعظم المعجزات وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدلّ به على صدقه فى ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك فى وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإن ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.
(٣) إن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة مستحيل، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي أو يتنفس فيه.
(٤) إن حديث المعراج اشتمل على أشياء فى غاية البعد:
(ا) شق بطنه وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك فى تطهير القلب من العقائد الزائفة، والأخلاق المذمومة.
8
(ب) ركوب البراق ولا حاجة له بذلك لأن العالم العلوي فى غنى عن ذلك.
(ج) إنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل محمد صلى الله عليه وسلّم يتردد بين الله وموسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه السلام- وهذا غير جائز كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني لأنه يقتضى نسخ الحكم قبل العمل به، وهذا بداء محال على الله.
(د) لم يقل أحد من المسلمين بأن الأنبياء أحياء بأجسادهم فى العالم العلوي، وإنما الحياة هناك حياة روحية لا جسمانية، والتخاطب والكلام معهم والصلاة بهم من الأمور الروحية لا الجسمية، إذ لا يعقل غير هذا- وبهذا يثبت المعراج الرّوحى لا الجسماني.
ويمكن أن يجيب الأولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، والله تعالى قادر على خرق سننه بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية ثم عودتها فى مدة قصيرة عصا صغيرة كما كانت.
ويبقى أمر الحديث، واشتماله على أمور غريبة، لا حاجة إليها فى تصديق النبوة، والمحاورة فى فرض الصلوات وانتقالها من خمسين إلى خمس مما يستدعى رد الحديث وعدم النظر إليه لاضطراب متنه كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإن صححه رواة الحديث باعتبار سنده.
عظة وذكرى
إنا لنقف قليلا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورا هى الغاية فى العظة والاعتبار:
(١) إن هاتين الرحلتين الرحلة الأرضية (الإسراء) والرجلة السماوية (المعراج) حدثتا فى ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة، ليمحّص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان ومن في قلبه منهم مرض، فيكون الأول خليقا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار
(ج) إنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل محمد صلى الله عليه وسلّم يتردد بين الله وموسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه السلام- وهذا غير جائز كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني لأنه يقتضى نسخ الحكم قبل العمل به، وهذا بداء محال على الله.
(د) لم يقل أحد من المسلمين بأن الأنبياء أحياء بأجسادهم فى العالم العلوي، وإنما الحياة هناك حياة روحية لا جسمانية، والتخاطب والكلام معهم والصلاة بهم من الأمور الروحية لا الجسمية، إذ لا يعقل غير هذا- وبهذا يثبت المعراج الرّوحى لا الجسماني.
ويمكن أن يجيب الأولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، والله تعالى قادر على خرق سننه بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية ثم عودتها فى مدة قصيرة عصا صغيرة كما كانت.
ويبقى أمر الحديث، واشتماله على أمور غريبة، لا حاجة إليها فى تصديق النبوة، والمحاورة فى فرض الصلوات وانتقالها من خمسين إلى خمس مما يستدعى رد الحديث وعدم النظر إليه لاضطراب متنه كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإن صححه رواة الحديث باعتبار سنده.
عظة وذكرى
إنا لنقف قليلا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورا هى الغاية فى العظة والاعتبار:
(١) إن هاتين الرحلتين الرحلة الأرضية (الإسراء) والرجلة السماوية (المعراج) حدثتا فى ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة، ليمحّص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان ومن في قلبه منهم مرض، فيكون الأول خليقا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار
9
الهجرة والانضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقة، من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمة تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور فى ذلك الحين شرقا وغربا.
(٢) إن الله أطلع رسوله على ما فى هذا الكون أرضيّه وسماويّه من العظمة والجلال، ليكون ذلك درسا عمليا لتعليم رسوله بالمشاهدة والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسح فى أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء- فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهما إلا بضرب من التخيل والتوهم، فأنّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حبس عنا الكثير من العلم ولم نؤت إلا قليله «وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا».
(٣) إن ما يجدّ كل يوم من ضروب المخترعات، والتوسل بها إلى طى المسافات، بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات فى قليل الساعات، من قارة إلى قارة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أن ما جاء فى وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
(٤) إن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيّل إلينا من العوائق العملية، من صعوبة الوصول إلى الملأ الأعلى، لتخلخل الهواء، واستحالة الوصول إلى الطبقات العليا من السماء، فهو إنما يكون بالنظر إلى الأجرام والأجساد المشاهدة فى عالم الحس، وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشرى إلى تحديدها وإبداء الرأى فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه، فأجدر بنا ألا نطيل البحث فيها ولا التعمق فى استقصاء آثارها.
(٥) إن ما جاء فى الحديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلّم صلى إماما بالأنبياء فى عالم السموات ليرشد إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلّم جاء بشريعة ختمت الشرائع
(٢) إن الله أطلع رسوله على ما فى هذا الكون أرضيّه وسماويّه من العظمة والجلال، ليكون ذلك درسا عمليا لتعليم رسوله بالمشاهدة والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسح فى أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء- فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهما إلا بضرب من التخيل والتوهم، فأنّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حبس عنا الكثير من العلم ولم نؤت إلا قليله «وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا».
(٣) إن ما يجدّ كل يوم من ضروب المخترعات، والتوسل بها إلى طى المسافات، بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات فى قليل الساعات، من قارة إلى قارة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أن ما جاء فى وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
(٤) إن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيّل إلينا من العوائق العملية، من صعوبة الوصول إلى الملأ الأعلى، لتخلخل الهواء، واستحالة الوصول إلى الطبقات العليا من السماء، فهو إنما يكون بالنظر إلى الأجرام والأجساد المشاهدة فى عالم الحس، وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشرى إلى تحديدها وإبداء الرأى فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه، فأجدر بنا ألا نطيل البحث فيها ولا التعمق فى استقصاء آثارها.
(٥) إن ما جاء فى الحديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلّم صلى إماما بالأنبياء فى عالم السموات ليرشد إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلّم جاء بشريعة ختمت الشرائع
10
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﰁ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰂ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰃ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﰄ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰅ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰆ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰇ
السالفة كلها، وأئمتها ومن أوتوها ألقوا الزعامة إليه، وصاروا مؤتمين به.
(٦) إن فى هذا مغزى جديرا بطويل التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا فى وفاق ووثام فى الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم الذي أرسلهم- أفلا يجدر بمتبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت، به هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع فى القوانين الوضعية، فإن الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغى جميع ما سبقه.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٨]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
(٦) إن فى هذا مغزى جديرا بطويل التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا فى وفاق ووثام فى الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم الذي أرسلهم- أفلا يجدر بمتبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت، به هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع فى القوانين الوضعية، فإن الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغى جميع ما سبقه.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٨]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
11
تفسير المفردات
الكتاب: هو التوراة، وكيلا: أي كفيلا تكلون إليه أموركم، شكورا أي كثير الشكر، وقضينا: أي أعلمنا بالوحى، لتعلن: أي لتستكبرنّ عن طاعة الله، والوعد أي الموعد به وهو العقاب، والبؤس والبأس والبأساء: الشدة والمكروه كما قال الراغب إلا أن البؤس كثر استعماله فى الفقر والحرب، والبأس والبأساء فى النكاية بالعدو، جاسوا خلال الديار: توسطوها وترددوا بينها، والكرة: الدّولة والغلبة وأصل الكر العطف والرجوع، والنفير والنافر: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، والتتبير: الهلاك وهى كلمة نبطية كما روى عن سعيد بن جبير وكل شىء كسرته وفتته فقد تبرته، ما علوا: أي ما غلبوا واستولوا عليه من بلادكم، والحصير: السجن كما قال ابن عباس.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآية الأولى أنه أكرم عبده ورسوله بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس- أردف ذلك ذكر ما أكرم به موسى قبله من إعطائه التوراة وجعلها هدى لبنى إسرائيل، ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والهدى، ثم قفّى على ذلك ببيان أنهم ما عملوا بهديها، بل أفسدوا فى الأرض فسلط الله عليهم البابليين أثخنوا فيهم وقصدوهم بالقتل والنهب والسلب.
ولما تابوا أزال عنهم هذه المحنة، وأعاد لهم الدّولة، وأمدهم بالأموال والبنين، وجعلهم أكثر عددا مما كانوا، ثم عادوا إلى عصيانهم وقتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام، فسلط الله عليهم من أدال دولتهم مرة أخرى، فأعمل فيهم السيف، وسلب ونهب، وجاس خلال ديارهم، فدخل بيت المقدس كرة أخرى بالقهر والغلبة والإذلال، وأهلك ما أهلك مما قد جمعوه وكنزوه، ثم أوعدهم على عصيانهم بالعقاب فى الآخرة بنار جهنم، وبئس السجن هى لمن عصى الله وخالف أوامر دينه.
الكتاب: هو التوراة، وكيلا: أي كفيلا تكلون إليه أموركم، شكورا أي كثير الشكر، وقضينا: أي أعلمنا بالوحى، لتعلن: أي لتستكبرنّ عن طاعة الله، والوعد أي الموعد به وهو العقاب، والبؤس والبأس والبأساء: الشدة والمكروه كما قال الراغب إلا أن البؤس كثر استعماله فى الفقر والحرب، والبأس والبأساء فى النكاية بالعدو، جاسوا خلال الديار: توسطوها وترددوا بينها، والكرة: الدّولة والغلبة وأصل الكر العطف والرجوع، والنفير والنافر: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، والتتبير: الهلاك وهى كلمة نبطية كما روى عن سعيد بن جبير وكل شىء كسرته وفتته فقد تبرته، ما علوا: أي ما غلبوا واستولوا عليه من بلادكم، والحصير: السجن كما قال ابن عباس.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآية الأولى أنه أكرم عبده ورسوله بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس- أردف ذلك ذكر ما أكرم به موسى قبله من إعطائه التوراة وجعلها هدى لبنى إسرائيل، ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والهدى، ثم قفّى على ذلك ببيان أنهم ما عملوا بهديها، بل أفسدوا فى الأرض فسلط الله عليهم البابليين أثخنوا فيهم وقصدوهم بالقتل والنهب والسلب.
ولما تابوا أزال عنهم هذه المحنة، وأعاد لهم الدّولة، وأمدهم بالأموال والبنين، وجعلهم أكثر عددا مما كانوا، ثم عادوا إلى عصيانهم وقتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام، فسلط الله عليهم من أدال دولتهم مرة أخرى، فأعمل فيهم السيف، وسلب ونهب، وجاس خلال ديارهم، فدخل بيت المقدس كرة أخرى بالقهر والغلبة والإذلال، وأهلك ما أهلك مما قد جمعوه وكنزوه، ثم أوعدهم على عصيانهم بالعقاب فى الآخرة بنار جهنم، وبئس السجن هى لمن عصى الله وخالف أوامر دينه.
12
الإيضاح
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) أي وأعطينا موسى التوراة وجعلنا فيها هداية لبنى إسرائيل، وقلنا لهم: لا تتخذوا من دونى وليا ولا نصيرا تكلون إليه أموركم، وهذه مقالة أوحى الله بها إلى كل نبى أرسله، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له، وألا يعوّلوا فى أمر إلا عليه.
وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلّم من قبل أن موسى أوتى التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسرى بمحمد إلى بيت المقدس.
ثم نبّه إلى عظيم شرف بنى إسرائيل، وإتمام نعمته عليهم، ليكون فى ذلك تهييج لهم، وبيان لعظيم المنة عليهم فقال:
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان، بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدا شكورا أي مبالغا فى الشكر، بصرفه كل ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، فاللسان لذكر الله، والعقل للفكر فيما خلق الله، والبصر للتأمل فيما صنع الله، وهكذا بقية الحواس وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن نوحا كان إذا أمسى وأصبح قال سبحان (اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ).
وأخرج ابن جرير والبيهقي والحاكم عن سلمان الفارسي قال: «كان نوح إذا لبس ثوبا أو أطعم طعاما حمد الله تعالى فسمّى عبدا شكورا».
وفى هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حث للذرية على الاقتداء به، وزجر لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) أي وأعطينا موسى التوراة وجعلنا فيها هداية لبنى إسرائيل، وقلنا لهم: لا تتخذوا من دونى وليا ولا نصيرا تكلون إليه أموركم، وهذه مقالة أوحى الله بها إلى كل نبى أرسله، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له، وألا يعوّلوا فى أمر إلا عليه.
وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلّم من قبل أن موسى أوتى التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسرى بمحمد إلى بيت المقدس.
ثم نبّه إلى عظيم شرف بنى إسرائيل، وإتمام نعمته عليهم، ليكون فى ذلك تهييج لهم، وبيان لعظيم المنة عليهم فقال:
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان، بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدا شكورا أي مبالغا فى الشكر، بصرفه كل ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، فاللسان لذكر الله، والعقل للفكر فيما خلق الله، والبصر للتأمل فيما صنع الله، وهكذا بقية الحواس وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن نوحا كان إذا أمسى وأصبح قال سبحان (اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ).
وأخرج ابن جرير والبيهقي والحاكم عن سلمان الفارسي قال: «كان نوح إذا لبس ثوبا أو أطعم طعاما حمد الله تعالى فسمّى عبدا شكورا».
وفى هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حث للذرية على الاقتداء به، وزجر لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.
13
ثم بين سبحانه أنه أنعم على بنى إسرائيل بالتوراة، وجعلها هدى لهم لكنهم لم يهتدوا بها فقال:
(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) أي وأوحينا إلى بنى إسرائيل فيما أنزلناه فى التوراة على موسى فأعلمهم به:
لتعصنّ الله ولتخالفنّ أمره مرتين: أولا هما تغيير التوراة وقتل شعيا عليه السلام وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله. والثانية قتل زكريا ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام ولتستكبرنّ عن طاعة الله، ولتبغنّ على الناس، ولتظلمنهم ظلما شديدا، تفرطون فيه، وتبلغون أقصى الغاية.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا) أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود أرسلنا عليكم لمؤاخذتكم بجنايتكم عبادا لنا أولى بطش شديد فى الحروب، هم سنحاريب ملك بابل وجنوده، أوغلوا فى البلاد، وترددوا بين الدور والمساكن، للقتل والسلب والنهب، وقتلوا علماءكم وكبراءكم، وأحرقوا التوراة وخرّبوا بيت المقدس، وسبوا منكم عددا كثيرا، وكان ذلك وعدا نافذا لا مردّ له.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أي ثم رجعت لكم الدّولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا، حين تبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد والعلوّ، فغزوتم البابليين واستنقذتم الأسرى والأموال، ورجع الملك إليكم، وكثرت أموالكم بعد أن نهبت، وأولادكم بعد أن سبيت، وصرتم أكثر عددا، وأعظم قوة مما كنتم من قبل، وذلك بفضل طاعته تعالى والإخبات إليه ومن ثم قال:
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أي إن أحسنتم فأطعتم الله ولزمتم أمره وتركتم نهيه- أحسنتم لأنفسكم، لأنكم تنفعونها بذلك فى دنياها وآخرتها أما فى الدنيا فإن الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء، ويرد كيده فى نحره، وينمّى
(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) أي وأوحينا إلى بنى إسرائيل فيما أنزلناه فى التوراة على موسى فأعلمهم به:
لتعصنّ الله ولتخالفنّ أمره مرتين: أولا هما تغيير التوراة وقتل شعيا عليه السلام وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله. والثانية قتل زكريا ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام ولتستكبرنّ عن طاعة الله، ولتبغنّ على الناس، ولتظلمنهم ظلما شديدا، تفرطون فيه، وتبلغون أقصى الغاية.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا) أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود أرسلنا عليكم لمؤاخذتكم بجنايتكم عبادا لنا أولى بطش شديد فى الحروب، هم سنحاريب ملك بابل وجنوده، أوغلوا فى البلاد، وترددوا بين الدور والمساكن، للقتل والسلب والنهب، وقتلوا علماءكم وكبراءكم، وأحرقوا التوراة وخرّبوا بيت المقدس، وسبوا منكم عددا كثيرا، وكان ذلك وعدا نافذا لا مردّ له.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أي ثم رجعت لكم الدّولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا، حين تبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد والعلوّ، فغزوتم البابليين واستنقذتم الأسرى والأموال، ورجع الملك إليكم، وكثرت أموالكم بعد أن نهبت، وأولادكم بعد أن سبيت، وصرتم أكثر عددا، وأعظم قوة مما كنتم من قبل، وذلك بفضل طاعته تعالى والإخبات إليه ومن ثم قال:
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أي إن أحسنتم فأطعتم الله ولزمتم أمره وتركتم نهيه- أحسنتم لأنفسكم، لأنكم تنفعونها بذلك فى دنياها وآخرتها أما فى الدنيا فإن الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء، ويرد كيده فى نحره، وينمّى
14
لكم أموالكم، ويزيدكم قوة إلى قوتكم، وأما فى الآخرة فإن الله يثيبكم جنات تجرى من تحتها الأنهار، ويرضى عنكم (وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ).
وإن عصيتم ربكم وفعلتم ما نهاكم عنه فإلى أنفسكم تسيئون، لأنكم تسخطونه، فيسلط عليكم فى الدنيا أعداءكم، ويمكّن منكم من يبغى بكم السوء، ويلحق بكم فى الآخرة العذاب المهين.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) أي فإذا جاء وقت حلول العقاب على المرة الآخرة من مرّتى إفسادكم فى الأرض، بعثنا أعداءكم، ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية فى وجوهكم (فإن الأعراض النفسية تظهر فى الوجوه فالفرح يظهر فيها النضارة والإشراق، والحزن والخوف يظهر فيها الغبرة والقترة) وليدخلوا المسجد قاهرين فاتحين مذلّين لكم كما دخلوه أول مرة، وليهلكوا ما ادخر تموه وخزنتموه تتبيرا شديدا، فلا يبقون منه شيئا.
قال البيضاوي: سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف ويسمى بيردوس أو خردوس اه.
والذي أثبته اليهود فى تواريخهم أن الذي أغار عليهم أولا وخرّب بيت المقدس هو بختنصّر وكان ذلك فى زمن إرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأصنام، فحبسوه فى بئر وجرحوه- وأن الذي أغار عليهم ثانيا هو أسبيانوس قيصر الروم، وكان بين الإغارتين نحو من خمسمائة سنة.
وعلى الجملة فمعرفة من بعث إليهم بأعيانهم وتواريخ البعوث مما لا يتعلق به غرض كبير، لأن المراد أنه كلما كثرت معاصيهم سلط الله عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى.
وظاهر الآية يدل على اتحاد المبعوثين أولا وثانيا.
(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) بعد البعث الثاني إن تبتم وازدجرتم عن المعاصي، وقد حقق الله لهم وعده، فكثر عددهم وأعزهم بعد الذلة وجعل منهم الملوك والأنبياء.
وإن عصيتم ربكم وفعلتم ما نهاكم عنه فإلى أنفسكم تسيئون، لأنكم تسخطونه، فيسلط عليكم فى الدنيا أعداءكم، ويمكّن منكم من يبغى بكم السوء، ويلحق بكم فى الآخرة العذاب المهين.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) أي فإذا جاء وقت حلول العقاب على المرة الآخرة من مرّتى إفسادكم فى الأرض، بعثنا أعداءكم، ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية فى وجوهكم (فإن الأعراض النفسية تظهر فى الوجوه فالفرح يظهر فيها النضارة والإشراق، والحزن والخوف يظهر فيها الغبرة والقترة) وليدخلوا المسجد قاهرين فاتحين مذلّين لكم كما دخلوه أول مرة، وليهلكوا ما ادخر تموه وخزنتموه تتبيرا شديدا، فلا يبقون منه شيئا.
قال البيضاوي: سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف ويسمى بيردوس أو خردوس اه.
والذي أثبته اليهود فى تواريخهم أن الذي أغار عليهم أولا وخرّب بيت المقدس هو بختنصّر وكان ذلك فى زمن إرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأصنام، فحبسوه فى بئر وجرحوه- وأن الذي أغار عليهم ثانيا هو أسبيانوس قيصر الروم، وكان بين الإغارتين نحو من خمسمائة سنة.
وعلى الجملة فمعرفة من بعث إليهم بأعيانهم وتواريخ البعوث مما لا يتعلق به غرض كبير، لأن المراد أنه كلما كثرت معاصيهم سلط الله عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى.
وظاهر الآية يدل على اتحاد المبعوثين أولا وثانيا.
(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) بعد البعث الثاني إن تبتم وازدجرتم عن المعاصي، وقد حقق الله لهم وعده، فكثر عددهم وأعزهم بعد الذلة وجعل منهم الملوك والأنبياء.
15
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) أي وإن عدتم لمعصيتى وخلاف أمرى وقتل رسلى- عدنا عليكم بالقتل والسّباء وإحلال الذل والصغار بكم، وقد عادوا فعاد الله عليهم بعقابه، فقد كذّبوا النبي صلى الله عليه وسلّم وهمّوا بقتله فسلطه الله عليهم، فقتل قريظة وأجلى بنى النضير وضرب الجزية على الباقين، فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون، ولا ملك لهم ولا سلطان.
(وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) قال الحسن: الحصير هو الذي يبسط ويفرش والعرب تسمى البساط الصغير حصيرا، أي إنه تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا كما قال: «لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ» وقال ابن عباس وغيره:
جعلناها سجنا محيطا بهم حابسا لهم، لا رجاء لهم فى الخلاص منه.
وخلاصة ذلك- إن لهم فى الدنيا ما تقدم وصفه من العذاب، وفى الآخرة ما يكون محيطا بهم من عذاب جهنم فلا يتخلصون منه أبدا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١١]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما أكرم به من اصطفاه من النبيين والمرسلين، فأكرم محمدا صلى الله عليه وسلّم بالإسراء، وأكرم موسى بالتوراة، وجعلها هدى لبنى إسرائيل، ثم بين أنهم لم يعملوا بها فحلّ بهم عذاب الدنيا والآخرة- قفّى على ذلك بالثناء على القرآن الكريم وبيان أنه يهدى للصراط المستقيم، ويبشر الصالحين بالأجر والثواب
(وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) قال الحسن: الحصير هو الذي يبسط ويفرش والعرب تسمى البساط الصغير حصيرا، أي إنه تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا كما قال: «لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ» وقال ابن عباس وغيره:
جعلناها سجنا محيطا بهم حابسا لهم، لا رجاء لهم فى الخلاص منه.
وخلاصة ذلك- إن لهم فى الدنيا ما تقدم وصفه من العذاب، وفى الآخرة ما يكون محيطا بهم من عذاب جهنم فلا يتخلصون منه أبدا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١١]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما أكرم به من اصطفاه من النبيين والمرسلين، فأكرم محمدا صلى الله عليه وسلّم بالإسراء، وأكرم موسى بالتوراة، وجعلها هدى لبنى إسرائيل، ثم بين أنهم لم يعملوا بها فحلّ بهم عذاب الدنيا والآخرة- قفّى على ذلك بالثناء على القرآن الكريم وبيان أنه يهدى للصراط المستقيم، ويبشر الصالحين بالأجر والثواب
16
العظيم، وينذر الكافرين بالعذاب الأليم، ثم أردف ذلك بذكر طبيعة الإنسان وأنه حلق عجولا، قد يدعو على نفسه بالشر أي بالموت والهلاك، والدمار واللعنة كما يدعو لنفسه بالخير.
الإيضاح
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً. وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مدح الله سبحانه كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلّم ووصفه بصفات ثلاث:
(١) إنه يرشد من اهتدى به للسبيل التي هى أقوم السبل، وهى ذلك الدين القيم والملة الحنيفية السمحاء، التي أهم دعائمها الإخبات لله والإنابة إليه واعتقاد أنه واحد لا شريك له، وأنه صاحب الملك والملكوت، وهو الحي الذي لا يموت، وهو الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
(٢) إنه يبشر المؤمنين بالله ورسوله الذين يعملون صالح الأعمال فيأتمرون بما أمر به، وينتهون عما نهاهم عنه، بالأجر العظيم يوم القيامة كفاء ما قدّموا لأنفسهم من عمل صالح.
(٣) إنه ينذر الذين لا يصدّقون بالمعاد، ولا يقرون بالثواب والعقاب فى الدنيا، فلا يتحاشون ركوب المعاصي- بالعذاب الأليم الموجع جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من.
الكفر واجتراح الآثام، ويدخل فى هؤلاء أهل الكتاب، لأن بعضهم ينكر الثواب والعقاب الجسمانيين، وبعضهم يقول: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وإطلاق البشارة على العقاب من قبيل التهكم كما فى قوله: «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ».
وبعد أن بين حال الهادي وهو الكتاب الكريم بين حال المهدىّ وهو لإنسان فقال:
الإيضاح
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً. وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مدح الله سبحانه كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلّم ووصفه بصفات ثلاث:
(١) إنه يرشد من اهتدى به للسبيل التي هى أقوم السبل، وهى ذلك الدين القيم والملة الحنيفية السمحاء، التي أهم دعائمها الإخبات لله والإنابة إليه واعتقاد أنه واحد لا شريك له، وأنه صاحب الملك والملكوت، وهو الحي الذي لا يموت، وهو الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
(٢) إنه يبشر المؤمنين بالله ورسوله الذين يعملون صالح الأعمال فيأتمرون بما أمر به، وينتهون عما نهاهم عنه، بالأجر العظيم يوم القيامة كفاء ما قدّموا لأنفسهم من عمل صالح.
(٣) إنه ينذر الذين لا يصدّقون بالمعاد، ولا يقرون بالثواب والعقاب فى الدنيا، فلا يتحاشون ركوب المعاصي- بالعذاب الأليم الموجع جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من.
الكفر واجتراح الآثام، ويدخل فى هؤلاء أهل الكتاب، لأن بعضهم ينكر الثواب والعقاب الجسمانيين، وبعضهم يقول: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وإطلاق البشارة على العقاب من قبيل التهكم كما فى قوله: «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ».
وبعد أن بين حال الهادي وهو الكتاب الكريم بين حال المهدىّ وهو لإنسان فقال:
17
(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أي ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر حين الغضب فيقول: اللهم العنّى اللهم أهلكنى، كدعائه ربه بالخير أي بأن يهب له العافية ويرزقه السلامة، ولو استجيب له فى دعائه بذاك كما يستجاب له فى هذا لهلك، ولكن الله بفضله ومنته لا يستجيب دعاءه كما قال «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ»
وفى الحديث «لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها».
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلّم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا فأقبل يئنّ بالليل، فقالت له مالك تئن فشكا ألم القدّ (سير من جلد غير مدبوغ تربط به يدا الأسير ورقبته) فأرخت له من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلّم دعا به فأعلم بشأنه، فقال عليه الصلاة والسلام «اللهم اقطع يدها» فرفعت سودة يدها يتوقع أن يقطع الله يدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «إنى سألت الله أن يجعل دعائى على من لا يستحق عذابا من أهلى رحمة، لأنى بشر أغضب كما تغضبون، فلتردّ سودة يدها».
وقد يكون المعنى فى الآية- إن الإنسان قد يبالغ فى الدعاء طلبا لشىء يعتقد أن فيه خيره، مع أن ذلك قد يكون سبب بلائه وشره لجهله بحاله، وإنما يقدم على ذلك العمل لكونه عجولا مغترّا بظواهر الأمور، غير متفحص لحقائقها وأسرارها، ومن ثم قال:
(وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا) يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره.
وفى الآية إيماء إلى أن القرآن يدعو للتى هى أقوم، ويأبون إلا التي هى ألوم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)
وفى الحديث «لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها».
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلّم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا فأقبل يئنّ بالليل، فقالت له مالك تئن فشكا ألم القدّ (سير من جلد غير مدبوغ تربط به يدا الأسير ورقبته) فأرخت له من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلّم دعا به فأعلم بشأنه، فقال عليه الصلاة والسلام «اللهم اقطع يدها» فرفعت سودة يدها يتوقع أن يقطع الله يدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «إنى سألت الله أن يجعل دعائى على من لا يستحق عذابا من أهلى رحمة، لأنى بشر أغضب كما تغضبون، فلتردّ سودة يدها».
وقد يكون المعنى فى الآية- إن الإنسان قد يبالغ فى الدعاء طلبا لشىء يعتقد أن فيه خيره، مع أن ذلك قد يكون سبب بلائه وشره لجهله بحاله، وإنما يقدم على ذلك العمل لكونه عجولا مغترّا بظواهر الأمور، غير متفحص لحقائقها وأسرارها، ومن ثم قال:
(وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا) يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره.
وفى الآية إيماء إلى أن القرآن يدعو للتى هى أقوم، ويأبون إلا التي هى ألوم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)
18
المعنى الجملي
بعد أن ذكر الهداية والإرشاد بالقرآن الكريم- قفّى على ذلك بالاستدلال بالآيات والدلائل التي فى الآفاق، وهى برهان نير لا ريب فيه، وطريق بيّن لا يضلّ من ينتحيه.
الإيضاح
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي وجعلنا الليل والنهار دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما فى الدين فلأن كلا منهما مضادّ للآخر ومخالف له، مع تعاقبهما على الدوام، وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا بد لهما من فاعل مدبر يقدّرهما بمقادير مخصوصة، وأما فى الدنيا فلأن مصالحه لا تتم إلا بهما، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف فى وجوه المعاش.
(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي فمحونا آية هى الليل أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلمة لا يستبين فيه شىء، كما لا يستبين ما فى اللوح الممحوّ، روى ذلك عن مجاهد.
(وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أي وجعلنا الآية التي هى النهار مضيئة ومبصرة أي يبصر أهلها فيها.
(لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) أي فعلنا ذلك، لتطلبوا لأنفسكم فيه رزقا من ربكم، إذ لا يتسنى ذلك فى الليل، وفى التعبير عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء، مع ذكر صفة الربوبية الدالة على الوصول إلى ذلك شيئا فشيئا- دلالة على أنه ليس للمرء فى تحصيل الرزق سوى الطلب بالأسباب العادية،
وفى الخبر «يطلبك رزقك، كما يطلبك أجلك»
وقيل:
بعد أن ذكر الهداية والإرشاد بالقرآن الكريم- قفّى على ذلك بالاستدلال بالآيات والدلائل التي فى الآفاق، وهى برهان نير لا ريب فيه، وطريق بيّن لا يضلّ من ينتحيه.
الإيضاح
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي وجعلنا الليل والنهار دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما فى الدين فلأن كلا منهما مضادّ للآخر ومخالف له، مع تعاقبهما على الدوام، وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا بد لهما من فاعل مدبر يقدّرهما بمقادير مخصوصة، وأما فى الدنيا فلأن مصالحه لا تتم إلا بهما، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف فى وجوه المعاش.
(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي فمحونا آية هى الليل أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلمة لا يستبين فيه شىء، كما لا يستبين ما فى اللوح الممحوّ، روى ذلك عن مجاهد.
(وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أي وجعلنا الآية التي هى النهار مضيئة ومبصرة أي يبصر أهلها فيها.
(لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) أي فعلنا ذلك، لتطلبوا لأنفسكم فيه رزقا من ربكم، إذ لا يتسنى ذلك فى الليل، وفى التعبير عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء، مع ذكر صفة الربوبية الدالة على الوصول إلى ذلك شيئا فشيئا- دلالة على أنه ليس للمرء فى تحصيل الرزق سوى الطلب بالأسباب العادية،
وفى الخبر «يطلبك رزقك، كما يطلبك أجلك»
وقيل:
ولقد علمت وما الإشراف من خلقى | أن الذي هو رزقى سوف يأتينى |
أسعى إليه فيعيينى تطلّبه | ولو قعدت أتانى لا يعنّينى |
وإنى على الإملاق ياقوم ماجد | أعدّ لأضيافى الشّواء المضهّبا |
التسلط والاستيلاء، فلا يسرف: أي فلا يتجاوز الحد المشروع فيه، التي هى أحسن:
أي الطريق التي هى أحسن، والعهد: ما تعاهدون عليه غيركم من العباد لتوثيقه وتوكيده، والقسطاس: (بكسر القاف وضمها) الميزان، والمستقيم: العدل، والتأويل:
ما يئول إليه الشيء وهو عاقبته، ولا تقف من قفوت أثر فلان: أي اتبعته، والمرح:
الفخر والكبر، لن تخرق الأرض: أي لن تجعل فيها طرقا بدوسك وشدة وطأتك، والحكمة: معرفة الحق سبحانه ومعرفة الخير للعمل به، والمدحور: المبعد من رحمة الله
31
المعنى الجملي
بعد أن ذكر جلت قدرته أن الناس فريقان فريق يريد بعمله الدنيا فقط، وعاقبتهم العذاب والوبال، وفريق يريد بعمله طاعة الله، وهم أهل مرضاته، والمستحقون لثوابه، وقد اشترط لنيلهم ذلك أن يعملوا للآخرة وأن يكونوا مؤمنين- لا جرم فصل الله فى هذه الآية حقيقة الإيمان والأعمال التي إذا عملها المؤمن كان ساعيا للآخرة، وصار من الذين سعد طائرهم، وحسن حظهم، ثم أعقب ذلك بذكر ما هو من شعائر الإيمان وشرائطه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعدئذ أتبع ذلك بالأمر ببر الوالدين من قبل أنهما السبب الظاهر فى وجوده، وبالأمر بإيتاء ذوى القربى حقوقهم، ثم بالأمر بإصلاح أحوال المساكين وأبناء السبيل، لأن فى إصلاحهما إصلاح المجتمع، والمسلمون كلهم إخوة، وهم يد على من سواهم، ثم قفى على ذلك بالنهى عن التبذير، لما فيه من إصلاح حال المرء وعدم ارتباكه فى معيشته، وصلاحه إصلاح للأمة جمعاء، فما الأمم إلا مجموعة الأفراد، ففى صلاحهم صلاحها، ثم علمنا سبيل إنفاق المال على الوجه الذي يرضاه الدين، ويرشد إلى حسنه العقل، وبعدئذ نهانا عن قتل الأولاد خشية الفقر، وبين أن الكفيل بأرزاقهم وأرزاقكم هو ربكم، فلا وجه للخوف من ذلك، ثم تلا هذا بالنهى عن الزنا، لما فيه من اختلاط الأنساب، وفقدان النسل أو قلته، ووقوع الشغب والقتال بين الناس دفاعا عن العرض ثم بالنهى عن القتل لهذا السبب عينه، ثم بالنهى عن إتلاف مال اليتيم، ثم بالأمر بالوفاء بالعهد وهو العقد الذي يعمل لتوكيد الأمر وتثبيته، ثم بإيفاء الكيل والميزان، لما فى حسن التعامل بين الناس من توافر المودة والمحبة بينهم، وهذا ما يرمى إليه الدين، لإصلاح شؤون الفرد والمجتمع، ثم بالنهى عن تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل، فلا تتّبع ما كان يعمله الآباء اقتداء بهم من عبادة الأصنام تقليدا لهم، ولا تشهد على شىء لم تره، ولا تكذب، فتقول فى شىء لم تسمعه إنك قد سمعته،
بعد أن ذكر جلت قدرته أن الناس فريقان فريق يريد بعمله الدنيا فقط، وعاقبتهم العذاب والوبال، وفريق يريد بعمله طاعة الله، وهم أهل مرضاته، والمستحقون لثوابه، وقد اشترط لنيلهم ذلك أن يعملوا للآخرة وأن يكونوا مؤمنين- لا جرم فصل الله فى هذه الآية حقيقة الإيمان والأعمال التي إذا عملها المؤمن كان ساعيا للآخرة، وصار من الذين سعد طائرهم، وحسن حظهم، ثم أعقب ذلك بذكر ما هو من شعائر الإيمان وشرائطه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعدئذ أتبع ذلك بالأمر ببر الوالدين من قبل أنهما السبب الظاهر فى وجوده، وبالأمر بإيتاء ذوى القربى حقوقهم، ثم بالأمر بإصلاح أحوال المساكين وأبناء السبيل، لأن فى إصلاحهما إصلاح المجتمع، والمسلمون كلهم إخوة، وهم يد على من سواهم، ثم قفى على ذلك بالنهى عن التبذير، لما فيه من إصلاح حال المرء وعدم ارتباكه فى معيشته، وصلاحه إصلاح للأمة جمعاء، فما الأمم إلا مجموعة الأفراد، ففى صلاحهم صلاحها، ثم علمنا سبيل إنفاق المال على الوجه الذي يرضاه الدين، ويرشد إلى حسنه العقل، وبعدئذ نهانا عن قتل الأولاد خشية الفقر، وبين أن الكفيل بأرزاقهم وأرزاقكم هو ربكم، فلا وجه للخوف من ذلك، ثم تلا هذا بالنهى عن الزنا، لما فيه من اختلاط الأنساب، وفقدان النسل أو قلته، ووقوع الشغب والقتال بين الناس دفاعا عن العرض ثم بالنهى عن القتل لهذا السبب عينه، ثم بالنهى عن إتلاف مال اليتيم، ثم بالأمر بالوفاء بالعهد وهو العقد الذي يعمل لتوكيد الأمر وتثبيته، ثم بإيفاء الكيل والميزان، لما فى حسن التعامل بين الناس من توافر المودة والمحبة بينهم، وهذا ما يرمى إليه الدين، لإصلاح شؤون الفرد والمجتمع، ثم بالنهى عن تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل، فلا تتّبع ما كان يعمله الآباء اقتداء بهم من عبادة الأصنام تقليدا لهم، ولا تشهد على شىء لم تره، ولا تكذب، فتقول فى شىء لم تسمعه إنك قد سمعته،
32
ولا فى شىء لم تره، إنك قد رأيته، ثم بالنهى عن مشية الخيلاء والمرح لما فيهما من الصّلف الذي لا يرضاه الله ولا الناس، ثم ختم ذلك ببيان أن تلك الأوامر والنواهي هى من وحي الله وتبليغه، لا من عند نفسه، أمر بها ونهى عنها، لأنها أسس سعادة الدارين، وعليها تبنى العلاقات بين الأفراد والأمم على نظم صحيحة لا تكون عرضة للاضطراب وفقدان الثقة فى معاملاتهم.
الإيضاح
(لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا) أي لا تجعل أيها الإنسان مع الله شريكا فى ألوهيته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة وأفرد له الألوهة، فإنه لا ربّ غيره، ولا معبود سواه، وإنك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه، تصر ملوما على ما ضيعت من شكر الذي أنعم عليك بنعمه، وشكر من لم يولك نعمة، مخذولا لا ينصرك ربك، بل يكلك إلى من عبدته معه، ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
وبعد أن ذكر الركن الأعظم فى الإيمان أتبعه بذكر شعائره وهى الأمور الآتية فقال:
(١) (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي وأمر ربك ألا تعبدوا غيره، إذ العبادة نهاية التعظيم، ولا تليق إلا بمن له الإنعام والإفضال على عباده، ولا منعم إلا هو.
(٢) (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأن تحسنوا إلى الوالدين وتبرّوهما، ليكون الله معكم «إنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون».
وقد أمر سبحانه بالإحسان إليهما للأسباب الآتية:
(ا) شفقتهما على الولد، وبذل الجهد فى إيصال الخير إليه، وإبعاد الضر عنه، جهد المستطاع، فوجب مقابلة ذلك بالإحسان إليهما والشكر لهما.
الإيضاح
(لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا) أي لا تجعل أيها الإنسان مع الله شريكا فى ألوهيته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة وأفرد له الألوهة، فإنه لا ربّ غيره، ولا معبود سواه، وإنك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه، تصر ملوما على ما ضيعت من شكر الذي أنعم عليك بنعمه، وشكر من لم يولك نعمة، مخذولا لا ينصرك ربك، بل يكلك إلى من عبدته معه، ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
وبعد أن ذكر الركن الأعظم فى الإيمان أتبعه بذكر شعائره وهى الأمور الآتية فقال:
(١) (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي وأمر ربك ألا تعبدوا غيره، إذ العبادة نهاية التعظيم، ولا تليق إلا بمن له الإنعام والإفضال على عباده، ولا منعم إلا هو.
(٢) (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأن تحسنوا إلى الوالدين وتبرّوهما، ليكون الله معكم «إنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون».
وقد أمر سبحانه بالإحسان إليهما للأسباب الآتية:
(ا) شفقتهما على الولد، وبذل الجهد فى إيصال الخير إليه، وإبعاد الضر عنه، جهد المستطاع، فوجب مقابلة ذلك بالإحسان إليهما والشكر لهما.
33
(ب) إن الولد قطعة من الوالدين كما
جاء فى الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فاطمة بضعة منى».
(ج) إنهما أنعما عليه، وهو فى غاية الضعف، ونهاية العجز، فوجب أن يقابل ذلك بالشكر حين كبرهما، كما قال الشاعر العربي يعدّد نعمه على ولده وقد عقّه فى كبره:
والخلاصة- إنه لا نعمة تصل إلى الإنسان أكثر من نعمة الخالق عليه، ثم نعمة الوالدين، ومن ثم بدأ بشكر نعمته أوّلا بقوله: «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»، ثم أردفها بشكر نعمة الوالدين بقوله: «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».
ثم فصل ما يجب من الإحسان إليهما بقوله:
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) أي إذا وصل الوالدان عندك أو أحدهما إلى حال الضعف والعجز وصارا عندك فى آخر العمر كما كنت عندهما فى أوله- وجب عليك أن تشفق عليهما، وتحنو لهما.
تعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، ويتجلى ذلك بأن تتبع معهما الأمور الخمسة الآتية:
جاء فى الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فاطمة بضعة منى».
(ج) إنهما أنعما عليه، وهو فى غاية الضعف، ونهاية العجز، فوجب أن يقابل ذلك بالشكر حين كبرهما، كما قال الشاعر العربي يعدّد نعمه على ولده وقد عقّه فى كبره:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا | تعلّ بما أجنى عليك وتنهل |
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت | لسقمك إلا ساهرا أتململ |
كأنى أنا المطروق دونك بالذي | طرقت به دونى فعينىّ تهمل |
تخاف الردى نفسى عليك وإنها | لتعلم أن الموت وقت مؤجل |
فلما بلغت السن والغاية التي | إليها مدى ما كنت فيك أؤمل |
جعلت جزائى غلظة وفظاظة | كأنك أنت المنعم المتفضّل |
فليتك إذ لم ترع حق أبوّتى | فعلت كما الجار المجاور يفعل |
ثم فصل ما يجب من الإحسان إليهما بقوله:
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) أي إذا وصل الوالدان عندك أو أحدهما إلى حال الضعف والعجز وصارا عندك فى آخر العمر كما كنت عندهما فى أوله- وجب عليك أن تشفق عليهما، وتحنو لهما.
تعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، ويتجلى ذلك بأن تتبع معهما الأمور الخمسة الآتية:
34
(ا) ألا تتأفف من شىء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب الأجر عليه، كما صبرا عليك فى صغرك.
(ب) ألا تنغّص عليهما بكلام تزجرهما به، وفى هذا منع من إظهار المخالفة لهما بالقول على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما، وفيما قبله منع من إظهار الضجر القليل أو الكثير.
(ج) أن تقول لهما قولا حسنا، وكلاما طيبا مقرونا بالاحترام والتعظيم، مما يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة، كأن تقول يا أبتاه ويا أماه، ولا تدعوهما بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدّق فيهما بنظرك.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبى الهدّاج قال: قلت لسعيد بن المسيّب:
كل ما ذكر الله تعالى فى القرآن من بر الوالدين فقد عرفته إلا قوله «وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً» ما هذا القول الكريم، فقال ابن المسيّب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ (د) أن تتواضع لهما وتتذلل، وتطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن معصية لله، رحمة منك بهما وشفقة عليهما، إذ هما قد احتاجا إلى من كان أفقر الخلق إليهما، وذلك منتهى ما يكون من الضراعة والمسكنة، ولله در الخفاجي إذ يقول:
وقوله: من الرحمة، أي أن يكون ذلك التذلل رحمة بهما، لا من أجل امتثال الأمر وخوف العار فقط، فتذكّر نفسك بما تقدّم لهما من الإحسان إليك، وبما أمرت به من الشفقة والحدب عليهما.
وقد مثل حاله معهما بحال الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه لتربيته، فإنه يخفض له جناحه، فكأنه قال للولد: اكفل والديك، بأن تضمهما إلى نفسك، كما فعلا ذلك حال صغرك.
(ب) ألا تنغّص عليهما بكلام تزجرهما به، وفى هذا منع من إظهار المخالفة لهما بالقول على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما، وفيما قبله منع من إظهار الضجر القليل أو الكثير.
(ج) أن تقول لهما قولا حسنا، وكلاما طيبا مقرونا بالاحترام والتعظيم، مما يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة، كأن تقول يا أبتاه ويا أماه، ولا تدعوهما بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدّق فيهما بنظرك.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبى الهدّاج قال: قلت لسعيد بن المسيّب:
كل ما ذكر الله تعالى فى القرآن من بر الوالدين فقد عرفته إلا قوله «وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً» ما هذا القول الكريم، فقال ابن المسيّب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ (د) أن تتواضع لهما وتتذلل، وتطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن معصية لله، رحمة منك بهما وشفقة عليهما، إذ هما قد احتاجا إلى من كان أفقر الخلق إليهما، وذلك منتهى ما يكون من الضراعة والمسكنة، ولله در الخفاجي إذ يقول:
يا من أتى يسأل عن فاقتى | ما حال من يسأل من سائله |
ماذلة السلطان إلا إذا | أصبح محتاجا إلى عامله |
وقد مثل حاله معهما بحال الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه لتربيته، فإنه يخفض له جناحه، فكأنه قال للولد: اكفل والديك، بأن تضمهما إلى نفسك، كما فعلا ذلك حال صغرك.
35
(هـ) أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الباقية، كفاء رحمتهما لك فى صغرك وجميل شفقتهما عليك.
وعلى الجملة فقد بالغ سبحانه فى التوصية بهما من وجوه كثيرة، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما فى سلك القضاء بهما معا.
وقد ورد فى بر الوالدين أحاديث كثيرة منها:
(١)
إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يستأذنه فى الجهاد معه فقال أحيّ والدك؟ قال نعم، قال ففيهما فجاهد».
(٢) مارواه مسلم وغيره: «لا يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه» (٣) ما
روى عن ابن مسعود قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أىّ العمل أحب إلى الله ورسوله؟ قال الصلاة على وقتها، قلت ثم أىّ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أىّ؟ قال الجهاد فى سبيل الله».
وبر الأم مقدم على بر الأب، لما
روى الشيخان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟
قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة، بل يكون بعد الموت أيضا،
فقد روى ابن ماجه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل: هل بقي من بر أبويّ شىء أبرّهما به بعد موتهما؟
قال نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما».
والخلاصة- إنه سبحانه بالغ فى التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق، وتقف عندها شعورهم، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثم شفعهما بالإحسان إليهما ثم ضيّق الأمر فى مراعاتهما حتى لم يرخّص فى أدنى كلمة تنفلت من المتضجر، مع موجبات الضجر، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها، وأن
وعلى الجملة فقد بالغ سبحانه فى التوصية بهما من وجوه كثيرة، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما فى سلك القضاء بهما معا.
وقد ورد فى بر الوالدين أحاديث كثيرة منها:
(١)
إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يستأذنه فى الجهاد معه فقال أحيّ والدك؟ قال نعم، قال ففيهما فجاهد».
(٢) مارواه مسلم وغيره: «لا يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه» (٣) ما
روى عن ابن مسعود قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أىّ العمل أحب إلى الله ورسوله؟ قال الصلاة على وقتها، قلت ثم أىّ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أىّ؟ قال الجهاد فى سبيل الله».
وبر الأم مقدم على بر الأب، لما
روى الشيخان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟
قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة، بل يكون بعد الموت أيضا،
فقد روى ابن ماجه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل: هل بقي من بر أبويّ شىء أبرّهما به بعد موتهما؟
قال نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما».
والخلاصة- إنه سبحانه بالغ فى التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق، وتقف عندها شعورهم، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثم شفعهما بالإحسان إليهما ثم ضيّق الأمر فى مراعاتهما حتى لم يرخّص فى أدنى كلمة تنفلت من المتضجر، مع موجبات الضجر، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها، وأن
36
يذلّ ويخضع لهما، ثم ختمها بالدعاء لهما والترحم عليهما، وهذه الخمسة الأشياء جعلها سبحانه من رحمته بهما، مقرونة بوحدانيته، وعدم الشرك به.
ولما كان بر الوالدين عسيرا حذّر من التهاون فيه فقال:
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) أي ربكم أيها الناس أعلم منكم بما فى نفوسكم، من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم والبر بهم، ومن الاستخفاف بحقوقهم والعقوق بهم، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا، وتعقدوا لهم فى نفوسكم عقوقا، فإن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم ربكم فيما أمركم من البر بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم أو زلة فى واجب لهم عليكم، فإنه تعالى يغفر لكم ما فرط منكم، فهو غفار لمن يتوب من ذنبه، ويرجع من معصيته إلى طاعته، ويعمل بما يحبه ويرضاه.
وفى هذا وعد لمن أضمر البر بهم، ووعيد لمن تهاون بحقوقهم، وعمل على عقوقهم.
وبعد أن أمر بالبر بالوالدين أمر بالبر بأصناف ثلاثة أخرى فقال:
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) أي وأعط أيها المكلّف القريب منك حقه، من صلة الرحم والمودة، والزيارة وحسن العشرة، وإن كان محتاجا إلى النفقة فأنفق عليه ما يسد حاجته. والمسكين ذا الحاجة. وابن السبيل وهو المسافر لغرض دينى، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده.
ولما رغب سبحانه فى البذل بيّن الطريق التي تتبع فى ذلك فقال:
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) أي ولا تفرّق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال فى معصيته تفريقا، بإعطائه من لا يستحقه.
ونحو الآية قوله «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً».
قال عثمان بن الأسود: كنت أطوف المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه
ولما كان بر الوالدين عسيرا حذّر من التهاون فيه فقال:
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) أي ربكم أيها الناس أعلم منكم بما فى نفوسكم، من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم والبر بهم، ومن الاستخفاف بحقوقهم والعقوق بهم، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا، وتعقدوا لهم فى نفوسكم عقوقا، فإن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم ربكم فيما أمركم من البر بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم أو زلة فى واجب لهم عليكم، فإنه تعالى يغفر لكم ما فرط منكم، فهو غفار لمن يتوب من ذنبه، ويرجع من معصيته إلى طاعته، ويعمل بما يحبه ويرضاه.
وفى هذا وعد لمن أضمر البر بهم، ووعيد لمن تهاون بحقوقهم، وعمل على عقوقهم.
وبعد أن أمر بالبر بالوالدين أمر بالبر بأصناف ثلاثة أخرى فقال:
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) أي وأعط أيها المكلّف القريب منك حقه، من صلة الرحم والمودة، والزيارة وحسن العشرة، وإن كان محتاجا إلى النفقة فأنفق عليه ما يسد حاجته. والمسكين ذا الحاجة. وابن السبيل وهو المسافر لغرض دينى، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده.
ولما رغب سبحانه فى البذل بيّن الطريق التي تتبع فى ذلك فقال:
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) أي ولا تفرّق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال فى معصيته تفريقا، بإعطائه من لا يستحقه.
ونحو الآية قوله «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً».
قال عثمان بن الأسود: كنت أطوف المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه
37
إلى أبى قبيس (جبل بمكة) وقال لو أن رجلا أنفق مثل هذا فى طاعة الله لم يكن من المسرفين، ولو أنفق درهما واحدا فى معصية الله كان من المسرفين.
وأنفق بعضهم نفقة فى خير وأكثر فقيل له: لا خير فى السرف، فقال: لا سرف فى الخير.
وعن عبد الله بن عمر قال: «مر رسول الله بسعد وهو يتوضأ، فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أو فى الوضوء سرف؟ قال نعم وإن كنت على نهر جار».
وروى أحمد عن أنس بن مالك أنه قال: أتى رجل من تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إنى ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرنى كيف أنفق، وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «تخرج الزكاة من مالك إن كان، فإنها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين» فقال: يا رسول الله أقلل لى، قال «فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا» فقال حسبى يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: نعم إذا أديتها إلى رسولى فقد برئت منها ولك أجرها، وإثمها على من بدّ لها».
وعن على كرم الله وجهه قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك فى غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان.
ثم نبه سبحانه إلى قبح التبذير بإضافته إلى الشياطين فقال:
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) تقول العرب لكل من لازم سنة قوم واتبع أثرهم هو أخوهم، أي إن المفرّقين أموالهم فى معاصى الله المنفقيها فى غير طاعته قرناء الشياطين فى الدنيا والآخرة كما قال «ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين» وقال: «احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم» أي قرناءهم من الشياطين.
(وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعم بها عليه
وأنفق بعضهم نفقة فى خير وأكثر فقيل له: لا خير فى السرف، فقال: لا سرف فى الخير.
وعن عبد الله بن عمر قال: «مر رسول الله بسعد وهو يتوضأ، فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أو فى الوضوء سرف؟ قال نعم وإن كنت على نهر جار».
وروى أحمد عن أنس بن مالك أنه قال: أتى رجل من تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إنى ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرنى كيف أنفق، وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «تخرج الزكاة من مالك إن كان، فإنها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين» فقال: يا رسول الله أقلل لى، قال «فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا» فقال حسبى يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: نعم إذا أديتها إلى رسولى فقد برئت منها ولك أجرها، وإثمها على من بدّ لها».
وعن على كرم الله وجهه قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك فى غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان.
ثم نبه سبحانه إلى قبح التبذير بإضافته إلى الشياطين فقال:
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) تقول العرب لكل من لازم سنة قوم واتبع أثرهم هو أخوهم، أي إن المفرّقين أموالهم فى معاصى الله المنفقيها فى غير طاعته قرناء الشياطين فى الدنيا والآخرة كما قال «ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين» وقال: «احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم» أي قرناءهم من الشياطين.
(وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعم بها عليه
38
جحودا لا يشكره عليها، بل يكفرها بترك طاعته، ور كوبه معصيته، وهكذا إخوانه المبذرون أموالهم فى معاصى الله، لا يشكرون الله على نعمه عليهم، بل يخالفون أمره، ولا يستنون سنته، ويتركون الشكران عليها ويتلقونها بالكفران.
قال الكرخي: وكذلك من رزقه الله جاها أو مالا، فصرفه إلى غير مرضاة الله كان كفورا لنعمة الله، لأنه موافق للشيطان فى الصفة والفعل اه.
وفى ذكر وصف الشيطان بالكفران دون ذكر سائر أوصافه، بيان لأن المبذر لما صرف نعم الله عليه فى غير موضعها فقد كفر بها ولم يشكرها، كما أن الشيطان كفر بهذه النعم.
وقد كان من عادة العرب أن يجمعوا أموالهم من السلب والنهب والغارة ثم ينفقونها فى التفاخر وحب الشهرة. وكان المشركون من قريش ينفقون أموالهم ليصدّوا الناس عن الإسلام وتوهين أهله وإعانة أعدائه، فجاءت الآية تبين قبح أعمالهم.
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) أي وإن أعرضت عن ذوى القربى والمسكين وابن السبيل وأنت تستحى أن تردّ عليهم، انتظار فرج من الله ترجو أن يأتيك، ورزق يفيض عليك، فقل لهم قولا لينا جميلا، وعدهم وعدا تطيب به قلوبهم، قال الحسن: أمر أن يقول لهم: نعم وكرامة، وليس عندنا اليوم شىء، فإن يأتنا نعرف حقكم.
وفى هذا تأديب من الله لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبم يردّون؟. ولقد أحسن من قال:
ثم بين سبحانه الطريق المثلى فى إنفاق المال فقال:
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)
قال الكرخي: وكذلك من رزقه الله جاها أو مالا، فصرفه إلى غير مرضاة الله كان كفورا لنعمة الله، لأنه موافق للشيطان فى الصفة والفعل اه.
وفى ذكر وصف الشيطان بالكفران دون ذكر سائر أوصافه، بيان لأن المبذر لما صرف نعم الله عليه فى غير موضعها فقد كفر بها ولم يشكرها، كما أن الشيطان كفر بهذه النعم.
وقد كان من عادة العرب أن يجمعوا أموالهم من السلب والنهب والغارة ثم ينفقونها فى التفاخر وحب الشهرة. وكان المشركون من قريش ينفقون أموالهم ليصدّوا الناس عن الإسلام وتوهين أهله وإعانة أعدائه، فجاءت الآية تبين قبح أعمالهم.
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) أي وإن أعرضت عن ذوى القربى والمسكين وابن السبيل وأنت تستحى أن تردّ عليهم، انتظار فرج من الله ترجو أن يأتيك، ورزق يفيض عليك، فقل لهم قولا لينا جميلا، وعدهم وعدا تطيب به قلوبهم، قال الحسن: أمر أن يقول لهم: نعم وكرامة، وليس عندنا اليوم شىء، فإن يأتنا نعرف حقكم.
وفى هذا تأديب من الله لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبم يردّون؟. ولقد أحسن من قال:
إلا يكن ورق يوما أجود به | للسائلين فإنى ليّن العود |
لا يعدم السائلون الخير من خلقى | إما نوال وإما حسن مردود |
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)
39
أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطى أحدا شيئا، ولا تسرف فى الإنفاق فتعطى فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فإنك إن بخلت كنت ملوما مذموما عند الناس كما قال زهير:
ومذموما عند الله لحرمان الفقير والمسكين من فضل مالك، وقد أوجب الله عليك سد حاجتهما، بإعطاء زكاة أموالك.
وإن أسرفت فى أموالك فسرعان ما تفقدها، فتصبح معسرا بعد الغنى، ذليلا بعد العزة، محتاجا إلى معونة غيرك بعد أن كنت معينا له، وحينئذ تقع فى الحسرة التي تقطع نياط قلبك، ويبلغ منك الأسى كل مبلغ، ولكن أنّى يفيد ذلك؟ وقد فات ما فات، فلا ينفع الندم، ولا تجدى العظة والنصيحة.
وخلاصة ذلك- اقتصد فى عيشك، وتوسط فى الإنفاق، ولا تكن بخيلا ولا مسرفا.
روى أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما عال من اقتصد»
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة»
وروى عن أنس مرفوعا: «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهمّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين».
وقيل: حسن التدبير مع العفاف، خير من الغنى مع الإسراف.
وإجمال المعنى- لا تجعل يدك فى انقباضها كالمغلولة الممنوعة عن الانبساط، ولا تتوسّع فى الإنفاق فتصير نادما مغموما وعاجزا عن الإنفاق لا شىء عندك، فتكون كالدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفا وعجزا وإعياء.
ثم سلّى رسوله والمؤمنين بأن الذي يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله ولكن لمشيئة الخالق الرازق فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي إن ربك أيها الرسول يبسط الرزق لمن يشاء ويوسع عليه، ويقتر على من يشاء ويضيق عليه، بحسب السنن
ومن يك ذا مال فيبخل بماله | على قومه يستغن عنه ويذمم |
وإن أسرفت فى أموالك فسرعان ما تفقدها، فتصبح معسرا بعد الغنى، ذليلا بعد العزة، محتاجا إلى معونة غيرك بعد أن كنت معينا له، وحينئذ تقع فى الحسرة التي تقطع نياط قلبك، ويبلغ منك الأسى كل مبلغ، ولكن أنّى يفيد ذلك؟ وقد فات ما فات، فلا ينفع الندم، ولا تجدى العظة والنصيحة.
وخلاصة ذلك- اقتصد فى عيشك، وتوسط فى الإنفاق، ولا تكن بخيلا ولا مسرفا.
روى أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما عال من اقتصد»
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة»
وروى عن أنس مرفوعا: «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهمّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين».
وقيل: حسن التدبير مع العفاف، خير من الغنى مع الإسراف.
وإجمال المعنى- لا تجعل يدك فى انقباضها كالمغلولة الممنوعة عن الانبساط، ولا تتوسّع فى الإنفاق فتصير نادما مغموما وعاجزا عن الإنفاق لا شىء عندك، فتكون كالدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفا وعجزا وإعياء.
ثم سلّى رسوله والمؤمنين بأن الذي يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله ولكن لمشيئة الخالق الرازق فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي إن ربك أيها الرسول يبسط الرزق لمن يشاء ويوسع عليه، ويقتر على من يشاء ويضيق عليه، بحسب السنن
40
التي وضعها لعباده فى كسب المال، وحسن تصرفهم فى جمعه، بالوسائل والنظم التي وضعها فى الكون.
(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إن ربك ذو خبرة بعباده، فيعلم من الذي تصلحه السعة فى الرزق، ومن الذي تفسده؟ ومن الذي بصلحه الإقتار والضيق؟
ومن الذي يفسده؟ وهو البصير بتدبيرهم وسياستهم، فعليك أن تعمل بما أمرك به أو نهاك عنه، من بسط يدك فيما تبسط فيه وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه، فهو أعلم بمصالح العباد منك ومن جميع الخلق، وأبصرهم بتدبير شؤونهم.
وقصارى ذلك- إنكم إذا علمتم أن شأنه تعالى البسط والقبض، وأنعمتم فى النظر فى ذلك، وجدتم أن من سننه تعالى الاقتصاد، فاقتصدوا واستنّوا بسنته.
وبعد أن بين أنه تعالى الكفيل بالأرزاق وهو الذي يبسط ويقدر، نهاهم عن قتل الأولاد خشية الفقر فقال:
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) أي ولا تئدوا بناتكم خوف الفقر، فنحن نرزقهم لا أنتم، فلا تخافوا الفقر لعلكم بعجزهم عن تحصيل رزقهم.
وقد كان العرب فى جاهليتهم يقتلون البنات، لعجزهن عن الكسب، وقدرة البنين عليه، بالغارات والسلب والنهب، ولأن فقرهن ينفّر الأكفاء عن الرغبة فيهن، فيحتاجون إلى تزويجهنّ لغير الأكفاء، وفى ذلك عار أيّما عار عليهم.
والخلاصة- إن الأرزاق بيد الله، فكما يفتح خزائنه للبنين يفتحها للبنات، فليس لكم سبب يدعو إلى قتلهن، ومن ثم قال:
(إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) أي إن قتلهم كان إثما فظيعا لما فيه من انقطاع النسل وزوال هذا النوع من الوجود. وفى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: «قلت يا رسول الله أىّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّا وهو الذي خلقك، قلت ثم أىّ؟
قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال: أن تزانى بحليلة جارك» -
(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إن ربك ذو خبرة بعباده، فيعلم من الذي تصلحه السعة فى الرزق، ومن الذي تفسده؟ ومن الذي بصلحه الإقتار والضيق؟
ومن الذي يفسده؟ وهو البصير بتدبيرهم وسياستهم، فعليك أن تعمل بما أمرك به أو نهاك عنه، من بسط يدك فيما تبسط فيه وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه، فهو أعلم بمصالح العباد منك ومن جميع الخلق، وأبصرهم بتدبير شؤونهم.
وقصارى ذلك- إنكم إذا علمتم أن شأنه تعالى البسط والقبض، وأنعمتم فى النظر فى ذلك، وجدتم أن من سننه تعالى الاقتصاد، فاقتصدوا واستنّوا بسنته.
وبعد أن بين أنه تعالى الكفيل بالأرزاق وهو الذي يبسط ويقدر، نهاهم عن قتل الأولاد خشية الفقر فقال:
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) أي ولا تئدوا بناتكم خوف الفقر، فنحن نرزقهم لا أنتم، فلا تخافوا الفقر لعلكم بعجزهم عن تحصيل رزقهم.
وقد كان العرب فى جاهليتهم يقتلون البنات، لعجزهن عن الكسب، وقدرة البنين عليه، بالغارات والسلب والنهب، ولأن فقرهن ينفّر الأكفاء عن الرغبة فيهن، فيحتاجون إلى تزويجهنّ لغير الأكفاء، وفى ذلك عار أيّما عار عليهم.
والخلاصة- إن الأرزاق بيد الله، فكما يفتح خزائنه للبنين يفتحها للبنات، فليس لكم سبب يدعو إلى قتلهن، ومن ثم قال:
(إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) أي إن قتلهم كان إثما فظيعا لما فيه من انقطاع النسل وزوال هذا النوع من الوجود. وفى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: «قلت يا رسول الله أىّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّا وهو الذي خلقك، قلت ثم أىّ؟
قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال: أن تزانى بحليلة جارك» -
41
والخلاصة- إن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو من سوء الظن بالله، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعى فى تخريب العالم، والأول انتهاك لحرمة أوامر الله، والثاني ضد الشفقة على خلق الله، وكلاهما مذموم غاية الذم.
ولما كان فى قتل الأولاد حظ من البخل، وفى الزنا داع من دواعى الإسراف أتبعه به فقال:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) نهى الله عباده عن القرب من الزنا بمباشرة أسبابه ودواعيه، فضلا عن مباشرته هو، للمبالغة فى النهى عنه وبيان شدة قبحه، ثم علل ذلك بقوله:
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) أي إنه كان فعلة ظاهرة القبح مشتملة على مفاسد كثيرة أهمها:
(١) اختلاط الأنساب واشتباهها، وإذا اشتبه المرء فى الولد الذي أتت به الزانية، أمنه هو أم من غيره، لا يقوم بتربيته، ولا يستمر فى تعهده، وذلك مما يوجب إضاعة النسل وخراب العالم.
(٢) فتح باب الهرج والمرج والاضطراب بين الناس دفاعا عن العرض، فكم سمعنا بحوادث قتل كان مبعثها الإقدام على الزنا، حتى إنه ليقال عند السماع بحادث قتل: (فتش عن المرأة).
(٣) إن المرأة إذا عرفت بالزنا وشهرت به استقذرها كل ذى طبع سليم، فلا تحدث ألفة بينها وبين زوجها، ولا يتم السكن والازدواج الذي جعله الله مودة ورحمة بين الناس بقوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً».
(٤) إنه ليس المقصد من المرأة مجرد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكة للرجل فى ترتيب المنزل وإعداد مهامه من مطعوم ومشروب وملبوس، وأن تكون حافظة له، قائمة بشؤون الأولاد والخدم، وهذه المهامّ لا تتم على وجه الكمال إلا إذا كانت مختصة يرجل واحد، منقطعة له دون غيره من الناس.
ولما كان فى قتل الأولاد حظ من البخل، وفى الزنا داع من دواعى الإسراف أتبعه به فقال:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) نهى الله عباده عن القرب من الزنا بمباشرة أسبابه ودواعيه، فضلا عن مباشرته هو، للمبالغة فى النهى عنه وبيان شدة قبحه، ثم علل ذلك بقوله:
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) أي إنه كان فعلة ظاهرة القبح مشتملة على مفاسد كثيرة أهمها:
(١) اختلاط الأنساب واشتباهها، وإذا اشتبه المرء فى الولد الذي أتت به الزانية، أمنه هو أم من غيره، لا يقوم بتربيته، ولا يستمر فى تعهده، وذلك مما يوجب إضاعة النسل وخراب العالم.
(٢) فتح باب الهرج والمرج والاضطراب بين الناس دفاعا عن العرض، فكم سمعنا بحوادث قتل كان مبعثها الإقدام على الزنا، حتى إنه ليقال عند السماع بحادث قتل: (فتش عن المرأة).
(٣) إن المرأة إذا عرفت بالزنا وشهرت به استقذرها كل ذى طبع سليم، فلا تحدث ألفة بينها وبين زوجها، ولا يتم السكن والازدواج الذي جعله الله مودة ورحمة بين الناس بقوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً».
(٤) إنه ليس المقصد من المرأة مجرد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكة للرجل فى ترتيب المنزل وإعداد مهامه من مطعوم ومشروب وملبوس، وأن تكون حافظة له، قائمة بشؤون الأولاد والخدم، وهذه المهامّ لا تتم على وجه الكمال إلا إذا كانت مختصة يرجل واحد، منقطعة له دون غيره من الناس.
42
وإجمال ذلك- إن الزنا فاحشة وأي فاحشة، لما فيه من اختلاط الأنساب والتقاتل والتناحر دفاعا عن العرض، وإنه سبيل سيء من قبل أنه يسوّى بين الإنسان والحيوان، فى عدم اختصاص الذكران بالإناث.
وبعد أن نهى عن قتل الأولاد للسبب المتقدم نهى عن القتل مطلقا فقال:
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي ولا تقتلوا النفس التي حرم الإسلام قتلها إلا قتلا متلبسا بالحق، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدا كما جاء فى الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود:
«لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث:
النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
والسبب فى هذا التحريم وجوه:
(١) إنه إفساد فوجب حرمته لقوله «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ».
(٢) إنه ضرر، والأصل فى المضارّة الحرمة لقوله: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»
وقوله صلى الله عليه وسلّم «لا ضرر ولا ضرار».
(٣) إنه إذا أبيح القتل زال هذا النوع من الوجود ففتك القوى بالضعيف، وحدث الاضطراب فى المجتمع، فلا يستقيم للناس حال ولا ينتظم لهم معاش (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) أي ومن قتل مظلوما بغير حق يوجب قتله فقد جعلنا لمن يلى أمره من وارث أو سلطان عند عدم الوارث تسلطا واستيلاء على القاتل، بمؤاخذته بأحد أمرين: إما القصاص منه، وإما الدية لقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى» الآية
ولقوله عليه الصلاة والسلام يوم الفتح «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين، إن أحبّوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية».
(فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي فلا يتجاوز الحد المشروع فيه بأن يقتل اثنين مثلا بإزاء واحد، كما كانوا يفعلون فى الجاهلية، إذ كانوا يقتلون القاتل ويقتلون معه غيره إذ كان رجلا شريفا، وأحيانا لا يرضون بقتل القاتل بل يقتلون بدله رجلا شريفا
وبعد أن نهى عن قتل الأولاد للسبب المتقدم نهى عن القتل مطلقا فقال:
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي ولا تقتلوا النفس التي حرم الإسلام قتلها إلا قتلا متلبسا بالحق، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدا كما جاء فى الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود:
«لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث:
النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
والسبب فى هذا التحريم وجوه:
(١) إنه إفساد فوجب حرمته لقوله «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ».
(٢) إنه ضرر، والأصل فى المضارّة الحرمة لقوله: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»
وقوله صلى الله عليه وسلّم «لا ضرر ولا ضرار».
(٣) إنه إذا أبيح القتل زال هذا النوع من الوجود ففتك القوى بالضعيف، وحدث الاضطراب فى المجتمع، فلا يستقيم للناس حال ولا ينتظم لهم معاش (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) أي ومن قتل مظلوما بغير حق يوجب قتله فقد جعلنا لمن يلى أمره من وارث أو سلطان عند عدم الوارث تسلطا واستيلاء على القاتل، بمؤاخذته بأحد أمرين: إما القصاص منه، وإما الدية لقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى» الآية
ولقوله عليه الصلاة والسلام يوم الفتح «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين، إن أحبّوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية».
(فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي فلا يتجاوز الحد المشروع فيه بأن يقتل اثنين مثلا بإزاء واحد، كما كانوا يفعلون فى الجاهلية، إذ كانوا يقتلون القاتل ويقتلون معه غيره إذ كان رجلا شريفا، وأحيانا لا يرضون بقتل القاتل بل يقتلون بدله رجلا شريفا
43
وفى الآية إيماء إلى أن الأولى للولى ألا يقدم على استيفاء القتل، وأن يكتفى بالدية أو يعفو.
(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) أي إن الله نصر الولي بأن أوجب له القصاص أو الدية، وأمر الحكام أن يعينوه على استيفاء حقه، فلا يبغى ماوراءه ولا يطمع فى الزيادة على ذلك.
وقد يكون المعنى: إن المقتول ظلما منصور فى الدنيا بإيجاب القود له على قاتله، وفى الآخرة بتكفير خطاياه، وإيجاب النار لقاتله، وهذه الآية أول ما نزل من القرآن فى شأن القتل، لأنها مكية.
وبعد أن نهى عن إتلاف الأنفس نهى عن إتلاف الأموال، لأن المال أخو الروح، وأحق الناس بالنهى عن إتلاف ماله هو اليتيم لضعفه وكمال عجزه ولذلك قال:
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي لا تتصرفوا فى مال اليتيم إلا بالطريق التي هى أحسن الطرق، وهى طريق حفظه وتثميره بما يزيد به، حتى تستحكم قوة عقله وشبابه، وإذ ذاك يمكنه القيام على ماله بما فيه المصلحة.
ولما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكانوا لا يخالطون اليتامى فى طعام ولا غيره، فأنزل الله تعالى: «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» فكانت لهم فيها رخصة.
ونظير الآية قوله تعالى: «وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ».
وبعد أن نهى عن الزنا والقتل وأكل مال اليتيم أتبعها بثلاثة أوامر فقال:
(١) (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) أي وأوفوا بما عاهدتم الله عليه من التزام ما كلفكم به، وما عاهدتم الناس عليه من العقود التي تتعاملون بها فى البيوع والإجارة ونحوها، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، ويدخل فى ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم وبعض.
والوفاء به القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضى.
(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) أي إن الله نصر الولي بأن أوجب له القصاص أو الدية، وأمر الحكام أن يعينوه على استيفاء حقه، فلا يبغى ماوراءه ولا يطمع فى الزيادة على ذلك.
وقد يكون المعنى: إن المقتول ظلما منصور فى الدنيا بإيجاب القود له على قاتله، وفى الآخرة بتكفير خطاياه، وإيجاب النار لقاتله، وهذه الآية أول ما نزل من القرآن فى شأن القتل، لأنها مكية.
وبعد أن نهى عن إتلاف الأنفس نهى عن إتلاف الأموال، لأن المال أخو الروح، وأحق الناس بالنهى عن إتلاف ماله هو اليتيم لضعفه وكمال عجزه ولذلك قال:
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي لا تتصرفوا فى مال اليتيم إلا بالطريق التي هى أحسن الطرق، وهى طريق حفظه وتثميره بما يزيد به، حتى تستحكم قوة عقله وشبابه، وإذ ذاك يمكنه القيام على ماله بما فيه المصلحة.
ولما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكانوا لا يخالطون اليتامى فى طعام ولا غيره، فأنزل الله تعالى: «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» فكانت لهم فيها رخصة.
ونظير الآية قوله تعالى: «وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ».
وبعد أن نهى عن الزنا والقتل وأكل مال اليتيم أتبعها بثلاثة أوامر فقال:
(١) (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) أي وأوفوا بما عاهدتم الله عليه من التزام ما كلفكم به، وما عاهدتم الناس عليه من العقود التي تتعاملون بها فى البيوع والإجارة ونحوها، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، ويدخل فى ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم وبعض.
والوفاء به القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضى.
44
(إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) أي إن الله سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، فيقال للناكث له على سبيل التبكيت والتوبيخ لم نكثت عهدك؟ وهلا وفيت به، كما يقال لوائد الموءودة: بأى ذنب قتلت؟ وقوله تعالى لعيسى عليه السلام: «أأنت قلت للنّاس اتّخذونى وأمّى إلهين؟» والمخاطبة لعيسى والإنكار على غيره.
(٢) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) أي وأتموا الكيل للناس ولا تخسروهم إذا كلتم لهم حقوقهم قبلكم، فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم ولم تفوا بالكيل (٣) (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي وزنوا بالميزان العدل دون شىء من الجور أو الحيف، لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء، ومن ثم بالع.
الشارع فى المنع من التطفيف والنقصان، سعيا فى إبقاء الأموال لأربابها.
ثم بين عاقبة هذه الأوامر وحسن مآلها فقال:
(ذلِكَ خَيْرٌ) أي إيفاؤكم بالعهد، وإيفاؤكم من تكيلون له، ووزنكم بالعدل لمن توفون له، خير لكم فى الدنيا من نكثكم وبخسكم فى الكيل والوزن، لأن ذلك مما يرغّب الناس فى معاملتكم، وحب الثناء عليكم.
(وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي وأجمل عاقبة، لما يترتب على ذلك من الثواب فى الآخرة، والخلاص من العقاب الأليم وكثير من الفقراء الذين اشتهروا بالأمانة والبعد عن الخيانة، أقبلت عليهم الدنيا، وحصل لهم الثروة والغنى، وكان ذلك سبب سعادتهم فيها.
وبعد أن ذكر سبحانه أوامر ثلاثة نهى عن مثلها فقال:
(١) (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي ولا تتّبع أيها المرء ما لا علم لك به من قول أو فعل، وذلك دستور شامل لكثير من شؤون الحياة، ومن ثم قال المفسرون فيه أقوالا كثيرة:
(ا) قال ابن عباس: لا تشهد إلا بما رأت عيناك، وسمعته أذناك، ووعاه قلبك
(٢) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) أي وأتموا الكيل للناس ولا تخسروهم إذا كلتم لهم حقوقهم قبلكم، فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم ولم تفوا بالكيل (٣) (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي وزنوا بالميزان العدل دون شىء من الجور أو الحيف، لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء، ومن ثم بالع.
الشارع فى المنع من التطفيف والنقصان، سعيا فى إبقاء الأموال لأربابها.
ثم بين عاقبة هذه الأوامر وحسن مآلها فقال:
(ذلِكَ خَيْرٌ) أي إيفاؤكم بالعهد، وإيفاؤكم من تكيلون له، ووزنكم بالعدل لمن توفون له، خير لكم فى الدنيا من نكثكم وبخسكم فى الكيل والوزن، لأن ذلك مما يرغّب الناس فى معاملتكم، وحب الثناء عليكم.
(وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي وأجمل عاقبة، لما يترتب على ذلك من الثواب فى الآخرة، والخلاص من العقاب الأليم وكثير من الفقراء الذين اشتهروا بالأمانة والبعد عن الخيانة، أقبلت عليهم الدنيا، وحصل لهم الثروة والغنى، وكان ذلك سبب سعادتهم فيها.
وبعد أن ذكر سبحانه أوامر ثلاثة نهى عن مثلها فقال:
(١) (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي ولا تتّبع أيها المرء ما لا علم لك به من قول أو فعل، وذلك دستور شامل لكثير من شؤون الحياة، ومن ثم قال المفسرون فيه أقوالا كثيرة:
(ا) قال ابن عباس: لا تشهد إلا بما رأت عيناك، وسمعته أذناك، ووعاه قلبك
45
(ب) قال قتادة: لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم.
(ج) وقيل المراد النهى عن القول بلا علم بل بالظن والتوهم كما قال:
«اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»
وفى الحديث «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»
وفى سنن أبى داود «بئس مطية الرجل زعموا»
إلا ما قام الدليل على جواز العمل به إن لم يوجد دليل من كتاب أو سنة كما
رخص النبي صلى الله عليه وسلّم فى ذلك لمعاذ حين بعثه قاضيا فى اليمن إذ قال له «بم تقضى، قال:
بكتاب الله، قال فإن لم تجد قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى».
(د) وقيل المراد نهى المشركين عن اعتقاداتهم تقليدا لأسلافهم واتباعا للهوى كما قال: «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ».
ثم ذكر سبحانه تعليلا لذلك النهى فقال:
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) أي إن الله سائل هذه الأعضاء عما فعل صاحبها كما قال «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»
وفى الخبر عن شكل بن حميد قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت يا نبى الله علّمنى تعويذا أتعوذ به، فأخذ بيدي ثم قال: قل أعوذ بك من شر سمعى، وشر بصري، وشر قلبى، وشر منيىّ» (يريد الزنا).
(٢) (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي ولا تمش متبخترا متمايلا كمشى الجبارين، فتحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها بدوسك وشدة وطئك لها، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محوط بنوعين من الجماد أنت أضعف منهما، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر، ولقد أحسن من قال:
(ج) وقيل المراد النهى عن القول بلا علم بل بالظن والتوهم كما قال:
«اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»
وفى الحديث «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»
وفى سنن أبى داود «بئس مطية الرجل زعموا»
إلا ما قام الدليل على جواز العمل به إن لم يوجد دليل من كتاب أو سنة كما
رخص النبي صلى الله عليه وسلّم فى ذلك لمعاذ حين بعثه قاضيا فى اليمن إذ قال له «بم تقضى، قال:
بكتاب الله، قال فإن لم تجد قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى».
(د) وقيل المراد نهى المشركين عن اعتقاداتهم تقليدا لأسلافهم واتباعا للهوى كما قال: «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ».
ثم ذكر سبحانه تعليلا لذلك النهى فقال:
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) أي إن الله سائل هذه الأعضاء عما فعل صاحبها كما قال «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»
وفى الخبر عن شكل بن حميد قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت يا نبى الله علّمنى تعويذا أتعوذ به، فأخذ بيدي ثم قال: قل أعوذ بك من شر سمعى، وشر بصري، وشر قلبى، وشر منيىّ» (يريد الزنا).
(٢) (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي ولا تمش متبخترا متمايلا كمشى الجبارين، فتحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها بدوسك وشدة وطئك لها، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محوط بنوعين من الجماد أنت أضعف منهما، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر، ولقد أحسن من قال:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا | فكم تحتها قوم هم منك أرفع |
وإن كنت فى عز وحرز ومنعة | فكم مات من قوم هم منك أمنع |
ومن يجعل المعروف من دون عرضه | يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم |
جاء فى قوله صلى الله عليه وسلّم فى بعض غزواته لأصحابه «يا خيل الله اركبي»
والرّجل: واحده راجل كركب وراكب، والغرور: تزيين الباطل بما يظن أنه حق، والوكيل: الحافظ والرقيب
68
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلّم كان فى محنة من قومه إذ كذبوه وتوعدوه حين حدثهم بالإسراء وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه وعاندوه واقترحوا عليه الآيات حسدا على ما آتاه الله من النبوة، وكبرا عن أن ينقادوا إلى الحق- بين أن هذا ليس ببدع من قومك، فقد لاقى كثير من الأنبياء من أهل زمانهم مثل ما لاقيت ألا ترى أن آدم عليه السلام كان فى محنة شديدة من إبليس، وأن الكبر والحسد هما اللذان حملاه على الخروج من الإيمان والدخول فى الكفر والحسد بليّة قديمة، ومحنة عظيمة للخلق
الإيضاح
ذكر سبحانه قصص آدم فى سبع سور: البقرة. الأعراف. الحجر. الإسراء.
الكهف، طه. ص. وقد تقدم الكلام فيها فيما سلف من تلك السور وها نحن أولاء نفسرها فى هذه السورة.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟) أي واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس لآدم وذريته، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له افتخارا عليه واحتقارا له، وقال أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار كما جاء فى الآية الأخرى: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيله أنه أفضل من آدم من قبل أن الفروع ترجع إلى الأصول، وأن النار التي هى أصله أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أن الطين أنفع من النار ولئن سلم غير هذا فالأجسام كلها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضّل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض.
بعد أن ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلّم كان فى محنة من قومه إذ كذبوه وتوعدوه حين حدثهم بالإسراء وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه وعاندوه واقترحوا عليه الآيات حسدا على ما آتاه الله من النبوة، وكبرا عن أن ينقادوا إلى الحق- بين أن هذا ليس ببدع من قومك، فقد لاقى كثير من الأنبياء من أهل زمانهم مثل ما لاقيت ألا ترى أن آدم عليه السلام كان فى محنة شديدة من إبليس، وأن الكبر والحسد هما اللذان حملاه على الخروج من الإيمان والدخول فى الكفر والحسد بليّة قديمة، ومحنة عظيمة للخلق
الإيضاح
ذكر سبحانه قصص آدم فى سبع سور: البقرة. الأعراف. الحجر. الإسراء.
الكهف، طه. ص. وقد تقدم الكلام فيها فيما سلف من تلك السور وها نحن أولاء نفسرها فى هذه السورة.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟) أي واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس لآدم وذريته، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له افتخارا عليه واحتقارا له، وقال أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار كما جاء فى الآية الأخرى: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيله أنه أفضل من آدم من قبل أن الفروع ترجع إلى الأصول، وأن النار التي هى أصله أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أن الطين أنفع من النار ولئن سلم غير هذا فالأجسام كلها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضّل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض.
69
وقال أيضا لربه جرأة وكفرا، والرب يحلم وينظر:
(أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ؟) أي أخبرنى أهذا الذي كرّمته علىّ؟ وهل يوجد ما يدعو إلى تفضيله علىّ، وهذا كلام قاله على وجه التعجب والإنكار.
(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) أي لئن أنظرتنى لأضلنّ ذريته إلا قليلا منهم، وهذا القليل هم الذين عناهم الله بقوله: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ».
ولعل إبليس حكم هذا الحكم على ذرية آدم إما بالسماع من الملائكة حين قالوا «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك» أو بالقياس على ما رأى من آدم حين وسوس إليه، فلم يجد له عزما.
ثم ذكر سبحانه أنه أجابه إلى النّظرة، وأخره إلى يوم الوقت المعلوم.
(قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) أي قال له سبحانه:
امض لشأنك الذي اخترته، ولما سوّلته لك نفسك، وقد أخرتك، وهذا كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد.
فمن أطاعك من ذرية آدم وضلّ عن الحق، فإن جزاءك على دعائك إياهم، وجزاءهم على اتباعهم لك وخلافهم أمرى جزاء موفور، لا ينقص لكم منه شىء، بما تستحقون من سيىء الأعمال، وما دنستم به أنفسكم من قبيح الأفعال.
ونحو الآية قوله: «فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ».
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) أي قال تعالى مهددا له: استخفّ وأزعج بدعائك إلى معصية الله ووسوستك من استطعت من ذرية آدم.
(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أي واجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من تجلب بالدعاء إلى طاعتك والصرف عن طاعتى، ومثل هذا الأسلوب يراد به التشمير فى الأمر والجد فيه، والتسلط على من يغويه، وكأن فارسا مغوارا وقع
(أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ؟) أي أخبرنى أهذا الذي كرّمته علىّ؟ وهل يوجد ما يدعو إلى تفضيله علىّ، وهذا كلام قاله على وجه التعجب والإنكار.
(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) أي لئن أنظرتنى لأضلنّ ذريته إلا قليلا منهم، وهذا القليل هم الذين عناهم الله بقوله: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ».
ولعل إبليس حكم هذا الحكم على ذرية آدم إما بالسماع من الملائكة حين قالوا «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك» أو بالقياس على ما رأى من آدم حين وسوس إليه، فلم يجد له عزما.
ثم ذكر سبحانه أنه أجابه إلى النّظرة، وأخره إلى يوم الوقت المعلوم.
(قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) أي قال له سبحانه:
امض لشأنك الذي اخترته، ولما سوّلته لك نفسك، وقد أخرتك، وهذا كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد.
فمن أطاعك من ذرية آدم وضلّ عن الحق، فإن جزاءك على دعائك إياهم، وجزاءهم على اتباعهم لك وخلافهم أمرى جزاء موفور، لا ينقص لكم منه شىء، بما تستحقون من سيىء الأعمال، وما دنستم به أنفسكم من قبيح الأفعال.
ونحو الآية قوله: «فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ».
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) أي قال تعالى مهددا له: استخفّ وأزعج بدعائك إلى معصية الله ووسوستك من استطعت من ذرية آدم.
(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أي واجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من تجلب بالدعاء إلى طاعتك والصرف عن طاعتى، ومثل هذا الأسلوب يراد به التشمير فى الأمر والجد فيه، والتسلط على من يغويه، وكأن فارسا مغوارا وقع
70
على قوم، فصوت بهم صوتا مزعجا من أماكنهم، وأجلب عليهم بجند من خيالة ورجالة حتى استأصلهم.
قال مجاهد: ما كان من راكب يقاتل فى معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل فى معصية الله فهو من رجّالة إبليس. وقال آخرون: ليس للشيطان خيل ولا رجالة، وإنما يراد بهما الأتباع والأعوان من غير ملاحظة لكون بعضهم ما شيا وبعضهم راكبا.
(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) بحثهم على كسبها من غير السبل المشروعة، وإنفاقها فى غير الطرق التي أباحها الدين، ويشمل ذلك الربا والغصب والسرقة وسائر المعاملات الفاسدة.
وقال الحسن: مرهم أن يكسبوها من خبيث، وينفقوها فى حرام.
(وَالْأَوْلادِ) بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة وارتكاب ما لا يرضى الله.
وإجمال القول فيه- إن كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه، بإدخاله فى غير الدين الذي ارتضاه، أو بالزنا بأمه، أو بوأده، أو بقتله، أو غير ذلك فقد شارك إبليس فيه من ولد له أو منه.
(وَعِدْهُمْ) بما يستخفهم ويغرّهم من المواعيد الباطلة، كوعدهم بأن لا جنة ولا نار، أو بأن الآلهة تشفع لهم، أو بالكرامة على الله بالأنساب الشريفة، مع ما ثبت من
قوله صلى الله عليه وسلّم «يا فاطمة بنت محمد سلينى من مالى ما شئت لا أغنى عنك من الله شيئا»
أو بالتسويف فى التوبة، أو بإيثار العاجل على الآجل أو نحو ذلك.
وخلاصة ذلك- إنه يغويهم بأن لا ضرر من فعل هذه المعاصي، فإنه لا جنة ولا نار، ولا حياة بعد هذه الحياة، وإنها سبيل اللذة والسرور، ولا حياة للإنسان إلا بها فتفويتها غبن وخسران.
قال مجاهد: ما كان من راكب يقاتل فى معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل فى معصية الله فهو من رجّالة إبليس. وقال آخرون: ليس للشيطان خيل ولا رجالة، وإنما يراد بهما الأتباع والأعوان من غير ملاحظة لكون بعضهم ما شيا وبعضهم راكبا.
(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) بحثهم على كسبها من غير السبل المشروعة، وإنفاقها فى غير الطرق التي أباحها الدين، ويشمل ذلك الربا والغصب والسرقة وسائر المعاملات الفاسدة.
وقال الحسن: مرهم أن يكسبوها من خبيث، وينفقوها فى حرام.
(وَالْأَوْلادِ) بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة وارتكاب ما لا يرضى الله.
وإجمال القول فيه- إن كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه، بإدخاله فى غير الدين الذي ارتضاه، أو بالزنا بأمه، أو بوأده، أو بقتله، أو غير ذلك فقد شارك إبليس فيه من ولد له أو منه.
(وَعِدْهُمْ) بما يستخفهم ويغرّهم من المواعيد الباطلة، كوعدهم بأن لا جنة ولا نار، أو بأن الآلهة تشفع لهم، أو بالكرامة على الله بالأنساب الشريفة، مع ما ثبت من
قوله صلى الله عليه وسلّم «يا فاطمة بنت محمد سلينى من مالى ما شئت لا أغنى عنك من الله شيئا»
أو بالتسويف فى التوبة، أو بإيثار العاجل على الآجل أو نحو ذلك.
وخلاصة ذلك- إنه يغويهم بأن لا ضرر من فعل هذه المعاصي، فإنه لا جنة ولا نار، ولا حياة بعد هذه الحياة، وإنها سبيل اللذة والسرور، ولا حياة للإنسان إلا بها فتفويتها غبن وخسران.
خذوا بنصيب من سرور ولذة | فكلّ وإن طال المدى يتصرّم |