ﰡ
فيه خمس مسائل :
المسألة الأربعون : في معنى ( اللسان ) في الآية.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن المراد باللسان هنا : اللغة.
قال ابن حزم : لكل أمة لغتهم، قال عز وجل :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾١
ولا خلاف في أنه أراد اللغة. ٢ اه
المسألة الحادية والأربعون : في أن اليمين محمولة على لغة الحالف ونيته.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن اليمين محمولة على لغة الحالف وعلى نيته، فمن لقن يمينا بلغة لا يحسنها فلا شيء عليه، ولم يحلف أصلا ؛ لجهله بمعنى ذلك الكلام.
قال ابن حزم : واليمين محمولة على لغة الحالف، ومن قيل له : قل كذا أو كذا، فقال. وكان ذلك الكلام يمينا بلغة لا يحسنها القائل فلا شيء عليه ولم يحلف.
ومن حلف بلغته باسم الله تعالى عندهم فهو حالف، فإن حنث فعليه الكفارة.
برهان ذلك : أن اليمين إنما هي إخبار من الحالف عما يلتزم بيمينه تلك، وكل واحد فإنما يخبر عن نفسه بلغته، فصح ما قلناه.
قال تعالى :﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾٣ وقال تعالى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾ولله تعالى في كل لغة اسم. ٤ اه
المسألة الثانية والأربعون : في حكم استيعاب مسح الوجه والكفين في التيمم.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أنه لا يجب استيعاب مسح الوجه والكفين في التيمم ؛ لأنه لا دليل على القول بالوجوب، بل يكفي في ذلك ما وقع عليه اسم المسح في اللغة.
قال ابن حزم : وصفتة التيمم للجنابة، وللحيض، ولكل غسل واجب، وللوضوء صفة عمل واحد، إنما يجب في كل ذلك أن ينوي به الوجه الذي يتيمم له من طهارة للصلاة.. ثم يضرب الأرض بكفيه متصلا بهذه النية، ثم ينفخ فيهما، ويمسح وجهه وظهر كفيه إلى الكوعين بضربة واحدة فقط، وليس عليه استيعاب الوجه ولا الكفين، وما نعلم لمن أوجبه حجة إلا قياس ذلك على استيعابها بالماء.
والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ؛ لأن حكم الرجلين عندنا وعندهم في الوضوء : الغسل، فلما عوض عنه المسح على الخفين سقط الاستيعاب عندهم، فيلزمهم – إن كانوا يدرون ما القياس – أن كذلك لما كان حكم الوجه واليدين في الوضوء : الغسل، ثم عوض منه المسح في التيمم أن يسقط الاستيعاب كما سقط في المسح على الخفين، لاسيما ومن أصول أصحاب القياس أن المشبه بالشيء لا يقوى قوة الشيء بعينه.
هذا كله لا شيء، وإنما نورده لنريهم تناقضهم، وفساد أصولهم، وهدم بعضها لبعض.
وإنما عمدتنا ههنا أن الله تعالى قال :﴿ بلسان عربي مبين ﴾٥ وقال تعالى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾٦
والمسح في اللغة لا يقتضي الاستيعاب، فوجب الوقوف عند ذلك، ولم يأت بالاستيعاب في التيمم قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب، نعم ولا قياس، فبطل القول به.
وممن قال بقولنا في هذا، وأنه إنما هو ما وقع عليه اسم : مسح فقط : أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي٧ وغيره.
والعجب أن لفظة ( المسح ) لم تأت في الشريعة إلا في أربعة مواضع ولا مزيد : مسح الرأس، ومسح الوجه واليدين في التيمم، ومسح على الخفين والعمامة والخمار، ومسح الحجر الأسود في الطواف.
ولم يختلف أحد من خصومنا المخالفين لنا في أن مسح الخفين، ومسح الحجر الأسود لا يقتضي الاستيعاب، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار، ثم نقضوا ذلك في التيمم، فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكما بلا برهان. واضطربوا في الرأس، فلم يوجب أبو حنيفة، ولا الشافعي فيه الاستيعاب، وهم مالك بأن يوجبه وكاد فلم يفعل.
فمن أين وقع لهم تخصيص المسح في التيمم بالاستيعاب بلا حجة، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من لغة، ولا إجماع، ولا من قول صاب، ولا من قياس ؟ ! ٨
المسألة الثالثة والأربعون : في الأخذ بظاهر نصوص القرآن والأخبار الثابتة على الظاهر في اللغة العربية.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى وجوب أخذ كل نص في القرآن والأخبار على ظاهره، ومقتضاه في اللغة، وأنه لا يجوز تأويله إلا بمقتضى دليل من نص آخر، أو إجماع، أو ضرورة حس.
قال ابن حزم : ولا يحل لأحد أن يقول في آية، أو في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت : إن لهذا النص تأويلا غير مقتضى ظاهر لفظه إلا بنص آخر وارد بأن هذا النص كما ذكره، أو بإجماع متيقن بأنه كما ذكر، أو بضرورة حس موجبة أنه كما ذكر، وإلا فهو كاذب.
برهان ذلك قوله تعالى ﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾٩
فوجب أخذ كل نص في القرآن والأخبار على ظاهره ومقتضاه، ومن حمله على غير مقتضاه في اللغة العربية فقد خالف قول الله تعالى وحكمه، وقال عليه – عز وجل – الباطل، وخلاف قوله عز وجل. ١٠ اه
المسألة الرابعة والأربعون : في حكم تعلم اللغة والنحو.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن تعلم اللغة العربية والنحو فرض على الكفاية ؛ لضمان فهم القرآن الكريم والسنة النبوية.
قال ابن حزم : وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضا ؛ لأن الله يقول :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾١١
وأنزل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا، وخاطبنا به، ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه، ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولا بد منه على الكفاية كما قدمنا.
ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سقط الإسلام. ١٢ اه
وقرئ أيضا (بلُسن قومه) بضم اللام، والسين مضمومة أو ساكنة، وهو جمع لسان، كعماد وعُمُد وعُمْد على التخفيف. انظر: المحتسب، لأبي الفتح ١/٣٥٩، والكشاف ٢/٥٠٧، والدر المصون ٧/٦٩، والبحر المحيط ٥/٤٠٥..
٢ تفسير ألفاظ تجري بين المتكلمين في الأصول في رسائل ابن حزم ٤/٤١١..
٣ فاطر (٢٤)..
٤ المحلى (٨/١٩٤) بتصرف..
٥ الشعراء (١٩٥)..
٦ إبراهيم (٤).
٧ من الأئمة الكبار، شيخ الإمام أحمد بن حنبل، قال الشافعي: ما رأيت أعقل من هذين الرجلين: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي. وقال الإمام أحمد: كان يصلح للخلافة رحمه الله تعالى. مات سنة (٢١٩ هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء ١/٦٢٥، وتاريخ بغداد ٩/٣١..
٨ المحلى (٢/٩٣-١٠٠) باختصار..
٩ إبراهيم (٤)..
١٠ المحلى (١/١١٩)..
١١ إبراهيم (٤)..
١٢ التلخيص لوجوه التخليص، في رسائل ابن حزم ٣/١٦٢..
المسألة الخامسة والأربعون : في أن جميع أنبياء الله تعالى بشر كسائر الناس، مخلوقون مثلهم.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – بشر كسائر الناس، ومن اعتقد إلهية أحد منهم أو من غيرهم فقد كفر.
قال ابن حزم : وأن جميع النبيين، وعيسى، ومحمدا – عليهم السلام – عبيد الله تعالى، مخلوقون، ناس كسائر الناس، مولودون من ذكر وأنثى، إلا آدم وعيسى، فإن آدم خلقه الله من تراب بيده، لا من ذكر ولا من أنثى، وعيسى خلقه في بطن أمه من غير ذكر، قال الله عز وجل عن الرسل – عليهم السلام – أنهم قالوا :﴿ إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ﴾١اه
وقال أيضا : وأن من ادعى إلهية إنسان، وادعى نبوة لأحد بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حاشا عيسى ابن مريم فهو كافر، لا خلاف في ذلك من أحد من أهل الإسلام، وذلك لخلاف القرآن، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ٢اه
٢ الدرة فيما يجب اعتقاده ص (٢٠٥-٢٠٦)..
المسألة السادسة والأربعون : في هل لله تعالى نعمة على الكفار أو لا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن الله تعالى على الكفار نعما في الدنيا وفي الدين، وإنما زالت عنهم نعمة الدين بكفرهم.
قال ابن حزم : اختلف المتكلمون في هذه المسألة، فقالت المعتزلة : إن نعم الله تعالى على الكفار في الدين والدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق. وهذا قول فاسد قد نقضناه آنفا ولله الحمد.
وقالت طائفة أخرى : إن الله تعالى لا نعمة له على كافر أصلا، لا في دين ولا دنيا.
وقالت طائفة : له تعالى عليهم نعم في الدنيا، فأما في الدين فلا نعمة له عليهم فيه أًصلا.
قال الله عز وجل :﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ﴾١
فوجدنا الله عز وجل يقول :﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾٢
وقال تعالى :﴿ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم ربكم ﴾٣
فهذا عموم بالخطاب بإنعام الله تعالى على كل من خلق الله تعالى، وعموم لمن يشكر من الناس، والكفار من جملة ما خلق الله تعالى بلا شك.
وأما أهل الإسلام فكلهم شاكر لله تعالى بالإقرار به، ثم يتفاضلون في الشكر، وليس أحد من الخلق يبلغ كل ما عليه من شكر الله تعالى.
فصح أن نعم الله تعالى في الدنيا على الكفار كهي على المؤمنين، وربما أكثر من بعضهم في بعض الأوقات. قال تعالى :﴿ بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ﴾٤ وهذا نص جلي على نعم الله على الكفار، وأنهم بدلوها كفرا، فلا يحل لأحد أن يعارض كلام ربه تعالى برأيه الفاسد.
وأما نعمة الله في الدين، فإن الله تعالى أرسل إليهم الرسل هادين لهم إلى ما يرضي الله تعالى، وهذه نعمة عامة بلا شك، فلما كفروا وجحدوا نعم الله تعالى في ذلك أعقبهم البلاء، وزوال النعمة. كما قال عز وجل :﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾٥ اه٦
٢ غافر (٦١)..
٣ غافر (٦٤)..
٤ إبراهيم (٢٨-٢٩)..
٥ الرعد (١١)..
٦ انظر: الفصل (٣/٢٢٤-٢٢٥) باختصار..
المسألة السادسة والأربعون : في هل لله تعالى نعمة على الكفار أو لا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن الله تعالى على الكفار نعما في الدنيا وفي الدين، وإنما زالت عنهم نعمة الدين بكفرهم.
قال ابن حزم : اختلف المتكلمون في هذه المسألة، فقالت المعتزلة : إن نعم الله تعالى على الكفار في الدين والدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق. وهذا قول فاسد قد نقضناه آنفا ولله الحمد.
وقالت طائفة أخرى : إن الله تعالى لا نعمة له على كافر أصلا، لا في دين ولا دنيا.
وقالت طائفة : له تعالى عليهم نعم في الدنيا، فأما في الدين فلا نعمة له عليهم فيه أًصلا.
قال الله عز وجل :﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ﴾١
فوجدنا الله عز وجل يقول :﴿ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾٢
وقال تعالى :﴿ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم ربكم ﴾٣
فهذا عموم بالخطاب بإنعام الله تعالى على كل من خلق الله تعالى، وعموم لمن يشكر من الناس، والكفار من جملة ما خلق الله تعالى بلا شك.
وأما أهل الإسلام فكلهم شاكر لله تعالى بالإقرار به، ثم يتفاضلون في الشكر، وليس أحد من الخلق يبلغ كل ما عليه من شكر الله تعالى.
فصح أن نعم الله تعالى في الدنيا على الكفار كهي على المؤمنين، وربما أكثر من بعضهم في بعض الأوقات. قال تعالى :﴿ بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ﴾٤ وهذا نص جلي على نعم الله على الكفار، وأنهم بدلوها كفرا، فلا يحل لأحد أن يعارض كلام ربه تعالى برأيه الفاسد.
وأما نعمة الله في الدين، فإن الله تعالى أرسل إليهم الرسل هادين لهم إلى ما يرضي الله تعالى، وهذه نعمة عامة بلا شك، فلما كفروا وجحدوا نعم الله تعالى في ذلك أعقبهم البلاء، وزوال النعمة. كما قال عز وجل :﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾٥ اه٦
٢ غافر (٦١)..
٣ غافر (٦٤)..
٤ إبراهيم (٢٨-٢٩)..
٥ الرعد (١١)..
٦ انظر: الفصل (٣/٢٢٤-٢٢٥) باختصار..