ﰡ
قوله :﴿ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ١ ﴾
الحَرَم كلّه مَسْجد، يعنى مَكّة وَحَرمَها. ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾ : بيت المَقْدِس. ﴿ الَّذِي بَارَكْنا حَوْلَهُ ﴾ بالثمار والأنهار.
وقوله :﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنا ﴾ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلَم حين أَسرى به ليُريه تلك الليلة العجائب. وأُرِي الأَنبياء حتّى وصفهم لأهل مكَّة، فقالوا : فإنّ لنا إِبلا في طريق الشأم فأخبِرنا بأمرها. فأخبرهم بآيات وعلامات. فقالوا : متى تقدَمُ ؟ فقال : يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أَورق. فقالوا : هذه علامات نعرف بها صِدقه مِن كذبه. فغدَوا من وراء العَقبة يستقبلونها، فقال قائل : هذه والله الشمسُ قد شَرَقت ولم يأتِ. وقال آخر : هذه والله العِير يقدمها جَمل أورق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا.
يقال : رَبّا، ويقال : كافياً.
منصوبة على النداء ناداهم : يا ذُرّيّة مَنْ حملنا مع نوح، يعنى في أصلاب الرجال وأرحام النساء مَّمن لم يُخْلَق.
أعلمناهم أنهم سيُفسدون مَرَّتَيْن.
وقوله :﴿ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ ﴾ يعنى : قتلوكم بين بيوتكم ( فجاسُوا ) في مَعْنى أخذوا وحاسوا أيضاً بالحاء في ذلك المعنى.
يعنى على بُخْتَنَصَّر جَاء رجل بعثه الله عزّ وجلّ على بُخْتَنَصَّر فقتله وأعاد اللهُ إِليهم مُلكهم وأمْرهم، فعاشوا، ثم أفسدُوا وهو آخِر الفسادَين.
يقول القائل : أين جواب ( إذا ) ؟ ففيه وجهان. يقال : فإذا جاء عد الآخرة بعثناهم ليسُوءَ اللهُ وجوهكم لمن قرأ بالياء. وقد يكون ليسوء العذابُ وجوهكم. وقرأها أبَىّ بن كعب ٩٨ب ( لِنَسُوءنْ وُجُوهَكُمْ ) بالتخفيف يعنى النون. ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جَوَاباً لإذا بلا ضمير فعل. تقول إذا أتيتني لأسُوءَنَّكَ ويكون دخول الواو فيما بعد ﴿ لنسوءن ﴾ بمنزلة قوله ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرض ولِيَكُونَ من ﴾ نُرِيه الملكوت، كذلك الواو في ﴿ وليَدْخُلُوا ﴾ تضمر لها فعلا بعدها، وقد قُرئت ( لِيُسوءُوا وُجُوهَكُم ) الذين يدخلون.
﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أُوقعت البشارة على قوله ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ ويجوز أن يكون المؤمنون بُشروا أيضاً بقوله ﴿ وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيما... ﴾ لأن الكلام يَحتَمل أن تقول : بَشّرت عبد الله بأنه سيُعطَى وأن عدوّه سيُمنَع، ويكون. ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عَذاباً أليما، وإن لم يُوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل ( أنَّ ) فيكون بمنزلة قولك في الكلام بَشّرت أَن الغيث آتٍ فيه معنى بشّرت الناس أَن الغيث آتٍ وإن لم تذكرهم. ولو اسْتأنفت ﴿ وإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ﴾ صلح ذلك ولم أسمع أحداً قرأ به.
حذفت الواو منها في اللفظ ولم تُحذف في المعنى ؛ لأنها في موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السَّاكنة. ومثلها ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ وكذلك ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ المُؤْمِنِينَ ﴾ وقوله ﴿ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ ﴾ وقوله ﴿ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ ولو كُنَّ بالياء والواو كان صَواباً. وهذا من كلام العرب. قال الشاعر :
كفاك كفٌّ ما تُليق درهما | جُوداً وأخرى تُعْطِ بالسيف الدَّما |
ليس تخفي بشَارتي قَدْر يومٍ | ولقد تُخْفِ شِيمتى إعْسَارِى |
حدَّثنا محمد بن الجَهْم قال حدثنا الفراء قال حدثني مِنْدَل بن علي عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الأسود الدِّيلى رفعه إلى علي بن أبى طالب رحمه الله قال : هو اللَّطْخ الذي في القمر.
وهو عمله، إن خيراً فخيراً وإن شرّا فشرّا ( وَنُخْرِجُ لَهُ ) قَرأها يحيى بن وَثّاب بالنون وقَرأها غيره بالياء مفتوحة :( وَيَخْرُجُ لَهُ ) طائره، منهم مجاهد والحَسَن. وقَرأ أبو جعفر المدنيُّ ( ويُخرِج... له كِتاباً ) معناه : ويُخرِج له عمله كتاباً. وكلٌّ حسن.
قوله :﴿ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ١٤ ﴾
وكلّ ما في القرآن منْ قوله ﴿ وكَفى بربّك ﴾ ﴿ وكفي بالله ﴾ و ﴿ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ﴾ فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعاً ؛ كما قال الشاعر :
ويخبرني عن غائب المَرْء هَدْيُه | كفى الهَدْيُ عَما غَيَّب المرءُ مُخبِرا |
قرأ الأعْمَش ٩٩ ا وعاصم ورجال من أهل المدينة ﴿ أَمَرْنا ﴾ خفيفة حدَّثنا محمد قال حدَّثنا الفراء قال حدّثني سفيان بن عُيَينة عن حُمَيد الأعرج عن مجاهد ﴿ أمَرْنا ﴾ خفيفة. وفسّر بعضهم ﴿ أَمَرْنا مُتْرَفِيها ﴾ بالطاعة ﴿ فَفَسَقُوا ﴾ أي إن المترف إذا أُمِر بالطاعة خالف إلى الفسوق. وقى قراءة أُبَىّ بن كعب ( بعثنا فيها أكابر مجرميها ) وقرأ الحسن ﴿ آمَرنا ﴾ وروى عنه ﴿ أَمِرْنا ﴾ ولا ندرى أنها حُفِظت عنه لأنا لا نعرف معناها ها هنا. ومعنى ( آمرنا ) بالمدّ : أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي ( أمَّرنا مُتْرَفيها ) وهو موافق لتفسير ابن عباس، وذلك أنه قال : سلَّطنا رؤساءها فَفَسَقوا فيها.
وقوله ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا ﴾ معناه : وأوصى بالوالدين إحسَانا. والعرب تقول أُوصيك به خيراً، وآمرك به خيراً. وكان معناه : آمرك أن تفعل به ثم تحذف ( أنْ ) فتوصل الخير بالوصيَّة وبالأمر، قال الشاعر :
عجبتُ من دَهْماء إذ تشكُونا *** ومن أبى دَهماء إذ يوصينا
خيراً بها كأننا جافونا ***...
وقوله :﴿ إِما يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ﴾ فإنه ثنّى لأن الوالدين قد ذُكِرا قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال ﴿ أَحَدُهُما أَوْ كِلاَهُما ﴾ على الائتناف كقوله ﴿ ثمَّ عموا وصَمُّوا ﴾ ثم استأنف فقال :﴿ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ وكذلك قوله ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأسَرُّوا النَّجْوى ﴾ ثم استأنف فقال :﴿ الذين ظَلَمُوا ﴾ وقد قرأها ناس كثير ﴿ إِما يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ﴾ جعلت ﴿ يَبْلُغَنّ ﴾ فعلا لأحدهما. فَكرَّرت ب فكرت عليه كلاهما.
وقوله ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُما ٩٩ب أُفٍّ ﴾ قرأها عاصم بن أبى النَّجُود والأعمش ( أُفِّ ) خفضاً بغير نون. وقرأ العوامّ ( أُفٍّ ) فالذين خفضوا ونوَّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يُعرف معناه إلاّ بالنطق به فخفضوه كما تُخفض الأصوات. من ذلك قول العرب : سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون : سَمعت تِغٍ تِغٍ لصوت الضحك. والذين لم ينوّنوا وخفضوا قالوا : أفّ على ثلاثة أحرف، وأكثر الأصْوات إنما يكون على حَرفين مثل صَهْ ومثل يَغْ ومَهْ، فذلك الذي يُخفض ويُنَوَّن فيه لأنه متحرك الأوَّل. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهِها فيُخْفَضَ فخفض بالنون : وشبّهت أفَّ بقولك مُدَّ ورُدَّ إذْ كانت على ثلاثة أحرف. ويدلّ على ذلك أنَّ بعض العرب قد رفعها فيقول أفُّ لك. ومثله قول الراجز :
سألتُها الوصلَ فقالت مِضَّ *** وحَرَّكت لي رأسها بالنَغْض
كقول القائل ( لا ) يقولها بأضراسه، ويقال : ما علّمك أهلُك إلا ( مضِّ ومِضُّ ) وبعضهم : إلاّ مِضّا يوقع عليها الفعل. وقد قال بعض العرب : لا تقولن له أُفّا ولا تُفّا يُجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [ والنصب ] ثبت في ب والنصب بلا نون يجوز كما قالوا رُدَّ. والعرب تقول : جَعَل يتأفّف من ريح وجدها، معناه يقول : أفِّ أفِّ. وقد قال الشاعر فيما نُوّن :
وقفنا فقلنا إِيهِ عن أمّ سالمٍ *** وَما بالُ تكليم الديار البلاقع
فحذف النون لأنها كالأداة، إذا كانت على ثلاثة أحرف، شُبِّهت بقولهم : جَيْرِ لا أفعل ذلك، وقد قال الشاعر :
فقُلْن على الفِردوس أوَّلُ مشرب *** أَجَلْ جَيْرِ إِن كَانت أُبيحت دَعَاثرُهْ
وقوله ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ﴾ يقال : إن وليَّه كان منصوراً. ويقال الهاء للدم. إن دم المقتول كان منصوراً لأنه ظُلِم. وقد تكون الهاء للمقتول نفسِه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجرى مجرى الدم والله أعلم بصواب ذلك.
ولو أني رأيتك من بعيد | لعاقكَ من دعاء النِّيب عَاقى |
حَسِبت بُغَام راحلتي عَناقاً | وما هي وَيْبَ غَيرِكَ بالعَناق |
وإنما حَسُنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلَّ العدد من المؤنّث والمذكر كانت الياء فيه أحْسَن من التاء قال الله عَزّ وَجَلَّ في المؤنّث القليل ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ في المَدِيِنَةِ ﴾، وقال في المذكَّر ﴿ فإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ ﴾ فجاء بالتذكير. وذلك أن أوَّل فعل المؤنث إذا قلَّ يكون باليَاء، فيقال : النسوة يقمن ١٠٠ب. فإذا تقدّم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوّله على الياء، ومن أنّث ذهب إلى أن الجمع يقع عليه ( هذه ) فأنَّث لتأنيث ( هذه ) والمذكر فيه كالمؤنّث ؛ ألا ترى أنك تقول : هذه الرجال، وهذه النساء. حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدثني قيس بن الربيع عن عَمار الدُهْنِيّ عن سعيد بن جُبَير قال : كل تَسْبيح في القرآن فهو صلاة، وكلّ سلطان حُجّة، هذا لقوله ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾.
وقوله :﴿ عِظَاما وَرُفَاتاً ﴾ : الرُّفَات : التراب لا واحد له، بمنزلة الدُقَاق والحُطَام.
وقوله ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ ﴾ يقال أَنغض رأسَه أي حَرّكه إلى فوق وإلى أسْفل. وأرانا ذلك أبو زكريا فقال برأسه، فألصقه بحَلْقه ثم رفعه كأنه ينظر إلى السَّقف. والرأس يَنْغَض ويَنْغِض. والثِنيَّة إذا تحركَت : قيل نَغَضت سِنّه. وإنما يسمى الظليم نَغْضا لأنه إذا عجّل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله :﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ﴾ يعني البعث.
يعنى الجنَّ الذين كانت خُزَاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل ﴿ أولئك ﴾ يعنى الجنَّ الذين ( يَدْعونهم ) يبتغون إلى الله. ف ﴿ يَدْعُونَ ﴾ فعل للذين يعبدونهم. و ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ فعل للجنِّ به ارتفعوا.
وقوله ﴿ الناقَةَ مُبْصِرَةً ﴾ جعل الفعل لها. ومن قرأ ( مَبْصَرة ) أراد : مثل قول عَنْترة.
والكفر مَخْبَثَة لنفس المنعم ***...
فإذا وضَعْت مَفْعلة في معنى فاعل كفَتْ من الجمع والتأنيث، فكانت موحّدة مفتوحة العين، لا يجوز كسرها. العرب تقول : هَذا عُشْب مَلْبَنَة مَسْمنة، والولد مَبْخلة مَجْبنة. فما ورد عليك منه فأخرِجه على هذه الصورة. وإن كان من الياء والواو فأظهرهما. تقول : هذا شراب مَبْوَلة، وهذا كلام مَهْيَبة للرجال، ومَتْيَهة، وأشباه ذلك. ومعنى ( مُبصِرة ) مضيئةِ، كما قال الله عز وجل ﴿ وَالنَّهارَ مُبْصِراً ﴾ مضيئاً.
وقوله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ﴾ كلّ مال خالطه حرام فهو شِرْكُهُ. وقوله ﴿ وَعِدْهُمْ ﴾ أي قل لهم : لا جَنَّة ولا نار. ثم قال الله تبارك وتعالى ﴿ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾.
قراءة العوامّ بالنون. و ( يَدْعُو ) أيضاً لله تبارك وتعالى. حدَّثنا محمد قال حدَّثنا الفراء قال : وسألني هُشَيم فقال : هل يجوز ( يَوْمَ يُدْعَواْ كُلُّ أُناسٍ ) روَوه عن الحسن فأخبرته أنى لا أعرفه، فقال : قد سألت أهل العربيَّة عن ذلك فلم يعرفوه.
يعنى : في نِعم الدنيا التي اقتصَصْناها عليكم ﴿ فَهُوَ فِي الآخِرَةِ ﴾ في نعم الآخرة ﴿ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾.
والعرب إذا قالوا : هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفَعِيل، ومالا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان في فَعْللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يَقولوا : هو أفعل منك ؛ إلا أن يقولوا : هو أشدّ حمرةً منكَ، وأشدّ زخرفة منك. وإنما جاز في العَمَى لأنه لم يُرِد به عَمَى العين، إنما أراد به - والله أعلم - عَمَى القلبِ. فيقال : فلان أعمى من فلان في القلب و ( لا تقل ) : هو أعمى منْه في العين. فذلك أنه لَما جاء على مذهب أحمر وحمراء تُرك فيه أفعل منك كما تُرك في كثيره. وقد تَلْقَى بعض النحويين يَقول : أُجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نَقول : عمِي وزرِق وعرِج وعَشِي ولا نَقول : صَفِر ولا حمِر ولا بَيِض. وليس ذلك بشيء، إنما يُنظر في هذا إلى ما كان لصَاحبه فيه فِعل يقِلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلاً على قِلَّة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك قد تقول : فلان أقْوَم من فلان وأجمل ؛ لأنّ قيام ذا وجَمالَه قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين : هذا أعمى من هذا، ولا لمّيتين : هذا أمْوت من هذا. فإِن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول : ما أسود شَعره. وسئِل الفراء عن الشيخ فقال : هذا بشّار الناقط. وقال الشاعر :
أما الملوكُ فأنت اليَوْمَ ألأَمُهم | لُؤما وَأبيضُهم سِرْبالَ طبَّاخ |
لما قدِم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة حسدته اليهود وثَقُل عليهم مكانُه، فقالوا : إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست ببلاد الأنبياء، إنما بلادهم الشأم. فإن كنت نبيّا فاخرج إليه، فإِن الله سينصرك. قال : فعسكر النبي صَلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ ليستخفونك وَإِذاً لاَ يَلْبَثُونَ ﴿ مِنَ الأَرْضِ خِلافَكَ إلاَّ قَليلاً ﴾ يقول : إنك لو خرجتَ ولم يؤمنوا لنزل بهم العذابُ.
جاء عن ابن عباس قال : هو زَيغوغتها وزوالها للظهر. قال أبو زكريّا : ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم :
هذا مَقَام قدَمَيْ رَبَاحِ | ذبَّبَ حتى دَلكَتْ بِرَاحِ |
وقوله ﴿ إِلَى غَسَقِ الْلَّيْلِ ﴾ : أَوَّلِ ظلمته للمغرب والعِشَاء.
وقوله ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾ أي وأَقم قرآن الفجر ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ يعنى صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
قال له في المنصَرَف لما رجع من معسكره إلى المدينة حين أَراد الشأم ﴿ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ إلى مَكة.
جواب لقوله ﴿ لئِن ﴾ والعرب إذا أجابت ( لئِن ) ب ( لا ) جعلوا ما بعد لا رفعا ؛ لأن ( لئِن ) كاليمين، وجواب اليمين بِ ( لا ) مرفوعٌ. وربما جَزَم الشاعر، لأن ( لئن ) إن التي يجازى بها زيدت عليها لام، فوجّه الفعل فيها إِلى فَعَل، ولو أُتى بيفعل لجاز جزمه. وقد جَزَم بعض الشعراء بلئِن، وبعضهم بلا التي هي جوابها. قال الأعشى :
لئن منُيتَ بنا عن غِبّ معركَة | لا تُلْفِنا من دماء القوم نَنتفل |
لئن كان ما حُدّثته اليومَ صَادقاً | أصُمْ في نهارِ القيظ للشمس باديَا |
وأَركبْ حماراً بين سرج وفَرْوَة | وأُعْرِ من الخاتام صُغْرى شماليا |
لئِن تَكُ قد ضاقت عليكم بيوتُكم | لَيَعلمُ ربّى أنّ بيتيَ واسع |
الذي يَنْبَعَ، ويقال : يَنْبُعُ لغتان. و ( تَفْجُر ) قرأها يحيى بن وَثّاب وَأصحاب عبد الله بالتخفيف. وكأن الفَجر مرة واحد و ( تُفَجِّر ) فكأن التفجير من أماكن. وهو بمنزلة فَتَحت الأبواب وفتَّحتها.
و( كِسْفاً ) الكِسَف : الجِماع. قال : سَمعت أعرابيَّا يقول لبزّاز ونحن بطريق مكة : أعطنى كِسْفة أي قطعة. والكِسْف مصدر. وقد تكون الكِسْف جمع كِسْفة وكِسْف.
وقوله ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائكَةِ قَبِيلاً ﴾ أي كِفيلا.
﴿ أَوْ يكُوَن لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ﴾ حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني حِبَّان عن الكلبيّ قال : الزخرُف : الذهب.
وقوله :﴿ يا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ١٠٢ ﴾ ممنوعاً من الخير. والعرب تقول : ما ثَبَرك عن ذَا أي ما منعك منه وَصَرَفكَ عنه.
( ما ) قد يكون صلة، كما قال تبارك وتعالى ﴿ عَما قَلِيلٍ ليُصْبِحُنَّ نادِمِين ﴾ وتكون في معنى أي معادة لمّا اختلف لفظهما :
وقوله :﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً ﴾ أي قَصْدا.