تفسير سورة إبراهيم

فتح القدير
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المعروف بـفتح القدير .
لمؤلفه الشوكاني . المتوفي سنة 1250 هـ
سورة إبراهيم
اثنتان وخمسون آية وقيل إحدى وخمسون
وهي مكية كما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه أيضاً عن الزبير، وحكاه القرطبي عن الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها وقيل إلا ثلاث آيات نزلت في الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قوله :( ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً ﴾ ) إلى قوله :( ﴿ فإن مصيركم إلى النار ﴾ ). وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس قال : هي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة، وهي ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً ﴾ الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين.

سورة إبراهيم
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا عَنِ الزُّبَيْرِ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَتَادَةَ إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ. وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ سِوَى آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي قَتْلَى بَدْرٍ من المشركين.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)
قَوْلُهُ: الر قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَمْثَالِ هَذَا، وبيان قول من الله قَالَ إِنَّهُ مُتَشَابِهٌ، وَبَيَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُ مُتَشَابِهٍ، وَهُوَ إِمَّا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كِتَابٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَكُونُ كِتابٌ خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ أَوْ خَبَرًا ثَانِيًا لِهَذَا الْمُبْتَدَأِ أَوْ يَكُونُ الر مَسْرُودًا عَلَى نَمَطِ التعديد فلا محلّ له، وأَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفة لكتاب، أَيْ: أَنْزَلْنَا الْكِتَابَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَعْنَى لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ لِتُخْرِجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ جُعِلَ الْكُفْرُ بِمَنْزِلَةِ الظُّلُمَاتِ، والإيمان بمنزلة النور على طريق الِاسْتِعَارَةِ، وَاللَّامُ فِي لِتُخْرِجَ لِلْغَرَضِ وَالْغَايَةِ، وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّاسِ لِلْجِنْسِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يخرج الناس بِالْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ النُّورِ وَقِيلَ: إِنَّ الظُّلْمَةَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْبِدْعَةِ، وَالنُّورَ مُسْتَعَارٌ لِلسُّنَّةِ وَقِيلَ: مِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْبَاءُ فِي بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلقة بتخرج، وَأُسْنِدَ الْفِعْلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ الدَّاعِي وَالْهَادِي وَالْمُنْذِرُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: بِمَا أَذِنَ لَكَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ هُوَ بَدَلٌ مِنْ إِلَى النُّورِ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ كَمَا يَقَعُ مِثْلُهُ كَثِيرًا، أَيْ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَهُوَ طَرِيقَةُ اللَّهِ الْوَاضِحَةُ الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ
111
يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا هَذَا النُّورُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ إِلَيْهِ؟ فَقِيلَ: صِرَاطُ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
وَالْعَزِيزُ هُوَ الْقَادِرُ الْغَالِبُ، وَالْحَمِيدُ هُوَ الْكَامِلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ اللَّهُ الْمُتَّصِفُ بملك ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ لِكَوْنِهِ مِنَ الْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ، فَلَا يَصِحُّ وَصْفُ مَا قَبْلَهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. وَكَانَ يَعْقُوبُ إِذَا وَقَفَ عَلَى الْحَمِيدِ رَفَعَ، وَإِذَا وَصَلَ خَفَضَ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَنْ خَفَضَ وَقَفَ عَلَى وَما فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ تَوَعَّدَ مَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِرُبُوبِيَّتِهِ فَقَالَ: وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْوَيْلِ، وَأَصْلُهُ النَّصْبُ كَسَائِرِ الْمَصَادِرِ، ثُمَّ رُفِعَ لِلدِّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْعَذَابِ وَالْهَلَكَةِ، فَدَعَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْكُفَّارِ بهداية رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ لَهُ بِمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الإيمان ومِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ متعلق بويل عَلَى مَعْنَى يُوَلْوِلُونَ وَيَضِجُّونَ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ الَّذِي صَارُوا فِيهِ، ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا أَيْ يُؤْثِرُونَهَا لِمَحَبَّتِهِمْ لَهَا عَلَى الْآخِرَةِ الدَّائِمَةِ وَالنَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَوْصُولَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبْرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ: هُمُ الَّذِينَ وَقِيلَ: الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أُولَئِكَ، وَجُمْلَةُ وَيَصُدُّونَ وَكَذَلِكَ وَيَبْغُونَ مَعْطُوفَتَانِ عَلَى يَسْتَحِبُّونَ، وَمَعْنَى الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْهُ وَمَنْعُهُمْ مِنْهُ، وَسَبِيلُ اللَّهِ دِينُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أَيْ: يَطْلُبُونَ لَهَا زَيْغًا وَمَيْلًا لِمُوَافَقَةِ أَهْوَائِهِمْ وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ، وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَعْيَانِ وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ. وَالْأَصْلُ يَبْغُونَ لَهَا فَحُذِفَ الْحَرْفُ وَأُوصِلَ الْفِعْلُ إِلَى الضَّمِيرِ، وَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْخِصَالِ نِهَايَةُ الضَّلَالِ، وَلِهَذَا وَصَفَ ضَلَالَهُمْ بِالْبُعْدِ عَنِ الْحَقِّ فَقَالَ: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالْبُعْدُ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الضَّالِّ لَكِنَّهُ يَجُوزُ وَصْفُ الضَّلَالِ بِهِ مَجَازًا لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ لَمَّا منّ على المكلفين بإنزال الكتاب وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ ذَكَرَ مِنْ كَمَالِ تِلْكَ النِّعْمَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرْسَلَ بِلِسَانِ قَوْمِهِ فَقَالَ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ أَيْ: مُتَلَبِّسًا بِلِسَانِهِمْ مُتَكَلِّمًا بِلُغَتِهِمْ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهِمَ عَنْهُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ مَا يَقُولُهُ لَهُمْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِلِسَانِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُ وَلَا يَفْهَمُونَ مَا يُخَاطِبُهُمْ بِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمُوا ذَلِكَ اللِّسَانَ دَهْرًا طَوِيلًا، وَمَعَ ذَلِكَ فلا بدّ أن يصعب عليهم فَهْمُ ذَلِكَ بَعْضَ صُعُوبَةٍ، وَلِهَذَا عَلَّلَ سُبْحَانَهُ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ:
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَيْ: لِيُوَضِّحَ لَهُمْ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَهَا لَهُمْ وَوَحَّدَ اللِّسَانَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اللُّغَةُ. وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا بَلْ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَلُغَاتُهُمْ مُتَبَايِنَةٌ وَأَلْسِنَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ. وَأُجِيبَ بأنه وإن كان صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مُرْسَلًا إِلَى الثَّقَلَيْنِ كَمَا مَرَّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْمُهُ الْعَرَبَ وَكَانُوا أَخَصَّ بِهِ وَأَقْرَبَ إِلَيْهِ كَانَ إِرْسَالُهُ بِلِسَانِهِمْ أَوْلَى مِنْ إِرْسَالِهِ بِلِسَانِ غَيْرِهِمْ، وَهُمْ يُبَيِّنُونَهُ لِمَنْ كَانَ على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فإهماله كَفَهْمِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِجَمِيعِ لُغَاتِ من أرسل
112
إِلَيْهِمْ، وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِكُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ لَكَانَ ذَلِكَ مَظَنَّةً لِلِاخْتِلَافِ وَفَتْحًا لِبَابِ التَّنَازُعِ لِأَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ قَدْ تَدَّعِي مِنَ الْمَعَانِي فِي لِسَانِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مُفْضِيًا إِلَى التَّحْرِيفِ وَالتَّصْحِيفِ بِسَبَبِ الدَّعَاوِي الْبَاطِلَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْمُتَعَصِّبُونَ وَجُمْلَةُ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَيْ: يَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ إِضْلَالَهُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا ذُكِرَ فِعْلٌ وَبَعْدَهُ فِعْلٌ آخَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّسَقُ مُشَاكِلًا لِلْأَوَّلِ فَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ هُوَ الْوَجْهُ، فَيَكُونُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: وَمَا أرسلنا من رسول الله إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ تِلْكَ الشَّرَائِعَ بِاللُّغَةِ الَّتِي أَلِفُوهَا وَفَهِمُوهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُضِلَّ وَالْهَادِيَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَيَانُ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْهِدَايَةِ إِلَّا إِذَا جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَاسِطَةً وَسَبَبًا، وَتَقْدِيمُ الْإِضْلَالِ عَلَى الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا، إِذْ هُوَ إِبْقَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْهِدَايَةُ إِنْشَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُغَالِبُهُ مُغَالِبٌ الْحَكِيمُ الَّذِي يُجْرِي أَفْعَالَهُ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بِعْثَةِ نَبِيِّنَا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ هُوَ إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إِرْسَالِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ذَلِكَ، وَخَصَّ مُوسَى بِالذِّكْرِ لِأَنَّ أُمَّتَهُ أَكْثَرُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَقَالَ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَيْ:
مُتَلَبِّسًا بِهَا. وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ: الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي لِمُوسَى، وَمَعْنَى أَنْ أَخْرِجْ أَيْ: أَخْرِجْ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ بِأَنْ أَخْرِجْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْمِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُلْكِ فِرْعَوْنَ مِنَ الظُّلُماتِ مِنَ الْكُفْرِ أَوْ مِنَ الْجَهْلِ الَّذِي قَالُوا بِسَبَبِهِ: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ «١». إِلَى النُّورِ إِلَى الْإِيمَانِ أَوْ إِلَى الْعِلْمِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أَيْ: بِوَقَائِعِهِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَرَبُ تَقُولُ الْأَيَّامَ فِي مَعْنَى الْوَقَائِعِ، يُقَالُ: فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ، أَيْ: بِوَقَائِعِهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ ذَكِّرْهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَبِنِقَمِ أَيَّامِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ فِيهَا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ. وَالْمَعْنَى: عِظْهُمْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ إِنَّ فِي ذلِكَ أَيْ: فِي التَّذْكِيرِ بِأَيَّامِ اللَّهِ أَوْ فِي نَفْسِ أَيَّامِ اللَّهِ لَآياتٍ لَدِلَالَاتٍ عَظِيمَةٍ دَالَّةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ لِكُلِّ صَبَّارٍ أَيْ: كَثِيرِ الصَّبْرِ عَلَى الْمِحَنِ وَالْمِنَحِ شَكُورٍ كَثِيرِ الشُّكْرِ لِلنِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْوَصْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِلَاكُ الْإِيمَانِ، وَقُدِّمَ الصَّبَّارُ عَلَى الشَّكُورِ لِكَوْنِ الشُّكْرِ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ قَالَ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: يَسْتَحِبُّونَ قَالَ: يَخْتَارُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وعلى الأنبياء، وقيل: مَا فَضَّلَهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ «٢» وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «٣» فَكَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ قِيلَ فَمَا هو فَضَّلَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ وقال لمحمد:
(١). الأعراف: ١٣٨.
(٢). الأنبياء: ٢٩.
(٣). الفتح: ٢.
113
﴿ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي : هو الله المتصف بملك ما في السماوات وما في الأرض، وقرأ الجمهور بالجرّ على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة، فلا يصح وصف ما قبله به ؛ لأن العلم لا يوصف به. وقيل : يجوز أن يوصف به من حيث المعنى. وقال أبو عمر : إن قراءة الجرّ محمولة على التقديم والتأخير، والتقدير : إلى صراط الله العزيز الحميد. وكان يعقوب إذا وقف على ﴿ الحميد ﴾ رفع، وإذا وصل خفض. قال ابن الأنباري : من خفض وقف على وما في الأرض. ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال :﴿ وَوَيْلٌ للكافرين مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ قد تقدم بيان معنى الويل، وأصله النصب. كسائر المصادر، ثم رفع للدلالة على الثبات. قال الزجاج : هي كلمة تقال للعذاب والهلكة، فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من الكفار بهداية رسول الله صلى الله عليه وسلم له بما أنزله الله عليه من العذاب الشديد الذي صاروا فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ قال : يختارون. وأخرج عبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء، قيل : ما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله قال لأهل السماء :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] وقال لمحمد :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ] فكتب له براءة من النار. قيل : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله يقول :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، وقال لمحمد :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] فأرسله إلى الإنس والجنّ. وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ﴿ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ قال : نزل القرآن بلسان قريش. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير في قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا ﴾ قال : بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أَنْ أَخْرِج قَوْمكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج النسائي، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : نعم الله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : وعظهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : بوقائع الله في القرون الأولى. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ قال : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله :﴿ الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا ﴾ أي : يؤثرونها لمحبتهم لها ﴿ على الآخرة ﴾ الدائمة والنعيم الأبدي. وقيل : إن الموصول في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي : هم الذين. وقيل : الموصول مبتدأ وخبره أولئك، وجملة ﴿ وَيَصُدُّونَ ﴾ وكذلك ﴿ ويبغون ﴾ معطوفتان على ﴿ يستحبون ﴾، ومعنى الصدّ ﴿ عن سبيل الله ﴾ صرف الناس عنه ومنعهم منه، وسبيل الله دينه الذي شرعه لعباده ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ أي : يطلبون لها زيغاً وميلاً لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم، والعوج بكسر العين في المعاني وبفتح العين في الأعيان، وقد سبق تحقيقه. والأصل : يبغون لها. فحذف الحرف وأوصل الفعل إلى الضمير، واجتماع هذه الخصال نهاية الضلال، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال :﴿ أُوْلَئِكَ فِي ضلال بَعِيدٍ ﴾ والإشارة إلى الموصوفين بتلك الصفات القبيحة والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال به مجازاً لقصد المبالغة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ قال : يختارون. وأخرج عبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء، قيل : ما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله قال لأهل السماء :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] وقال لمحمد :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ] فكتب له براءة من النار. قيل : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله يقول :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، وقال لمحمد :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] فأرسله إلى الإنس والجنّ. وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ﴿ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ قال : نزل القرآن بلسان قريش. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير في قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا ﴾ قال : بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أَنْ أَخْرِج قَوْمكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج النسائي، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : نعم الله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : وعظهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : بوقائع الله في القرون الأولى. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ قال : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
ثم لمّا منّ على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ أي : متلبساً بلسانهم، متكلماً بلغتهم ؛ لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول، ولا يفهمون ما يخاطبهم به، حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً، ومع ذلك فلا بدّ أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة ؛ ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله :﴿ لِيُبَيّنَ لَهُمُ ﴾ أي : ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة. وقد قيل : في هذه الآية إشكال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس جميعاً، بل إلى الجنّ والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة. وأجيب بأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلى الثقلين كما مرّ لكن لما كان قومه العرب، وكانوا أخصّ به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم، ويوضحونه حتى يصير فإهماً له كفهمهم إياه، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع ؛ لأن كل أمة قد تدّعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التي يقع فيها المتعصبون. وجملة ﴿ فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء ﴾ مستأنفة أي : يضلّ من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته. قال الفراء : إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلاً للأوّل فالرفع على الاستئناف هو الوجه، فيكون معنى هذه الآية : وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها وفهموها، ومع ذلك فإن المضلّ والهادي هو، الله عزّ وجلّ، والبيان لا يوجب حصول الهداية إلاّ إذا جعله الله سبحانه واسطة وسبباً، وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدّم عليها، إذ هو إبقاء على الأصل، والهداية إنشاء ما لم يكن ﴿ وَهُوَ العزيز ﴾ الذي لا يغالبه مغالب ﴿ الحكيم ﴾ الذي يجري أفعاله على مقتضى الحكمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ قال : يختارون. وأخرج عبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء، قيل : ما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله قال لأهل السماء :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] وقال لمحمد :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ] فكتب له براءة من النار. قيل : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله يقول :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، وقال لمحمد :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] فأرسله إلى الإنس والجنّ. وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ﴿ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ قال : نزل القرآن بلسان قريش. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير في قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا ﴾ قال : بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أَنْ أَخْرِج قَوْمكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج النسائي، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : نعم الله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : وعظهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : بوقائع الله في القرون الأولى. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ قال : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
ثم لما بيّن أن المقصود من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلاّ ذلك، وخصّ موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدّمة على هذه الأمة المحمدية فقال :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا ﴾ أي : متلبساً بها، والمراد بالآيات : المعجزات التي لموسى، ومعنى ﴿ أَنْ أَخْرِجْ ﴾ أي : أخرج، لأن الإرسال فيه معنى القول، ويجوز أن يكون التقدير بأن أخرج، والمراد بقومه بنو إسرائيل بعد ملك فرعون. ﴿ مِنَ الظلمات ﴾ من الكفر أو من الجهل الذي قالوا بسببه :﴿ اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ]. ﴿ إِلَى النور ﴾ إلى الإيمان، أو إلى العلم ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ أي : بوقائعه. قال ابن السكيت : العرب تقول الأيام، في معنى الوقائع، يقال : فلان عالم بأيام العرب، أي : بوقائعها. وقال الزجاج : أي ذكرهم بنعم الله عليهم وبنقم أيام الله التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، والمعنى : عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي : في التذكير بأيام الله، أو في نفس أيام الله ﴿ لآيَاتٍ ﴾ لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة ﴿ لّكُلّ صَبَّارٍ ﴾ أي : كثير الصبر على المحن والمنح ﴿ شَكُورٍ ﴾ كثير الشكر للنعم التي أنعم الله بها عليه ؛ وقيل : المراد بذلك كل مؤمن، وعبَّر عنه بالوصفين المذكورين ؛ لأنهما ملاك الإيمان، وقدّم الصبار على الشكور ؛ لكون الشكر عاقبة الصبر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ قال : يختارون. وأخرج عبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : إن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء، قيل : ما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله قال لأهل السماء :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ] وقال لمحمد :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ] فكتب له براءة من النار. قيل : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : إن الله يقول :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، وقال لمحمد :﴿ وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] فأرسله إلى الإنس والجنّ. وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ﴿ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ قال : نزل القرآن بلسان قريش. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير في قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا ﴾ قال : بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أَنْ أَخْرِج قَوْمكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ قال : من الضلالة إلى الهدى. وأخرج النسائي، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : نعم الله. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ قال : وعظهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : بوقائع الله في القرون الأولى. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ قال : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «١» فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا قَالَ: بِالْآيَاتِ التِّسْعِ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ وَالْعَصَا وَيَدِهِ وَالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ قَالَ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبيهقي في شعب لإيمان عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ وَآلَائِهِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: نِعَمِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: وَعِظْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي الْآيَةِ قَالَ:
بِوَقَائِعِ اللَّهِ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قَالَ: نِعْمَ الْعَبْدُ عَبْدٌ إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٦ الى ١٢]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)
قَوْلُهُ: وَإِذْ قالَ مُوسى الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ اذْكُرْ، أَيِ: اذْكُرْ وَقْتَ قَوْلِ موسى وإِذْ أَنْجاكُمْ متعلق باذكروا، أَيِ: اذْكُرُوا إِنْعَامَهُ عَلَيْكُمْ وَقْتَ إِنْجَائِهِ لَكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، أَوْ بِالنِّعْمَةِ، أَوْ بِمُتَعَلِّقِ عَلَيْكُمْ: أَيْ: مُسْتَقِرَّةٌ عَلَيْكُمْ وَقْتَ إِنْجَائِهِ، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ النِّعْمَةِ مُرَادًا بِهَا الْإِنْعَامُ أَوِ الْعَطِيَّةُ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ أَيْ: يَبْغُونَكُمْ، يُقَالُ سَامَهُ ظُلْمًا، أَيْ: أَوْلَاهُ ظُلْمًا، وَأَصْلُ السوم الذهاب في طلب الشيء
(١). سبأ: ٢٨.
114
وسوء العذاب: مصدر ساء يسوء، والمراد جنس الْعَذَابِ السَّيِّئِ، وَهُوَ اسْتِعْبَادُهُمْ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، وَعُطِفَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ عَلَى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَإِنْ كَانَ التَّذْبِيحُ مِنْ جِنْسِ سُوءِ الْعَذَابِ إِخْرَاجًا لَهُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَذَابِ الْمُعْتَادِ حَتَّى كَأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ، وَمَعَ طَرْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْآيَةِ الأخرى يكون التذبيح تفسيرا لسوء الْعَذَابِ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أَيْ: يَتْرُكُونَهُنَّ فِي الْحَيَاةِ لِإِهَانَتِهِنَّ وَإِذْلَالِهِنَّ وَفِي ذلِكُمْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أَيِ: ابْتِلَاءٌ لَكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُسْتَوْفًى وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ تَأَذَّنَ بِمَعْنَى أَذِنَ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَلَا بُدَّ فِي تَفَعَّلَ مِنْ زِيَادَةِ مَعْنًى لَيْسَتْ فِي أَفْعَلَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِذْ أَذِنَ رَبُّكُمْ إِيذَانًا بَلِيغًا تَنْتَفِي عَنْهُ الشُّكُوكُ وَتَنْزَاحُ الشُّبَهُ. وَالْمَعْنَى: وَإِذْ تَأَذَّنُ رَبُّكُمْ فَقَالَ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ أَوْ أَجْرَى تَأَذَّنَ مَجْرَى قَالَ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْقَوْلِ انْتَهَى، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نِعْمَةَ اللَّهِ، أَيِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا حِينَ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِذْ أَنْجَاكُمْ أَيِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا التَّأَذُّنَ أَيْضًا نِعْمَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ» وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّامُ فِي لَئِنْ شَكَرْتُمْ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَقَوْلُهُ:
لَأَزِيدَنَّكُمْ سَادٌّ مَسَدَّ جَوَابَيِ الشَّرْطِ وَالْقَسَمِ، وَكَذَا اللَّامُ فِي وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ وَقَوْلِهِ: إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ سَادٌّ مَسَدَّ الْجَوَابَيْنِ أيضا والمعنى: لئن شَكَرْتُمْ إِنْعَامِي عَلَيْكُمْ بِمَا ذُكِرَ لَأَزِيدَنَّكُمْ نِعْمَةً إِلَى نِعْمَةٍ تَفَضُّلًا مِنِّي وَقِيلَ: لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ طَاعَتِي وَقِيلَ: لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَالشَّكُّ سَبَبُ الْمَزِيدِ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ذَلِكَ وَجَحَدْتُمُوهُ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِنْهُ مَا يُصِيبُ وَقِيلَ: إِنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ لَأُعَذِّبَنَّكُمْ، وَالْمَذْكُورُ تَعْلِيلٌ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أَيْ: إِنْ تَكْفُرُوا نِعْمَتَهُ تَعَالَى أَنْتُمْ وَجَمِيعُ الْخَلْقِ وَلَمْ تَشْكُرُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَغَنِيٌّ عَنْ شُكْرِكُمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ نَقْصٌ حَمِيدٌ أَيْ: مُسْتَوْجِبٌ لِلْحَمْدِ لِذَاتِهِ لِكَثْرَةِ إِنْعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ تَشْكُرُوهُ، أَوْ يَحْمَدُهُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا مِنْ مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّذْكِيرِ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ابْتِدَاءً خِطَابًا لِقَوْمِ مُوسَى وَتَذْكِيرًا لَهُمْ بِالْقُرُونِ الْأُولَى وَأَخْبَارِهِمْ وَمَجِيءِ رُسُلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِقَوْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرًا لَهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ، وَالْجَمْعُ الْأَنْبَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
أَلَمْ تَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادٍ
وقَوْمِ نُوحٍ بَدَلٌ مِنَ الْمَوْصُولِ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَيْ: مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أَيْ: لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ وَيُحِيطُ بِهِمْ عِلْمًا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ، أَوْ يَكُونُ الموصول معطوفا على ما قبله ولا يعلمهم
(١). هو قيس بن زهير.
115
إِلَّا اللَّهُ اعْتِرَاضٌ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى صِفَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَمُدَدِ أَعْمَارِهِمْ، أَيْ: هَذِهِ الْأُمُورُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ، أو يكون راجعا إلى ذواتهم، أي: أنه لَا يَعْلَمُ ذَوَاتِ أُولَئِكَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَجُمْلَةُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ النَّبَأِ الْمَذْكُورِ فِي أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَيْ: جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَبِالشَّرَائِعِ الْوَاضِحَةِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أَيْ: جَعَلُوا أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِيَعَضُّوهَا غَيْظًا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ «١» لِأَنَّ الرُّسُلَ جَاءَتْهُمْ بِتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَشَتْمِ أَصْنَامِهِمْ وَقِيلَ:
إِنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيِ: اسْكُتُوا وَاتْرُكُوا هَذَا الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ تَكْذِيبًا لَهُمْ وَرَدًّا لِقَوْلِهِمْ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَمَا يَصْدُرُ عَنْهَا مِنَ الْمَقَالَةِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ:
إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أَيْ: لَا جَوَابَ لَكُمْ سِوَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ لَكُمْ بِأَلْسِنَتِنَا هَذِهِ وَقِيلَ: وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمُ اسْتِهْزَاءً وَتَعَجُّبًا كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى فِيهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلرُّسُلِ وَالثَّانِي لِلْكُفَّارِ وَقِيلَ: جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا لِلْكُفَّارِ وَالثَّانِي لِلرُّسُلِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَوْمَئُوا إِلَى الرُّسُلِ أَنِ اسْكُتُوا وَقِيلَ: أَخَذُوا أَيْدِيَ الرُّسُلِ وَوَضَعُوهَا عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ ليسكنوهم وَيَقْطَعُوا كَلَامَهُمْ وَقِيلَ: إِنَّ الْأَيْدِيَ هُنَا النِّعَمُ، أَيْ: رَدُّوا نِعَمَ الرُّسُلِ بِأَفْوَاهِهِمْ، أَيْ: بِالنُّطْقِ والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءوهم بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَنِعْمَ مَا قَالَ: هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ: لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُجِيبُوا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الْجَوَابِ وَسَكَتَ: قَدْ رَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْأَخْفَشُ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ القتبي فَقَالَ: لَمْ يُسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ ردّ يده في فيه: إذ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَضُّوا عَلَى الْأَيْدِي حَنَقًا وَغَيْظًا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَرُدَّنَّ في فيه غيظ الحسو د حَتَّى يَعَضَّ عَلِيَّ الْأَكُفَّا «٢»
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَمِنْهُ قول الشاعر:
أو أنّ سلمى أبصرت تخدّدي [ودقّة في عظم ساقي ويدي]
[وبعد أهلي وجفاء عوّدي] عضّت من الوجد بأطراف اليدا «٣»
وَهُوَ أَقْرَبُ التَّفَاسِيرِ لِلْآيَةِ إِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنِ الْعَرَبِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ، فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَاهُ فَتَفْسِيرُ الْآيَةِ بِهِ أَقْرَبُ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أَيْ: قَالَ الْكُفَّارُ لِلرُّسُلِ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ عَلَى زَعْمِكُمْ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ أَيْ: فِي شَكٍّ عَظِيمٍ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بالله وحده
(١). آل عمران: ١١٩.
(٢). في تفسير القرطبي (٩/ ٣٤٦) : تردّون بدل: يردنّ، وغشّ بدل: غيظ.
(٣). ما بين معقوفتين مستدرك من تفسير القرطبي (٩/ ٣٤٥). «التخدّد» : أن يضطرب اللحم من الهزال.
116
وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ مُرِيبٍ أَيْ: مُوجِبٍ لِلرَّيْبِ، يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِذَا فَعَلْتَ أَمْرًا أَوْجَبَ رِيبَةً وَشَكًّا، وَالرَّيْبُ:
قَلَقُ النَّفْسِ وَعَدَمُ سُكُونِهَا. وَقَدْ قيل: كيف صرّحوا بالكفر ثم أقرهم عَلَى الشَّكِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِنَّا كَافِرُونَ بِرِسَالَتِكُمْ، وَإِنْ نَزَلْنَا عَنْ هَذَا الْمَقَامِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّا نَشُكُّ فِي صِحَّةِ نُبُوَّتِكُمْ، وَمَعَ كَمَالِ الشَّكِّ لَا مَطْمَعَ فِي الِاعْتِرَافِ بِنُبُوَّتِكُمْ. وَجُمْلَةُ قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:
فَمَاذَا قَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، أَيْ: أَفِي وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ شَكٌّ، وَهِيَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ، ثُمَّ إِنَّ الرُّسُلَ ذَكَرُوا بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ مَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الْإِنْكَارَ مِنَ الشَّوَاهِدِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الشَّكِّ فِي وُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَوَحْدَانِيَّتِهِ. فَقَالُوا: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ خَالِقِهِمَا وَمُخْتَرِعِهِمَا وَمُبْدِعِهِمَا وَمُوجِدِهِمَا بَعْدَ الْعَدَمِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ زَائِدَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ:
هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الْبَعْضُ وَيُرَادُ مِنْهُ الْجَمِيعُ وَقِيلَ: التَّبْعِيضُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ غُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لأمة محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ غُفْرَانُ جَمِيعِهَا لِغَيْرِهِمْ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ وَقِيلَ:
مِنْ لِلْبَدَلِ وَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَلَا تَبْعِيضِيَّةٍ، أَيْ: لِتَكُونَ الْمَغْفِرَةُ بَدَلًا مِنَ الذُّنُوبِ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ: إِلَى وَقْتٍ مُسَمًّى عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ فَلَا يُعَذِّبُكُمْ فِي الدُّنْيَا قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أَيْ:
مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فِي الْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ، تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ كَمَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ وَلَسْتُمْ مَلَائِكَةً تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا وَصَفُوهُمْ بِالْبَشَرِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِإِرَادَةِ الصَّدِّ لَهُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ ثَانِيًا، أَيْ: تُرِيدُونَ أَنْ تَصْرِفُونَا عَنْ مَعْبُودَاتِ آبَائِنَا مِنَ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَأْتُونا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّكُمْ مُرْسَلُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أَيْ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدَّعُونَهُ، وَقَدْ جَاءُوهُمْ بِالسُّلْطَانِ الْمُبِينِ وَالْحُجَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ تَعَنُّتَاتِهِمْ، وَلَوْنٌ مِنْ تَلَوُّنَاتِهِمْ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَيْ: مَا نَحْنُ فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كَمَا قُلْتُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَيْ: يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَقِيلَ: بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أَيْ: مَا صَحَّ وَلَا اسْتَقَامَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِحُجَّةٍ مِنَ الْحُجَجِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ: إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَتِنَا. قِيلَ: الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ هُنَا هُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ، وَقِيلَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَا شَاءَهُ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يشأه لم يكن وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ: عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُ، وَكَأَنَّ الرُّسُلَ قَصَدُوا بِهَذَا الْأَمْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْأَمْرَ لَهُمْ أَنْفُسِهِمْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلِهَذَا قَالُوا وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ أَيْ: وَأَيُّ عُذْرٍ لَنَا فِي أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ بِنَا مَا يُوجِبُ تَوَكُّلَنَا عَلَيْهِ مِنْ هِدَايَتِنَا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ سُلُوكَهُ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا بِمَا يَقَعُ مِنْكُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ لنا والاقتراحات الباطلة وَعَلَى اللَّهِ وحده دُونَ مَنْ عَدَاهُ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّوَكُّلِ الْأَوَّلِ اسْتِحْدَاثُهُ، وَبِهَذَا السَّعْيِ فِي بَقَائِهِ وَثُبُوتِهِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ: إِنَّ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْمُعْجِزَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا فِي حُصُولِهَا على
117
اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا عَلَيْنَا، فَإِنْ شَاءَ سُبْحَانَهُ أَظْهَرَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُظْهِرْهَا. وَمَعْنَى الثَّانِي: إِبْدَاءُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي دَفْعِ شَرِّ الْكُفَّارِ وَسَفَاهَتِهِمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ قَالَ: أَخْبَرَهُمْ مُوسَى عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُمْ إِنْ شَكَرُوا النِّعْمَةَ زَادَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَوْسَعَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى الْعَالَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ لَأَزِيدَنَّكُمْ قَالَ: مِنْ طَاعَتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: لَا تَذْهَبْ أَنْفُسُكُمْ إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ طَاعَتِي. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَتَى النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ سَائِلٌ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَلَمْ يَأْخُذْهَا، وَأَتَاهُ آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: اذْهَبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَعْطِيهِ الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا الَّتِي عِنْدَهَا» وَفِي إِسْنَادِ أَحْمَدَ عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ:
صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِالْمَتِينِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
رُبَّمَا يَضْطَرِبُ فِي حَدِيثِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُلْهِمَ خَمْسَةً لَمْ يُحْرَمْ خَمْسَةً، وَفِيهَا: وَمَنْ أُلْهِمَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ».
وَأَخْرَجَ الحكيم الترمذي في نوادره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ اللَّهِ أَرْبَعًا، وَفِيهَا: وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُمْنَعِ الزِّيَادَةَ». وَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الزِّيَادَةِ بِالزِّيَادَةِ فِي الطَّاعَةِ، بَلِ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ الْعُمُومُ، كَمَا يُفِيدُهُ جَعْلُ الزِّيَادَةِ جَزَاءً لِلشُّكْرِ، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ عَلَى مَا رَزَقَهُ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ عَلَى مَا أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ زَادَهُ مِنْ طَاعَتِهِ، وَمَنْ شَكَرَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ مِنَ الصِّحَّةِ زَادَهُ اللَّهُ صِحَّةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ وَيَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَا أَنْسُبُ النَّاسَ، قَالَ: إِنَّكَ لَا تَنْسُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً «١» قَالَ: أَنَا أَنْسُبُ ذَلِكَ الْكَثِيرَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ قوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ فَسَكَتَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبًا لَا يُعْرَفُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ في قوله:
(١). الفرقان: ٣٨.
118
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ ﴿ تأذن ﴾ بمعنى أذن، قاله الفراء، قال في الكشاف : ولا بدّ في تفعل من زيادة معنى ليست في أفعل، كأنه قيل : وإذ أذن ربكم إيذاناً بليغاً تنتفي عنه الشكوك وتنزاح الشبه. والمعنى : وإذ تأذن ربكم فقال :﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ ﴾ أو أجرى ﴿ تأذن ﴾ مجرى قال، لأنه ضرب من القول. انتهى. وهذا من قول موسى لقومه، وهو معطوف على نعمة الله أي : اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا حين تأذن ربكم. وقيل : هو معطوف على قوله : إذ أنجاكم، أي : اذكروا نعمة الله تعالى في هذين الوقتين، فإن هذا التأذن أيضاً نعمة. وقيل : هو من قول الله سبحانه، أي : واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم، وقرأ ابن مسعود «وإذ قال ربكم » والمعنى واحد كما تقدم، واللام في لئن شكرتم هي الموطئة للقسم. وقوله :﴿ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ سادّ مسدّ جوابي الشرط والقسم، وكذا اللام في ﴿ وَلَئِن كَفَرْتُمْ ﴾ وقوله :﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ سادّ مسدّ الجوابين أيضاً، والمعنى : لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلاً مني. وقيل : لأزيدنكم من طاعتي. وقيل : لأزيدنكم من الثواب. والأوّل أظهر، فالشكر سبب المزيد، ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه ﴿ إن عذابي لشديد ﴾، فلا بدّ أن يصيبكم منه ما يصيب. وقيل : إن الجواب محذوف، أي : ولئن كفرتم لأعذبنكم، والمذكور تعليل للجواب المحذوف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا ﴾ أي : إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها ﴿ فَإِنَّ الله ﴾ سبحانه ﴿ لَغَنِيٌ ﴾ عن شكركم لا يحتاج إليه ولا يلحقه بذلك نقص ﴿ حَمِيدٌ ﴾ أي : مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه، وإن لم تشكروه، أو يحمده غيركم من الملائكة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ ﴾ يحتمل أن يكون هذا خطاباً من موسى لقومه، فيكون داخلاً تحت التذكير بأيام الله، ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطاباً لقوم موسى، وتذكيراً لهم بالقرون الأولى وأخبارهم، ومجيء رسل الله إليهم، ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد صلى الله عليه وسلم تحذيراً لهم عن مخالفته، النبأ : الخبر، والجمع الأنباء، ومنه قول الشاعر :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
و﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ بدل من الموصول، أو عطف بيان ﴿ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي : من بعد هؤلاء المذكورين ﴿ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ أي : لا يحصي عددهم ويحيط بهم علماً إلاّ الله سبحانه، والموصول مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلاّ الله، والجملة معترضة، أو يكون الموصول معطوفاً على ما قبله، ولا يعلمهم إلاّ الله اعتراض، وعدم العلم من غير الله إما أن يكون راجعاً إلى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم، أي : هذه الأمور لا يعلمها إلاّ الله، ولا يعلمها غيره، أو يكون راجعاً إلى ذواتهم، أي : لا يعلم ذوات أولئك الذين من بعدهم إلاّ الله سبحانه. وجملة ﴿ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ﴾ مستأنفة لبيان النبأ المذكور في ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ ﴾ أي : جاءتهم الرسل بالمعجزات الظاهرة وبالشرائع الواضحة ﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ أي جعلوا أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل كما في قوله تعالى :﴿ عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ ﴾ [ آل عمران : ١١٩ ]، لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم. وقيل : إن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات، أي : اسكتوا واتركوا هذا الذي جئتم به تكذيباً لهم وردّا لقولهم. وقيل : المعنى أنهم أشاروا إلى أنفسهم وما يصدر عنها من المقالة، وهي قولهم :﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ أي : لا جواب لكم سوى هذا الذي قلناه لكم بألسنتنا هذه. وقيل : وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجباً كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه. وقيل : المعنى ردّوا على الرسل قولهم، وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأوّل للرسل والثاني للكفار. وقيل : جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردّاً لقولهم، فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل. وقيل : معناه أومأوا إلى الرسل أن اسكتوا. وقيل : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقيل : إن الأيدي هنا النعم، أي : ردّوا نعم الرسل بأفواههم، أي : بالنطق والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءهم به من الشرائع، وقال أبو عبيدة : ونعم ما قال : هو ضرب مثل، أي : لم يؤمنوا ولم يجيبوا، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت : قد ردّ يده في فيه. وهكذا قال الأخفش، واعترض ذلك القتيبي فقال : لم يسمع أحد من العرب يقول ردّ يده في فيه : إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى عضوا على الأيدي حنقاً وغيظاً، كقول الشاعر :
يردّن في فيه غيظ الحسود حتى يعض عليّ الأكفا
وهذا هو القول الذي قدّمناه على جميع هذه الأقوال، ومنه قول الشاعر :
لو أن سلمى أبصرت تخددي عضت من الوجد بأطراف اليد
وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره أبو عبيدة والأخفش، فإن صح ما ذكراه فتفسير الآية به أقرب ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ أي قال الكفار للرسل : إنا كفرنا بما أرسلتم به من البينات على زعمكم ﴿ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ ﴾ أي : في شك عظيم مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه ﴿ مُرِيبٍ ﴾ أي : موجب للريب. يقال : أربته إذا فعلت أمراً أوجب ريبة وشكاً. والريب قلق النفس وعدم سكونها. وقد قيل : كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك ؟ وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك في صحة نبوّتكم. ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
وجملة ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ ﴾ مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فماذا قالت لهم الرسل ؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ أي : أفي وحدانيته سبحانه شك ؟ وهي في غاية الوضوح والجلاء. ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه ووحدانيته، فقالوا :﴿ فَاطِرَ السماوات والأرض ﴾ أي : خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ إلى الإيمان به وتوحيده ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ قال أبو عبيدة :«من » زائدة، ووجه ذلك قوله في موضع آخر ﴿ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً ﴾ [ الزمر : ٥٣ ]. وقال سيبويه : هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع ؛ وقيل : التبعيض على حقيقته، ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميعها لغيرهم. وبهذه الآية احتج من جوّز زيادة «من » في الإثبات ؛ وقيل :«من » للبدل وليست بزائدة ولا تبعيضية، أي : لتكون المغفرة بدلاً من الذنوب ﴿ وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي : إلى وقت مسمى عنده سبحانه، وهو الموت فلا يعذبكم في الدنيا ﴿ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا ﴾ أي : ما أنتم إلاّ بشر مثلنا في الهيئة والصورة، تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب، ولستم ملائكة ﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾ وصفوهم بالبشر أوّلاً، ثم بإرادة الصدّ لهم عما كان يعبد آباؤهم ثانياً أي : تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها ﴿ فَأْتُونَا ﴾ إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله ﴿ بسلطان مُّبِينٍ ﴾ أي : بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدّعونه، وقد جاءوهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة، ولكن هذا النوع من تعنتاتهم، ولون من تلوناتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ﴾ أي : ما نحن في الصورة والهيئة إلاّ بشر مثلكم كما قلتم ﴿ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ أي : يتفضل على من يشاء منهم بالنبوّة ؛ وقيل : بالتوفيق والهداية ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان ﴾ أي : ما صح ولا استقام لنا أن نأتيكم بحجة من الحجج ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ أي : إلاّ بمشيئته وليس ذلك في قدرتنا. قيل : المراد بالسلطان هنا هو ما يطلبه الكفار من الآيات على سبيل التعنت، وقيل أعم من ذلك، فإن ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن ﴿ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾ أي : عليه وحده، وهذا أمر منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون من عداه، وكأنّ الرسل قصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمرَ لهم أنفسهم قصداً أوّلياً. ولهذا قالوا :﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله ﴾ أي : وأيّ عذر لنا في ألاّ نتوكل عليه سبحانه ؟ ﴿ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ أي : والحال أنه قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه من هدايتنا إلى الطريق الموصل إلى رحمته، وهو ما شرعه لعباده وأوجب عليهم سلوكه ﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا آذَيْتُمُونَا ﴾ بما يقع منكم من التكذيب لنا والاقتراحات الباطلة ﴿ وَعَلَى الله ﴾ وحده دون من عداه ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون ﴾ قيل : المراد بالتوكل الأوّل استحداثه، وبهذا السعي في بقائه وثبوته. وقيل : معنى الأوّل إن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا في حصولها على الله سبحانه لا علينا، فإن شاء سبحانه أظهرها وإن شاء لم يظهرها. ومعنى الثاني : أبداء التوكل على الله في دفع شر الكفار وسفاهتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم. وأخرج ابن جرير عن الحسن ﴿ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾ قال : من طاعتي. وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي. وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال :( أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله، فقال للجارية : اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها )، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان. وقال ابن معين : صالح، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد : روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود : ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي : لا بأس به. وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها : ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها : ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة ؟ ) ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في رزقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :﴿ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ ويقول : كذب النسابون. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله. وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال : قال رجل لعليّ بن أبي طالب : أنا أنسب الناس، قال : إنك لا تنسب الناس، فقال بلى : فقال له عليّ : أرأيت قوله :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ] قال : أنا أنسب ذلك الكثير، قال : أرأيت قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله ﴾ فسكت. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ﴿ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ يقولون : لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود :﴿ فرّدوا أيديهم في أفواههم ﴾ قال : عضوا عليها. وفي لفظ : على أناملهم غيظاً على رسلهم.
فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ قَالَ: لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ يَقُولُونَ: لا نصدّكم فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا. وَفِي لفظ: على أناملهم غيظا على رسلهم.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٣ الى ١٨]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)
قَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ هُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ عَنْ إِجَابَةِ الرُّسُلِ، وَاللَّامُ فِي لَنُخْرِجَنَّكُمْ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، لَمْ يَقْنَعُوا بِرَدِّهِمْ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَعَدَمِ امْتِثَالِهِمْ لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ حَتَّى اجْتَرَءُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَا، وَخَيَّرُوهُمْ بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِهِمْ، أَوِ الْعَوْدِ فِي مِلَّتِهِمُ الْكُفْرِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوْ فِي أَوْ لَتَعُودُنَّ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ تَعُودُوا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ أَوْ عَلَى بَابِهَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. قِيلَ: وَالْعَوْدُ هُنَا بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ لِلرُّسُلِ ولمن آمن بهم فغلب الرسل عَلَى أَتْبَاعِهِمْ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ أَيْ: إِلَى الرُّسُلِ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ أَيْ: قَالَ لَهُمْ: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ أَيْ: أَرْضَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ تَوَعَّدُوكُمْ بِمَا تَوَعَّدُوا مِنَ الْإِخْرَاجِ أَوِ الْعَوْدِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا «١»، وقال: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ «٢».
وقرئ ليهلكنّ وليسكننكم بِالتَّحْتِيَّةِ فِي الْفِعْلَيْنِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ فَأَوْحَى، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ وَإِسْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَسَاكِنِهِمْ لِمَنْ خافَ مَقامِي أَيْ: مَوْقِفِي، وَذَلِكَ يَوْمَ الْحِسَابِ، فَإِنَّهُ مَوْقِفُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَكَانُ الْإِقَامَةِ، وَبِالضَّمِّ فِعْلُ الْإِقَامَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَقَامَ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِيَامِ، أَيْ: لِمَنْ خَافَ قِيَامِي عَلَيْهِ وَمُرَاقَبَتِي لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «٣» وَقَالَ الْأَخْفَشُ: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي، أَيْ: عذابي وَخافَ وَعِيدِ أي: خاف
(١). الأعراف: ١٣٧.
(٢). الأحزاب: ٣٧.
(٣). الرعد: ٣٣. [.....]
119
وَعِيدِي بِالْعَذَابِ، وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ وَزَوَاجِرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ نَفْسُ الْعَذَابِ، وَالْوَعِيدُ الِاسْمُ مِنَ الْوَعْدِ وَاسْتَفْتَحُوا مَعْطُوفٌ عَلَى أَوْحَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمُ اسْتَنْصَرُوا بِاللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، أَوْ سَأَلُوا اللَّهَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ، مِنَ الْفُتَاحَةِ وَهِيَ الْحُكُومَةُ وَمِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قوله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ «١» أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ وَمِنَ الْمَعْنَى الثَّانِي قَوْلُهُ: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ «٢» أَيِ: احْكُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي اسْتَفْتَحُوا لِلرُّسُلِ وَقِيلَ: لِلْكُفَّارِ، وَقِيلَ: لِلْفَرِيقَيْنِ وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا، هَكَذَا حَكَاهُ النَّحَّاسُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُعَانِدُ لِلْحَقِّ وَالْمُجَانِبُ لَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِنْدِ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، أَيْ: أَخَذَ فِي نَاحِيَةٍ مُعْرِضًا. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا نَزَلْتُ فَاجْعَلُونِي وَسَطًا إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعِنْدَا
قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَنِيدُ: الَّذِي يَعْدِلُ عَنِ الْقَصْدِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الَّذِي عَنَدَ وَبَغَى، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ الشَّامِخُ بِأَنْفِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْعَاصِي، وَقِيلَ: الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ خَسِرَ وَهَلَكَ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ أَيْ: مِنْ بَعْدِهِ جَهَنَّمُ، وَالْمُرَادُ بَعْدَ هَلَاكِهِ عَلَى أن وراءها هنا بِمَعْنَى بَعْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ
أَيْ: لَيْسَ بَعْدَ اللَّهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أَيْ: مِنْ بَعْدِهِ. كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: مِنْ وَرائِهِ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقَلِبُ إِلَى الْآخَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَمِنْ وَرَائِكَ يَوْمٌ أَنْتَ بَالِغُهُ لَا حَاضِرٌ مُعْجَزٌ عَنْهُ وَلَا بَادِي
وَقَالَ آخَرُ:
أَتَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا
أَيْ: أَمَامِي. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً «٣» أَيْ: أَمَامَهُمْ، وَبِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا قَالَ قُطْرُبٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كَمَا يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ مِنْ وَرَائِكَ أَيْ: سَوْفَ يَأْتِيكَ، وَأَنَا مِنْ وَرَاءِ فُلَانٍ، أَيْ: فِي طَلَبِهِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: مِنْ وَرَائِهِ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ تَوَارَى أَيِ: اسْتَتَرَ فَصَارَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَرَائِهِ، لِأَنَّهَا لَا تُرَى، وَحَكَى مِثْلَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سائل. كأنه قيل: فماذا يكون إذن؟ قِيلَ: يُلْقَى فِيهَا وَيُسْقَى، وَالصَّدِيدُ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الصَّدِّ. لِأَنَّهُ يَصُدُّ النَّاظِرِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِقَيْحٍ، وَالصَّدِيدُ صِفَةٌ لِمَاءٍ، وَقِيلَ: عَطْفُ بيان عنه ويَتَجَرَّعُهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَاءٍ،
(١). الأنفال: ١٩.
(٢). الأعراف: ٨٩.
(٣). الكهف: ٧٩.
120
أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِئْنَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى سُؤَالٍ، وَالتَّجَرُّعُ: التَّحَسِّي، أَيْ: يَتَحَسَّاهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، لَا مَرَّةً وَاحِدَةً لِمَرَارَتِهِ وَحَرَارَتِهِ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أَيْ: يَبْتَلِعُهُ، يُقَالُ: سَاغَ الشَّرَابُ فِي الْحَلْقِ يَسُوغُ سَوْغًا إِذَا كَانَ سَهْلًا، وَالْمَعْنَى: وَلَا يُقَارِبُ إِسَاغَتَهُ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْإِسَاغَةُ؟ بَلْ يُغَصُّ به فيطول عذابه بالعطش تارة، وبشربه عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أُخْرَى وَقِيلَ: إِنَّهُ يُسِيغُهُ بَعْدَ شِدَّةٍ وَإِبْطَاءٍ، كَقَوْلِهِ:
وَما كادُوا يَفْعَلُونَ «١» أَيْ: يَفْعَلُونَ بَعْدَ إِبْطَاءٍ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ «٢». وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أَيْ: تَأْتِيهِ أَسْبَابُ الْمَوْتِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ بَدَنِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمُرَادُ بِالْمَوْتِ هُنَا الْبَلَايَا الَّتِي تُصِيبُ الْكَافِرَ فِي النَّارِ، سَمَّاهَا مَوْتًا لِشِدَّتِهَا وَما هُوَ بِمَيِّتٍ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ حَقِيقَةً فَيَسْتَرِيحُ وَقِيلَ: تَعْلَقُ نَفْسُهُ فِي حَنْجَرَتِهِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَيَمُوتُ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ فَيَحْيَا، وَمِثْلُهُ قوله تعالى: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَقِيلَ: مَعْنَى وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ لِتَطَاوُلِ شَدَائِدِ الْمَوْتِ بِهِ وَامْتِدَادِ سَكَرَاتِهِ عَلَيْهِ. وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِعَدَمِ الْمَوْتِ حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قوله سبحانه: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى «٣» وَقَوْلِهِ: لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها «٤». وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ، أَوْ مِنْ بَعْدِهِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْخُلُودُ، وَقِيلَ: حَبْسُ النَّفْسِ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَثَلُ مُرْتَفِعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
التَّقْدِيرُ مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِإِلْغَاءِ مَثَلُ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَعْنِي مَثَلُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الصِّفَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد. والمراد: أَنَّ أَعْمَالَهُمْ بَاطِلَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَالرَّمَادُ مَا يَبْقَى بَعْدَ احْتِرَاقِ الشَّيْءِ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ مَثَلًا لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهُ يَمْحَقُهَا كَمَا تَمْحَقُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الرَّمَادَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ.
وَمَعْنَى: اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ: حَمَلَتْهُ بِشِدَّةٍ وَسُرْعَةٍ، وَالْعَصْفُ شِدَّةُ الرِّيحِ، وُصِفَ بِهِ زَمَانُهَا مُبَالَغَةً كَمَا يُقَالُ:
يَوْمٌ حَارٌّ وَيَوْمٌ بَارِدٌ، وَالْبَرْدُ وَالْحَرُّ فِيهِمَا لَا مِنْهُمَا لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ أَيْ: لَا يَقْدِرُ الْكُفَّارُ مِمَّا كَسَبُوا مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا يَرَوْنَ لَهُ أَثَرًا فِي الْآخِرَةِ يُجَازَوْنَ بِهِ وَيُثَابُونَ عَلَيْهِ، بَلْ جَمِيعُ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا بَاطِلٌ ذَاهِبٌ كَذَهَابِ الرِّيحِ بِالرَّمَادِ عِنْدَ شِدَّةِ هُبُوبِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ، أَيْ: هَذَا الْبُطْلَانُ لِأَعْمَالِهِمْ وَذَهَابُ أَثَرِهَا هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ الْمُخَالِفِ لِمَنْهَجِ الصَّوَابِ، لَمَّا كَانَ هَذَا خُسْرَانًا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ سَمَّاهُ بَعِيدًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا الْآيَةَ، قَالَ: كَانَتِ الرُّسُلُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَضْعِفُهُمْ قَوْمُهُمْ وَيَقْهَرُونَهُمْ وَيُكَذِّبُونَهُمْ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَبَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّةِ الْكُفْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا عَلَى الْجَبَابِرَةِ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُسْكِنَهُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَاسْتَفْتَحُوا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ
(١). البقرة: ٧١.
(٢). الحج: ٢٠.
(٣). الأعلى: ١٣.
(٤). فاطر: ٣٦.
121
﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض ﴾ أي أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو العود، ومثل هذه الآية قوله سبحانه :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ]. وقال :﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وديارهم ﴾ [ الأحزاب : ٢٧ ] وقرئ " ليهلكن "، " وليسكننكم " بالتحتية في الفعلين اعتباراً بقوله ﴿ فأوحى ﴾، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدّم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين في مساكنهم ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي ﴾ أي : موقفي، وذلك يوم الحساب، فإنه موقف الله سبحانه، والمقام بفتح الميم مكان الإقامة. وبالضم فعل الإقامة، وقيل : إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام، أي : لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي له، كقوله تعالى :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ الرعد : ٣٣ ]. وقال الأخفش :﴿ ذلك لمن خاف مقامي ﴾ أي : عذابي ﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ أي : خاف وعيدي بالعذاب. وقيل : بالقرآن وزواجره. وقيل : هو نفس العذاب، والوعيد الاسم من الوعد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا ﴾ الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ قال : للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله :﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ قال : معاند للحقّ مجانب له. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : استنصرت الرسل على قومها ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يقول : عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : العنيد الناكب عن الحق. وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ قال : يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. يقول الله تعالى :﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٥ ]. وقال :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل يَشْوِي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ قال : يسيل من جلد الكافر ولحمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : من كلّ عظم وعرق وعصب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال : من موضع كل شعرة في جسده ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : الخلود. وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : حبس الأنفاس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُوا بِرَبّهِمْ ﴾ الآية قال : مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.

﴿ واستفتحوا ﴾ معطوف على ﴿ أوحى ﴾، والمعنى : أنهم استنصروا بالله على أعدائهم، أو سألوا الله القضاء بينهم، من الفتاحة وهي الحكومة ومن المعنى الأوّل قوله :﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح ﴾ [ الأنفال : ١٩ ] أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. ومن المعنى الثاني قوله :﴿ رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق ﴾ [ الأعراف : ١٩ ] أي : احكم، والضمير في ﴿ استفتحوا ﴾ للرسل. وقيل : للكفار. وقيل : للفريقين ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة، والعنيد المعاند للحق والمجانب له، وهو مأخوذ من العند، وهو الناحية، أي : أخذ في ناحية معرضاً. قال الشاعر :
إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا
قال الزجاج : العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي، وقال أبو عبيد : هو الذي عند وبغى، وقال ابن كيسان : هو الشامخ بأنفه. وقيل : المراد به العاصي. وقيل : الذي أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. ومعنى الآية : أنه خسر وهلك من كان متصفاً بهذه الصفة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا ﴾ الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ قال : للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله :﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ قال : معاند للحقّ مجانب له. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : استنصرت الرسل على قومها ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يقول : عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : العنيد الناكب عن الحق. وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ قال : يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. يقول الله تعالى :﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٥ ]. وقال :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل يَشْوِي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ قال : يسيل من جلد الكافر ولحمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : من كلّ عظم وعرق وعصب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال : من موضع كل شعرة في جسده ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : الخلود. وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : حبس الأنفاس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُوا بِرَبّهِمْ ﴾ الآية قال : مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.

﴿ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ﴾ أي : من بعده جهنم، والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى بعد، ومنه قول النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
أي : ليس بعد الله، ومثله قوله :﴿ ومن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ أي : من بعده. كذا قال الفراء. وقيل : من ورائه أي : من أمامه، قال أبو عبيد : هو من أسماء الأضداد، لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر، ومنه قول الشاعر :
ومن ورائك يوم أنت بالغه لا حاضر معجز عنه ولا بادي
وقال آخر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي : أمامي، ومنه قوله تعالى :﴿ وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾ [ الكهف : ٧٩ ]. أي : أمامهم، ويقول أبي عبيدة هذا قاله قطرب. وقال الأخفش : هو كما يقال : هذا الأمر من ورائك، أي : سوف يأتيك، وأنا من وراء فلان، أي : في طلبه. وقال النحاس : من ورائه، أي : من أمامه، وليس من الأضداد، ولكنه من توارى، أي : استتر فصارت جهنم من ورائه ؛ لأنها لا ترى، وحكى مثله ابن الأنباري. ﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ معطوف على مقدّر جواباً عن سؤال سائل، كأنه قيل : فماذا يكون إذن ؟ قيل : يلقى فيها ويسقى، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار، واشتقاقه من الصدّ، لأنه يصدّ الناظرين عن رؤيته، وهو دم مختلط بقيح، والصديد صفة لماء. وقيل : عطف بيان منه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا ﴾ الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ قال : للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله :﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ قال : معاند للحقّ مجانب له. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : استنصرت الرسل على قومها ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يقول : عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : العنيد الناكب عن الحق. وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ قال : يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. يقول الله تعالى :﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٥ ]. وقال :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل يَشْوِي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ قال : يسيل من جلد الكافر ولحمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : من كلّ عظم وعرق وعصب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال : من موضع كل شعرة في جسده ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : الخلود. وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : حبس الأنفاس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُوا بِرَبّهِمْ ﴾ الآية قال : مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.

و﴿ يتجرعه ﴾ في محل جر على أنه صفة لماء، أو في محل نصب على أنه حال. وقيل : هو استئناف مبنيّ على سؤال. والتجرع التحسي أي : يتحساه مرة بعد مرّة لا مرّة واحدة لمرارته وحرارته ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ أي : يبتلعه، يقال ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغاً : إذا كان سهلاً، والمعنى : ولا يقارب إساغته، فكيف تكون الإساغة ؟ بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة، ويشربه على هذه الحال أخرى. وقيل : إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء، كقوله :﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [ البقرة : ٧١ ] أي : يفعلون بعد إبطاء، كما يدلّ عليه قوله تعالى في آية أخرى ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ [ الحج : ٢٠ ] ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ أي : تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات. أو من كل موضع من مواضع بدنه. وقال الأخفش : المراد بالموت هنا البلايا التي تصيب الكافر في النار، سماها موتاً لشدّتها ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ ﴾ أي : والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح. وقيل : تعلق نفسه في حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا، ومثله قوله تعالى :﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [ الأعلى : ١٣ ]، وقيل : معنى ﴿ وما هو بميت ﴾ لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه، والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه ﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ وقوله :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ] ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ أي من أمامه، أو من بعده عذاب شديد. وقيل هو الخلود. وقيل حبس النفس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا ﴾ الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ قال : للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله :﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ قال : معاند للحقّ مجانب له. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : استنصرت الرسل على قومها ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يقول : عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : العنيد الناكب عن الحق. وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ قال : يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. يقول الله تعالى :﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٥ ]. وقال :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل يَشْوِي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ قال : يسيل من جلد الكافر ولحمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : من كلّ عظم وعرق وعصب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال : من موضع كل شعرة في جسده ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : الخلود. وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : حبس الأنفاس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُوا بِرَبّهِمْ ﴾ الآية قال : مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.

﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِم أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ﴾ قال سيبويه : مثل مرتفع على الابتداء، والخبر مقدّر، أي : فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا وبه قال الزجاج. وقال الفراء : التقدير ﴿ مثل ﴾ أعمال الذين كفروا فحذف المضاف. وروي عنه أنه قال بإلغاء مثل. والتقدير الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد. وقيل هو : أعني ﴿ مثل ﴾ مبتدأ وخبره ﴿ أعمالهم كرماد ﴾ على أن معناه الصفة، فكأنه قال صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد. والمعنى : أن أعمالهم باطلة غير مقبولة، والرماد ما يبقى بعد احتراق الشيء، ضرب الله سبحانه هذه الآية مثلاً لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف، ومعنى اشتدّت به الريح : حملته بشدّة وسرعة، والعصف شدّة الريح، وصف به زمانها مبالغة كما يقال : يوم حار ويوم بارد، والبرد والحر فيهما لا منهما ﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا على شَيء ﴾ أي : لا يقدر الكفار مما كسبوا من تلك الأعمال الباطلة على شيء منها، ولا يرون له أثراً في الآخرة يجازون به ويثابون عليه، بل جميع ما عملوه في الدنيا باطل ذاهب كذهاب الريح بالرماد عند شدة هبوبها. والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما دلّ عليه التمثيل أي : هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها ﴿ هُوَ الضلال البعيد ﴾ عن طريق الحقّ المخالف لمنهج الصواب، لما كان هذا خسراناً لا يمكن تداركه سماه بعيداً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا ﴾ الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ قال : للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله :﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ قال : معاند للحقّ مجانب له. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : استنصرت الرسل على قومها ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ يقول : عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : العنيد الناكب عن الحق. وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ قال : يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. يقول الله تعالى :﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ﴾ [ محمد : ١٥ ]. وقال :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالمهل يَشْوِي الوجوه ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ قال : يسيل من جلد الكافر ولحمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ قال : من كلّ عظم وعرق وعصب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال : من موضع كل شعرة في جسده ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : الخلود. وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ﴿ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ قال : حبس الأنفاس. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّثَلُ الذين كَفَرُوا بِرَبّهِمْ ﴾ الآية قال : مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.

يَسْتَفْتِحُوا، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ مَنْ يَسْكُنُهَا مِنْ عِبَادِهِ فَقَالَ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «١» وَإِنَّ لِلَّهِ مَقَامًا هُوَ قَائِمُهُ، وَإِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ خَافُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ فَنَصَبُوا وَدَأَبُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَفْتَحُوا قَالَ: لِلرُّسُلِ كُلِّهَا يَقُولُ اسْتَنْصَرُوا، وَفِي قَوْلِهِ:
وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ قَالَ: مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ مُجَانِبٌ لَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَقُولُ: عَنِيدٌ عَنِ الْحَقِّ مُعْرِضٌ عَنْهُ، أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْعَنِيدُ، النَّاكِبُ عَنِ الْحَقِّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قَالَ: «يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ». يَقُولُ اللَّهُ تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ «٢» وَقَالَ: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ «٣». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قَالَ: يَسِيلُ مِنْ جِلْدِ الْكَافِرِ وَلَحْمِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ قَالَ: أَنْوَاعُ الْعَذَابِ، وَلَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلَّا الْمَوْتُ يَأْتِيهِ مِنْهُ لَوْ كَانَ يَمُوتُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمُوتُ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا «٤». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ميمون ابن مِهْرَانَ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَظْمٍ وَعِرْقٍ وَعَصَبٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: مِنْ مَوْضِعِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِهِ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ قَالَ: الْخُلُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ قَالَ: حَبْسُ الْأَنْفَاسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ الْآيَةَ قَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَهُ فَأَعْمَالُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَنْفَعُهُمْ، كَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٩ الى ٢٣]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)
(١). الرحمن: ٤٦.
(٢). محمد: ١٥.
(٣). الكهف: ٢٩.
(٤). فاطر: ٣٦.
122
قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ الرُّؤْيَةُ هُنَا هِيَ الْقَلْبِيَّةُ، وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيضًا لِأُمَّتِهِ، أَوِ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يصلح له. وقرأ حمزة والكسائي: «خالق السموات» وَمَعْنَى بِالْحَقِّ:
بِالْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَحِقُّ أَنْ يَخْلُقَهَا عَلَيْهِ لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ. ثُمَّ بَيَّنَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَاسْتِغْنَاءَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ فَيُعْدِمُ الْمَوْجُودِينَ وَيُوجِدُ الْمَعْدُومِينَ وَيُهْلِكُ الْعُصَاةَ وَيَأْتِي بِمَنْ يُطِيعُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْمَقَامُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَلْقُ الْجَدِيدُ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَيْ: بِمُمْتَنِعٍ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى كل شيء، وفيه أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَيْ: بِمُمْتَنِعٍ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يُرْجَى ثَوَابُهُ وَيُخَافَ عِقَابُهُ، فَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فَقَالَ: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً أَيْ: بَرَزُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْبُرُوزُ: الظُّهُورُ، وَالْبَرَازُ: الْمَكَانُ الْوَاسِعُ لِظُهُورِهِ، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ بَرْزَةٌ، أَيْ: تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ فَمَعْنَى بَرَزُوا ظَهَرُوا مِنْ قُبُورِهِمْ. وَعُبِّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَإِنَّمَا قَالَ: وَبَرَزُوا لِلَّهِ مَعَ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِهِمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بَرَزُوا أَوْ لَمْ يَبْرُزُوا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَتِرُونَ عَنِ الْعُيُونِ عِنْدَ فِعْلِهِمْ لِلْمَعَاصِي، وَيَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أَيْ: قَالَ الْأَتْبَاعُ الضُّعَفَاءُ لِلرُّؤَسَاءِ الْأَقْوِيَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الرِّيَاسَةِ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أَيْ: فِي الدُّنْيَا، فَكَذَّبْنَا الرُّسُلَ وَكَفَرْنَا بِاللَّهِ مُتَابَعَةً لَكُمْ، وَالتَّبَعُ: جَمْعُ تَابِعٍ، أَوْ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ ذَوِي تَبَعٍ، قَالَ الزَّجَّاجُ:
جَمَعَهُمْ فِي حَشْرِهِمْ فَاجْتَمَعَ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ، فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ أَكَابِرِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا جَمْعُ تَابِعٍ مِثْلُ خَادِمٍ وَخَدَمٍ، وَحَارِسٍ وَحَرَسٍ، وَرَاصِدٍ وَرَصَدٍ فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا أي:
أي دافعون عنا من عذاب الله من شيء، من الأولى للبيان، والثانية للتبعيض أي: بعض الشيء الذي هو عَذَابِ اللَّهِ يُقَالُ أَغْنَى عَنْهُ إِذَا دَفَعَ عَنْهُ الْأَذَى، وَأَغْنَاهُ إِذَا أَوْصَلَ إِلَيْهِ النَّفْعَ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ أَيْ: قَالَ الْمُسْتَكْبِرُونَ مُجِيبِينَ عَنْ قَوْلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ أَجَابُوا؟
أَيْ: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ لَهَدَيْنَاكُمْ إِلَيْهِ وَقِيلَ: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ لَهَدَيْنَاكُمْ إِلَيْهَا وَقِيلَ: لَوْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ لَنَجَّيْنَاكُمْ مِنْهُ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ أَيْ: مُسْتَوٍ عَلَيْنَا الْجَزَعُ وَالصَّبْرُ، وَالْهَمْزَةُ وَأَمْ لِتَأْكِيدِ التَّسْوِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ «١». مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ أَيْ: مِنْ مَنْجًا وَمَهْرَبٍ مِنَ الْعَذَابِ، يُقَالُ: حَاصَ فُلَانٌ عَنْ كذا، أي: فرّ وزاغ يحيص حيصا
(١). البقرة: ٦.
123
وَحُيُوصًا وَحَيَصَانًا، وَالْمَعْنَى: مَا لَنَا وَجْهٌ نَتَبَاعَدُ بِهِ عَنِ النَّارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ أَيْ: قَالَ لِلْفَرِيقَيْنِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَمَعْنَى لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ: لَمَّا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَهُوَ وَعْدُهُ سُبْحَانَهُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَمُجَازَاةِ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ أَيْ: وَعَدْتُكُمْ وَعْدًا بَاطِلًا، بِأَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا حِسَابَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ فَأَخْلَفْتُكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَعْدَ الْحَقِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ، وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْيَوْمِ الْحَقِّ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أَيْ: تَسَلُّطٍ عَلَيْكُمْ بِإِظْهَارِ حُجَّةٍ عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ بِهِ وَزَيَّنْتُهُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أَيْ: إِلَّا مُجَرَّدُ دُعَائِي لَكُمْ إِلَى الْغَوَايَةِ وَالضَّلَالِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَدَعْوَتُهُ إِيَّاهُمْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ السُّلْطَانِ حَتَّى تُسْتَثْنَى مِنْهُ، بَلِ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، أَيْ: فَسَارَعْتُمْ إِلَى إِجَابَتِي وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ هُنَا الْقَهْرُ أَيْ: مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ قَهْرٍ يَضْطَرُّكُمْ إِلَى إِجَابَتِي وَقِيلَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ مِنْ بَابِ:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ
مُبَالَغَةً فِي نَفْيِهِ لِلسُّلْطَانِ عَنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا يَكُونُ لِيَ عَلَيْكُمْ سُلْطَانٌ إِذَا كَانَ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ مِنَ السُّلْطَانِ، وَلَيْسَ مِنْهُ قَطْعًا فَلا تَلُومُونِي بِمَا وَقَعْتُمْ فِيهِ بِسَبَبِ وَعْدِي لَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَإِخْلَافِي لِهَذَا الْمَوْعِدِ وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ بِاسْتِجَابَتِكُمْ لِي بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَةِ الَّتِي لَا سُلْطَانَ عَلَيْهَا وَلَا حُجَّةَ، فَإِنَّ مَنْ قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ الْبَاطِلَةَ وَالدَّعَاوَى الزَّائِغَةَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَعَلَى نَفْسِهِ جَنَى، وَلِمَارِنِهِ «١» قَطَعَ وَلَا سِيَّمَا وَدَعْوَتِي هَذِهِ الْبَاطِلَةُ وَمَوْعِدِي الْفَاسِدُ وَقَعَا مُعَارِضَيْنِ لِوَعْدِ اللَّهِ لَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَدَعْوَتِهِ لَكُمْ إِلَى الدَّارِ السَّلَامِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ وَلَا تَلْتَبِسُ إِلَّا عَلَى مَخْذُولٍ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَنْ يَقْتَدِي بِآرَاءِ الرِّجَالِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، ولما سنّه رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيُؤْثِرُهَا عَلَى مَا فِيهِمَا، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ، وَتَرَكَ الْحُجَّةَ وَالْبُرْهَانَ خَلْفَ ظَهْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُقْتَدِينَ بِالرِّجَالِ الْمُتَنَكِّبِينَ طَرِيقَ الْحَقِّ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمُ، اللَّهُمَّ غَفْرًا مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ يُقَالُ: صَرَخَ فُلَانٌ إِذَا اسْتَغَاثَ يَصْرُخُ صُرَاخًا وَصَرْخًا، وَاسْتَصْرَخَ بِمَعْنَى صَرَخَ، وَالْمُصْرِخُ: الْمُغِيثُ، وَالْمُسْتَصْرِخُ: الْمُسْتَغِيثُ، يُقَالُ: اسْتَصْرَخَنِي فَأَصْرَخْتُهُ، وَالصَّرِيخُ: صَوْتُ الْمُسْتَصْرِخِ، وَالصَّرِيخُ أَيْضًا: الصَّارِخُ وَهُوَ الْمُغِيثُ وَالْمُسْتَغِيثُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الصَّارِخُ: الْمُسْتَغِيثُ، وَالْمُصْرِخُ: الْمُغِيثُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ لَهُمْ إِلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُبْتَلًى بِمَا ابْتُلُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يُغِيثُهُ وَيُخَلِّصُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَطْمَعُونَ فِي إِغَاثَةِ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يُغِيثُهُ؟
وَمِمَّا وَرَدَ مَوْرِدَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ قول أمية بن أبي الصّلت:
(١). المارن: الأنف، أو طرفه، أو ما لان منه ومن الرّمح.
124
فَلَا تَجْزَعُوا إِنِّي لَكُمْ غَيْرُ مُصْرِخٍ وَلَيْسَ لكم عندي غناء ولا نصر
وَ «مُصْرِخِيَّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِكَسْرِ الْيَاءِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ عَنْ خَطَأٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ قِرَاءَةٌ رَدِيئَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهَا إِلَّا وَجْهٌ ضَعِيفٌ يَعْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ كَسَرَهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وقال قطرب: هذه لغة يَرْبُوعَ يَزِيدُونَ عَلَى يَاءِ الْإِضَافَةِ يَاءً، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ فِيمَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَوْلَ الشاعر «١» :
قال لها هل لك يا تافيّ «٢» قَالَتْ لَهُ مَا أَنْتَ بِالْمَرْضِيِّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ لَمَّا كَشَفَ لَهُمُ الْقِنَاعَ بِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا يَنْصُرُهُمْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ النَّصْرِ، صَرَّحَ لَهُمْ بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِإِشْرَاكِهِمْ لَهُ مَعَ اللَّهِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِيهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ جَعْلِهِ شَرِيكًا، وَلَقَدْ قَامَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَقَامًا يَقْصِمُ ظُهُورَهُمْ وَيَقْطَعُ قُلُوبَهُمْ، فَأَوْضَحَ لَهُمْ أَوَّلًا أَنَّ مَوَاعِيدَهُ الَّتِي كَانَ يَعِدُهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بَاطِلَةٌ مُعَارِضَةٌ لِوَعْدِ الْحَقِّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ أَخْلَفَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاعِيدِ وَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ أَوْضَحَ لَهُمْ ثَانِيًا بِأَنَّهُمْ قَبِلُوا قَوْلَهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْقَبُولَ، وَلَا يَنْفُقُ عَلَى عَقْلِ عَاقِلٍ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْعَاقِلِ مِنْهَا فِي قَبُولِ قَوْلِ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَوْضَحَ ثَالِثًا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَةِ الْعَاطِلَةِ عَنِ الْبُرْهَانِ الْخَالِيَةِ عَنْ أَيْسَرِ شَيْءٍ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْعُقَلَاءُ ثُمَّ نَعَى عَلَيْهِمْ رَابِعًا مَا وَقَعُوا فِيهِ، وَدَفَعَ لَوْمَهُمْ لَهُ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَلُومُوا أَنْفُسَهُمْ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ قَبِلُوا الْبَاطِلَ الْبَحْتَ الَّذِي لَا يَلْتَبِسُ بُطْلَانُهُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى عقل ثم وأضح لَهُمْ خَامِسًا بِأَنَّهُ لَا نَصْرَ عِنْدَهُ وَلَا إِغَاثَةَ وَلَا يَسْتَطِيعُ لَهُمْ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا، بَلْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْوُقُوعِ فِي الْبَلِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنِ الْخُلُوصِ عَنْ هَذِهِ الْمِحْنَةِ ثُمَّ صَرَّحَ لَهُمْ سَادِسًا بِأَنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِمَا اعْتَقَدُوهُ فِيهِ وَأَثْبَتُوهُ لَهُ فَتَضَاعَفَتْ عَلَيْهِمُ الْحَسَرَاتُ وَتَوَالَتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ، وَإِذَا كَانَ جُمْلَةُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ فَهُوَ نَوْعٌ سَابِعٌ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِهِ، فَأَثْبَتَ لَهُمُ الظُّلْمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ جَزَاؤُهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إلى أن ما مصدرية في بِما أَشْرَكْتُمُونِ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً عَلَى مَعْنَى إِنِّي كَفَرْتُ بِالَّذِي أَشْرَكْتُمُونِيهِ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَكُونُ هَذَا حِكَايَةً لِكُفْرِهِ بِاللَّهِ عِنْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَمَّا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِحَالِ أَهْلِ النَّارِ أَخْبَرَ بِحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «أُدْخِلَ» عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ «وَأَدْخَلَ» عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ: وَأَنَا أُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ خُلُودَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ وَعَدَمَ انْقِطَاعِ نَعِيمِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، أَيْ: بِتَوْفِيقِهِ وَلُطْفِهِ وَهِدَايَتِهِ، هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْحَسَنِ فيكون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلقا بقوله:
(١). هو الأغلب العجلي. [.....]
(٢). في المطبوع: قُلْتُ لَهَا يَا تَاءُ هَلْ لَكِ فِيَّ. والمثبت من معاني القرآن للفراء (٢/ ٧٦).
125
تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أَيْ: تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ سَلَامٌ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ يُونُسَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ قَالَ: بِخَلْقٍ آخَرَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: فَقالَ الضُّعَفاءُ قَالَ: الْأَتْبَاعُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قَالَ: لِلْقَادَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: جَزِعُوا مِائَةَ سَنَةٍ، وَصَبَرُوا مِائَةَ سَنَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عن كعب ابن مَالِكٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْنا الْآيَةَ قَالَ: «يقول أهل النار هلمّوا فلنصبر، فيصبروا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا: هَلُمُّوا فَلْنَجْزَعْ، فَبَكَوْا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ». الظاهر أَنَّ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بَعْدَ دُخُولِهِمُ النَّارَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ «١».
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَرْفَعُهُ، وَذَكَرَ فيه حديث الشفاعة، ثم قال: «ويقول الكافرون عِنْدَ ذَلِكَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا؟ مَا هُوَ إِلَّا إِبْلِيسُ فَهُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا، فَيَأْتُونَ إِبْلِيسَ فَيَقُولُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ قُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا، فَيَقُومُ إِبْلِيسُ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ أَنْتَنِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ، ثُمَّ يَعِظُهُمْ بِجَهَنَّمَ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ الْآيَةَ». وَضَعَّفَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادَهُ، وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَوْنُ فِي إِسْنَادِهِ رِشْدِينَ بْنِ سعد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ عَنْ دخين الحجري عَنْ عُقْبَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَامَ إِبْلِيسُ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نَارٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ قَالَ:
بِنَاصِرِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ قَالَ: بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِبْلِيسُ، وَعِيسَى فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُومُ فِي حِزْبِهِ فَيَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ وَأَمَّا عِيسَى فَيَقُولُ: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٢». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ قَالَ: مَا أَنَا بِنَافِعِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بنافعيّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ قال: شركه: عباده. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ قَالَ: مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ قَالَ: الملائكة يسلّمون عليهم في الجنّة.
(١). غافر: ٤٧ و ٤٨.
(٢). المائدة: ١١٧.
126
﴿ وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ ﴾ أي : بممتنع ؛ لأنه سبحانه قادر على كل شيء، وفيه أن الله تعالى هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخاف عقابه ؛ فلذلك أتبعه بذكر أحوال الآخرة فقال :﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ قال : بخلق آخر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فقال الضعفاء ﴾ قال : الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ قال : للقادة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ قال زيد بن أسلم : جزعوا مائة سنة. وصبروا مائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا ﴾ الآية قال :( يقول أهل النار : هلموا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : هلموا فلنجزع، فبكوا خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا :﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ ). والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار، كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار * قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد ﴾ [ غافر : ٤٧ - ٤٨ ]. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه، وذكر فيه حديث الشفاعة، ثم قال :( ويقول الكافر عند ذلك : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلاّ إبليس فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظهم بجهنم، ويقول عند ذلك ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ ) الآية، وضعف السيوطي إسناده، ولعلّ سبب ذلك كون في إسناده رشدين ابن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن دجين الحجزي، عن عقبة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال :( إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيباً على منبر من نار ) فقال :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : بناصريّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ ﴾ قال : بطاعتكم إياي في الدنيا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في هذه الآية قال :( خطيبان يقومان يوم القيامة : إبليس، وعيسى، فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول : هذا القول يعني : المذكور في الآية، وأما عيسى فيقول :﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : ما أنا بنافعكم، وما أنتم بنافعيّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ قال شركه : عبادته. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ قال : ما أنا بمغيثكم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام ﴾ قال : الملائكة يسلمون عليهم في الجنة.
﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ أي : برزوا من قبورهم يوم القيامة، والبروز : الظهور، والبراز : المكان الواسع لظهوره، ومنه امرأة برزة، أي : تظهر للرجال، فمعنى ﴿ برزوا ﴾ ظهروا من قبورهم. وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيهاً على تحقيق وقوعه كما هو مقرّر في علم المعاني، وإنما قال :﴿ وبرزوا لله ﴾ مع كونه سبحانه عالماً بهم لا تخفى عليه خافية من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا ؛ لأنهم كانوا يستترون عن العيون عند فعلهم للمعاصي ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى، فالكلام خارج على ما يعتقدونه ﴿ فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ أي قال : الأتباع الضعفاء للرؤساء الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة :﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ أي : في الدنيا، فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم. والتبع جمع تابع، أو مصدر وصف به للمبالغة، أو على تقدير : ذوي تبع. قال الزجاج : جمعهم في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع، فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله : إنا كنا لكم تبعاً. جمع تابع، مثل خادم وخدم، وحارس وحرس، وراصد ورصد ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا ﴾ أي : دافعون عنا ﴿ من عذاب الله من شيء ﴾، «من » الأولى للبيان، والثانية للتبعيض، أي : بعض الشيء الذي هو عذاب الله ؛ يقال : أغنى عنه : إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع ﴿ قَالُوا لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ أي : قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين، والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل : كيف أجابوا ؟ أي لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه. وقيل : لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها. وقيل : لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه. ﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجزعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ما لَنَا مِن [ مَّحِيصٍ ] ﴾ أي : مستوٍ علينا الجزع والصبر، والهمزة و «أم » لتأكيد التسوية في قوله :
﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ]. ﴿ مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ أي : من منجى ومهرب من العذاب، يقال : حاص فلان عن كذا، أي : فرّ وزاغ، يحيص حيصاً وحيوصاً وحيصاناً، والمعنى : ما لنا وجه نتباعد به عن النار، ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين، وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ قال : بخلق آخر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فقال الضعفاء ﴾ قال : الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ قال : للقادة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ قال زيد بن أسلم : جزعوا مائة سنة. وصبروا مائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا ﴾ الآية قال :( يقول أهل النار : هلموا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : هلموا فلنجزع، فبكوا خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا :﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ ). والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار، كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار * قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد ﴾ [ غافر : ٤٧ - ٤٨ ]. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه، وذكر فيه حديث الشفاعة، ثم قال :( ويقول الكافر عند ذلك : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلاّ إبليس فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظهم بجهنم، ويقول عند ذلك ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ ) الآية، وضعف السيوطي إسناده، ولعلّ سبب ذلك كون في إسناده رشدين ابن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن دجين الحجزي، عن عقبة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال :( إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيباً على منبر من نار ) فقال :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : بناصريّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ ﴾ قال : بطاعتكم إياي في الدنيا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في هذه الآية قال :( خطيبان يقومان يوم القيامة : إبليس، وعيسى، فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول : هذا القول يعني : المذكور في الآية، وأما عيسى فيقول :﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : ما أنا بنافعكم، وما أنتم بنافعيّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ قال شركه : عبادته. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ قال : ما أنا بمغيثكم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام ﴾ قال : الملائكة يسلمون عليهم في الجنة.
﴿ وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر ﴾ أي : قال للفريقين هذه المقالة، ومعنى ﴿ لما قضي الأمر ﴾ : لما دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار على ما يأتي بيانه في سورة مريم. ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق ﴾ وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب، ومجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ﴿ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ أي : وعدتكم وعداً باطلاً، بأنه لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار، فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك. قال الفراء : وعد الحق هو من إضافة الشيء إلى نفسه كقولهم : مسجد الجامع. وقال البصريون : وعدكم وعد اليوم الحق ﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مّن سلطان ﴾ أي : تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم ﴿ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي ﴾ أي : إلا مجرّد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان، ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه، بل الاستثناء منقطع، أي : لكن دعوتكم فاستجبتم لي، أي : فسارعتم إلى إجابتي. وقيل : المراد بالسلطان هنا : القهر، أي : ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي ؛ وقيل : هذا الاستثناء هو من باب :
تحية بينهم ضرب وجيع *** …
مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال : إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرّد الدعاء من السلطان، وليس منه قطعاً. ﴿ فَلاَ تَلُومُونِي ﴾ بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد ﴿ وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ باستجابتكم لي بمجرّد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوي الزائغة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى، ولمارنه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة، وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق، ودعوته لكم إلى الدار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل، ولا تلتبس إلاّ على مخذول، وقريب من هذا من يقتدي بآراء الرجال المخالفة لما في كتاب الله سبحانه، ولما في سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويؤثرها على ما فيهما، فإنه قد استجاب للباطل الذي لم تقم عليه حجة، ولا دلّ عليه برهان، وترك الحجة والبرهان خلف ظهره، كما يفعله كثير من المقتدين بالرجال المتنكبين طريق الحق بسوء اختيارهم، اللهم غفرا.
﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ يقال : صرخ فلان : إذا استغاث يصرخ صراخاً وصرخاً، واستصرخ بمعنى : صرخ، والمصرخ : المغيث، والمستصرخ : المستغيث. يقال : استصرخني فأصرخته، والصريخ : صوت المستصرخ، والصريخ أيضاً : الصارخ، وهو المغيث والمستغيث، وهو من أسماء الأضداد كما في الصحاح. قال ابن الأعرابي : الصارخ : المستغيث، والمصرخ : المغيث، ومعنى الآية :﴿ ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب ﴾، وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه ؟ ومما ورد مورد هذه الأقوال من قول العرب قول أمية بن أبي الصلت :
فلا تجزعوا إني لكم غير مصرخ *** وليس لكم عندي غناء ولا نفر
و﴿ مصرخيّ ﴾ بفتح الياء في قراءة الجمهور، وقرأ الأعمش وحمزة بكسر الياء على أصل التقاء الساكنين. قال الفراء : قراءة حمزة وهم منه، وقلّ من سلم عن خطأ. وقال الزجاج : هي قراءة رديئة ولا وجه لها إلاّ وجه ضعيف يعني : ما ذكرناه من أنه كسرها على الأصل في التقاء الساكنين. وقال قطرب : هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء، وأنشد الفراء فيما ورد على هذه القراءة قول الشاعر :
قلت لها يا تاء هل لك في *** قالت له ما أنت بالمرضي
﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ لما كشف لهم القناع بأنه لا يغني عنهم من عذاب الله شيئاً، ولا ينصرهم بنوع من أنواع النصر، صرح لهم بأنه كافر بإشراكهم له مع الله في الرّبوبية، من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكاً. ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاماً يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم أولاً أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة معارضة لوعد الحق من الله سبحانه وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد ولم يف لهم بشيء منها، ثم أوضح لهم ثانياً بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول، ولا ينفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لا بدّ للعاقل منها في قبول قول غيره، ثم أوضح ثالثاً بأنه لم يكن منه إلاّ مجرّد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء، ثم نعى عليهم رابعاً ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم ؛ لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت، الذي لا يلتبس بطلانه على من له أدنى عقل، ثم أوضح لهم خامساً بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعاً، ولا يدفع عنهم ضرّاً، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة، ثم صرح لهم سادساً بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات وتوالت عليهم المصائب، وإذا كان جملة ﴿ إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ من تتمة كلامه كما ذهب إليه البعض فهو نوع سابع من كلامه الذي خاطبهم به، فأثبت لهم الظلم، ثم ذكر ما هو جزاؤهم عليه من العذاب الأليم، لا على قول من قال : إنه ابتداء كلام من جهة الله سبحانه. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن «ما » مصدرية في ﴿ ما أشركتمون ﴾ وقيل : يجوز أن تكون موصولة على معنى ﴿ إني كفرت ﴾ بالذي أشركتمونيه وهو الله، عزّ وجلّ، ويكون هذا حكاية لكفره بالله عند أن أمره بالسجود لآدم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ قال : بخلق آخر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فقال الضعفاء ﴾ قال : الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ قال : للقادة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ قال زيد بن أسلم : جزعوا مائة سنة. وصبروا مائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا ﴾ الآية قال :( يقول أهل النار : هلموا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : هلموا فلنجزع، فبكوا خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا :﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ ). والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار، كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار * قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد ﴾ [ غافر : ٤٧ - ٤٨ ]. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه، وذكر فيه حديث الشفاعة، ثم قال :( ويقول الكافر عند ذلك : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلاّ إبليس فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظهم بجهنم، ويقول عند ذلك ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ ) الآية، وضعف السيوطي إسناده، ولعلّ سبب ذلك كون في إسناده رشدين ابن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن دجين الحجزي، عن عقبة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال :( إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيباً على منبر من نار ) فقال :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : بناصريّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ ﴾ قال : بطاعتكم إياي في الدنيا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في هذه الآية قال :( خطيبان يقومان يوم القيامة : إبليس، وعيسى، فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول : هذا القول يعني : المذكور في الآية، وأما عيسى فيقول :﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : ما أنا بنافعكم، وما أنتم بنافعيّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ قال شركه : عبادته. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ قال : ما أنا بمغيثكم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام ﴾ قال : الملائكة يسلمون عليهم في الجنة.
﴿ وَأُدْخِلَ الذين ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ لما أخبر سبحانه بحال أهل النار أخبر بحال أهل الجنة. وقرأ الجمهور ﴿ أدخل ﴾ على البناء للمفعول، وقرأ الحسن «وأدخل » على الاستقبال والبناء للفاعل، أي : وأنا أدخل الذين آمنوا، ثم ذكر سبحانه خلودهم في الجنات وعدم انقطاع نعيمهم، ثم ذكر أن ذلك بإذن ربهم، أي : بتوفيقه ولطفه وهدايته، هذا على قراءة الجمهور، وأما على قراءة الحسن فيكون ﴿ بإذن ربهم ﴾ متعلقاً بقوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام ﴾ أي : تحية الملائكة في الجنة سلام بإذن ربهم، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة يونس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ قال : بخلق آخر. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فقال الضعفاء ﴾ قال : الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ قال : للقادة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ قال زيد بن أسلم : جزعوا مائة سنة. وصبروا مائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سَوَاء عَلَيْنَا ﴾ الآية قال :( يقول أهل النار : هلموا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : هلموا فلنجزع، فبكوا خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا :﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ ). والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار، كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار * قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد ﴾ [ غافر : ٤٧ - ٤٨ ]. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه، وذكر فيه حديث الشفاعة، ثم قال :( ويقول الكافر عند ذلك : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلاّ إبليس فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظهم بجهنم، ويقول عند ذلك ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ ) الآية، وضعف السيوطي إسناده، ولعلّ سبب ذلك كون في إسناده رشدين ابن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن دجين الحجزي، عن عقبة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال :( إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيباً على منبر من نار ) فقال :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : بناصريّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ ﴾ قال : بطاعتكم إياي في الدنيا. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في هذه الآية قال :( خطيبان يقومان يوم القيامة : إبليس، وعيسى، فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول : هذا القول يعني : المذكور في الآية، وأما عيسى فيقول :﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ]. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال : ما أنا بنافعكم، وما أنتم بنافعيّ ﴿ إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ قال شركه : عبادته. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ قال : ما أنا بمغيثكم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام ﴾ قال : الملائكة يسلمون عليهم في الجنة.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ (٢٧)
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَثَلَ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّهَا كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَعِيمَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا جَازَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ خَالِدِينَ فِيهَا، وَتَحِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ ذَكَرَ تَعَالَى هَاهُنَا مَثَلًا لِلْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، أَيْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَلِمَاتِ الْخَيْرِ، وَذَكَرَ مَثَلًا لِلْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ، وَهِيَ كَلِمَةُ الشِّرْكِ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَلِمَاتِ الشَّرِّ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مُخَاطِبًا لِمَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أَيِ: اخْتَارَ مَثَلًا وَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ اللَّائِقِ بِهِ، وَانْتِصَابُ مثلا على أنه مفعول ضرب، وكلمة بَدَلٌ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَنْتَصِبَ الْكَلِمَةُ عَلَى أنها عطف بيان لمثلا، وَيَجُوزُ أَنْ تَنْتَصِبَ الْكَلِمَةُ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ: جَعَلَ كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، وَحَكَمَ بِأَنَّهَا مِثْلُهَا، وَمَحَلُّ كَشَجَرَةٍ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لكلمة، أَوِ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: هِيَ كَشَجَرَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةً أَوَّلَ مَفْعُولَيْ ضَرَبَ، وَأُخِّرَتْ عَنِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَهُوَ مَثَلًا لئلا تبعد عن صفتها، والأوّل أولى، وكلمة وَمَا بَعْدَهَا تَفْسِيرٌ لِلْمَثَلِ، ثُمَّ وَصَفَ الشَّجَرَةَ بِقَوْلِهِ: أَصْلُها ثابِتٌ أَيْ: رَاسِخٌ آمِنٌ مِنَ الِانْقِلَاعِ بِسَبَبِ تَمَكُّنِهَا مِنَ الْأَرْضِ بِعُرُوقِهَا وَفَرْعُها فِي السَّماءِ أَيْ: أَعْلَاهَا ذَاهِبٌ إِلَى جِهَةِ السَّمَاءِ مُرْتَفِعٌ فِي الْهَوَاءِ، ثُمَّ وَصَفَهَا سُبْحَانَهُ بِأَنَّهَا تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ كُلَّ وَقْتٍ بِإِذْنِ رَبِّها بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، قِيلَ: وَهِيَ النَّخْلَةُ، وَقِيلَ: غَيْرُهَا.
قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ أَيْ: كُلَّ سَاعَةٍ مِنَ السَّاعَاتِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَقِيلَ: كُلَّ غُدْوَةٍ وَعَشِيَّةٍ، وَقِيلَ: كُلَّ شَهْرٍ، وَقِيلَ: كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ بِمَعْنَى الْوَقْتِ يَقَعُ لِقَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ، وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
................
تُطَلِّقُهُ حِينًا وَحِينًا تُرَاجِعُ «١»
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الْحِينَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحِينُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ كَقَوْلِهِ:
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «٢». وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِينِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «٣». وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْحِينُ الْوَقْتُ طَالَ أَمْ قَصُرَ
(١). صدر البيت: تناذرها الرّاقون من سوء سمّها.
«تناذرها» : أي أنذر بعضهم بعضا ألا يتعرضوا لها. «تطلقه حينا وحينا تراجع» : أي أنها تخفى الأوجاع عن السليم تارة، وتارة تشتدّ عليه.
(٢). الإنسان: ١.
(٣). البقرة: ٣٦.
127
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يَتَفَكَّرُونَ أَحْوَالَ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَبَدَائِعَ صُنْعِهِ سُبْحَانَهُ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَفِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ زِيَادَةُ تَذْكِيرٍ وَتَفْهِيمٍ وَتَصْوِيرٍ لِلْمَعَانِي وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا، وَقِيلَ: هِيَ الْكَافِرُ نَفْسُهُ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ: الْمُؤْمِنُ نَفْسُهُ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أَيْ: كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ، قِيلَ: هِيَ شَجَرَةُ الْحَنْظَلِ، وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةُ الثَّوْمِ، وَقِيلَ: الْكَمْأَةُ، وَقِيلَ: الطُّحْلُبَةُ، وَقِيلَ:
هِيَ الْكُشُوثُ بِالضَّمِّ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ، وَهِيَ شَجَرَةٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا عُرُوقَ في الأرض. قال الشاعر:
وهم كشوث فلا أصل ولا ورق «١»
.................
وَقُرِئَ «وَمَثَلًا كَلِمَةً» بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى «كَلِمَةً طَيِّبَةً» اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ أَيِ:
اسْتُؤْصِلَتْ وَاقْتُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
هُوَ الجلاء الذي يجتثّ أصلكم «٢»
.................
قال المؤرج: أُخِذَتْ جُثَّتُهَا وَهِيَ نَفْسُهَا، وَالْجُثَّةُ: شَخْصُ الْإِنْسَانِ، يُقَالُ جَثَّهُ: قَلَعَهُ، وَاجْتَثَّهُ: اقْتَلَعَهُ، وَمَعْنَى مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ رَاسِخٌ وَعُرُوقٌ مُتَمَكِّنَةٌ مِنَ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ أَيْ: مِنِ اسْتِقْرَارٍ عَلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مِنْ ثَبَاتٍ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ وَكَلِمَتَهُ لَا حُجَّةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ فِيهِ وَلَا خَيْرَ يَأْتِي مِنْهُ أَصْلًا، وَلَا يَصْعَدُ لَهُ قَوْلٌ طَيِّبٌ وَلَا عَمَلٌ طَيِّبٌ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَيْ: بِالْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ «شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، وَذَلِكَ إِذَا قَعَدَ الْمُؤْمِنُ فِي قبره قال النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَقِيلَ: مَعْنَى تَثْبِيتِ اللَّهِ لَهُمْ هُوَ أَنْ يَدُومُوا عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:
يُثَبِّتُ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حُسْنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى ونصرا كالذي نصرا
وَمَعْنَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ جَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقَبْرُ لِأَنَّ الْمَوْتَى فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُبْعَثُوا، وَمَعْنَى وَفِي الْآخِرَةِ وقت الحساب. وقيل:
المراد بالحياة الدُّنْيَا: وَقْتُ الْمُسَاءَلَةِ فِي الْقَبْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ: وَقْتِ الْمُسَاءَلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ إِذَا سُئِلُوا عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ وَدِينِهِمْ أَوْضَحُوا ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ مَنْ دُونِ تَلَعْثُمٍ وَلَا تَرَدُّدٍ وَلَا جَهْلٍ، كَمَا يَقُولُ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ:
لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ أَيْ: يُضِلُّهُمْ عَنْ حُجَّتِهِمُ الَّتِي هِيَ الْقَوْلُ الثَّابِتُ، فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهَا فِي قُبُورِهِمْ وَلَا عِنْدَ الْحِسَابِ، كَمَا أَضَلَّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا. قيل:
(١). في المطبوع: وهي كشوث فلا أصل ولا ثمر.
وتمامه: ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر.
(٢). وتمامه: فمن رأى مثل ذا يوما ومن سمعا.
والشاعر: لقيط الإيادي.
128
وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ هُنَا الْكَفَرَةُ، وَقِيلَ: كُلُّ مِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي مَوَاقِفِ الْفِتَنِ وَلَا يَهْتَدِي إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنَ التَّثْبِيتِ وَالْخِذْلَانِ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: لَا تُنْكَرُ لَهُ قُدْرَةٌ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَالْإِظْهَارُ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ كَمَا قِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً قَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ أَصْلُها ثابِتٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا إِلَّا اللَّهُ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ يَقُولُ: يُرْفَعُ بِهَا عَمَلُ الْمُؤْمِنِ إِلَى السَّمَاءِ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ وَهِيَ الشِّرْكُ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يَعْنِي الْكَافِرَ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ يَقُولُ: الشِّرْكُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَأْخُذُ بِهِ الْكَافِرُ وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلًا. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بقناع] «١» بسر فقال: «ومثل كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» حَتَّى بَلَغَ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ حَتَّى بَلَغَ مَا لَها مِنْ قَرارٍ قَالَ: هِيَ الْحَنْظَلَةُ». وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ: قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا يَنْقُصُ وَرَقُهَا قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ شَجَرَةً مِنَ الشَّجَرِ لَا يَطَّرِحُ وَرَقُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: فَوَقَعَ الناس في شجر الْبَوَادِي، وَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ: «أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ ورقها ولا، ولا، ولا «٢»، وتؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ». وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ؟، ثُمَّ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ». وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قَالَ: كُلَّ سَاعَةٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَذَلِكَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يُطِيعُ رَبَّهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَكُونُ أَخْضَرَ ثُمَّ يَكُونُ أَصْفَرَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: كُلَّ حِينٍ قَالَ: جُذَاذُ النَّخْلِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا:
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ قَالَ: تُطْعِمُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْحِينُ هُنَا سَنَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْحِينُ قَدْ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. وقد
(١). من مسند أبي يعلى (٤١٦٥) والترمذي (٣١١٩). والقناع: هو الطبق الذي يؤكل عليه.
(٢). كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء. فقيل في تفسيره: ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها [فتح الباري ١/ ١٤٦].
129
ثم وصفها سبحانه بأنها ﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ كل وقت ﴿ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ بإرادته ومشيئته، قيل : وهي النخلة. وقيل غيرها. وقيل : والمراد بكونها ﴿ تؤتي أكلها كل حين ﴾ أي : كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف. وقيل : المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين ؛ وقيل : كل غدوة وعشية، وقيل : كل شهر. وقيل : كل ستة أشهر. قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة ؛ لأن الخبر عند جميع أهل اللغة إلاّ من شذّ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره، وأنشد الأصمعي قول النابغة :
تطلقه حيناً وحيناً تراجع ***. . .
قال النحاس : وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت. وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به : أكثر كقوله :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر ﴾ [ الإنسان : ١ ]. وقد تقدّم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة في قوله :﴿ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ ومتاع إلى حِينٍ ﴾ [ البقرة : ٣٦ ]. وقال الزجاج : الحين : الوقت طال أم قصر. ﴿ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ يتفكرون أحوال المبدأ والمعاد. وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته، وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً ﴾ قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ وهو المؤمن ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ يقول : لا إله إلاّ الله ثابت في قلب المؤمن ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السماء ﴾ يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ وهي الشرك ﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ يعني : الكافر ﴿ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ يقول : الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم. وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال :﴿ مَثَلُ كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال :( هي النخلة ) ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ ما لها مِن قَرَارٍ ﴾ قال :( هي الحنظلة ). وروي موقوفاً على أنس، قال الترمذي : الموقوف أصح. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ قال :( هي التي لا ينقص ورقها قال : هي النخلة وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :( إن شجرة من الشجر، لا يطرح ورقها مثل المؤمن ) قال : فوقع الناس في [ شجرة ] البوادي. ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هي النخلة ) وفي لفظ للبخاري قال :( أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين فذكر نحوه ). وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ )، ( ثم قال : هي النخلة ) وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال : كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال : يكون أخضر ثم يكون أصفر. وأخرج عنه أيضاً في قوله :﴿ كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : جذاذ النخل. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : تطعم في كل ستة أشهر. وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً قال : الحين هنا : سنة. وأخرج البيهقي عنه أيضاً قال : الحين : قد يكون غدوة وعشية. وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة. وأخرج البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله )، فذلك قوله سبحانه :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِى الآخرة ﴾ ) وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية قال : التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا : من ربك ؟ فقال : ربي الله، قال : وما دينك ؟ قال : ديني الإسلام. قال : ومن نبيك ؟ قال نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك التثبيت في الحياة الدنيا. وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال : في الآخرة القبر. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية. قال : هذا في القبر وأخرج البيهقي من حديثها نحوه. وأخرج البزار عنها أيضاً قالت : قلت : يا رسول الله، تبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضع بسطها، وهي معروفة.

﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ قد تقدّم تفسيرها. وقيل : هي الكافر نفسه، والكلمة الطيبة : المؤمن نفسه ﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ أي : كمثل شجرة خبيثة، قيل : هي شجرة الحنظل. وقيل : هي شجرة الثوم. وقيل : الكمأة ؛ وقيل : الطحلبة. وقيل : هي الكشوث بالضم وآخره مثلثة، وهي شجرة لا ورق لها ولا عروق في الأرض. قال الشاعر :
وهي كشوث فلا أصل ولا ثمر***. . .
وقرئ [ ومثل كلمة ] بالنصب عطفاً على كلمة طيبة ﴿ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض ﴾ أي : استؤصلت واقتلعت من أصلها، ومنه قول الشاعر :
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ***. . .
قال المؤرخ : أخذت جثتها وهي نفسها، والجثة : شخص الإنسان، يقال : جثَّه : قلعه، واجتثه : اقتلعه. ومعنى ﴿ من فوق الأرض ﴾ : أنه ليس لها أصل راسخ، وعروق متمكنة من الأرض ﴿ ما لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ أي : من استقرار على الأرض. وقيل : من : ثبات على الأرض، كما أن الكافر وكلمته لا حجة له ولا ثبات فيه، ولا خير يأتي منه أصلاً، ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً ﴾ قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ وهو المؤمن ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ يقول : لا إله إلاّ الله ثابت في قلب المؤمن ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السماء ﴾ يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ وهي الشرك ﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ يعني : الكافر ﴿ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ يقول : الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم. وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال :﴿ مَثَلُ كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال :( هي النخلة ) ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ ما لها مِن قَرَارٍ ﴾ قال :( هي الحنظلة ). وروي موقوفاً على أنس، قال الترمذي : الموقوف أصح. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ قال :( هي التي لا ينقص ورقها قال : هي النخلة وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :( إن شجرة من الشجر، لا يطرح ورقها مثل المؤمن ) قال : فوقع الناس في [ شجرة ] البوادي. ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هي النخلة ) وفي لفظ للبخاري قال :( أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين فذكر نحوه ). وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ )، ( ثم قال : هي النخلة ) وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال : كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال : يكون أخضر ثم يكون أصفر. وأخرج عنه أيضاً في قوله :﴿ كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : جذاذ النخل. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : تطعم في كل ستة أشهر. وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً قال : الحين هنا : سنة. وأخرج البيهقي عنه أيضاً قال : الحين : قد يكون غدوة وعشية. وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة. وأخرج البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله )، فذلك قوله سبحانه :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِى الآخرة ﴾ ) وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية قال : التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا : من ربك ؟ فقال : ربي الله، قال : وما دينك ؟ قال : ديني الإسلام. قال : ومن نبيك ؟ قال نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك التثبيت في الحياة الدنيا. وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال : في الآخرة القبر. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية. قال : هذا في القبر وأخرج البيهقي من حديثها نحوه. وأخرج البزار عنها أيضاً قالت : قلت : يا رسول الله، تبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضع بسطها، وهي معروفة.

﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت ﴾ أي : بالحجة الواضحة، وهي الكلمة الطيبة المتقدّم ذكرها، وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة :( شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ) وذلك إذا قعد المؤمن في قبره. قال النبي صلى الله عليه وسلم :( فذلك قوله تعالى :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت ﴾ ) وقيل : معنى تثبيت الله لهم : هو أن يدوموا على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة :
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
ومعنى ﴿ في الحياة الدنيا ﴾ أنهم يستمرّون على القول الثابت في الحياة الدنيا. قال جماعة : المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية : القبر ؛ لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا. ومعنى ﴿ وَفِي الآخرة ﴾ وقت الحساب. وقيل : المراد بالحياة الدنيا : وقت المساءلة في القبر، وفي الآخرة : وقت المساءلة يوم القيامة : والمراد : أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردّد ولا جهل، كما يقول : من لم يوفق : لا أدري، فيقال له : لا دريت ولا تليت ﴿ وَيُضِلُّ الله الظالمين ﴾ أي : يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم، ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا. قيل : والمراد بالظالمين هنا : الكفرة. وقيل : كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن، ولا يهتدي إلى الحق.
ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا رادّ لحكمه، ولا يسأل عما يفعل. قال الفراء : أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل : والله أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً ﴾ قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ وهو المؤمن ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ يقول : لا إله إلاّ الله ثابت في قلب المؤمن ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السماء ﴾ يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ وهي الشرك ﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ يعني : الكافر ﴿ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ يقول : الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم. وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال :( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال :﴿ مَثَلُ كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال :( هي النخلة ) ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ حتى بلغ :﴿ ما لها مِن قَرَارٍ ﴾ قال :( هي الحنظلة ). وروي موقوفاً على أنس، قال الترمذي : الموقوف أصح. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ ﴾ قال :( هي التي لا ينقص ورقها قال : هي النخلة وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه :( إن شجرة من الشجر، لا يطرح ورقها مثل المؤمن ) قال : فوقع الناس في [ شجرة ] البوادي. ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هي النخلة ) وفي لفظ للبخاري قال :( أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين فذكر نحوه ). وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ )، ( ثم قال : هي النخلة ) وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا ﴾ قال : كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال : يكون أخضر ثم يكون أصفر. وأخرج عنه أيضاً في قوله :﴿ كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : جذاذ النخل. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً :﴿ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ قال : تطعم في كل ستة أشهر. وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً قال : الحين هنا : سنة. وأخرج البيهقي عنه أيضاً قال : الحين : قد يكون غدوة وعشية. وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة. وأخرج البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله )، فذلك قوله سبحانه :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِى الآخرة ﴾ ) وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية قال : التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا : من ربك ؟ فقال : ربي الله، قال : وما دينك ؟ قال : ديني الإسلام. قال : ومن نبيك ؟ قال نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك التثبيت في الحياة الدنيا. وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال : في الآخرة القبر. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية. قال : هذا في القبر وأخرج البيهقي من حديثها نحوه. وأخرج البزار عنها أيضاً قالت : قلت : يا رسول الله، تبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال :﴿ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا ﴾ الآية وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضع بسطها، وهي معروفة.

رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ البراء ابن عَازِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ قَالَ: التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِذَا جَاءَ الْمَلَكَانِ إِلَى الرَّجُلِ فِي الْقَبْرِ فَقَالَا: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: رَبِّيَ اللَّهُ، قَالَ: وَمَا دِينُكَ؟
قَالَ: دِينِي الْإِسْلَامُ، قَالَ: وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ قَالَ: نَبِيِّي مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: فِي الْآخِرَةِ الْقَبْرِ. وَأَخْرَجَ ابن مردويه عن عائشة قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْرِ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِهَا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ:
«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبْتَلَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي قُبُورِهَا، فَكَيْفَ بِي وَأَنَا امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ؟ قَالَ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ». وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ، وَفِي جَوَابِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٨ الى ٣٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢)
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)
قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ هَذَا خِطَابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، وَهُوَ تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِ الْكُفَّارِ حَيْثُ جَعَلُوا بَدَلَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ، أَيْ: بَدَلَ شُكْرِهَا الْكُفْرَ بِهَا، وَذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُمْ كُفَّارُ مَكَّةَ وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، وَقِيلَ:
نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَاتَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي بَطْنَيْنِ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ بَنِي مَخْزُومٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي مُتَنَصِّرَةِ الْعَرَبِ، وَهُمْ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ وَأَصْحَابُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ جَبَلَةَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُسْلِمُوا إِلَّا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ: إِنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِتَبْدِيلِ نِعْمَةِ اللَّهِ كُفْرًا أَنَّهُمْ لَمَّا كَفَرُوهَا سَلَبَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ فَصَارُوا مُتَبَدِّلِينَ بِهَا الْكُفْرَ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ أَيْ: أَنْزَلُوا قَوْمَهُمْ بِسَبَبِ مَا زَيَّنُوهُ لَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ دَارَ الْبَوَارِ، وَهِيَ جَهَنَّمُ، وَالْبَوَارُ: الْهَلَاكُ وَقِيلَ: هُمْ
130
قَادَةُ قُرَيْشٍ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ دَارَ الْبَوَارِ أَيِ: الْهَلَاكِ، وَهُوَ الْقَتْلُ الَّذِي أُصِيبُوا بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ أَبْطَالَ حَرْبٍ غَدَاةَ الْحَرْبِ إِذْ خِيفَ الْبَوَارُ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: جَهَنَّمَ فَإِنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ لدار البوار، ويَصْلَوْنَها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ حُلُولِهِمْ فِيهَا وَبِئْسَ الْقَرارُ أَيْ: بِئْسَ الْقَرَارُ قَرَارُهُمْ فِيهَا، أَوْ بِئْسَ الْمَقَرُّ جَهَنَّمُ، فَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً مَعْطُوفٌ عَلَى وَأَحَلُّوا أَيْ: جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، أَوْ فِي التَّسْمِيَةِ وَهِيَ الْأَصْنَامُ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو لِيُضِلُّوا بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ: لِيَضِلُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ: لِيَتَعَقَّبَ جَعْلَهُمْ لِلَّهِ أَنْدَادًا ضَلَالُهُمْ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُرِيدُ ضَلَالَ نَفْسِهِ، وَحَسُنَ اسْتِعْمَالُ لَامِ الْعَاقِبَةِ هُنَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَرَضَ وَالْغَايَةَ مِنْ جِهَةِ حُصُولِهَا فِي آخِرِ الْمَرَاتِبِ، وَالْمُشَابَهَةُ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْمَجَازِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ لِيُوقِعُوا قَوْمَهُمْ فِي الضَّلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْ جَعْلِهِمْ لِلَّهِ أَنْدَادًا. ثُمَّ هَدَّدَهُمْ سبحانه، فقال لنبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: قُلْ تَمَتَّعُوا بِمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَمَا زَيَّنَتْهُ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ وَإِضْلَالِ النَّاسِ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أَيْ: مَرَدُّكُمْ وَمَرْجِعُكُمْ إِلَيْهَا لَيْسَ إِلَّا، وَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالَهُمْ، وَقَدْ صَارُوا لِفَرْطِ تَهَالُكِهِمْ عَلَيْهِ وَانْهِمَاكِهِمْ فِيهِ لَا يُقْلِعُونَ عَنْهُ، وَلَا يَقْبَلُونَ فِيهِ نُصْحَ النَّاصِحِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ بِمُبَاشَرَتِهِ مكان النهي عن قُرْبَانِهِ إِيضَاحًا لِمَا تَكُونُ عَلَيْهِ عَاقِبَتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا مَحَالَةَ صَائِرُونَ إِلَى النَّارِ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ ذَلِكَ، فَجُمْلَةُ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالتَّمَتُّعِ، وَفِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدَرُهٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابًا لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَإِنْ دُمْتُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالنَّظْمُ الْقُرْآنِيِّ عَلَيْهِ أَدَلُّ، وَذَلِكَ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَسْعَى فِي مُخَالَفَةِ السُّلْطَانِ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّ مَصِيرَكَ إِلَى السَّيْفِ قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً لَمَّا أَمَرَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُبَدِّلِينَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، الْجَاعِلِينَ لِلَّهِ أَنْدَادًا، مَا قَالَهُ لَهُمْ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ لِلطَّائِفَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُمْ، وَهِيَ طَائِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْقَوْلَ، وَالْمَقُولُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَيْ: قُلْ لِعِبَادِي أَقِيمُوا وَأَنْفِقُوا وَيُقِيمُوا وَيُنْفِقُوا، فَجَزَمَ يُقِيمُوا عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ الْمَحْذُوفِ، وَكَذَلِكَ يُنْفِقُوا، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ يُقِيمُوا مَجْزُومٌ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ:
لِيُقِيمُوا فَأُسْقِطَتِ اللَّامُ، ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ لِلْجَزْمِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ: وَانْتِصَابُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، إِمَّا عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسِرِّينَ وَمُعْلِنِينَ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: إِنْفَاقَ سِرٍّ وَإِنْفَاقَ عَلَانِيَةٍ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ:
وَقْتَ سِرٍّ وَوَقْتَ عَلَانِيَةٍ. قَالَ الْجُمْهُورُ: السِّرُّ مَا خَفِيَ، وَالْعَلَانِيَةُ مَا ظَهَرَ. وَقِيلَ: السِّرُّ التَّطَوُّعُ، وَالْعَلَانِيَةُ الْفَرْضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ «١». مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْبَيْعُ هَاهُنَا الْفِدَاءُ، وَالْخِلَالُ الْمُخَالَّةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ:
هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خُلَّةٍ مِثْلَ بُرْمَةِ وَبِرَامٍ، وَعُلْبَةِ وَعِلَابٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا بَيْعَ فِيهِ حَتَّى يَفْتَدِيَ الْمُقَصِّرُ فِي الْعَمَلِ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ الله بدفع عوض عن ذلك،
(١). البقرة: ٢٧١.
131
وَلَيْسَ هُنَاكَ مُخَالَلَةٌ حَتَّى يَشْفَعَ الْخَلِيلُ لِخَلِيلِهِ وَيُنْقِذَهُ مِنَ الْعَذَابِ، فَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ مَا دَامُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَادِرِينَ عَلَى إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَا مَالَ لَهُمْ إِذْ ذَاكَ، فَالْجُمْلَةُ أَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَيْضًا تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ الْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَهَا كَثِيرًا مَا يَكُونُ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ وَرِعَايَةِ حُقُوقِ الْأَخِلَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ تَفْسِيرُ الْبَيْعِ وَالْخِلَالِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَيْ: أَبْدَعَهُمَا وَاخْتَرَعَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ وَخَلَقَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، وَالِاسْمُ الشَّرِيفُ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا جِهَةُ الْعُلُوِّ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْفَلَكُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: إِنَّ ابْتِدَاءَ الْمَطَرِ مِنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ السَّحَابُ عِنْدَ مَنْ قَالَ:
إِنَّ ابْتِدَاءَ الْمَطَرِ مِنْهَا، وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُثِيرُ السَّحَابَ كَالرِّيَاحِ، وَتَنْكِيرُ الْمَاءِ هُنَا لِلنَّوْعِيَّةِ، أَيْ: نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَاءِ، وَهُوَ مَاءُ الْمَطَرِ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ أَيْ: أَخْرَجَ بِذَلِكَ الْمَاءِ مِنَ الثَّمَرَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ رِزْقًا لِبَنِي آدَمَ يَعِيشُونَ بِهِ، وِ «مِنْ» فِي مِنَ الثَّمَراتِ لِلْبَيَانِ كَقَوْلِكَ: أَنْفَقْتُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ الثَّمَرَاتِ مِنْهَا مَا هُوَ رِزْقٌ لِبَنِي آدَمَ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِرِزْقٍ لَهُمْ، وَهُوَ مَا لَا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ فَجَرَتْ عَلَى إِرَادَتِكُمْ وَاسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي مَصَالِحِكُمْ، وَلِذَا قَالَ: لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ كَمَا تُرِيدُونَ وَعَلَى مَا تَطْلُبُونَ بِأَمْرِهِ أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ أَيْ: ذَلَّلَهَا لَكُمْ بِالرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَالْإِجْرَاءِ لَهَا إِلَى حَيْثُ تُرِيدُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِتَنْتَفِعُوا بِهِمَا وتستضيئوا بضوئهما، وانتصاب دائِبَيْنِ على الحال، والدؤوب:
مُرُورُ الشَّيْءِ فِي الْعَمَلِ عَلَى عَادَةٍ جَارِيَةٍ، أَيْ دَائِبَيْنِ فِي إِصْلَاحِ مَا يُصْلِحَانِهِ مِنَ النَّبَاتِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: دَائِبَيْنِ فِي السَّيْرِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى: يَجْرِيَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَفْتُرَانِ وَلَا يَنْقَطِعُ سَيْرُهُمَا وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يَتَعَاقَبَانِ، فَالنَّهَارُ لِسَعْيِكُمْ فِي أُمُورِ مَعَاشِكُمْ وَمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاكُمْ، وَاللَّيْلُ لِتَسْكُنُوا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ «١». وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ قَالَ الْأَخْفَشُ: أي أعطاكم من كلّ مسؤول سَأَلْتُمُوهُ شَيْئًا فَحُذِفَ شَيْئًا وَقِيلَ: الْمَعْنَى:
وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَمِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةَ الْأُخْرَى قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَقِيلَ: مِنْ زَائِدَةٌ، أَيْ: آتَاكُمْ كُلَّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: آتَاكُمْ بَعْضَ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ «مِنْ كُلٍّ» بِتَنْوِينِ كُلٍّ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» نَافِيَةً، أَيْ: آتَاكُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِكُمْ غَيْرَ سَائِلِينَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، أَيْ: آتَاكُمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها أَيْ: وَإِنْ تَتَعَرَّضُوا لِتَعْدَادِ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ إِجْمَالًا فَضْلًا عَنِ التَّفْصِيلِ لَا تُطِيقُوا إِحْصَاءَهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا تَقُومُوا بِحَصْرِهَا عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَأَصْلُ الْإِحْصَاءِ أَنَّ الْحَاسِبَ إِذَا بَلَغَ عَقْدًا مُعَيَّنًا مِنْ عُقُودِ الْأَعْدَادِ وَضَعَ حَصَاةً لِيَحْفَظَهُ بِهَا، وَمَعْلُومٌ أنه لو رام فرد
(١). القصص: ٧٣.
132
مِنْ أَفْرَادِ الْعِبَادِ أَنْ يُحْصِيَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ حَاسَّةٍ مِنْ حَوَاسِّهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ قَطُّ وَلَا أَمْكَنَهُ أَصْلًا، فَكَيْفَ بِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَدَنِهِ، فَكَيْفَ بِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى تَنَوُّعِهَا وَاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُرُكَ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْتَ، وَمِمَّا عَلِمْنَاهُ شُكْرًا لَا يُحِيطُ بِهِ حَصْرٌ وَلَا يَحْصُرُهُ عَدٌّ، وَعَدَدَ مَا شَكَرَكَ الشَّاكِرُونَ بِكُلِّ لِسَانٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ لِنَفْسِهِ بِإِغْفَالِهِ لِشُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ شُمُولُ كُلِّ إِنْسَانٍ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ اسْمُ جِنْسٍ يُقْصَدُ بِهِ الْكَافِرُ خَاصَّةً كَمَا قال إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «١» كَفَّارٌ أَيْ شَدِيدُ كُفْرَانِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، جَاحِدٌ لَهَا، غَيْرُ شَاكِرٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا كَمَا يَنْبَغِي وَيَجِبُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قَالَ: هُمَا الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنُو الْمُغِيرَةِ، وَبَنُو أُمَيَّةَ فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ فَكُفِيتُمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ عَلِيٍّ فِي الْآيَةِ نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ الطُّفَيْلِ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا عَنِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا قَالَ: هُمُ الْفُجَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ كُفِيتُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: فَمَنِ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: مِنْهُمْ أَهْلُ حَرُورَاءَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ نَحْوُ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمْ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ مِنَ الْعَرَبِ فَلَحِقُوا بِالرُّومِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قَالَ: الْهَلَاكِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً قَالَ: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ قَالَ: بِكُلِّ فَائِدَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ قَالَ: دؤوبهما فِي طَاعَةَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ عِكْرِمَةَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: مِنْ كُلِّ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدَرِهِ، وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدَرِهِمْ.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَغَمِّضْ عَيْنَيْكَ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَّا فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، فَقَدْ قَلَّ عَمَلُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: قَالَ داود عليه السلام:
(١). العصر: ٢.
133
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ : هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، وهو تعجيب من حال الكفار حيث جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر أي : بدل شكرها الكفر بها، وذلك بتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله منهم، وأنعم عليهم به، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أنهم كفار مكة وأن الآية نزلت فيهم. وقيل : نزلت في الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وقيل : نزلت في بطنين من بطون قريش بني مخزوم، وبني أمية. وقيل : نزلت في متنصرة العرب. وهم جبلة بن الأيهم وأصحابه، وفيه نظر، فإن جبلة وأصحابه لم يسلموا إلاّ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقيل : إنها عامة في جميع المشركين. وقيل : المراد بتبديل نعمة الله كفراً أنهم لما كفروها سلبهم الله ذلك فصاروا متبدّلين بها الكفر ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ أي : أنزلوا قومهم بسبب ما زينوه لهم من الكفر دار البوار، وهي جهنم، والبوار : الهلاك ؛ وقيل : هم قادة قريش أحلوا قومهم يوم بدر دار البوار أي : الهلاك وهو القتل الذي أصيبوا به، ومنه قول الشاعر :
فلم أرَ مثلهم أبطال حرب غداة الحرب إذ خيف البوار
والأوّل أولى لقوله :﴿ جَهَنَّمَ ﴾ فإنه عطف بيان لدار البوار، و﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾ في محل نصب على الحال، أو هو مستأنف لبيان كيفية حلولهم فيها ﴿ وَبِئْسَ القرار ﴾ أي : بئس القرار قرارهم فيها، أو بئس المقرّ جهنم، فالمخصوص بالذمّ محذوف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.


﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ معطوف على ﴿ وأحلوا ﴾ أي : جعلوا لله شركاء في الربوبية، أو في التسمية وهي الأصنام. قرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلوا » بفتح الياء أي : ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله، وتكون اللام للعاقبة، أي : ليتعقب [ جعلهم ] لله أنداداً ضلالهم، لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه، وحسن استعمال لام العاقبة هنا ؛ لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب، والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز. وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أنداداً. ثم هدّدهم سبحانه، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا ﴾ بما أنتم فيه من الشهوات، وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس ﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ أي : مردّكم ومرجعكم إليها ليس إلا، ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وانهماكهم فيه لا يقلعون عنه، ولا يقبلون فيه نصح الناصحين، جعل الأمر بمباشرته مكان النهي قربانه إيضاحاً لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بدّ لهم من تعاطي الأسباب المقتضية ذلك، فجملة :﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره، ويجوز أن تكون هذه الجملة جواباً لمحذوف دلّ عليه سياق الكلام، كأنه قيل : فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار، والأوّل أولى والنظم القرآني عليه أدلّ. وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان : اصنع ما شئت من المخالفة، فإن مصيرك إلى السيف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.

﴿ قُل لعِبَادِي الذين آمَنُوا يُقِيمُوا الصلاة وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً ﴾ لما أمره بأن يقول للمبدّلين نعمة الله كفراً الجاعلين لله أنداداً ما قاله لهم، أمره سبحانه أن يقول للطائفة المقابلة لهم، وهي طائفة المؤمنين، هذا القول، والمقول محذوف دلّ عليه المذكور، أي : قل لعبادي : أقيموا وأنفقوا ويقيموا وينفقوا، فجزم ﴿ يقيموا ﴾ على أنه جواب الأمر المحذوف، وكذلك ﴿ ينفقوا ﴾، ذكر معنى هذا الفراء. وقال الزجاج : إنّ يقيموا مجزوم بمعنى اللام، أي : ليقيموا فأسقطت اللام، ثم ذكر وجهاً آخر للجزم مثل ما ذكره الفراء. وانتصاب ﴿ سرًّا ﴾ و﴿ علانية ﴾، إما على الحال، أي : مسرين ومعلنين، أو على المصدر، أي : إنفاق سرّ وإنفاق علانية، أو على الظرف، أي : وقت سرّ ووقت علانية. قال الجمهور : السرّ : ما خفي. والعلانية : ما ظهر. وقيل : السرّ : التطوّع، والعلانية الفرض، وقد تقدم بيان هذا عند تفسير قوله :﴿ إِن تُبْدُوا الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ [ البقرة : ٢٧١ ] ﴿ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِي يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال ﴾ قال أبو عبيدة : البيع ها هنا : الفداء، والخلال : المخالة، وهو مصدر. قال الواحدي : هذا قول جميع أهل اللغة، وقال أبو عليّ الفارسي : يجوز أن يكون جمع خلة مثل برمة وبرام وعلبة وعلاب، والمعنى : أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدي المقصر في العمل نفسه من عذاب الله بدفع عوض عن ذلك، وليس هناك مخاللة حتى يشفع الخليل لخليله، وينقذه من العذاب، فأمرهم سبحانه بالإنفاق في وجوه الخير مما رزقهم الله، ما داموا في الحياة الدنيا قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتي يوم القيامة ؛ فإنهم لا يقدرون على ذلك، بل لا مال لهم إذ ذاك، فالجملة، أعني :﴿ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِي يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال ﴾، لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله، ويمكن أن يكون فيها أيضاً تأكيد لمضمون الأمر بإقامة الصلاة ؛ وذلك لأن تركها كثيراً ما يكون سبب الاشتغال بالبيع، ورعاية حقوق الأخلاء، وقد تقدم في البقرة تفسير البيع والخلال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.

﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ﴾ أي : أبدعهما واخترعهما على غير مثال، وخلق ما فيهما من الأجرام العلوية والسفلية، والاسم الشريف مبتدأ، وما بعده خبره ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء ﴾ المراد بالسماء هنا جهة العلو، فإنه يدخل في ذلك الفلك عند من قال : إن ابتداء المطر منه، ويدخل فيه السحاب عند من قال : إن ابتداء المطر منها، وتدخل فيه الأسباب التي تثير السحاب كالرياح. وتنكير الماء هنا للنوعية أي : نوعاً من أنواع الماء، وهو ماء المطر ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ أي : أخرج بذلك الماء من الثمرات المتنوعة رزقاً لبني آدم يعيشون به، و«من » في ﴿ من الثمرات ﴾ للبيان كقولك : أنفقت من الدراهم، وقيل : للتبعيض ؛ لأن الثمرات منها ما هو رزق لبني آدم، ومنها ما ليس برزق لهم، وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك ﴾ فجرت على إرادتكم واستعملتموها في مصالحكم. ولذا قال :﴿ لِتَجْرِىَ فِي البحر ﴾ كما تريدون وعلى ما تطلبون ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ أي : بأمر الله ومشيئته، وقد تقدم تفسير هذا في البقرة ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ أي : ذللها لكم بالركوب عليها، والإجراء لها إلى حيث تريدون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.

﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر ﴾ لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما. وانتصاب ﴿ دائبين ﴾ على الحال، والدؤوب : مرور الشيء في العمل على عادة جارية، أي : دائبين في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره. وقيل :﴿ دائبين ﴾ في السير امتثالاً لأمر الله، والمعنى : يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ولا ينقطع سيرهما ﴿ وسخر لكم الليل والنهار ﴾ يتعاقبان، فالنهار لسعيكم في أمور معاشكم وما تحتاجون إليه من أمور دنياكم. والليل لتسكنوا كما قال سبحانه :﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ ﴾ [ القصص : ٧٣ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.

﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال الأخفش : أي أعطاكم من كل مسؤول سألتموه شيئاً، فحذف شيئاً. وقيل : المعنى : وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه، فحذفت الجملة الأخرى قاله ابن الأنباري. وقيل :" من " زائدة، أي : آتاكم كل ما سألتموه. وقيل : للتبعيض، أي : آتاكم بعض كل ما سألتموه. وقرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن، وقتادة " من كل " بتنوين كلّ، وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون «ما » نافية، أي : آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له، ويجوز أن تكون موصولة أي : آتاكم من كل شيء الذي سألتموه ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا ﴾ أي وإن تتعرّضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالاً فضلاً عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء : أن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد، وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلاً، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها، واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كلّ نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلاّ أنت، ومما علمناه شكراً لا يحيط به حصر، ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان ﴿ إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ ﴾ لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه، وظاهره شمول كل إنسان، وقال الزجاج : إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال :
﴿ إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ ﴾ [ العصر : ٢ ]. ﴿ كَفَّارٌ ﴾ أي : شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها، غير شاكر لله سبحانه عليها، كما ينبغي ويجب عليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن عليّ في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً. قال : هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال : فمن الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ؟ قال : منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن عليّ من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار ﴾ قال : الهلاك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا ﴾ قال : أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ قال : بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾ قال : دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ قال : من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال : إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال : يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلاّ في مطعمه ومشربه، فقد قلّ عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال : قال داود عليه السلام :( ربّ أخبرني ما أدنى نعمتك عليّ، فأوحى إليّ : يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم اغفر لي ظلمي وكفري. فقال قائل : يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر ؟ قال :﴿ إن الإنسان لظلوم كفار ﴾.

رَبِّ أَخْبِرْنِي مَا أَدْنَى نِعْمَتِكَ عَلَيَّ؟ فَأَوْحَى إِلَيَّ: يَا دَاوُدُ تَنَفَّسَ فَتَنَفَّسَ، فَقَالَ: هَذَا أَدْنَى نِعْمَتِي عَلَيْكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ظُلْمِي وَكُفْرِي، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الظُّلْمُ، فَمَا بَالُ الْكُفْرِ؟ قال: إن الإنسان لظلوم كفّار.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٥ الى ٤١]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)
قَوْلُهُ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيِ: اذْكُرْ وَقْتَ قَوْلِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِسِيَاقِ مَا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَانُ كُفْرِ قُرَيْشٍ بِالنِّعَمِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ، وَهِيَ إِسْكَانُهُمْ مَكَّةَ بَعْدَ مَا بَيَّنَ كُفْرَهُمْ بِالنِّعَمِ الْعَامَّةِ وَقِيلَ: إِنَّ ذِكْرَ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ هَاهُنَا لِمِثَالِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَقِيلَ: لِقَصْدِ الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَإِنْكَارِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ هُنَا مَكَّةُ دَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ آمِنًا، أَيْ:
ذَا أَمْنٍ، وَقَدَّمَ طَلَبَ الْأَمْنِ عَلَى سَائِرِ الْمَطَالِبِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْأَمْنُ لَمْ يَفْرَغِ الْإِنْسَانُ لِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً «١»، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَالِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا مُجَرَّدُ الْأَمْنِ لِلْبَلَدِ، وَالْمَطْلُوبَ هُنَالِكَ الْبَلَدِيَّةُ وَالْأَمْنُ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، يُقَالُ: جَنَّبْتُهُ كَذَا وَأَجْنَبْتُهُ وَجَنَّبْتُهُ أَيْ: بَاعَدْتُهُ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى:
بَاعِدْنِي، وَبَاعِدْ بَنِيَّ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ قِيلَ: أَرَادَ بَنِيهِ مِنْ صُلْبِهُ وَكَانُوا ثَمَانِيَةً، وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ دَعْوَتِهِ مِنْ بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ مَا تَنَاسَلُوا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ صَنَمًا، وَالصَّنَمُ: هُوَ التِّمْثَالُ الَّذِي كَانَتْ تَصْنَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا فَيَعْبُدُونَهُ.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ «وَأَجْنِبْنِي» بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ، عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ أَجْنَبَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ أَسْنَدَ الْإِضْلَالَ إِلَى الْأَصْنَامِ مَعَ كَوْنِهَا جَمَادَاتٍ لَا تَعْقِلُ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِضَلَالِهِمْ فَكَأَنَّهَا أَضَلَّتْهُمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِدُعَائِهِ لِرَبِّهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِي أَيْ: مَنْ تَبِعَ دِينِي مِنَ النَّاسِ فَصَارَ مُسْلِمًا مُوَحِّدًا فَإِنَّهُ مِنِّي أَيْ: مِنْ أَهْلِ دِينِي: جَعَلَ أَهْلَ مِلَّتِهِ كَنَفْسِهِ مُبَالَغَةً وَمَنْ عَصانِي فَلَمْ يُتَابِعْنِي وَيَدْخُلْ فِي مِلَّتِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لَهُ، وقيل: قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ لا يغفر أن يشرك
(١). البقرة: ١٢٦. [.....]
134
بِهِ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ الِاسْتِغْفَارُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَقِيلَ: الْمُرَادُ عِصْيَانُهُ هُنَا فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَغْفِرَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ قَالَ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ الفراء:
لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: بَعْضِ ذُرِّيَّتِي. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّهَا زَائِدَةٌ، أَيْ: أَسْكَنْتُ ذُرِّيَّتِي، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَسْكَنَ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ بَعْضُ وَلَدِهِ بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أَيْ: لَا زَرْعَ فِيهِ، وَهُوَ وَادِي مَكَّةَ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ أَيِ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ مَا يُسْتَبَاحُ فِي غَيْرِهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْجَبَابِرَةِ، وَقِيلَ: مُحَرَّمٌ مِنْ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ، أَوْ يُسْتَخَفَّ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ، ثُمَّ قَالَ: رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ اللام متعلقة بأسكنت أَيْ: أَسْكَنْتُهُمْ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فِيهِ، مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ، مُتَبَرِّكِينَ بِهِ، وَخَصَّهَا دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِمَزِيدِ فَضْلِهَا، وَلَعَلَّ تَكْرِيرَ النِّدَاءِ لِإِظْهَارِ الْعِنَايَةِ الْكَامِلَةِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ الْأَفْئِدَةُ: جَمْعُ فُؤَادٍ، وَهُوَ الْقَلْبُ، عُبِّرَ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ عُضْوٍ فِيهِ.
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ وَفْدٍ وَالْأَصْلُ أَوْفِدَةٌ فَقُدِّمَتِ الْفَاءُ، وَقْلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَجَعَلَ وُفُودًا مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَ «مِنْ» فِي مِنَ النَّاسِ لِلتَّبْعِيضِ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَحُجَّ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِدُخُولِهِمْ تَحْتَ لَفْظِ النَّاسِ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَوْجِيهُ قُلُوبِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ لِلسُّكُونِ مَعَهُمْ وَالْجَلْبِ إِلَيْهِمْ لَا تَوْجِيهُهَا إِلَى الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مرادا لقال لتهوي إِلَيْهِ وَقِيلَ: مِنْ لِلِابْتِدَاءِ، كَقَوْلِكَ: الْقَلْبُ مِنِّي سَقِيمٌ، يُرِيدُ قَلْبِي، وَمَعْنَى تَهْوِي إِلَيْهِمْ: تَنْزِعُ إليهم، يقال: هوى نحوه إذا مال، وهو النَّاقَةُ تَهْوِي هَوْيًا فَهِيَ هَاوِيَةٌ إِذَا عَدَتْ عَدْوًا شَدِيدًا كَأَنَّهَا تَهْوِي فِي بِئْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: تَجِيءُ إِلَيْهِمْ أَوْ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ أَيِ: ارْزُقْ ذُرِّيَّتِي الَّذِينَ أَسْكَنْتَهُمْ هُنَالِكَ أَوْ هُمْ وَمَنْ يُسَاكِنُهُمْ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَنْوَاعِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي تَنْبُتُ فِيهِ، أَوْ تُجْلَبُ إِلَيْهِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ نِعَمَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْهِمْ رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ أَيْ: مَا نَكْتُمُهُ وَمَا نُظْهِرُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْمُضْمَرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ سِيَّانِ.
قِيلَ: وَالْمُرَادُ هُنَا بما نُخْفِي مَا يُقَابِلُ مَا نُعْلِنُ، فَالْمَعْنَى مَا نُظْهِرُهُ وَمَا لَا نُظْهِرُهُ، وَقَدَّمَ مَا نُخْفِي عَلَى مَا نُعْلِنُ لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَظَاهِرُ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ عُمُومُ كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا يُخْفِيهِ إِبْرَاهِيمُ مِنْ وَجْدِهِ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ حَيْثُ أَسْكَنَهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَمَا يُعْلِنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: مَا يُخْفِيهِ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْوَجْدِ وَيُعْلِنُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَالْمَجِيءُ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُرِدْ نَفْسَهُ فَقَطْ، بَلْ أَرَادَ جَمِيعَ الْعِبَادِ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ بِكُلِّ مَا يُظْهِرُهُ الْعِبَادُ وَبِكُلِّ مَا لَا يُظْهِرُونَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَصْدِيقًا لِمَا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ بِمَا يُخْفِيهِ الْعِبَادُ وَمَا يُعْلِنُونَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَإِنَّمَا ذكر السموات وَالْأَرْضَ لِأَنَّهَا الْمُشَاهَدَةُ لِلْعِبَادِ، وَإِلَّا فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعَالَمِ، وَكُلِّ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَةٌ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَتَعْمِيمًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى بَعْضِ نِعَمِهِ الْوَاصِلَةِ إِلَيْهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ
135
إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
أَيْ: وَهَبَ لِي عَلَى كِبَرِ سنّي وسنّ امرأتي، وقيل: وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ واثنتي عشرة سنة، قيل: و «على» هنا بمعنى مع، أي: وهو لِي مَعَ كِبَرِي وَيَأْسِي عَنِ الْوَلَدِ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ أَيْ: لَمُجِيبُ الدُّعَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ سَمِعَ كَلَامَهُ إِذَا أَجَابَهُ وَاعْتَدَّ بِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمُبَالَغَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ لَكَثِيرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِمَنْ يَدْعُوكَ. ثُمَّ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُقِيمَ الصَّلَاةِ، مُحَافِظًا عَلَيْهَا، غَيْرَ مُهْمِلٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أَيْ: بَعْضَ ذُرِّيَّتِي أَيِ: اجْعَلْنِي وَاجْعَلْ بَعْضَ ذُرِّيَّتِي مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْبَعْضَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مِنْهُمْ مِنْ لَا يُقِيمُهَا كَمَا يَنْبَغِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيِ: اجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنَّ يَتَقَبَّلَ دُعَاءَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ دُعَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا.
قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ هُنَا الْعِبَادَةُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَتَقَبَّلْ عِبَادَتِي الَّتِي أَعْبُدُكَ بِهَا، ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِمَّا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَغْفِرَهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبِيرًا لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ الْكَبَائِرِ.
ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ لِوَالِدَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ «١». وَقِيلَ: كَانَتْ أُمُّهُ مَسْلِمَةً، وَقِيلَ: أَرَادَ بِوَالِدَيْهِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «وَلِوَالِدِي» بِالتَّوْحِيدِ عَلَى إِرَادَةِ الْأَبِ وَحْدَهُ. وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «وَلِوَلَدِي» يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَكَذَا قَرَأَ يحيى ابن يَعْمُرَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَظَاهِرُهُ شُمُولُ كُلِّ مُؤْمِنٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَقَطْ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ أَيْ: يَوْمَ يَثْبُتُ حِسَابُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْمَحْشَرِ، اسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظُ يَقُومُ الَّذِي هُوَ حَقِيقَتُهُ فِي قِيَامِ الرَّجُلِ لدلالة عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ الْآيَةَ قَالَ: فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ دَعْوَتَهُ فِي وَلَدِهِ، فَلَمْ يَعْبُدْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ صَنَمًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ، وَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَجَعَلَ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا، وَرَزَقَ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَجَعَلَهُ إِمَامًا، وَجَعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتَقَبَّلَ دُعَاءَهُ فَأَرَاهُ مَنَاسِكَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي «الدَّلَائِلِ» عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَاهُ السِّتَّةُ النَّفَرِ مِنَ الْأَنْصَارِ جَلَسَ إِلَيْهِمْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَرَقَّ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حِينَ سَمِعُوا مِنْهُ مَا سَمِعُوا وَأَجَابُوهُ. وأخرج الواقدي وابن عساكر عن طريق عامر ابن سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَارَةُ تَحْتَ إِبْرَاهِيمَ، فَمَكَثَتْ تَحْتَهُ دَهْرًا لَا تُرْزَقُ مِنْهُ وَلَدًا، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ وَهَبَتْ لَهُ هَاجَرَ أَمَةً لَهَا قِبْطِيَّةً، فَوَلَدَتْ لَهُ إِسْمَاعِيلَ، فَغَارَتْ مِنْ ذَلِكَ سَارَةُ وَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا وَعَتَبَتْ عَلَى هَاجَرَ، فَحَلَفَتْ أَنْ تَقْطَعَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أشرافا «٢»، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ: هَلْ لَكِ أَنْ تُبِرِّي يمينك؟ قالت: كيف أصنع؟
(١). التوبة: ١١٤.
(٢). أشراف الإنسان: أذناه وأنفه. (اللسان: شرف).
136
﴿ رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس ﴾ أسند الإضلال إلى الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل ؛ لأنها سبب لضلالهم فكأنها أضلتهم، وهذه الجملة تعليل لدعائه لربه، ثم قال :﴿ فَمَن تَبِعَنِي ﴾ أي : من تبع ديني من الناس فصار مسلماً موحداً ﴿ فَإِنَّهُ مِنّي ﴾ أي : من أهل ديني، جعل أهل ملته كنفسه مبالغة. ﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ فلم يتابعني ويدخل في ملتي ﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قادر على أن تغفر له. قيل : قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به. كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك، كذا قال ابن الأنباري. وقيل : المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك. وقيل : إن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
ثم قال :﴿ رَّبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال الفراء : من للتبعيض، أي : بعض ذرّيتي. وقال ابن الأنباري : إنها زائدة، أي : أسكنت ذرّيتي، والأوّل أولى ؛ لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده ﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ أي : لا زرع فيه، وهو وادي مكة ﴿ عِندَ بَيْتِكَ المحرم ﴾ أي : الذي يحرم فيه ما يستباح في غيره ؛ وقيل : إنه محرّم على الجبابرة. وقيل : محرم من أن تنتهك حرمته، أو يستخفّ به، وقد تقدم في سورة المائدة ما يغني عن الإعادة، ثم قال :﴿ ربنا ليقيموا الصلاة ﴾ اللام متعلقة بأسكنت، أي : أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه، متوجهين إليه، متبركين به، وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها، ولعلّ تكرير النداء لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة ﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ الأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، عبر به عن جميع البدن ؛ لأنه أشرف عضو فيه. وقيل : هو جمع وفد والأصل أوفدة، فقدّمت الفاء، وقلبت الواو ياء، فكأنه قال : وجعل وفوداً من الناس تهوي إليهم، و«من » في ﴿ من الناس ﴾ للتبعيض. وقيل : زائدة، ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ الناس ؛ لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم، لا توجيهها إلى الحجّ، ولو كان هذا مراداً لقال تهوي إليه، وقيل : من للابتداء كقولك : القلب مني سقيم، يريد قلبي، ومعنى ﴿ تهوي إليهم ﴾ : تنزع إليهم، يقال : هوى نحوه : إذا مال، وهوت الناقة تهوي هوياً فهي هاوية : إذا عدت عدواً شديداً كأنها تهوي في بئر، ويحتمل أن يكون المعنى : تجيء إليهم أو تسرع إليهم، والمعنى : متقارب، ﴿ وارزقهم مّنَ الثمرات ﴾ أي : أرزق ذريتي الذين أسكنتهم هنالك، أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التي تنبت فيه، أو تجلب إليه ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ نعمك التي أنعمت بها عليهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ ﴾ أي : ما نكتمه وما نظهره، لأن الظاهر والمضمر بالنسبة إليه سبحانه سيان. قيل والمراد هنا بما نخفي ما يقابل ما نعلن، فالمعنى : ما نظهره وما لا نظهره، وقدّم ما نخفي على ما نعلن للدلالة على أنهما مستويان في علم الله سبحانه. وظاهر النظم القرآني عموم كل ما لا يظهر وما يظهر من غير تقييد بشيء معين من ذلك. وقيل : المراد ما يخفيه إبراهيم من وجده بإسماعيل وأمه، حيث أسكنهما بوادٍ غير ذي زرع، وما يعلنه من ذلك. وقيل : ما يخفيه إبراهيم من الوجد ويعلنه من البكاء والدعاء. والمجيء بضمير الجماعة يشعر بأن إبراهيم لم يرد نفسه فقط، بل أراد جميع العباد، فكأن المعنى : أن الله سبحانه يعلم بكل ما يظهره العباد وبكل ما لا يظهرونه. وأما قوله :﴿ وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيء فَي الأرض وَلاَ فِي السماء ﴾ فقال جمهور المفسرين : هو من كلام الله سبحانه تصديقاً لما قاله إبراهيم من أنه سبحانه يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه، فقال سبحانه ﴿ وما يخفى على الله شيء ﴾ من الأشياء الموجودة كائناً ما كان. وإنما ذكر السماوات والأرض لأنها المشاهدة للعباد، وإلاّ فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو داخل في العالم، وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية. قيل : ويحتمل أن يكون هذا من قول إبراهيم تحقيقاً لقوله الأوّل، وتعميماً بعد التخصيص.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
ثم حمد الله سبحانه على بعض نعمه الواصلة إليه فقال :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ أي : وهب لي على كبر سني وسنّ امرأتي، قيل : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة، قيل : و«على » هنا بمعنى " مع " أي : وهو لي مع كبري ويأسي عن الولد ﴿ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدعاء ﴾ أي : لمجيب الدعاء، من قولهم : سمع كلامه : إذا أجابه واعتدّ به وعمل بمقتضاه، وهو من إضافة الصفة المتضمنة للمبالغة إلى المفعول، والمعنى : إنك لكثير إجابة الدعاء لمن يدعوك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظاً عليها غير مهمل لشيء منها، ثم قال :﴿ وَمِن ذُرّيَتِي ﴾ أي : بعض ذريتي، أي : اجعلني واجعل بعض ذريتي مقيمين للصلاة، وإنما خصّ البعض من ذريته ؛ لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغي. قال الزجاج : أي اجعل من ذرّيتي من يقيم الصلاة، ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم، ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولاً أوّلياً. قيل : والمراد بالدعاء هنا : العبادة، فيكون المعنى : وتقبل عبادتي التي أعبدك بها، ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه، مما يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيراً، لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه، وقد قيل : إنه دعا لهما بالمغفرة قبل أن يعلم أنهما عدوان لله سبحانه كما في قوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ [ التوبة : ١١٤ ]. وقيل : كانت أمه مسلمة، وقيل : أراد بوالديه : آدم وحوّاء. وقرأ سعيد بن جبير :" ولوالدي " بالتوحيد على إرادة الأب وحده. وقرأ إبراهيم النخعي :" ولولديّ " يعني : إسماعيل وإسحاق، وكذا قرأ يحيى بن يعمر، ثم استغفر للمؤمنين. وظاهره شمول كل مؤمن سواء كان من ذرّيته أو لم يكن منهم. وقيل : أراد المؤمنين من ذرّيته فقط. ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الحساب ﴾ أي : يوم يثبت حساب المكلفين في المحشر، استعير له لفظ يقوم الذي هو حقيقته في قيام الرجل للدلالة على أنه في غاية الاستقامة. وقيل : إن المعنى : يوم يقوم الناس للحساب. والأول أولى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته. واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب :( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم :﴿ وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ إلى آخر السورة، فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارّة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض : هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارّة : أراني إنما زدتها جمالاً، فلم تقارّه على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لو قال : أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية :﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ قال : تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي : أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال :( إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم ). وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان، قال السيوطي : بسندٍ حسن، عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّ اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخصّ به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾ قال : من حبّ إسماعيل وأمه ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾ قال : ما نظهر لسارّة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
قَالَ: اثْقُبِي أُذُنَيْهَا وَاخْفِضِيهَا، وَالْخَفْضُ: هُوَ الْخِتَانُ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِهَا، فَوَضَعَتْ هَاجَرُ فِي أُذُنَيْهَا قُرْطَيْنِ فَازْدَادَتْ بِهِمَا حُسْنًا، فَقَالَتْ سَارَةُ: أَرَانِي أَنَّمَا زِدْتُهَا جَمَالًا فَلَمْ تُقَارَّهُ «١» عَلَى كَوْنِهِ مَعَهَا، وَوَجِدَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَجْدًا شَدِيدًا، فَنَقَلَهَا إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يَزُورُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّامَ عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ: أَسْكَنَ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَالَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حاتم عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ وَطَاوُسًا وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: الْبَيْتُ تَهْوِي إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ يَأْتُونَهُ وَفِي لَفْظٍ قَالُوا: هَوَاهُمْ إِلَى مَكَّةَ أَنْ يَحُجُّوا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: تَهْوِي إِلَيْهِمْ قَالَ: تَنْزِعُ إِلَيْهِمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا دَعَا لِلْحَرَمِ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ نَقَلَ اللَّهُ الطَّائِفَ مِنْ فِلَسْطِينَ!. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَقَلَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الشَّامِ فَوَضَعَهَا بِالطَّائِفِ لِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَحَجَّ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ فَخَصَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ قَالَ: مِنَ الْحُزْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ:
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي قَالَ: مِنْ حُبِّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ وَما نُعْلِنُ قَالَ: مَا نُظْهِرُ لِسَارَةَ مِنَ الْجَفَاءِ لَهُمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قَالَ: هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ سَبْعَ عشرة سنة ومائة سنة.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦)
(١). قارّة مقارة: أي قرّ معه وسكن.
137
قَوْلُهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ لِأُمَّتِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَحْسَبُ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيضٍ لِأُمَّتِهِ فَمَعْنَاهُ التَّثْبِيتُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحُسْبَانِ كَقَوْلِهِ: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «١» وَنَحْوِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: وَلَا تَحْسَبَنَّهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْغَافِلِ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وَلَكِنْ مُعَامَلَةَ الرَّقِيبِ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحُسْبَانِ الْإِيذَانَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَةٌ. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْلَامٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ لَيْسَ لِلرِّضَا بِأَفْعَالِهِمْ، بَلْ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي إِمْهَالِ الْعُصَاةِ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أَيْ: يُؤَخِّرُ جَزَاءَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِظُلْمِهِمْ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالسُّلَمِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالنُّونِ فِي نُؤَخِّرُهُمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ. وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ وَمَعْنَى لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أَيْ: تُرْفَعُ فِيهِ أَبْصَارُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، وَلَا تُغْمِضُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. يُقَالُ: شَخَصَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ وَشَخَصَ الْبَصَرُ نَفْسُهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ هَوْلِ مَا يَرَى، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَبْصَارَ بَقِيَتْ مَفْتُوحَةً لَا تَتَحَرَّكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ مُهْطِعِينَ أَيْ: مُسْرِعِينَ، مِنْ أَهْطَعَ يَهْطَعُ إِهْطَاعًا إِذَا أَسْرَعَ وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ: الَّذِي يَنْظُرُ فِي ذُلٍّ وَخُشُوعٍ. وَمِنْهُ:
بِدَجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ بِدَجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السّماع «٢»
وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ: الَّذِي يُدِيمُ النَّظَرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ يَكُونُ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا، يَعْنِي الْإِسْرَاعَ مَعَ إِدَامَةِ النَّظَرِ وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ الَّذِي لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمُهْطِعُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي ذُلٍّ وَخُضُوعٍ وَقِيلَ: هُوَ السَّاكِتُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَهْطَعَ إِذَا أَسْرَعَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ أي: رافعي رؤوسهم، وَإِقْنَاعُ الرَّأْسِ: رَفْعُهُ، وَأَقْنَعَ صَوْتَهُ: إِذَا رَفَعَهُ، والمعنى: أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إِلَى السَّمَاءِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا نَظَرَ فَزَعٍ وَذُلٍّ وَلَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: إِنَّ إِقْنَاعَ الرَّأْسِ نَكْسُهُ وَقِيلَ: يُقَالُ أَقْنَعَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَأَقْنَعَ: إِذَا طَأْطَأَ ذِلَّةً وَخُضُوعًا، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْمِبْرَدُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْرَفُ فِي اللُّغَةِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنَغْضَ «٣» نَحْوِي رَأْسَهُ وَأَقْنَعَا كَأَنَّمَا أَبْصَرَ شَيْئًا أَطْمَعَا
لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أَيْ: لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ، وَأَصْلُ الطَّرْفِ: تَحْرِيكُ الْأَجْفَانِ وَسُمِّيَتِ الْعَيْنُ طَرْفًا لِأَنَّهُ يَكُونُ بِهَا، وَمِنْ إِطْلَاقِ الطَّرْفِ على العين قول عَنْتَرَةَ:
وَأَغُضُّ طَرَفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا
(١). الأنعام: ١٤.
(٢). في المطبوع: السماء. والمثبت من تفسير القرطبي (٩/ ٣٧٦).
(٣). «أنغض» حرّك.
138
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ الْهَوَاءُ فِي اللُّغَةِ: الْمُجَوَّفُ الْخَالِي الَّذِي لَمْ تَشْغَلْهُ الْأَجْرَامُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَهُمْ خَالِيَةٌ عَنِ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْفَزَعِ وَالْحَيْرَةِ وَالدَّهَشِ، وَجَعْلُهَا نَفْسَ الْهَوَى مُبَالَغَةٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَحْمَقِ وَالْجَبَانِ قَلْبُهُ هَوَاءٌ، أَيْ: لَا رَأْيَ فِيهِ وَلَا قُوَّةَ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا خَرَجَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهَا فَصَارَتْ فِي الْحَنَاجِرِ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ أَفْئِدَةَ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا خَالِيَةٌ عَنِ الْخَيْرِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَأَفْئِدَتُهُمْ ذَاتُ هَوَاءٍ. وَمِمَّا يُقَارِبُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً «١» أَيْ: خَالِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى وَأَنْذِرِ النَّاسَ هَذَا رُجُوعٌ إِلَى خطاب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُنْذِرَ النَّاسَ، وَالْمُرَادُ النَّاسُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ كُفَّارُ مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْكُفَّارُ عَلَى الْعُمُومِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِنْذَارَ كَمَا يَكُونُ لِلْكَافِرِ يَكُونُ أَيْضًا لِلْمُسْلِمِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ «٢». وَمَعْنَى: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ: خَوِّفْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَهُوَ يَوْمُ إِتْيَانِ الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ عَلَى ذِكْرِ إِتْيَانِ الْعَذَابِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ يَوْمَ إِتْيَانِ الثَّوَابِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَهْدِيدٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ يَوْمُ مَوْتِهِمْ فَإِنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إِتْيَانِ الْعَذَابِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ يَوْمُ هَلَاكِهِمْ بِالْعَذَابِ الْعَاجِلِ، وَانْتِصَابُ يَوْمَ عَلَى أنه مفعول ثان لأنذر فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ ظَلَمُوا هَاهُنَا هُمُ النَّاسُ، أَيْ: فَيَقُولُونَ، وَالْعُدُولُ إِلَى الْإِظْهَارِ مَكَانَ الْإِضْمَارِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ الْعِلَّةُ فِيمَا نَزَلَ بِهِمْ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُمُ الْكُفَّارَ. وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِمْ مَنْ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، فَالْمَعْنَى: فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَهُمُ الْكُفَّارُ رَبَّنا أَخِّرْنا أَمْهِلْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ إِلَى أَمَدٍ مِنَ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ غَيْرِ بَعِيدٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ أَيْ دَعْوَتَكَ لِعِبَادِكَ عَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِكَ إِلَى تَوْحِيدِكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ الْمُرْسَلِينَ مِنْكَ إِلَيْنَا فَنَعْمَلْ بِمَا بَلَّغُوهُ إِلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِكَ، وَنَتَدَارَكْ مَا فَرَطَ مِنَّا مِنَ الْإِهْمَالِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ الرُّسُلُ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ مُتَّفِقَةٌ، فَاتِّبَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اتِّبَاعٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهَذَا مِنْهُمْ سُؤَالٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا لَمَّا ظَهَرَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي الْآخِرَةِ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «٣». ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُمْ عِنْدَ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أَيْ: فَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ تَوْبِيخًا وتقريعا، أي: أو لم تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْيَوْمِ مَا لَكَمَ مِنْ زَوَالٍ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا قَسَمَ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لِسَانُ حَالِهِمْ ذَلِكَ لِاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي الشَّهَوَاتِ وَإِخْلَادِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: قَسَمُهُمْ هَذَا هُوَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «٤»، وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَإِنَّمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ فِي مَا لَكَمَ مِنْ زَوَالٍ لِمُرَاعَاةِ أَقْسَمْتُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: مَا لَنَا مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَيِ: اسْتَقْرَرْتُمْ، يُقَالُ: سَكَنَ الدَّارَ وَسَكَنَ فِيهَا، وَهِيَ بِلَادُ ثَمُودَ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْعِصْيَانِ لَهُ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ قَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ نُبَيِّنُ بِالنُّونِ وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي، أَيْ: تَبَيَّنَ لَكُمْ بِمُشَاهَدَةِ الْآثَارِ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الشَّدِيدِ بِمَا فَعَلُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَفَاعِلُ تَبَيَّنَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهُ، أَيْ: تَبَيَّنَ لَكُمْ فِعْلُنَا العجيب بهم
(١). القصص: ١٠.
(٢). يس: ١١.
(٣). الأنعام: ٢٨.
(٤). النحل: ٣٨.
139
وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ فِي كُتُبِ اللَّهِ وَعَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ إِيضَاحًا لَكُمْ وَتَقْرِيرًا وَتَكْمِيلًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فَعَلْنَا بِهِمْ مَا فَعَلْنَا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ قَدْ مَكَرُوا فِي رَدِّ الْحَقِّ وَإِثْبَاتِ الْبَاطِلِ مَكْرَهُمُ الْعَظِيمَ، الَّذِي اسْتَفْرَغُوا فِيهِ وُسْعَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أَيْ: وَعِنْدَ اللَّهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، أَوْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ مَكْرُهُمْ فَهُوَ مُجَازِيهِمْ، أَوْ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمُ الَّذِي يَمْكُرُهُمْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُ مضافا إلى المفعول وقيل: وَالْمُرَادُ بِهِمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مكروا بالنبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ هَمُّوا بِقَتْلِهِ أَوْ نَفْيِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا وَقَعَ مِنَ النُّمْرُوذِ حَيْثُ حَاوَلَ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ، فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ تَابُوتًا وَرَبَطَ قَوَائِمَهُ بِأَرْبَعَةِ نُسُورٍ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ قَرَأَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانَ النُّونِ. وَقَرَأَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْقُرَّاءِ وَإِنْ كانَ بِالنُّونِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْكِسَائِيُّ «لَتَزُولُ» بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ الِابْتِدَاءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهَا لَامُ الْجُحُودِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الِاخْتِيَارُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ، يَعْنِي قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ زَالَتْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَعَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ وَمَنْ مَعَهُ تَكُونُ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةَ، وَزَوَالُ الْجِبَالِ مَثَلٌ لِعِظَمِ مَكْرِهِمْ وَشِدَّتِهِ، أَيْ: وَإِنَّ الشَّأْنَ كَانَ مَكْرُهُمْ مُعَدًّا لِذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ يَبْلُغُ فِي الْكَيْدِ إِلَى إِزَالَةِ الْجِبَالِ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ دِينَهُ وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَالْمَعْنَى كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَاللَّامُ الْمَكْسُورَةُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «١» وَالْمَعْنَى: وَمُحَالٌّ أَنْ تَزُولَ الْجِبَالُ بِمَكْرِهِمْ، عَلَى أَنَّ الْجِبَالَ مَثَلٌ لِآيَاتِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ الثَّابِتَةِ عَلَى حَالِهَا مَدَى الدَّهْرِ، فَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مَكَرُوا لَا مِنْ قَوْلِهِ: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ مَكْرَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم، والخرائطي في مساوئ الْأَخْلَاقِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قَالَ: هِيَ تَعْزِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ وَوَعِيدٌ لِلظَّالِمِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ قَالَ: شَخَصَتْ فِيهِ وَاللَّهِ أَبْصَارُهُمْ فَلَا تَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُهْطِعِينَ قَالَ: يَعْنِي بِالْإِهْطَاعِ النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ أن يطرف مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ قال: الإقناع رفع رؤوسهم لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ قَالَ: شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، فَهِيَ كَالْخَرِبَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُهْطِعِينَ قَالَ: مُدِيمِي النَّظَرِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ مُهْطِعِينَ قَالَ: مُسْرِعِينَ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، خَرَجَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ فَنَشِبَتْ فِي حُلُوقِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حاتم عن مُرَّةَ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ قَالَ: مُنْخَرِقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يَقُولُ: أَنْذِرْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
(١). البقرة: ١٤٣.
140
﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ أي : مسرعين من أهطع يهطع إهطاعاً : إذا أسرع. وقيل : المهطع : الذي ينظر في ذلّ وخشوع، ومنه :
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
وقيل : المهطع : الذي يديم النظر. قال أبو عبيدة : قد يكون الوجهان جميعاً، يعني : الإسراع مع إدامة النظر ؛ وقيل : المهطع الذي لا يرفع رأسه. وقال ثعلب : المهطع الذي ينظر في ذلّ وخضوع. وقيل : هو الساكت. قال النحاس : والمعروف في اللغة أهطع : إذا أسرع ﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ ﴾ أي : رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس : رفعه، وأقنع صوته : إذا رفعه، والمعنى : أنهم يومئذٍ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذلّ، ولا ينظر بعضهم إلى بعض. وقيل : إن إقناع الرأس نكسه ؛ وقيل : يقال : أقنع : إذا رفع رأسه، وأقنع : إذا طأطأ ذلة وخضوعاً، والآية محتملة للوجهين. قال المبرد : والقول الأوّل أعرف في اللغة. قال الشاعر :
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئاً أطمعا
﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ أي : لا ترجع إليهم أبصارهم، وأصل الطرف : تحريك الأجفان، وسميت العين طرفاً، لأنه يكون بها، ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة :
وأغض طرفي [ إن ] بدت لي جارتي حتى [ يُوارِي ] جارتي مأواها
﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ الهواء في اللغة : المجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام، والمعنى : أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم، لما شاهدوا من الفزع [ والحيرة ] والدهش، وجعلها نفس الهوى مبالغة، ومنه قيل للأحمق والجبان : قلبه هواء، أي : لا رأي فيه ولا قوّة ؛ وقيل : معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت في الحناجر. وقيل : المعنى : أن أفئدة الكفار في الدنيا خالية عن الخير. وقيل : المعنى : أفئدتهم ذات هواء، ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغاً ﴾ [ القصص : ١٠ ]، أي : خالياً من كل شيء إلاّ من همّ موسى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مساوي الأخلاق عن ميمون بن مهران في قوله :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾ قال : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ قال : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ قال : يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف ﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ ﴾ قال : الإقناع رفع رؤوسهم ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ قال : شاخصة أبصارهم ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مهطعين ﴾ قال : مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مهطعين ﴾ قال : مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله :﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ قال : ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال : منخرقة لا تعي شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابم جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ يقول : أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ هو يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ قال : عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : ما كان مكرهم ﴿ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : شركهم كقوله :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ]. وأخرج عبد بن حميد، ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن عليّ ابن أبي طالب، أنه قرأ هذه الآية :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾ ثم فسرها فقال : إن جباراً من الجبابرة قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهنّ بأوتاد، ثم جوّعهنّ، ثم جعل على رأس الخشبة لحماً، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهنّ إلى قوائم التابوت، ثم خلي عنهنّ يردن اللحم، فذهبن به ما شاء الله، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى، ففتح فقال : انظر إلى الجبال كأنها الذباب، قال : أغلق فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال : افتح ففتح، فقال : انظر ماذا ترى، فقال : ما أرى إلاّ السماء، وما أراها تزداد إلاّ بعداً، قال : صوّب الخشبة فصوّبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدّتها فكادت تزول عن مراتبها. وقد روي نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في الدرّ المنثور.

﴿ وَأَنذِرِ الناس ﴾ هذا رجوع إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله سبحانه بأن ينذر الناس. والمراد : الناس على العموم ؛ وقيل : المراد : كفار مكة. وقيل : الكفار على العموم. والأوّل أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضاً للمسلم. ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر ﴾ [ يس : ١١ ]. ومعنى ﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ يوم القيامة، أي : خوّفهم هذا اليوم، وهو يوم إتيان العذاب، وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع كونه يوم إتيان الثواب ؛ لأن المقام مقام تهديد. وقيل : المراد : به : يوم موتهم ؛ فإنه أوّل أوقات إتيان العذاب ؛ وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، وانتصاب يوم على أنه مفعول ثانٍ لأنذر ﴿ فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ المراد بالذين ظلموا ها هنا : هم الناس، أي : فيقولون. والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم، هذا إذا كان المراد بالناس : هم الكفار. وعلى تقدير كون المراد بهم : من يعمّ المسلمين، فالمعنى : فيقول الذين ظلموا منهم وهم الكفار ﴿ ربنا أخرنا ﴾ أمهلنا ﴿ إلى أجل قريب ﴾ إلى أمد من الزمان معلوم غير بعيد ﴿ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ ﴾ أي : دعوتك لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك ﴿ وَنَتَّبِعِ الرسل ﴾ المرسلين منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك، ونتدارك ما فرط منا من الإهمال، وإنما جمع الرسل ؛ لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة ؛ فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم، وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق في الآخرة ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لعادوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ]. ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة، فقال :﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ أي : فيقال لهم هذا القول توبيخاً وتقريعاً، أي : أولم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا. وقيل : إنه لا قسم منهم حقيقة. وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم في الشهوات، وإخلادهم إلى الحياة الدنيا. وقيل : قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم في قوله :﴿ وَأَقْسَمُوا بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ ﴾ [ النحل : ٣٨ ]، وجواب القسم ﴿ مَالَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ وإنما جاء بلفظ الخطاب في ﴿ ما لكم من زوال ﴾ لمراعاة ﴿ أقسمتم ﴾ ولولا ذلك لقال : مالنا من زوال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مساوي الأخلاق عن ميمون بن مهران في قوله :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾ قال : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ قال : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ قال : يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف ﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ ﴾ قال : الإقناع رفع رؤوسهم ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ قال : شاخصة أبصارهم ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مهطعين ﴾ قال : مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مهطعين ﴾ قال : مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله :﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ قال : ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال : منخرقة لا تعي شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابم جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ يقول : أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ هو يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ قال : عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : ما كان مكرهم ﴿ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : شركهم كقوله :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ]. وأخرج عبد بن حميد، ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن عليّ ابن أبي طالب، أنه قرأ هذه الآية :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾ ثم فسرها فقال : إن جباراً من الجبابرة قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهنّ بأوتاد، ثم جوّعهنّ، ثم جعل على رأس الخشبة لحماً، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهنّ إلى قوائم التابوت، ثم خلي عنهنّ يردن اللحم، فذهبن به ما شاء الله، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى، ففتح فقال : انظر إلى الجبال كأنها الذباب، قال : أغلق فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال : افتح ففتح، فقال : انظر ماذا ترى، فقال : ما أرى إلاّ السماء، وما أراها تزداد إلاّ بعداً، قال : صوّب الخشبة فصوّبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدّتها فكادت تزول عن مراتبها. وقد روي نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في الدرّ المنثور.

﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ أي : استقررتم، يقال : سكن الدار وسكن فيها، وهي بلاد ثمود ونحوهم من الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله، والعصيان له ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ﴾ قرأ عبد الرحمن السلمي «نبين » بالنون والفعل المضارع، وقرأ من عداه بالتاء الفوقية والفعل الماضي، أي : تبين لكم بمشاهدة الآثار كيف فعلنا بهم من العقوبة والعذاب الشديد بما فعلوه من الذنوب، وفاعل تبين ما دلت عليه الجملة المذكورة بعده، أي : تبين لكم فعلنا العجيب بهم ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال ﴾ في كتب الله وعلى ألسن رسله إيضاحاً لكم وتقريراً وتكميلاً للحجة عليكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مساوي الأخلاق عن ميمون بن مهران في قوله :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾ قال : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ قال : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ قال : يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف ﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ ﴾ قال : الإقناع رفع رؤوسهم ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ قال : شاخصة أبصارهم ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مهطعين ﴾ قال : مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مهطعين ﴾ قال : مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله :﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ قال : ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال : منخرقة لا تعي شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابم جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ يقول : أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ هو يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ قال : عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : ما كان مكرهم ﴿ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : شركهم كقوله :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ]. وأخرج عبد بن حميد، ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن عليّ ابن أبي طالب، أنه قرأ هذه الآية :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾ ثم فسرها فقال : إن جباراً من الجبابرة قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهنّ بأوتاد، ثم جوّعهنّ، ثم جعل على رأس الخشبة لحماً، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهنّ إلى قوائم التابوت، ثم خلي عنهنّ يردن اللحم، فذهبن به ما شاء الله، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى، ففتح فقال : انظر إلى الجبال كأنها الذباب، قال : أغلق فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال : افتح ففتح، فقال : انظر ماذا ترى، فقال : ما أرى إلاّ السماء، وما أراها تزداد إلاّ بعداً، قال : صوّب الخشبة فصوّبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدّتها فكادت تزول عن مراتبها. وقد روي نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في الدرّ المنثور.

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ﴾ الجملة في محل نصب على الحال، أي : فعلنا بهم ما فعلنا، والحال أنهم قد مكروا في ردّ الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم، الذي استفرغوا فيه وسعهم ﴿ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ ﴾ أي : وعند الله جزاء مكرهم، أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم، أو وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، على أن يكون المكر مضافاً إلى المفعول، قيل : والمراد بهم : قوم محمد صلى الله عليه وسلم مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله أو نفيه. وقيل : المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء، فاتخذ لنفسه تابوتاً، وربط قوائمه بأربعة نسور. ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾ قرأ عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي «وإن كاد مكرهم » بالدال المهملة مكان النون. وقرأ غيرهم من القراء ( وإن كان ) بالنون. وقرأ ابن محيص، وابن جريج، والكسائي «لتزول » بفتح اللام على أنها لام الابتداء، وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود. قال ابن جرير : الاختيار هذه القراءة، يعني : قراءة الجمهور ؛ لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة، فعلى قراءة الكسائي ومن معه تكون إن هي المخففة من الثقيلة. واللام هي الفارقة، وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدّته، أي : وإن الشأن كان مكرهم معدّاً لذلك. قال الزجاج : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه. وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون «إن » هي المخففة من الثقيلة، والمعنى كما مرّ. والثاني : أن تكون نافية، واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] والمعنى : ومحال أن تزول الجبال بمكرهم، على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدهر، فالجملة على هذا حال من الضمير في ﴿ مكروا ﴾ لا من قوله :﴿ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ ﴾ أي : والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مساوي الأخلاق عن ميمون بن مهران في قوله :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾ قال : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ قال : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ قال : يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف ﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسَهُمْ ﴾ قال : الإقناع رفع رؤوسهم ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ قال : شاخصة أبصارهم ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ مهطعين ﴾ قال : مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ﴿ مهطعين ﴾ قال : مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله :﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ قال : ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال : منخرقة لا تعي شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابم جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ يقول : أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ هو يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله :﴿ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ﴾ قال : بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ قال : عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : ما كان مكرهم ﴿ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾ يقول : شركهم كقوله :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ]. وأخرج عبد بن حميد، ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن عليّ ابن أبي طالب، أنه قرأ هذه الآية :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال ﴾ ثم فسرها فقال : إن جباراً من الجبابرة قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهنّ بأوتاد، ثم جوّعهنّ، ثم جعل على رأس الخشبة لحماً، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهنّ إلى قوائم التابوت، ثم خلي عنهنّ يردن اللحم، فذهبن به ما شاء الله، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى، ففتح فقال : انظر إلى الجبال كأنها الذباب، قال : أغلق فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال : افتح ففتح، فقال : انظر ماذا ترى، فقال : ما أرى إلاّ السماء، وما أراها تزداد إلاّ بعداً، قال : صوّب الخشبة فصوّبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدّتها فكادت تزول عن مراتبها. وقد روي نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في الدرّ المنثور.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ قَالَ: عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا تَقُولُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ قَالَ: بَعْثٍ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ قَالَ: عَمِلْتُمْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ يَقُولُ: مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ يَقُولُ: شِرْكُهُمْ كَقَوْلِهِ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا «١». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ثُمَّ فَسَّرَهَا فَقَالَ: إِنَّ جَبَّارًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ قَالَ:
لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَ بِفِرَاخِ النُّسُورِ تُعْلَفُ اللَّحْمَ حَتَّى شَبَّتْ وَغَلُظَتْ، وَأَمَرَ بِتَابُوتٍ فَنُجِرَ يَسَعُ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَ فِي وَسَطِهِ خَشَبَةً، ثُمَّ رَبَطَ أَرْجُلَهُنَّ بِأَوْتَادٍ، ثُمَّ جَوَّعَهُنَّ، ثُمَّ جَعَلَ على رأس الخشبة لحمة، ثُمَّ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ رَبَطَهُنَّ إِلَى قَوَائِمِ التَّابُوتِ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُنَّ يُرِدْنَ اللَّحْمَ، فَذَهَبْنَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: افْتَحْ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى فَفَتَحَ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَى الْجِبَالِ كَأَنَّهَا الذُّبَابُ، قَالَ:
أَغْلِقْ فَأَغْلَقَ، فَطِرْنَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: افْتَحْ فَفَتَحَ، فَقَالَ: انْظُرْ مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: مَا أَرَى إِلَّا السَّمَاءَ وَمَا أَرَاهَا تَزْدَادُ إِلَّا بُعْدًا، قَالَ: صَوِّبِ الْخَشَبَةَ، فَصَوَّبَهَا فَانْقَضَّتْ تُرِيدُ اللَّحْمَ، فَسَمِعَ الْجِبَالَ هَدَّتَهَا فَكَادَتْ تَزُولُ عَنْ مَرَاتِبِهَا. وَقَدْ رُوِيَ نحو هذه القصة لبختنصر وَلِلنُّمْرُوذِ مِنْ طُرُقٍ ذِكْرُهَا فِي «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٧ الى ٥٢]
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١)
هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
مُخْلِفَ مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ تَحْسَبَنَّ، وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده، وقيل: وَذَلِكَ عَلَى الِاتِّسَاعِ، وَالْمَعْنَى: مُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ. قال القتبي: هُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي يُوَضِّحُهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخَّرُ الَّذِي يُوَضِّحُهُ التَّقْدِيمُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ وَمُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ، وَمِثْلُ مَا في الآية قول الشاعر:
ترى الدّور مُدْخِلَ الظِّلِّ رَأْسَهُ وَسَائِرُهَ بَادٍ إِلَى الشَّمْسِ أَجْمَعُ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدَّمَ الْوَعْدَ لِيُعْلِمَ أَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ أَصْلًا كَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ «٢» ثُمَّ قَالَ رُسُلَهُ: لِيُؤْذِنَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُخْلِفْ وَعْدَهُ أَحَدًا، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ إِخْلَافُ الْمَوَاعِيدِ، فَكَيْفَ يُخْلِفُهُ رُسُلَهُ الَّذِينَ هُمْ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْوَعْدِ هُنَا هُوَ مَا وَعَدَهُمْ سبحانه بقوله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا «٣»
(١). مريم: ٩٠.
(٢). آل عمران: ٩.
(٣). غافر: ٥١. [.....]
141
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي «١» وَقُرِئَ: «مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ» بِجَرِّ رُسُلِهِ وَنَصْبِ وَعْدِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِي الضَّعْفِ كَمَنْ قَرَأَ: «قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ». إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَالِبٌ لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ ذُو انتِقامٍ يَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قَالَ الزَّجَّاجُ: انْتِصَابُ يَوْمَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ لِلِانْتِقَامِ انْتَهَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِمُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، أَيْ: وَاذْكُرْ أَوْ وَارْتَقِبْ، وَالتَّبْدِيلُ قَدْ يَكُونُ فِي الذَّاتِ كَمَا فِي بَدَّلْتُ الدَّرَاهِمَ دَنَانِيرَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ كَمَا فِي بَدَّلْتُ الْحَلْقَةَ خَاتَمًا، وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ تَغَيُّرُ صِفَاتِهَا، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: تَغَيُّرُ ذَاتِهَا، ومعنى وَالسَّماواتُ أي: وتبدّل السّموات غير السّموات عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ أَيْ: بَرَزَ الْعِبَادُ لِلَّهِ أَوِ الظَّالِمُونَ كَمَا يُفِيدُهُ السِّيَاقُ أَيْ:
ظَهَرُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، أَوْ ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ، وَالتَّعْبِيرُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ «٢» والْواحِدِ الْقَهَّارِ «٣» الْمُتَفَرِّدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ الْكَثِيرُ الْقَهْرِ لِمَنْ عَانَدَهُ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ مَعْطُوفٌ عَلَى بَرَزُوا أَوْ عَلَى تُبَدَّلُ، وَالْمَجِيءُ بِالْمُضَارِعِ لاستحضار الصورة، والمجرمون هم المشركون، ويومئذ يعني يوم القيامة، ومُقَرَّنِينَ أَيْ: مَشْدُودِينَ إِمَّا بِجَعْلِ بَعْضِهِمْ مَقْرُونًا مَعَ بَعْضٍ، أَوْ قُرِنُوا مَعَ الشَّيَاطِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ «٤» أَوْ جُعِلَتْ أَيْدِيهُمْ مَقْرُونَةً إِلَى أَرْجُلِهِمْ، وَالْأَصْفَادُ: الأغلال والقيود، والجار والمجرور متعلّق بمقرّنين أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ، يُقَالُ: صَفَدْتُهُ صَفْدًا، أَيْ: قَيَّدْتُهُ. وَالِاسْمُ الصَّفْدُ، فَإِذَا أَرَدْتَ التَّكْثِيرَ قُلْتَ: صَفَّدْتُهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يَشُدُّ صَفَادَهُ صقر إذا لاقى الكريهة حام
وَيُقَالُ: صَفَدْتُهُ وَأَصْفَدْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
...................
وَلَمْ أُعَرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بِالصَّفَدِ «٥»
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ السَّرَابِيلُ: الْقُمُصُ، وَاحِدُهَا سِرْبَالٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
وَالْقَطِرَانُ: هُوَ قَطِرَانُ الْإِبِلِ الَّذِي تَهْنَأُ بِهِ أَيْ: قُمْصَانُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ تُطْلَى بِهِ جُلُودُهُمْ حَتَّى يَعُودَ ذَلِكَ الطِّلَاءُ كَالسَّرَابِيلِ وَخُصَّ القطران لسرعة اشتعال النهار فِيهِ مَعَ نَتْنِ رَائِحَتِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ
(١). المجادلة: ٢١.
(٢). الكهف: ٩٩.
(٣). يوسف: ٣٩.
(٤). الزخرف: ٣٦.
(٥). وصدره: هذا الثناء فإن تسمع لقائله. ومعنى «أبيت اللعن» : أبيت أن تأتي شيئا تلعن عليه.
142
النُّحَاسُ: أَيْ: قُمْصَانُهُمْ مِنْ نُحَاسٍ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ مِنْ قَطِرانٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ.
وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ، رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيَعْقُوبَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ أَيْ: تَعْلُو وجههم وَتَضْرِبُهَا وَخَصَّ الْوُجُوهَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مَا فِي الْبَدَنِ، وَفِيهَا الْحَوَاسُّ الْمُدْرِكَةُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نصب على الحال أيضا، ولِيَجْزِيَ اللَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ لِيَجْزِيَ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ مِنَ الْمَعَاصِي أَيْ: جَزَاءً مُوَافِقًا لِمَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لَا يَشْغَلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ هَذَا بَلاغٌ أَيْ: هَذَا الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ بَلَاغٌ، أَيْ: تَبْلِيغٌ وَكِفَايَةٌ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ. قِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا إِلَى سَرِيعُ الْحِسابِ أَيْ: هَذَا فِيهِ كِفَايَةٌ مِنْ غَيْرِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ السُّورَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْقُرْآنِ، وَمَعْنَى لِلنَّاسِ لِلْكُفَّارِ، أَوْ لِجَمِيعِ النَّاسِ عَلَى مَا قِيلَ فِي قوله: وَأَنْذِرِ النَّاسَ.
وَلِيُنْذَرُوا بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، أَيْ: لِيُنْصَحُوا وَلِيُنْذَرُوا بِهِ، وَالْمَعْنَى: وَلِيُخَوَّفُوا بِهِ، وَقُرِئَ «وَلِيَنْذَرُوا» بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، يُقَالُ: نَذَرْتُ بِالشَّيْءِ أَنْذِرَ إِذَا عَلِمْتَ بِهِ فَاسْتَعْدَدْتَ لَهُ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ أَيْ: لِيَعْلَمُوا بِالْأَدِلَّةِ التَّكْوِينِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقًا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وأنه لا شريك له وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أَيْ: وَلِيَتَّعِظَ أَصْحَابُ الْعُقُولِ، وَهَذِهِ اللَّامَاتُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَلَاغِ الْمَذْكُورِ، أَيْ: كِفَايَةً لَهُمْ فِي أَنْ يُنْصَحُوا وَيُنْذَرُوا وَيَعْلَمُوا بِمَا أَقَامَ اللَّهُ مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ وَحْدَانِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِيَتَّعِظَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ الْعُقُولِ الَّتِي تَعْقِلُ وَتُدْرِكُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ قَالَ: عَزِيزٌ وَاللَّهِ فِي أَمْرِهِ، يُمْلِي وَكَيْدُهُ مَتِينٌ، ثُمَّ إِذَا انْتَقَمَ انْتَقَمَ بِقُدْرَةٍ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ». وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قُلْتُ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ». وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي قَوْلِ اللَّهِ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ، كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا خَطِيئَةٌ». وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنْهُ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عن زيد ابن ثَابِتٍ قَالَ: «أَتَى الْيَهُودُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: جَاءُونِي يَسْأَلُونَنِي وَسَأُخْبِرُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُونِي يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالنَّقِيِّ». وَأَخْرَجَ ابْنُ
143
مَرْدَوَيْهِ مَرْفُوعًا عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ». وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ» الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ قَالَ الْكُبُولُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْأَصْفادِ قَالَ: الْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: فِي السَّلَاسِلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأَصْفادِ يَقُولُ: فِي وِثَاقٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ سَرابِيلُهُمْ قَالَ: قُمُصُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ:
مِنْ قَطِرانٍ قَالَ: قَطِرَانِ الْإِبِلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: هَذَا الْقَطِرَانُ يُطْلَى بِهِ حَتَّى يَشْتَعِلَ نَارًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ مِنْ قَطِرانٍ فقال: القطر: الصّفر، و: الآن: الْحَارُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مَنْ جَرَبٍ». وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ قَالَ:
الْقُرْآنُ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ قال: بالقرآن.
144
﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال الزجاج : انتصاب ﴿ يوم ﴾ على البدل من ﴿ يوم يأتيهم ﴾، أو على الظرف للانتقام. انتهى. ويجوز أن ينتصب بمقدّر يدل عليه الكلام، أي : واذكر، أو وارتقب، والتبديل قد يكون في الذات، كما في : بدّلت الدراهم دنانير، وقد يكون في الصفات كما في : بدّلت الحلقة خاتماً. والآية تحتمل الأمرين. وقد قيل : المراد : تغير صفاتها. وبه قال الأكثر، وقيل تغير ذاتها، ومعنى ﴿ والسماوات ﴾ أي : وتبدّل السماوات غير السماوات على الاختلاف الذي مرّ ﴿ وَبَرَزُوا للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ ﴾ أي : برز العباد لله، أو الظالمون كما يفيده السياق، أي : ظهروا من قبورهم، أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه. والتعبير على المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه كما في قوله :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ [ يس : ٥١، الزمر : ٦٨، ق : ٢٠ ] و﴿ الواحد القهار ﴾ المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ قال : عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان، قال :( جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " الظلمة دون [ الجسر ] ". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة، قالت :( أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قالت : أين الناس يومئذٍ ؟ قال : على الصراط ). وأخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قول الله ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال :( أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي : والموقوف أصح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال :( أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال : أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا : أرض بيضاء كالنقيّ ) وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ) وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ قال : الكبول. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في ﴿ الأصفاد ﴾ قال : القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فِي الأصفاد ﴾ يقول : في وثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قال : قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ قال : قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ فقال : القطر : الصفر، والآن : الحارّ. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ هذا بلاغ لّلنَّاسِ ﴾ قال : القرآن، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ قال : القرآن.

﴿ وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ معطوف على ﴿ برزوا ﴾ أو على ﴿ تبدّل ﴾، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة، والمجرمون هم : المشركون، و﴿ يومئذٍ ﴾ يعني : يوم القيامة، و﴿ مُقْرِنِينَ ﴾ أي : مشدودين إما بجعل بعضهم مقروناً مع بعض، أو قرنوا مع الشياطين، كما في قوله :﴿ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [ الزخرف : ٣٦ ]. أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم، والأصفاد : الأغلال، والقيود. والجار والمجرور متعلق بمقرّنين، أو حال من ضميره. يقال : صفدته صفداً، أي : قيدته، والاسم : الصفد، فإذا أردت التكثير، قلت صَفَّدته. قال عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا *** وأبنا بالملوك مصفدينا
وقال حسان بن ثابت :
من بين مأسور يشدّ صفاده *** صقر إذا لاقى الكريهة حامي
ويقال : صفدته وأصفدته : إذا أعطيته. ومنه قول النابغة :
ولم أعرّض أبيت اللعن بالصف ***. . .
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ قال : عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان، قال :( جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " الظلمة دون [ الجسر ] ". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة، قالت :( أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قالت : أين الناس يومئذٍ ؟ قال : على الصراط ). وأخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قول الله ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال :( أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي : والموقوف أصح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال :( أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال : أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا : أرض بيضاء كالنقيّ ) وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ) وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ قال : الكبول. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في ﴿ الأصفاد ﴾ قال : القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فِي الأصفاد ﴾ يقول : في وثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قال : قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ قال : قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ فقال : القطر : الصفر، والآن : الحارّ. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ هذا بلاغ لّلنَّاسِ ﴾ قال : القرآن، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ قال : القرآن.

﴿ سَرَابِيلُهُم مّن قَطرَانٍ ﴾ السرابيل : القُمص، واحدها سربال. ومنه قول كعب بن مالك :
تلقاكم عصب حول النبيّ لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
والقطران : هو قطران الإبل الذي تهنأ، به أي : قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم، حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل. وخصّ القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته. وقال جماعة : هو النحاس، أي : قمصانهم من نحاس. وقرأ عيسى بن عمر " من قطران " بفتح القاف، وتسكين الطاء. وقرئ بكسر القاف وسكون الطاء. وقرئ بفتح القاف والطاء. رويت هذه القراءة عن ابن عباس، وأبي هريرة، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ويعقوب وهذه الجملة في محل نصب على الحال ﴿ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار ﴾ أي : تعلو وجوههم وتضر بها ؛ وخص الوجوه ؛ لأنها أشرف ما في البدن، وفيها الحواس المدركة، والجملة في محل نصب على الحال أيضاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ قال : عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان، قال :( جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " الظلمة دون [ الجسر ] ". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة، قالت :( أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قالت : أين الناس يومئذٍ ؟ قال : على الصراط ). وأخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قول الله ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال :( أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي : والموقوف أصح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال :( أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال : أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا : أرض بيضاء كالنقيّ ) وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ) وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ قال : الكبول. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في ﴿ الأصفاد ﴾ قال : القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فِي الأصفاد ﴾ يقول : في وثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قال : قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ قال : قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ فقال : القطر : الصفر، والآن : الحارّ. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ هذا بلاغ لّلنَّاسِ ﴾ قال : القرآن، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ قال : القرآن.

و﴿ لّيَجْزِىَ الله ﴾ متعلق بمحذوف، أي : يفعل ذلك بهم ليجزي ﴿ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾ من المعاصي، أي : جزاء موافقاً لما كسبت من خير أو شرّ ﴿ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾ لا يشغله عنه شيء. وقد تقدّم تفسيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ قال : عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان، قال :( جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " الظلمة دون [ الجسر ] ". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة، قالت :( أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قالت : أين الناس يومئذٍ ؟ قال : على الصراط ). وأخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قول الله ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال :( أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي : والموقوف أصح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال :( أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال : أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا : أرض بيضاء كالنقيّ ) وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ) وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ قال : الكبول. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في ﴿ الأصفاد ﴾ قال : القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فِي الأصفاد ﴾ يقول : في وثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قال : قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ قال : قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ فقال : القطر : الصفر، والآن : الحارّ. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ هذا بلاغ لّلنَّاسِ ﴾ قال : القرآن، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ قال : القرآن.

﴿ هذا بلاغ ﴾ أي : هذا الذي أنزل إليك بلاغ، أي : تبليغ وكفاية في الموعظة والتذكير. قيل : إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا ﴾ إلى ﴿ سَرِيعُ الحساب ﴾ أي : هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة. وقيل : الإشارة إلى جميع السورة. وقيل : إلى القرآن. ومعنى :﴿ لِلنَّاسِ ﴾ للكفار، أو لجميع الناس على ما قيل في قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس ﴾، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ معطوف على محذوف، أي : لينصحوا ولينذروا به، والمعنى : وليخوفوا به، وقرئ ( ولينذروا ) بفتح الياء التحتية والذال المعجمة. يقال : نذرت بالشيء أنذر : إذا علمت به فاستعددت له. ﴿ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ ﴾ أي : ليعلموا بالأدلة التكوينية المذكورة سابقاً وحدانية الله سبحانه، وأنه لا شريك له ﴿ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الألباب ﴾ أي : وليتعظ أصحاب العقول. وهذه اللامات متعلقة بمحذوف، والتقدير : وكذلك أنزلنا، أو متعلقة بالبلاغ المذكور، أي : كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه، وأنه لا شريك له، وليتعظ بذلك أصحاب العقول التي تعقل وتدرك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ قال : عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان، قال :( جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في " الظلمة دون [ الجسر ] ". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة، قالت :( أنا أوّل من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قالت : أين الناس يومئذٍ ؟ قال : على الصراط ). وأخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قول الله ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال :( أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ) وأخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي : والموقوف أصح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال :( أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض ﴾ قال : أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا : أرض بيضاء كالنقيّ ) وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن عليّ نحو ما تقدّم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ) وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ قال : الكبول. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في ﴿ الأصفاد ﴾ قال : القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فِي الأصفاد ﴾ يقول : في وثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي ﴿ سَرَابِيلُهُم ﴾ قال : قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ قال : قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ مّن قَطِرَانٍ ﴾ فقال : القطر : الصفر، والآن : الحارّ. وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ) وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ هذا بلاغ لّلنَّاسِ ﴾ قال : القرآن، ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ قال : القرآن.

Icon