تفسير سورة الإسراء

آراء ابن حزم الظاهري في التفسير
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب آراء ابن حزم الظاهري في التفسير .
لمؤلفه ابن حزم . المتوفي سنة 456 هـ

قوله تعالى :﴿ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾.
المسألة الثامنة والخمسون : في من لم تبلغه دعوة الإسلام.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فإنه لا عذاب عليه ؛ لن الله سبحانه لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة.
قال ابن حزم : قال الله عز وجل :﴿ لأنذركم به ومن بلغ ﴾١ وقال تعالى :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾٢
فنص تعالى على أن النذارة لا تلزم إلا من بلغته، لا من لم تبلغه، وأنه تعالى لا يعذب أحدا حتى يأتيه رسول من عند الله عز وجل.
فصح بذلك أنه من لم يبلغه الإسلام أصلا فإنه لا عذاب عليه.
وهكذا جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه يؤتى يوم القيامة بالشيخ الخرف، والأصلح الأصم، ومن كان في الفترة، والمجنون، فيقول المجنون : يا رب أتاني الإسلام وأنا لا أعقل، ويقول الخرف والأصم والذي في الفترة، والمجنون، فيقول المجنون : يا رب أتاني الإسلام وأنا لا أعقل، ويقول الخرف والأصم والذي في الفترة أشياء ذكرها، فيوقد لهم نار، ويقال لهم ادخلوها، فمن دخلها وجدها بردا وسلاما " ٣ ٤ اه
١ الأنعام (١٩)..
٢ الإسراء (١٥)..
٣ أخرجه أحمد ٢٦/٢٢٨ (١٦٣٠١) (١٦٣٠٢)، وقال الهيثمي في المجمع ٧/٢١٦ (رجاله رجال الصحيح)، ورواه البيهقي في الاعتقاد ص (٢٠٢ -٢٠٣)، وصحح إسناده، وابن حبان في صحيحه ٩/٢٢٥ – ٢٢٦ (٧٣١٣).
٤ الفصل ٤/١٠٥..
قوله تعالى :﴿ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ﴾.
فيه مسألتان :
المسألة التاسعة والخمسون : في المراد بالتبذير في الآية، وهو هو بمعنى الإسراف، وبسط اليد كل البسط ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن التبذير والإسراف وبسط اليد كل البسط كلها بمعنى، وتعني : كل نفقة نهى الله تعالى عنها قلت أم كثرت.
قال ابن حزم : نفسر بعون الله تعالى التبذير والإسراف وبسط اليد كل البسط التي حرم الله تعالى وزجر عنها.
كل نفقة نهى الله تعالى عنها – قلت أم كثرت – فهي الإسراف، والتبذير وبسط اليد كل البسط ؛ لأنه لا شك في أن الذي نهى الله تعالى عنه مفسرا هو الذي نهى عنه مجملا وبهذا جاءت الآثار :
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق، نا محمد بن كثير، أنا سليمان بن كثير، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال في المبذر :( هو الذي ينفق في غير حق )١
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن أبي العبيدين ( معاوية بن سبرة السوائي ) عن ابن مسعود في قول الله تعالى :﴿ ولا تبذر تبذيرا ﴾٢ قال :( الإنفاق في غير حقه )٣
ومن طريق ابن وهب، أخبرني خالد بن حميد، عن عقيل بن خالد، عن الزهري أنه كان يقول في قول الله تعالى :﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ﴾٤ قال :( لا تمنعه من حق، ولا تنفقه في باطل )٥ اه
المسألة الستون : في حكم قيام أغنياء البلد بفقرائهم.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أنه يجب ويتعين على أغنياء أهل كل بلد أن يقوموا بمساعدة فقراء بلدهم بما يسد حاجاتهم الضرورية، من مطعم أو كسوة أو مسكن ونحوها، إذا لم تكفهم الزكاة، ولم يجدوا من يقوم لهم بذلك دون أغنيائهم.
قال ابن حزم : وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف، والشمس، وعيون المارة.
برهان ذلك : قول الله تعالى : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل }٦ وقال تعالى :﴿ وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ﴾٧
فأوجب تعالى حق المساكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين، مع حق ذي القربى، وافترض الإحسان إلى الأبوين وذي القربى، والمساكين، والجار، وما ملكت اليمين، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك.
وقال تعالى :﴿ ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ﴾٨
فقرن الله تعالى إطعام المساكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال : " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " ٩ وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، ثنا إبراهيم بن أحمد، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا موسى بن إسماعيل – هو التبوذكي – ثنا المعتمر – هو ابن سليمان – عن أبيه، ثنا أبو عثمان النهدي، أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه ( ( أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس " أو كما قال. فهذا هو نفس قولنا. ١٠ اه
١ رجال الإسناد :
إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن محدث البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم، البصري المالكي، الإمام العلامة، الحافظ، شيخ الإسلام أبو إسحاق، قاضي بغداد، وصاحب التصانيف، توفي سنة (٢٨٢ هـ) انظر: تاريخ بغداد ٦/٢٨٤، والتقييد، لابن نقطة ١/٢٤٠، وسير أعلام النبلاء ١٣/٣٣٩.
محمد بن كثير العبدي، البصري، ثقة، لم يصب من ضعفه، من كبار العاشرة، مات سنة (٢٢٣ هـ/ع) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٦٢٩٢).
سليمان بن كثير العبدي، البصري، أبو داود وأبو محمد، لا بأس به في غير الزهري، من السابعة مات سنة (١٣٣ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٢٦١٧).
حصين بن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي، ثقة تغير حفظه في الآخر، من الخامسة، مات سنة (١٣٦ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (١٣٧٨).
عكرمة، أبو عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة (١٠٤ هـ وقيل: بعد ذلك / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٤٧٠٧).
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن، فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه، وهو أحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة، من فقهاء الصحابة، مات سنة (٦٨ هـ/ع) انظر: الاستيعاب ٣/٩٣٣، والإصابة ٢/٣٣٠، وتقريب التهذيب، ترجمة (٣٤٣١).
إسناد ابن حزم ضعيف؛ لأنه معلق.
تخريج الأثر:
أخرجه البخاي في الأدب المفرد ص (١٥٣) من طريق حصين به، قال عنه الألباني: (حسن الإسناد)، وأخرجه الطبري في تفسيره ٨/٦٨ (٢٢٢٥٢) – (٢٢٢٥٤)..

٢ الإسراء (٢٦)..
٣ رجال الإسناد:
يحيى بن سعيد بن فروخ، بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة، التميمي، أبو سعيد القطان، البصري، ثقة متقن، حافظ إمام قدوة، من كبار التاسعة، مات سنة (١٩٨ هـ/ع) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٧٦٠٧).
سفيان الثوري سبقت ترجمته.
معاوية بن سبرة، بفتح المهملة، وسكون الموحدة، السوائي، بضم المهملة والمد، أبو العبيدين، بتصغير وتثنية، ثقة، من الثانية، مات سنة (٩٨ هـ/بخ) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٦٨٠٤)
عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل سبقت ترجمته.
إسناد ابن حزم ضعيف؛ لأنه معلق.
تخريج الأثر:
أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص (١٥٣)، من طريق البطين به، قال عنه الألباني: (صحيح الإسناد)، وأخرجه الطبري في تفسيره ٨/٦٨ من طرق عن أبي العبيدين به (٢٢٢٤٤) إلى (٢٢٢٥٠)..

٤ الإسراء (٢٩)..
٥ رجال الإسناد:
عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (١٩٧ هـ/ع) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٣٧١٨).
خالد بن حميد المهروي، بفتح الميم وسكون الهاء، أبو حميد الإسكندراني، لا بأس به، من السابعة، مات سنة (١٦٩ هـ/بخ فق) انظر: المصدر السابق، ترجمة (١٦٣٠)
عقيل، بالضم، ابن خالد بن عقيل، بالفتح، الأيلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام، أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة، ثم الشام ثم مصر، من السادسة، مات سنة (١٤٤ هـ على الصحيح / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٤٦٩٩).
محمد بن مسلم بن عبيد الله القرشي، الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه وثبته، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (١٢٥ هـ، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٦٣٣٦).
تخريج الأثر:
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/٢٧٢٥، بإسناد رجاله ثقات إلا خالد بن حميد المهروي، قال عنه الحافظ ابن حجر: (لا بأس به)..

٦ الإسراء (٢٦)..
٧ النساء (٣٦)..
٨ المدثر (٤٢-٤٤)..
٩ أخرجه البخاري في: التوحيد، باب: قول الله تبارك وتعالى: ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى﴾(٧٣٧٦)، ومسلم في: الفضائل، باب:" رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك (٥٩٨٤)..
١٠ رجال الإسناد:
عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد سبقت ترجمته.
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم المستملي سبقت ترجمته.
محمد بن يوسف الفربري سبقت ترجمته.
البخاري محمد بن إسماعيل سبقت ترجمته.
موسى بن إسماعيل المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، أبو سلمة التبوذكي، بفتح المثناة وضم الوحدة وسكون الواو وفتح المعجمة، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعةن ولا التفات إلى ابن خراش، تكم الناس فيه. مات سنة (٢٢٣ هـ/ع) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٦٩٢٩٢).
معتمر بن سليمان التميمي، أبو محمد البصري، يلقب (الطفيل)، ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة (١٨٧ هـ / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٦٨٣٣).
سليمان بن طرخان التميمي، أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة (١٤٣ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٢٥٩٠).
عبد الرحمن بن مل، بلام ثقيلة والميم مثلثة، أبو عثمان النهدي، بفتح النون وسكون الهاء، مشهور بكنيته، مخضرم، من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، مات سنة (٩٥ هـ، وقيل: بعدها، وعاش مائة وثلاثين سنة، وقيل أكثر / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٤٠٤٣).
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، شقيق عائشة، تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح، وشهد اليمامة والفتوح، مات سنة (٥٣ هـ في طريق مكة فجأة، وقيل بعد ذلك / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٨٣٨).
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام (٣٥٨١)، ومسلم في: الأشربة، باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره (٥٣٣٣)..

قوله تعالى :﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا ﴾
المسألة الحادية والستون : في وجه الأمر في الآية.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن الأمر في قوله ( كونوا ) أمر التعجيز، وذلك بدلالة العقل.
قال ابن حزم : قوله تعالى :﴿ كونوا حجارة أو حديدا ﴾ علمنا بضرورة العقل أنه أمر تعجيز ؛ لأنه لا يقدر أحد على أن يصير حجارة أو حديدا، ولو كان أمر تكوين لكانوا كذلك، فلما وجدهم العقل لم يكونوا حجارة ولا حديدا علم أنه تعجيز. ١
١ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ١/٣٨٧-٣٨٨)..
Icon